العلواني: سورة النحل ترسم النموذج المثالي المفقود للإنسان
حوار: مسعد الحوفي
- مشكلة المسلمين أنهم لم يتفقوا على نموذج للحياة مع أنه في القرآن
- الحركات الإسلامية في حاجة إلى دراسة خصائص الأمة جيدًا
- الدعوة في الغرب يجب أن تركِّز على الكيف أكثر من الكم
رغم أن كثيرًا من علماء المسلمين يبذلون جهدًا كبيرًا- على حساب الثوابت أحيانًا- لتأكيد أن علاقتنا بالغرب طيبة ويسودها الحب والوئام.. إلا أنه كثيرًا ما تطفو على السطح مقولةُ "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا"، ومع أن هذه المقولة غربية المصدر إلا أن كثيرًا من علمائنا يتبرَّأ منها خوفًا من الاتهام، لكن تظل العلاقة مع الغرب متواصلةً ما بين شدٍّ وجذب، ولعل آخر هذا الأسلوب ما جرى مع الداعية الشيخ وجدي غنيم.
وهذا الحوار مع أحد العلماء الذين استطاعوا أن يساهموا في تصحيح المسار لهذه العلاقة، وهو المفكر العراقي الأصل الدكتور طه جابر العلواني- رئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بالولايات المتحدة الأمريكية، ورئيس المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية، والرئيس السابق للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، وصاحب العديد من الكتب والدراسات حول الأقليات الإسلامية في الغرب والاجتهاد والتقليد، وإصلاح الفكر الإسلامي، ونُظُم الخطاب الإسلامي في التعددية وقضايا المرأة- وقد تحدث بصراحة شديدة حول العديد من القضايا في هذا الحوار:
- لو تحدثنا عن الدراسات الإسلامية في العرب متى بدأت وأين هي الآن..؟!
- يمكن القول بأن نعود إلى التفاعل الذي جرى بين جامعة قرطبة الأندلسية الإسلامية وبين محيطها الأوروبي؛ حيث بدأ الاهتمام والالتفات الزائد من العلماء الأوروبيين بالدراسات الإسلامية، فاكتشفوا ابن رشد وعقلانيته وأفكاره وإثبات الاتصال بين الشريعة والحكمة، واكتشفوا ابن خلدون وآثاره وتأسيس علم الاجتماع، واكتشفوا أيضًا الغزالي واستفادوا من الاختلاف بينه وبين ابن رشد، ثم استُبطنت تلك الآراء، ثم أصبحت بتعديلات كثيرة جزءًا من التراث الغربي، ثم جرى الاحتكاك مرةً أخرى عندما تأسس الاستشراق وعندما بدأ يمارس نشاطه في العالم الإسلامي ويدرس الإنثربولوجيا للبلاد الإسلامية (لغتهم- دينهم- اجتماعهم- أقطارهم- إسهاماتهم.. إلخ).
- وتطور الأمر إلى أن تحول إلى أقسام في الجامعات، تواصل عملية دراسة الإسلام والمسلمين وما يتعلق بهم من أجل توظيف ذلك لتحديد العلاقة بينهم وبين الإسلام والمسلمين، والكشف عن كل ما يتعلق بالأمة.. من دين وتراث وشخصيات، ثم صار تراثًا يدعى بتراث الاستشراق، فمراكز الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعات الأوروبية والأمريكية تحاول أن تكتشف الإسلام والمسلمين وما يتعلق بذلك وهي تتفاوت قوى وضعفًا وقدرة لكن يغلب عليها أن تكون أقسام دراسات يقوم عليها أستاذ واحد أو اثنان غير إسلاميين غالبًا ما يكونان يهوديين لأسباب كثيرة، منها تداخل التراثين الإسلامي واليهودي وتقاطعهما في بعض الفترات.
- وتعد هذه المراكز هي المصادر التي تُغذِّي الفكر الغربي عن الإسلام والمسلمين، وبعد أن برز البترول عمدت بعضها أن تخصص مراكز للدراسات الإسلامية في الغرب، آملةً أن تغير صورة المسلمين في الغرب.. لكن هذه المراكز فشلت وواقع الحال يشهد على هذا الفشل.
