سليم عزوز يكتب: «القلق» قبل لقاء سفير أثيوبيا وبعده!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سليم عزوز يكتب: «القلق» قبل لقاء سفير أثيوبيا وبعده!


سليم ع.jpg

( 30 ديسمبر 2017)


فلما كانت الساعة التاسعة بتوقيت القاهرة، العاشرة بتوقيت «أم القرى»، ومن حولها، من مساء يوم الخميس الماضي، اتخذت موقعي أمام التلفزيون، استعداداً للقاء بشرت به قناة «بي بي سي»، مع السفير الأثيوبي «تايبه سلاسي»، والله أعلم، عن أزمة سد النهضة، لعلي أجد على النار هدى، فكان السائل كمن «ينده ويرد الصدى»، كما في أغنية «وائل كافوري» و»نوال الزغبي»: «مين حبيبي أنا؟»، فقد كنت أعتقد أن السفير سيبدد قلق المصريين، لكن خرجنا منه أكثر قلقاً، فقد كنا أمام سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، وما هو بماء!

لعله اللقاء الأخير، لمدير مكتب «بي بي سي» في القاهرة «أكرم شعبان»، يغادر بعده إلى مدينة الضباب، حيث المقر الرئيسي للقناة البريطانية، لتحل محله «صفاء فيصل»، وسط تلميحات من إعلاميين محسوبين على السلطة، بأن هذا الانتقال، هو بسبب ما أذيع عن عدد القتلى في مجزرة الواحات، والتي قالت الجهات الرسمية إنه لم يكن دقيقاً، لكن هذه الجهات لم تعلن عن وقوع الحادث إلا بعد ساعات، كما أن عدد القتلى المختلف عن العدد الذي أذاعته هذه الجهات في وقت لاحق، أذاعته أيضاً وسائل إعلام أخرى، كرويترز مثلاً!

ولعل أهل الحكم كانوا يتربصون بـ «بي بي سي» بالذات، ولعلهم استعملوا معها سياسة «ذبح القطة» كرسالة للجميع، وباختيار القناة الأبرز، لتكون الرسالة أكثر تأثيراً، وكانت ليلة ليلاء، انطلق فيها «أحمد موسى»، ليعطي دروساً للعاملين فيها في المهنية، فتذكرنا «لعبة بلاي ستيشن» المنتشرة عبر السوشيال ميديا، ورغم انتشارها فلم تمنع «موسى» من أن يذيعها على أنها سحقاً للقوات الروسية، لتنظيم «داعش»، وسط هتافه وهو ينقل وقائع المعركة للمشاهد: «الروس لا يعرفون الهزار»، وكان في حالة فخر عظيم، وعلى أساس أن «القرعة تتباهى بشعر بنت أختها»، وباعتبار أن جذوره روسية، وأنه مولود في مستشفى موسكو المركزي!

نفي شعبان

وبطبيعة الحال، جرى اتهام «بي بي سي» بأنها اخوان، ولا بأس، فالقوم اتهموا الرئيس الأمريكي أوباما بأنه عضو في التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية، لأن من الواضح أن شيئا ما في أعلى الرأس توقف، فأنتج هذا الأداء البائس، والذي هو في حالة الـ «بي بي سي»، كان بالإضافة إلى «ذبح القطة»، فإنه محاولة للتغطية على بشاعة الجريمة، التي كشفت قوة المسلحين وغياب المواجهة، فكانت الحرب على القناة البريطانية، حد المطالبة بإغلاق مكتبها في القاهرة!

«أكرم شعبان» نفى أن يكون انتقاله إلى لندن، له علاقة بهذه الأزمة، فأسرته هناك والقرار بالانتقال تم تحديده سلفاً، وربما أراد أن يفعل شيئاً يذكره به المصريون، بأن يكون سبباً في ازالة القلق الذي تمكن منهم خوفاً على نهر النيل، وكل الدلائل تشير أنه قد يصبح ذكرى، فكان لقاؤه سفير أثيوبيا في القاهرة «تابيه سيلاسي»، والله أعلم، لأني أخشى أن أكون قد نقلت اسمه خطأ من الشاشة، فأكون كمن وقع في شر أعماله.

