د. حبيب يكتب: رسالتي إلى الإخوان (2).

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. حبيب يكتب : رسالتي إلى الإخوان (2)

نريد هؤلاء الرواحل

الإخوة الأحباب.. أحييكم بتحية الإسلام؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ وبعد..

فمن نعم الله علينا أننا نعمل بروح الفريق الواحد، عبر المؤسسات التي تتميز بها جماعتنا، ونعتبر الشورى الملزمة فريضةً وخلقًا وسلوكًا، ولدينا نظُمٌ ولوائحُ نسير عليها وفق منظومة من القيم الأخلاقية والإيمانية، ونتبع منهجًا واضحَ المعالم محدَّد القسمات.. كل ذلك وغيره عظيم.. لكنْ يبقى دور الفرد.. وقيمة الفرد.. والاهتمام بالفرد كطرف أصيل في بناء النهضة والمشروع الحضاري الذي تتبنَّاه الجماعة.

لقد كان الإمام البنا فردًا، لكنه ليس كباقي الأفراد.. كان في ذاته أمة.. فالناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيهم راحلة.. نريد هؤلاء الرواحل.. نريد عشرات، مئات، بل آلافًا من حسن البنا، وما ذلك على الله بعزيز، فهذه الجماعة تستحق أن توهب هذه النوعية الفذَّة من الرجال؛ حتى تستطيع أن تقوم بمسئولياتها ودورها لتغيِّر وجهَ التاريخ، وفي أقل فترة من الزمان

من الرجال من يصنعه الله على عينه، ومنهم من تصنعه الأحداث وتكشف عنه المواقف، ومنهم من تتلقَّفه يد الإعداد والتربية فتهيِّئه لصناعة التاريخ.

لقد كان الإمام البنا عالمًا، فقيهًا، خطيبًا، ملهمًا، مخططًا، منظِّمًا، بانيًا، مربيًا.. لكنه كان ربانيًّا، أخلص قلبه كله لله، فكان الله تعالى له.. كان من هذا الصنف الأول الذي صنعه الله على عينه.

الإخوة الأحباب..

كنت حينما أخلو إلى زنزانتي- في فترة السجن- أسائل نفسي: لماذا أنت هنا في هذا المكان؟! هل هو الثمن والضريبة التي يدفعها الدعاة من أجل عقيدتهم وأمتهم ووطنهم، من جرَّاء تصديهم للاستبداد وملاحقتهم لكل صنوف الفساد؟ هل هي فرصة لمراجعة المواقف وتقييم ما فات واستشراف ما هو آتٍ؟ هل هي فرصة لاكتساب مزيد من الصبر والقدرة على الاحتمال؟ هل هي فرصة للانكباب على القرآن والذكر والدعاء والاستغفار؟

بالطبع كل ذلك وغيره لازم وضروري لأصحاب الدعوات.. لا أحد ينكر ذلك أو يماري فيه.. لكنَّ الإجابة التي كانت أكثر إلهامًا وعمقًا ووضوحًا وقوة؛ هي أن الله تعالى يريد أن يلفت انتباهنا إلى أصل القضية ولبِّ المسألة؛ وهو أن غاياتنا لن نصل إليها من خلال الجهد الذي نقدمه فقط.. ولا في العدد الذي نحاول الإكثار منه.

نعم.. هذا مطلوب، ويجب أن نبذل فيه كلَّ ما نستطيع، ونحن مساءلون عنه يوم القيامة.. لكن ما هو مطلوب حقًّا قبل ذلك وبعده هو الصدق مع الله، وعدم الاغترار بما نقوم به من عمل.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن ينجي أحداً منكم عمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة، سدِّدوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا" (رواه البخاري)، وهذا الحديث قد يتناقض في ظاهره مع كثير من الآيات.. يقول الحق جلَّ وعلا: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (الأعراف: من الآية 43).

وقد تعقَّب أحد العلماء هذا الحديث؛ فوجده قيل في مناسبة الاغترار بالعمل.. لذا يجب أن تنقِّب في نفسك، أن تراقب قلبك، أن تبحث عن دوافعك الحقيقية.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن النار أول ما تسعَّر بالعالم والمنفق والمقتول في الجهاد؛ إذا فعلوا ذلك ليُقال".

ما هو ما مطلوب حقًّا أن تخرج من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته، فذلك يزيدك قوةً وصلابةً وثباتًا وشموخًا، خاصةً وأنت تواجه هذا الكمَّ الضخم من التحديات والمؤامرات، والتي تقف وراءها دول ومنظمات.


الإخوة الأعزاء..

كونوا- إذًا- على يقين أن التوفيق.. والفضل.. والنصر.. والعزة.. والرفعة.. كلُّ ذلك من عند الله.. أنتم لستم وحدكم في الميدان.. أنتم في معيَّة الله.. مع القويِّ الذي لا يُغلَب، والعزيز الذي لا يُقهَر، وهذا يحتاج منا إلى أن نركن إلى جنب الله.. أن نتواضع له.. أن نقف ببابه.

في العام الثامن للهجرة دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا في عشرة آلاف مقاتل، وقد أحنى هامته لله؛ حتى إن طرف لحيته ليمسُّ ظهر ناقته؛ يفعل ذلك تواضعًا لله.

يا ألله.. اربط على قلوبنا.. ثبِّت على طريق الحق أقدامنا.

اجعلنا من جندك الصادقين، ومن عبادك المخلصين.

اجعلنا ممن يحكِّمون كتابك، ويهتدون بسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.

أعزَّنا بالإسلام وأعزَّ الإسلام بنا، واجعلنا ممن يرفعون رايته.. ولك العتبى حتى ترضى، والله من وراء القصد.


المصدر : نافذة مصر