محمد طلبة رضوان يكتب: بحيري والأزهري.. تشابهت قلوبهم!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
محمد طلبة رضوان يكتب: بحيري والأزهري.. تشابهت قلوبهم!


(4/20/2015)

محمد طلبة رضوان

أهم ما يميز مناظرات “زمان” عن مناظرات هذه الأيام، أن الأولى كانت بين معسكرين، أما الآن فالمعسكر واحد، والمصلحة واحدة.

لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن العسكر، ببضعة آلاف من الدولارات، ألفوا بينهم.

في المناظرة التي جمعت بين الإخوة الأعداء، سدنة الحكم العسكري في مصر، الأزهري – بحيري – الجفري، كما يشير “الهاشتاج”، يقول الشيخ أسامة الأزهري ما مفاده إن منهج إسلام بحيري في الاجتزاء والتشغيب، والدعوة إلى إهمال التراث، والأخذ المباشر عن النصوص يشبه منهج “سيد قطب”، الذي كان سببا في تيارات العنف، والتكفير!

ويلوم الشيخان، الأزهري والجفري، على ثالثهم أنه يجتزئ من فكر ابن تيمية ولا يلتفت إلى مجمل مشروعه، حيث يخبرنا بحيري دائما في حلقاته على فضائية القاهرة والناس أن ابن تيمية هو السبب في إفساد حياتنا، وهو السبب في داعش، وهو السبب في موجات العنف والتطرف والإرهاب، وهو السبب في ثقب الأوزون، والاحتباس الحراري، ورفع الدعم عن البنزين، وخسارة الزمالك أمام الأهلي على امتداد تاريخهما!

يقول تعالى: ” وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِيَنَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ” (البقرة – 118).

الاجتزاء، والتشغيب مع ابن تيمية مرفوض، أما الفعل نفسه مع سيد قطب، فهو جائز؛ ذلك لأن الموقف من الحقيقة يتحدد وفقا لموقع هذه الحقيقة من انحيازات الدولة، الأزهر هو الذراع الديني للحكم العسكري في مصر، وبحيري “صباع” آخر، “سبابة” تنويرية يغازل بها الجنرال المزاج الغربي، حين الحاجة إليه.

سيد قطب، هو الشاعر الرومانتيكي، والناقد المتأثر بمدرسة النقد الجديد الإنجليزية، والأكاديمي، خريج دار العلوم، ومريد العقاد وتلميذه، والمفكر الإسلامي من بعد، تجربة خصبة، بحجم تجربة الفكر الإسلامي، ومكابداته، طوال قرنين، سبق أولاهما سيد وجيله، سفر واحتكاك بالتجربة الغربية، ونضال، وتحالف مع سلطة بدت ثورية، ثم انقلبت إلى ملكية عسكرية، أشد وطأة من سابقتها، إصابات، وأخطاء، ورهانات رابحة وخاسرة، وكتابات إسلامية كثيرة، ومتنوعة، وموزعة على مراحل التجربة الشاقة، وتقلباتها، ومضمخة برؤية الشاعر الرومانتيكي، التي ترى الحقيقة بعين الاكتشاف، لا بعين التوازنات، والمصالح.

الأزهري اختصر كل هذا في كتاب لم نزل نختلف حول تأويلات ما جاء به، فضلا عن سياقه المأزوم الذي لا يغفله، أو يخبئه، سوى صاحب غرض، وهو كتاب قطب، ليس الأهم، لكنه بفعل أجهزة الأمن، وإعلام الجنرالات، الأشهر: “معالم في الطريق”.

ضاع قطب الناقد صاحب النقد الأدبي، أصوله ومناهجه، ومهمة الشاعر في الحياة، الشاعر صاحب الأشواك، والراوية، صاحب طفل من القرية، والمفكر الاشتراكي النزعة صاحب العدالة الاجتماعية في الإسلام، ومعركة الإسلام والرأسمالية، والفيلسوف صاحب خصائص التصور، وجرى اختصاره في المعالم، ثم جرى اختزال موجات العنف والتكفير والإرهاب، بكل مركباتها السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، في معالم قطب!

إن تاريخ الفكر الإسلامي في العصر الحديث، كما يقف عليه كل دارس له، هو تاريخ أفكار أمة مأزومة، مهزومة، فكريا وحضاريا، حتى إنك تجد هذا الفكر في كل مراحله متأثرا حد التماهي مع الأفكار العالمية السائدة.

