أيها الأحباب.. الإمام الشهيد حسن البنا دخل التاريخ من أوسع أبوابه (7)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أيها الأحباب.. الإمام الشهيد حسن البنا دخل التاريخ من أوسع أبوابه (7)

بقلم: الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب

مواجهة موجات الاستعمار ومواجهة الغزو الثقافي

كان الإمام، البنا رحمه الله ملهمًا وموفَّقًا ومسددًا وموهوبًا حين نظر إلى العالم الإسلامي من حوله، فوجده ممزقًا ضائعًا مستعمرًا من أعداء الله ورسوله الذين جاءوا من كل حدب وصوب، من كل مكان يخربون ويدمرون ويحاربون.

واجه هؤلاء جميعًا، لا بالخطب ولا بالرسائل ولا بالكتب، فهذه الأدوات جزء من العمل، لكن العمل الأكبر الذي وفَّقه الله إليه هو الإحياء والتربية، كما فعل سيد الخلق صلي الله عليه وسلم الذي اقتدي به في كل صغيرة وكبيرة فعلها صلى الله عليه وسلم، فكان المشروع الإسلامي المتكامل هو الذي رفع رايته وإخوانه معه رحمهم الله.

كان مشروعًا شاملاً في جميع الميادين؛ ففي مواجهة التغريب- الذي اخترق عقل الأمة وغدا له أتباع من أبنائها- يقف مشروع الأستاذ البنا ليقول (وقد بينا جوانب من هذا الأمر في مقال سابق ونريده وضوحًا) ليقول لهؤلاء جميعًا "إن الحضارة الغبية بمبادئها المادية قد انتصرت في هذا الصراع الاجتماعي على الحضارة الإسلامية بمبادئها القويمة الجامعة للروح والمادة معًا، في أرض الإسلام نفسه، وفي حرب ضروس ميدانها نفوس المسلمين وأرواحهم وعقائدهم وعقولهم، كما انتصرت في الميدان السياسي العسكري، وكما كان لذلك العدوان السياسي أثره في تنبيه المشاعر القومية، كان لهذا الطغيان الاجتماعي أثره كذلك في انتعاش الفكرة الإسلامية) انظر رسالة "بين الأمس واليوم"، ولقد تنبَّه الإمام البنا لما نحن فيه، اليوم؛ أن الباطل مهزوم، وأن الضلال مهما أُحيط بهالة من الدجل والدعاية فهو ضلال فقال رحمه الله "إن مدنية الغرب التي زهت بجمالها العلمي حينًا من الدهر، وأخضعت العالم كله بنتائج هذا العالم لدوله وأممه تفلس الآن وتنتحر.." (وهذا الكلام منذ خمسين عامًا على الأقل)، ثم يقول بعد ذلك "فهذه أصولها السياسية تفوِّضها الدكتاتوريات، وأصولها الاقتصادية تجتاحها الأزمات، وأصولها الاجتماعية تقضي عليها المبادئ الشاذة والثورات المندلعة في كل مكان، وقد حار الناس في علاج شأنها وضلوا السبيل". انظر رسالة "نحو النور".

ثم أعلن عن منهجه الدقيق الواضح المستقى من الإسلام والذي هو من هذا الدين الخالص فيقول رحمه الله: "ونحن نريد أن نفكِّر تفكيرًا استقلاليًّا يعتمد على أساس الإسلام الحنيف، لا على أساس الفكرة التقليدية التي جعلتنا نتقيد بنظريات الغرب واتجاهاته في كل شيء، نريد أن نتميز بمقوماتنا، ومشخَّصات حياتنا كأمة عظيمة ومظاهر الفخار والمجد" انظر رسالة "دعوتنا في طور جديد".

لقد كان رفض الإمام البنا للتبعية والتقليد ليس رفضًا للتفاعل الصحي بين الحضارات، ولا دعوة إلى العزلة والانغلاق والانكفاء الذاتي، ولقد انطلقت الأبواق من أول يوم بدأت فيه هذه الدعوة تعمل عملها، تشكك وتثير التهم وتقول: إن دعوة الإخوان تريد أن ترجع بالأمة إلى المغرضة الخالية من الإنصاف البعيدة عن الصدق والخلق، وهذه الدعوة المجافية للحقيقة ما زالت ترددها الأبواق إلى اليوم.

ولقد ردَّ عليها الإمام البنا من أول يوم "يقولون إن الإخوان يريدون العودة بالأمة، إلى حياة الصحراء فهل رأيتم حسن البنا يركب جملاً في شارع فؤاد".

وها هم الإخوان في جميع قارات الأرض ينتشرون ويتعاملون فهل رأيتم واحدًا من الإخوان يرفض استعمال السيارة أو ركوب القطار أو الطائرة أو استعمال الهاتف، أو استعمال أي شيء مبتكر ما دام نافعًا ومفيدًا وعاملاً من عوامل بناء الحضارة ؟!