- إقامة جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية كانت محاولةً لتقديم الإسلام لأمريكا بفكر أهلها واستقطبت : الجامعة وهي صغرى متخصصة في الدراسات العليا د. سيد حسين نصر، ود. علي المزروعي، ود. محمود أيوب، ود. خالد البلانشي، ود. منى أبو الفضل، ود. نصر محمد عارف وغيرهم، واستطاعت أن تشكِّل مرجعيةً لناس ينعون للكيان الحضاري الإسلامي تتنوع مواقعهم، فمنهم من جاء من إفريقيا ومنهم من وُلد في أمريكا، وبذلك احتلت موقعها، وسرعان ما أصبحت عضوًا في الجمعية التي لها قرنان من الزمن والتي تهتم بتدريس الأديان، وكانت خاصةً بالمسيحية واليهودية، وضمت جامعة تدرس علوم قرآن وسنة وأصول فقه وفقه وفكر إسلامي وتاريخ الإسلام وقضايا المرأة.. هذه الدراسات أصبحت تقدَّم من خلال مسلمين يتفاعلون مع غيرهم، كما استفادت الجامعة من بعض الطاقات، مثل لوس كانتوري كأستاذ ومستشار لرئيس الجامعة جون أزبيزيني وجون فول، وهؤلاء متعاونون مع الجامعة ويسهمون في مجلسها.
- قامت كثير من مشروعات النهضة في البلاد العربية والإسلامية منذ أكثر من قرنين، ومع ذلك ظل الواقع المتخلف كما هو.. فلماذا فشلت كل هذه المشروعات؟!
- الأمم- وفقًا لتقدمها وتخلُّفها- تتخذ مواقفَ مختلفةً من العلم والمعرفة، ومن المؤسف أن مقولاتٍ شائعةً تقلل من أهمية العلم والمعرفة وتعلي عليها الجانب السياسي أو الدعوي أو تحصر الأمور في قضايا العقيدة- فتنصرف الأمور إليها أكثر- هي التي سادت غالب هذه المشاريع، كما ساعد على ذلك انقسام التعليم عندنا بما يسمى بالتعليم الديني أو العلوم التقليدية، مثل جامعات الأزهر، وجامعة القرويين، وجامعة الزيتونية والجامعة الإسلامية، وجامعة محمد بن سعود، وأقسام الشريعة.. هذه كلها أصبحت في معسكر هو معسكر الذين يستمدون خبرتهم المعرفية من هذه المؤسسات، ويغلب أن يكون الكتاب من الكتب القديمة، كما أن الموضوعات من التي شغلت هذا العقل هي موضوعات التراث العقلي، إضافةً إلى أن الأساتذة في هذه المؤسسات يظنون أن التغير الحاصل في العالم إنما هو تغير كمي لا نوعي.
- وبالتالي فإن هذه معارف بتعديلات طفيفة أو إعادة إنتاجها بلغة العصر تقدم للأمة العالمَ والخطيبَ والمتخصصَ القادرَ على أن يقدم للأمة ما تحتاجه المناصب والمؤسسات، تتكون لديهم اهتمامات ربما نالوا بها الشهادات والمناصب.. لكن لا تجعلهم قادرين على أن يكونوا جزءًا من النخبة الثقافية التي تخرجت في جامعات مدنية يحملون شهادات سياسية واجتماعية.. علم نفس.. إلخ، فانقسمت النخبة في الأمة وتمزقت؛ ونتيجة لذلك تمزقت الأمة نفسها، ونشاهد ذلك في الهيئات المختلفة.. من تصارع بين خريجي الكليات الحديثة والكليات الدينية بحيث انشغلت النخبة بصراعات عن تقديم بدائل للخروج من الأزمة.
