د. المليجي: الحب سر نجاح الإسلاميين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. المليجي: الحب سر نجاح الإسلاميين

[20-11-2003]

مقدمة

الإخوان قادوا العمل الإسلامي في الجامعات والنقابات بمهارة فائقة.

المركز العلمي لشركات الشريف تجربة رائدة أجهضتها الحكومة.

الداعية الذي لا يوازن بين الدنيا ودعوته لا يستحق الانتساب إلى [الإخوان].

العمل الإسلامي في هيئات التدريس ضعيف وهذه هي الأسباب.

انتسبت للدراسة في جامعة الأزهر لحماية النقابة من سيطرة الحكومة.

تتميز دعوة الإخوان المسلمين بأنها تضم خبرات كبيرة في كافة المجالات وكوادر متميزة أعطت العمل الإسلامي ثقلاً كبيرًا، وساهمت في تحقيق إنجازات ملموسة لصالح الحركة الإسلامية.

وضيفنا في حوار الأسبوع هو الدكتور "السيد عبد الستار المليجي" (أمين عام مساعد نقابة العلميين للشعب والفروع لنقابة المهن العملية)، وهو عضو مجلس إدارة نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة قناة السويس، وأستاذ فسيولوجيا النبات بكلية العلوم، وهو إلى ذلك عضو اللجنة المصرية للدفاع عن فلسطين، وعضو اللجنة المصرية الشعبية لمقاومة المشروع الصهيوني، وأسس منذ فترة المركز العلمي لمجموعة شركات الشريف، الذي كان ينتظر أن يساهم في تطوير الحركة الصناعية بمصر، إلا أن الحكومة قامت بإجهاضه.

حصل على الماجستير من جامعة عين شمس في عام 1982م، والدكتوراه في فلسفة العلوم عام 1989م، وله 14 بحثًا علميًّا في مجال فسيولوجيا النبات وبحث في العلوم والسياسة، فضلاً عن أكثر من 16 كتابًا سياسيًّا وعلميًّا، ويمتلك قلمًا جريئًا يناضل به لنصرة المظلومين في كل مكان، وسجن مع إخوانه في قضية النقابيين في عام 1995م، وساهمت كل هذه الخبرات في تكوين رؤية متميزة في العمل الإسلامي من خلال النقابات والجامعات، فضلاً عن خبرته في مجال الاستشارات العلمية... وهذا ما سنتعرف عليه في الحوار التالي:


نص الحوار

  • ماذا تقول عن نشأتك قبل الحضور للقاهرة؟
أنا من مواليد 1951م في قرية "صندلا" بمحافظة كفر الشيخ، والدي متخرج من الأزهر الشريف، إلا أنه كان يعمل بالإدارة الزراعية، ولديَّ من الأشقاء 7 ذكور و3 إناث، تتدرج أعمارهم من الخامسة والستين وحتى الثانية والثلاثين، وترتيبي بينهم الخامس، وأنا متزوج، ورزقني الله تعالى بثلاثة أبناء وأربعة أحفاد.
  • بالتأكيد أثرت فيك فترة التكوين خلال الطفولة؛ فما أهم معالم ذلك التأثير؟
نشأت في أسرة متدينة بسبب طبيعة الوالد الأزهرية، فضلاً عن أنها أسرة مرموقة في المحافظة، وبالتالي نشأنا في بيت يقوم على خدمة الآخرين، والاهتمام بالأهل والجيران والأقارب، وكنا نقضي معظم أشهر الصيف في استقبال الضيوف، والعمل على إتاحة سبل الراحة لهم، وتقدم والدي للترشيح لمجلس الشعب مرتين؛ لمحاولة خدمة الناس بوسائل أخرى، إلا أنه لم يحالفه التوفيق.
تعلمنا من والدي الكثير من الأخلاقيات الحميدة؛ كالانحياز للحق، والدفاع عن المظلومين، والتفاني في خدمة المجتمع، وقد أثَّر ذلك في نفوسنا كثيرًا، وأصبحنا نمارس هذه الأعمال بتلقائية؛ وهو ما دفعني بعد ذلك للالتحاق بالعمل الجماعي والدعوي بمجرد دخولي كلية العلوم، جامعة عين شمس في عام 1970م.
  • لماذا اخترت كلية العلوم تحديدًا لتدرس بها؟
بصراحة.. لم أختر الالتحاق بكلية العلوم، ولكن دخلتها عن طريق المجموع في الثانوية العامة، ووافقت ميولي العلمية، وأحببت قسم النبات، وكان دخولي ذلك القسم إعجابًا بأحد أساتذته، الذي كان يمثل لنا القدوة، وهو الدكتور "حسن أنور فودة"؛ وهو ما يوضح أثر القدوة في حياة الأفراد؛ حيث يظل الإنسان الذي يؤثر في الشخص في دائرة حبه واهتمامه طول العمر.


