عامر شماخ يكتب: الانقلابي.. وحلم العودة لدولة الستينيات
17-02-2014
الناظر إلى سلوك الانقلابي القاتل يجده يسرع الخطى نحو إقامة دولة فاشية كالتي أقامها قدوته حاصد الهزائم الذي أفقدنا الزرع والضرع..
ففي كل مناسبة لا يفتأ يذكر الهالك، وقد زار قبره عقب الانقلاب تنويهًا بأنه أحد مريديه في تبني العنصرية، والسير عكس اتجاه البشر في الدول والمجتمعات المحترمة، وقد رأينا صورة الجالبة للغثيان مقرونة بصورة من ترك لنا ميراثًا بشعًا من المصائب والأزمات، فضلاً عن استمرار حكم العسكر.
اتجه الانقلابي شرقًا كما فعل سلفه، دون أي منطق لذلك وفي وقت تعم الفوضى أرجاء البلاد، فعل ذلك ليكيد أمريكا!!، ولم يدرك أن الدنيا تغيرت، وأن العالم صار غير عالم خمسينيات القرن الماضي، وقد جللت الزيارة بقلة الكرامة والعار، غير أنه فعل ذلك- كما قلت- متبعًا القاتل الأول شبرًا بشبر وذراعًا بذراع.
وإذا كان العالم قد تحرر من ربقة الديكتاتوريات وأنظمة الحكم الفاسدة، فإن هذا قفز من الدبابة ليعلن عن دولة عسكرية، وقد عمى عن رؤية التطورات الرهيبة حول العالم؛ من إعلام كاشف، ومواقع اجتماعية فاضحة، .
وشباب مختلف فى عقله وتفكيره وإقدامه عما مضى من عهود، كما عمى عن أن كراسي الحكم لم تعد مغنمًا كما كانت بالأمس، في ظل متطلبات معيشية معقدة لعشرات الملايين من المواطنين لم يعودوا يقبلون بالقليل كما كان يفعل آباؤهم وأجدادهم.
وكما انقض العسكر الأول على القضاء وأهانوا رءوسه ورموزه، ونكلوا بمن عارض منهم ما كانوا يفعلونه.. فعل الانقلابى أسوأ مما فعلوا، وها نحن نرى فضائح يرتكبها حراس العدالة، بأساليب تحط من قدر إنسانيتهم ولا نقول وظيفتهم.. في الستينيات فعل زملاؤهم مثل هذه الأفعال المشينة، لكنهم كانوا يختبئون وراء التعتيم الإعلامي، .
واقتصار العلم بهذه الأفعال المشينة على أهالى الضحايا وأقربائهم، أما اليوم فقد صارت مخازيهم تعلن عن نفسها في كل مكان، وصارت صورهم تنشر في جميع وسائل الإعلام، التقليدية وغير التقليدية.
هم يريدونها إذًا دولة دون قضاء ودون قانون، كما كانت دولة الستينيات، ويريدونها أيضًا دولة منزوعة الديمقراطية، لا تعرف معنى الحياة السياسية، دولة قائمة على حكم الفرد الفاجر القادر، من دون معارضة، على أن يكون ذلك بالتخويف والتهديد، ثم العنف والزج بمن ينصح لهم فى غياهب السجون، المعروفة بقسوتها وفظاعتها وتولية المجرمين منزوعي الإنسانية أمر حراستها ورعايتها.
ويطمع الانقلابي أن تكون دولته كما كانت دولة الستينيات ذات قوة إعلامية دعائية جبارة، لا صوت فيها يعلو فوق صوت العسكر، ولا رأى فيها غير رأى الجبار، فهو الفرعون الذى يقول (مّا أٍرٌيكٍمً إلاَّ مّا أّرّى ومّا أّهًدٌيكٍمً إلاَّ سّبٌيلّ الرَّشّادٌ) (غافر: 29)، .
ومن ثم فلا مجال للحقائق، ولا مساحة للواقع، إنما هي طنطنات وأكاذيب متواصلة، بالليل والنهار، وعلى الجميع أن يصدق كل ما يقال وإلا طالهم سوط العذاب وأليم العقاب، وهذا الإعلام الكاذب الذي يتحدث بلسان الفرعون يتحدث أيضًا عن قوة الدولة والزعيم وعن الإنجازات وعن التقدم والنمو، .
وكلها أوهام وترهات، عاشها (ناصر) سنين عددًا، وفي حين كان يتحدث بوقه عن إسقاط عشرات الطائرات على يد (الباسل!!) كان الكيان الصهيوني قد نسف مطاراتنا كلها نسفًا فلم يبق واحد منها سليمًا يشهد بمقاومة ولو ضعيفة تشفع لهؤلاء المستبدين.
ودولة الحلم التي يبغي الانقلابي تدشينها، تعادي الدين بامتياز، ويفعل رءوسها كل ما يغضب الله، وهم يعترفون بذلك.. إنهم يعتبرون الدين تخلفًا ورجعية، وتزمتًا لا لزوم له، ومن ثم فلا مكان للدعاة بينهم، بل يدعون إلى اجتثاث المتدينين، ويعلنون ذلك صراحة..
وفي المقابل فإنها دولة خمر ونساء ورذيلة، فالفنانون والفنانات، والإباحيون والإباحيات لا ينتعشون إلا في ظلال هذه الدولة الخبيثة.
لقد ورث الانقلابي الأول دولتنا في أوائل الخمسينيات تتبعها السودان وتمتلك قدرة زراعية هائلة، فضلاً عن استقرار اجتماعي يضرب به المثل، وهلك وقد انفصل السودان واحتلت سيناء، ولحقت بنا هزيمتان منكرتان، وصار المصريون متسولين.
أما غيرهم من الأمم التي حكمت بالعدل فصارت الآن نمورًا اقتصادية ودولاً محترمة في التقييم الدولي.. وهو المتوقع لدولة العسكر الحالية، هذا إذا استمرت، وأجزم أنها لن تستمر، لأن ما ينفع في الستينيات لا ينفع الآن.. مع العلم أن العسكر لا تسعفهم قدراتهم العقلية لفهم ذلك.