الحلقة الثلاثون: افتتاح مبنى جمعية الإصلاح بالبحرين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

افتتاح مبنى جمعية الإصلاح بالبحرين


البحرين

الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة للشيخ عبد الرحمن بعد عودته من مصر وأنشئوا ناد 10 مايو 1983م

كانت البحرين من بلاد الخليج التي زرتها منذ سنة 1962م، أي بعد سنة من قدومي إلى قطر، وتعرفت على عدد من علمائها، ومنهم القاضي الجليل الشيخ عبد الله بن عبد العزيز المبارك، ومنهم الشاب النابه في ذلك الوقت الشيخ يوسف الصديقي.

كما عرفت من أبناء الدعوة الإسلامية الأخ الكريم والمربي الفاضل الشيخ عبد الرحمن الجودر، الذي كان يتميز بدماثة الخلق، وسلاسة الطبع، ورقة القلب، واستقامة السلوك، والغيرة على الدين، والرغبة في الخير والإصلاح، وحمل هم الدعوة الإسلامية، ونشرها بالحكمة والموعظة الحسنة.

كان الشيخ عبد الرحمن قد تعلم في مصر، ولقي الإمام الشهيد حسن البنا، وأخذ عنه الدعوة، وعاد إلى البحرين – بعد الفراغ من دراسته – ناشرا لها، فأنشأ بعد عودته – مع بعض رفاقه وأصدقائه: قاسم الشيخ، وأحمد المولود، ومبارك الخاطر، وصالح عبد الرزاق وغيرهم – (نادي الإصلاح) الذي كان يعتبر أول دار للدعوة في الخليج.

وقد انضم إليه بعد عودته من مصر، وتخرجه في كلية الحقوق، عضو مهم من شباب الأسرة الحاكمة، هو الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة الذي حباه الله من الفضائل ما جعله محببا إلى كل من عرفه، وكأن الشاعر حافظ إبراهيم قصده حين قال:

والناس هذا حظه مال، وذا علم وذاك مكارم الأخلاق

 فإذا رزقت خليقة محمودة                فقد اصطفاك مقسم الأرزاق

فقد رزقه الله مجموعة من الخلائق المحمودة: التواضع والسماحة والاستقامة، والرفق والسهولة، والغيرة على الحق، والتمسك بالدين، وقد تولى منصب الوزارة أكثر من مرة، فما زاده ذلك إلا تواضعا، وقربا من الناس، وتفانيا في خدمتهم، وتقديم الخير لهم.

وكان النادي يقوم بخدمات جليلة للمواطنين، ولاسيما لجيل الشباب، الذي يمثل مستقبل الوطن والأمة، يعلمهم الإسلام الصحيح بعيدا عن الغلو والتسيب، ويربطهم بتراث الأمة الثقافي والحضاري، في غير تعصب ولا إعراض، كما يصلهم بالعصر وحضارته وإنجازاته في مختلف الميادين، ويحميهم من التيارات الهدامة والغازية التي تريد أن تقتلعهم من جذورهم العقدية، ومن هويتهم الدينية والحضارية.

ولكن المبنى ضاق بأنشطته المتعددة والمتنوعة والمتطورة باسمرار، فقررت الدولة أن تمنح النادي أرضا، وتقيم عليها مبنى حديثا يتسع لمجالات النشاط والعمل الدعوي والفكري والخيري والاجتماعي، وأن تهبه للنادي الذي آثر أن يغير اسمه إلى (جمعية الإصلاح الاجتماعي) تأسيا بإخوانه في دولة الكويت التي سبقت بتأسيس جمعية بهذا العنوان.

وكان هذا نموذجا يحتذى في إمكانية التفاهم والتعاون بين الدولة والجمعيات الإسلامية الشعبية، ما دامت الأهداف واضحة، والمناهج محددة، والنيات صادقة، والاتجاه إلى خدمة الدين والوطن وإصلاح المجتمع والرقي بالأمة بيّن المعالم، لا لبس فيه ولا غبش.

وهو أولى من اعتبار الصدام بين الطرفين حتميا، يستحيل تجنبه، فهذا يمكن قوله في البلاد التي تقف موقفا معاديا للدين ودعاته، وللشريعة وعلمائها. ومعظم بلاد المسلمين ليست كذلك، وبخاصة دول الخليج.

لا يفهم من كلامي أني أدعو إلى أن يسير الدين في ركاب الدولة، وأن تكيف الحركة الإسلامية أهدافها ومناهجها لخدمة السلطة، وأن يصبح علماء الشريعة أبواقا للحكومات العلمانية، وأن يحرقوا البخور بين يدي أصحاب السلطان، وإن كانوا من الجبابرة المستكبرين في الأرض، المسلطين على رقاب العباد {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ}[الفجر:11-12] فالدين يجب أن يكون هو المخدوم لا الخادم، والعلماء يجب أن يكونوا ألسنة للحق، وهداة للخلق، ونصحة للحكام، كما قال تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:104].

