ممدوح الولى يكتب: نصف إنفاق الموازنة لا يتجه للمواطنين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ممدوح الولى يكتب: نصف إنفاق الموازنة لا يتجه للمواطنين


نقيب الصحفيين الأسبق.jpg

( 22 أبريل 2017)


بالدول الديموقراطية يبدأ مشوار إعداد الموازنة العامة للدولة بحوار على مستوى المحليات بالقرى لتحديد مطالب الناس الخدمية بتلك القرى، والتى يودون أن توفر الدولة لهم الاعتمادات اللازمة لتحقيقها، ويتكرر نفس الأمر بالمراكز والمدن لتخرج الموازنة في النهاية معبرة بقدر الإمكان عن رغبات الناس، خاصة وأنهم هم الذين يدفعون موارد تلك الموازنة من خلال ما يدفعونه من ضرائب ورسوم.

أما عندنا فيتم إعداد الموارنة بشكل مركزي، مع عقد لقاء شكلى تنظمه وزارة المالية ويحضره بعض الاقتصاديون لسماع ما انتهت إليه وزارة المالية من مخصصات، ويمكنهم أن يعرضوا ملاحظتهم على مضمون الموارنة، لكن ليس بإمكانهم تعديل شيء بها، مثلما هو الحال في البرلمان الذي شهدنا تهديد بعض أعضائه بالعام المال السابق بعدم إقرار الموازنة إلا بعد رفع مخصصات الصحة والتعليم لتتماشى مع الدستور، ثم صمت هؤلاء لتخرج الموازنة كما أرادت الحكومة.

وفي الدول الديموقراطية ينتظر الناس الموازنة الحكومية، حيث يعرف الموظفون الزيادات التي ستحقق في رواتبهم، وكذلك أصحاب المعاشات، وينتظرها المقاولون والتجار لمعرفة حجم الاستثمارات الحكومية، والمشتريات الحكومية من أدوات كتابية وطباعة وأدوية ومستلزمات طبية وأغذية وغيرها والتى تمثل مبيعات بالنسبة لهم، كما ينتظرها من لهم مستحقات متأخرة لدى الجهات الحكومية نظير أعمال مقاولات أو مشتريات.

يتبين المأزق الحقيقى للموازنة عندما نعرف أن الإيرادات المستهدفة تبلغ 852 مليار جنيه.  

أما عندنا فالناس تربط بين موعد الموازنة مع بداية العام المالى الجديد، وبين الزيادات التي ستتقرر بأسعار الكهرباء ومياه الشرب والزيادات الضريبية، والزيادات برسوم الخدمات الحكومية واحتمالات زيادة أسعار المشتقات البترولية واحتمالات تقلص عدد حاملى البطاقات التموينية.

ومنذ سنوات ووزارة المالية تربط بين الموارنة ومستهدفات عديدة للتيسير على الناس، لكنه بمرور الوقت لا تتحقق تلك الوعود، ليتم تكرارها بالعام التالى دون خجل خاصة وأن وزير المالية عادة ما يتغير مع كل موازنة.

43% من الإنفاق لفوائد وأقساط الديون

ويتوسع مسئولو المالية في نشر تفاصيل الموارنة بحيث يتوه المواطن ولا يفهم شيئا، مثلما يتم الحديث عن العجز الأولى والعجز النقدى والعجز الكلى، وادعاء استهداف تحقيق فائض بالميزان الأولى بموازنة العام الجديد، دون أن يفهم الناس معنى ذلك ودلالته.

وللتبسيط بقدر المستطاع فإن الموازنة هي عبارة عن تقديرات لبنود الإنفاق التي ستنفقها الحكومة بالعام المالى الجديد، الذي يبدأ أول يوليو القادم وحتى نهاية يونيو من عام 2018، وعلى الجانب الآخر عرض الموارد التي تستهدف الحكومة تحقيقها خلال نفس العام المالى الجديد. وهي الموارد التي لن تكف لمواجهة بنود الإنفاق مما ينتج عنه عجز بالموازنة، الأمر الذي سيدفع الحكومة لاقتراض ذلك القدر من العجز، مثلما اقترضت خلال السنوات الماضية التي لم تخلو الموازنة خلالها من العجز.

وجانب الإنفاق أو الاستخدامات بالموازنة يتوقع بلوغه 1488 مليار جنيه، وهي موزعة على ثمانية أبواب أو بنود، هي أولا أجور العاملين بالحكومة، وثانيا نفقات شراء مستلزمات إدارة دولاب العمل الحكومى من مياه وإنارة وصيانة وكتب مدرسية وأدوية وغيرها، وثالثا الدعم الذي تقدمه الحكومة على بطاقات التموين والمنتجات البترولية وغيرها. ورابعا الاستثمارات الحكومية في صورة خدمات صحية وتعليمية وبنية أساسية، وخامسا الإعانات التي تقدمها الحكومة لبعض الهيئات الاقتصادية، وسادسا نفقات القوات المسلحة ونفقات اشتراك مصر بالمؤسسات الدولية، وسابعا وثامنا فوائد وأقساط الديون الخاصة بالحكومة.