- وماذا ترون للخروج من هذه الأزمة؟
- نرى توحيد التعليم المدني والديني وفقًا لنموذج لأفرادها يتفق عليه غالبية علماء الأمة؛ حيث إن كل أمة تريد أن يكون أفرادها نموذجًا، ولن يحدث ذلك إلا بتوحد العملية التعليمية، ليس بناءً على طلبات من خارج الأمة، ولكن وفقًا للنموذج الذي تريده لأفرادها، والذي يستهدف توظيف كل أنواع المعرفة من أجل إيجاد هذا النموذج، وليس كما هو الآن.. التعليم في وادٍ، والإعلام في وادٍ آخر، والثقافة في وادٍ ثالث، والفن في وادٍ رابع.. فالأمة الآن ممزقة وفي حاجة لتوحد الرؤى والخطوط العريضة، نحتاج رؤيةً كليةً من الموقف من الحياة والموت والخير والشر.. إلخ، ولن يتأتَّى ذلك التعليم وحده، كما أنه على كل بلد أن يسعى لإيجاد هذا النموذج.
- لكن التعليم الديني الحالي أوجد العديد من العلماء، أمثال الدكتور يوسف القرضاوي، والشيخ محمد الغزالي وغيرهما من العلماء والمفكرين..!!
- هذه النماذج لم توجدها المؤسسة الدينية، إنما قامت بمبادرات شخصية.. فكم من آلاف تخرجوا قبل وبعد هذه القلة من العلماء.. نحن بحاجة إلى إعادة النظر في جميع أركان العملية التعليمية؛ وفقًا لقضيته أساسية هي القرآن (النص)، الذي يجب أن يكون هو المرجع لما يخطط، والثاني لا بد لنا كأمة أن نرسم نموذجًا بوصف كل مكان بوصف مصر.. نريد مواصفات مصرية كذا.. أي يكون عندي نموذج وحين يكون لدي نموذجٌ أوجِّه العملية التعليمية والإعلامية لهذا النموذج لا أن أجعله ممزقًا بين إعلام وتعليم وفن ..إلخ؛ لأن كل هذا سوف يفقد في النموذج ما نريد.
- في الولايات المتحدة إذا سألت أي فرد عن تعريف (الإنسان) يكون الرد أنه هو مواطن ينتج؛ لأن هناك اتفاقًا على هذا النموذج في كل الهيئات، ونحن نحتاج حينما ندرس علومًا طبيعيةً أو إنسانيةً أو غيرها أن يصنع التربويون نموذجًا للإنسان المعاصر الذي يعيش في المكان، وأن تلتزم الدولة والشعب والأحزاب والإعلام به.
- وما أهم ملامح هذا النموذج من وجهة نظركم؟
- إذا أردت أن تعرف ملامح هذا النموذج فاقرأ القرآن، فقد أوضح في آلاف من الآيات هذا النموذج، إلا أن الآية (74) من سورة النحل قد رسمت معالم هذا النموذج؛ حيث يقول الله تعالى ﴿فَلاَ تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النحل: 74) ثم ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيءٍ﴾ (النحل: 75).. القدرة بند الرزق الحسن، والقادر على الإنفاق قدمه الله على الإنتاج، وفي الآية (76) ضرب مثلاً لرجلين أحدهما أبكم، فاقد لحرية التبيين، مسلوب القدرة، وهو كَلٌّ على مولاه لا يعمل شيئًا إلا بأمر.. هل يستوي هذا النموذج مع النموذج السابق؟!
- من وجهة نظرك هل الحركات الإسلامية اليوم قادرة على تحقيق النهضة المرجوَّة للأمة؟!
- هناك عدد من الأبعاد ما زالت غائبةً عن فكر وممارسات عديد من الحركات الدينية وقضاياها؛ مما جعلتها بعيدةً عن تحقيق هذه النهضة وتكوين النموذج.. والمحور الرئيسي لهذه الأبعاد هو الغفلة عن الخصائص الذاتية لهذه الأمة.. فكل أمة لها خصائص ذاتية لا بد من معرفتها جيدًا، فبني إسرائيل كان من خصائصهم وما يؤمنون به أنهم شعب الله المختار؛ ولذلك حاسبهم الله بمنتهى الشدة، وقد التزموا فترةً ثم رجعوا وضلوا ففقدوا خيريتَهم، وفقدوا مؤهلاتهم عن الاصطفاء، وصاروا من شرار الأمم، فأنزل الله فيهم:﴿مَثَلُ الَّذِيْنَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ (الجمعة:5).
