الإخوان المسلمون والحكومة الملكية وقانون الجمعيات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون والحكومة الملكية وقانون الجمعيات


إخوان ويكي

مقدمة

كطبيعة نظرية ابن خلدون التي وضعها في مراحل الحضارات فقد تعرضت الحضارة الإسلامية لمراحلة القوة قبل أن تصيبها عوامل الضعف والتفكك في مراحل كثيرة غير أنه سرعان ما كان ينبثق عنه مرحلة فتية وقوية تأخذ بزمام الحضارة للقوة مرة أخرى، حتى تغير الوضع وحاز الغرب على عوامل قوة لم تسع الخلافة الإسلامية إلى أمتلاكها أو العمل على تطوير ما لديها

حتى كانت المفاجأة أن اجتاحت الجيوش الغربية بعددها وعدتها ربوع الأراضي الإسلامية مستفيدين من سياسة فرق تسد والتي كان من أهم الأسلحة التي أمتلكتها الدول الغربية حيث ساعدها على تثبيت أركانها في الدول المحتلة أصحاب الأرض أنفسهم سواء كانوا سياسيين أو جيوش دانت بالولاء للمستعمر، حتى كانت النهاية بإسقاط الخلافة الإسلامية عام 1924م.

من هذا الرحم وفي هذه الظروف ولد الإمام حسن البنا الذي كان لتربيته تأثير عظيم في تمحور شخصيته حول الإسلام والعمل له وحمل همه والتضحية في سبيله، رغم أن الفرصة كانت أمامه كغيره من شباب الجامعة لأن يمتلك الدنيا أو ينزوي ليعيش حياته، لكن الله وهبه همة عالية استصغر الدنيا أمامها فرفع الله ذكره ووهبه بصيرة تبلورت في تربية الرجال أولا والعناية بجمع أفراد المجتمع ودعوتهم للتمسك بدينهم كونه فيه القوة والعزة

وهو ما عرضه لسهام المحتل وأعوانه في السلطة والمحيطين بها، فوضعوا كثيرا من العراقيل أمام دعوته معتمدين على ما يمتلكونه من أسلحة تشريعية وقضائية وتنفيذية دون أن يحاسبهم أحد لفساد ضمائرهم، ومنها قانون الجمعيات التي كان كل حكومة تسعي لاستصدراه من أجل وقف تمدد زحف نشاط الإخوان وغيرها من الجمعيات الفاعلة. عن تطريق تشريع يودعه كل ما في الأحكام العرفية من قيود بحيث يكون تكوين الجمعيات في مصر مستحيلا إلا أن تكون فرعا من فروع الحزب الحاكم تحت اسم مغاير لاسم الحزب

مصر ونشأة الجمعيات الأهلية

تعد الجمعيات الأهلية مؤسسات ذات وظائف متعددة وأهداف ثقافية واجتماعية متنوعة، وتساهم بشكل متميز في مجال الخدمات الاجتماعية، وتعتمد بدرجة كبيرة على المتطوعين في وضع سياستها وتنفيذ برامجها، وغالبا ما تعتمد في تمويلها على هبات المتطوعين.

وإذا تأملنا أوضاع العالم العربي بصفة عامة، والمجتمع المصري على وجه الخصوص، لواجهتنا بيئة غير مواتية لفعالية هذا القطاع، فالتشريعات والقوانين المقيدة للعمل الأهلي تعكس شك الأنظمة السياسية فيه، إضافة إلى أن الأنظمة السياسية ذاتها رافضة للمشاركة التي تؤكد عليها العمل الأهلي، حيث كانت بداية العمل الأهلي عام 1821م، قبل أن ينتشر العمل بهذه الجميعات بعد ثورة 1919م، حيث كانت جميع الجميعات تشهر من خلال وزارة الداخلية وكان لكل جمعية سجل خاص بها. (1)

نشأة جماعة الإخوان المسلمين وفق القانون المصري

كانت بداية نشأة جماعة الإخوان المسلمين بمدينة الإسماعيلية في مارس 1928م حينما اجتمع الإمام البنا بستة نفر أعلنوا تكوينهم لجماعة الإخوان المسلمين، غير أن الجمعية تم ثبتها في دفاتر الدولة الرسمية في أبريل 1929م من خلال وزارة الداخلية.

حينما تشكلت وزارة الشئون الاجتماعية في عهد وزارة علي ماهر باشا في 20 أغسطس 1939م سارع الإخوان بتسجيل جمعية الإخوان المسلمين في دفاتر الوزارة بعد تعديل لائحة الجماعة بما يتناسب مع قانون الجمعيات وبما يحافظ على ثوابت الجماعة وأهدافها. (2)

قانون الجمعيات ومحاولة تحجيم الإخوان

نشأة جماعة الإخوان المسلمين على الفهم الشامل لمعاني الإسلام الذي يستوعب كل شئون الحياة لكل الشعوب، والأمم في كل عصر، وزمان، ومكان، وجاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة، وهو ما ألقى بالضوء على نشاط الجماعة خاصة مع انتشارها السريع وثقة المجتمع فيها

وفي رجالاها وإنكشاف سواءات الأحزاب القائمة بما فيهم حزب الوفد، وتشكيلها خطر على وجود المستعمر في الأراضي العربية والإسلامية مما جمع عليها كثيرا من الأعداء سواء المستعمر أو الملك أو الحكومات المتعاقبة التي انصاعت لرغبات المحتل في تحجيم كل من يؤرق وجوده على أرض مصر.

كان الطبيعة الحزبية في مصر قائمة على عدة أحزاب كرتونية ما عدا حزب الوفد صاحب القاعدة الشعبية، حيث كان الحياة السياسية قائمة على هذه الأحزاب، ولم يكن هناك ثمة قانون يحكم هذه الحياة أو يحكم وجود حكومة ما في السلطة لكنها كانت وفق رغبات الملك والإنجليز حتى بلغ الحال تغيير أكثر من حكومة في عاما واحد وبالتالي تغيير البرلمان وإجراء انتخابات فارغة كان يلعب فيها رأس المال والسلطة والتوزير العامل الأكبر.

