قضية للنقاش : بين الإسلاموفوبيا والأوهاموفوبيا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
قضية للنقاش : بين الإسلاموفوبيا والأوهاموفوبيا


(الخميس, 26 يناير 2012)

قضية للنقاش.jpg

بقلم : الشيخ / أبوجرة سلطاني

المشكلة الأساسية في ثقافة أبناء الحركة الإسلامية في الجزائر عموما وحركة مجتمع السلم خصوصا هي مبالغة البعض في الشعور بالعزة وحملها على غير وجهها الشرعي، وذلك باعتقادهم أنهم هم وحدهم الأعزاء، لأنهم أصحاب دين ومروءة وخلق.. وأن غيرهم "أذلاء" لأنهم إختارروا صفا آخر للنضال في هذه الحياة..

فهذا الإحساس بالعزة النظرية دفعهم إلى الإنغلاق على أنفسهم، ورفض الخلطة بالناس خوفا على بياض أثوابهم من "نافخ الكير"، فلا تجد من بينهم إلاّ قلة قليلة ممن نجحوا في نسج علاقات واسعة لخدمة مشروعهم الكبير، في حين تجد السواد الأعظم منهم لا صلة لأحدهم بالناس، لأنه يشعر – من حيث يدري أو لا يدري- أنه يعيش حالة من "الإستعلاء الإيماني" تدفعه إلى العزلة الشعورية، فلا يخالط إلاّ من يقاسمه الرأي والفكرة والمنهج والأهداف، فلما تضطرهم ظروفهم إلى الخلطة مع المجتمع يجدون أنفسهم كمن أضطر إلى مقارفة حرام غير باغ ولا عاد.

ولكي أوضح هذه الفكرة أسوق مثالا سياسيا تكرر في كثير من الأقطار، ولما ذكرناه في أحاديثنا لبعض القيادات "إنكمشوا" من سماعه وهو الحق الذي إن لم تذهب إليه بشجاعة جاءك بجبن بعد فوات الأوان، ذلك أن زمن الإنغلاق على النفس قد ولىّّ، وأن حركات إسلامية كثيرة مثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين وحزب الحرية والعدالة في مصر وضعوا على رأس قوائمهم الإنتخابية شخصيات من النصارى، لا صلة لهم بالإسلام، كما تصدرت قوائم حركة النهضة بتونس سافرات وشخصيات غير نهضوية، ومثلهم فعلت حركة العدالة والتنمية بالغرب..ونجحوا بهذا الإنفتاح وانتشروا في مجتمعاتهم، وكسبوا كفاءات جديدة من أبناء وطنهم وبناته عززوا بهم مسارهم السياسي وصاروا "أعضاء" نشطين في هذه التشكيلات السياسية!؟

فهل يستطيع أبناء التيار الإسلامي في الجزائر أن يفتحوا قوائمهم الإنتخابية لغير مناضليهم من الكفاءات الوطنية (من أمثال الشباب الجامعي، والضباط المتقاعدين، ورجال التربية والتعليم، والنخب والأكادميين ونساء المجتمع وأئمة المساجد، والنزهاء من أبناء الجزائر وبناتها). لاسيما الذين ظلوا يرددون على الناس شعار "الجزائر حررها جميع المخلصين، ويبنيها جميع المخلصين".

إن الإسلام أوسع من الأحزاب، ورحمة الله أوسع من القوائم الإنتخابية، ومشكلات الجزائر أعقد من أن يحلها لون سياسي واحدا، وإذا لم نوسع نظرتنا لتستوعب الكفاءات الوطنية تحولنا إلى "نخبة" وعصر النخب قد ولى وانتهى، لقد ضيقنا متسعا لما إختزلنا التدين في العبادات (وهي مهمة) ونسينا أو تناسينا أن التدين الحق في المعاملات "فالدين المعاملة" ولذلك صرنا نعتقد العفو عن اللحية أهم من الإحسان إلى الناس، وأن الإعتكاف في المسجد أولى من السعي لإصلاح ذات البين، وصار بعضها يظن أن أخطر شيء يتهدد أبناء الحركة هو غيابهم عن لقاء التغافر مثلا (وهو مهم) وغفلنا أو تغافلنا عن حقيقة مذهلة وهي أن هذا التغيب قد يكون بسبب الفقر والبطالة وقلة ذات اليد..وأن الفقر قد غيّب كثيرا من إخواننا عن حضور مجالسنا..وقد "كاد الفقر أن يكون كفرا" ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، أما التغافر فهو سنّة حسنة وإنضباط تنظيمي وولاء دعوي، وهو سلوك حضاري بديع، ولكنه لا يرقى إلى درجة الفقر المؤدي إلى الكفر.

