عبادة انتظار الفرج.. كيف نحققها (3-5)
18-02-2014
أ.د. عبد الرحمن البر
مقدمة

أخرج الترمذى من حديث ابن مسعود: «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ: انْتِظَارُ الْفَرَجِ». ولهذِهِ العِبادةِ صُورٌ مِنْها:
انتظارُ الفرجِ بالإيمانِ بحكمةِ اللهِ وعدمِ الاستعجالِ، وأنَّ تقديرَه خيرٌ وإنْ خَفِي علَيْنا
فلا يصحُّ أنْ نيأسَ من طولِ المحنةِ، أوْ أنْ نجزعَ من تتابُعِ الشدائدِ، ولا ينبغِي أنْ نَتألَّمَ لتأخُّرِ النصرِ والفرجِ، ولا أنْ نُحبَطَ من كثرةِ التضحياتِ، فلعلَّ علمَه تعالى قد سبقَ بشيءٍ عظيمٍ أكثرَ مما نريدُ، فقد قال تعالى ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون﴾ (البقرة 216).
وَحِكْمَةُ ربِّي بَالِغَةٌ
- جَلَّتْ عن حَيْفٍ أوْ عِوَجِ
واللهُ قد يَرْحَمُ بِبَلَائِهِ، وَيَبْتَلِي بِنَعْمَائِهِ، وقد قيل:
قَدْ يُنْعِمُ اللَّهُ بِالْبَلْوَى وَإِنْ عَظُمَتْ
- وَيَبْتَلِي اللَّهُ بَعْضَ الْقَوْمِ بِالنِّعَمِ
فالمؤمِنُ الصَّحيحُ يَتَعَامَلُ معَ البَلَاءِ الانقلابيِّ النَّازِلِ بالأمةِ وفْقَ ما أمَرَ اللهُ سُبْحَانَه من الصَّبْرِ، والسَّعْيِ والاجْتِهَادِ في إِزَالَتِهِ بالأَسْبَابِ المتاحةِ وتقويةِ الحَراكِ الثوريِّ الفاعلِ، وبالدُّعَاءِ والاسْتِغْفارِ والاستِعَانةِ باللهِ تَعَالى، حتَّى يُيَسِّرَ اللهُ له تحقيقَ المأْمُولِ مِنْ دَحْرِ الانقلابِ، من غيرِ أن يُعطيَ المجرمين الخائنين فرصةً للشماتةِ به
وتَجَلُّدِي للشَّامِتِينَ أُرِيهُمُو
- أَنِّي لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ
ولا بدَّ أنْ نعلمَ أن كلَّ يومٍ يمرُّ ونحن ثائرون مُصمِّمُون على استخلاصِ حُقوقِنا ونَيْلِ حُرِّيَّتِنا هو نقصٌ من عمرِ الانقلابِ، وتقريبٌ ليوم الفرجِ والخلاصِ بإذن الله، حُكِيَ أَنَّ الرَّشِيدَ حَبَسَ رَجُلًا، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ بَعْدَ زَمَانٍ، فَقَالَ المحبُوسُ لِلْمُتَوَكِّلِ بِهِ: «قُلْ لَهُ: كُلُّ يَوْمٍ يَمْضِي مِنْ نِعَمِهِ يَمْضِي مِنْ بُؤْسِي مِثْلُهُ، وَالْأَمْرُ قَرِيبٌ، وَالْحُكْمُ لِلَّهِ تَعَالَى».
أَتَحْسَبُ أَنَّ الْبُؤْسَ لِلْحُرِّ دَائِمٌ
- وَلَوْ دَامَ شَيْءٌ عَدَّهُ النَّاسُ فِي الْعَجَبْ
لا تستعْجِلْ ففي التأخيرِ حِكْمَة
مع أنَّ العجلةَ شيءٌ طُبِعَ الإنسانُ عليه ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ فإن الله تعالى يقول ﴿سَأُرِيكُمْ آَيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ (الأنبياء 37)، ولو أنَّ الأمورَ كانتْ للبشرِ لَدفعَهم الاستعجالُ إلى أنْ يتخلَّصَ كلٌّ منهم مِنْ خُصومِه ﴿قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾ (الأنعام 58)، ولكنَّ اللهَ تعالى يدعُونا لعدمِ العجَلةِ، فهو سبحانه يعدُّ للظالمين بعلمِه ما لا يقعُ في حسابِهم، ويُمْهِلُ وَلا يُهْمِلُ ﴿فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا﴾ (مريم 84)، أي: نعدُّ الأعوامَ والشهورَ والأيامَ التي دونَ وقتِ هلاكِهم، فإذا جاء الوقتُ المحدَّدُ لذلكَ أهلكْناهُم، فَهُوَ سُبْحَانَه عَلَى الإِمْهَالِ بَالِغُ أَمْرِهِ ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق 3).