ولكن الذي أدعو إليه وأؤكده: أنه في كثير من البلاد التي يشيع فيها جو الحرية ومناخ الديمقراطية، ويتمكن دعاة الإسلام من عرض دعوتهم بلا قيود ولا تضييق، يمكنهم أن يتعايشوا مع النظام الحاكم، دون افتعال للصراع أو سعي إليه بغير ضرورة. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية"[1] وهذا في العدو الكافر المحارب، فكيف بالحكام وهم مسلمون أبناء مسلمين، يحكمون بلادا إسلامية وشعوبا إسلامية؟.

الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة رحمه الله غاية في التواضع واحترام العلماء لقد دعيت إلى الحضور والمشاركة في افتتاح الجمعية برعاية أمير دولة البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة – رحمه الله – وبحضوره شخصيا، وحضور أخيه رئيس وزرائه الشيخ خليفة بن سلمان، وولي عهده الشيخ حمد بن خليفة (ملك مملكة البحرين اليوم). وكان الافتتاح عصر يوم الثلاثاء 27 رجب 1403هـ الموافق 10 مايو 1983م.

ودعي عدد كبير من الشخصيات الإسلامية والعامة من العالم العربي والإسلامي، ولاسيما من دول الخليج العربية: السعودية والكويت وقطر والإمارات وعمان.

وكان هذا اليوم عرسا للبحرين حقا، وكان هذا مما يحسب لأمير البحرين وحكومة البحرين.

وأذكر أني سلمت على أمير البحرين وهنأته وشكرته على ما قام به نحو الجمعية ونحو تشجيع الدعوة الإسلامية، وباركت له هذا التوجه المحمود من الدولة، وقد رد تحيتي بأحسن منها، وصافحني – بل عانقني بحرارة – وقال بتواضع: أنا من المتابعين لبرامجك في تلفزيون قطر، ولخطب الجمعة، والمعجبين بما تقدمه للمسلمين، واعتبرني من تلاميذك هنا. واعتبر البحرين بلدك مثل قطر، ونحن أهلك فيها، وأرجوك أن تواصلنا ولا تنقطع عنا.

قلت له: يا طويل العمر، أنا منكم، وأنتم مني، وأنا أجد كثيرا من الرسائل التي تأتي إلى برنامجي في التلفزيون من البحرين، فليس هناك حاجز بيني وبين أهلها.

وفعلا كنت كلما حضرت إلى البحرين في اجتماع للمصارف الإسلامية أو في محاضرة لجمعية الإصلاح، أو إجابة لدعوة من وزارة الأوقاف، حرصت على زيارة الأمير الشيخ عيسى بن سلمان. وكثيرا ما أكون في صحبة أخي وصديقي الشيخ عيسى بن محمد رئيس جمعية الإصلاح.

وكان الشيخ عيسى رحمه الله غاية في التواضع واحترام العلماء، فبمجرد أن يراني داخلا من باب مجلسه ينهض من المجلس ويهرع إليّ في بهجة وسرور، ويصافحني ويعانقني، ويبالغ في الترحيب بي، من غير صنعة ولا تكلف. وماله يتصنع أو يتكلف لي، وليست له مصلحة عندي؟! إنها الأخلاق العالية، والمكارم الأصيلة عند الرجل. وقد ظل معي هكذا حتى انتقل إلى جوار ربه، رحمه الله رحمة واسعة.

الشيخ حمد بن عيسى ولي العهد وقت الزيارة ملك البحرين حاليا وبمثل هذه الروح، أو قريبا منها، لقيني رئيس وزراء البحرين الشيخ خليفة بن سلمان، وولي عهد البحرين الشيخ حمد بن عيسى، وكلاهما سلم علي بإقبال وقوة، وأكد لي أنه يتابع برنامجي الذي يبث من قطر، وعتبا علي: لماذا لا أزور البحرين، وكل أهلها محبون لك، متتلمذون عليك؟ ووعدتهم أن تستمر صلتي وزياراتي للبحرين في المستقبل إن شاء الله.

وقد تجولنا في مبنى الجمعية، وهو مبنى واسع من عدة أدوار، وفيه ساحات للرياضة، وقاعة كبيرة للمحاضرات، وفيه مجال للنشاط النسائي والنشاط الشبابي. وبقيت بعد الافتتاح إلى أن ألقيت محاضرة في المبنى الجديد تحت عنوان: (الشباب عدة اليوم وأمل المستقبل)، ثم ودعت الإخوة وعدت إلى قطر بحمد الله.

طالع في الحلقة القادمة:

زيارة المغرب والمشاركة بدروس الحسنية

[1] - متفق عليه: رواه البخاري (2744) و مسلم (3276) عن عبد الله بن أبي أوفى.