الحياة الجامعية

  • تزامنت فترة دراستك الجامعية مع أحداث ساخنة في مصر، من أهمها حرب أكتوبر؛ فكيف استقبل طلاب الجامعات ذلك الانتصار؟
طبيعة الشباب المتدين في تلك الفترة كانت تدعو للنظر بتوجس وخيفة إلى كل ما تقوم به الحكومة، باعتبار كل تصرفاتها معادية للإسلام؛ ولذا لم يكن لحرب أكتوبر مردود كبير في أوساط الشباب، ولكن مع تعمق التجربة يمكننا الآن الفصل بين إنجازات الشعب المصري، وتصرفات الحكومات المصرية، وبالتالي يُكنُّ الشباب بكافة مستوياته الاحترام والتقدير لحرب أكتوبر والانتصار الذي حققناه على الصهاينة.
بمجرد التحاقي بالجامعة في عام1970م بدأت مرحلة العمل الإسلامي المنظم في حياتي، وشاركت خلال تلك السنوات في إنشاء عدة تنظيمات طلابية داخل الحرم الجامعي، تبلوَرَت في شكل الجماعة الإسلامية بكلية العلوم، وكنت مسئولاً في ذلك الوقت، وأثمرت الجماعة الإسلامية بباقي كليات الجامعة.
  • ولكن نلاحظ أن العمل الإسلامي في جامعة عين شمس ليس في مستوى جامعة القاهرة مثلاً؛ فلماذا؟
العمل الإسلامي في جامعة عين شمس أسبق من جامعة القاهرة، فالجماعة الإسلامية وأسرتَي "عمر بن عبد الخطاب"، و"فاطمة الزهراء"، أقدم تاريخيًّا من مثيلاتها في جامعة القاهرة.
وفي الوقت الذي كنا نعقد فيه المؤتمر الإسلامي في العام الرابع في جامعة عين شمس عام1975م كانت جامعة القاهرة تعقد مؤتمرها العام الأول، غير أن جامعة القاهرة- باعتبارها الجامعة الأم- تسلط الأضواء عليها أكثر من غيرها.
  • وما هي أهم الخبرات التي استفدتها من خلال فترة الجامعة؟
تعتبر فترة دراستي الجامعية أساس تكوين شخصيتي فيما بعد، وأصبح الانشغال بتوجيه فكري معين في تلك الفترة، يصبح مؤثرًا أساسيًّا في تحديد الشخصية وعلاقتها بالمجتمع ونشاطها المستقبلي، وبالتالي كانت أهم فترة في حياتي.
ويرجع ذلك إلى المرحلة السنية التي يمر بها الطالب خلال فترة دراسته الجامعية؛ حيث تعتبر فترة التكوين العقلي بعد انتهاء التكوين البدني، وهذا يعطي للجامعة أهمية قصوى في حياة المجتمع، ويوجهنا إلى ضرورة الحفاظ على بيئة ثقافية صالحة داخل الجامعة ما دمنا راغبين في إنشاء مواطنين صالحين، ومن ثَمَّ هذا المنطلق تحرص الحركة الإسلامية على العمل داخل الجامعة للدعوة إلى الله تعالى.
  • قمت بتأليف دراسة مهمة بعنوان "تاريخ الحركة الإسلامية في ساحة التعليم خلال الفترة من 1935م إلى 1995م"؛ فما أهم ملامح تلك الدراسة؟
تعتبر تلك الدراسة تأريخ لدور الحركة الإسلامية في المدارس والجامعات المصرية والعالمية، وفيها لمحة عن الجماعات الإسلامية التي نشطت خلال تلك الفترة، وكذلك التنظيمات الإسلامية التي أنشئت على مستوى العالم، نتيجة هجرة أفراد من الإخوان إلى بلدان العالم، وكذلك استعرت المشكلات التي واجهت العمل الإسلامي الطلابي منذ منتصف الثلاثينيات وحتى منتصف التسعينيات، وتنتهي الدراسة بعرض عدد من الدورات التدريبية التي ينبغي أن يمر بها الطالب المنتمي للحركة الإسلامية؛ حتى يتمكن من أداء دوره الدعوي، وهي دراسة مهمة ذكرت فيها عددًا من أسماء الشخصيات، التي شاركت في هذه النهضة الإسلامية بالجامعات المصرية.