وفي الأحوال الطبيعية لأى بلد يحصل ما يستفيد منه الناس من أجور واستثمارات ودعم على النصيب الأكبر من الإنفاق، لكن التوزيع النسبي للإنفاق بالموازنة الجديدة يشير إلى حجم الخلل بها، حيث النسبة الأكبر منه تتجه لفوائد وأقساط الديون بنسبة 43%.

بينما الدعم بأنواعه يحصل على 22% والأجور للموظفين 16% والاستثمارات 9%، ونفقات الجيش والاشتراك بالمؤسسات الدولية 4%، ومستلزمات دواوين الحكومة 3.5% والإعانات لبعض الهيئات الاقتصادية 1%.

وهكذا يخصص 646 مليار جنيه لفوائد وأقساط الديون التي تسببت فيها الحكومة والحكومات السابقة، بينما حصلت بطاقات التموين التي يمن المسؤلين بها على المواطنين دائما، على أقل من 18 مليار جنيه، تساهم في تحقيق السلام الاجتماعى وإطعام الجياع والفقراء وتحسين الصحة العامة.

كما تشير تفاصيل بنود الدعم المختلفة إلى ثبات معظم تلك البنود بنفس مخصصاتها بالعام المالى الحالى، رغم نسبة التضخم المرتفعة التي لحقت بالسوق.

اقتراض 636 مليار جنيه بالعام الجديد

أما الجانب الآخر للموازنة والخاص بالموارد فهو مكون من خمسة أبواب، أولها الضرائب والرسوم التي تحصلها الحكومة من الأفراد والشركات، وثانيها المنح التي تحصل عليها الحكومة من جهات دولية وإقليمية. وثالثها إيرادات الحكومة من الجهات التي تملكها من هيئات اقتصادية وشركات وعامة وبنوك عامة، وما تفرضه من غرامات وما تحصله من إيرادات للخدمات التي تقدمها، ورابعها متحصلات الحكومة مما أقرضته وحصيلة مبيعات أية أصول حكومية، وخامسها هو الاقتراض الذي تسد به الحكومة عجز الموازنة خلال العام.

ويتبين المأزق الحقيقى للموازنة عندما نعرف أن الإيرادات المستهدفة تبلغ 852 مليار جنيه، من البنود الأربعة موزعة ما بين: 604 مليار جنيه من الضرائب، و230 مليار جنيه من إيرادات الجهات التي تملكها الحكومة، و18 مليار جنيه من متحصلات أقساط الإقراض ومبيعات الأصول و1 مليار جنيه من المنح.

وفي ضوء بلوغ إجمالى الإنفاق بالموازنة 1488 مليار جنيه، وبلوغ الإيرادات المستهدفة 852 مليار جنيه، فإن العجز الذي ستقرضه الحكومة خلال العام المالى الجديد يبلغ 636 مليار جنيه، وحتى لا يتشكك أحد في هذا الرقم فلقد حددت الحكومة بالتفصيل من أين ستقترض هذا المبلغ. حيث ذكرت أنه سيتم اقتراض 631 مليار جنيه من الداخل، و5 مليار جنيه من الخارج، وسيكون التمويل المحلى موزع ما بين 450 مليار جنيه من سندات الخزانة و180.5 مليار جنيه من أذون الخزانة.

في ضوء هذا الاحتياج الضخم للاقتراض لن تتحقق الأرقام المعلنة للاستثمارات والبالغة 135 مليار جنيه. تلك هي الحقيقة المرة التي يتفادها المسؤلون ويتداون أنواعا من العجز بالموازنة أقل حجما، حتى يتم نسبتها للناتج المحلى الإجمالى الذي يتم تضخيمه، للحصول على نسبة ملطفة من العجز بالنسبة إلى الناتج، قيل أنها ستكون 9.1% بينما نسبة إجمالى الاقتراض إلى الناتج المحلى تصل بالنسبة إلى 15.6%.

وفي ضوء هذا الاحتياج الضخم للاقتراض لن تتحقق الأرقام المعلنة للاستثمارات والبالغة 135 مليار جنيه، مثلما حدث خلال السنوات المالية السابقة التي لم يتحقق بأى منها ما تم ذكره من استثمارات ببدايات السنوات المالية، ولا ننتظر زيادات ملموسة بأجور الموظفين، أو استمرار لنفس أعداد حاملى البطاقات التموينية أو استمرار لنفس أسعار المشتقات البترولية، أو سداد معجل للأثمان المشتريات الحكومية.

ويدعم ذلك التزام الحكومة ببنود روشتة صندوق النقد الدولي التي طلبت صراحة ترشيد أجور الموظفين وأعدادهم وتقليل الدعم بكل أنواعه وزيادة الضرائب.

المصدر