الصروي: رمضان أمل الأمة المتجدد .

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الصروي: رمضان أمل الأمة المتجدد

[21-10-2004]

حوار: ياسر هادي

مقدمة

في حوارنا معه أكد المهندس محمد الصروي- أحد قيادات الإخوان بالجيزة- أنَّ شهر رمضان فرصة ذهبية للدعاة لاستثمار الحالة الإيمانية المرتفعة التي يكون عليها المسلمون، وأن رمضان هو دليل على حيوية الأمة وتمسكها بدينها وكتابها، مشيرًا إلى أن التليفزيون والمساكن المتلاصقة أهم أسباب غياب فرحة الأطفال بهذا الشهر الكريم الذي كان موسم بهجة وسعادة لهم فيما مضى.

ويستعرض في حوارنا الرمضاني معه ذكرياته عن الصيام داخل المعتقلات التي قضى فيها 12 عامًا، موضحًا أنَّ شياطين الجن يكبلها الله في رمضان، أما شياطين الأنس فتتقافز داخل جهاز التليفزيون خلال هذا الشهر بالتحديد، مضيفًا أن رمضان يمثل أملاً متجددًا للمسلمين للخروج من الأزمة التي تواجهها الأمة.


نص الحوار

  • كيف تصف شهر رمضان؟
رمضان شهر ترمض فيه الذنوب؛ حيث يحرقها الله، ورمضان مراجعة سنوية للنفس الإنسانية، واستغفار عن الماضي، وهو شهر التدريب على الأخلاق الإسلامية، والحديث واضح في ذلك "مَن لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"، فهو شهر الابتعاد عن المعاصي، عن طريق تدريب النفس بالامتناع عن الحلال، ومَن ثم يصير الامتناع عن الحرام أسهل في بقية العام، وهو أيضًا شهر إعلان المسلمين تمسكهم بالقرآن في مظاهر صامتة، تقول لقوى الباطل في العالم: إن دستورنا القرآن ولا نبغي عنه بديلاً.
  • ومتى كان صيامك للمرة الاولى؟
كان ذلك في سنة 1951م، وكان عمرى 8 سنوات، وأذكر أن ذلك كان موافقًا لشهر أغسطس، وأصرت أمي على إفطاري في الأيام الثلاثة الأولى، ولكنى استطعت أن أصوم باقي ايام الشهر، ومنذ ذلك الحين وأنا اصوم رمضان كاملاً، وكان ذلك تشبهًا بالرجال من أقاربي في قريتي "ميت ياعيش" مركز ميت غمر بالدقهلية، وكان عمي يصوم رجب وشعبان ورمضان كاملةً، وكان الجو العام مشجعًا على التدين.
  • وما ذكرياتك مع رمضان في القرية؟
كنا نحرص على صلاة التراويح في المساجد 22 ركعة، وكانت الشوارع تُضاء ليلاً، فكانت فرصة للعب حتى السحور، وكان المسحراتي هو أهم مظاهر هذا الشهر؛ حيث كنا نسهر حتى يأتى بعد منتصف الليل لإيقاظ الناس، كما كانت صناعة الكنافة منتشرة في هذا الوقت، فلم نكن نعرفها في غير هذا الوقت، وأذكر أن والدي- رغم مهابته- كان يجلس أمام المنزل قبل الإفطار لإعداد طبق السلطة الذي كان يراه ضروريًّا، كما كانت أمي في آخر أيام رمضان تقيم وداعًا حارًّا على الشهر؛ حيث تأتي "بطشت"، وهو إناء معدني كبير فيه ملح وكانت تنقر عليه قائلة "وداعًا يا شهر الصيام"، كما كانت تكثر في رمضان الخيرات، وكنت ألاحظها وأنا طفل صغير، ثم بعد ذلك تعلمت الحديث الذي يدل على ذلك "هو شهر يكثر فيه رزق المؤمن".
  • ولكن لماذا لا نلاحظ نفس مظاهر الفرحة والبهجة بنفس الصورة التي كان عليها قبل ذلك؟
سكنى أهل المدينة والشقق المعلبة لم تدع الأطفال تمرح في الشوارع مثل ما كان يحدث قبل ذلك، كما أنَّ انتشار التليفزيون سبب مهم أدى لمكث الناس في منازلهم معظم الوقت.
  • وما العمل الذي يعجبك في رمضان؟
انتشار صلاة التراويح وقراءة القرآن بشكل كبير في رمضان، وتشجيع على حفظ القرآن وتوزيع جوائز على حافظيه، وهو أجمل ما يشرح صدري في رمضان، ولقد ذكرني ذلك بالعام الذي صمت فيه في رمضان 1398هـ، وكنت في الكعبة حين سمعت الأطفال حافظي القرآن في ليلة القدر، وكان كل منهم يقرأ بعض الأيات قبل استلام الجائزة، ولم يكن لي ولد، فجلست للاستماع وبكيتُ، وسألت الله أن يرزقني بولد يحفظ القرآن وله صوت جميل، فاستجاب الله دعائي ورزقني بأحمد.
  • وما الأشياء التي ترفضها في هذا الشهر؟
الأعمال الكثيرة التي يعرضها التليفزيون، فأنت ترى الشيطان متمثلاً في كل تمثيلية رمضانية تكاد تلمسه بأصابعك، فإن شياطين الجن يتكفل الله بهم، ولكن شياطين الإنس يتجولون في رمضان.