أزمة العمل الطلابي

  • من خلال خبرتك في العمل الطلابي... ما الفرق بين العمل الإسلامي بالجامعات حاليًا عنه في الفترات الماضية؟
هناك اختلاف جذري بين العمل في الجامعة خلال فترة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات؛ حيث كان لكل فترة خصائصها المميزة... فخلال فترة الستينيات كان العمل ينبع من وجدان الطلاب، ولم تكن هناك قيادات تاريخية على الإطلاق لها تأثير على طلاب الجامعة، وبالتالي تميز العمل في تلك الفترة بالتعددية في التوجهات الإسلامية والانطلاق الكامل دون أية قيود تنظيمية، وعمق التجربة الشخصية للطلاب النشطين في العمل.
أما في الثمانينيات فقد تميز العمل الإسلامي ببلورة العمل الجامعي إلى توجهات تنظيمية محددة؛ حيث فاز توجه الإخوان المسلمين الفكري بأكثر من80% تقريبًا من الطلاب، وفازت التوجهات الفكرية والجهادية والسلفية بحوالي20% من طلاب الجامعة، كما تميزت فترة الثمانينيات بالتضييق الأمني الشديد؛ وهو ما جعل تنظيم الإخوان هو الوحيد القادر على المواجهة، وأصبحت الجامعة المصرية ساحة تنفرد بها حركة الإخوان مع بعض المناوشات من تنظيمات حورس التابعة للحزب الوطني!
وفي فترة التسعينيات ارتفع صوت العمل النقابي على العمل الطلابي لدى الحركة الإسلامية، وتحول معظم قادة العمل الطلابي في السبعينيات والثمانينيات إلى العمل النقابي؛ وهو ما ألقى بظلاله على ضعف العمل الطلابي إلى حد ما, وما زال العمل الطلابي من وجهة نظري أضعف من الفترات السابقة من ناحية الحركة والأداء والتواجد والهمة والتأثير على باقي طلاب الجامعة.
  • وما الإطار التنظيمي التي كانت تعمل من خلاله الجماعات الإسلامية خلال السبعينيات؟
في الفترة من1970م وحتى 1974م كان العمل الإسلامي في شكل الجماعة الإسلامية ضمن إطار تنظيمي يقوم على "أمير" لكل كلية، ومعه أمراء مساعدين في كل قسم من أقسام الكلية، فضلاً عن وجود أمير لكل جامعة، وأمير لأمراء الجامعات المصرية، وكانت المساجد هي المقر الرئيسي للعمل الإسلامي، وكانت المحاضرات التثقيفية الإسلامية هي أهم وسائل نشر الدعوة، كما أن الحجاب الإسلامي انتشر بصورة كبيرة، ولقي احترامًا كبيرًا، وهذا أهم إنجازات تلك المرحلة، كما كانت معارض الكتب من أكثر الوسائل تأثيرًا؛ حيث كان يقام معرض دائم للكتاب الإسلامي بكل جامعة، ينتقل من كلية إلى أخرى.
كما كانت هناك لقاءات بين العاملين في الحركة الإسلامية في كثير من المساجد، وكانت هناك رغبة في التعارف بين الطلاب على مستوى الجمهورية، وتبلور ذلك في عام 1976م، 1977م إلى ما يشبه وجود جماعة إسلامية على مستوى الجامعات المصرية.


