الأحزاب المصرية من الداخل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأحزاب المصرية من الداخل
1907 -1992

بقلم:د. وحيد عبد المجيد

مقدمة

يكتسب مفهوم الديمقراطية في الوقت الراهن طابعا عالميا لم يسبقه إليه مفهوم سياسي آخر فقد أصبح موضع اتفاق واسع لغاية تؤكده التطورات السياسية على الصعيد الدولي منذ منتصف العقد الماضي وقبل ذلك النظرية في مختلف العلوم الإنسانية .

وفي هذا السياق كان من الطبيعي أن يتصاعد الاهتمام في مصر والعالم العربي عموما بالمسألة الديمقراطية ، وهو اهتمام شمل الدوائر السياسية والفكرية والأكاديمية في آن ولأول مرة تتفق التيارات الرئيسية العاملة في الساحة العربية ، من قومية ويسارية وإسلامية وليبرالية بمختلف تنوعاتها، على أولوية التطور الديمقراطي لكن الملاحظ أن هذا الاهتمام ما زال مركزا على مقرطة أنظمة الحكم ولا تطبق بالقدر الكافي إلى منظمات ومؤسسات المجتمع .

والواقع أنه لا يمكن للدعوة إلى تعميق التطور الديمقراطي المقيد الذي حدث في عدة دول عربية وبدء هذا التطور في غيرها ، أن تثمر ما لم تلتفت إلى الأهمية القصوى لمقرطة منظمات المجتمع وخاصة الأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعالمية وجمعيات رجال الأعمال والنوادي والجمعيات الاجتماعية وصولا في النهاية إلى المؤسسات المجتمعة الأولية من أسرة ومدرسة فهذه المنظمات هي التي تقوم بأكبر دور في التنشئة السياسية للمواطن ، الذي يتعامل معها عبر مراحل تطور حياته ومن ثم يكتسب من خلال احتكاكه بها أو انخراطه فيها تجارب وخبرات وسلوكيات ومفاهيم تؤثر سلبا أو إيجابا على العملية الديمقراطية ولذلك تعني هذه الدراسة ضمن ما تعني به بمناقشة قضية العلاقة بين الديمقراطية في منظمات المجتمع وفي نظام الحكم سعيا إلى محاولة استجلاء ما تنطوي عليه من تعقيد لكن يظل الهدف الرئيسي للدراسة متعلقا بالديمقراطية داخل الأحزاب السياسية المصر ية ، ويرجع ذلك إلى ما تتمتع به الأحزاب عموما في أى نظام تعددي كامل أو مقيد من أهمية متميزة في عملية التطور الديمقراطي فالأحزاب هي أوفر منظمات المجتمع – التي نتحدث عنها – احتواء على علاقات سلطة بين قياداتها وأعضائها كما أنها أكثر هذه المنظمات قربا من العملية السياسية .

وتعتمد هذه الدراسة على منهج مركب يشتمل على مستويين:

أولهما :- المقارنة بين الأحزاب المصر ية المعاصرة 76 -1991 وأحزاب ما قبل 1952 بدءا بالحزب الوطنيالذي نشأ عام 1907 .

• ولذلك يمكن القول لأن هذه الدراسة تقدم تحليلا للتطور الدالي للأحزاب المصر ية على مدي تاريخها لأن الفترة المستثناة من التحليل ( 52 -1976) انتفت خلالها الظاهرة الحزبية حيث لم يكن التنظيم السلطوي ذو الأسماء المتعددة في تلك الفترة حزبا سياسيا واحدا ، ومع ذلك فقد عنيت الدراسة بالتأثير السلبي لتجربة هذا التنظيم على التطور الديمقراطي للأحزاب المصر ية المعاصرة ..

ثانيهما :- المقارنة بين الأحزاب المصر ية المعاصرة الأكثر أهمية وهي تشمل الحزبين الحاكمين على التوالي ( حزب مصر العربي الاشتراكيوالحزب الوطني الديمقراطي ) وأهم أحزاب المعارضة وهي بترتيب نشأتها حزب التجمع الوطني التقدمي – حزب الأحرار – حزب الوفد الجديد – حزب العمل.

وقد حرصت على إعطاء عناية خاصة لهذا المستوي الثاني الذي يتم التطرق إليه لأول مرة من أجل سد الفراغ في المعرفة بطبيعة الأوضاع الداخلية للأحزاب المصر ي المعاصرة فلم تكن هناك دراسة سابقة حول هذا الموضوع بعكس أحزاب ما قبل 1952 التي توجد مؤلفات عدة عن أهمها فضلا عن أخري تعلق بالنظام السياسي في تلك الفتة أو بالحركة الوطنية المصر ية بشكل عام وهناك إشارات متفاوتة في معظم هذه المؤلفات للأوضاع الداخلية في الأحزاب رغم عدم وجود دراسة مخصصة لهذا الموضوع .
والسؤال البحثي الجوهري في إطار هذه المقارنة هو : من يفعل ماذا .. كيف يفعله في الأحزاب السياسية المصر ية ؟ وللإجابة عليه كان من الضروري البدء بمحاولة تطوير نموذج أولي لدراسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية اعتمادا على قراءة مقارنة للأدبيات النظرية المتعلقة بهذا الموضوع وهي محاولة أولية ما زالت في حاجة إلى تدعيم وتعميق ونرجو أن تكون هذه الدراسة بداية لذلك.

الفصل الأول مفهوم الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية

المبحث الأول الديمقراطية داخل الأحزاب في النظرية التعددية

تعتبر النظرية التعددية وما تقدمه من مناهج ونماذج نظرية أبرز إسهام معاصر في دراسة علم السياسة فهي أكثر النظريات تأثيرا على تطور هذا العلم فالمنظور التعددي في دراسة الدولة والمجتمع لا يزال يسود أدبيات علم السياسة الغربي وإن بدرجة أقل مما كان عليه الحال في الخمسينيات والستينيات عندما كان هذا المنظور يحتكر التفكير الليبرالي .

وتجدر الإشارة إلى شيوع استخدام مفهوم التعددية في أكثر من نسق علمي وفكري وخاصة في الفلسفة وعلم التاريخ ويمكن بشئ من التبسيط إيجاز هاذ المفهوم من الناحية الفلسفية في أنه ذلك المفهوم الذي يقوم على الاعتقاد في أن كل كيان في الوجود بل والوجود نفسه يتكون من أجزاء مستقلة ولكل جزء جوهره الخاص المتميز .

وتترتب علي ذلك قناعة مؤادها أن هناك أو ينبغي أن يكون هناك أشياء من المعتقدات والأفكار والمؤسسات والسياسات والاختيارات وتعارض الواحدية أو الأحدية التي تعني القول بأن ثمة مبدأ غائبا واحدا وذلك من منطلق أنه لا يمكن إدراك الحقيقة ن خلال مبدأ واحد وفي هذا الإطار تذهب النظرية التعددية السياسية إلى ضرورة وجود تنوع في القيم والممارسات والمؤسسات في الدولة والمجتمع بحيث تكون القوة موزعة بين عدد من الجماعات التي تتبادل مراكز السيطرة فيما بينهما بدلا من احتكار جماعة واحدة لممارسة القوة بصفة مستمرة .

ويمكن القول بأن رفض السلطة المطلقة للدولة واحتكار الحكم هو المعلم الأساسي للنظرية التعددية السياسية وهذا ما يفسر اهتمامها المتميز بتعدد المؤسسات والجماعات في الدولة والمجتمع من ناحية وبالتفاعلات المرتبطة بالتنافس والانتخاب وهو الاهتمام الذي يفوق أية نظرية أخري ومن هنا أيضا عنايتها بالقنوات المتعددة التي يمكن للمواطنين من خلالها التأثير على القادة السياسيين وعلى عملية صنع القرار ..

والملاحظ أن النظري التعددية لا تفرد مبحث مستقلا للديمقراطية داخل الأحزاب السياسية بشكل منفصل كلية عن هذه الديمقراطية في المنظمات غير الحكومية لكن إسهاما بارزا فيها مع ذلك يصل إلى أن إمكانات توفر الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية وجماعات الضغط السياسية تعتبر أعلي من غيرها في المنظمات الأخرى كما سيتضح في هذا الفصل .

وتجدر الإشارة إلى أن المدارس الجديدة التي ظهرت في إطار الفكر الغربي خلال العقدين الأخيرين كرد فعل لأزمة النظرية الدولة بالأساس وأهمها التعددية الجديدة واليمن الجديد.

ورغم أن لها رؤي مختلفة بشأن التنافس الحزبي وأبعاده إلا أنها لا تقدم أطروحات مخالفة لما قدمته النظرية التعددية الكلاسيكية بشأن الديمقراطية داخل الأحزاب والمنظمات غير الحكومية بصفة عامة .

أولا : الديمقراطية في الأحزاب المعاصرة

قليل هو اهتمام علماء السياسة والاجتماع التعددين بقضية الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية المعاصرة بالمقارنة مع اهتمامهم الواسع بالديمقراطية في النظام السياسي فخارج نطاق النقد الذي وجهه بعضهم لنظرية النخبة والنظرية الماركسية والذي سيعرض له الباحث في هذا الفصل تعتبر إسهاماتهم محدودة ولا تمثل نموذجا نظريا متكاملا يمكن الاعتماد عليه بشكل مباشر في دراسة هذا الموضوع وفي مجال الأدبيات التعددية لخاصة بالديمقراطية داخل الأحزاب يمكن الإشارة إلى جانبين مهمين : أولهما يتعلق بتأثير النظام الحزبي على هذه الديمقراطية والآخر يرتبط بتأثير التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية خلال العقدين الآخرين عليها .

(1) تأثير النظام الحزبي على الديمقراطية في الأحزاب المعاصرة :

تناولت الأدبيات التعددية هذا التأثير من خلال ثلاثة افتراضات أساسية:

أ‌- أن هناك علاقة طردية بين رسوخ النظام الحزبي واستقراره وبين توفر الديمقراطية داخل الأحزاب بمعني أنه كلما كان النظام الحزبي حيث ترد عليها استثناءات عديدة مرجعها أن استقرار النظام الحزبي قد يؤدي إلى تزايد قوة قيادات الأحزاب وسيطرتها فرسوخ النظام الحزبي في هذه الحالة يجعل لقيادات الأحزاب مكانة غير مشكوك بها في النظام السياسي بشكل عام الأمر الذي قد يدفعها إلى الهيمنة على أحزابها وبهذا المعني يكون عدم رسوخ النظام الحزبي أحيانا دافعا إلى توفر قدر أكبر من الممارسة على أحزابها وبهذا المعني يكون عدم رسوخ النظام الحزبي أحيانا دافعا إلى توفر قد أكبر من الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب حيث تكون القيادات الحزبية في وضع مقلقل أو مشكوك في استمراره مما قد يضعفها أمام القواعد أو يجعلها في حاجة إلى الحفاظ على تأييدها وحماسها للحزب.

ب‌- أن هناك علاقة بين طبيعة النظام الانتخابي المعمول به في إطار النظام الحزبي وبين الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية فيشير " ميركل " إلى أن الخبرة أثبتت أن نظام الانتخاب بالقائمة الحزبية يتيح لقيادة الحزب سيطرة أكبر على قواعده والعناصر النشطة بسبب تحكمها في عملية الترشيح للبرلمان ففي نظام الانتخاب بالقائمة تستطيع قيادة الحزب تحديد المرشحين الذين يضطرون إلى السعي لاكتساب رضائها لضمان الترشيح أو إعادة الترشيح خاصة وأنهم لا يستطيعون في الغالب خوض الانتخابات بعيدا عن أحزابهم إذا لم ترشحهم إلا بصعوبة بالغة، وذلك على عكس نظام الانتخاب الفردي الذي يتيح لعضو الحزب إمكانية التمرد على حزبه وترشيح نفسه بمنأي عن هذا الحزب إذا اختلف مع قيادته .

ت‌- إن التباين بين نظام الأحزاب المتعددة ونظام الحزبين الكبيرين له تأثيره على الديمقراطية داخل الأحزاب حيث تقل هذه الديمقراطية في الحزب الذي يعمل في إطار نظام الحزبين بالمقارنة مع نظام الأحزاب المتعددة ويفسر " دونليفي وأولييري " هذا التباين بأن قادة الحزبين الكبيرين يسعون بالأساس للحصول على رضا الناخبين مما يجعل برنامجيهما الانتخابيين متقاربين .

ولذلك فأيا كان الحزب الذي فوز في الانتخابات فإن برنامجه يميل إلى التعبير عن الناخب الوسطي حيث يكون الالتقاء عند هذا الناخب ضروريا لتعظيم رفاهية المواطنين وفي هذه الحالة لا تتاح لقواعد الحزب ونشطائه مناسبة للتأثير على توجهات قيادته التي تسيطر على أمور الحزب بشكل كامل تقريبا أما في نظام الأحزاب المتعددة فيكون المجال السياسي أوسع لأن عملية الالتقاء عند الناخب الوسطي تكون أقل احتمالا مما هو حادث في نظام الحزبين ولذلك تتمتع المستويات الحزبية المختلفة بنفوذ أكبر في تحديد السياسات المقدمة إلى ناخبين ويكون لنشطاء القواعد تأثير أهم على اختيار البرامج الانتخابية وانتخاب قادة الأحزاب ويصبح هذا الدور المتزايد للقواعد عاملا مهما في تقييد حركة وسلوك قادة الحزب الذين يحتاجون إلى الاحتفاظ بتأييد أعضاء حزبهم أولا بغض النظر عما إذا كانت هذه السياسات تؤدي إلى جذب المزيد من الناخبين .

