يكن: ظاهرة تمزُّق البنى الحركية.. وكيف نصون بنيتنا؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
يكن: ظاهرة تمزُّق البنى الحركية.. وكيف نصون بنيتنا؟

د. فتحي يكن

مبادرة الحركة الاسلامية

حِيالَ ظاهرةِ التمزق التي تجتاح الحركات والتنظمات على مختلف الساحات، وفي كثير من الأقطار والدول، كان لابد للحركات الإسلامية من مبادرة مدروسة؛ لتحصين الساحة الإسلامية عمومًا، ولتحصين البنية التنظيمية بشكل خاص.

ونحن لا نأتي بجديد حين نرفع الصوت مطالبين بذلك، وداعين إليه، ومنذرين ومحذرين من مَغبَّة عدم المبادرة لتحقيق ذلك.

فقد أمرنا الإسلام بكل ذلك بقوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (الأنفال:46،45)، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ* وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (آل عمران:103،102).

وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشير في كثير من توجيهاته النبوية إلى خطر الانقسام والاختلاف، ويحذر منه ومن نتائجه، ويدعو إلى التماسك والتوادِّ والتلاحم والتعاضد على قاعدة الاعتصام بحبل الله، ومن خلال آصِرة الأخوَّة والحب في الله..

من ذلك قوله- صلى الله عليه وسلم-: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" (متفق عليه)، وقوله:"إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يخطب الرجل على خِطبة أخيه حتى ينكح أو يترك" (رواه أحمد).

والآن ما العوامل الشرعية المطلوبة لتحصين البنية التنظيمية الإسلامية في مواجهة وباء (الإيدز الحركي) هذا، الذي يهدد المناعة المكتسبة لديها بالانهيار والدمار؟


1- إقامة البناء على تقوى الله

إقامة البنيان على تقوى الله تعالى في كل جانب من جوانبه، وركنٍ من أركانه وزاويةٍ من زواياه، ولابدَّ أن تغطي التقوى مساحةَ العمل الإسلامي كلِّه، وتكون صمامَ الأمان له وفيه؛ فالعمل السياسي قبل العمل التربوي يجب أن يتحرى التقوى.. كذلك الجانب الاقتصادي والمالي والاجتماعي يجب أن يبقي بدوره فوق مستوى الشبهة.

يقول الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (التوبة: 109).

فالحركة حين تحفظ الله وتتقيه في سيرها وموقفها وقرارها، في علاقتها مع البعيد والقريب، مع العدو والحبيب.. وحين تحفظ الله وتتقيه في حالتَي السلم والحرب، والسراء والضراء، والشدة والرخاء..

وحين تربي أفرادها على ذلك وعلى التماسك بكل ذلك.. حين تحقق التربيةُ فيهم تقوى الله- عز وجل- ومراقبتَه، والطمعَ دائمًا وأبدًا برضاه.. الحركة حين لا يشغلها عن هذه المهمة شاغل- مهما كثرت وتعددت الشواغل- تبقى مستعصيةً- بعون الله- على معاول الهدم، محصنةً من مضلاَّت الهوى ونزعات الشياطين.


الالتزام بالمنهج النبوي

ولتعميق فضلية التقوى في الحركة الإسلامية قاعدةً وقيادةً، لابد من الالتزام بالمنهج النبوي في التربية الروحية:

- فحسن التفقُّه في دين الله، والتبصُّر بشرع الله، ومعرفة الحلال والحرام والمندوب والمكروه وغيره، يعتبر من العوامل المساعدة على تحقيق التقوى والعمل الصالح، بدليل قوله- صلى الله عليه وسلم-: "من يُرِد الله به خيرًا يفقهه في الدين ويعلمه رشده"، وشرط ذلك أن يكون التعلم والتفقه لله تعالى وابتغاء مرضاته.

- وإحسان العبادة لله مدخلٌ واسعٌ لبلوغ تقوى الله، وإلى ذلك يشير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين سُئل عن الإحسان فقال: "الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

- فالصلاة حين تؤدَّى بحضور القلب وإحسان، تبعث في النفس الورعَ والخوفَ من الله تعالى، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ (العنكبوت: من الآية 45).

- والصوم حين يؤدَّى على الوجهِ الصحيح يصبح مدرسةً للتقوى، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة:183).

- وذكرُ الله تعالى والمدوامةُ عليه يُطَمئِنُ القلبَ، ويحصِّنُ النفس من كل الطوارئ الشيطانية، ويمنحها حلاوةَ العيش مع الله ومراقبةَ وجهه تعالى.

- وحين تضعُف مراقبةُ الله تعالى في النفوس، ولا تكون القوامة للتقوى على الجوارح، وما تجترحه من أعمال وتصرفات، يصبح الفرد ألعوبةً بيدِ الشيطان، وتصبحُ أفكارُه وأقوالُه وتبريراتُه بعضًا من تلبيس إبليس.

فالذي لا يتقي الله تعالى لا يتورع عن إيقاد نار الفتنة وعن السير بالغيبة والنميمة بين الأفراد، ولا يملك أن يمسك لسانه عن تناول إخوانه- ومَن حوله- بما يؤذيهم ويُسيء إليهم، والذي لا يتقي الله يمكن أن يبيع دينه ودعوته بدريهمات، كما يمكن أن يسقط في أي اختبار، وأن يتجر بالإسلام ويتاجر به، ويساوم على الإسلام ويساوم به.

والذي لا يتقي الله هو المعنِيُّ بقوله تعالى:

﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَ لَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ (العنكبوت:10)، وهو المَعْنِيُّ بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (المجادلة:10).

والذين لا يتقون الله هم المعنيُّون بقوله:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ (الحجرات:12)، وبقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (النور:19).

والذين لا يتقون الله هم المعنيُّون بقوله:

﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ (يونس: من الآية 36)، وهم المعنيُون بالنُّذر القرآنية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ (المجادلة:9).

والذين لا يتقون الله هم المعنيُّون بقوله:

﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ (فاطر:من الآية10)، وبقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ (الأحزاب: من الآية 58).

أخلص من ذلك إلى أن التقوى صمام أمان الأفراد والجماعات، وسببُ نجاح الأعمال والتصرفات ونور البصائر والتصورات، والعامل الأقوى والأهم في اجتناب المعاصي والشبهات، فضلاً عن الفواحش والموبِقات.

ولا أكون مبالغًا إذا قلت إن أكثر المشكلات مبعثُها ضَعفُ التقوى وقلةُ الورع، سواء في القاعدة أو في القيادة، وأثر ذلك في القيادة أشنع وأبشع.

المصدر