في قافلة الإخوان

تعرفت على الإخوان في يناير 1975م من خلال بعض العاملين منهم في مصانع الشريف للبلاستيك، ثم توجَّهت إلى الأستاذ "مصطفى مشهور"- رحمه الله- ضمن وفد من ثلاثة شبان، كنا نمثل تنظيمًا مستقلاً في منطقة مصر الجديدة والنُّزهة، وتحاورنا معه على مدى 5 شهور تقريبًا حول الإخوان وطرق عملهم، وملاحظاتنا عليهم، وكان- رحمه الله- واسع الصدر، حسن الاستقبال لما نبدي من ملاحظات، وانتهت تلك الحوارات إلى قناعتي بأن التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين والعمل ضمن إطارها سيكون أجدى للعمل الإسلامي من إنشاء تنظيمات أخرى؛ حيث إن وحدة العمل الإسلامي في أي وطن هي أهم وسائل نجاح هذا العمل.
  • تعتبر أحد رواد العمل النقابي من الإخوان؛ فما قصة بداية عملك في النقابات؟ وما أهم ما حققوه في هذا المجال؟
في عام 1989م كان هناك توجه لدى الإخوان- بعد اقتراح بعض الشباب- بضرورة الاهتمام بالنقابات المهنية بوصفها مؤسسات مدنية، بها إمكانات جيدة للعمل الخدمي، ولديها آليات واضحة لتقديم المعاونات الصحية والتقنية لأعضائها، كما أن الانتخابات فيها تميزت بالشفافية والحيادية، وبالفعل تقدمت لانتخابات نقابة المهن العلمية لأول مرة في انتخابات التجديد النصفي عام 1989م، وفزنا بالمقعد المطروح في ذلك الوقت.
ثم استمر العمل في النقابة وانتخبت من مجلسها أمينًا عامًا عام 1991م، وبقيت في هذا المنصب حتى عام 1995م؛ حيث اعتقلت في قضية النقابات المشهورة وخلال هذه الفترة نهضت نقابة المهن العلمية نهضةً كبيرةً من حيث الشكل والمضمون، فزاد عدد الأعضاء المشتركين بالنقابة، وتم ضبط حسابات النقابة وتسوية ميزانياتها السابقة بصعوبة بالغة، وأقيمت معارض للسلع المعمرة بكافة أنواعها، فضلاً عن مشروعَي التأمين الصحي والتكافل الذي حقق دخلاً قدره خمسة ملايين جنيه, واشترينا أرضًا لإقامة أول نادٍ اجتماعي للعلميِّين بالقاهرة، وهو في مرحلة التشطيب حاليًا.
كما أقيمت مئات الندوات العلمية المتخصصة، وشاركت النقابة بجهد كبير في العمل الوطني من خلال مشاركتها في خطة الدولة الخمسية بمقترحات بنَّاءة في مجال البحث العلمي والتكنولوجي، كما تقدمنا للدولة بمشروع متكامل لمحو الأمية في مصر يقوم على الاستفادة من الدعم المتاح لهذا المشروع، وتوظيف شباب العلميين فيه؛ حتى ينتقلوا إلى عملهم الأساسي، وقد تبنت الدولة هذا المشروع بالفعل، ولكنها أدارته بنفسها، وأبعدت عنه نقابة المهن العلمية.
وكانت تلك السنوات من أخصب فترات العمل النقابي، الذي شهدته مصر في كافة النقابات المهنية، التي فاز فيها كوادر الإخوان المسلمين.
  • وأين دور النقابة في دعم حركة البحث العلمي والتكنولوجيا المتعثرة في مصر؟
لا تزال جهود نقابة العلميين في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا قاصرةً على إبداء الرأي وتوصيله إلى المسئولين عن هذا الميدان، ولكننا نكوِّن هذا الرأي من خلال فعاليات مفيدة، تتضمن دعوة المهتمين بالبحث العلمي في مؤتمرات علمية متخصصة، تختلف عن الاحتياجات الرسمية التي تعيقها قيود الوظيفة والاعتبارات السياسية؛ وهو ما يؤدي إلى إفساد العمل، ولكن في النهاية يبقى دعم البحث العلمي وتطويره من مسئوليات الدولة.
  • بعيدًا عن العمل النقابي... ما هو المجال الذي تخصصت فيه؟
منذ تخرجي في كلية العلوم عملت في أعمال متوازنة، تستهدف الاستفادة من الخبرات العلمية لمصلحة المجتمع، وتدرجت في تلك الوظائف حتى أصبحت مسئولاً عن ضبط الجودة في عشرات المصانع المصرية، وأهمها: مجموعة الشريف، وشاركت في إنشاء أول مركز علمي متخصص بضبط جودة الإنتاج وبحوثه لصالح تلك المجموعة، كما أسست مركزًا علميًّا خاصًّا، يعتبر مكتب خبرة، يعمل في مجال إدارة ضبط الجودة في المصانع، وعمل الدراسات العلمية حول المشروعات الصناعية والزراعية، ويضم عددًا كبيرًا من الخبراء والمستشارين.