لكن الواضح أن هذه الافتراضات الثلاثة تتباين في مدي مصداقيتها فالافتراض الأول الخاص باستقرار النظام الحزبي ورسوخه ينطوي على حجة منطقية قوية وتمت صياغة عبر دراسة النظم الحزبية التنافسية المفتوحة في أوروبا الغربية ولذلك فهو يصدق عليها لكن الأرجح أنه لا يصدق بالدرجة نفسها على النظم الحزبية ذات التعددية المقيدة في بلاد العالم الثالث التي تأخذ بهذا النوع من التعددية ومن بينها مصر أما الافتراض الثاني فهو أهم الافتراضات الثلاثة وأكثرها عالمية ومصداقية والأرجح أنه يصدق على مختلف أنواع التعدد الحزبي المفتوح منها والمقيد .

لكن الافتراض الثالث هو الذي يصعب فهم منطقة الذاتي وقبول تعميمه فليس صحيحا على سبيل المثال القول بأن الديمقراطية في الحزبين الكبيرين ببريطانيا أقل مما كانت عليه في أحزاب ألمانيا " فيمار" المتعددة بل العكس هو الصحيح لكن ربما يكون نظام التعدد الحزبي متميزا على نظام الحزبي الكبيرين – على الأقل نظريا – في جانب محدد من جوانب الديمقراطية داخل الأحزاب وهو وجود أجنحة فالتعدد الحزبي الواسع يشجع على نشوء الأجنحة في الأحزاب من خلال حاجة هذه الأحزاب إلى االتحالفات والائتلافات مع بعضها البعض وهي الحاجة التي تكاد أن تنعدم في نظام الحزبين الذي قد يعرف بالمقابل دوافع أخري لظهور الأجنحة وأهمها :

- وجود تقليد حزبي يعطي استقلالا ذاتيا لمنظمات الحزب في الأقاليم .

- وجود أعداد كبيرة ومؤثرة من المثقفين الذين ينزعون إلى الجدل المستمر حول مختلف القضايا التي يواجهها الحزب بما يؤدي إلى ظهور آراء وأفكار مختلفة قد تدفع إلى ظهور استقطابات داخل الحزب .

- وجود نزعة تعددية داخل الحزب تعود إلى مرحلته التكوينية بحكم تعدد القوي التي شاركت في تأسيسه .

لكن حتى إذا كانت النزعة لتكوين أجنحة أكثر احتمالا في نظام التعدد الحزبي فهي لا تكفي دليلا عاما يصلح للتعميم، والأغلب أن هذا الافتراض المشار إليه متأثر بالنموذج الأمريكي ومنطلق منه لتعميم نتائجه على نظام الحزبين رغم أن النموذج البريطاني مثلا يختلف كثيرا وينطوي على درجة مقبولة من الديمقراطية داخل الحزبين الكبيرين.

وحتى بالنسبة للنموذج الأمريكي يوجد خلاف بين الدراسيين على مدي توفر الديمقراطية داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري ولذلك فإن هذا الافتراض لا يقوم على أساس صلب ولا يصلح للتعميم حتى على نظام الحزبين الكبيرين وحده .

( 2) تأثير لتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الديمقراطية داخل الأحزاب .

من أهم إسهامات التعددية في دراسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية المعاصرة ذلك الإسهام الذي قدمه " ألان وير" حول التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي حدثت في النظم السياسية التنافسية خلال العقدين الماضيين ومدي تأثيرها على هذه الديمقراطية فيحدد وير عوامل تؤدي إلى تدعيم سيطرة القادة على الأحزاب وعزلهم عن القوانين أهمها :

• هيكل الحزب نفسه في أحزاب النخبة يعتبر من أهم العوامل التي تحرم الأعضاء من المشاركة في إدارة شئون الحزب لكن لا يعني ذلك أن هيكل الأحزاب الجماهيرية يجعل السلطة داخلها في أيدي القواعد رغم أن الكثير من الأحزاب الاشتراكية تنص على ذلك من الناحية الرسمية لكنها في الواقع لا تعرف الديمقراطية الحزبية الكاملة وإن كانت هذه الأحزاب أكثر إدراكا لكون أعضاء الحزب لهم حقوق للتأثير على بعض شئون الحزب على الأقل وأنهم ليسوا مجرد قوة عاملة حزبية.

• ما يؤدي إليه الوصول إلى الحكم من عزل قادة الحزب وتزايد الحاجة إلى وحدته للاستمرار في الحكم فتدل الخبرات على أن الأحزاب تصبح أقل عرضة للانقسام عندما تصل إلى الحكم بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل ذلك.

• التقنية الجديدة للحملات الانتخابية والتي تساعد على مركزة هذه الحملات بل وعلى شخصنتها إلى حد أن المعارك الانتخابية أصبحت تدور بين المرشحين المتنافسين وليس بين الأحزاب التي ينتمون إليها وقد جعل هذا التغيير في تكنولوجيا الحملات الانتخابية دور نشطاء الأحزاب أقل أهمية بسبب تأثير وسائل الإعلام وخاصة التليفزيون والذي يؤدي إلى مركزة العمل الانتخابي وتدعيم قيادة الحزب فيه .

• ويري وير أن هذا التطور في التقنية الانتخابية هو أهم تطور يؤثر على الديمقراطية داخل الأحزاب حيث غدا التليفزيون منافسا لنشطاء الحزب والخصائص الشخصية للمرشحين مهمة كسياسة الحزب ، ومع ذلك فهو يحذر من المبالغة في تعميم أهمية هذا التطور التقني لأن استخدام التقنيات الجديدة وأهمها التليفزيون ليس متاحا بشكل مطلق فهناك قيود على استخدامها في كثير من الدول إما بسبب الأنظمة الانتخابية التي تقيد الإنفاق الانتخابي أو لقلة الموارد المالية للعديد من الأحزاب .

وعلى هذا النحو يبدو وير أكثر حذرا في تناوله لأهمية تطور تقنية الحملات الانتخابية من " إيبشتاين" الذي أعطي منذ وقت مبكر أهمية كبري لهذا التطور الذي يضيف إليه أيضا المهارات الشخصية لقادة الأحزاب والمساهمات المالية في الحملات الانتخابية كعوامل تحد من الممارس ة الديمقراطية داخل الأحزاب وقد ذهب ايبشتاين إلى أن هذا التطور من شأنه أن يدعم نمط أحزاب النخبة التي تزداد فيها سيطرة القادة على الأعضاء على حساب نمط الجماهير بحيث يصبح النمط الأول هو النموذج الذي تقتدي به الأحزاب في المستقبل وقد بني ذلك التوقع الذي لم يتحقق على أن استخدام التقنيات الجديدة يتسق مع طبيعة أحزاب النخبة ولا يجعلها في حاجة إلى توسيع عضويتها بحيث تحل هذه التقنيات محل التنظيم ذي العضوية الواسعة وتقدم بديلا له لكن ذلك التوقع لم يأخذ في اعتباره فارقا مهما بين هذين النوعين من الأحزاب أوضحه دويتس بعد ذلك وهو أن أحزاب الجماهير ذات العضوية الواسعة تحتاج إلى التقنيات الحديثة في حملاتها الانتخابية بدرجة أقل بسبب اعتمادها على فروعها المنتشرة في أقاليم الدولة .

وذلك على عكس أحزاب النخبة التي تفتقد إلى العضوية والتي يسميها أحزاب الهيكل العظمي ولذلك تظل أحزاب الجماهير أقل تأثرا بالتطور في التقنيات الانتخابية وبالتالي لا يصبح تحولها إلى أحزاب نخبة مطروحا على الصعيد الواقعي وذلك في الوقت الذي يكون اعتماد أحزاب النخبة القائمة أصلا على هذه التقنيات أكبر .

• وعلى هذا النحو تجنب وير وعلى عكس إيبشتاين المبالغة في أهمية تأثير التقنيات الانتخابية الحديثة مدركا أن هذا التطور الذي يدفع نحو تدعيم دور قيادات الأحزاب على حساب أعضائها لا يعمل وحده فهناك تطورات أخري تدفع إلى مزيد امن الديمقراطية داخل الأحزاب الأمر الذي ينعكس فيما تشهده أحزاب عديدة من تفاعلات خلال السنوات العشرين الماضية وهو يعزي هذه التطورات إلى التغير الذي حدث في البنية الاقتصادية الاجتماعية لكثير من الدول حيث ظهرت جماعات جديدة من الطبقة الوسطي تسعي إلى إقامة هياكل سياسية تتيح قدرا أكبر من المشاركة وإلى إثارة قضايا سياسية جديدة وتعتبر هذه الجماعات أفضل تعليما من الأجيال السابقة للطبقة الوسطي وأقل استعداد لقبول الطابع النخبوي للأحزاب البورجوازية القديمة أو الطابع التراتبي للأحزاب الاشتراكية .

• ويري وير أن فشل الجماعات الجديدة في مقرطة الأحزاب التي تنتمي إليها يدفع بعضها أحيانا إلى الخروج وتأليف أحزاب جديدة تراعي فيها اعتبارات الممارسة الديمقراطية ومن الأمثلة البارزة عن ذلك فشل بعض أعضاء الحزب في أواخر السبعينات مما أدي إلى انشقاقهم لتكوين حزب جديد مع مجموعات سياسية أخري وهو حزب الخضر لكن في حالات أخري تنجح جماعات الطبقة الوسطي الجديدة في تحقيق أهدافها كما حدث مثلا في حزب العمال البريطاني الذي شهد خلال السبعينيات صراعا متزايدا بين بعض نشطاء هذه الجماعات من ذوي النزعة اليسارية وبين قياداته ذات التوجه الوسطي واليميني فقد أدي ذلك الصراع إلى إصلاح بعض الإجراءات الداخلية وتغيير بعض سياسات الحزب ويخلص وير إلى روح المشاركة الفاعلة التي دعمها نمو طبقة وسطي متعلمة وظهور أزمات سياسية أثرت على العلاقات الداخلية في كثير من أحزاب الدول ذات النظم التنافسية باستثناء بعض الدول التي لم يسمح مستوي التطور الاقتصادي والاجتماعي فيها بظهور الهياكل الطبقية الضرورية لهذه العملية كما في حالة الهند وجامايكا مثلا .

ثانيا: أهمية الديمقراطية داخل الأحزاب لاستقرار النظام الديمقراطي

هناك محاولات عديدة سعت لدراسة أنماط السلطة في المنظمات غير الحكومية في إطار علم الاجتماع الغربي مثل أعمال " شارل ميريام" وبرتراند دي جوفينيل " وحتى الاتجاه المعاصر الذي يهتم بقضية مقرطة وهذه المنظمات بالتركيز على الاتحادات العمالية والنقابات لكن ينسب إلى " هاري اكشتاين" أنه أول من اهتم بدراسة العلاقة بين أنماط الأحزاب السياسية وبين نمط السلطة الحكومية وتوصل إلى أهمية توفر الديمقراطية داخل هذه الأحزاب كضرورة لاستقرار النظام الديمقراطي أو لتوفر الديمقراطية المستقرة على حد تعبيره .

وقد انطلق إكشتاين من افتراض أساسي مؤاده أن الخبرات المتعلقة بالسلطة التي يحصل عليها الفرد في الجماعات التي يقضي بها معظم حياته كالأسرة والمدرسة والنادي والنقابة أو الاتحاد والحزب السياسي تؤثر بشكل مباشر على طبيعة النظام السياسي وتحدد ما إذا كان من الممكن وجود ديمقراطية مستقرة من عدمه ويمكن تلخيص مضمون الإسهام الذي قدمه إكشتاين في ضرورة انسجام أنماط السلطة كشط لتحقيق هذا الاستقرار وهي الضرورة التي أكدتها الدراسة المقارنة لحالتي ألمانيا في عهد جمهورية فيمار وبريطانيا .

انسجام أنماط السلطة .

ميز اكشتاين بين الاستقرار الديمقراطي وبين استمرا النظام السياسي لفترة طويلة لأن الاستمرار قد يحدث بسبب عدم كفاءة أو سوء حظ المعارضين للنظام وضرب مثالا على ذلك التكيف مع المتغيرات وعلى تحقيق طموحات سياسية وإقامة تحالفات أى أنه ظاهرة أكثر تعقيدا يكون الاستمرار مجرد جزء منها ولذلك اهتم ببحث الظروف الأكثر عمقا التي تكمن وراء استقرار النظام الديمقراطي والتي ترتبط بأنماط السلطة في الهياكل أو المنظمات غير الحكومية فكلما كانت هذه الأنماط ديمقراطي كلما أمكن بناء نظام ديمقراطي مستقر والعكس .

ويدرك إكشتين أنه من الصعب تصور مجتمع تتشابه فيه أنماط السلطة كلية لأن بعض العلاقات الاجتماعية لا يمكن التعامل معها بطريقة ديمقراطية كاملة أو مستمرة مثل العلاقات داخل الأسرة والمدرسة فاحدي الوظائف الهامة للنظام الاجتماعي وهي التنشئة الاجتماعية تقتضي الخروج بشكل أو بآخر على النط الديمقراطي وكذلك الحال بالنسبة للمنظمات الاقتصادية والمؤسسة العسكرية لكن يظل من الضروري توفر حد أدني من الديمقراطية فيها أو على الأقل توفر المظهر الديمقراطي في أسوأ الأحوال بمعني التقليد أو تمثل الديمقراطية ولذلك يجب توقع قدر من عدم التشابه بين أنماط السلطة لكن يظل الحديث عن انسجامها ممكنا إذا كان لهذه الأنماط قدر من التوافق مع بعضها البعض دون أن يعني ذلك التشابه الكامل وإنما نوع من التشابه التدريجي .