شهر رمضان داخل المعتقل

مجموعة منالإخوان أثاء محاكمات 1965
  • وكيف قضيت شهر رمضان داخل المعتقل؟
صمت رمضان في السجن 12 عامًا خلال الاعتقال الأول من 1965 حتى 1974، ومن 1995 حتى 1998، وكان السجن يشهد تخفيفًا للقيود في رمضان، وكان فرصة للتلاقي مع الإخوان، وكنا ننشغل بالقرآن والذكر والعبادة بشكل أكبر من اهتمامنا بهذه العبادات خارجه، وكأن شياطين السجن تصفد في رمضان.
  • ألم تواجهك مواقف طريفة داخل السجن خلال هذا الشهر؟
بالطبع.. فقد كان أحد الإخوان يحدث زميله في الزنزانة قائلاً: كنا خارج السجن نأكل كنافة وقطائف وجلاش، ولكن هنا لا يتوفر شيء من ذلك، فردَّ عليه الآخر مطالبًا إياه بالصبر، وأنَّ في الجنة أنهارًا من عسل مصفى شواطؤها من الكنافة والقطائف، ولم تمر خمس دقائق إلا نُودى على الأخ الأول وسلمته إدارة السجن كمية من الكنافة والقطائف جاءت له في زيارة خاصة، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف:21 ).
ومن الطرائف أيضًا ما حدث معي في عام 1995م حين شنت إدارة السجن حملة ضارية صادرت خلالها السخانات الكهربية ووسائل الطبخ، وطلبتُ من زوجتي أن تُحضر لي أسلاكًا بديلة للسخانات، فاشترت لنا 22 سلك سخان ووضعتها داخل القطائف، وأخبرتني بذلك، إلا أنني نسيت أن أخبر باقي إخواني فكان كل مَن يأكلها يكتشف وجود السلك تحت أسنانه، وأعجب الإخوان من هذا التصرف قائلين إنه لا يأتي إلا من زوجة أحد المسجونين المحترفين.
  • وما أهم ما كنتم تحرصون عليه خلال رمضان؟
قيام الليل ومراجعة القرآن كانا أهم ما نحرص عليه في رمضان، وأذكر أنني كنت أحفظ حينئذ القرآن جيدًا وأظن أنني لا أخطئ في القراءة إلى أن صليتُ وراء أحد الإخوان وهو الأستاذ عباس عبد السميع فصحح لي آية كنت أخطئ فيها منذ الصغر فانتابتني رعدة نتيجة لذلك، كما تعلمتُ الوقف في القرآن وحلاوته في رمضان آخر من المرحوم الشيخ نصر عبد الفتاح.
تبادل الزيارات بينهم بعد صلاة التراويح وهي ظاهرة طيبة، وشائعة المرور على الإخوان في الريف والأقاليم يبعث في نفوسهم أملاً كبيرًا، وكان الأستاذ عز العرب فؤاد يفطر في بيته أول وآخر ليلة في رمضان، وباقي الشهر يمرُّ على الإخوان في القرى والمدن والنجوع يفطر معهم ويتدارس شئون الدعوة.


نصيحة

  • وما هي النصيحة التي توجهها إليهم؟
أؤكد أن َّروحانيات المسلمين تكون مرتفعة في رمضان، ويجب علينا انتهاز الفرصة وإبراز حقيقة الدين وحقيقة المؤامرة على الإسلام، وكذلك تزكية روح الإخوة العامة بين المسلمين، وأنهم أمة واحدة، فالحرب عليهم ككيان واحد متماسك حتى لا يتفرقوا، فاعتبروا يا أولى الألباب، كما أنصحهم بدوام الذكر وكثرة السجود؛ لأن السجود هو أقرب الطرق إلى الله، ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ (العلق: من الآية 19).
  • رغم أنَّ رمضان شهر الانتصارات إلا أنَّ رمضان هذا العام يأتي وسط انكسارات متعددة للمسلمين في أنحاء العالم.. ما تعليقك؟
للأسف فحكامنا جعلونا مكتوفي الأيدي لا نملك سوى الدعاء باللسان، حتى المساعدات حرمونا من توصيلها، فضلاً عن المشاركة الجهادية، لكن الله جعل شرطًا لقبول القاعدين عن الجهاد والممنوعين بالقوى القهرية ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(91)﴾ (التوبة)، وفي آية آخرى وصفهم ﴿تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ (التوبة: من الآية 92)، وهو الشعور بالقدرة على المشاركة الذي يتمثل في فيض الدمع، والحزن الشديد أما غير ذلك فإن جميع المسلمين آثمون، لكنننا لن نفقد الأمل.
ولا شك أنَّ فضيلة الصيام وترك الشهوات إعلان عن قدرة المسلمين على معاودة تحدي الباطل، فالانتصار على الشهوات الجسدية، وثلث الحاجات المادية هو إعلان عن إمكانية التحرر من ضغوط المادة الذي نستذل بها، فيمكننا مثلاً الاستغناء عن ثلث القمح خلال هذا الشهر، وهي الكمية التي نستوردها من الخارج، لذلك فإن رمضان هو أهم فرصة لتفعيل مقاطعة المنتجات الأجنبية.

المصدر