تجربة رائدة

  • استحوذ المركز العلمي لشركات الشريف، الذي قمت بتأسيسه على اهتمام كبير، باعتباره أول مركز علمي متخصص في إحدى الشركات؛ فكيف ولدت فكرته؟ وما أهم النتائج التي توصل إليها؟
بدأت فكرة المركز من الرغبة في تطوير المنتجات المصرية لتكون متوافقةً مع المواصفات القياسية العالمية؛ الأمر الذي كان يحتاج إلى استيراد خبرات أجنبية، وشعرنا أننا نستطيع الحصول على هذه الخبرة كاملةً من داخل مصر، وانطلاقًا من شعورنا بوجوب تطوير الصناعة المصرية قررنا إنشاء عدد من معامل البحوث التي تعكف على تطوير المنتجات من خلال بحوث علمية داخلية، ومن هنا بدأت فكرة المركز العلمي بإنشاء عدد من معامل البحوث بالأقسام المختلفة بالمصانع، ظلت تمارس عملها لمدة خمس سنوات، ثم جُمعت كلها في مبنى واحدة، وتم إضافة قاعات للمحاضرات وخطوط اتصال بالأقمار الصناعية للحصول على المعلومات، وحقق المركز نتائج باهرة؛ حيث تمكنت مصانع الشريف من تحقيق الاكتفاء الوطني من المنتجات البلاستيكية بنسبة 100%؛ حيث لم نكن نستورد أي نوع منها في تلك الفترة..
وبدأنا خطوات جادة في إنتاج المواد الخام، وأؤكد أن تلك الهيئات لو تُركت لتعمل دون حصار لحققت خيرًا كثيرًا للوطن والمواطنين، ومع ذلك فالذين تخرجوا من هذه المدرسة العلمية قاموا بإنشاء عدة مصانع صغيرة ناجحة ومتقدمة إلى حد كبير.
ومن ناحية أخرى قمت بتأليف كتاب عن "الطرق العلمية لضبط الجودة في مصانع البلاستيك"، يعتبر الوحيد باللغة العربية في هذا المجال، فمن خلاله يمكن تحديد مواصفات قياسية وطرق التدريب عليها قبل أن يتحدث أحد عن "الأيزو"؛ حيث قمت بتأليفه عام 1988م.
  • وما أهمية أن يكون للإخوان حضور في تلك المجالات المتخصصة؟
الإسلام ليس عبادات فقط، ولكنه منهج حياة متكامل..، وكما تحتاج الأمة إلى فقهاء في المسائل الشرعية فهي تحتاج غلى خبراء في المسائل الحياتية، كذلك كالصناعة والزراعة والدواء والطب والبحوث الأساسية في الجيلوجيا والنبات والحيوان والفضاء وغيرها، وهذا فقه قديم عند المسلمين، حيث قال الفقهاء: إن الامة الإسلامية لو احتاجت إلى ما تخيط به الثوب فلم تجده عندها فقد أثمت جميعًا، وبالتالي علينا أن نترجم هذا المفهوم إلى واقع عملي ملموس فتكون جماعتنا متكونة من كل هؤلاء الفقهاء والخبراء، يضمهم جميعًا ممارسة الحياة في إطار الشريعة الإسلامية الغراء.
  • ولكن كيف توازن بين الأعمال الكثيرة التي تقوم بها؟
إذا نظم الإنسان وقته وكان جادًا في حياته ومرتِبًا شئونه فإن الوقت يكفي لمجهودات كثيرة وأعمال متنوعة، ومن ناحيتي كنت أضع لنفسي جدولاً زمنيًا شيد التنظيم؛ حتى أستطيع أن أمارس تدريسي في الجامعة وعملي الخاص في الاستشارات العلمية، فضلاً عن العمل الدعوي الذي يستحوذ على نصف الوقت في حين له 100% من المساحة النفسية والقلبية... فنتنظيم الوقت يتسع الأداء في مجالات متعددة بنفس نسب النجاح.


