أ.د سيف عبدالفتاح يكتب ... أيها الانقلابيون: ماذا فعلتم بمجتمعنا؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أ.د سيف عبدالفتاح يكتب ... أيها الانقلابيون: ماذا فعلتم بمجتمعنا؟!


الاثنين,13 أكتوبر 2014

أ.د.سيف الدين عبدالفتاح

كفر الشيخ اون لاين | خاص

ربما لم نلتفت الالتفات الكافي إلى كلمات هنا أو هناك تلوح إلى حالة انقسام داخل الشعب حتى إنها أشارت إلى شعبين "أنتو شعب واحنا شعب"، "ليكو رب ولينا رب"، لتعبر بل وتزكى وتقر حالة الانقسام بين شعب واحد، أرادت ذلك حينما مارست ثقافة عنصرية وحربا إعلامية تفرق بين المرء وزوجه وبين أفراد من الأسر والعائلة الواحدة وتوجهات مختلفة، وثقافة عنصرية تكرس منطق النفي والاستبعاد والإقصاء في سياسات غير مسبوقة، تصف فصيلا داخل المجتمع بكل وصف سلبي يحرك كل نوازع عدم الثقة والشك وصناعة الكراهية وتسمح داخل المجتمع بخطاب يشرذمه في إطار عملية شيطنة واسعة النطاق.

يقولون إن المجتمع نتاج فضائلنا، والدولة (خاصة السلطة فيها) نتاج مساوئنا، إشارة إلى لحمة المجتمع التي تقوم على قاعدة التماسك والتكامل والتي تحذر كل ما من شأنه يفكك المجتمع أو يضر بأواصر وحدته وقوته، إنما تشكل الخطوط الحمر التي تمنع العبث بمقدرات المجتمعات وقوانين تلاحمها ولحمتها، أما الدولة بما تحمله من أدوات القوة وعناصر الضبط فإنها تملك الادعاء بحماية المجتمع وتأمينه وتدعيم تماسكه والتي جعلت من عمليات التكامل القومي أحد عمليات فاعليتها وممارسة قدراتها، ولكن ماذا لو قامت السلطة مؤسسات وسياسات بممارسة كل ما من شأنه أن تقوض أسس تماسك المجتمعات وتزرع كل بذور الفرقة وتصنع كل ما من شأنه يورث الكراهية ويؤججها بين عناصرها وتكويناتها وقواها؟!

هذا التساؤل من أخطر الأسئلة التي يجب أن تطرح من جراء حالة انقلابية قامت بالعمد بكل ما من شأنه صناعة الفرقة واستغلال حالة الاستقطاب، والتي أدت إلى مزيد من لغة الاقتتال والخصام وأفعال الشقاق والانقسام وبدت تمارس في حالات أحوال أقرب إلى التنازع والشجار منها لممارسة التوافق والحوار، وضمن صناعة الصورة نجحت المؤسسات والسياسات في الشيطنة وخلق الفزاعات والوصف والهجاء بأحط الصفات والسمات، حينما تقوم السلطة الانقلابية بذلك عن عمد مستغلة في ذلك عدة مفردات خطيرة في خطابها وعدة آليات أخطر في أفعالها وسياساتها.

أولا: الإرهاب المحتمل: والذي يشكل في واقع الأمر وصفا مبهما لصناعة الخطر ومحاولات التكتيل والتعبئة التي تقوم بها فئة متسلطة لصناعة حالة من الشرعنة على سلطانها وسياساتها، هذا الإرهاب المحتمل وبوصفه "بالمحتمل "ليس إلا صناعة مفتعلة لحالة يمكن أن تبرر أوضاعا من البطش والاستبداد والعسف والطغيان.

ثانيا: التفويض الغائم لتبرير سياسات الظالم: هذا أيضا يشكل آلية من الآليات التي تتحرك في مساحات الصراع السياسي ضمن عمليات تفويض غائمة ليس لها أصل ولا فصل ولكنها في حقيقة الأمر تدعي مساندة شعبية وتعبئة عامة فيما تقوم به لتضفي موافقة مسبقة على سياسات باطشة أو انتهاكات قادمة تحت عنوان العمل بالتفويض السابق لتمرير وتبرير عمل لاحق مدعيا حالة من المساندة والتدعيم والتأييد.

ثالثا: الإعلام الفاجر التاجر: الإعلام الفاجر في هذا المقام يقوم بخطاب الكراهية وعمليات تشويه ممنهجة في إطار من صناعة الكراهية وصناعة عدو داخلي يؤكد على مواجهة هذا الإعلام الفاجر التاجر لا يجد مانعا من استخراج أكاذيبه من مصانع الكذب ضمن توجيهات من أجهزة أمنية أو من توجيهات رأس المال ممثل في بعض رجال الأعمال وهو إذ يحاول يصنع الصورة التي يصوب لها سهامها حتى يسهل إقصاءه وتغييبه عن المشهد الذي يهيئ فيه الجميع إلى هجوم كبير على ذلك الفصيل ومحاولة عزله عن قواعده وسياقاته الاجتماعية والمجتمعية .