وهو يعني بذلك أن المجتمعات تتكون من هياكل تتفاوت أنماط السلطة فيها اقترابا وابتعادا عن النمط الحكومي الديمقراطي فتكون هذه الأنماط في الأحزاب أكثر قربا من النمط الحكومي وتليها جماعات الضغط ثم المنظمات غير السياسية وفي إطار هذه المنظمات الأخيرة تكون منظمات البالغين أكثر ديمقراطية من منظمات غير البالغين أى الأسرة والمدرسة وعلى هذا الأساس يتوصل إكشتاين إلى أن الحكومة تكون مستقرة في حالات ثلاث مرتبة ترتيبا تنازليا كالتالي :

• إذا كانت أنماط السلطة غير الحكومية متطابقة مع النمط الحكومي الديمقراطي أو

• إذا كانت هذه الأنماط تنطوي على نوع من التدرج في التشابه مع النمط الحكومي الديمقراطي في إطار تقسيم مناسب للمجتمع أو"

• إذا وجدت درجة عالية من التشابه في الهياكل القريبة بحكم وظائفها من الحكومة ( الأحزاب وجماعات الضغط ) مع ابتعاد ملحوظ عن الأنماط الوظيفية الصارمة في الهياكل الأبعد عن الحكومة بهدف تقليد النمط الحكومي الديمقراطي ، وتعتبر الحالة الثالثة هي الحد الأدنى لاستقرار الحكومة الديمقراطية لكنها الأكثر إمكانية للتحقيق من الناحية العملية .

(2) نموذجان لتوفر وغياب الديمقراطية المستقرة

يقارن اكشتاين بين نموذجين محددين للنظام السياسي في بريطانيا المعاصرة وفي جمهورية فيمار الألمانية خلال العشرينات وأوائل الثلاثينات

ففي حالة بريطانيا يظهر الانسجام واضحا بين نمط السلطة في الحكومة وفي منظمات المجتمع ولذلك لا يوجد في المجتمع البريطاني أى تغير واسع أو حاد في أنماط السلطة مما يساعد على استقرار النظام الديمقراطي على عكس ما كان عليه الحال في احدي أقل الحكومات الديمقراطية الحديثة استقرارا وهي جمهورية فيمار ، التي كانت أنماط السلطة فيها تختلف عن بريطانيا في أن النمط الحكومي الألماني كان ديمقراطيا بينما كانت المنظمات غير الحكومية بما فيها الأحزاب وجماعات المصالح سلطوية إلى حد كبير بالمقارنة مع بريطانيا ، ومن هنا كان طبيعيا ألا يطول بقاء جمهورية فيمار لأن الديمقراطية فيها كانت معزولة في المستوي الحكومي ورغم أنها كانت ديمقراطية واسعة لكن هذه الديمقراطية فرضت من أعلي على مجتمع تسوده علاقات سلطوية بدءا من عائلاته وحتى أحزابه السياسية

فالأسرة الألمانية كان يسودها آباء وأزواج من الطغاة وفي المداس معلمون مستبدون والشركات هيمن عليها رؤساء ينفردون بالقرار ، وكانت سلوكيات مثل العجرفة والفظاظة وحتى العنف سائدة إلى الحد الذي لا يمكن اعتبارها انحرافا عن الأنماط الطبيعية ولم تكن هناك علاقات أقل سلطوية في المؤسسات التي يمكن أن تتوسط بين الجماعات الأساسية كالأسرة والمدرسة وبين الحكومة مثل الأحزاب السياسية فعند أكشتاين يمكن تقليص التأثير السلبي للنمط السلطوي في الجماعات الأساسية إذا كانت هناك مؤسسات تتوسط أو تتدخل بينها وبين الحكومة وتتسم بعلاقات سلط مختلفة أى مؤسسات تتوسط بين الاستبداد الماثل في الجماعات الأولية وبين الديمقراطية في الحكومة بحيث لا ينتقل المواطنون دفعة واحدة من الاستبداد الشديد في قطاع الحياة إلى حيا الحرية الواسعة في قطاع آخر .

وتعتبر الأحزاب السياسية عند اكشتاين أهم المؤسسات التي يمكن أن تقوم بهذا الدور لكنها لم تقم به في جمهورية فيمار لعدم توفر الحد الأدنى من الديمقراطية داخل.

المبحث الثاني الديمقراطية داخل الأحزاب في نظريات النخبة

اقترنت نظريات النخبة في جانبها المتعلق بالتنظيم الحزبي بعالم الاجتماع الإيطالي " روبرتو ميتشلز " صاحب القانون الحديدي لحكم القلة ( الأوليجاركية) في الأحزاب السياسية والمنظمات بصفة عامة فيعتبر هذا القانون أهم تطبيق لنظريات النخبة على العلاقات داخل الأحزاب هي النظريات التي أسي أسسها كل من فيلغريد باريتو وجيتاتوموسكا" وهي تتلخص في حتمية وجود نخبة في أى مجتمع تتكون من أقلية تستحوذ على عملية صناعة القرارات المؤثرة على هذا المجتمع ورغم أن العديد من المفكرين السياسيين منذ أفلاطون ، لاحظوا انقسام المجتمع إلى أقلية حاكمة وأغلبية محكومة فلم تكن تلك الملاحظة تتجاوز رصد وجود الظاهرة لكن دون تنظيرها واعتبارها قانونا صارما ربما باستثناء " جان جاك روسو" الذي نجد عنده جذور هذا التنظير بشكل مبسط وعابر في إشارته إلى استحالة وجود حكم الأغلبية وضرورة انفراد أقلية معينة بالحكم . كما شهد القرن التاسع عشر ظهور أفكار مهدت بشكل أو بآخر النظرية النخبة مثل فلسفة البطل عند " توماس كارليل " ومبدأ التفوق ( سوبرمان ) عند نتيشه".

وقد تابع أحد الدارسين ظهور واستخدام مصطلح نخبة منذ أن ظهر في القرن السابع عشر لوصف سلع مميزة ثم امتد استخدامه ليشمل الفئات الاجتماعية المتفوقة كالنبلاء والوحدات العسكرية الخاصة، لكن أول تأصيل نظري القدرات الفردية وجله نقطة انطلاق لدراسته للتعارض بين من يملكون السلطة أى النخبة الحاكمة وبين من لا يملكونها أى الجماهير وفي الوقت نفسه كان جيتا موسكا يقيم تمييزه المنهجي بين النخبة والجماهير عبر مفهومه عن الطبقة السياسية التي تحتكر السلطة.

وقد عمل السياسة والاجتماع النخبويون على تطوير جوانب من أفكار باريتو وموسكا لكن يظل جوهر نظريات النخبة أنه في كل المجتمع لابد أن تكون هناك أقلية تحكم وأغلبية محكومة وإن هذه الأغلبية عاجزة بالضرورة عن التأثير على النخبة الحاكمة ،.

ولذلك أصبحت سلاحا في أيدي منتقدي الديمقراطية التعددية حيث يظهر التعارض بينهما في جانبين أساسيين :

أولهما: تعارض ما تؤكده نظرية النخبة من عدم تكافؤ المعطيات والمواهب الفردية مع أساس المفهوم الديمقراطي القائم على المساواة بين الأفراد .

وثانيهما: تعارض فكرة الأقلية الحاكمة مع فكرة حكم الأغلبية التي يقول بها المفهوم الديمقراطي .

1- قانون ميتلشز الحديدي

كان لميتشلز الفضل في تطبيق نظرية النخبة على المنظمات عموما والأحزاب السياسية بصفة خاصة وذلك عبر دراسته التي ركزت على الأحزاب الاشتراكية الأوروبية ولذلك اعتبره دارسو نظرية النخبة أحد أعمدة التراث التقليدي لهذه النظرية مع باريتو وموسكا .

ورغم أن ميتشلز هو الرائد النخبويين في دراسة العلاقات داخل الأحزاب السياسية فقد أشار موسكا أيضا إلى غياب الديمقراطية فيها بسبب سيطرة نخبة قوية عليها تمثل الدعامة بالنسبة لها وتوجه حملاتها الانتخابية وتختار مرشحيها للانتخابات.

وأوضح موسكا أن قيادة الحزب تمثل أقلية منظمة وموحدة وذات أهداف مشتركة بما يكفل لها القوة والقدرة على فرض رغباتها على الأغلبية غير المنظمة من أعضاء الحزب .

ومع ذلك يظل ميتشلز هو النخبوي الرائد في مجال الأحزاب السياسية من خلال قانونه الحديدي لحكم الأقلية الذي اعتبره صالحا للتطبيق على أيى أنظمة فالحديث عن التنظيم – عند ميتشلز – يعني الحديث عن حكم القلة .

قام إسهام ميتشلز على إثبات استئثار نخبة صغيرة بالسلطة داخل أى حزب سياسي وذلك في إطار بناء نظري يحدد آليات سيطرة القلة على الحزب فينطلق ميتشلز من أن هذه السيطرة تبدأ من الحاجة إلى اختيار ممثلين مفوضين من أعضائه الذين يستحيل جمعهم كلهم في وقت واحد وكان الذي حدث هو تشكل طبقة من السياسيين المحترفين والفنيين ذوي الخبرة والكفاءة استحوذت على هذه السلطة ، وأصبح هؤلاء القادة متمتعين باستقلالية عن الأعضاء بدلا من أن يكونوا الأداة التنفيذية للإرادة الجماعية .

فبقدر ما تتعقد آلية أى تنظيم ويزداد عدد أعضائه وتتضخم موارده وتنشر صحافته بقدر ما تتضاعف سيطرة القلة ويصبح حق الرقابة المعترف به للأعضاء قليل الفاعلية والتأثير وبذلك تقليص دور الأعضاء إلى حد الاكتفاء ببيانات مختصرة تقدم إليهم بين الحين والآخر عن أوضاع الحزب ويعتاد زعيم الحزب عندئذ إنجاز معظم الأمور الأساسية بمبادرته ودون الرجوع إلى القواعد وبذلك تضيق دائرة الرقابة الديمقراطية إلى الحد الأدنى الذي لا يعتد به فتقسيم العمل يفرض نفسه وتتم تجزئة الاختصاصات ويتشكل نظام بيروقراطي تتوزع فيه الوظائف وفقا لترتبيه يفرضها العمل المنتظم لآلة الحزب .

ويخلص ميتشلز من دراسته إلى أن تجمع السلطة في أيدي عدد محدود من الأشخاص يؤدي بشكل محتم إلى انتهاكات عديدة ولا يترك مجالا للحديث عن الديمقراطية داخل الأحزاب حيث يصبح زعماء الحزب أسيادا ويتحمل الحزب عبء سيطرة قيادته بما في ذلك الأحزاب المعارضة التي ترفض الانتهاكات التي ترتكبها سلطة الدولة بل إن أعضاء الحزب يصبحون أحيانا من هذا المنظور أكثر خضوعا لقادتهم من حكومتهم ويتبع بعض قادة الأحزاب في إدارة الصراع مع معارضيهم أساليب لا تختلف عما تستخدمه نظم الحكم في صراعاتها ضد من تسميهم ( العناصر المخربة ) بما في ذلك المصطلحات التي تلجأ إليها هذه النظم والاتهامات التي توزعها والحجج التي تبتكرها للدفاع عن الترتيب القائم للسلطة .

ولا يوجد – عند ميتشلز – اختلاف بين الحالتين سوي التباين بين تنظيم اختياري ( الحزب) يملك المرء تجاهه حرية الانتساب وبين تنظيم قسري ( الدولة ) لا يمكن التخلص أو الانسحاب من عضويته وبذلك تتقلص الديمقراطية داخل الأحزاب إلى حدود الحق الذي يتمتع به الأعضاء في انتخاب الزعماء في فترات محددة يتلوها تقديم الطاعة المطلقة لهم..

2- إضافات ديفرجيه

يعتبر العالم الفرنسي موريس ديفر جيه أول درس للأحزاب السياسية يعطي أهمية قصوى لتنظيماتها ، وهو أول من ميز بين الأحزاب على أساس تنظيمها ، فالأحزاب عند لا تعرف ببرامجها أو بالطبقة التي تتبعها وإنما بطبيعة تنظيماتها فالأحزاب المعاصرة تتميز قبل كل شئ بتنظيماتها

وقد أسهم ديفر جيه بجهد وافر في تطوير الأفكار التي قدمها ميتشلز عن سيطرة القلة على أى حزب سياسي وأعطاها أبعادا أكث تعقيدا فقد وضع

ديفر جيه كتابه الرئيسي عن الأحزاب السياسية بعد حوالي أربعة عقود على كتاب ميتشلز ووصف ديفرجيه هذا الكتاب بأنه كتاب صغير ممتاز وصف فيه ميتشلز بتعابير لا تزال عصرية إلى اليوم الميول الاوليجاركية في التنظيمات الجماهيرية

لكن ديفرجيه تميز بتحليله للسمة المزدوجة للأحزاب وهو يقصد بها المظهر الديمقراطي والواقع الأوليجاركي حيث ذهب إلى أن سمة جميع الأحزاب باستثناء الأحزاب الفاشية التي تجرؤ على الاعتراف صراحة بما تمارس ه الأحزاب الأخرى خفية .

وهو يفسر ذلك بأن الديمقراطية لم تزل هي العقيدة المسيطرة كمصدر للشرعية ولذلك تضطر الأحزاب إلى أخذها بعين الاعتبار فتسعي للظهور بمظهر ديمقراطي لكن الضرورات العملية تحملها على تطبيق العكس فنلاحظ أن الأوتوقراطية المعلنة بمعني اختيار القادة عن طريق التعيين من أعلي هي الاستثناء وهي توجد في الأحزاب الفاشية أو الشبيهة بها حيث تحل رغبة ( الفوهرر) محل الانتخاب كأساس للشرعية لكن يسعي القادة في الأحزاب ذات المظهر الديمقراطي لتطوير الأساليب التي تمكنهم من الحصول على طاعة الأعضاء إن بالإقناع أو بالإكراه .