توازن الداعية

  • في رأيك كيف يوازن الداعية بين عمله الدنيوي أو دراسته والدعوة إلى الله؟
دراسة الإسلام والعمل الدعوي هو أساس حياة المسلمين، وهوو الإطار المنظم لحركة الحياة، وهذا المعنى يجب أن يُبنى عليه الجميع، وبعد ذلك تختلف تخصصاتهم الحياتية حسب قدراتهم، وما تلقونه من دراسة وعلم فلا تعارض بين الناحيتين إطلاقًا، وكان هذا هو هدف الصحابة دائمًا، حتى إن الذين تخصصوا في الدراسات الشرعية كانوا حريصين على أن تكون لهم حِرفٌ يرتزقون منها، وقد حرضت جماعة الإخوان المسلمين دائمًا على توجيه شبابها إلى ضرورة إتقان الأعمال الحياتية الموكلة إليهم، وأن يكونوا متفوقين فيها إلى جانب تفوقهم الإيماني والدعوي؛ حتى يكونوا صورةً مشرفةً للمسلم الملتزم, وخلال عملنا في قسم الطلاب كنا نوقع عقوبات على الطلاب المتدينين الذين يتخلفون في دراستهم تصل إلى حرمانه من العمل الدعوي حتى يتفوق، وكنا نقيم لبعضهم معسكرات مغلقة للمذاكرة في حالة دور ثان، وفي المقابل كنا نقدم جوائز قيمة للطلاب الملتزمين المتفوقين.
  • وما هي أهم محطة في حياتك؟
يعتبر الانشغال بالعمل الدعوي في فترة السبعينيات أمر محوري بالنسبة لي ثم التعرف على جماعة الإخوان المسلمين، حيث ازدادت معرفتي بالدين والدعوة والعقبات التي تواجهها ثم كانت مرحلة السجن عام 1995م، حيث تعمقت معرفتنا جميعًا لأنفسنا وقدراتنا، ووضعت أيدينا على كثير من الثغرات التي يجب أن نتعاون على سدها، واستفدت من مرحلة السجن بصورة كبيرة، حيث كانت فرصةً للتفكير والمراجعة بعد 25 عامًا من العمل الدؤوب المنطلق دون حسابات، وفيها تأكد لنا سلامة الطريق الذي نسير فيه، كما تأكد لنا كذلك أننا في حاجة إلى بعض التحسينات حتى نستطيع أن نحقق أهدافنا.
  • باعتبارك أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة قناة السويس.. لماذا يعتري وجود التيار الإسلامي بين أعضاء هئات التدريس بالجامعات ضعف شديد؟
مرت هيئات التدريس بمرحلتين من ناحية تأثير الإخوان، كانت الأولى خلال الثمانينيات، وشهدت تأثيرًا ملحوظًا للإخوان في أعضاء هيئات التدريس، وكانوا يديرون جميع أندية هيئات التدريس في مصر، ثم فترة التسعينيات التي انخفض فيها تأثير الإخوان لسببين:
أحدهما داخلي وهو الأهم وهو ضعف عمل الإخوان في مجال أعضاء هيئة التدريس، حيث لا توجد أوعية من النشاط تناسب تلك الشريحة السنية والعلمية المهمة، أما السبب الخارجي فيرجع إلى شراسة الضغط الحكومي على أعضاء هيئات التدريس لإبعادهم عن تيار الإخوان المسلمين، ولكن التنكيل بأعضاء هيئة التدريس من الإخوان من خلال السجن والاعتقال وحرمانه من السفر في بعثات علمية، وهذه سياسة من شأنها إرهاب الكثيرين من العمل، معنا أو الاتصال بنا.. ومع ذلك فأشهد أن ضمير معظم هيئات التدريس مناصرنا، ويتعاطف مع دعوتنا، ويتضح هذا جليًا إذا أُجريت انتخابات حرة شفافة على أي مستوى علمي.