إن الذي يرفضه الإخوان ويرفضه كل مسلم هو الميوعة والعري والخمر والميسر والربا والكذب والدسائس والفجور والرقص، وهذا الذي يرفضه المسلمون، يرفضه كل عاقل على ظهر الأرض.

هل رأيتم أحدًا من الإخوان– أو من المسلمين بوجه عام– أحضر خيمةً ونصبها في وسط ميدان وسكن فيها؟!

وهل رأيتم أحدًا امتنع عن استعمال الكهرباء وأتى بلمبة جاز)؟ لماذا تردَّد هذه الأقاويل والاتهامات للمسلمين خاصة حملة المنهج الإلهي ورواد الحريات والدعاة إلى الله عزَّ وجلَّ، وطلائع الحركة الإسلامية في العالم التي يكيد لها كل ساقط ويتهمها زورًا وبهتانًا كل معتد أثيم.

هل قال الإخوان بالذات عن أي عمل نافع أو مشروع يفيد الأمة ويرفع شأنها ويقوِّي من كيانها، ويصون حياتها وشرفها ويرفع رايتها إنه بدعة؟

حسبنا الله ونعم الوكيل..

إن الإمام البنا عليه الرضوان أعلن في مواجهة التخلُّف الموروث بصراحة ووضح دعوته إلى التجديد وحدد أن دعوته هي واحدة من الدعوات التجديدية للأمم والشعوب، وهذا القول تأكيدًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها".

ولقد طالب رحمه الله بوضوح بالتفريق الكامل بين الدين الثابت، فهذا لا يقبل النقد ولا التغيير والتبديل؛ لأنه من عند الله عزَّ وجلَّ، إنما يقبل الفهم والفقه والتأمل في جوانبه كما فعل، السلف عليهم الرضوان.

وهذا الأمر يختلف عن الأفكار المتغيِّرة والممارسات والتجارب البشرية، والخلط بين النص الصحيح من كتاب وسنة والأفكار البشرية القابلة للتغيير؛ الخلط بينهما جريمة مقصودة وإثم كبير وتجاوز للحدود لا يمكن السكوت عليه، يقول الإمام البنا في تحديد هذا الأمر بدقة ما يلي:

"والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام، ويفهِّم القرآن طبقًا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف، ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات".

قالت إحدى المتحررات من كل شيء : إن البيت في الإسلام يراد به المجتمع، فتكون الآية ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنّ﴾ (الأحزاب: من الآية 33) معناها استقرار المرأة في المجتمع!.

ونحن نقول: لمَ يقل أحد لا من المتقدمين ولا من المتأخرين إن معنى البيت في الإسلام هو المجتمع، بل البيت معناه: المكان المحدد لإقامة الأسرة واستقرارها، فانظر معي إلى الأهواء وإلى الشياطين التي تلعب بالعقول والرءوس وتفسد كل شيء، ففهم هذه المتحررة وأمثالها باطل لا أساس له من الصحة.

ولقد وقف الإمام البنا رحمه الله موقفًا دقيقًا من تاريخ الدولة الإسلامية، عندما حدَّد بعض العوامل التي أدَّت إلى تحلل كيانها ومنها:

1- الخلافات الدينية والمذهبية.

2- الانغماس في ألوان الترف والنعيم.

3- إهمال العلوم العملية والمعارف الكونية، وصرف الأوقات وتضييع الجهود في فلسفات نظرية عقيمة وعلوم خيالية سقيمة.

4- غرور الحكام بسلطانهم، والانخداع بقوتهم، وإهمال النظر في التطور الاجتماعي للأمم من غيرهم، حتى سبقتهم في الاستعداد والأهمية وأخذتهم على غرة.

الانخداع بدسائس المتملقين من خصومهم والإعجاب بأعمالهم ومظاهر حياتهم، والاندفاع في تقليدهم فيما يضر ولا ينفع.

ولقد دعا الإمام رحمه الله إلى عدم الاكتفاء من مقاصد الاستقلال بالاستقلال السياسي الذي يقف عند (العَلَم والنشيد)، بل دعا إلى الاستقلال الذي يحقق سيادة الأمة؛ لأن الإسلام لا يرضى من أبنائه بأقل من الحرية والاستقلال فضلاً عن السيادة ﴿وَلِلَّـهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (لمنافقون: من الآية 8)، ودعا إلى الاستقلال الاقتصادي للأمة المسلمة كلها، وليس لواحد من أقطارها فقط، فالهدف هو: تحقيق نظام اقتصادي استقلالي الثروة والمال والدولة والأفراد والنقد؛ وذلك هو التحرُّر الحقيقي، كما يريده الإسلام ذلك أن الرابطة بيننا وبين أمم العروبة والإسلام تمهِّد لنا سبيل الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي.