كما تم إقرار القمع في الأحزاب بصورة تدريجية من خلال نظام عقوبات متكامل منها ما هو أدبي مثل اللوم أو مادي مثل الإيقاف والطرد . لكن الإقناع هو الذي عمل أكثر من عملت العقوبات على تنمية الطاعة التي أصبحت في بعض الأحزاب منبع التضامن إلى حد أن يعلن الحزب الشيوعي الفرنسي فتح صفوفه أمام كل من يحترم نظام الحزب حتى لو لم يشاركه مفاهيمه الفلسفية الأم الذي يوضح مدي أفضلية الانضباط الحزبي والطاعة.

3- النقد التعددي والماركسي لنظريات النخبة:

تصدي بعض علماء السياسة والاجتماع التعددين بالنقد إلى ما طرحته نظريات النخبة من أفكار وخاصة طروحات ميتشلز لتعارضها الجوهري مع النظرية التعددية كما انتقد بعض المفكرين الماركسيين المعاصرين لميتشلز قانونه السابق الإشارة إليه .

أ‌- النقد التعددي لنظريات النخبة :

تعرضت نظريات النخبة في مجال الديمقراطية داخل الأحزاب وبصفة خاصة قانون ميتشلز لانتقادات متعددة من بعض العلماء التعدديين .

نقد ليبست

في مقدمة لإحدى طبعات كتاب ميتشلز السابق الإشارة إليه أخذ "ليبست" على القانون الحديدي لحكم القلة الذي يعتبر أبرز إسهام نخبوي في مجال الديمقراطية داخل الأحزاب عددا من أوجه القصور يمكن تلخيصها في النقاط التالية :

• إنه ينظر فقط إلى الجانب التقييدي السلبي للبيروقراطية في المنظمات بينما يخفق في إدراك دورها كوسيلة يمكن لهذه المنظمات أن تنجز من خلالها أهدافا مرغوبة .

• إنه قانون مبالغ في حتميته رغم صعوبة تعميمه بسبب وجود تباينات هامة في الهيكل التنظيمي للأحزاب السياسية المختلفة .

• إنه لا يفصح عن كيفية التأكد من وجود خلاف بين مصالح وأهداف كل من القيادة ولأعضاء فقد بني ميتشلز جانبا هاما من تحليله على أن التحول إلى اليمين الذي اتجهت إليه بعض الأحزاب الاشتراكية كان يعكس قدرة القيادة ذات التوجه المحافظ على الانحراف عن مصالح وأهداف الأعضاء ..

ويشير ليبست هنا إلى رسالة قدمت إلى جامعة كولومبيا عام 1951 وتثبت على العكس أن أهداف أعضاء هذه الأحزاب هي التي تغيرت أو لا بفعل التحسن السريع الذي طرأ على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعي للطبقة العاملة الألمانية في العقدين السابقين على الحرب العالمية الأولي مما جعل للأيديولوجية الثورية التقليدية التي كانت قيادة الحزب تتبناها استجابة ضئيلة ..

• إن هذا القانون لا يجيب على سؤال بالغ الأهمية وهو : إذا كان قادة المنظمات غير الحكومية محافظين ويسعون إلى تحقيق مصالحهم فحسب ، فمن أين لهم إمكانية التعامل مع القضايا الكبرى ؟ .. والإجابة غير المباشرة التي قدمها ميتشلز من خلال إشارته إلى القادة الكاريز ميين المتفوقين وذوي المؤهلات غير العادية لا تفيد كثيرا فضلا عن أنها أدت به بعد ذلك إلى تأييد موسوليني والفاشية .

• إن المشكلة في هذا القانون وفي نظرية النخبة بصفة عامة هي في تحديد المقصود بالديمقراطية فليس هناك خلاف على أن الديمقراطية بمعني نظام لصنع القرار يشارك فيه جميع أعضاء الأحزاب أو المنظمات بدور نشط ومستمر تعتبر مستحيلة ولذلك فثمة حاجة إلى فهم أكثر واقعية لإمكانات الديمقراطية في مجتمع معقد يحول دون الانزلاق إلى اعتبار أن سلوك أيى قيادة لا يمكن فهمه إلا بمنطلق المصلحة الضيقة والهيمنة والامتيازات .

2-نقد دائلدر

تناول " هاتز دائلدر" قانون ميتلشز بالنقد من زاوية أنه يرتكز على ثلاث أطروحات زائفة وهي :

• الخلط بين عدم المساواة في النفوذ بين القادة والأعضاء وبين حكم القلة ( الأوليجاركية)

• افتراض وجود صلة مباشرة وإلزامية بين الأصول الطبقية العليا والوسطي للسياسيين في جميع الأحزاب وبين حكم القلة الأمر الذي ينطوي على مغالطة مؤكدة.

• وهم الحتمية الذي يدفع إلى استنتاج خاطئ موداه امتلاك الذين يقومون بوظائف حيوية لقوة مطلقة .

• وقد ناقش دائلد كلا من هذه الأطروحات على النحو التالي :

عدم المساواة لا يعني حكم القلة فقانون ميتشلز لا يقدم دليلا جديا على السيطرة الدائمة للقلة في الأحزاب السياسية لأنه لا يجيب على أسئلة أكثر أهمية من التي طرحها مثل : هل يكون القادة متحدين دائما عندما يتعرضون لضغوط من أسفل وهل هم بالضرورة غير قابلين للمحاسبة والإزاحة وإلى أى مدي وتحت أى ظروف يمكنهم الاستغناء عن الرأي العام وعن اعتبارات مصلحة حزبهم .

فالإجابة على هذه التساؤلات تعتبر بمثابة معايير يجب الاحتكام إليها لمعرفة مدي وحدود عدم المساواة في النفوذ داخل الأحزاب .

وذهب دائلدر إلى أن نظرية النخبة في مجال الأحزاب السياسية تحاول تعميم خبرات دون أن تهتم بالبحث المدقق عن درجات النفوذ الذي يمارس ه القادة على أتباعهم ومدي اختلافها من حزب لآخر ومن نظام حزبي لغيره .ب- الأصول الاجتماعية والانحياز الطبقي : يري دائلدر أن سيطرة عناصر من الطبقة العليا والوسطي على جميع الأحزاب بما في ذلك الأحزاب العمالية ليس دليلا بالضرورة على النزوع إلى حكم القلة في هذه الأحزاب وإنما هو مؤشر على أن المجتمعات الأوروبية لا تزال بعيدة عن المساواة في الفرص بين الطبقات الاجتماعية المختلفة وخاصة فيما يتعلق بمسائل التعليم ويميز دائلدر بين هذه الطبقية في قيادة الأحزاب وبين حكم القلة على أساس أن الأصل الاجتماعي لا يحدد الميول السياسية فهناك سياسيون من أصول عمالية قد يكونون أكثر محافظة من نظرائهم المنحدرين من طبقات عليا والعكس فرغم أن السياسة تتأثر بالعوامل الطبقية إلا أنها لا تعتمد سببيا عليها وفي العادة تكون النخبة السياسية أو النخب المتنافسة المكونة من أشخاص من الطبقة العليا أكثر استعدادا للاستجابة للضغوط القادمة من أسفل ..

ث‌- وهم الحتمية يري دائلدر أن تصور وجود قوة مطلقة لأية جماعة لكونها تقوم بوظائف لا غني عنها ينطوي على وهم سواء كانت هذه الجماعة في المجتمع أو في الحزب السياسي وهو يطرح السؤال التالي : هل تعتبر هذه الجماعات متجانسة بشكل كاف لكي تستثمر موارد القوة الكاملة لما يبدو أنه وضع استراتيجي تتمتع به وما هي القوي المضادة التي تمنعها من تحقيق ذلك ويقول أن نظرية النخبة تقفز دون سبب كاف من الرؤية الصحيحة لكون القيادة لا غني عنها للتنظيم الواسع إلى الرؤية الخاطئة القائلة بأن هذا الوضع يعطي احتكار قوة لقيادة بعينها .

4- نقد دال يعد " روبرت دال" من أهم العلماء التعدديين الذين تصدوا لنظرية النخبة بشكل عام وأن لم يعط اهتماما خاصا أو مركزا لأطروحات هذه النظرية في مجال العلاقات داخل الأحزاب السياسية فعلي عكس ليبست ودائلدر لم يركز دال في نقده على قانون ميتشلز وإنما على أفكار " رايت ميلز" في كتابه " نخبة القوة" الصادر عام 1951 و"فلويد هانتر" في كتابه " هيكل القوة في المجتمع " الصادر عام 1953 ومع ذلك لم يقصر دال نقده على نظرية النخبة في النظام السياسي .

وإنما جعله شاملا لكل منظمة تقوم بإصدار قرارات وقد انطلق نقد دال من أن بعض الناس يعتقدون أنهم يسيطرون على مقاليد الأمور مثل العائلات القديمة ورجال البنوك ومجلس المدينة ورؤساء الأحزاب وأن لهذه النظرة قبولا واسعا لأنها بسيطة وتبدو كما لو كانت واقعية كما أنها تتميز على غيرها من التفسيرات البديلة بأنها صيغت على نحو يجعلها في غير حاجة إلى إثبات بحيث يكون على كل من يجادل فيها أن يثبت عدم صحتها وهذا يجعلها في غير حاجة إلى إثبات بحيث يكون على كل من يجادل فيها أن يثبت عدم صحتها وهذا يجعلها نظرية شبة ميتافيزقية ،

ولكي يمكن القول بأن هناك نخبة حاكمة لابد أن تكون هناك جماعة مسيطرة لا تمثل أغلبية ولم تتبوأ مكانها وفقا للقواعد الديمقراطية ويجب أن تكون تفضيلات هذه الجماعة هي السائدة دائما في كل حالات الخلاف حول القضايا الأساسية ويجب أن يكون تركيبها محددا بدقة من حيث أعضائها ومراكزهم وطبقاتهم الاجتماعية وأدوارهم وعلى هذا الأساس يشير دال إلى عدد من الاختبارات غير الصحيحة التي لا تفيد في هذا المجال .

أولها: يخلط بين النخبة الحاكمة وبين الجماعة التي لديها إمكانية عالية للسيطرة فودود إمكانية للسيطرة لا يعني السيطرة الفعلية.

ثانيها: يخلط بين النخبة الحاكمة وبين مجمعة من الأفراد لديها نفوذ أكثر من غيرها ففي كل منظمة يكون لبعض الأفراد نفوذ أكثر من غيرهم لأن المساواة السياسية الكاملة هي أحد أكثر الأهداف الإنسانية مثالية لكن من المغالطة القول غياب هذه المساواة يعني وجود نخبة حاكمة .

وثالثها: يجنح إلى التعميم انطلاقا من مجال واحد للنفوذ .

فالجماعة التي تملك نفوذا في مجال معين لا تستطيع بالضرورة ممارس ة نفوذ مماثل في مجالات أخري .

ولذلك يطرح دال اختبارا يعتبره أكثر دقة وهو : هل تسود تفضيلات جماعة معينة في كل أو تقريبا كل الحالات التي يحدث فيها خلاف ؟

فما لم يحدث ذلك يكون افتراض وجود نخبة حاكمة هو افتراض زائف والتحقق من هذا الافتراض يقتضي أن تكون النخبة المفترضة محددة جيدا وأن تكون هناك عينة عادلة من الحالات تشمل قرارات سياسية أساسية تختلف فيها تفضيلات هذه النخبة المفترضة مع غيرها من الجماعات وأن تسود تفضيلاتها بشكل منتظم في هذه الحالات .

و لا يدعي دال أن البحث الضروري لمثل هذا الاختبار أسهل تماما ولكنه لا يقبل افتراض وجود سيطرة مطلقة محددة في مجتمع أو منظمة دون الاستناد إلى اختبار دقيق ..

ب‌- النقد الماركسي لنظريات النخبة :

ظهرت أول محاولة ماركسية للرد على ميتشلز بعد صدور كتابه بقليل وقام بها المفكر الماركسي المعروف نيكولاي بوخارين " الذي انطلق من تقدير أهمية ما توصل إليه ميتشلز في قانونه الحديدي لحكم القلة ، ولذلك لم يكن رد بوخارين يدخل في إطار النقد الجوهري لهذا القانون بقدر ما كان محاولة لتأكيد إمكانية تجنب انطباق هذا القانون على المجتمع الاشتراكي ..

فالواقع أن النظرية الماركسية لا تواجه مشكلة مع نظريات النخبة إلا فيما يتعلق بهذا المجتمع دون غيره من المجتمعات التي تتفق النظريتان على أنها تنقسم إلى قلة حاكمة وأغلبية محكومة غم اختلافهما في تحليل طبيعة هذا الانقسام .

وقد لجأ بوخارين في محاولته لاستبعاد المجتمع الاشتراكي من أحكام قانون ميتشلز إلى الفكرة الماركسية التقليدية القائلة بان تحويل علاقات الإنتاج وتصفية الرأسمالية من شأنه أن يطلق طاقات الجماهير لتصبح أكثر قوة من أى جهاز في الدولة أو الحزب وركز على تعنيه الاشتراكية من تغيير وضع الطبقات الدنيا وتخليصها من اعجز الذي اعتبره أساس خضوعها لحكم القلة فعندما ينتهي هذا العجز لن يكون بمقدور أية جماعة الهيمنة على المجتمع الاشتراكي مع التأكيد على أن هذا العجز هو نتائج ظروف اقتصادية وتقنية معينة تعبر عن نفسها في الثقافة العامة والأوضاع التعليمية وتوقع بوخارين أن يشهد المجتمع الاشتراكي إنتاجا غزيا للتقنيين والمنظمين الأمر الذي حول جون استقرار أية جماعة تريد أن تستأثر بالحكم ..

