حول القضية الفلسطينية (4)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
(بالتحويل من حول قضية فلسطين (4))
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حول قضية فلسطين (4)
أكاذيب وحقائق في قضية فلسطين

بقلم: د. محمد عبدالرحمن ...عضو مكتب الإرشاد

من خلال الزخم الفكري والشعارات التي أحاطت بقضية فلسطين، تم الدفع بدعاوى وأكاذيب مضللة يريدون بها لوي الحقائق.

-ومن هذه الأكاذيب التزييف التاريخي لأرض فلسطين :

فلسطين أرض إسلامية عربية

إن أرض فلسطين شهدت على مرِّ العصور تعاقب عدة حضارات سامية، وكانت موطن كثيرٍ من الأنبياء الذين جعلوها مركزًا للدعوة ونشر الدين الإسلامي، وكان الفتح الإسلامي لهذه الأرض- كجزءٍ من بلاد الشام- (خاصة الفتح العمري لبيت المقدس) أكبر الأثر في بدء مرحلة جديدة لأرض فلسطين المباركة في ظل الدولة الإسلامية والخلافة الراشدة.

- والقوميون عندما يتحدثون عن فلسطين كأرض وتراث وتاريخ يسقط من ركائز الفهم عندهم البعد الأساسي للدور الإسلامي، وارتباطها الجذري بدين الله والرسالات السماوية، ونجد أكثر الحديث لديهم عن حضارات الكنعانيين واليبوسيين والفينيقيين.. إلخ، وأن سيدنا يعقوب وداود وسليمان عليهم السلام كانوا محتلين لهذه الأرض لمدة قصيرة.

في حين أن حقائق التاريخ توضح كيف ارتبطت أرض فلسطين أساسًا بالإسلام منذ فجر التاريخ، فقد وطأتها أقدام كثير من الأنبياء، يحملون دعوة الإسلام، ويدعون إلى عقيدة لا إله إلا الله، وأمة الإسلام عبر التاريخ هي صاحبة فلسطين، وليس الكنعانيون أو الفينيقيون أو الآشوريون أو اليهود أو غيرهم.

وأن الأنبياء المسلمين: سيدنا إبراهيم ويعقوب وداود وسليمان عليهم السلام؛ لم يكونوا محتلين لهذه الأرض، بل كانت منطلقهم لنشر الإسلام منذ فجر التاريخ، وهو دين الأنبياء جميعًا.


- والأكذوبة الثانية التي يتحدثون عنها؛ هي أكذوبة هيكل سليمان التي يدعيها اليهود:

إن سيدنا داود، ومن بعده سيدنا سليمان، لم يبنِ هيكلاً، وإنما بنى مسجدًا هو المسجد الأقصى، وأول بناء له أقامته الملائكة منذ فجر التاريخ، بعد أربعين عامًا من بناء الكعبة- كما ورد بالحديث الشريف.

ومثله أيضًا، أكذوبة حائط المبكى الذي لا أصل له، إنما الحقيقة أنه حائط البراق الذي يشكل جزءًا من جدار المسجد ومن مقدسات المسلمين.

ومن الدعاوى الفاسدة ما يردِّده البعض أن الفجوة العسكرية والتكنولوجية الحالية قد حسمت المعركة لصالح العدو الصهيوني، وبالتالي علينا أن نقبل ما يقدمه من فتات، قبل أن لا نجد شيئًا نناله، وهذه أكذوبة كبرى يدحضها التاريخ وحقائق الأمور.

فإن إمكانيات الأمة الإسلامية هائلة، تستطيع أن تحسم القضية، وأن الوقت الذي ستتمكن فيه من حشد طاقاتها وتغيير المعادلة؛ ليس ببعيد في عمر الحضارات، وأنه ما دامت روح المقاومة قائمة والتمسك بالمبادئ والثبات على العقيدة مستمر؛ فسينتهي الأمر إلى لفظ هذا الكيان الدخيل والقضاء عليه بإذن الله.

والتاريخ يعيد نفسه عندما استولت الجيوش الصليبية على هذه الأرض المباركة، وفي أقل من مائتي عام دحرتهم الأمة الإسلامية تمامًا، وبعض القادة الصهاينة يعلم ذلك جيدًا؛ لكنهم يمنون أنفسهم بأنه طالما أبعدوا الأمة الإسلامية عن دينها والاحتكام لشرعها، وأنه طالما أبعدوا الإسلام عن ميدان المعركة والمواجهة؛ فسيكونون هم بأمان إلى حين.

ولهذا نرى الجهد الحثيث والهجوم المتواصل على كل دعوة تريد للأمة عزتها، والعودة للتمسك بدينها وإقامة شرع الله فيها.