كما دعا رحمه الله إلى الاستقلال الحضاري الذي يعيد إلى الأمة الإسلام وحضارته، مكانة الإمامة للدنيا، وموقع الشهود على العالمين يقول رحمه الله "فلقد كانت قيادة الدنيا في وقت ما شرقية بحتة، ثم صارت بعد ظهور اليونان والرومان غربية، ثم نقلتها النبوات إلى الشرق مرة ثانية، ثم غفا الشرق غفوته الكبرى، ونهض الغرب نهضته الحديثة فورث الغرب القيادة العالمية، وها هو ذا الغرب يظلم ويجور ويطغى ويحار ويتخبط، فلم تبق إلا أن تمتد يد (شرقية) قوية يظللها لواء الله، وتخفق على رأسها راية القرآن، ويمدَّها جند الإيمان القوي المتين، فإذا الدنيا مسلمة هانئة، وإذا بالعوالم كلها هاتفة "الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" ثم يقول رحمه الله:

"الإسلام لا يأبى أن نقتبس النافع، وأن نأخذ الحكمة أنى وجدناها.. أجل؛ قد تكون طريقًا طويلاً، ولكن ليس هناك غيرها، إنما تظهر الرجولة بالصبر والمثابرة والجد والعمل الدائب، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضجها أو يقتطف زهرةً قبل أوانها، فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلى غيرها من الدعوات، ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة وتنصلح الثمرة ويحيا القطاف فأجره في ذلك على الله، ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين: إما النصر والسيادة وإما الشهادة والسعادة..

ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطب، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال لزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، ولا تصادموا نواميس الكون، فإنها غلابة ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض، وترقَّبوا ساعة النصر، وما هي منكم ببعيد" رسالة "المؤتمر الخامس".

أيها الأحباب.. هذا صوت حبيب من الماضي القريب حبيب والله إلى نفوسنا وإلى قلوبنا وإلى عقولنا لأنه أنار لنا الطريق، ووضع أيدينا في يد من سبقونا، وقادنا بالإسلام وبالقرآن إلى الله عزَّ وجلَّ فجزاه الله عنا خير الجزاء.

وهذه النقول التي سقناها إليكم هي بعض من عناوين ونماذج من الميادين التي صاغ لها الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله مشروعًا حضاريًّا إسلاميًّا توخَّي فيه تجديد الفكر الإسلامي بشموله وبكماله وبإحاطته بأمور الدنيا والآخرة، وبسعادة البشرية كلها، قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ (١٥) يَهْدِي بِهِ اللَّـهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (١٦)﴾ (المائدة).

وهذا المشروع الذي تلقَّاه الإخوان من إمامهم بالقبول والإيمان به لأنه نابع من صميم الإسلام يجب أن نجعله في حياتنا في موضع التنفيذ والتطبيق.

ولقد تلقَّاه الإخوان في القارات الخمس باللقاء الحسن؛ لأنه يتجاوب مع الفطرة ويزكي العقل، ويشرح الصدر ويجدد بحق واقع الأمة الإسلامية بأسلوب وطريقة ومنهج لا ينكره إلا شقي ولا يقبل عليه إلا من هداه الله وشرح صدره.

والحق أنه يجب علينا أن ندمن قراءة الرسائل للإمام، وأن نتعمق في فهمها وفي تطبيع أنفسنا عليها؛ لأنها الطريق الذي نسير عليه، وهي نبع من نور القرآن تلقاها من سبقونا بالالتزام والتطبيق، ويجب أن نكون نحن كذلك..

أيها الأحباب.. أصلحوا أنفسكم أولاً ثم ادعوا غيركم إلى طريق السعادة والنجاة والفوز ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إلىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)﴾ (التوبة).

هيا أيها الإخوة أفيقوا جميعًا، وأنتم كذلك إن شاء الله، لكنه التذكير فاستيقظوا وعيشوا حياتكم وحياة أبنائكم وبيوتكم مع هذا الحق؛ لتكونوا إن شاء الله شعلةً من الإيمان ونورًا يُستضاء به، ونبراسًا يُقتدى به، وبمقدار إخلاصنا لله وحبنا بصدق لدعوتنا لرسالة الإسلام الخالدة لمنهج الله عزَّ وجلَّ في الأرض؛ بمقدار استقرار هذه المعاني في نفوسنا يكون أثرنا، ويكون تأثيرنا في الآخرين، فقضية الكلام سهلة يستطيعها كل إنسان لكن يجب علينا أن نعيش قضية الإسلام الكبرى قضية هذا الحق قضية هذه الرسالة، وأن نحمل همومها، وأن نهتم بكل مسلم على ظهر الأرض ففي الأثر "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" إياكم أن تشغلوا عن دعوتكم بأي شيء آخر، انشغلوا بها وعيشوا لها واستيقظوا من أجلها وابذلوا كل ما تستطيعون في سبيلها، فأنتم بذلك تطرقون أبواب الجنة إن شاء الله.

ولقد كان الإمام البنا عليه الرضوان يقول للإخوان: "قبل أن آخذ في الحديث معكم أحب أن أسألكم: هل أنتم على استعداد أن تستيقظوا لينام الناس، وأن تجوعوا ليشبع الناس، وأن تتعبوا ليستريح الناس، وأخيرًا أن تموتوا لتحيا أمتكم؟".

هدانا الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.