ومع ذلك تجدر الإشارة إلي أن بوخارين لم يكن متفاقلا تماما وإنما تضمن تعليقه على قانون ميتلشز قدرا من الحذر وخاصة بشأن احتمال بروز عناصر تميل إلى الاستئثار بالسلطة لكنه أشار إلى أن هذا الاحتمال يحد منه النمو المستمر في القوي المنتجة وإلغاء احتكار التعليم كما اتجه بوخارين في بعض مواضع تعليقه إلى التحذير الصريح الذي اتخذ شكل التأكيد على ضرورة أن يجد المجتمع الاشتراكي طريقا للحد من استقرار الجماعات الحاكمة ولتدعيم عملية ترقية الطبقات الكادحة بصفة مستمرة من خلال التعليم والتنمية الاقتصادية حتى توجد دائما خارج جهاز الحكم قوي تتميز بالوعي السياسي والأهلية للمشاركة في الحيلولة دون انفراد الإداريين بالسلطة .

وعلى هذا النحو يتضح أن يوخارين لم يد على تحليل ميتشلز لهيكل السلطة في الأحزاب الاشتراكية التي تعمل في المجتمع الرأسمالي .

بل وينطوي تعليقه على قبول ضمني بهذا الجانب من تحليل ميتلشز من خلال اهتمامه بتأكيد أن عجز الجماهير سيجد نهايته مع تصفية الرأسمالية بما يعني الإقرار بوجوده قبل هذه التصفية وبالتالي الإقرار بما يؤدي إليه من حكم القلة ويتسق ذلك مع رؤية لينين أيضا للجماهير في المجتمع الرأسمالي فعند حديثه عن التنظيم الثوري نجده يؤكد على ضرورة أن يكون تنظيما صغيرا من الثوريين المحترفين يقود الجماهير التي يصفها بأنها غير مؤهلة لمعرفة الطريق الصحيح بدون توجيه .

ومن أهم التعليقات الماركسية الأخرى على ميتشلز تعليق " سيدني هو" الذي انطلق على أن التنظيم لا يؤدى بالضرورة إلى نشوء قلة حاكمة أو طبقة جديدة لأن الأمر يتوقف بالأساس على ملكية الموارد الاقتصادية وليس على موضوع التنظيم ذاته ، وكانت حجة هوك الأساسية أن قانون ميتشلز يقوم على افتراضات مستقاة من فترة محددة ولا يصح تعميمها ، والأهم من لذلك أنه لا يمكن اعتبارها صحيحة في المجتمع الاشتراكي الذي تتغي فيه طبيعة القيادة السياسية فلا تعد معتمدة على القوة الاقتصادية ففي المجتمع الرأسمالي توجد تقاليد وثقافة ونظام تعليمي مما يغذي الاتجاه إلى الهيمنة من ناحية ويحد من اهتمام الجماهير بالأمور العامة من ناحية أخي أما في المجتمع الاشتراكي فالقيادة السياسية ذات الطبيعة الإدارية لا تنطوي على ممارسة قوة اقتصادية ولا تسعي إلى توجيه التعليم تحو تدعيم الاتجاهات الاجتماعية والأخلاقية المؤدية إلى حكم القلة وخاصة مع إلغاء الاحتكار الطبقي للتعليم فضلا عن إلغاء تقسيم العمل إلى يدوي وذهني بالتالي يصبح الخطر الذي يعبر عنه ميتشلز بعيدا المجتمع الاشتراكي .

وعلى هذا النحو يمكن القول بأن رد الماركسيين التقليديين على قانون ميتشلز كان يعبر عن قلق أكثر مما يدخل في إطار التصدي لنظرية النخبة كما فعل التعدد يون .

والملاحظ أن عقد السبعينيات شهد ظهور منظور ماركسي جديد يلتقي مع نظرية النخبة في تحليله لقضية الديمقراطية داخل التنظيمات العمالية في المجتمع الرأسمالي فهو ينطلق من القدرة اللامتناهية للمؤسسات الرأسمالية على التأثير على العمليات التنظيمية الداخلية لهذه التنظيمات ويمكن تلخيص مضمون هذا المنظور الماركسي الجديد في أن النفوذ القوي للمؤسسات الرأسمالية على العلاقات العمالية يجعل قدرة الإدارة على جذب القيادات تقف في الوسط في عملية شد الحبل بين القواعد العمالية والإدارة وأن ميول هذه القيادات يتوقف على توازن القوي بين العمال والإدارة لكن توازن القوي مختل بالضرورة لصالح الإدارة التي تملك رأس المال مما يمنحها قبضة قوية دائما على العمال وقياداتهم في النشاط اليومي للإتحاد فالنظام الإنتاجي السائد هو الملكية الخاصة التي تستحوذ عليها أقلية صغيرة ومن ثم يكون السعي للربح هو المحرك الأساسي لناشط الإدارة وفي مواجهة هذه القوة الاقتصادية المركزة فإن الأغلبية العظمي التي تعتمد على عملها من أجل العيش تكون في وضع أضعف بشكل لا يمكن تجنبه .

ويذهب هذا التحليل الماركسي إلى أن السيطرة الاقتصادية لرأس المال على الاتحادات العمالية يدعمها عاملان تناولهما " هايمان وفيراير " بالتحليل :

أولهما: أن الرأس المال مدخلا طبيعيا إلى الأجهزة القمعية للدولة .

وثانيهما: أن القوة السياسية والاقتصادية غير المتساوية تعطي رأس المال نفوذا جوهريا في عمليات التشكيل الإيديولوجي وبالتالي تعطي المشروعية لسيطرتها وتمنع أى تحد فعال من جانب العمال .

المبحث الثالث الديمقراطية داخل الأحزاب في الماركسية – اللينينية

تنظر الماركسية اللينينية إلى قبضة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية من خلال مبدأ المركزية الديمقراطية ويرتبط هذا المبدأ بدور الحزب الذي يعتنق تلك النظرية أى الأحزاب الشيوعية بالأساس سواء التي تعمل في ظل نظام سياسي تعددي – تنافسي أو سلطوي أو التي تسيطر على السلطة فيما يطلق عليه النظام الشمولي .

ويتلخص دور الحزب في النظرية الماركسية اللينينية في انه طليعة الطبقة العاملة والقائد السياسي لكفاحها الطبقي وأداتها لبناء الاشتراكية والشيوعية فالحزب بهذا المعني تعبير سياسي عن مصلحة طبقية محددة وبالتالي فهو يضم الأفراد الذين تجمعهم هذه المصلحة ومن هنا أهمية وحدة الإرادة داخله والتي يسميها فلاديمير لينين بالانضباط الحديدي وهي لا تعني انتقاء وجود آراء مختلفة داخله وإنما تعني أن يكون القرار في النهاية واحدا وملزما بعد المناقشات عرض مختلف الآراء وتعتبر المركزية الديمقراطية بمثابة المبدأ التنظيمي الأساسي الذي يعبر عن هذا المعني .

(1) مبدأ المركزية الديمقراطية

يقصد بهذا المبدأ من الناحية النظرية الجمع بين المركزية والديمقراطية داخل الحزب في آن واحد أى تأمين تطبيق القرار الذي يتم التوصل إليه بعد مناقشات مفتوحة على كل المستويات بطريقة صارمة لكن بموافقة القاعدة .

وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ المركزية الديمقراطية تم إقراره رسميا لأول مرة في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي عام 1903 كحل وسط بين دعاة المركزية الكاملة باعتبارها ضرورة لتوحيد كل القوي وتوجيهها نحو هدف واحد وعلى رأسهم لينين وبين دعاة إعطاء أعضاء الحزب حق التأثير في سياسته مثل " مارتوف وتروتسكي واكسلرود" وانتهي إلى إقرار مبدأ المركزية الديمقراطية على أساس أن وحدة الإدارة داخل الحزب لا يمكن أن تتكون إلا ديمقراطيا عن طريق المشاركة الجماعية ومقارنة الاقتراحات والآراء المختلفة واختيار القرارات الصالحة ومع ذلك فثمة مؤشرات على أن المناقشات داخل الحزب ظلت حرة بل وحادة حتى عام 1921 ورغم أن وجهات نظر لينين كانت هي التي تنتصر دائما فقد كان هذا يتم عبر الجدل وليس بالتزوير أو القوة لكن المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوفيتي في مارس 1921 تم حظر الخلاف في الرأي وإدانة نشاطات الأجنحة والانحراف الأيديولوجي ثم شهد عهد ستالين القضاء على أى نوع من الخلاف داخل الحزب إلى حد اعتباره نوعا من الخيانة .

(2) تطوير المركزية الديمقراطية ( النموذج السوفيتي)

تعرض تطبيق مبدأ المركزية الديمقراطية لانتقادات عديدة في بعض الدول التي طبق بالأحزاب الشيوعية الحاكمة فيها وقد امتد هذا النقد إلى داخل الحزب الشيوعي نفسه في بعض الأحيان كما حدث في الاتحاد السوفيتي بصفة خاصة ويعتبر هذا النقد أحد أهم الأسس التي انطلقت منها سياسة إعادة البناء ( البيروسترويكا) في الاتحاد السوفيتي وقام هذا النقد على أساس مقولة السكرتير العام الأخير للحزب الشيوعي وصاحب هذه السياسة " ميخائيل جورباتشوف" بأن مبدأ المركزية الديمقراطية استعيض عنه إلى درجة عالية بالمركزية البيروقراطية وقد فسر ذلك بأن المنظمات الحزبية القاعدية والشيوعيين العاديين فقدوا الإمكانات الفعلية للتأثير في مضمون نشاط الحزب .

لذلك حظيت قضية الديمقراطية في الحزب باهتمام كبير في إطار عملية الإصلاح الديمقراطي قبيل تفكك الاتحاد السوفيتي فكانت هناك دعوة قائمة منذ بدء عملية " البيوسترويكا" إلى ( أغناء محتوي المركزية الديمقراطية بنشر الديمقراطية داخل الحزب وتوسيع مشاركة كل عضو ) وفقا لما ورد في تقري اللجنة المركزية للحزب إلى المؤتمر السابع والعشرين الذي انعقد في فبراير 1986

وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب الأساسية التي ركزت عليها قرارات " الكونغرس" التاسع عشر في مجال الديمقراطية داخل الحزب الشيوعي السوفيتي وهي :

- إشاعة الديمقراطية في المنظمات الحزبية القاعدية بما يتيح لها قدرا مناسبا من الاستقلالية ويخلصها من التلقين من المنظمات الأعلى في كل صغيرة وكبيرة .

- والتغلب على سلبية جزء من أعضاء الحزب بخلق الظروف الكفيلة بحفزهم على المشاركة والعمل الفعال .

- تطور عملي الانتخاب داخل الحزب على جميع المستويات بما في ذلك اللجنة المركزية الاتحادية وذلك بتوفير الفرص للمناقشة من خلال ترشيح عدد من المرشحين يفوق عدد المقاعد وضمان المناقشة الوافية للمرشحين والاقتراع السري .

- ضرورة ضمان التعاقب على القيادة الحزبية .

وهكذا شهداهم حزب قام على مبدأ المركزية الديمقراطية محاولة لتطوير هذا المبدأ لتلافي العوامل التي أدت إلى غياب الديمقراطية عند ممارس ته في الواقع لكن لم تحقق هذه المحاولة نجاحا ملموسا وبقي الحزب الذي تكرست أجهزته مفتقدا إلى القدرة على التجديد مما جعل عملية إنهاء وجوده عقب فشل محاولة الانقلاب في أغسطس 1991 بالغة اليسر .

(3 ) النقد التعددي للماركسية – اللينينية

تعرض الاجتهاد الذي قدمته الماركسية في الديمقراطية داخل الأحزاب والذي يقوم على مبدأ المركزية الديمقراطية لانتقادات من جانب بعض العلماء التعددين ويوجد اتجاهان واضحان في تقويم النظرية التعددية لمبدأ المركزية الديمقراطية : أحدهما لا يري فيه أى قدر من الديمقراطية ابتداءا بينما يري الآخر أنه لا يخلو من قدر محدود أو حتى ضئيل من أحد جوانب الديمقراطية وهو وجود المعارضة وفيما يلي عرض موجز لبعض الأدبيات المعبرة عن كل من هذين الاتجاهين ..

1- الاتجاه الأول وهو الغالب في الفكر التعددي وينطوي على قدر من التباين الكمي في نظرته إلى المركزية الديمقراطية فهناك المنظور الذي يستبعد نظام الحزب الواحد من دراسة الأحزاب من الأصل وبحكم التعريف على أساس افتقاده إلى المنافسة حتى في داخله ولأن الديمقراطية و المركزية نقيضان لا يمكن أن يلتقيا لأنهما في صراع أزلي .

وينطلق هذا المنظور من اعتبار الحزب بمثابة نظام للحركة يسعي للوصول إلى الحكم ويدخل في علاقاته انتخابية تنافسية مع أحزاب وينظم العلاقات داخله ومع أنصاره ويتسم بطبيعة مفتوحة ومتعددة الأجنحة وكل ذلك لا ينطبق على الأحزاب الشمولية المغلقة التي تقمع روح التعددية داخل الحزب .

لكن هناك منظورا تعدديا آخر في إطار هذا الاتجاه يمكن اعتباره أقل إطلاقية وهو يتفق مع المنظور السابق في أن المركزية الديمقراطية تؤدي إلى مركزية بدون ديمقراطية لكنه يصل إلى هذه الخلاصة عبر مناقشة الأسس التي تقوم عليها المركزية الديمقراطية وليس باستبعاد مناقشتها من الأصل ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى مناقشة " كارل دويتش" التي ركزت على العناصر التالية :

- إن عضوية الأحزاب التي تقوم على المركزية الديمقراطي هي عضوية مقيدة حيث يضطر الراغب في الحصول على هذه العضوية لأن يخدم فترة كمرشح تحت إشراف احدي الوحدات الأساسية .

- إن التوازن مفتقد بين الممارسة الديمقراطية لأعضاء الحزب ومندوبيهم المنتخبين من أسفل وبين الإشراف والتوجه المركزي من أعلي وبالتالي ينتفي المنطق الذي تقوم عليه المركزية الديمقراطية فالممارسة العملية تثبت أن سكرتارية الحزب وحدها هي التي تعمل طوال الوقت وتفرض مواقفها على أجهزته مما أدي إلى تحويل دكتاتورية البروليتاريا إلى دكتاتورية سكرتارية الحزب .