استشعر الإنجليز خطر الإخوان على وجودهم في وقت مبكر حينما نادى الإمام البنا بتحرير الأرض وطرد المحتل، وسعى من أجل شحذ ذلك، مما فتح شهية المحتل بالعمل على إتخاذ قرار بحل هذه الجمعية او تحجيمها، فأوعزوا بذلك لعلي ماهر باشا ثم حسين سري باشا ثم حسن صبري فالنحاس لكنهم جميعا رأوا عدم وجود ما يستلزم حل الجماعة

وإن كانت كل وزارة عمدت إلى التضيق على الإخوان فنفت وزارة سري الإمام البنا لقنا عام 1941م ثم اعتقلته في نفس العام، كما قامت وزارة النحاس باشا عام 1942م بغلق جميع شعب الإخوان ما عدا المركز العام وضغطت على الإمام حسن البنا بسحب ترشحه من الانتخابات على دائرة الاسماعيلية، لكنها مع ذلك سعى بعض رجالاتها في وضع بعض القوانين التي تحجم نشاط الإخوان المسلمين خاصة بعد نجاحها في سحب البساط من تحت أقدام الوفد مما أوغر صدر رجالاته وصحفه. (3)

وضعت هذه الحكومة مشروع قانون سمته "قانون تنظيم الجمعيات الخيرية" وعرضته على مجلس وزرائها ثم على مجلس نوابها وناقشه هذا المجلس وفي 20 يونيو 1944م اعتمد هذا المجلس من هذا المشروع النص التالي :

تعد جمعية خيرية كل جماعة من الأفراد تسعى إلى تحقيق غرض من أغراض البر سواء أكان ذلك عن طريق المعاونة المادية أو المعنوية وتعد مؤسسة اجتماعية كل مؤسسة تنشأ بتخصيص مال لمدة غير معينة سواء أكانت هذه المؤسسة تقوم بأداء خدمة إنسانية أو دينية أو علمية أو فنية أو زراعية أو رياضية أو أى غرض آخر من أغراض النفع العام دون قصد إلى تحقيق ربح مادي لأعضائها – ويشترط في جميع الأحوال ألا تكون الجمعية أو المؤسسة ووسائلها في تحقيق هذه الأغراض مخالفة للنظام أو الأمن العام أو الآداب العامة".

غير أن حكومة الوفد أقيلت في 9 أكتوبر 1944م ومات المشروع معها قبل أن تأتي وزارة النقراشي فتعمل على إحياءه.

النقراشي وقانون الجمعيات

كانت وزارة النقراشي الأولى من أشد الوزارات بغضا للإخوان كون النقراشي نفسه لا يحب الانتشار الذي حققته جماعة الإخوان ماهيك عن المواقف التي زادت من الهوية بين الجانبين، وما أن كلف بالوزارة بعد مقتل أحمد ماهر باشا في فبراير 1945م حتى كان على رأس أولوياته وضع قانون يحجم نشاط الجماعة وحصرها في كونها حزب سياسي أو جمعية خيرية، فوضع القانون رقم 49 لسنة 1945 والخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الإجتماعية

والتي كان من بنوده:

  1. تعد جمعية خيرية كل جماعة من الأفراد تسعى إلى تحقيق عرض من أعراض البر سواء أكان ذلك عن طريق المعاونة المادية أو المعنوية، وتعد مؤسسة إجتماعية كل مؤسسة تنشأ بمال يجمع كله أو بعضه من الجمهور لمدة معينة.أو غير معينة سواء أكانت هذه المؤسسات تقوم بأداء خدمة إنسانية دينية أو علمية أو فنية أو صناعية أوزراعية أو رياضية أم بأى عرض آخر من أعراض البر أو النفع العام.
  2. يجب على كل جمعية خيرية ومؤسسة إجتماعية أن تتقدم بطلب تسجيلها لوزارة الشئون الإجتماعية.

ولقد ترك القانون فرصة ثلاثين يوما للجمعيات لتقديم اوراقها للتسجيل، وكل جمعية لا تشهر نفسها خلال هذه المدة تعتبر منحلة بحكم القانون. (4)

طالبت حكومة النقراشي من الإخوان تحديد موقفهم إما أن يكونوا حزبا سياسيا أو جمعية خيرة تخضع لوزارة الشئون وكلاهما مر، فعقد الإمام البنا مؤتمرا عاما للإخوان العاملين في دار الشبان المسلمين

واتفق المجتمعون على تعديل القانون الأساسي للجماعة على:

أولا: أن يلحق بالجماعة قسما خاصا لأعمال البر والخدمة الاجتماعية يكون مقر رئاسته بالمركز العام بالقاهرة، وتتبعه فروع في كل شعبة ولكل فرع إدارته، وتوضع له يافطة بهذا الاسم على كل دار.

ثانيا: تحويل الإخوان المسلمين من جمعية إلى هيئة تسير وفقا لقانون الإخوان المسلمين الذى أقرته الدولة.

أخطر قرار للإخوان وتحديد المصير

وبعد هذا الاجتماع الذي عقدته الجمعية العمومية لجماعة الإخوان ومجلس الشورى تقدم الإمام البنا ومحامي الإخوان وقبل انتهاء المهلة المحددة قانونهم المعدل إلى وزارة الشئون الاجتماعية ووافقت الوزارة على ذلك. (5)

يقول محمود عبد الحليم:

شغلنا بأنفسنا فعلا عدة أشهر فلقد واجهتنا به حكومة السعديين بعد إنجازه مباشرة سنة 1945 وخيرتنا بمقتضاه بين أن تكون جمعية خيرية تحت إشراف وزارة الشئون الاجتماعية أو أن تكون حزبا سياسيا .
ووقف الأستاذ المرشد العام أمام هذه المواجهة حائرا فترة من الزمن وعقدت الهيئة التأسيسية أكثر من اجتماع لاتخاذ قرار في هذه المواجهة الخطيرة وكان القرار الوحيد الذي اتخذته الهيئة بعد أول دراسة للقانون هو رفض فكرة الحزب السياسي وفوضت الهيئة الأستاذ المرشد العام في اتخاذ ما يراه من قرار بعد ذلك ..
واجتمع مكتب الإرشاد العام عشرات المرات وتباحث المتخصصون في القانون بعد ذلك.. واجتمع مكتب الإرشاد العام عشرات المرات وتباحث المتخصصون في القانون من الإخوان واستعان المرشد العام بالمتخصصين من غير الإخوان .. ومع ذلك وبعد كل هذه البحوث والاجتماعات ظل القرار الوحيد الذي أمكن اتخاذه هو قرار رفض الحزبية دون الوصول إلى صيغة تخرجنا من الحيرة والحرج، حتى توصل المرشد العام لصيغة قانونية.

كان القرار من أخطر القرارات التي اتخذها الإخوان المسلمون في حياتهم العملية فكان فاصلا بين عهدين في تاريخهم وكان بمثابة تجربة قاسية كان على الدعوة أن تخوضها وهي راغمة لتستبقي لنفسها حق مواصلة الحياة ..ولذا فإن القرار لم يقف عند حد تعديل في بعض مواد قانون الإخوان المسلمين بل تناول القانون الأساس كله بالتغيير بحيث اتخذ صورة جديدة .