ويقينُنا أنَّ الانقلابيِّين الظالمين ليسوا استثناءً من قانونِ الله في إهلاكِ الظالمين، فقد قال تعالى ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ﴾ (الذاريات 59) أيْ لهم نصيبٌ من عذابِ الله مثلَ نصيبِ أصحابِهم ونُظَرائِهم من القرونِ السالفة، ونحن ننتظرُ أن ينزلَ الله بهم ما أنزلَ بأسلافِهم من الظالمين.
ويُحذِّرُ اللهُ المجرمين الذينَ أعماهم الغُرورُ ويستعجِلون عذابَه بأنَّ تأخيرَ العذابِ عنهم ليس عن غفلةٍ، بل عذابُه قريبٌ منهم فيقول ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ (النمل 72).
قد نتصوَّرُ أيُّها الثوارُ الأحرارُ أننا لو فُزْنا في هذه الجولةِ أو تلك لكان خيرًا، ولكنَّ حكمةَ اللهِ تكون متعلقةً بما هو أعظمُ، حتى لو كان ذلك مُكَلِّفًا وشاقًّا، فلقد كان المؤمنون في بدرٍ يريدونَ الغنيمةَ، وكان الحقُّ سبحانه يريدُ النصرَ العظيمَ، فحمَلهم إلى المعركةِ وهم كارهون ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ (الأنفال 5-8).
وكم من أشياء يتمنَّى الإنسانُ حصولَها، يمنعُها اللهُ عنه لأنه سبحانه أعلمُ بضررِها عليه، قال ابنُ مسعودٍ: «إنَّ العبدَ لَيَهُمُّ بالأمرِ من التجارةِ والإمارةِ حتى يُيسَّرَ له، فينظرُ الله إليه فيقولُ للملائكةِ: اصْرِفوه عنه، فإنِّي إنْ يسَّرْتُه له أدخلتُه النارَ، فيصرفُه اللهُ عنه، فيظلُّ يتطيَّرُ يقول: سبَقني فلانٌ، دهَاني فلانٌ، وما هُو إلا فضلُ الله عزَّ وجل».
ألم يحمَد القومُ ربَّهم على نعمةِ الفقرِ حين رأوْا ما نزل بقارون ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ (القصص 82).
ومن ثَمَّ لا يُضَيِّعُ العقلاء أوْقاتَهم في اللَّوْمِ والتَّأْنيبِ والتَّسَخُّط، ولا يَقُولُ أحد: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا لَكَان كَذَا وكذَا، وإنَّمَا يَجْتَهِدُ الجميعُ في إِزَالَةِ أَسْبابِ المحنَة، والتَّعَاوُنِ بين كُلِّ الْمُخْلِصيَن للخُرُوجِ مِنْها، وانْتِظَارِ الفَرَج، واكْتِسَابِ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مَا أَمْكَن، مع الإلحاحِ في الدُّعَاءِ للهِ برَفْعِها.
وثِقُوا أيُّها الثوارُ الأحرارُ الكرامُ أَنَّهُ قَلَّ مَنْ صَبَرَ عَلَى حَادِثَةٍ وَتَمَاسَكَ فِي شِدَّةٍ إلَّا كَانَ انْكِشَافُهَا وَشِيكًا، وَكَانَ الْفَرَجُ قَرِيبًا.
صَبْرًا فَإِنَّ الصَّبْرَ يُعْقِبُ رَاحَةً
- وَلَعَلَّهَا أَنْ تَنْجَلِي وَلَعَلَّهَا
وَيَحُلُّهَا مَنْ كَانَ صَاحِبَ عَقْدِهَا
- كَرَمًا بِهِ إذْ كَانَ يَمْلِكُ حَلَّهَا
﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ (آل عمران 126).
انتظارُ الفرجِ باليقينِ بأنَّ القلوبَ بيدِ الله
مما لا يختلِفُ عليه أُولو النُّهَى أنَّ الله سبحانه أَمْلَكُ لقلوبِ عبادِه منهم، وأنه يَحُولُ بينهم وبينها إذا شاءَ، قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ (الأنفال 24) أَيْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَقْلِهِ حَتَّى لَا يَدْرِيَ لماذا تركَ الأمرَ بعد الإقبالِ عليه.
عن ابن عباس قال: «يَحُولُ بينَ المؤمنِ وبينَ معصيةِ الله، وبينَ الكافرِ وبينَ طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ».
وعنه في قوله: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ (الرعد 11) قال: فإذا جاءَ القَدَرُ خَلُّوا عَنْه.
وقد قيل: «إنما سُمِّي القلبُ من تَقَلُّبِه»، وفي الحديث عند أحمد: «لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلاَبًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانًا»، وقال تعالى ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (الأنعام 110)، قَالَ مجاهد: «نَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الإِيمَانِ لَوْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ، كَمَا حُلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ».
أخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر قَالَ: كَثِيرًا مِمَّا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْلِفُ «لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ».
وأخرج مسلم عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ».
إنها الحقيقةُ التي يجبُ أن تكونَ ماثلةً أمامَنا دائمًا، فاللهُ وحدَه هو الذي يملكُ القلوبُ، وهو القادرُ على تحويلِ هذه القلوبِ، وعلى تغييرِ العزائمِ والإرادات، فالإنسانُ يعزِمُ على الشيءِ ثم لا يدْرِي إلا وعزيمتُه منتقضةٌ، بدون سببٍ ظاهر.
قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ حِينَ سُئِلَ: بِمَ عَرَفْت رَبَّك؟: «عَرَفْتُ بِوَارِدَاتٍ تَعْجِزُ النَّفْسُ عَنْ عَدَمِ قَبُولِهَا». أي أنه يجدُ نفسَه مُضطرًا إلى أشياء لا يستطيعُ الامتناعَ منها، من غيرِ أن يدريَ سببًا لذلك، فيدركُ أنَّ اللهَ هو الذي يُلقِي في قلبِه ذلك.
قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ : «عَرَفْت اللَّهَ تَعَالَى بِنَقْضِ الْعَزَائِمِ وَفَسْخِ الْهِمَمِ».
فالإنسانُ يعزمُ أحيانًا على الشيْءِ عزمًا وتصميمًا أكيدًا، وفي لحظةٍ يجدُ نفسَه قد عزمَ على تركِه ونقضَ العزمَ، وقد يَهُمُّ الإنسانُ بالشيءِ متجِهًا إليه، ثم تُنْتَقضُ هذه العزيمةُ ويَنصرِفُ بدون أيِّ سببٍ، وربما يكونُ قد بدأَ فيه فعلًا، والذي نقض العزيمةَ وصرفَ الهِممَ هو الذي أودعَها أولًا وهو الله عز وجل.
وكم من مُتَسلِّطٍ قويٍّ ظنَّ أنَّ الدنيا خضعتْ له وأعطتْه زمامَها، ثم وجدَ نفسَه فجأةً عاجزًا لا يستطيعُ أنْ يفعلَ شيئًا، أو صرفَه الله عن تحقيقِ ما كان يشتهِي ويطمحُ إليه، ولهذا فمنَ انتظارِ الفرجِ أن نتوقعَ أنْ يصرفَ الحقُّ سبحانَه الظالمين فجأةً عما أرادُوه لأسبابٍ خفيَّةٍ لا نعلمُها، وربما هم أيضًا لا يعلمونها، وأنْ يُسلِّطَ عليهم من الأسبابِ الخفِيَّةِ ما يحُول بينهم وبينَ ما خطَّطوا له ورتَّبُوه من الظُّلمِ والفسادِ ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْل﴾ (سبأ 54).
وتأمَّلْ قولَه تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوْا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيهِم فَكَفَّ أَيْديِهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ( المائدة 11).
أليسَ اللهُ وحدَه هو الذي يُخرِجُ هذه الملايينَ التي كان كثيرٌ منها غيرَ آبِهٍ بما يجرِي؟ بل ظنَّ الانقلابيون أنَّ الإِمْعانَ في القتلِ والقمعِ سيردَعُ الثائرين، فضلًا عن منعِ وزجْرِ غيرِهم من الانضمامِ إليهِم، فإذا بجُموعِ الشعبِ تزدادُ تحدِّيًا وإصرارًا وإقدامًا، ليستمرَّ الحراكُ الثوريُّ ويتنامَى بشكلٍ لافتٍ مع الأيام، بما لم يكن أحدٌ يتصوَّرُه، فسبحانَ من يُغَيِّر قلوبَ عبادِه كما يشاء.
وكذلك، أليس الله قادرًا على تحويلِ قلوبِ الظالمين، فتتحوَّلُ من الخُلَّة إلى العداوةِ، فيكونُ بعضُهم حربًا على بعضٍ ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ (الأنعام 65). وقد قيل:
وَمَا مِنْ يَدٍ إلَّا يَدُ اللَّهِ فَوْقَهَا
- وَلَا ظَالِمٍ إلَّا سَيُبْلَى بِأَظْلَمِ
أليس اللهُ قادرًا على تحويلِ قلوبِ بعضِ الظالمين إلى الحقِّ ودفعِهم إلى نُصْرةِ أهلِه، كما فعلَ بجماعةٍ من قريشٍ سعوْا في نقضِ صحيفةِ المقاطعةِ الظالمةِ للرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومَنْ معه؟.
علينا معاشرَ الثُّوَّار أن ننطلقَ في مسارِنا الثوريِّ السلميِّ المبدِعِ، منتظرينَ فرجَ الله القريبَ، مستعينينَ بالدعاءِ والاستغفارِ، واثقينَ بأنَّ قلوبَ العبادِ بيدِ الله، وهو مَنْ يجعلُ أفئدةً من الناس تهوِي إلى الثورةِ، وتنضمُّ إلى الثوار، وهو مَنْ يجعلُ كثيرًا من المغيَّبين يُفِيقون من غفلتِهم، ويضمُّون جهودَهم إلى جهودِ الثوار، مما يُعَجِّلُ بسقوطِ الانقلابِ وتحقيقِ النصرِ للثورةِ إنْ شاء الله، ولتعلَمُنَّ نبأَهُ بعدَ حِين.
تابِعُونا في المقالاتِ التالية إن شاء الله.