تكلم السفير الأثيوبي، ولم يقل شيئاً، وطرح «أكرم» أسئلته بوضوح، ولم يتلق عليها إجابات، فكما أن اتفاق المبادئ الذي وقعه السيسي، لا يضمن لمصر قطرة مياه واحدة، فإن السفير لم يبل ريق سائله، أو ريقنا، بقطرة مياه، أو وعد ولو كاذب ليثبت به فؤادنا. فقد ذهب بنا إلى «النيل» وعاد بنا عطشى!

كان مذيع «بي بي سي» واضحاً في أسئلته، وهو يقول ينقل له الاتهام بأن أثيوبيا تراوغ وتشتري الوقت حتى تنتهي من بناء السد؟ كما كان واضحاً وهو ينقل له قلق المصريين؟ ثم طرح عليه سؤالاً لا يحتمل التأويل، عندما سأله: هل ستحصل مصر على حصتها كاملة؟

المعنى في بطن السفير

وقال السفير الأثيوبي إن البطء في بناء السد رفاهية، لأن هناك 60 مليون شخص يعيشون بدون كهرباء، وبالتالي فلا يمكنهم الانتظار، والمعنى الذي هو في بطن السفير، أن أثيوبيا لن توقف بناء السد حتى تنتهي من الاتفاق على مصر، ولماذا تقف وقد حصلت على موافقة مصر كتابة على بناء السد، بتوقيع عبد الفتاح السيسي على اتفاق المبادئ، والذي قال «المفتي» يومها في لقاء مع قناة «الجزيرة» أجراه أحمد منصور إنه لا يضمن لمصر أو السودان قطرة مياه واحدة، والقانون – حسب القول الشائع – لا يحمي المغفلين، فهل كانوا مغفلين فعلاً؟

عندما سئل السفير عن سنوات الملء وسعة السد؟ أجاب لا أعرف، وزاد لدينا حدة القلق، عندما قال إن اتفاق المبادئ هو المرجعية، مع أن الاتفاق لم يتضمن نصاً لذلك، والنص أنه في حال الخلاف بين وزراء الري يتم اللجوء إلى القادة، فاذا اختلف القادة، فعلى المتضرر منهم أن يشرب من البحر، إن وجد فيه ماء ولم يكن ما فيه سراباً بقيعة!

اتفاق المبادئ الذي فرط عبد الفتاح السيسي بمقتضاه في حصة مصر التاريخية من مياه النيل، لم ينص على اللجوء للتحكيم الدولي عند الخلاف، وفي الرد على سؤال ضمان استمرار حصة مصر هذه بعد بناء السد، تكلم السفير داخل فمه، فلم ينتج جملة مكتملة خارج عتبة هذا الفم!

ودخل مذيع «بي بي سي»، إلى ساحة العواطف الجياشة، وكيف أن القوم في أثيوبيا وضعوا السيسي في وضع بالغ الحساسية، ومن الشعب المصري من يأخذ عليه أنه وقع على اتفاق المبادئ بحسن نية؟ فيندهش السفير لأن من بين المصريين من يأخذ على قائده أن يكون حاضراً في أمر كهذا.

هل كان السيسي حسن النية فعلاً؟ وإذا افترضنا جدلاً أنه بما فعل كان حسن النية، وأن حسن نيته كان سبباً في توقيعه وطلبه من المصريين أن يتكلموا في هذا الامر بتاتا البتة، فهل يصلح حاكماً، إذا استبعدنا الانقلاب العسكري، وسلمنا بأنه الرئيس فعلاً، وإذا لم يكن حسن النية هذا سبباً في تقديمه للاستقالة، فمتى يقدمها؟ والطريق إلى جهنم الحمراء مفروش بالنوايا الحسنة!

فأصحاب النوايا الحسنة يمثلون قيمة مضافة، في الانتماء للطرق الصوفية، وفي ممارسة الطقوس في الموالد وحلقات الذكر، لكنها صفة سلبية في الحاكم، وقد قال عمر بن الخطاب: لست بالخب ولا الخب يخدعني»، و»الخب» هو «الخداع» و»الماكر المراوغ»، فهل كان عبد الفتاح السيسي حسن النية فعلا، أم كان عامداً متعمداً.

