كتابات الإمام البنا عن الهجرة (4)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٤:٥٩، ١٠ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات) (حمى "كتابات الإمام البنا عن الهجرة (4)" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
كتابات الأستاذ حسن البنا عن الهجرة (4)


الإمام حسن البنا

لعل هذا العام الجديد من أعظم الأعوام خطرًا، وأعمقها أثرًا فى حياة هذا الجيل والأجيال المقبلة بعده عامة، وفى حياتنا نحن العرب والمسلمين بصفة خاصة، فإن ما تكشف عنه العام الماضى من حوادث، وما ينتظر من تطورات ومفاجآت فى هذا العام.. كل ذلك يهيب بنا أن ننظر إلى المستقبل بعين كلها يقظة وترقب، وينادينا ألا نضيع لحظة واحدة فى غير عمل وإعداد؛ فاذكروا أيها المسلمون فى مشرق هذا العام أنكم ورثة القرآن الكريم، وهو الهدى الجامع لخير الدنيا والآخرة، وأنكم حملة رسالة الإسلام، وهى النعمة الكبرى والمنة العظمى ورحمة الله للعالمين، وأنكم تستطيعون بهذا الدواء الربانى النافع أن تطبوا داء العالم كله، لا يضركم أن الناس لا يسمعون لكم لأول مرة؛ فكذلك دعوات الحق جميعًا، لا بد فيها من الصوت العالى وطول الأناة حتى تظهر فائدتها فيعم نفعها.

لقد جاء الإسلام الحنيف يحمل فى ثنايا أحكامه الصلاح كله للنفس الإنسانية والجماعة الإنسانية، وتحل بكلمات هذه المشاكل العالمية التى عجز عن حلها المصلحون والفلاسفة، وحسب الناس أن يضعوا نصب أعينهم مثل قول الله تبارك وتعالى: "وَشَاوِرْهُمْ فِى الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" [آل عمران: 159]. "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ" [البقرة: 228]. "وَالَّذِينَ فِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" [المعارج: 25-26]. "فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ" [الحجرات: 9]، "إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ" [فاطر: 28].

وإلى جانب قوله تعالى: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" [الشمس: 7-10].

حسب الناس أن يطيلوا النظر فى هذه القواعد بإخلاص ليضعوا أيديهم تمامًا على مفاتيح الإصلاح الكامل، وعلى الحلول الموافقة لمشاكل الدنيا المعذبة بأسرها لو كانوا يعملون.

إننا نحن المسلمين لا نريد علوًا فى الأرض ولا فسادًا؛ لأن الله عوضنا عن ذلك الآخرة، ولكنا كذلك نجد من العقوق لأنفسنا وللناس أن نرى الدنيا تحترق فى نيران الأهواء الفاسدة والآراء الفاشلة ولا نتقدم للإنقاذ وفى يدنا مضخة الإطفاء، ولو كان للأصوات الفردية أثر لاكتفينا بهذه الصيحات، ولكان فيها للناس بلاغ، ولكن هكذا كان رأى الإنسان ألا يسمع دائمًا إلا الصوت القوى الداوى المجهز بالصفات الرسمية والمظاهر القوية، لهذا كان على دول الإسلام ألا تخشى، وأن تتقدم فى شجاعة وثقة بنفسها، وبما يحمل دينها من معادن الخير والصلاح لتقول للناس جميعًا: "هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ" [الحاقة: 19]، وهى إن فعلت ستفتح عين الدنيا الحائرة على طريق الاستقامة والسعادة والسلام "قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِى بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" [المائدة: 15-16]. اذكروا هذا أيها المسلمون، واذكروا معه أن الدنيا لن تصغى لكم، ولن تستمع منكم، ولن تجيبكم إلى ما تطلبون إليها إلا إن كنتم أنتم نماذج صالحة للتمسك بما تدعون الناس إليه والعمل بهذا المنهاج الكريم القويم كتاب الله الذى "اَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" [فصلت: 42]، وكنتم مع هذا يدًا واحدة وقلبًا واحدًا واتجاهًا واحدًا؛ لأن الإسلام وِحدة وتوحيد، ولا شىء بعد هذا. إن الوحدة واجتماع الكلمة وائتلاف القلوب هى لب الإسلام ولا شك، والأمة الإسلامية أمة واحدة بحكم أخوة الإسلام "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا" [آل عمران: 103] "ولن تؤمنوا حتى تحابوا".

فإذا وفق العرب والمسلمون فى مفتتح عامهم هذا الجديد إلى أن يؤمنوا بأنفسهم كأمة واحدة مجيدة تحمل رسالة الحق والخير والنور، ثم حملوا أنفسهم بإخلاص على اتباع هدى كتابهم وسنة نبيهم، وتآخوا فى سبيل هذه الغاية، واجتمعت كلمتهم عليها؛ فلا شك أنهم واصلون إلى أهدافهم بإذن الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.

وإن الإخوان المسلمين ليعملون بهذا ولهذا، وإنهم ليأخذون أنفسهم به أخذًا شديدًا، وإنهم ليهيبون بالأمة الإسلامية كلها أن تكون كذلك، وإن هذه المجلة ستكون المصباح المتواضع الذى يضىء للسائرين ممن أعجبتهم هذه الفكرة طريقهم؛ حتى يصلوا إلى ما يبتغون من إعزاز للإسلام، وإعلاء لتعاليمه، وجمع لكلمة المؤمنين به، والعاقبة للمتقين.


المصدر: مجلة الإخوان المسلمين – السنة الثانية – العدد 25، 26 – صـ4، 35 – 26محرم 1363هـ / 22يناير 1944م