ومن الدعاوى الباطلة التحجج بالاتفاقيات الدولية التي تمَّ إبرامها في هذه القضية؛ مثل اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدات السلام، وغيرها من اتفاقيات على نفس المسار.

في حين أن كل ذلك فاقد للشرعية، حيث إنها تخالف ثوابت وتهدر حقوقًا إسلامية وإنسانية لا يجوز إهدارها.

ولا يملك أحد مهما كانت قوته أو كثر عدده أن يعطي أو يفرض أي شرعية لهذا الكيان الغاصب، ولو على شبر واحد من أرض فلسطين.

وبالتالي، فإن هذه الاتفاقيات التي تمَّ إبرامها مع الحكام لا تلزم الأمة الإسلامية، بل وحتى إذا وافقت عليها الشعوب في أي وقتٍ لا يعطيها ذلك الشرعية؛ لأنها موافقة باطلة شرعًا.

وتصوير الأمر من وجهة أخرى أنه حالة اضطرار وإكراه؛ فإننا نوضح أن حالة الاضطرار والضرورة تكون أساسًا في إجراءات التنفيذ إلى حين ومدة محدودة، وليس بإقرار الشرعية والرضى بذلك، مع الجدية في اتخاذ الخطوات التي تقوي حال الأمة، وتخرجها من حالة الاضطرار.

وكذلك حسب القاعدة الشرعية تكون حالة الضرورة حسب حجمها وحقيقتها، وليس بإطلاقها وتوسيع دائرتها فإن كان الاضطرار للموافقة على هدنة لإيقاف القتال، فلا يتعدى ذلك إلى سلام دائم أو إقرار بالشرعية للمغتصب.

وكذلك لا يسمح بحالة الاضطرار إلا بعد استنفاد الإمكانيات ووسائل الضغط والدفع ومدى القدرة على احتمال حالة الضرر المتوقع يقينًا أو غالبًا حدوثه، ووزن ذلك بالميزان الشرعي، وليس بالهوى النفسي؛ خاصةً إن إمكانيات الأمة العربية والإسلامية هائلة، ولكن لم تستخدم بعد عن عمد وتآمر وتضليل من الحكام لشعوبها.

وموقف الإخوان المسلمين الرافض لكامب ديفيد ومعاهدات السلام وغيرها واضح وثابت وقائم على الأصول الشرعية، التي لا يملك أحد الحق في التفريط فيها؛ حتى ولو خالفها في موقفها جميع الناس.

وقد دفع الإخوان تضحيات كثيرة مستمرة حتى يومنا هذا، من أجل هذا الموقف الثابت من اعتقالات ومحاكمات ومصادرات وجرحى وشهداء.. إلخ، فالأمر مسألة مبدأ لا يستطيعون السكوت عنه حتى لو سكت الجميع أو تعرضوا لضرر إذا أعلنوا ذلك .

والإخوان لهم مرجعية واحدة وميزان واحد يقيسون به الأمور؛ هو شرع الله وأحكامه، وقد كان لهم مثل هذا الموقف من مشروع بنود المعاهدة مع الإنجليز عام 1954م؛ حيث كانت بعض بنودها تعطي الإنجليز ما لا حق لهم في مصر.

وقد أوضح ذلك فضيلة المرشد الأستاذ حسن الهضيبي وقتها في خطاب وجهه للأمة عام 1954م.

ونذكر جزءًا منه هنا توضيحًا لهذه القاعدة الشرعية: "... وهذا الذي فعله الإخوان المسلمون من معارضة كل اتفاق مع المستعمرين، ليس شهوة عندهم، وإنما هو أصل دينهم؛ فإن أحكام الإسلام تقتضي أنه إذا وطئت أقدام العدو أرض المسلمين وجب على كل واحد منهم صغيرًا أو كبيرًا الرجل والمرأة في ذلك سواء؛ أن ينهضوا لدفع العدو أيًّا كان حتى يعيدوه إلى عقر داره".

وإذا كان ليست لنا قوة على ذلك حتى الآن، وإلى أن يمنحنا الله القوة لدفعهم أو يوجد من أسباب ضعفهم ما يمكننا من ذلك، فليس لنا أن نرضى بوجودهم على أرض الإسلام، بمقتضى اتفاقات نعقدها معهم، ولا أن نرضى بأي ارتباط كان.

