الحاضرون والغائبون فى أزمة تفجيرات الإسكندرية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٨:٤١، ١٢ أبريل ٢٠١١ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'<center> <font size="5">الحاضرون والغائبون فى أزمة تفجيرات الإسكندرية</font></center> '''10 يناير 2011''' '''بقلم: ضي...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحاضرون والغائبون فى أزمة تفجيرات الإسكندرية

10 يناير 2011

بقلم: ضياء رشوان

أبرزت الأزمة الأوسع التى أحاطت ــ ولا تزال ــ بالجريمة الإرهابية التى استهدفت كنيسة القديسين بالإسكندرية عديدا من المؤشرات والنتائج الخطيرة التى لابد من التوقف عندها نظرا لأنها تمس وتتعلق مباشرة بالفاعلين الرئيسيين فى بلادنا وبدور كل منهم فى صنع حاضرها وصياغة مستقبلها.

ولعل المؤشر الأبرز هنا هو الحضور غير المسبوق لعموم المصريين فى مختلف أنحاء البلاد الذين عبروا بطرق متنوعة ليس فقط عن تضامنهم مع إخوتنا الأقباط فى حزنهم، بل وعن حرصهم البالغ على استقرار المجتمع المصرى ووحدة مكوناته الدينية والتبرؤ من كل ما يهدده حتى لو تلبس شعارات الإسلام والحرص عليه.

ومما يلفت النظر فى هذا الحضور الكثيف للمصريين العاديين فى مواجهة نذر الانشقاق الطائفى فى البلاد أمران على الأقل، أولهما أنه أتى فى معظم الحالات كمبادرات خاصة بتجمعات طبيعية لهم ليس لها طابع سياسى أو فكرى أو تنظيمى من أى نوع، فقد كانت العفوية هى المسيطرة على كل تحركاتهم دون أن يتدخل فيها حزب سياسى أو هيئة حكومية.

ويعطى هذا الملمح إشارة إيجابية مهمة على ما يمكن لعموم المصريين أن يقوموا به فى مواجهة الأزمات الكبرى التى تواجه وحدة بلادهم وأمنها القومى، وهو ما ينفى جزءا كبيرا من الانطباعات والادعاءات التى تزعم أنهم أصبحوا شعبا «ميتا» لا قدرة لديه على المبادرة أو الحركة الإيجابية.

أما الأمر الثانى فهو مرتبط بالأول، وهو المقارنة بين سلوك عموم المصريين تجاه أزمة الانقسام الطائفى وسلوكهم قبل شهر واحد تجاه انتخابات مجلس الشعب، حيث غابت أغلبيتهم الساحقة عن الانتخابات بينما حضر معظمهم فى الأزمة، فالواضح هو أن الغياب كان بسبب الإحساس العميق بعدم جدوى الحضور فى انتخابات حسمت نتائجها مقدما بمعرفة الحزب الحاكم وأجهزة الدولة الأمنية والإدارية الخاضعة له فضلا عما بذلته هذه من جهود لتعميق غيابه، بينما كان الحضور نتيجة الشعور العميق بالخطر الداهم الذى بات يهدد جديا المجتمع كله وضاعف منه ــ أى الحضور ــ الغياب الملحوظ المتواصل حتى اللحظة للحزب ونفس هذه الأجهزة التى غطى وجودها على كل شىء فى وقت الانتخابات.

وهنا يظهر المؤشر الثانى المهم، وهو الغياب الملفت المخزى للحزب الحاكم وأجهزة الدولة عدا الأمنى منها حيث كان يجب أن يحضروا وبكثافة تتناسب مع خطورة الهجوم الإرهابى وتداعياته الطائفية والاجتماعية والسياسية الخطيرة.

فعلى صعيد الدولة، تصور كثيرون أن مبادرة الرئيس مبارك بتوجيه كلمة عاجلة للمصريين بعد نحو اثنى عشرة ساعة من التفجير الإرهابى ستكون بمثابة إشارة انطلاق لحضور كثيف للحكومة رئيسا ووزراء وللحزب بكل مستوياته القيادية والوسطى والقاعدية ولتحرك أوسع لبقية أجهزة الدولة بكل أنواعها لحماية البلاد من الأزمة الخطيرة التى كادت أن تعصف بما بقى من وحدتها واستقرارها.

إلا أن هذه التوقعات خابت جميعها، وهيمن صمت غريب مطبق على كل قيادات ومستويات الحزب الحاكم لأيام متواصلة فيما قطعته تصريحات إعلامية لأمينه العام السيد صفوت الشريف بينما ظل أغلبية أعضاء المكتب السياسى والأمانة العامة غائبين حتى اليوم وفى مقدمتهم دعاة ورعاة «الفكر الجديد» وقادة ومخططو الانتصارات الانتخابية الساحقة للحزب الوطنى. وحتى على الصعيد القاعدى لحزب يقول أن عضويته تفوق الثلاثة ملايين مصرى ويزعم أنه حصل بنزاهة وحرية فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة على أكثر من اثنى عشر مليون صوت، لم تحدث أية تحركات أو مبادرات توحى بأى وجود شعبى له فى أى مكان بالجمهورية، فى الوقت الذى كانت قطاعات واسعة ممن يزعم الحزب أنهم أعضائه من المسلمين والمسيحيين يكادون يصطدمون ببعضهم ويتعمق الشرخ بينهم إلى حد الانفصال التام.