وكان ذلك على الوجه الآتي :

  • تعريف الإسلام بأنه نظام شامل لجميع شئون الحياة وأهدافه النهوض بكل هذه الشئون .
  • ما اختص من أهداف الإسلام بالشئون الاجتماعية تؤسس له هيئة مستقلة مركزها القاهرة تسمى " المركز العام لجمعيات البر والخدمة الاجتماعية للإخوان المسلمين " لها أعضاؤها الذين يكونون جمعيتها العمومية ولها اشتراكاتها وماليتها الخاصة بها ولها دفاترها وحساباتها التي تخصها – ويقوم أعضاء جمعيتها العمومية بانتخاب مجلس الإدارة الخاص بها وتكون مسجلة في وزارة الشئون الاجتماعية وتحت إشراف مندوبيها في جميع أعمالها وتصرفاتها – ولهذا المركز العام أن ينشئ فروعا تابعة له في مختلف الأحياء والبلاد وتكون فروعه مسجلة بوزارة الشئون الاجتماعية وتحت إشراف مندوبيها
  • أغراض الإسلام الأخرى التي لا تدخل في نطاق أعمال البر والخدمة والاجتماعية كنشر الدعوة الإسلامية وبث الروح الوطنية والقيام بالأعمال الاقتصادية .. تقوم بها " هيئة الإخوان المسلمين العامة"
وبذلك تفادي الإخوان الشراك الذي نصبته الدولة لاصطيادهم .. وقد ذهل رجال القانون الحكوميون حين تلقوا رد الإخوان .. وكانوا يعتقدون أن الإخوان سيعجزون عن الجواب إلا أن يأتوا مذعنين فلقد أحكموا الخناق القانوني حول عنقهم فإما الاستسلام وأما الاختناق وكلاهما فناء. (6)
كانت كل أوراق الإخوان المسلمين وجمعيات البر تراجع من قبل وزارة الشئون بل كان مندوب الوزارة يحضر في كثير من اجتماعات الجمعية، ففي 19 ربيع الأول 1367 هـ، الموافق 30 يناير 1948 اجتمعت الجمعية العمومية لفروع البر والخدمة الإجتماعية اجتماعا فوق العادة بدار المركز العام للإخوان برئاسة الأستاذ حسن البنا الرئيس العام لهذه الفروع
وسكرتارية الأستاذ محمد لبيب البوهي السكرتير العام للمركز الرئيسى لهذه الفروع، وحضور الأستاذ مصطفى المسلمانى المفتش بوزارة الشئون الاجتماعية بصفته مندوبا عن الوزارة، وبعد ذلك هذا الإجتماع تعديل لائحة المركز الرئيسى لجماعات وأقسام البر والخدمة الاجتماعية للإخوان المسلمين. (7)

حكومة عبد الهادي وقانون الجمعيات

حينما فشلت حكومة النقراشي باشا في سن قانون يحجم جماعة الإخوان المسلمين خاصة أو يحلها، حينها لجأ النقراشي إلى استخدام سلطاته العسكرية بوصفه حاكم عسكري بعدما أعلن الأحكام العرفية (قانون الطوارئ) في البلاد، والاستجابة لطلب الدول الغربية، فأصدر قرار في 8 ديسمبر 1948م بحل جماعة الإخوان المسلمين بل واعتقال قادتها ومجاهديها على أرض فلسطين، غير أن تسارع الأحداث زاددت من اشتعال الموقف.

بعد اغتيال النقراشي كلف الملك إبراهيم عبد الهادي بتشكيل حكومة لاستكمال عمل النقراشي فقام باعتقال الإخوان والتضييق أكثر على الجمعيات الإسلامية، وشهد عهد أشد أنواع التعذيب ضد المعارضين حتى سمى عهده بالعسكري الأسود، كما قام رجال دخليته باغتيال الإمام حسن البنا مرشد الإخوان، كما مد الأحكام العرفية سنة جديدة

وبدأت حكومته في وضع مشروع لتنظيم الجمعيات خاصة أنه كان لابد من إيجاد تشريع قانوني يحجم الإخوان والجمعيات العاملة، وبالفعل طلب من برلمانه سن تشريع فسارع البرلمان بتنفيذ الأمر، وأتمت هذه الهيئة البرلمانية تقريرها عن هذا المشروع في النصف الأول من شهر يوليو 1949م. غير أن الوقت لم يمهل إبراهيم عبد الهادي وحكومته إذ أقالها الملك بعد شهور معدودة.

يقول محمود عبد الحليم:

انتهت الهيئة المكونة من لجنة الشئون الداخلية ولجنة الشئون الاجتماعية والعمل في مجلس النواب من نظر القانون الخاص بالجمعيات وأدخلت عليه بعض التعديلات

وفيما يلي تقرير اللجنة :

دعا منطق الحوادث إلى وجوب تلافي النقص في التشريع لتنظيم الجمعيات . فلا أمر تكوينها فوضي تندمس فيها العناصر الخطرة فتنحرف بها عن الطريق السورى وتطوح بها إلى هوة الجريمة السحيقة فتقوض أكان الأمن والنظام . فالتحرز في أمر تكوينها والتأكد من أنها أمينة على الغرض الذي قامت من أجله أمر لا جدال فيه لتأمن الجرائم التي تدبر في الخفاء والتي لو تركت لاستشري خطرها وهزت كيان الأمة هزا فتعوقها من اللحاق بركب التقدم والازدهار الذي أخذت نفسها به.

وهذا التشريع إنما هو استكمال حق مقرر بمقتضي الدستور والذي مؤداه :" أن للمصريين حق تكوين الجمعيات . وكيفية استعمال هذا الحق يبينها القانون"

لم يتعرض هذا المشروع للجمعيات إلا بالقدر اللازم لوقاية الأمن والنظام لذا نراه لا يتعرض للجمعيات التي ترمي للربح المادي لأعضائها ولا للجمعيات والمؤسسات المنظمة بقوانين أخرى للهيئات المركزية للأحزاب السياسية الحالية لوضوح أغراض تلك الأحزاب ولقيامها منذ فجر الحركة الوطنية – وإن كان يجدر وضع تشريع خاص بها أسوة بما هو متبع في أكثر البلاد الأجنبية لما لها من أكبر الأثر في حياة البلاد للبرلمانية والاجتماعية .

  • استصدار إذن:

وقد نص على اشتراط استصدار إذن في حالة انضمام الموظفين والطلبة للجمعيات يكون من رئيس المصلحة بالنسبة للأولين ومن دور التعليم بالنسبة للآخرين حتى لا يكون التحاق الموظف بجمعية مدعاة لأضرار أهوانها عدم قيامه بعمله على خير وجه وللطالب انصرافه عن الدرس والتحصيل فتنضب ثروة الأمة المرتقبة من جهود شبابها المدخر الذين ينعقد عليهم مستقبلها ومجدها .

  • مقر ثابت :

وقد فرض المشروع على الجمعيات إخطار المحافظة أو المديرية عند إنشائها وموافاتها بالبيانات التي يهم السلطات العلم بها فإذا لم تعترض المحافظة أو المديرية في المدة المقررة كان للجمعية الحق أن تباشر عملها . كما نص على أن يكون لتلك الجمعية مقر ثابت توجد فيها جميع أوراقها وأن تنشئ سجلات تدون فيها جميع قراراتها وكل ما يتعلق بنشاطها لتكون واضحة الغرض بينة المرمى وليسهل على رجال الأمن أمر الأشراف على تلك الأغراض ووسائل تحقيقها .