لقد كان أمامه طريق لم يسلكه، لسحب اعترافه ببناء سد النهضة بدون أي شروط، إن كان بالفعل حسن النية، يتمثل هذا الطريق في أن يجتمع برلمانه ويعترض على توقيعه، ومن ثم يكون أمام مصر الحق في اللجوء للتحكيم الدولي، والذي سيوقف حتما بناء السد إلى حين الانتهاء من الفصل في الدعوى، لكنه لم يفعل، ولن يفعل، لأنه ينتظر حتى الانتهاء من بناء السد، ليطلب وساطة إسرائيل، وهي وساطة سيكون ثمنها توصيل مياه النيل اليها، وهو المطلوب والمراد، من حاكم متغلب يفتقد للشرعية الداخلية، ويعلم أن الرضا الإسرائيلي يغني عنها!

لقد أعلنت الحكومة المصرية عن فشل المفاوضات، وكان السؤال وماذا أنتم فاعلون إذن؟! فكان اللجوء إلى تضليل المصريين بإعلان أن رئيس الوزراء الأثيوبي قادم ليلقي خطابا في البرلمان المصري لتطمئن قلوب المصريين، وقلنا ماذا عنده لم يقله للحكومة التي أعلنت فشل المفاوضات؟ وتم تحديد يوم 12 الشهر الجاري لإلقاء هذا الخطاب التاريخي، وها هو الشهر يحمل عصاه ويرحل، و»لا كلمة ولا مرسال» بل نفاجأ بزيارة وزير الخارجية المصري لأثيوبيا، ومن هناك أعلن طرح مصر لمقترح بمشاركة البنك الدولي كطرف في أزمة سد النهضة!

فإذا علمنا أن البنك الدولي يتبنى منذ التسعينات فكرة أن مياه النيل ملكية خاصة لدولة المنبع تتصرف فيه تصرف المالك في ما يملك، بالمنع أو بالمنح، فإن تساؤلاً يطرح نفسه: أهو حسن النية أيضاً؟ وماذا يمكن أن يكون مآل سوء النية لنختار أخف الضررين؟!

ميكروفون «الجزيرة»

أزمة المفاوضات لم تبدأ في الشهور الأخيرة، لكنها بدأت منذ عامين، ونشرت جريدة «الأخبار» المصرية الرسمية يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2015، مانشيتا تمدد على ثمانية أعمدة أعلى الصفحة الأولى: «الوفد الأثيوبي يثير أزمة ويرفض مصافحة الوفد المصري في الخرطوم»، وفي اليوم نفسه نشرت صحيفة «المصري اليوم» المصرية أيضاً تصريحات للسفير السوداني، أن مصر طلبت أن يكون الاجتماع السداسي الخاص بسد النهضة سرياً. فالإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس!

بيد أن وزير الخارجية المصري كان يخرج من جلسات المفاوضات وهو يشغل نفسه بمعركة مع ميكروفون «الجزيرة»، ليكون هذا هو موضوع الليلة في برامج «التوك الشو» في القنوات المصرية، عن أسد الصحراء، وبطل معارك «الإصبع المدوحس»، وقاهر ميكروفون «الجزيرة» سامح شكري، وبدا مراسل «الجزيرة»، وكأنه يتسلى، فيضع الميكروفون ليبعده الوزير فيعيد وضعه ليبعده، ويصبح هذا هو الخبر، ولا شيء عن سد النهضة!

لقد طرح مذيع «بي بي سي»، على السفير الأثيوبي – تاييه والله أعلم – ما إذا كانت أثيوبيا تخشى التحرك العسكري، فانفعل لأول مرة، وهو يعلن أن بلاده لا تخشى التحرك العسكري، فالرجل يتحدث وفي بطنه «شادراً من البطيخ الصيفي»، كناية عن شدة الاطمئنان، بأن الحكم العسكري المصري لن يلجأ لهذا الخيار، فالجيوش عندما تحكم لا تقف على خط النار، ولكنها تقف على خط الجمبري!

وبمناسبة الجمبري، فإنه يطيب لي أن أهنئ القيادة العسكرية الفذة بالذكرى السنوية الأولى لافتتاح مزرعة الجيش في الإسماعيلية لتربية وتسمين الأسماك، والتي افتتحها السيسي بنفسه، ولم نجد لها أثراً في الأسواق الداخلية أو الخارجية، يبدو أنها أسماك زينة!

ومهما يكن، فقد أقدمت على مقابلة السفير الأثيوبي لأبدد القلق فزادني قلقا على قلقي!

شكراً لـ «بي بي سي»، فقد اكتشفت أنكم إخوان فعلا!

المصدر