- أما الأمة التي وصفها الله بالخيرية ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ (آل عمران: من الآية 110)، فقد جعل من خصائصها الواقعية ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِيْنَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَاِلمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ﴾ (فاطر: 32) فالأصل أن يتغلب السابق بالخيرات على الظالم لنفسه، ثم يليه المقتصدون، ويوم أن يحدث العكس يأتي قول عائشة- رضي الله عنها للنبي- صلى الله عليه وسلم-: "أنهلك وفينا الصالحون..؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث"، وحينها لن تنفعها خطط تنمية، ولا فنون، ولا مشروعات نهضة.. وهذا ما يجب أن تدركه تلك الهيئات، وقد قال الإمام مالك: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وخاصيةٌ أخرى أنه حتى تكون أمة لا بد أن تعتصم بحبل الله بكتابه﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيْعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ (الأنفال:63 ) إذًا هو فعل إلهي، ولم يقل سبحانه تتوحد بل قال ألَّف؛ لأنه لا يريد دمج الخصائص وإنما تكاملها.. وعندما تفقد الأمة الاعتصام بحبل الله ينفرط العقد..
- نأتي لمحاولات الإصلاح، فكثير من الإصلاحيين يرون أنه لا بد من إصلاح العقيدة أولاً؛ لأنها فقدت لكن عندما استخدموا هذا المدخل للإصلاح كفَّروا باقي الأمة دون أنفسهم، وأشاروا أن هناك جاهليةً جديدةً، فقسَّم هذا المدخل العقدي الأمةَ ولم يوحدْها، والبعض الآخر رأى المدخل السياسي فقط هو المنقذ ففشلوا لأن العصبية تدخلت وهذه مداخل مفرقة.. لكن لو بدأنا بالخصائص المشتركة للأمة في إعادة البناء وتكوين الهيئات وإعادة القدرة لاعتبارها أمة لا أن يسيطر عليها فردٌ أو هيئةٌ لحدثت النهضة المرجوَّة، كما أن من الأخطاء التي وقعت فيها بعض الجماعات أنها اعتبرت نفسها وصيةً على الأمة، وتُحدثها بنظرة فوقية.. ليس كما قال الله تعالى ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ (آل عمران: 104)، فيجب أن تكون الأمة من الشعب ومعه، وليست وصيةً عليه، تأمره وترى أنها أفضل منه، وهذا الذي حدث باختصار شديد.
- لماذا تُتَّهم نظرية الإصلاح الإسلامي- باستمرار- بأنها نظرية غير قابلة للتطبيق.. هل لبُعد واضعيها عن الواقع، أم لخطأ في التنفيذ؟
- أرى أن السبب الرئيسي في ذلك هو البُعد بصورة أو أخرى عن المصدر الأساسي للإسلام وهو القرآن، وأن نتعامل معه مباشرةً دون الدخول في تعقيدات بعض التفاسير التي كانت تناسب فترة معينة، وكانت نتيجة لفهم المفسر طبقًا لظروف بيئته وزمانه ومكانه.. لكن القرآن معجزةٌ خالدةٌ، تناسب كل مكان وزمان، فحينما نرجع للنبع الصافي وهو القرآن- مع الاستعانة بجهد علمائنا السابقين في تفاسيرهم- نجد النظرية الإسلامية المتكاملة.. اجتماعيةً وسياسيةً واقتصاديةً إلخ.. المهم البداية من مرحلة ﴿وَاعْتَصِموا﴾.
- لكن حينما نقول الحل في الديمقراطية أو الاشتراكية هنا دخلنا مرحلة التقليد، فلا إبداع ولا نهضة؛ لأن عملية نهوض الأمة بعد التخلف لا بد فيه من إبداع غير تقليدي، ولوجود هذا المشروع نحتاج لدراسة اللحظة بالنسبة للعالم كله ما الذي تغير في عالم اليوم عن عالم الأمس؟ لأن مشروع النهوض الذي نحتاجه يجب أن يكون على وعي تام من موقعنا من اللحظة الراهنة وموقع العالم كله منه، ثم نستصحب الخصائص والنماذج من مفكري الأمة وعقلائها الذين يأتون به من فهمهم للقرآن.. لكن يجب قبل أن يبدأوا أن توجد مرحلة حوار بينهم وبين بعضهم من ناحية، وبينهم وبين والشعب من ناحية أخرى.