أيد الإعلام الرسمي والخاص أحداث 30 يونيو و3 يوليو، وأضفى مشروعية على عملية إغلاق الفضائيات الدينية، وأسهم في تبرير هذه الإجراءات ضمن خطة "الشيطنة" والدعوة للحفاظ على السلم الأهلي عبر كبح "المحرضين". كما ادعى وألح علي حتمية فض اعتصامي رابعة والنهضة بأي وسيلة، مهما بلغت التكلفة البشرية. هذه العملية مارست "شيطنة متعمدة"، أتت في إطار حملة تشويه واسعة ومتصاعدة تجاه جميع القوى المؤيدة للثورة والرافضة لما أسمته "الانقلاب"، حيث بدأت بشيطنة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي والمؤيدين له، ثم تلتها حملة شيطنة لبعض الرموز ممن رفضوا الانقلاب، سواء كانوا نشطاء سياسيين من الشباب أو من الكتاب، من غير المنتمين للتيار الإسلامي، فقط لأنهم ضد الانقلاب، وتم التشويه عن طريق نشر تقارير أو أخبار أو التحدث عن بلاغات مقدمة في هؤلاء بتهمة تلقي تمويل أجنبي أو التحريض على العنف أو الإرهاب حتى بدون التحقق من مدى جديتها أو وجود وثائق وأدلة تثبط تورطهم.

رابعا: جماعة التعبئة وعقلية القطيع: بين الإعلام التاجر والفاجر وعقلية القطيع القابلة لتشكيل المواقف والعقول في سياق سياسات تعبئة لجمهور بعينه يوجهه في محاولة ممنهجة للتشويه والشيطنة، ربما يرى المتابعون من غير جهد جهيد أن الإعلام المصري الرسمي والخاص انتفض ضد ما يعرف بتيارات الإسلام السياسي. هذه الانتفاضة لم تكن وليدة عملية سريعة أو غير مخططة، إنما بدأت مع ثورة 25 يناير نفسها، فعملية صناعة الكراهية وتبرير الدم محصلة خطة عمل حقيقية اعترف بها كثير من الممارسين للعمل الإعلامي وخبراء الإعلام وحتى صناع السياسات في مصر.

خامسا: النخبة المنحطة (المحنطة سابقا): لعبت تلك الشخصيات التي سُميت بالنخبة المصرية دورا أحط ما يكون حينما أسهمت بممارستها في عمليات صناعة الكراهية من أوسع باب، حينما قامت بتصدير خلافاتها إلى عموم الناس، وجعلت هذا لتحقيق أغراضها الدنيئة وتحقيق مصالحها السياسية الآنية والأنانية، فتحولت من حال تحنيطها في المواقف والرؤى إلى حال انحطاطها فنزلت بصراعاتها إلى أرضية المجتمع ضمن صراع سياسي خسيس دون أن تلقى بالا لمآلات أفعالها وآثارها المدمرة على لحمة المجتمع وتماسك الجماعة الوطنية.

سادسا: الاستئصال العضوي (القتل الممنهج) والاعتقال الجماعي والإخفاء القسري: حينما يسود الخطاب خاصة على لسان المنقلب ليؤكد أن أعداء الدولة والمجتمع لا يزيدون عن مائتى ألف أو ثلاثمائة آلاف من شعب قد يصل تعداده لتسعين مليونا، لا يمكن لهؤلاء أن يفرضوا على الشعب أمرا، وكثرة عدد المعتقلين منهم أحسن من أن نعتقلهم، أي سياسة تلك التي تقوم على الاستئصال العضوي أو التغييب الجسدي أو سياسات الإخفاء القسري ماديا ومعنويا، سياسات تبرير وتمرير القتل والمطاردة والاعتقال أخطر ما تكون بين قوى المجتمع وتكويناته.

سابعا: الأمراض النفسية الجماعية: وليس لهؤلاء الذين أحسنوا الظن باحتجاجاتهم وتأثيراتها، ادعاء عدم المسئولية عن النتائج وإحالة كل نتيجة سلبية إلى فعل فصيل بعينه،وذلك من باب المخارج والحيل التي تلقفتها أو الغطاء و"البرفان" الذي يختبئون من ورائه إعفاء لكياناتهم من الزلل أو التقصير أو المسئولية، أيا كانت الدواعي التي دعتهم إلى ذلك سواء تعلق الأمر بهواجس إخوانية أو إحباط حط على تلك القوى، أو خوف تملكها بعد ممارسات سلطة باطشة فأصاب البعض شيئا من الخوف أو دخل صناديقه مؤثرا السلامة،أو تردد تحكم في المواقف لتنازع مصالح وتضاربها مما جلب الحيرة عدم ثقة تتزايد وثقة تتآكل، هذه الحال بعضها أو بتركيبها راكمت بعدا إضافيا إلى تلك المواقف المختبئة أو المترددة، واستسهال إزاحة التهمة على آخر صار الغالب الأعم يسهمون في تشويه صورتهم وفعلهم وشخوصهم ويجعلون منهم الطرف القابل لأي تهمة أو أي نقيصة.