  • قرار الحل :

والجمعية التي لا تلتزم أحكام هذا المشروع أو التي ترتكب مخالفة جسيمة أو تحيد عن هدفها تستهدف لقرار الحل من مجلس الوزراء . كذلك إذا قامت الجمعية بتدوين بيانات غير مطابقة للحقيقة في الإبلاغ أو الأخطار أو إذا قامت بما يخالف الآداب والنظام العام أو تعدت أغراضها الأساسية ولا يعفي هذا من تطبيق العقوبات الأشد المنصوص عليها في القوانين الأخرى .

وقد رأت الهيئة في المادة (3) إشراك رئيس الجمعية في المسئولية عن الأحكام المنوه عنها في المادة الثالثة إمعانا في الحيطة والحذر فقد لا يكون الرئيس من الداعين إلى تأسيس الجمعية أو المؤسسين لها أو عضوا في مجلس إداراتها فيفلت من المسئولية المقررة في تلك المادة .

كما أضافت الهيئة فقرة أخيرة إلى المادة (14) هذا نصها :

" إذا كان مرتكب هذه الجرائم كلها أو بعضها من الداعين لتأسيس الجمعية أو المؤسسين لها أو رئيسا لها أو عضوا في مجلس إدارتها حسب الأحوال وجب ألا تقل عقوبة الحبس عن ستة أشهر والغرامة عن مائة جنيه وذلك بفرض حد أدني لعقوبة من يرتكب جريمة من الجرائم المشار إليها في تلك المادة إذ أن مسئوليتهم في الواقع أشد وجريرتهم أنكي من باقي الأعضاء فلا أقل من أن ينص على أخذهم بالشدة لضمان حد أدني لعقوبتهم فيكونون عبرة لغيرهم ".

ولنفس السبب المتقدم أضافت الهيئة فقرة أخيرة للمادة (15) هي :

" فإذا كان مرتكب الجريمة من المنصوص عليهم في الفقرة الأخيرة من المادة السابقة وجب ألا تقل عقوبة الحبس عن شهر والغرامة عن عشرين جنيها "
  • ورجال الضبط:

ورأت اللجنة بشأن المادة (16) الاكتفاء برجال الضبط القضائي في القيام بإثبات الجرائم التي ترتكب مخالفة لأحكام هذا القانون تمشيا مع نصوص مشروع قانون الإجراءات الجنائية .

  • القضاء العادي:

ولاحظت اللجنة أنه قد يرد على الخاطر لأول وهلة أن تقدير ركن العمد في تلك الجرائم وحق الحل كان يحسن إخضاعه للقضاء العادي أو الإداري تحقيقا للعدالة وتوكيدا للطمأنينة ودفعا لمظنتي الشطط والاضطهاد ولكن هذا الحق المعطي لمجلس الوزراء روعي فيه اتصاله بسياسة البلاد ومصيرها فوق اتصاله بأمنها ونظامها . فهو إذن مقرر لعلاج أمر يستدعي سرعة البت وقوة الحزم .. وهذا الحق لا يتأتي إلا لمجلس الوزراء المنوط به مصالح البلاد العليا ولا شك أنه في حكمه على تلك الأمور سيكون مستهدفا الصالح العام وحده .

  • قطع السبيل :

وقد أيد التشريع قطع السبيل على الجمعيات التي يصدر قرار بحلها من أن تعود بصورة من الصور وتحرز في ذلك بشتى الوسائل . كما أعطي مهلة شهرين للجمعيات التي يسري عليها أحكام هذا المشروع ومن انضم من الموظفين والطلبة إلى جمعية من الجمعيات لمراعاة تلك الأحكام واستيفاء البيانات والإجراءات التي أوجبها.

وفي هذا المشروع دعم للأمن فينتشر علم الصفاء على ربوع الوادي وتتضافر جهود الجمعيات لإقامة بناء مجده شامخا عزيز الجانب هذا ما أعده عبد الهادي لتقييد الحريات. (8)

حكومة الوفد 1950م واستمرار الأحكام العرفية

حينما ذكر الملك في إقالة حكومة عبد الهادي بأنها هدية للشعب بمناسبة العيد، تنفس الناس الصعداء بعد فترة ظلم وجور وظنوا أن الأمور ستتعدل خاصة حينما كلف سري باشا بالوزارة لإدارة انتخابات جديدة، عمل فيها الإخوان والشعب بجد على إعادة الوفد لتشكيل وزارة إحادية كونهم أفضل الأحزاب في ذلك الوقت، خاصة بعدما قطع مرشحي الوفد العهود أن يمحوا أثر ما قام به السعديين.

لكن ما إن وصل الوفد للحكم حتى أسفر عن مزيد مما يخفيه فأبقى على الأحكام العرفية، ولم يلغ قانون حل الإخوان، بل ماطل في إعادة ممتلكاتها وحاول وزير داخليتها فؤاد سراج الاستحواز على المركز العام للإخوان وتحويلة لقسم شرطة، وحينما تعرضت الوزارة لكثير من الضغوط الحزبية والبرلمانية والشعبية أعلنت أنها سترفع الأحكام العرفية بعد وضع قانون الجمعيات.

حيث صرح فؤاد سراج الدين (وزير الداخلية) في 18 يناير 1950 بالتصريح التالي :

"أن الوزارة قبل أن تقدم على رفع الأحكام العرفية ستنتظر حتى تسن قوانين لحماية البلاد ولحماية الأمن ومن ضمنها تشريع خاص بالجمعيات ينظمها ويجعلها لا تحيد عن الطريق الذي أنشئت من أجله ومن بينها الجمعيات التي نشأت لأغراض دينية بحتة ".

بل إن الوفد أصدر قانون يحمي كل من عذب أو اضطهد الشعب حيث تقدمت حكومة الوفد في 20 فبراير 1950م إلى مجلس النواب بمشروع قانون لإلغاء الأحكام العرفية وكانت المادة الثانية منه تنص على : "عدم سماع أى دعوى أو طلب أو دفع يكون الغرض منه الطعن في تصرفات الحاكم أو السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية ".

ومعني هذا النص أن تهدر حقوق جميع الذين أضيروا وعذبوا واضطهدوا وشردوا واعتدى عليهم وعلى أبنائهم وزوجاتهم وأهليهم فلا يكون لواحد من هؤلاء الحق في مقاضاة هذا الحاكم الظالم المعتدى حيث يحميه هذا النص ويجعله في حصانة من أن يطلب للمثول أمام القضاء. كان تضمين الحكومة مشروع القانون هذا النص صدمة للنواب الوفديين أنفسهم حتى أن أكثر من نائب منهم طالب بإلغاء هذه المادة. ولكن سراج الدين أصر عليها .

فلما رأي الضغط شديدا من جانب النواب اقترح إبدالها بنص آخر تضمن نفس المعني بل إنه كان أشد إبرازا للمعني المبذول وهو : " أنه لا تسمع شكوى الشاكين أمام الجهة القضائية ضد أى عمل تولته السلطة القائمة على إجراء الأحكام العرفية أو مندوبوها عملا بالسلطة المخولة لهم بمقتضي نظام الأحكام العرفية وفي حدود تلك الأحكام"، غير أن البرلمانات في مصر تتبع دائما الحكومة التابعة لها فأقر البرلمان هذا التشريع رضاءا لحزبه وحكومته.

