عامر شماخ يكتب : أمرٌ تبين لك رشده فاتبعه

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عامر شماخ يكتب : أمرٌ تبين لك رشده فاتبعه


(الثلاثاء 23 يونيو 2015)

بقلم: عامر شماخ

ما زال صاحبى المتذبذب يشك فى جدوى ما يقوم به أصحاب الشرعية، مستسلمًا للواقع، مرددًا ما يقوله العوام الباحثون عن (لقمة العيش!!) وإن أتت بذل الدهر.

مشكلة صديقى هذا أنه يفتقد الصبر والفهم، ولم يرد أن يضحي، ولا يعرف حقوق نفسه، ولا يشعر بمعنى الحرية، ولا يعرف أن عزة المسلم من عزة الله ورسوله، فهو -لذلك- يرضى أن يعيش آكلاً شاربًا كاسيا وإن أتى ذلك على كرامته، وهو يقبل أن يكون آخرون متسلطون عليه ولو كانوا أنصاف رجال أو أنعام فى صورة بشر لا يعرفون معنى للإنسانية.

سألته: أتشك يا فلان أنا على حق؟ قال: لا، قلت، فلم الضجر والعجلة؟، قال: أخشى أن تكون خطواتنا خاطئة وطريقنا منحرفة ونحن لا ندرى بذلك، قلت: أتشك فى هذا وفينا العلماء والحكماء، والصادقون المؤمنون وأهل الزهد وأرباب الآخرة؟

قال: لكن الخصم صارت له القوة والغلبة، ولا أرى ذلك فى الطرف المؤمن الأوْلى بالنصرة من الله.

قلت: تلك قضية الإيمان، وهى قديمة حديثة، فإن الله فضل المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على المؤمنين القاعدين درجة، ولو كان النصر بالإيمان الذى فى القلب ما شُرع الجهاد، وما أذن للمؤمنين بالقتال، ومعلوم عاقبة من يخوضون الحروب - خصوصًا إذا كانت لأسباب دينية - فمنهم من يقتل ومنهم من يجرح، وقد يفقدون الأموال والأرض والزرع والثمر، وقد يؤسرون وتسبى ذراريهم وقد يقتلون صبرًا، أى تقطع أعضاؤهم عضوًا بعد آخر.

إذًا النصر على الكافرين والمنافقين والمخالفين ممن يعادون الله ورسوله، كلفته عالية ويحتاج عددًا وعدة، ويحتاج قوة ونفيرًا، ويحتاج مالا ورجالا، كما يحتاج صبرًا ويقينًا، وأملا لا يهتز فى الخالق البارئ القادر، الذى عاهد عباده الصالحين على نصرهم وعزهم، وهزيمة عدوهم، شرط أن يوفوا بما عاهدوا الله عليه، ولا يغرنك ما تبديه لك الأيام من علو الباطل وبطر أصحابه، فإن كل ذلك يدخل فى اختبار قوى الإيمان التى فى صدور المؤمنين، وانظر - إن شئت - إلى حال الجيش المسلم يوم الخندق، ففريق المنافقين لما رأى الأحزاب انخزل وتردد، وأبدى الذعر وبدا على أفراده الجبن والخوف، قالوا: {ما وعَدَنَا اللَّهُ ورَسُولُهُ إلا غُرُورًا} [الأحزاب: 12].

وورد عن بعضهم: «لقد كان محمد يعدنا بقصور صنعاء وفارس، وها نحن لا يأمن أحدنا على نفسه وهو يذهب لقضاء حاجته»، أما فريق المؤمنين فلم تخفه الأعداد الغفيرة ولم يجبن لما رأى القبائل مجتمعة هذا الاجتماع الفريد تريد أن تستأصل شأفتهم وتفنى خضراءهم، بل قالوا: { هَذَا مَا وعَدَنَا اللَّهُ ورَسُولُهُ وصَدَقَ اللَّهُ ورَسُولُهُ ومَا زَادَهُمْ إلا إيمَانًا وتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].

من ظن أن التغيير سهل فى بلد كبلدنا تحكمه العلمانية الفاجرة والعسكرية الغبية منذ عشرات السنين فقد كذب على نفسه، فإن تحويل الناس من الباطل إلى الحق أمر شق على الأنبياء والرسل والدعاة المجيدين؛ من أجل ذلك فإن جولة واحدة علا فيها الباطل لا تعنى أن هذا الصراع قد انتهي، أو أننا سلمنا بالواقع، إن من يفعل ذلك يحتاج إلى مراجعة إيمانه، إن لم يكن بحاجة إلى مراجعة قواه النفسية، فمهما بلغ الباطل من حول وطول فهو فى النهاية أجوف من الداخل، تهزه الريح وترعبه الأحداث، يحسب أصحابه كل صيحة عليهم، وهو زهوق؛ لأنه ليس لأصحابه مبدأ، ولا تحركهم عقيدة، أما فلسفتهم فى الحياة فهى فلسفة الأنعام التى يحركها العلف والماء.

إنها ليست دعوة للقعود كدعوة الصوفية المنحرفة، القائمة على الاستسلام للواقع، والرضا باليسير، إنما هى دعوة الأنبياء جميعًا القائمة على الحركة والعمل -وإن قامت الساعة، وفى الوقت ذاته الصبر واليقين فى قدرة الله تعالى الذى وعد بنصر أوليائه وأصفيائه، وأنه سيتم هذا الأمر بذل ذليل أو بعز عزيز، وأن ملك أمة المسلمين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار وما زوى للنبى صلى الله عليه وسلم من أرض الدنيا.

إننا لو تأملنا حال المسلمين فى غزوة حمراء الأسد لضحكنا على حالنا، ولاتهمنا أنفسنا بالتقصير الشديد، بل بالفهم العقيم، إن قومًا تعرضوا لهزيمة قاسية بالأمس، وما زالت جراحاتهم نازفة إلى اليوم حتى كان يحمل الأخ أخاه فى طريقه لملاقاة المشركين، ورغم ذلك فإن لسان حالهم كان يردد ما قالته الآية الكريمة: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ} [آل عمران: 173].

وإنى لأتوقف كثيرًا أمام الصحابى الجليل أنس بن النضر فى غزوة أحد، لما جاءوا له بسقاء وهو فى لحظة الموت، تردد ثم سأل: ماذا فعل رسول الله، قالوا له: مات -وكانت شائعة قد سرت بموت النبي- فرفض الماء، وقال قولته الحكيمة: موتوا على ما مات عليه رسول الله.

يا صديقى العزيز.. افعل الخير، وكف لسانك، وثق بربك أنه ناصر أهل دينه وحراس شرعه وإن خلت السماء من السحاب وانقطع المطر.. وإن أمرًا تبين لك رشده فاتبعه، ولا تتردد.

المصدر