نحن نتحدث عما يمكن تسميته "الحالة النفسية الجماعية" والأمراض التي ترتبت عليها من الخوف وعدم الثقة والإسقاط وإعفاء الذات باتهام الآخرين والشماتة في الدماء وانتهاك الحريات والاعتقال، التي نشأت من جراء صناعة تآكل الثقة المتبادلة، وصناعة الفرقة، وتكريس عملية الاستقطاب، التي حاولت أجهزة دولة الفساد العميقة أن تغذى كل ذلك تمهيدا لسيطرتها وإحكام هيمنتها وتمكينها، هذه الحالة النفسية الجماعية وفى ضوء الاستهداف الأساسي من سلطة الانقلاب للتيار الإسلامي عامة خاصة الإخوان استسهل البعض من قوى شاركت في ثورة يناير في الانضمام للغة خطاب اتهامية صوبت سهامها للإخوان إلى حد اتهامهم بالخيانة وضمن خطاب معلب صار روتينيا في مفرداته وأدائه، تحول فيه الهاجس الإخواني من مجرد هواجس إلى وساوس ثم تطورت لحالة مرضية جماعية فتحولت الوساوس إلى هلاوس.

ولأن صناعة الكراهية تستهدف ضرب أي مكسب للثورة وتقوم على تشويه كل من يقترب أو يحاول إعادة روح الثورة، فإن صناع الكراهية نجحوا في خداع الكثيرين وإدخالهم في دوامة الكراهية والتشكيك إذ توقف والتفت هؤلاء عن مناقشة مشاريعهم الكبرى وحماية أهداف ثورتهم، حيث إن ثورة 25 يناير كانت ثورة جامعة شاملة لكل أطياف المصريين، في حين جرى توظيف مظاهرات 30/6 لمصلحة الحكم العسكري في انقلاب الثلث من يوليو ولدعم اتجاهات إقصائية لتيارات شاركت في ثورة 25 يناير، بما يهدد الأمن القومي المصري من جراء تدعيم استقطاب جديد تفاقم مع صناعة الكراهية الذى قد يودى بالبلاد لحافة اقتتال أهلى قد ينال من السلم الأهلى ويمزق لحمة الجماعة الوطنية ويبدد عناصر وشروط تماسكها، وقد يصل بنا الأمر إلى أعتاب حرب أهلية إذا ما استمر التصاعد عاليا في صناعة الكراهية وزراعة ألغام الانقسام والفرقة، وليس خروجًا من الأزمة.

وتنتج هذه الصناعة من الفرقة والكراهية كل يوم المزيد من الانقسام والاستقطاب وتغذى الشكوك المتبادلة وتحرق جسور التواصل وتوزع الاتهامات بالخيانة والعمالة وتُبقى الاستنفار جاثما في الصدور من خلال لغة هجاء متبادل يحمل قدرا من إذكاء حرب اللسان. ولا تقتصر منتجات هذه الصناعة على تغذية الاستقطاب السياسي. فها هي تنتج ما يصنع انقسامًا بين المصريين وتقطع أواصر العلاقات الاجتماعية وشبكيتها من ممارسة الشماتة في الدماء في مواقف غير مسبوقة، من قتل وقنص لمعارضين وأفراح ورقص لموالين.

عندما يصبح التحريض وتعميم لغة الثأر والانتقام وصناعة الكراهية ثقافة يقدمها بعض الكتاب والإعلاميين للمجتمع وعلى شكل وجبات يومية تبرز فيها بشاعة الانتهازية وسوء النزعة الأنانية وسيادة الخطاب المنافق للسلطة وعندما توظف هذه المواقف المنفلتة من الضوابط القيمية استجابة لمطالب ونوازع ومصالح شبكات الفساد ومؤسسات الاستبداد، تكون «صناعة الكراهية... الخطة السحرية لتخريب الثورة».

لا يمكننا في النهاية إلا أن نخاطب الانقلابيين وقد استخدموا الكراهية آلية سياسية: ماذا فعلتم بمجتمعاتنا؟!، أبشبكة علاقاتها الاجتماعية تستخفون؟!، وبلحمة الوطن تعبثون؟!، وبقوانين تماسك المجتمعات تستهزئون؟!، ألا ساء ما تحكمون!!.

المصدر