كما أبقت حكومة الوفد على المادة الثامنة من مشروع قانون إلغاء الأحكام العرفية والتي تنص على استبقاء عدد من الأوامر العسكرية منها الأمر العسكري بحل الإخوان المسلمين. وحينما اعترض كثيرا من النواب على ذلك جاء رد سراج باشا: (لقد كانت هذه الجماعة على صلة طيبة بنا ولكنا لا ندرى من الذي زج بها في ميدان السياسة؟).

ولما نظر مشروع قانون إلغاء الأحكام العرفية أمام اللجنة التشريعية بمجلس الشيوخ عدلت المادة الثامنة على الوجه التالي ." استبقاء الأمر العسكري بحل الإخوان المسلمين لمدة سنة أو حتى يتم سن قانون الجمعيات أيهما تقدم .فإذا لم يصدر قانون الجمعيات في خلال هذه السنة ألغي الأمر العسكري تلقائيا". (9)

بنود التشريع الوفدي

لم تعر الحكومة اقتراح الإخوان ولا نصيحة الناصحين اهتماما وفوجئ الشعب بإقرار مجلس الوزراء لمشروع القانون وإحالته إلى مجلس النواب حيث جاءت بنوده قريبة من بنود البرلمان السعدي في عهد إبراهيم عبد الهادي.

جاء فيه: المادة الأولي – يسري هذا القانون على الجمعيات التي تسعى إلى تحقيق أغراض اجتماعية أو دينية أو علمية أو أدبية إذا كان عدد أعضائها يزيد على عشرين شخصا طبيعيا .

المادة الثالثة – لا يجوز أن يشترك في تأسيس الجمعية أو ينضم إلى عضويتها :

(أ‌) المحكوم عليهم بعقوبة جنائية

(ب‌) المشتبه فيهم

(ت‌) القصر .

المادة الخامسة: يجوز للمحافظ بقرار مسبب أن يعارض في إنشاء الجمعية أو فروعها خلال الثلاثين يوما التالية لوصول إخطارها إلى المحافظة .

المادة السادسة: يجب على من يناط بهم إدارة الجمعية أن يخطروا المحافظ خلال ثلاثين يوما بكل تعديل في النظام وبالقرار الذي يصدر بحل الجمعية وأسبابه – وفي حالة عدم توفر حكم من أحكام هذا القانون يجوز للمحافظ أن يعارض في التعديل بقرار مسبب خلال ثلاثين يوما من تاريخ الإخطار ..

المادة السابعة – على الجمعية أن تحتفظ في مركزها بالوثائق والأوراق والسجلات الخاصة بها والصور الفوتوغرافية للأعضاء وبمعلومات كاملة عن كل عضو وتدون محاضرها وحساباتها في دفاتر مفصلة .

المادة الثامنة – يحظر على غير أعضاء الجمعية المقيدة أسماءهم في سجلاتها أن يشتركوا في إدارتها أو في مداولات الجمعية العمومية .

المادة التاسعة – لا يجوز للجمعية أن تجاوز في نشاطها الغرض الذي أنشئت من أجله .

المادة العاشرة – يحظر على الجمعية أن يكون لها تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية.

المادة الحادية عشرة – مع عدم الإخلال بأحكام المادة 66 من القانون المدني يجوز لوزير الداخلية عند مخالفة أحكام المواد 10,9,8,7,6,3 أن يطلب حل الجمعية أو فروعها أو إبطال الإجراء المخالف ويقدم الطلب إلى المحكمة الابتدائية لتابع لها مركز الجمعية أو الفرع ويكون الحكم الصادر منها نهائيا .

المادة الثالثة عشرة – عقوبات بالحبس والغرامة 6 شهور ومائة جنيه لمن يخالف هذا القانون .

المادة السادسة عشرة – يكون لرجال الضبط القضائي في سبيل إثبات الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له حق الاطلاع على دفاتر الجمعية وحساباتها وأوراقها .

المذكرة الإيضاحية للمشروع

نصت المادة 21 من الدستور على أن للمصريين حق تكوين الجمعيات وأن كيفية استعمال هذا الحق يبينها القانون وبناء على هذا النص فإن حق المصريين في تكوين الجمعيات أصبح مقررا في الدستور بحيث لا يجوز المساس به وإنما تكون مهمة المشرع مقصور على تنظيم استعمال هذا الحق ومراقبة السلطة التنفيذية لاستعماله ضمانا لعدم تجاوز الجمعيات في نشاطها الحد المشروع .

ثم قالت المذكرة :

إنه يبدو أن القانون المدني بما تضمنه من أحكام خاصة بالجمعيات في المواد من 54 إلى 68 وفي المادة 79 قد سد فراغا في هذه الناحية وإنما الواقع أن هذا القانون لم يعن وكان له أن يعني بأكثر من تنظيم الجمعيات عموما من الناحية المدنية وحقوق الأعضاء قبلها
وكيفية التصرف في أموالها عند حلها وتقييد حق ملكيتها في العقارات وتمتعها بالشخصية الاعتبارية بمجرد إنشائها وشهرها وما يترتب على عدم الشهر وجواز إبطال القرارات التي تصدرها بالمخالفة للقانون أو لنظام الجمعية والجهة التي تصدر حكمها بإبطال هذه القرارات وكذلك جوار إبطال التصرفات التي يقوم بها مديرو الجمعية متجاوزين حدود اختصاصاتهم .
وليس في هذه الأحكام أى غناء عن إصدار تشريع آخر بتنظيم هذه الجمعيات من حيث خضوعها لمراقبة السلطة التنفيذية ضمانا لعدم خروجها في نشاطها عن الحد المشروع والإتيان بما ينطوى على إخلال بالنظام العام أو الأمن العام أو الآداب العامة مما يدخل في نطاق القانون العام .
وتحقيقا لهذه الغاية قامت الحكومة بما وعدت به البرلمان في دور انعقاده السابق بوضع مشروع القانون المرافق وضمنته أحكاما تسري على الجمعيات التي تنظم بقوانين خاصة ويجرى العمل بمقتضاه جنبا إلى جنب مع تلك القوانين الخاصة .
وختمت المذكرة بالقول إنه من المفهوم أن أحكام القانون المدني في شأن الجمعيات تسري على الجمعيات المنظمة بهذا المشروع باعتبارها أحكام القانون العام في هذا الشأن. ولتأكيد ذلك المعني بوضوح رؤى النص في المادة (17) على أنه (فيما عدا الأحكام الخاصة الواردة في هذا القانون تسرى على الجمعيات المنصوص عليها فيه أحكام القانون المدني) .
ومن المفهوم كذلك أن هذا المشروع لا يسري على الجمعيات السياسية وبعبارة أخرى الأحزاب السياسية وذلك لأن هذه الأحزاب لها من الأهمية والخواص بما يجعلها محلا لتنظيم خاص بتشريع يصدر مستقبلا في المستقبل إذا رؤى لزوم ذلك – وهذا فضلا عن أن المصريين يمارسون حقوقهم السياسية التي خولها لهم الدستور في حدود القوانين القائمة وحسبنا أن نذكر أنهم يشتركون بمالهم من تشكيلات سياسية في حكم البلاد وفي توجيه سياستها عن طريق الاشتراك في الانتخابات العامة وفي البرلمان. (10)

