محمد المجراب
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى… كفى برهانا على خلود الإسلام وعلى أنه دين الله المختار الذي صنع ليعيش إلى آخر الزمن، وعلى خلود هذه الأمة وعلى أنها هي الأمة الأخيرة… وعلى أنها منجبة منتجة،مورقة مزهرة، وكفى برهانا على ذلك وجود هؤلاء المصلحين والمجاهدين والعباقرة والنوابغ والموهوبين والمؤيدين والمربين وقادة الإصلاح الموفقين الذين ظهروا ونبغوا في أحوال غير مساعدة، وفي أجواء غير موافقه،بل في أزمنة مظلمة حالكة، وفي بيئات قاتلة فاتكة، في مثل تلك الأجواء ظهر شهيدنا محمد المجراب الذي قفز وراء الأستار، أو من ركام الأنقاض والآثار ليفاجأ الركب الهادئ الوادع الذي لايعرف غير الوصول إلى غايته المرسومة المحدودة..
فكان العامل للدعوة والإصلاح والممعن النظر في ضرورة استئناف التفكير في الأوضاع العامة ومصير الأمة التي أخرجت للناس وإصلاح ماقد عطب منها ودفع ما أستنقذ إلى ميادين العمل للدعوة المباركة.. إلى حياة كريمة فاضلة وإلى مدينة سليمة صالحة وإلى مجتمع رشيد عادل وإيمان عميق جديد واسلاما قويا حاكم وليرفع بذلك صوتا مدويا عاليا يظطرب به الركب وتهتز به مشاعره وعواطفه وقيمه ومفاهيمه، ولايستطيع أن يتغافل عنه أو يتجاهله أو يستخف به ويستمر في سيره واثقا بنصر الله. إن من أهم ملامح الإخوان المسلمين أنها نقلت المسلم من السير الإنفرادي إلى السير الجماعي، وأنها أحدثت في الذات الإنسانية تغييرا على ضوء نظرية واضحة المعالم، وأنها فجرت طاقات الأخ اليوميه في العمل لخدمة الإسلام.. إنها طاقات تعمل لإستكمال الأجهزة لبناء الدولة الإسلاميةوإستمرارها…
ولد الشهيد محمد ابراهيم المجراب في عام 1949م وهو من سكان بنغازي والتي أتم بها تعليمه الإبتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي.. حيث كان تخرجه من جامعة [قاريونس] في عام 1974م من كلية الإقتصاد- قسم الإدارة العامة وذلك بتقدير عام {جيد جدا} وفور تخرجه إلتحق بالعمل في الجهاز المركزي للرقابة العامة - فرع بنغازي، وظل بها إلى أن تحصل على بعثة دراسية للولايات المتحدة الأمريكية وذلك في عام 1978م في تخصص الإدارة العامة…حيث نال شهادة الماجستير بتقدير [ أمتـــياز ] عاد بعدها لأرض الوطن في عام 1981م.. حيث واصل العطاء والدعوة إلى دينه بهمة لاتعرف الراحة إليها سبيلا فواصل الليل بالنهار إبتغاء مرضاة الرحمن إلى أن قدر الله وأعتقل في شهر يونيو من عام 1984م من قبل أجهزة امن بنغازي وتم ترحيله إلى سجن [ بوسليم ] السياسي بطرابلس..
وفي آواخر عام 1984م تم وضع الشهيد بزنزانة إنفرادية ظل بها حتى شهر مارس عام 1988م (أصبح الصبح) حيث ألحق بالسجن الجماعي مع بقية إخوانه.. إلى أن أصطفاه ربه إليه في شهر يونيو عام 1990م… حفظ الشهيد القرآن وختمه في الفترة مابين [يونيو 1984م وحتى نهاية العام نفسه]… لقد كان الشهيد مصابا بمرض السكر قبيل إعتقاله وفي السجن أصيب بمرض الضغط ولم يلق أي رعاية طبية ولاعلاجا او دواء طيلة فترة سجنه وحتى وفاته على فخذ أحد إخوانه وهو يتلوا آيات القرآن الكريم.
يانفس قد أزف الرحيل
وأظلك الخطب الجليل
فتأهبي يانفس لا يلعب
بك الأمل الطــــويــل
هي جنة أونار… فوز أو خسار… نعيم أو جحيم… سعادة أو عذاب أليم… كأنك بالتعب قد مضى وبذر الصبر قد أثمر حلاوة الرضا!! ثم ماذا بعد؟؟. جنات تجري من تحتها الأنهار؟؟ فيها مالاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر:
[يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفسا ماقدمت لغد، واتقوا الله،إن الله خبير بما تعملون]. نسأل الله أن يرحم شهيدنا ويغفر له وأن يفسح له في قبره وان يتقبله عنده من الشهداء.. وأن يثأر له من ظالميه ومعذبيه [اللهم اجعل دمي لعنة عليه إلى يوم القيامة… اللهم إني على دينك وفي سبيلك وأموت عليه… اللهم هذا الطاغوت تكبر وتجبر.. اللهم رحمتك وجنتك.. يا أرحم الراحمين.. وإنا لله وإنا إليه راجعون]- من كلمات الشهيد سيد قطب.
ملاحظة: نقلا عن شاهد عيان أنه رأى الشهيد بعد استشهاده وقد علت بمحياه مسحة من نور، ولا نزكي على الله أحدا.
وعلى العهد يمضي الإخوان المسلمون في ليبيا حتى ترتفع راية الإسلام خفاقة كما كانت.. وأن الله مع الصابرين.
سعيد الجطلاوي/سويسرا