- إن تغلغل الحزب في كل مستويات الحكومة يدعم قوته ويؤكد سيطرة قيادته على أعضائه بالإضافة إلى هيمنتها على بقية الشعب .

- كما قدم " ليون بارادات" مجموعة من الأفكار لتأكيد أن مبدأ المركزية الديمقراطية يقود بالضرورة إلى .

- إن المناقشات الحزبية تظل مقيدة بالإيديولوجية التي يعتنقها الحزب ويسعي إلى تحقيقيها ولا يسمح بطرح أى موضوع للمناقشة يتعلق بأسس نظام الحكم أو سياسة الحزب .

- إن التزام الأقلية بما توافق عليه الأغلبية يهدر حقا أساسيا من حقوق الإنسان في التعبير عما يعتقد في صحته والاستمرار في الدعوة إليه واقتناع الآخرين به .

- إن المركزية تغطي أهم أكثر مجالات نشاط الحزب بحيث لا يبقي للمستويات الدنيا أى دور جدي في العمل الحزبي .

- إن غياب إمكانية التعددية داخل الحزب لا يجعل هناك انتخابات حزبية حقيقية وإنما نوع من الاستفتاء في الغالب .

والملاحظ أن الكثير من هذه الانتقادات تركز على ما آل إليه مبدأ المركزية الديمقراطية في التطبيق أكثر مما تعد نقدا للمبدأ نفسه كما أن بعضها تم تجاوزه في ظل تجربة تطوي الديمقراطية داخل الحزب السوفيتي والتي سبقت الإشارة إليها ولذلك يمكن القول بأن جزءا أساسيا من هذه الانتقادات يدخل ضمن الإطار الواسع للجدل حول الظاهرة الستالينية التي ارتبطت بتولي جوزيف ستالين زعامة الحزب في الاتحاد السوفيتي 1923 .

والملاحظ أن مصطلح الستالينية استخدم على نطاق واسع لوصف غياب الديمقراطية في الأحزاب الشيوعية بصفة عامة تستخدمه هذه الأحزاب نفسها أحيانا في إدارة الصراع بينها حيث تتهم بعضها البعض بأنها ستالينية .

2- الاتجاه الثاني : يتميز بأنه يبحث عن أى قدر من سمات الديمقراطية في المركزية الديمقراطية مهما كان بالغ الضالة وهو يجد ضالته فيما يلاحظه من أن الأحزاب التي تقوم على هذا المبدأ لا تحول بالضرورة دور وجود المعارضة سواء داخل الحزب أو خارجه وهو ينطلق من الاعتقاد في أن كلا من الحكومة والمعارضة موجودان في كل نظام سياسي في كل الأوقات بأشكال مختلفة وأن الشكل الذي تتخذه في حالة الدول التي تحكمها أحزاب شيوعية هو شكل الخلاف في الرأي الذي يعتبر غير منظم ولا يسعي إلى استبدال النظام القائم ولا إلى تحدي حق الحكام في ممارسة السلطة وإنما إلى مجرد النقد والإقناع وبالتالي فهو ليس معارضة بالمعني المعروف في الديمقراطية التعددية .

وقد طبق أحد الدراسيين هذه المقولة في دراسة عن المعارضة في دول شرق أوربا التي تحكمها أحزاب تقوم على المركزية الديمقراطية ورصد أربعة أنماط من المعارضة فيها منها ثلاثة داخل الحزب نفسه :

- معارضة الطامحين في منافسة القادة المسيطرين على الحزب والحكومة وغالبا ما يكون هؤلاء الطامحون شركاء في السلطة لكنهم يريدون الانفراد بها وهو ما يسميه معارضة الأجنحة التي لا تعتبر معارضة للنظام الشيوعي لكنها تعكس انقساما داخل الحزب .

- المعارضة التي تأخذ شكل نقد شديد لمجموعة كاملة من السياسات الأساسية للنظام وتكون قائمة على خلافات هامة في القيم ولكنها لا ترفض النظام الشيوعية نفسه ويسميها معارضة أساسية وهي ترتبط بعداءات بين الأجنحة وقد تأخذ شكل ضغوط من جماعات مصالح أساسية سواء داخل الحزب أو خارجه .

- المعارضة التي تأخذ شكل نقد لسياسات معينة دون رفض للنظام ولا لسياساته الأساسية وقادته وهي بالتالي معارضة محددة .

- وهناك فضلا عن ذلك نمط رابع للمعارضة يوجد داخل الحزب وهي معارضة للنظام نفسه وتعبر عن نفسها في أشكال من العنف أو العمل السياسي السري أو الهجرة السياسية وليس ضروريا أن توجد كل هذه الأنماط من المعارضة في كل الدول الشيوعية لكنه يستخلص من رصدها أن الأحزاب الشيوعية لم تكن أبدأ موحدة كما تفترض النظرية الماركسية والدعاية حولها فقياداتها عادة منقسمة إلى أجنحة تسعي إلى السلطة وهذه الأجنحة تمثل بمعني ما نوعا من التعددية وتحل محل الأحزاب في النظام الديمقراطي وحتى في عهد ستالين كانت هذه الأجنحة قائمة لكنها تعرضت لتصفيات مستمرة وقد حدثت صراعات حادة بين هذه الأجنحة القيادية في بولندا والمجر وبلغاريا ولكنها صراعات لم تأخذ شكلا مؤسسيا من خلال برلمان تمثيلي وانتخابات أو حتى من خلال عملية انتخابية حقيقة داخل الحزب .

المبحث الرابع مؤشرات دراسة الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية

تضمنت المباحث الثلاثة السابقة عرضا لأهم إسهامات النظرية التعددية ونظريات النخبة والنظرية الماركسية في مجال الديمقراطية داخل الأحزاب السياسية .

وظهر من هذا العرض أن إسهام النظرية الماركسية يقتصر على نوع بعينه من الأحزاب السياسية وهو الأحزاب الشيوعية بالأساس إلى جانب بعض الأحزاب الاشتراكية والأحزاب الوطنية في العالم الثالث التي أخذت بمبدأ المركزية الديمقراطية ولما كانت الأحزاب المصر ية التي تتناولها هذه الرسالة لا تتضمن حزبا شيوعيا سواء في فترة التعددية الأولي 24 – 1952 أو في فترة التعددية الثانية فقد رأي الباحث استبعاد هذه النظرية وإسهامها المتمثل في مبدأ المركزية الديمقراطية عند استخلاص مؤشرات دراسة الديمقراطية داخل هذه الأحزاب ولذلك يقوم النموذج الذي سيعتمد عليه الباحث في هذه الرسالة على إسهامات النظرية التعددية بالأساس آخذا في الاعتبار إسهامات نظريات النخبة التي يمكن اتخاذها بمثابة أداة مرشدة إلى مواطن القصور في الديمقراطية داخل الأحزاب موضع الدراسة أحيانا ولتفسير هذا القصور في أحيان أخري .

ومع ذلك ينبغي ملاحظة أن النظرية التعددية لم تضع معايير محددة ومستقرة للديمقراطية داخل الأحزاب وغيرها من المنظمات غير الحكومية كتلك التي وضعتها للنظام السياسي لكن إسهامات هذه النظرية تضمنت إشارات متعددة إلى معايير متفرقة كما ظهر من العرض السابق وإن لم تكن متبلورة في صورة نموذج واضح ولكن يمكن الإفادة منها في محاولة التوصل إلى مؤشرات محددة يمكن استخدامها لتبين ما إذا كانت هناك ديمقراطية داخل الأحزاب موضع الدراسة وإلى أى مدي .

وقبل تقديم هذه المؤشرات تجدر الإشارة إلى أن أحزاب فترة التعددية الثانية في مصر تتميز بالتشابه في طبيعة هيكلها التنظيمي الأمر الذي يتيح إمكانية أفضل للمقارنة بينها على عكس أحزاب فترة التعددية الأولي التي اختلف بعضها عن البعض الآخر في هذا المجال .

فإذا كان الهيكل التنظيمي يتضمن عنصري التنظيم والعضوية نجد أن أحزاب فترة التعددية الثانية متشابهة في كل منهما أما أحزاب فترة التعددية الأولي فلم تكن متشابهة في طبيعة عضويتها فكانت هناك أحزاب جماهيرية مثل الوفد والوطني وجماعة الإخوان المسلمين كما كانت هناك أحزاب نخبة أو كادر مثل الأحرار الدستوريين والاتحاد والشعب والهيئة السعدية والكتلة الوفدية أى مختلف الأحزاب التي كانت تعرف بأحزاب الأقلية في ذلك الوقت .. ومع ذلك كانت تلك الأحزاب بنوعيها متشابهة في طبيعة تنظيمها الذي يعتمد على الشعبة أو الفرع كوحدة رئيسية للتنظيم أو كنعصر تكوين رئيسي وحتى الأحزاب التي نزعت إلى تشكيل ميليشيات لها مثل الإخوان والوفد لم تكن هذه الميليشيات بديلا للفروع أو الشعب وإنما كانت مكملة لها في بعض الفترات كما أن أحزاب النخبة خلال تلك الفترة اعتمدت أيضا على الفرع أو الشعب كوحدة أساسية للتنظيم على عكس النموذج التاريخي لهذه الأحزاب حيث كانت اللجنة هى الوحدة الأساسية وهو نموذج لم يزل قائما في بعض أحزاب النخبة وخاصة في الولايات المتحدة .

ولأن جميع الأحزاب السياسية المصر ية خلال فترة التعددية الثانية تعتمد على الفرع أو الشعبة كوحدة تنظيمية أساسية ولأنها كلها أحزاب جماهيرية أو تسعي لأن تكون فيمكن القول بأن هناك تشابها هيكليا كاملا بينها كما أن ثمة تشابها كبيرا بين فترة التعددية الأولي رغم التباين بينهما فيما يتعلق بطبيعة العضوية وهذا التشابه يتيح للباحث أساسا مناسبا للمقارنة بينها من حيث مدي توفر الديمقراطية داخلها وذلك على أساس ثلاثة مؤشرات رئيسية ينقسم كل منها إلى مؤشرين فرعيين على النحو التالي :

أولا : المؤشر الخاص بنمط توزيع السلطة والاختصاص في الأحزاب

ينطوي التنظيم الحزبي في داخله على نوع من ممارسة السلطة التي تقود عمله وتوجه نشاطه ولذلك يقصد بهذا المؤشر ما إذا كانت السلطة داخل الأحزاب السياسية مزع ومنتشرى عبر مستوياتها المختلفة أم مركزة مسيطرة وللتعرف على ذلك يمكن الاعتماد على مؤشرين فرعيين هما :

1-البناء التنظيمي للأحزاب السياسية

فالمفترض أن يكون للحزب نظام أساسي لائحة داخلية أو نظام أيا كانت التسمية وقد اعتبر البعض هذا النظام بمثابة الحامل الأساسي لهيكل الحزب والمقصود بذلك وثيقة محددة توضح توزيع الاختصاصات بين المستويات التنظيمية المختلفة والعلاقة فيما بينها ومعني ذلك أن هذا المؤشر يتعامل مع قضية التوزيع الهرمي للسلطة والاختصاص وفقا لما هو وارد في الهيكل الرسمي للحزب والذي يتحدد في نظامه الأساسي أو لائحته ويصبح من الضروري التعرف على تطور هذا التوزيع عبر فترة معينة هي الفترة موضع الدراسة .

وفي هذا الإطار يدرس الباحث حجم الاختصاص الذي يحظي به كل من المستويات التنظيمية التي تنقسم في العادة إلى مستوي قيادي وآخر وسيط وثالث قاعدي وإلى أى مدي يتوزع ذلك الاختصاص على هذه المستويات أو ينحصر في المستوي القيادي ومدي حدوث تطور في هذا التوزيع عبر فترة الدراسة رغم أن البحث ينصب هنا على التوزيع الهرمي أو الراسي للسلطة والاختصاص فمن الضروري أن يؤخذ التوزيع الأفقي أيضا في الاعتبار ويقصد بهذا الأخير تقليديا العلاقة بين المركز ( في العاصمة عادة) الفروع .

2-عملية صنع القرار الحزبي

وهنا يتعامل الباحث مع أهم محط عملي لتوزيع السلطة الاختصاص داخل الأحزاب السياسية فيبحث هذا المؤشر في أسلوب اتخاذ القرارات الحزبية الكبرى وهو يصبح أكثر دلالة عندما يركز على القرارات ذات الأهمية المتميزة للحزب كالتي تتعلق بالانتخابات العامة أو بالتصرف في الحزب نفسه سواء بالحل أو تجميد النشاط أو الاندماج في حزب آخر أو التحالف معه .

ويعني هذا المؤشر بالتعرف على مدي انفراد المستوي القيادي للحزب أو مجموعة ضيقة داخله أو الرئيس نفسه بعملية صنع القرارات الحزبية من هذا النوع ، وهو يثير بالتالي مدي توفر قنوات تتيح للمستويين الوسيط والقاعدي المشاركة في هذه العملية أو التأثير عليها وفي حالة غياب ذلك ينبغي التعرف على ما إذا كانت القيادة الحزبية المحتكرة لصنع القرارات الرئيسية تعمد إلى الحصول على موافقة المستويين الوسيط والقاعدي عليهما أو أولهما على الأقل كما يأخذ هذا المؤشر في الاعتبار ليس فقط مدي احتكار المستوي القيادي أو قطاع منه لعملية صنع القرار ولكن أيضا مدي قدرتها على صنع قرارات تريدها رغم معرفتها بوجود معارضة قوية لها داخل الحزب .

ويتيح هذا المؤشر في النهاية إمكانية استخلاص النمط العام لصنع القرارات الرئيسية داخل الأحزاب من زاوية علاقة هذه العملية بتوزيع السلطة والاختصاص داخل هذه الأحزاب .