  • لماذا قررت الانتساب إلى كلية الدراسات الإسلامية بعد هذه الفترة الطويلة على تخرجك من الجامعة؟
كان هناك توجه عميق في نفسي منذ الصغر نحو الدراسات الشرعية التي أبعدتني عنه ظروف الحياة، وحققته لنا قصة أتاحتها جامعة الأزهر حينما وافقت على قبول حاملي المؤهلات العليا طلابًا في جامعة الازهر، وكنا نتمنى أن يستمر تطبيق ذلك النظام لاستيعاب الكثيرين من المحبين للدراسات الإسلامية.. أما اختياري للشريعة والقانون بالذات فلأننا شعرنا أثناء فترة العمل النقابي أننا بصدد صراع قانوني مع جهات أخرى تريد أن تخالف القوانين العامة؛ بهدف محاصرتنا في العمل النقابي والدعوي أو توقعنا في مخالفات قانونية إدارية ومالية لتأخذنا بجريرتها، وبالتالي شعرت بحاجة ماسة للتفقه في الدراسات القانونية؛ حفاظًا على النفس وللمهنة التي نؤديها، وهذه دعوة إلى أن يظل الانسان متعلمًا طول حياته، وليس هناك تعارض بين أن يكون الإنسان معلمًا ومتعلمًا في نفس الوقت، والذين يجيدون التلمذة هم الذين يجيدون التدريس فينا بعد.
  • ماذا عن أسرتك الصغيرة والخبرات التي تنقلها لهم؟
أسرتي مكونة من زوجتي "هالة أحمد حجازي" وهي متخرجة في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، وأبنائي "كريمة" حاصلة على ليسانس الحقوق دفعة 1999م، و"أسماء" و"عبد الرحمن" بالثانوية العامة، كما أن لديَّ 4 أحفاد هم عمرو، وندى، وعمر، ورولا.. أما النصائح التي أوجهها لهم فهي ضرورة الاستمساك بالدين، باعتباره أساسًا في حياتهم، والتفوق في الدراسة، والإبقاء على علاقات وثيقة مع المتدينين من زملائهم، ومحاولة التعاون لإنجاز ما هو مفيد لمجتمعهم المدرسي أوالعام، وفي هذا توجيه مبكر لضرورة الاهتمام بجماعية العمل في المستقبل، وأترك لهم اختيار الجماعة التي يعملون معها لفترة تنضج فيها عقولهم، وتصبح قادرة على الاختيار، وإن كانوا يميلون بالطبع إلى فكر الإخوان.


نصيحة

  • وماذا تقول لإخوانك الشباب في بداية طريق الدعوة؟
أود أن أشير إلى ضرورة أن تكون قضية الحب في الله فيما بينهم شاغلهم الأكبر، وأن يتدربوا من الآن على إدارة أعمالهم بالشورى والمساواة، وأن يدركوا أن الأُطر التنظيمية هي مجرد وسيلة لتحقيق هذه الأهداف، فإذا تعارضت معها فعلينا أن نحافظ على الحب في الله والشورى والحرية، فهي الأهم وهذه دعوة أيضًا لتفعيل الأفراد في الحياة، حيث يتعود الشباب على المبادرة والإبداع وليس مجرد انتظار الأوامر.. فيجب على الشباب أن يبتكر طرقًا جديدة للعمل ويمارسها، ويجب في نفس الوقت أن يحترم المسئول هذه الابتكارات ولا يوقفها، وإن وجد فيها بعض العيوب فعليه تعديلها في إطار التوجيه السليم، وليس الرفض المثبط لهمة الشباب وعزيمته.

المصدر