رد فعل الإخوان والمعارضة على القانون

حين وجد الإخوان أن الحكومة مصممة على سن قانون للجمعيات طلبوا إليها في 16 أبريل 1950 أن تتمها في إصداره وتعرضه أولا على الهيئات والجمعيات لإبداء ملاحظاتها عليه قبل عرضه على مجلس الوزراء والبرلمان وختم الإخوان مذكرتهم التي تقدموا بها إلى الحكومة بقولهم : " وكيفما كان الأمر فلن يتزحزح الإخوان عن أداء رسالتهم الكبرى كأصحاب دعوة تعمل لخير الوطن والإسلام ".

لم تستجب الحكومة لاقتراح الإخوان فتصدي أحد جهابذة القانون لمناقشة هذا المشروع على صفحات الجرائد فنشرت " الأهرام" مقالا ضافيا للأستاذ محمد حسن العشماوي باشا وهو وزير معارف سابق ومن كبار رجال القانون في مصر وكان عنوان المقال " حول تشريع الجمعيات " أثبت فيها القانون المزمع إصداره يتنافي مع الدستور وأن التشريع المصري في وضعه الحالي كفيل بضمان الأمن والنظام وعدم الانحراف عن النشاط المشروع وأنه كفل بذلك الحرية كما كفل الجزاء على سوء استعمالها.

وبعد نشر هذا المقال بيومين نشر "الأهرام" الكلمة التالية :

تلقينا كلمة من الأستاذين أحمد حسن الباقوري وكيل جمعية الإخوان المسلمين ومحمد طاهر الخشاب المحامي وعضو مكتب الإرشاد بالجمعية جاء فيها ما يلي:
" إذا كنا لا نملك حق الحديث عن الإخوان المسلمين لأن رئيس أية هيئة هو الذي يملك الحديث عنها لكن هناك أمورا دخلت في لب التفصيلات والخطط الجزئية وهي أشبه بالمبادئ العامة ويجوز لكل منتم إلى تلك الهيئة أن يتناولها بالحديث ومن هذا الجانب نستطيع أن نقول : أن عودة الإخوان المسلمين حق لهم وليس منحة من أحد الناس والإخوان المسلمون موجودون فعلا وهم يؤدون رسالتهم الخالصة في حدود ما يعتقدون أن فيه مصلحة لوطنهم – أداء كاملا لا ينقص منه عدم الاعتراف بهم من الناحية الرسمية .
أما قانون الجمعيات الذي تزمع الحكومة – كما قال معالي وزير الداخلية – إصداره فقد قال أحد كبار رجال القانون قوله فيه . ولعل الحكومة تنصف نفسها فتعيد إلى الإخوان حقهم المسلوب كاملا"
وتصدر لهذا القانون أيضا قلة قليلة من الشباب الذي يمثله حزب مصر الفتاة والمجموعة التي يرأسها فتحي رضوان وتضم محمد زهير جرانة ومصطفي المنزلاوي والدكتور نور الدين طراف حيث أصدرت اللجنة العليا للحزب الوطني بيانا في 2 أغسطس 1950م

جاء فيه:

ولذلك تري اللجنة أن التشريع الذي تنوى الحكومة إصداره لتحويل الأمر العسكري الرقيم 63 من إجراء اقتضته ضرورات النزاع القائم بين الحكومة السابقة وجماعة الإخوان المسلمين إلى قانون دائم هو تشريع مخالف لروح الدستور وأن الأحكام العرفية تعتبر باقية طالما أن هذا القانون لم يلغ لأن المصريين لم يحسوا بوطأة الحكم العرفي فيما يخص حملة فلسطين وإنما أحسوا بوطأته في حملة الحكومة ضد المسلمين وأنصارهم ومن أخذ بشبهة الاتصال بهم أو معاونتهم .
ولا يفوت اللجنة أن تشير إلى أن التشريع المزمع إصداره قد نص على منح وزير الداخلية حق مراقبة الأشخاص الذين كانوا معتقلين في ظل الأحكام العرفية الملغاة وأن من حق هؤلاء أن يعارضوا في قرار المراقبة أمام لجنة مكونة من رئيس محكمة ورئيس نيابة ومندوب عن قسم الرأي في مجلس الدولة .
واللجنة – اللجنة العليا للحزب الوطني – ترى أن مراقبة السياسيين هي ابتكار جديد تسبق به الدولة المصرية جميع الدول ولعل ذلك مما يصمنا في وقت تعلو فيه الصيحة للحرية في كل مكان وترى اللجنة أن الحكومة قد أخطأها التوفيق حتى في اختيار الهيئة التي يعارض أمامها هؤلاء التعساء الذين اعتقلوا لشبهات وظنون
والذين يراد استمرار تعذيبهم لنفس هذه الشبهات والظنون فقد كان ممكنا أن يلجاؤا بشاياتهم وظلاماتهم للمحاكم العادية على اختلاف درجاتها فالحد من حقهم القانوني وخلق محاكم مصرية خصوصية يعيد إلى الذهن ذكريات الاحتلال البريطاني القديمة التي لا نظن أن الحكومة تود إحياءها .
لقد عاهدنا أنفسنا أن نخلص النصح للحكومة في هوادة ورفق وهنا نحن أولاء نناشدها مناشدة المواطن لأخيه أن تعدل عن إصدار هذا التشريع لتلتئم جروح الماضي ولتسدل على مآسيه وآلامه ستار كثيفا عسانا نستطيع أن نقف في وجه ما تدبره لنا الأيام من مخاطر صفا واحدا ملء قلوبنا الثقة بالوطن وبرحمة وعدل أبنائه" (11)

ولم يقف الإخوان مكتوفي الأيدي أمام هذا التدبير الذي قصد به قتلهم ووأد الحرية في البلاد.. فقد عقدوا اجتماعا طويلا مساء ذلك اليوم ونظروا فيه في مشروع القانون الذي يناقشه البرلمان في الغد على وجه الاستعجال .

وانتهي اجتماعهم إلى قرار أعلنوا فيه رفضهم العودة في ظل هذا القانون وأنهم يكتفون بالتزام موقفهم الحالي بمعني أنهم مكونون فعلا ولا يضيرهم أن يحرم الشعب من امتداد دعوتهم للاستفادة بخيرها – كما أقر الاجتماع مذكرة ناقشوا فيها المشروع وضمنوها رأيهم فيه وقرروا إبلاغها إلى المسئولين وتوزيعها على أعضاء مجلس النواب قبل نظرهم المشروع .

