الحلقة الثالثة: اللائحة الجديدة للتنظيم العالمي
مبايعة الامام
لا يوجد نص في الإسلام يوجب على الأمة أن تبايع إمامها مدى الحياة وكان من أهم ما اتجه إليه الإخوان في اللائحة الجديدة، هو اختيار المرشد العام للجماعة، والذي يختاره هو مجلس الشورى العام المختار من جميع الأقطار، ويجب أن يختار لمدة محدودة، وليس لمدى الحياة، كما كان يرى بعض المشاركين معنا، وأن تحديد المدة ليس من الإسلام، وإنما جاءنا من الغرب.
وهذا ليس بصحيح، فلم يجئ في الإسلام نص يوجب على الأمة أن تبايع إمامها مدى الحياة، ولا أي مدة محددة. فهو متروك لاجتهاد الأمة، تتخذ فيه من الآراء ما ترى فيه مصلحتها. واختيار الخلفاء الراشدين لمدى الحياة: كان للظروف العسكرية التي تعيشها الدولة الإسلامية في ذلك الوقت.
وهو – على كل حال – من باب (الأفعال) التي ليست ملزمة، حتى إن أفعال الرسول نفسها ليست ملزمة بذاتها، إنما تدل على مجرد المشروعية، ما لم يصاحبها دليل آخر.
وقد رأينا الخلفاء الراشدين خالفوا بعض (السنن الفعلية) للرسول صلى الله عليه وسلم، كما فعل عمر في عدم قسمة الأرض المفتوحة على المقاتلين، اقتداء بقسمة النبي لأرض خيبر، لأن الرسول -كما قال ابن قدامة- فعل ما هو الأصلح في زمنه، وعمر فعل ما هو الأصلح في زمنه، فقد اتبع سنة الرسول في فعل الأصلح.
وكان من الأشياء التي اعترضت عليها وقبلها المشاركون (صيغة القسم) التي يقسم فيها العضو على الالتزام بمنهج الإخوان، والسمع والطاعة للقيادة في غير معصية. فاقترحت أن تكون (صيغة عهد) لا صيغة قسم، فالشخص يتعهد بدل أن يقسم.
وحتى من الناحية الفقهية: صيغة القسم إذا أخل بها المسلم وحنث فيها، فلها كفارة: إطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام ما لم يجد الإطعام. أما صيغة العهد فهي ثابتة لا كفارة لها.
وبدل أن كانت صيغة البيعة للمرشد العام، جعلناها بيعة مطلقة، على العمل بكتاب الله وسنة رسول الله، ونصرة الدعوة إلى الإسلام ..
التنظيم الدولي للإخوان المسلمين
وما زال هذا المجلس يتقوى ويتوسع ويضم أعضاء جددا، حتى اقترح بعض الإخوة – ولا أذكر في أي سنة – أن يطلق عليه التنظيم الدولي أو العالمي للإخوان المسلمين، وأنا آثرت كلمة (العالمي) على كلمة (الدولي)؛ لأن كلمة (الدولي) أشبه بالمؤسسات الرسمية، و (العالمي) أشبه بالمؤسسات الشعبية.
ظل المكتب يعقد جلساته كل سنة مرة، في أي مدينة يتيسر اجتماعه فيها من مدن العالم العربي والإسلامي، لا يلتزم ببلد معين. وهناك بلاد يستحيل أن يجتمع فيها، وهي البلاد التي تحكمها الديكتاتوريات، ويتسلط عليها أمن الدولة تسلطا مباشرا، فلا يسمح بمثل هذا اللقاء إلا أن يكون وراء أسوار السجن! هذا إذا سمح لهم أصلا بدخول البلد، وهيهات هيهات.
من هذه البلاد: مصر وسورية والعراق وتونس وغيرها من البلاد المغلقة.
استانبول مدينة الجلال والجمال احتضنت أحد اجتماعات نشأة التنظيم العالمي للإخوان وكثيرا ما تم الاجتماع في مكة أو المدينة تحت مظلة العمرة. وقد التقينا مرة في استانبول: مدينة الجلال والجمال، والبحار والجبال، والماضي العريق، والحاضر الأنيق، والتي جمعت بين الشرق والغرب، حين جمعت بين آسيا وأوربا.
وأكثر من مرة في بيروت، ولا سيما في أيام الحرب الداخلية، التي استمرت سنوات بين طوائفه المختلفة، وأهلكت الحرث والنسل، وجرت الخراب على لبنان، حتى انطفأت نيران هذه الفتنة المشؤومة، وعادت لبنان إلى الهدوء والسلم بعد هذه السنوات العجاف، واجتمع اللبنانيون المختلفون في الطائف، واتفقوا على أن يعيشوا في سلام ووئام، ووضعوا النقاط على الحروف.
كان مطار بيروت مفتوحا في أكثر الأحيان، رغم ما يجري في الداخل من معارك وصدامات. وهذا ما أتاح لنا أن ندخل بسهولة إلى لبنان، وأن نشاهد بأعيننا آثار الدمار الهائل الذي لحق بهذا البلد الجميل، الذي كان واحة ومنتجعا للعرب، يجدون فيه جمال الطبيعة، وجمال الحياة والإنسان، وحرية الحركة، وحرية الفكر، وحرية النشر، لا قيود ولا أغلال.
الإنسان في الحضارة الحالية عريان أمام آلات المراقبة والتجسس
والتقينا في عَمَّان، حيث إن للإخوان وجودا رسميا علنيا، وإن كانت أجهزة المخابرات بالمرصاد، وكل أجهزة المخابرات في كل البلاد التي نتقابل فيها، لا ترحب بنا، ولا ترغب كثيرا في وجودنا، ونحن نجتمع، يقظين حذرين أن يكون هناك من يراقبنا من بعيد، أو يتنصّت علينا من قريب، فقد بلغت تكنولوجيا التجسس والتلصص على الناس، بحيث لا يأمن الإنسان أن يراقب، وهو في غرفة نومه. حتى في حديثه مع أهله، فالإنسان في الحضارة الحالية (عريان) مكشوف أمام آليات الحضارة الجبارة التي لا تدع أحدا في حاله.
طالع في الحلقة القادمة:
1- القرضاوي يستعفي من العمل التنظيمي في الإخوان
2- رؤية القرضاوي للمنهج التربوي عند الإخوان
3- القرضاوي ومنصب المرشد العام