ثانيا : المؤشر الخاص بالعلاقة بين النخبة والأعضاء في الأحزاب

تعتبر طبيعة العلاقة بين النخبة والأعضاء من القضايا التقليدية للديمقراطية بشكل عام ويمكن التعرف على مدي ديمقراطية هذه العلاقة داخل الأحزاب بالبحث في نوع وطبيعة الأطر المؤسسية التي يمكن للأعضاء من خلالها المشاركة في إدارة شئون الأحزاب والتفاعل مع النخبة كما يمكن التعرف على ذلك بدراسة الأساليب التي تتبعها الأحزاب في اختيار أعضاء نخبتها ومدي قدرة الأعضاء في المستوي القاعدي على الانضمام لهذه النخبة وما يرتبط بذلك من معدلات دورانها .

1- الأطر المؤسسية لمشاركة الأعضاء

توجد هذه الأطر في العادة ضمن المستوي التنظيمي الوسيط الذي يتمثل أساسا في المؤتمر العام للحزب السياسي إلى جانب جهاز آخر في بعضها يحل محل هذا المؤتمر فيما بين دورات انعقاده فالمفترض أن يضم هذا المؤتمر وكذلك الجهاز الآخر مندوبين للمستوي القاعدي إلى جانب النخبة الحزبية ممثلة في أعضاء المستوي القيادي الأعلى ..

وهناك فضلا عن ذلك أطر مؤسسية أخري المشاركة تعد أقل أهمية لكونها غير منتظمة غالبا في اجتماعاتها وهي تختلف من حزب لآخر لكنها تتمل بشكل عام في مؤسسات التنشئة الحزبية التي تتولي تدريب بعض الأعضاء القاعدين على العمل الحزبي وفي الندوات الحزبية والمؤتمرات التي تعقدها بعض الأحزاب أحيانا في الأقاليم لمناقشة قضايا معينة.

ويمكن لهذه الأطر إجمالا أن تؤدي دورا مهما كحلقة وصل أو أداة ارتباط بين المسئولين القيادي والقاعدي في الأحزاب لكن يظل المؤتمر العام هو أهمها في الغالب لأنه يقوم بوظائف محددة ويتمتع باختصاصات منصوص عليها في النظام الأساسي أو اللائحة وأهم هذه الوظائف والاختصاصات مناقشة السياسات الحزبية وبحث تقارير خاصة بالنشاط وانتخاب المستوي القيادي أو النخبة الحزبية ومع ذلك تتوقف أهمية هذا المؤتمر على مدي قدرته على ممارسة هذه الاختصاصات التي تسعي القيادة في بعض الأحزاب لتفريغها من مضمونها ليصبح للمؤتمر دور شكلي في إضفاء الشرعية على سياستها .

وهذا ما يعني به في الأساس المؤشر الفرعي الخاص بالأطر المؤسسية إلى جانب تحليله لمدي توفر وفاعلية الأطر الأخرى وفيما يتعلق بالمؤتمر العام يكون على هذا المؤشر أن يتناول عددا من الأسئلة الرئيسية أهمها :

أ‌- هل يوجد مؤتمر عام أصلا ومتي بدأ في ممارسة نشاطه بمعني هل بدأ مواكبا لتأسيس الحزب أم لاحقا له ؟

ب‌- كيف يتم تشكيله ودور الانتخاب داخل المستوي القاعدي في هذه العملية وما العوامل التي تحكم تشكيله في حالة غياب أسلوب الانتخاب ؟

ت‌- هل ينعقد المؤتمر بصفة دورية منتظمة وهل يتاح لمندوبي المستوي القاعدي مشاركة جدية في مناقشاته وبالتالي مدي وجود مناقشات أصلا ولأي نوع من القضايا ؟

ث‌- وهل تتاح لمندوبي المستوي القاعدي فرصة مناسبة لانتخاب المستوي القيادي وعلى رأسه رئيس الحزب وهل تجري انتخابات مفتوحة تنافسية يحق لكل عضو بالمؤتمر التقدم إليها والحصول على فرصة متكافئة أم تكون الانتخابات محكومة من أعلي صراحة في شكل قوائم مغلقة للتصويت عليها أو ضمنا في صورة تدخل القيادة الحزبية لدعم مرشحين معينين تفضلهم ؟

2- التجنيد ودوران النخبة

ج‌- يعني هذا المؤشر الفرعي أساس بمدي انفتاح النخبة الحزبية بما يتيح إضافة أعضاء جدد إليها وخروج أعضاء منها بشكل دوري من خلال انتخابات تنافسية وليس بحكم الإحلال محل المتوفين أو المستقيلين.

ح‌- ولذلك فهو يبحث في أسلوب التجنيد لهذه النخبة وما إذا كان يتم بالانتخاب أم بالتعيين من أعلي ومدي حدوث تغير في هذا الأسلوب عبر فترة الدراسة كما يبحث في معدل الدوران على هذه النخبة بمعني نسبة التجديد في عناصرها سواء بالانتخاب أو بالتعيين ورغم أن أحد افتراضات الدراسة إنه لا توجد علاقة ضرورية بين الأسلوب المتبع في التجنيد للنخبة وبين معدل الدوران عليها فالمؤكد أن التجديد عن طريق الانتخاب يعكس درجة أعلي من الديمقراطية بالمقارنة مع التجديد الذي يعتمد على التعيين من أعلي .

فالتجديد القائم على انتخابات دورية تنافسية يعكس قاعدية منتظمة في اختيار النخبة الحزبية وهو أكثر ديمقراطية من التجنيد القائم على تصويت على قائمة معدة سلفا فيما يشبه أسلوب الاستفتاء ومن ذلك المعتمد على التعيين حتى إذا ترتب عليه درجة عالية من الدوران على النخبة لكن تجدر ملاحظة أن التجنيد بأسلوب الانتخابات يمكن أن يتعرض لتدخل قيادي يوجهه نحو تدعيم فرص مرشحين بعينهم عن طريق عملية تربيط الانتخابات التي قد تتم بأحكام يجعل الانتخاب شكليا ويتيح توقع نتائجه مسبقا ، ففي هذه الحالة يصبح الانتخاب محاولة لاستيفاء الشكل الديمقراطي لكن دون مضمون ديمقراطي لا يتحقق إلا عبر التنافس الحر المفتوح.

كما يأخذ هذا المؤشر في الاعتبار الظروف التي يحدث فيها التجديد لبعض عناصر النخبة وما كما يأخذ هذا المؤشر في الاعتبار الظروف التي يحدث فيها التجديد لبعض عناصر النخبة وما إذا كانت ظروفا عادية أو استثنائية ترتبط بأزمات مثلا قد تفرض هذا التجديد.

فالبحث هنا إذن ينصب على أسلوب التجنيد ومدي الأخذ بالانتخاب وطبيعة هذا الانتخاب ومدي توفر حرية المنافسة فيه .

كما يتركز على قياس التطور الذي طرأ على تركيب النخبة الحزبية في الأحزاب .

ثالثا : المؤشر الخاص بأنماط التفاعلات داخل النخبة الحزبية

وهو يتضمن مؤشرين فرعيين

1-الصراع على نفوذ داخل النخبة الحزبية:

يتعلق هذا النوع من الصراع بخلافات القوة أو السلطة التي لا ترتبط بتباينات سياسية وفكرية ويختلف وزن هذا النوع من الصراع من حزب لآخر فقد يكون هو الغالب في بعضها بحيث يطغي على أى خلافات أخري وقد يكون مترتبا على خلافات سياسية وفكرية عندما يسعي أحد طرفي هذه الخلافات إلى تدعيم نفوذه داخل الحزب على حساب الطرف الآخر كما قد يكون هذا الصراع جزئيا أو محدود النطاق بحيث يجري بين اثنين أو أكثر أو بين مجموعتين صغيرتين داخل النخبة الحزبية دون أن يؤثر على مجمل التفاعلات بها لكنه قد يكون في حالات أخري شاملا عندما يتم استقطاب معظم النخبة الحزبية في الصراع بحيث تنقسم إلى جناحين متنافسين على السلطة في الحزب ومن الوارد أيضا أن يختلف موقع رئيس الحزب في هذا النوع من الصراع ولهذه القضية أهميتها المتميزة في حالة الأحزاب التي يتمتع رؤساؤها بمكانة عالية ، كما هو حادث في جميع الأحزاب المصر ية موضع الدراسة فقد يكون الرئيس نفسه طرفا في صراع النفوذ داخل النخبة الحزبية أما بشكل جزئي في مواجهة بعض أعضاء هذه النخبة الطامحين في الحد من نفوذه أو مشاركته فيه أو الحلول محله مباشرة أو في مرحلة تالية . كما قد يكون الرئيس طرفا في صراع شامل على النفوذ عندما يلقي بثقله إلى جانب أحد طرفي هذا الصراع عندما يحدث استقطاب لمعظم أعضاء النخبة بين جناحين .

وربما يسعي هو إلى أحداث هذا الاستقطاب من أجل مواجهة أو استبعاد جناح لا يفضله لكن الوارد أيضا أن يكون الرئيس فوق الصراع على النفوذ بين مجموعتين من أعضاء النخبة الحزبية بحيث يتدخل لحسم هذا الصراع في الوقت المناسب له وقد أثبتت بعض الدراسات أن رئيس الحزب الذي يتمتع بصفة كاريزمية ( مؤسسه أو قائده في مرحلة حرجة من تاريخه ) هو الذي ينتصر عدة في أى صراع على النفوذ مع أية مجموعة حزبية حيث تفشل هذه المجموعة دائما في الحفاظ على وحدتها خلال الصراع وتتجه أقسام منها إلى تأييده في النهاية .

2-الخلاف حول قضايا سياسية وفكرية

درجت الأديبات في هذا المجال على التمييز بين اتجاهات يختلف أصحابها من قضية لأخرى ، ولا تكون دائما ومنتظمة وواعية لذتها في تعبيرها عن مواقفها تجاه هذه القضايا وبين أجنحة أى جماعات تأخذ مواقف مشتركة تجاه كل أو معظم القضايا .

ومع ذلك يتباين تماسك الأجنحة من حزب لآخر ففي بعض الأحزاب تتسم هذه الأجنحة بالسيولة على العكس ما هو مفترض من امتلاكها لهياكل بدرجة أو بأخرى حيث يكون الجناح أحيانا بمثابة ائتلاف مؤقت.

كما أن في بعض الأحزاب تختلف قوة الأجنحة من إقليم لأخر حيث تتأثر بالتقاليد التاريخية والخصائص الاقتصادية والسكانية لكل إقليم .

والملاحظ أنه في المجتمعات غير المتجانسة تقتضي دراسة الخلافات السياسية والفكرية داخل النخب الحزبية التعرف على تأثير تنوع الهيكل الاجتماعي عليها للتعرف على ما إذا كانت هناك علاقة بين الأجنحة وخصائص هذا الهيكل لكن هذا لا ينطبق على الأحزاب موضع الدراسة بطبيعة الحال ويعني هذا المؤشر أساسا بتحديد طبيعة الخلافات السياسية والفكرية في الأحزاب .

والأساليب المتبعة في إدارتها من منظور مدي ديمقراطية هذه الأساليب ويثير ذلك قضية المناخ السائد داخل الأحزاب ومدي ما يتيحه من إمكانات للتعبير عن الآراء والاجتهادات المختلفة سواء في حالة وجود اتجاهات أو أجنحة .

والمفترض أن الخلافات السياسية والفكرية لا تأخذ طابع الأجنحة في الغالب إلا عندما يتم استقطاب معظم النخبة الحزبية ليها وتتحول عندئذ إلى صراع على النفوذ الفصل الثاني

الفصل الثاني خبرة الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب المصر ية قبل 1952

المبحث الخامس مط توزيع السلطة والاختصاص

يتناول هذا المبحث مدي توزع وانتشار السلطة بين المستويات التنظيمية أو تركزها في المستوي القيادي أو حلقة ضيقة منه أو رئيس الحزب ، ذلك في الأحزاب الأربعة التي تم اختيارها وهي الوفد والأحرار الدستوريون والوطني وجماعة الإخوان

أولا : البناء التنظيمي للأحزاب

سبقت الإشارة في المبحث السابق إلى أن هياكل معظم الأحزاب المصر ية قبل 1952 اتسمت بنوع من الهلامية ، ويظهر ذلك في حالة الوفد بشكل واضح فلم يكن الوفد حزبا منظما بالمعني الدقيق وإنما كان تجمعا واسعا بغير حصر لعضويته . ورغم أن هلامية التنظيم كانت ميزة للوفد جعلت منه وعاءا لغالبية الشعب إلا أنها كانت نقطة ضعف تحول دون فاعلية حركته في غير أوقات الانتخابات .

والملاحظ أن البناء الرأسي للوفد لم يتبلور إلا عام 1924 عندما تم تنظيمه أما في السنوات الخمس السابقة فكان هذا البناء يعتمد أساسا على اللجنة المركزية التي تشكلت في أبريل 1919 بهدف جمع التبرعات لتغطية احتياجات الوفد في الخارج وجمع المعلومات عن الموقف في مصر وإرسالها إليه ليستخدمها في الدعاية للقضية المصر ية وتلقي مراسلاته .

ومعني ذلك أنه كان هناك خلال تلك الفترة ( 1919 -1924 ) مستويان للتنظيم الوفدي هما هيئة الوفد أى القيادة الوطنية التي تسعي إلى استقلال مصر ، واللجنة المركزية التي قامت بإنشاء لجان فرعية في القاهرة والأقاليم وقد شهد الهيكل التنظيمي للوفد تطورا مهما خلال فترة الإعداد لأول انتخابات بعد صدور دستور 1923 ، حيث ظهرت لجان على مستوي الدوائر الانتخابية اختلف تشكيلها من موقع إلى أخر وكانت هذه اللجان تتبع التقسيم الإداري للدولة ، وأطلقت عليها تسميات مختلفة : اللجان المركزية في مراكز الأقاليم واللجان العامة في أقسام المدن .