- لكن هل تتصور أن الأمور ستسير بهذه البساطة دونما وجود تحديات يمكن أن تُعرقل هذه العملية؟
- أرى أنه بالفعل يوجد عدد من التحديات لكنها يمكن أن تعطل عملية النهضة فترة لا أن تعرقلها، إذا اتبعنا الخطوات التي ذكرناها، وهي إدراك خصائص هذه الأمة أولاً ثم دراسة واقعنا جيدًا، وتوافق الرؤى حول النموذج المراد بين العلماء والمفكرين والعامة والحكام والمحكومين وكافة فئات المجتمع.. أما عن التحديات فأهمها أننا نتعامل مع القرآن على أنه كتاب عبادة فقط وليس لإقامة العمران في الأرض أيضًا، فالنبي لم يفسر القرآن.. لكنه تركه منهجًا عمليًّا 23 سنة ليكون نموذجًا في التطبيق العملي للقرآن الذي نزل لهذه الغاية وليس للتبرك أو للتلاوة فقط.
- لكن ببساطة كيف نجعل من القرآن أسلوبًا للدعوة في الغرب؟
- لو عدنا للقرآن حقيقةً سنرى في قصصه وآياته عرضًا لواقع أزمات العالم؛ ولذلك حين نقول إن القرآن يحمل سبيل الخلاص للبشرية كلها ليس ذلك عاطفةً؛ لأنه الكتاب الكوني وهو الوحيد الذي يحمل هذه الصفة، فهو يستطيع تركيب ما فككته الحداثة وما بعدها.. فعملية التركيب في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: 13).. حينها ندخل في السلم كافة، وتلك هي أكبر قضية اجتماعية تواجه الإنسانية.. هذا ما يجب أن نركِّزَ عليه في أساليب دعوتنا.
- لكن الغربَ عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا- بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر- بدأت تضيق ذرعًا بالدعاة وعلماء المسلمين هناك، وليس أدل على ذلك من الموقف مع الداعية الإسلامي الشيخ وجدي غنيم..
- الغرب له فلسفته وفكرته ومنطلقاته.. صحيح أن الحريات قد ضُيِّقت كثيرًا، خاصةً على العرب والمسلمين.. لكن يجب أن نبين بعض الحقائق، وهي أنه على الدعاة أن يدركوا حجم التغير في نظرة الغرب للمسلمين، خاصةً الدعاة منهم؛ حيث يتخيَّلون أنهم جاءوا لإخراجهم من دينهم إلى الإسلام بصورته عندهم، وزاد من ذلك أن بعض الدعاة ظنوا ببساطة أنه بأساليب الدعوة الفردية- لأن عقولهم تكونت بأسلوب كمي- أنه عندما يكون للمسلمين جماعةٌ بها مليون أفضل من أن يكون بها مائة ألف، وهذا الأسلوب الكمي السائد في بلادنا على حساب الكيف استصحبناه في عملية الخطاب الدعوي فاستقطبنا بذلك عداءَهم خوفًا من أن نحوِّلهم لواقع المسلمين المتخلف، وبدلاً من أن أضرب الفكرة الخاطئة التي في رأسه عن المسلمين رسخنا ما في ذهنه حول الحروب الصليبية وشعروا أن هذا تهديد.
- ولو أدركنا أننا نذهب لبيئات على حضارتها على خصائصها ويجب أن ننشغل بالحوار والكيف مع المدارس الفلسفية ونحاورهم بدلاً من الاهتمام بزيادة العدد فقط، كما يجب علينا أن نقدم لهم حلولاً عمليةً لمشكلاتهم من ديننا وقرآننا؛ فبوش نجح لأنه وعدهم أنه سيقدم تعريفًا جديدًا للأسرة، ولو استطعنا نحن أن نقدم لهم أسلوبًا جديدًا وتعريفًا لما يحتاجونه سننجح في ترسيخ مبادئنا عندهم.. لكن للأسف لم نفلح في أن نقنع أحدًا بأننا نحمل حلاًّ لمشكلاته.. وهذا في نظري جوهر المشكلة.
المصدر
- مقال:العلواني: سورة النحل ترسم النموذج المثالي المفقود للإنسانإخوان أون لاين