لنصارح أنفسنا بالقول بصوت عال : أننا عشنا 20 عاما، منغلقين على أنفسنا، نخاطب ذواتنا داخل فضاء حزبي ضيق مغلق، ونتواصى بواجب المحافظة على حضور الحلقة الأسبوعية والمساهمة المالية الشهرية (وكلاهما شيء فاضل) ونسينا أن المجتمع الجزائري قد بلغ 36 مليونا، وأن البطالة ضاربة أطنا بها وكذلك العزوبة والعنوسة والفقر والإقصاء والتهميش والشعور بالغربة داخل الوطن..وأن أكثر من نصف المجتمع، ولاسيما الشباب، يعيش وضعيات إجتماعية مزية من غير أن يعرفهم أحد أو يسأل عنهم أحد، لأنهم أصحاب مروءات عالية : "يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف"، ولأنهم أطهار وأصحاب مروءة وعفة..فقد نساهم الناس، بل غفل عنهم إخوانهم، وأسلموهم للبطالة والفقر والحرمان.. لكن رب الناس يعلم حالهم : "وما كان ربك نسيا".

فهل تفهمون معنى : "حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم"؟

إذا فهمتم حقيقة هذا المعنى فلا تنزعجوا ممن يعتقد أننا أسلمناه للفقر وظلمناه عندما غفلنا عن التواصل معه وهو أخ لنا : و"المسلم أخ المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله.." فلا تظنون أنفسكم غير مسؤولين عن جيرانكم الذين يموتون من شدة الجوع وأنتم تعلمون..ولا تغضبوا إذا كثرت عليكم طلبات التدخل للتخفيف من معاناة الناس، بل لا تنزعجوا ممن يسيء بكم الظن أو يسيء معكم الأدب، ولا يصيبكم الحرج مع أخ لكم يكيل لكم التهم في لحظة يأس أو بعاطفة غضت من تصرف لم تعد فيه حرارة الأخوة..، فهؤلاء يعتقدون أننا نسيناهم ويحسبون أن إنغلاقنا على أنفسنا ناجم عن التكبر، ولو علموا أن الخوف من عواقب الخلطة مع الذين يتبعون صدقاتهم بالمنّ والأذى هو الذي أبعدنا عن كثير من الناس لعذرونا.

إن ما حصل من جفوة وتباعد يحتاج منا إلى تصحيح وتوبة "وكل إبن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" ومن شروط التوبة الندامة على الفعل السلبي ورد المظالم إلى أصحابها وطلب العفو والصفح الجميل منهم، ومن كل من يعتقد أننا نسيناه، أو فرطنا في السعي لقضاء حاجته، وعذرنا الوحيد أن الحقوق لم تعد تصل أصحابها إلاّ بطرق ملتوية، فلو كنا نعيش في دولة الحق والقانون لما ضاعت حقوق، وما ذل شرفاء، وما ضاعت أمانة، وما أسند الأمر لغير أهله..ولكن الأمر أسند لغير أهله، فهل نرتقب الساعة!؟

إذا كان خصوم الإسلام قد إبتدعوا مصطلح الرهاب الإسلامي أو "الإسلاموفوبيا" لتخويف الناس من دعاة مسمى "الإسلام السياسي" فقد عاش بعض من أبناء التيار الإسلامي على كثير من الأوهام التي لا وجود لها في الواقع، فذهلوا عن رسالتهم الأساسية التي هي دعوة الناس إلى الخير عن طريق التعارف، لكنهم لم يعودوا مهتمين بهذا التعارف لأن "فيروسا" مدمرا بدأ ينخر أساسات علاقاتهم، هو فيروس الوهم المرضي الذي أسمح لنفسي بأن أطلق عليه إسم "الأوهاموفوبيا" التي حبستنا داخل قمقم مثالي مزيف لم ننشر به دعوة ولم ننصر به دولة.

المصدر