إن الإخوان حين يبدون رأيهم في مشروع قانون الجمعيات لا يرمون من وراء ذلك حماية مصالحهم التي لا صلة لها بهذا القانون .. وإنما يريدون أن ينبهوا الشعب المصري إلى ما يحمله هذا المشروع من قيود فرضها على حقوق الأفراد التي كفلها الدستور للمصريين في تكوين الجمعيات ومن حد من نشاط هذه الجمعيات ذات الأغراض السامية ومن وضع لها تحت سلطان الإدارة وتقلباتها إلى أبعد الحدود .

ونريد أن يذكر نواب الأمة وشيوخها الذين سيتولون مناقشة هذا القانون موقفهم المجيد في أول الجلسة الماضية حين أريد أن يعبر القانون المجلس دون دراسة أو تمحيص .ونريد أن يذكر نواب الأمة وشيوخها الذين سيتولون مناقشة هذا القانون موقفهم المجيد في أول الجلسة الماضية حين أريد أن يعبر القانون أن المجلس دون دراسة أو تمحيص .

وليذكروا دائما أن كل قانون رجعي لن يقتصر ضرره على جماعة من الأمة دون جماعة بل إن مساوئه ستمتد إلى جميع المصريين بما فيهم حضرات الشيوخ والنواب أنفسهم فإن سلطان الحكم إذا كان يعفي من كثير من المتاعب مؤقتا فإنه سلطان زائل. أما القانون الرجعي فباق أثره السئ في تعويق الأمة عن نهضتها . وإنا لنتساءل أولا .. ما الداعي إلى إصدار هذا القانون ؟ والقانون المدني وما حوى من مواد تنظم الجمعيات وتراقب نشاطها كفيل بأن يحفظ لها حريتها في حدود القانون.

وما نظنها بحاجة إلى إضافة قيود جديدة في صور هذا المشروع المقدم من الحكومة أخيرا ثم نتساءل ثانيا عن المقصود بعبارة "أغراض دينية" الواردة في المادة الأولي من المشروع ؟ .. فإنها على هذا النحو لا تتفق مع الإسلام وهو دين الدولة الرسمي لأن الإسلام من العموم في معناه وشموله لكافة نواحي النشاط

بحيث لا يتفق إطلاقا مع الفكرة السائدة في الغرب من التفريق بين الدين والتربية والسياسة فإن كان قصد القانون من هذه العبارة – وهو مالا يتصور غيره – هي تلك التي تدعوا إلى مكارم الأخلاق "والتمسك بالفضائل فليحدد الشارع إذن هذا الغرض على أساس " الأغراض الخلقية مثلا فيزيل اللبس ويتجنب ما قد يثور من اعتراض .

ونظرة خاصة إلى نصوص هذا القانون تكشف عن العجلة التي صاحبت إعداده والرغبة في إصداره على أى وضع حتى جاء مجافيا لأولويات المبادئ التشريعية منافيا لأبسط أسس العدالة مهدار للكثير من حريات الأفراد وحقوقهم :

أ: الشباب أحوج إلى التربية

تنص المادة الثالثة من المشروع على حرمان القصر أى الشبان من الانضمام إلى عضوية الجمعيات ذات الغرض الاجتماعي أو الخلقي أو الأدبي أو العلمي .

وهذا التحريم أمر غير مفهوم وغير مقبول إذ أن الشباب أحوج الناس إلى الانضمام لجمعيات تلك أغراضها : تربيهم وتنشر بينهم العلم وكيف تستسيغ أن يحرم على الشباب الانضمام لجمعيات تربوية وثقافية بينما يجوز لهم قانونا الانضمام إلى الأحزاب السياسية التي تعرضهم للفساد وتزج بهم في مضمار الحزبية التي تضربهم دون أن تعود عليهم منها أية فائدة خلقية أو تربوية أو علمية .. هذا أمر غير مستساغ إلا إذا كان المقصود حماية مصالح الأحزاب دون الشباب ..

ولا يمكن أن يقبل الاحتجاج بأن القاصر غير مكتمل الأهلية . فهذا حجة لا صلة لها بالتربية والتثقيف عن طريق الجمعيات بل هو أدعي لإباحة انضمام القصر للجمعيات فضلا عن أن تشريعاتنا تحمل القصر – وأهليتهم غير مكتملة – أمانة الوظائف العامة حتى الخطير منها مثل النيابة العامة .

ت‌- ما شأن وزير الداخلية ؟

يقضي المشروع بأن وزير الداخلية هو صاحب الإشراف على الجمعيات إذ يطلب حلها ويصدر اللوائح التنفيذية للقانون الخاص بها ولا ندرى صلة الأغراض التي تسعي إليها هذه الجمعيات بوزارة الداخلية .. فكلها أغراض اجتماعية وخلقية وعلمية وأدبية يعم نفعها المجموع .. فكان من الطبيعي أن يكون الإشراف على القانون الخاص بها لوزارة تشجعها وترعي مصالحها وتتفق وأغراضها كوزارة الشئون الاجتماعية ووزارة المعارف العمومية.

ث‌- البوليس :

إذا كان القانون قد نظم الجمعيات في بضع مواد فقد قضي عليها في مادة واحدة ألا وهي المادة السادسة عشرة التي تجعل لرجال البوليس حق الاطلاع على سجلات الجمعية وكافة أوراقها لإثبات المخالفات القانونية .. فهل يمكن أن تدلنا الحكومة على الصلة بين البوليس وهذه الجمعيات ذات الأغراض السامية التي تتبع في تحقيق أغراضها أسسا علمية ؟... أما كان المنطق يقضي بترك هذا الاطلاع لفنيين متخصصين ؟ أمترى أريد أن يترك لرجال البوليس الذين يخدمون أغراضا حزبية وسياسية ؟

د. أسباب طلب الحل:

يبدو أن الغرض الأساسي من هذا المشروع هو منح الحكومات أوسع سلطة ممكنة في قتل الجمعيات بواسطة طلب حلها – ولا أدل على ذلك من أن المادة الحادية عشرة أعطت وزير الداخلية الحق المطلق في طلب حل الجمعيات عند وقوع أى مخالفة للمواد 10,9,8,7,6,3 من القانون – أى أغلب نصوصه .. مع أن طلب حل الجمعية يجب أن يراعي فيه أنه طلب خطير واستثنائي يعادل طلب الإعدام للشخص الطبيعي .

والمنطقي من الأمر أن يقصر طلب هذا الجزاء على المخالفات الخطيرة الجوهرية لأحكام القانون والتي تنسب إلى الجمعية ذاتها ... أما المخالفات القانونية أو العرضية والتي ترجع إلى الأشخاص فيكفي فيها الحكم بإبطال الإجراء وتصحيح الوضع .