أما الدولة، فقد تحرك بعد عدة أيام جناحها التشريعى ممثلا فى مجلسى الشورى والشعب ليعقدا اجتماعين لم يخرجا عن إدانة الحادث الإجرامى والتأكيد الخطابى على وحدة المصريين، دون أن تأتى أى مبادرة حقيقية من أيهما سواء بمسائلة جدية للأجهزة التنفيذية المسئولة عن تأمين المصريين أو سواء بإقرار أو اقتراح تعديلات تشريعية تهدئ من قلق الأقباط وتسد ولو جزءا من الفجوات العميقة التى لحقت بأعماق المجتمع المصرى.

ولم يختلف حال السلطة التنفيذية وأجهزتها الإدارية والأمنية كثيرا عن حال السلطة التشريعية، فقد تأخرت الحكومة ورئيسها كالمعتاد عن طمأنة المصريين واتخاذ ما يجب اتخاذه من إجراءات ومواقف تمليهما عليها مسئولياتها وخطورة الموقف، واكتفت بعد أيام بالاجتماع بعد خمسة أيام من الهجوم الإرهابى، لتخرج على المصريين بما اعتادوا سماعه منها فى مثل تلك الظروف من كلمات حماسية ومواعظ رنانة دون أن تتخذ أى قرار أو إجراء يعيد للمصريين عموما وللأقباط خصوصا بعضا من الاطمئنان على مستقبلهم وبلادهم بعد أن عصف بهم القلق والتوتر.

وفوق كل ذلك، فقد ظل الانتظار المصرى والعالمى مستمرا ــ حتى اليوم ــ لما ستعلنه السلطات الأمنية حول ملابسات الجريمة والجهات التى تقف وراءها أو يمكن أن تكون كذلك، حتى تقطع الطريق على التخمينات والإشاعات المتنامية وتزيح الخوف الذى خيم على جميع المصريين، ولم يتغير الوضع حتى لحظة كتابة هذه السطور بعد مرور تسعة أيام على وقوع الجريمة الإرهابية.

أما المؤشر الثالث فقد كان هو الغياب الملفت أيضا لطبقة رجال الأعمال واسعة الثراء والنفوذ فى البلاد عن القيام بأى مبادرات جدية للمساهمة فى إعادة بناء ما حطمته سياسات الحكومات المتوالية من أوضاع المصريين والجسور بينهم وأحوال أجهزة الدولة المختلفة، واقتصر أداء من بادروا منهم على الظهور فى وسائل الإعلام كمحللين للحدث وتبعاته مع التبرع بمليونى جنيه من اثنين منهما واحد منهما للكشف عن مرتكبى الجريمة والثانى لمساندة ضحاياه.

إلا أن ذلك لم يكن بالموقف الغريب ولا الأول من نوعه لهذه الطبقة الأكثر تدليلا من الدولة فى مصر بأن تغيب عن ساحة المسئولية الاجتماعية تجاه البلد والمجتمع اللذان سمحا لها بأن تراكم كل هذه الثروات الهائلة والنفوذ الطاغى.

أما المؤشر الرابع فقد كان هو الدور البارز الذى قامت به وسائل الإعلام المختلفة، وخصوصا المستقلة والخاصة منها، فى تغطية الأزمة أو فى تعبئة المصريين على التوحد فى مواجهتها، وهو ما لم ينل منه الملاحظات غير المفهومة التى بادر وزير الإعلام بإعلانها بعد يومين من الجريمة مطالبا فيها وسائل الإعلام بالتحلى بالموضوعية والمسئولية فى تناولها وتداعياتها.

لقد كان أداء وسائل الإعلام الخاصة والمستقلة على العكس تماما من ملاحظات الوزير ومما درج عليه كبار مسئولى الحزب والحكومة وكتابهم وصحفييهم من اتهامها بأنها تثير الفتنة فى البلاد وتهدد استقرارها وتشوه صورتها الناصعة فى الداخل والخارج.

ويأتى المؤشر الأخير ليرتبط مباشرة بالمؤشر الأول، حيث ترافق الحضور الشعبى العفوى العالى مع حضور آخر عال للهيئات الأهلية المصرية من نقابات وجمعيات وروابط واتحادات ضمت قطاعات واسعة من النخبة المصرية بكل أطيافها السياسية والفكرية، وإن كانت أغلبيتها الساحقة من المحسوبين على تيار المعارضة للحزب الوطنى وحكومته وسياساتهما.

فلم تمنع هذه الرؤية المعارضة كل هؤلاء من التقدم والمبادرة بما يملكون من وسائل هزيلة لكى يحاولوا رأب الصدع الذى أصاب المجتمع وليستمروا منذ الساعات الأولى بعد الجريمة وحتى اللحظة فى حالة نشاط مستمر لتحقيق هذه المهمة النبيلة.

إن موقف أطياف النخبة المعارضة، المسئول والوطنى تجاه الأزمة يؤكد من جديد أن بقاءها واستمرارها قوية وفعالة هو واجب وطنى قبل أن يكون أحد حقوقها الأساسية، كما يؤكد أن محاولة إقصائها من ساحة العمل العام فى البلاد هو اختيار خاطئ وخطر ليس عليها بل على مصر كلها، والتى لو تركت أثناء هذه الأزمة العاصفة للحزب الوطنى بمفرده لكان الله وحده أعلم بمصيرها اليوم.

المصدر