فهو فكر مقاوم في هويته، مستلب في ماهيته، من خطاب محمد عبده الاعتذاري، مرورا بسلفية تلميذه رشيد رضا التي لم تخل من توجس، وحتى محاولات معاصرة للتوفيق لا تخلو بدورها من تلفيق اعتذاري منسحق أمام حضارة أخرى تفرض نفسها على كل شيء من الأكسجين الذي نتنفسه، وحتى تأويل أحلام الفراش.

سيد قطب، ابن السياق الماركسي، تمظهر إسلامي لأزمة الفكر العربي كله، تجل لا يختلف إلا في نوعه عن بقية تجليات الصدمة الحضارية ذات الطابع العلماني، وهو ما يفسر تشظي المدرسة العبدية -نسبة إلى محمد عبده-، وهو الشيخ الأزهري المعمم، وتفرق دماء أفكارها بين القبائل الأيديولوجية، من أقصى يمين الإسلاميين، رشيد رضا وحسن البنا، إلى أقصى يسار العلمانيين لطفي السيد وسعد زغلول، كلهم أبنائه وتلامذته، وهو بالنسبة إليهم جميعا مبتدأ ومرجع.

ثمة فارق نوعي يقدمه سيد قطب، بحسه النقدي الصارم الذي دفعه يوما إلى مواجهة شعر شوقي، بأكثر مما فعل أستاذه العقاد في ديوانه، وهو أن الفكر الإسلامي بدأ منذ قطب مرحلة الخطاب الأكثر اعتدادا بما لديه، الأكثر ثقة بتراثه، الذي يتهمونه بنكرانه المطلق، بقرآنه، وسنة نبيه، بتاريخه كله، الفكر الإسلامي قبل قطب كان اعتذاريا، وبعد قطب صار متعاليا، قطب مفصل محوري بين نفسيتين حكمتا الفكر الإسلامي في القرن المنصرم، إلا إنه عند “الأزهري” مجرد مروج لأفكار العنف والإرهاب.

إن مشكلتنا، نحن أبناء تجربة هذا الزمن، مع قطب، رغم تقديرنا لمنجزه الهام في سياقه، هي عين مشكلتنا مع الأزهر الشريف، وهي تأليه الفهم الإنساني، ونسبته للمقدس مباشرة، لا للفهم الإنساني للمقدس، وهو ما لا يدركة الشيخ أسامة وهو يبتسم للكاميرا ساخرا من مناظره، الذي لا يختلف عنه كثيرا، ليخبره، على سبيل الإهانة كما يخيل له، أنه مثل سيد قطب!

والآن، هل نريد الدفاع عن سيد قطب؟ الحق أن هذا شرف لا أدعي قدرتي عليه، فـ “قطب” ظاهرة شديدة التركيب، تحتاج إلى عمر من البحث، والتنقيب، والتحليل، إلا أننا ندافع عن أنفسنا، من هؤلاء المتكسبين بالخلط والتزييف، على الناس، ونضع خطا أحمر تحت جملة كئيبة، تمر بها البلاد بشكل مؤقت، سرعان ما يتجاوزها الخط المصري، إلى صفحات بيضاء نخط سطورها بأيدينا، ولا نترك خلفها ما يؤخذ علينا أمام الله والتاريخ، لا مجاراة، ولا سكوتا عما نراه حقا.

لا يحتاج كاتب السطور إلى التعريف بانحيازاته المعرفية، في العموم، إلا أن شيخا يقول عن العلامة جورج طرابيشي على الهواء: (واحد اسمه جورج طرابيشي)، أنى له أن يعرفني، شيوخنا يعيشون خارج الزمن، لا يعرفون منه سوى فيوضات أصحاب المدفع والبندقية، إلا أنني أحيل “مولانا” في حالة اتخاذه قرارا بأن الكاتب إخواني أن يقرأ دراسات عدة كتبها يساريون، عن سيد قطب، وعلاقته بتنظيمات العنف، أبرزها في تصوري كتاب: “سيد قطب والأصولية الإسلامية” للدكتور شريف يونس (رحمه الله)، وهو طبعة الدولة – مكتبة الأسرة، لعله يدرك بعد القراءة والتقصي أن العنف والتطرف صنائع أنظمة سياسية لم يكف، هو ومن سبقوه بالخضوع، عن الوقوف على أبواب ساداتها، والمشي في ركائبهم، وشرعنة رصاصاتهم، وظلمة زنازينهم. رحم الله ابن تيمية، وسيد قطب، ورحمنا من الخائضين في أعراضهم، تزلفا وقربى لقوم يحكمون!

المصدر