هـ - الحل بحكم نهائي :

وأريد أن أسأل أخيرا عن الداعي لجعل الحكم الذي يصدر من المحكمة الابتدائية بحل الجمعية بناء على طلب وزير الداخلية حكما نهائيا لا يجوز الطعن فيه بأى طريق من طرق الطعن في الأحكام .. في حين أن العقوبات الأخرى التي نص عليها القانون في مادته الثالثة عشرة مثلا تسرى عليها القواعد فيجوز الطعن فيها بالاستئناف حتى لو لم تكن العقوبة إلا بغرامة قروش معدودة .

فهل يرى واضع المشروع أن حل جمعية أى الحكم بإعدامها أمر أهون من حكم الغرامة .. فلا يترك الباب مفتوحا أمام الجمعية للطعن في الحكم لطرق التي قصد بها في التشريع التأمين لسلامة الأحكام ؟ : ولا حاجة بنا للقانون إطلاقا :

إن الإخوان المسلمين وأن كانوا قد درسوا مشروع قانون الجمعيات وأدلوا برأيهم القانوني فيه. فإنهم لا يزالون عند رأيهم من أن أوضاعنا التشريعية ليست بحاجة إطلاقا لصدور أى قانون بضيف جديدا إلى ما ضم القانون المدني من نصوص كاملة لا تحتاج إلى مزيد.

واستمر ضغط الإخوان ففي 19 أبريل 1950م ففف نشرت الصحف بيانا عما تم في مجلس النواب بالأمس تحت العنوان التالي :

" ثلاثة آلاف متظاهر من الإخوان المسلمين أمام مجلس النواب أمس "
" فؤاد سراج الدين باشا يفند أقوال المعارضين للمشروع - المجلس يقر القانون ".

وكانت المظاهرة الإخوانية تهتف "الإسلام دين ودنيا" " الإسلام نظام لا يحتاج إلى نظام " " الإسلام قانون لا يحتاج إلى قانون " وهم يحملون المصاحف – وخطب الجموع صالح عشماوي ثم فريد عبد الخالق . ثم سمح لوفد منهم بمقابلة رئيس المجلس وتقديم مذكرة إليه وكان الوفد من صالح عشماوي وسعد الوليلي وفريد عبد الخالق وأمين إسماعيل .

وقال الأستاذ محمد فريد زعلوك باشا:

لا حاجة قط إلى هذا القانون المعروض علينا الآن ما دام القانون المدني قد نص فيه على تنظيم الجمعيات من الناحية المدنية كما أن القانون الجنائي قد نص فيه على تنظيم الجمعيات من الناحية الجنائية أما لجرائم لسياسية فشأنها كشأن الأحزاب السياسية التي لا تخضع لأى نوع من أنواع التنظيم أو الرقابة _ وقال : إن الضمانات التي وردت في مشروع القانون ومنها رفع الأمر إلى مجلس الدولة تشبه رجلا نسرق نقوده ثم يقال له : اذهب إلى المحكمة – فيحين أن الأصل ألا تسرق نقوده. (12)

وتوقف التشريع وعادة الجماعة

رغم حرص الحكومة الوفدية على سن تشريع يحجم أو يحصر الإخوان المسلمين لكنه واجه معارضة شديدة بالإضافة لتسارع الأحداث، وفي عرض تاريخية مثل هذه الأمر ضرورة

كما يقول محمود عبد الحليم - من أجل:

أولا : الإلمام بالتاريخ: وهي فترة مرت بها الدعوة وكانت من أعصب فتراتها فكان لابد من الكتابة عنها والإبانة عما أحاط بها .. وهو أمر لا غني عنه .
ثانيا: لفت النظر إلى صفحات مطوية: فمن أخطر الأمور أن يهمل أصحاب الدعوات النظر إلى صفحت التاريخ المطوية وألا يولوا اهتمامهم إلا للصفحات المنشورة .. ظنا منهم أن صفحة ما كادت تفتح حتى طويت هي صفحة عقيم بدليل أنها كانت عديمة الأثر في أيامها فهي في غير أيامها أشد عدما .. في حين أن مثل هذه الصفحات لم تطو لأن أحداثا أكبر منها لنموها طغت عليها وحجبتها ولكنها لا تلبث – وهي مستكنة – حين تجد البيئة المناسبة لنموها أن تنطلق من سباتها وتكشف عن أنيابها .
ثالثا: أن يتنبه أصحاب الدعوات إلى أن لمناصب الحكم سحرها الذي لا يقاوم فقد يكون الرجل كريما نبيلا يتدفق رقة ووطنية وإخلاصا .. فإذا احتل منصة الحكم صار شيئا آخر ونسي ما كان يدعو إليه من قبل .
رابعا: أن يعرف دعاة الدعوة الإسلامية أن جميع القوى العاملة في ميدان السياسة والاجتماع – مهما اختلفت وجهاتها وتباينت مناهجها وناصب كل منها الآخر العداء – تتفق جميعا وتنسي خلافاتها في مواجهة الدعوة الإسلامية .
خامسا: إنها لحقيقة ثابتة جديرة بالاعتبار والتدبر .. تلك هي " أن التاريخ يعيد نفسه " على المؤمنين الكيسين الفطنين أن ينتفعوا بهذه الحقيقة. (13)

لم تستسلم الجماعة لأهواء الحكومات فأقامت الدعاوي القضائية ضد قانون 63 والاجراء الذي قام به الحاكم العسكري والأحكام العرفية فحكمت المحكمة بإلغاء قرار الحاكم العسكري وعودة الجماعة وإعادة جميع ممتلكاتها لها.

أخيرا

لم يتوقف أي نظام على محاربة معارضيه بسن التشريعات القانونية حيث أثبتت الأحداث أن جميع البرلمانات في دول العالم الثالث تخضع للسلطة التنفيذية تتحكم في قوانينها بما يتماشي مع مصالحها في السلطة.

ومن ثم استمر قانون الجمعيات أو استصدار قرارات بحل جماعة الإخوان المسلمين بيدي السلطة التنفيذية خاصة منذ بداية العهد العسكري في مصر.

المراجع

  1. الجمعيات الأهلية والخيرية: موقع ذاكرة مصر المعاصرة
  2. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2008م، الجزء السادس.
  3. جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2006م، الجزء الرابع.
  4. قانون رقم 49 لسنة 1945م الخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية، الوقائع المصرية، العدد (110)، 16 يوليو 1945م، صـ112-119.
  5. محمد العدوى: حقائق وأسرار " الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ" دار الأنصار، 1400هـ، 1980م صـ35.
  6. محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، الجزء الثاني، دار الدعوة للتوزيع والنشر، الإسكندرية، 1999م.
  7. مجلة الإخوان المسلمون: العدد 197، السنة السادسة، 22 جماد ثان 1367هـ، 1 مايو 1948م، صـ21
  8. محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، مرجع سابق.
  9. محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، مرجع سابق
  10. محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، مرجع سابق
  11. محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، مرجع سابق
  12. محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، مرجع سابق
  13. محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، مرجع سابق