فإذا جلوا عن أرض الإسلام، فللمسلمين أن يرتبطوا بالاتفاقيات التي تقتضيها مصلحة الإسلام، وإذا كانت بعض الحكومات تضطر إلى قبول مثل هذه الاتفاقات؛ فمما يخالف هذا الأصل أن يرضى الإخوان المسلمون به أو يوافقوا عليه، ويجب على الإخوان المسلمين أن يحافظوا كل المحافظة على هذا الأصل؛ حتى لا يقعوا فيما وقع فيه غيرهم مختارين أو مضطرين إلى مخالفة الأصل الذي قدمته لكم".

ويقول أيضًا: "... والإخوان المسلمون على ما أوصاهم به ربهم لا يؤيدون جزافًا ولا يعارضون جزافًا، وإنما تبع للحق أينما كان، ولو كان من خصومهم، وضد الباطل أينما كان ولو كان مع أصدقائهم".

ويقول أيضًا: "... أيها الإخوان إن من شأن الدعوات ألا تترخص في شيء من أصولها، فكونوا مستعدين للموت في سبيل دعوتكم، فإن من مبادئنا "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21)﴾ (يوسف).


حول آيات سورة الإسراء

وفي هذه السطور نتدبر آيات سورة الإسراء، وفي ظلالها نستشرف الواقع والمستقبل:

﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولاً (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)﴾ (الإسراء).

وبالتالي يمكن أن نخرج منها بهذه المعاني المهمة التي تعيننا على فهم الآيات:

1- أن الأمة التي ستواجه اليهود أمة مرتبطة بالله ﴿عِبَادًا لَنَا﴾- وارتباطهم في المرتين بالمسجد.وعلى هذا، فإن نبوخذ نصر ليس هو المقصود في الآيات؛ حيث كان وثنيًّا، وسلط على بني إسرائيل.

2- أنه عند نزول هذه الآيات كانت المواجهة الأولى بلفظ المستقبل ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا﴾.

وأن الأمة التي ستواجه اليهود في هاتين المعركتين واحدة ﴿رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ - ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ (الإسراء).

وبالتالي نفهم أن المقصود هو الأمة الإسلامية الباقية حتى يوم القيامة.

3- أنه في المواجهة الأولى كان المتحقق بالنسبة لما حل باليهود: ﴿فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ﴾ ودخول المسجد الأقصى ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾.

4- أن الإفساد من بني إسرائيل كان مرتين وهو إفساد شديد، وفي الثانية كان مع الإفساد العلو الكبير.

وهذا كان حالهم في الأولى أيام الفتح الإسلامي لبلاد الشام، والثانية في واقعنا المعاصر بقيام دولة "إسرائيل".

5- وبالتالي فإن اجتياح جيوش الصحابة لمعاقل اليهود في خيبر، ودخولهم أرض فلسطين، بعد ذلك في عهد سيدنا عمر بن الخطاب، ودخولهم المسجد الأقصى الذي كان مهملاً.

يعتبر هو الوعد الأول، والذي أنهى وجودهم وأعمالهم الفاسدة في أرض فلسطين.

6- وفي المعركة الثانية يكون مع الفساد هذا العلو الكبير في الأرض، والإمداد بالأموال والبنين والعتاد، وهو يطابق هذا الواقع الحالي المتمثل في إسرائيل ومن يقف وراءها.

وتشير الآيات القرآنية وفق وعد الله، أن هذه الأمة الإسلامية التي جاست خلال ديار فلسطين في عهد سيدنا عمر، ودخلت المسجد الأقصى وقتها، ستقضي بإذن الله على هذا الكيان وتدمره، وتدخل المسجد وتنقذه من الإهمال وما حل به.

7- ويبقى الأمر بعد ذلك في مواجهة اليهود مفتوحًا ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾.

وحسب الأحاديث النبوية؛ فإن هذا يحدث كمرة أخيرة في آخر الزمان عند ظهور الدجال؛ حيث يتبعه سبعون ألف من يهود أصبهان (جنوب شرق الاتحاد السوفيتي) يستولون فيه على بيت المقدس.

وفيه ينزل سيدنا عيسى عليه السلام، ينزل على المسلمين، وهم ممكن لهم في الأرض، ولهم إمام وخليفة وجيش يستعد للمواجهة، وفي هذه الملحمة يتم القضاء على الدجال وبني إسرائيل تمامًا؛ حتى ينطق الحجر والشجر يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله.

هذا هو إيماننا ويقيننا الذي لا يمكن أن يهتز مهما طال الزمن أو تكاثرت الضغوط، إيمان وثقة يدفعان إلى العمل الجاد والجهاد المستمر والتضحية بلا حدود؛ ليتحقق بإذن الله نصر الله تعالى ووعده للأمة الإسلامية، والله أكبر ولله الحمد.