وكانت بمثابة الوحدات الأساسية للتنظيم الوفدي حيث تعلوها لجان المديريات وتجدر ملاحظة أن غالبية هذه اللجان أنشئت مبادرة محلية من أفراد الدائرة بهدف السعي إلى إنجاح مندوبي الناخبين ثم مرشحي البرلمان الوفديين ولذلك اتسم نشاطها بطابع ديمقراطي سواء من حيث مناقشاتها أو تحركاتها الانتخابية والقول بأن لجان الدوائر كانت هي الوحدات الأساسية رغم وجود لجان فرعية داخل الكثير من هذه الدوائر يرجع إلى أن هذه اللجان الفرعية كانت في الغالب ذات طابع مؤقت وانتخابي بالأساس بحيث تم حلها مع انتهاء الانتخابات في يناير 1924 ،.

أما لجان المديريات فكانت تمثل الحلقة الوسيطة بين لجان الدوائر وسكرتارية هيئة الوفد وهي الهيئة التي تعتبر المستوي القيادي الأعلى وتضم أعضاء الوفد الأصليين ومن ثم ضمهم إليه بالتعيين وعندما تم تنظيم الوفد عام 1924 أقيمت الهيئة الوفدية البرلمانية التي تألفت من أعضاء مجلس النواب والشيوخ الوفديين الذين قاموا بانتخاب لجنة تنفيذية تمثلت فيها المحافظات والمديريات ومن هذه اللجنة وهيئة الوفد المصر ي ( 27عضوا) تكونت الهيئة الوفدية العام التي ضمت بالتالي 67 عضو وكان إنشاء الهيئة البرلمانية للوفد خطوة مهمة نحو تركز السلطة في الحزب حيث سعي رئيسه من خلالها إلى تقييد النواب تحت شعار حصول الوزارة الوفدية على تأييد قوي يمكنها الاعتماد عليه داخل البرلمان فقد نص نظام هذه الهيئة على خضوع أعضاء البرلمان لقرارات اللجنة التنفيذية التي تبلغ لهم حيث لا يملك أى عضو تقديم مشروع قانون أو استجواب إلا بعد مراجعته من جانب هذه اللجنة .

ولم يكن دور هذه الهيئة قاصرا على الشئون البرلمانية وإنما أصبحت أحد أهم عناصر البناء التنظيمي للحزب حيث قامت بدور حلقة اتصال بين هيئة الوفد المصر ي واللجان المحلية للحزب وكانت القيادة المركزية للحزب تعتمد عليها في إبلاغ تعليماتها إلى هذه اللجان .

أما البناء الأفقي للحزب فقد ارتبط في بدايته بنشاط اللجنة المركزية التي قامت منذ أغسطس 1919 بإنشاء لجان فرعية في المديريات لأداء نفس الوظائف التي تقوم بها هذه اللجنة وفي مقدمتها جمع التبرعات للوفد ولذلك ضمت اللجان الفرعية أعيان الأقاليم الذين يستطيعون ذلك لكن الملاحظ أن مشاركة هذه اللجان كانت محدودة خارج إطار التبرعات .

لأن اجتماعات اللجنة المركزية كانت تعقد في القاهرة وبشكل يومي تقريبا مما حال دون حضور أعضاء لجان المديريات الذين لا يوجد تقدير دقيق لعددهم ولكن ثمة اعتقاد بأنهم كانوا حوالي مائة في الوقت الذي كانت اللجنة المركزية نفسها تضم خمسين عضوا ومعني ذلك أن البناء الأفقي للحزب ظل محدودا حتى تصاعدت عملية بناء اللجان في الأقاليم منذ أوائل 1922 بعد اعتقال سعد زغلول ونفيه حيث نشر الوفد نداءا إلى الأمة يدعو إلى جانب مقاطعة الإنجليز لتشكيل لجان في كل عاصمة من عواصم المديريات لتشكل بمعرفتها لجانا فرعية في الأقسام والمراكز حسب مقتضيات الأحوال لكن البناء الأفقي لم يكتمل إلا في مجري الإعداد للانتخابات حيث أنشئت لجان على مستوي الدوائر الانتخابية .

كما سبقت الإشارة ولجان فرعية لها فضلا عن لجان المديريات ورغم أن اللجان الفرعية عرفت أسلوبا ديمقراطيا في العلاقات داخلها إلا أنها كانت تحت السيطرة الكاملة للجان الدوائر أما العلاقة بين لجنة الدائرة ولجنة المديرية فقد اختلفت تبعا للطريقة التي تشكلت بها كل منها ففي بعض الأحيان كان وجود

لجنة المديرية يسبق وجود لجان الدوائر التي كانت تتكون في هذه الحالة كفروع لها كما حدث في الإسكندرية مثلا وفي أحيان أخري كانت لجان الدوائر هي السابقة في النشأة كما حدث في القليوبية والبحيرة والمنيا مثلا .

ومن الطبيعي أن تكون العلاقة أكثر ديمقراطية في الحالة الثانية التي تتميز بدور أساس للمبادرة المحلية حيث كانت للجنة في بعض الأحيان عن طريق جمعية عمومية محلية وتختار مثيلها في لجنة المديرية ويلاحظ أحد الدارسين أن الرئيس الأول للوفد لم يكن يكتفي بالسلطات الواسعة التي منحها له القانون النظامي وإنما كان يتجاوزها أيضا فعلي سبيل المثال كان سعد زغلول يؤكد أنه صاحب الحق في ضم الأعضاء الجدد للوفد ورغم أن القانون جعل هذا الحق لهيئة الوفد المصر ي .

وعلى ذلك يمكن القول بأن الاتصال داخل حزب الوفد اتسم بالمركزية عل المستويين الراسي والأفقي وبغياب شبه كامل لأسلوب الانتخاب في البناء التنظيمي .

وإذا كان بناء تنظيم حزب الوفد قد شهد تغيرا عام 1924 ، فإن تنظيم حزب الأحرار الدستوريين لم يتغير طيلة حياة الحزب باستثناء محاولة تكميلية عام 1928 تتعلق بتنظيم فروع الحزب ولجانه بالأقاليم .

وقد اشتمل البناء الرأسي لحزب الأحرار على أربعة مستويات مجلس الإدارة واللجنة التنفيذية والجنة البرلمانية والجمعية العمومية .

• وعلى خلاف حزب الوفد لم يكن لرئيس حزب الأحرار الدستوريين محوري في بنائه التنظيمي فلم يتضمن القانون الأساسي للحزب منح الرئيس سلطات واسعة حيث اقتصر على أنه يمثل ويرأس مجلس الإدارة واللجنة التنفيذية والجمعية العمومية وربما يرجع ذلك لطبيعة شخصية عدلي يكن أول رئيس للحزب والشائع أن رئاسته للحزب لم تكن عن اعتقاد أصيل لديه ، وإنما كانت نتائج لجزء الجماعة المنشقة عن الوفد والتي أسست الحزب إليه لتستعين به في مواجهة رئاسة سعد زغلول للوفد ولم يستمر في رئاسة الحزب سوي 14 شهرا فحسب حيث استقال في 17 يناير 1924 .

وقد تكرر الأمر مع اختيار قيادة الحزب لعبد العزيز فهمي ليخلف عدلي يكن على أساس أنه زميل سعد زغلول في لقاء 13 نوفمبر 1918 ومن ثم يستطيع الوقوف في مواجهته .

ولم يكن فهمي راغبا في قبول الرئاسة لكنه اضطر لذلك استحياء وخجلا كما يقول في ذكرياته وعادت قيادة الحزب لتضحي به على مذبح الائتلاف مع الوفد عام 1926 وقد وصفه أحد الكتاب بأنه لم يكن يصلح لرئاسة الحزب قائلا " كان محالا أن يكون زعيما من ذلك الطراز المعروف الذي تتولي فيه الزعامة قيادة الجماهير وتلتف حولها أشتات الطبقات وتحرص على اجتذاب الناي بشتي الذرائع والأسباب .

فهو صاحب فكرة يطرحها على الناس وليس له بعد ذلك أن ينافس في تحقيقها وهكذا لم يكن الرئيس مركز ثقل في الأحرار الدستوريين الذي عمل نحو ثلاث سنوات بين عامي 1926 -1929 بدون رئيس عقب استقالة عبد العزيز فهمي وقبل تعيين محمد محمود كما عاش عاما قبل ذلك بدون رئيس ( طوال عام 1924 ) عقب استقالة عدلي يكن .

وقبل اختيار فهمي للرئاسة في 4 يناير 1925 وهذا أمر لا يمكن اعتباره خاليا من دلالة بشأن مركز رئيس الحزب الذي لم يكن محوريا في بنائه التنظيمي ومع ذلك يصعب إطلاق هذا الحكم طوال حياة الحزب فكانت رئاسة محمد محمود للحزب قوية وفرضت نفسها على بنائه التنظيمي لكن ليس بالشكل الطاغي الذي عرفه حزب الوفد ولم يحل ذلك دون سيادة الطابع المركزي في بناء الحزب إلى الحد الذي جعل بعض قادته غير مدركين لأهمية التنظيم الأفقي فعلي سبيل المثال نجد د. محمد حسين هيكل يبدي دهشته لأن يكون للأمور المحلية اثر في سياسة الأحزاب وعندما أقام الحزب تنظيمه لى المستوي الأفقي لم يكن له تأثير يذكر على مركز الحزب في القاهرة لكن مع ذلك فقد تميز حزب الأحرار الدستوريين في بنائه التنظيمي باعتماده على أسلوب الانتخاب بشكل أوسع من حزب الوفد .

• أما جماعة الإخوان المسلمين فقد قام بناؤها الرأسي منذ 1941 على مستويين رئيسيين هما الهيئة التأسيسية ومكتب الإرشاد وبالإضافة إلى المركز العام الذي لا يعد مستوي مستقلا بذاته وإنما يمكن اعتباره ملتقي البناء الرأسي مع البناء الأفقي للجماعة ..

ووفقا لقانون جماعة الإخوان تعتبر الهيئة التأسيسية السلطة العليا ، وهي تقوم مقام الجمعية العمومية أو المؤتمر العام وتتكون من الإخوان الذين سبقوا بالعمل للدعوة ومهمتها بالإشراف العام على سير الدعوة ورسم الخطوط الرئيسية لسياسة الجماعة واختيار أعضاء مكتب الإرشاد وتراوح عدد أعضائها بين 150،100 عضوا .

• أما مكتب الإرشاد العام فيتكون من 12 عضوا تنتخبهم الهيئة التأسيسة من بين أعضائها بحيث يكون 9 أعضاء من إخوان القاهرة و3 فقط من الأقاليم كما تنتخب الهيئة التأسيسية من الإخوان التسعة القاهريين وكيلا وسكرتيرا عاما وأمينا للصندوق ومدة عضوية المكتب سنتان ويجوز انتخاب العضو لأكثر من مدة .

ويعتبر المركز العام نقطة التقاء البناء الرأسي للجماعة ببنائها الأفقي الذي لم يتبلور إلا مع نهاية الثلاثينيات فحتي بداية الحرب العالمية الثانية لم تكن هناك سوي شعب متناثرة في الأقاليم تتلقي تعليماتها من المركز العام الذي تفرعت عنه مكاتب إدارية في بعض المحافظات .

وينقسم المكتب الإداري إلى مناطق هي تقريبا نفس المناطق المقسمة إليها التفريعات الرادارية الحكومية ( 300 منطقة) وتنقسم المناطق إلى شعب حيث تعتبر الشعبة هي الوحدة الأساسية لتنظيم الجماعة وتتباين التقديرات حول العدد الذي بلغته هذه الشعب عقب الحرب الثانية حيث تتراوح هذه التقديرات بين ألف وألف وخمسمائة وألفين .

وكنت شئون المكتب الإداري تدار عن طريق مجلس يتكون من رئيس يعنيه مكتب الإرشاد ونائب وسكرتير وأمين صندوق يتم انتخابهم إلى جانب عضو خامس يمثل مكتب الإرشاد ويكون رأيه استشاريا فلا يشترك في التصويت على القرارات كما كانت شئون مكتب المنطقة تدار عن طريق مجلس يتكون من رئيس يعينه مكتب الإرشاد أو يكون رئيسا للشعبة الأساسية في هذه المنطقة بالإضافة إلى جميع رؤساء الشعب فيها أما الشعبة وهي الوحدة الأساسية للجماعة فيشرف عليها مجلس إدارة تنتخبه الجمعية العمومية لأعضاء الشعب المقيدين ويعين المركز العام رئيس الشعبة .

ومن حق هذا المركز رفض مجلس الإدارة الذي تنتخبه الشعبة أو رفض أحد أعضائه وتعقد الجمعية العمومية للشعبة اجتماعا سنويا في شهر محرم ويتوفر النصاب القانوني بحضور نصف الأعضاء وتصدر القرارات بالأغلبية المطلقة ويجب إخطار مكتب الإرشاد العام بموعد الاجتماع قبل انعقاده بعشرة أيام ويرسل إليه جدول أعمال الاجتماع ويجوز لمكتب الإرشاد إرسال ممثل عنه لحضور الاجتماع ويجب اعتماد قرارات الجمعية من المرشد العام قبل تنفيذها .

وتتمتع الشعبة بقدر معقول من الاستقلال طالما أنها تلتزم بسياسة الجماعة وقد شبهها ميتشل بأنها مركز عام مصغر ويصف أحد قادة الجماعة المناقشات في اجتماع مجلس إدارة الشعبة بأنها تشبه برلمانا يتجلي فيه النظام والديمقراطية بأجمل معانيهما فيدلي كل برأيه متوخيا المصلحة العامة مهتدي بأضواء الفكرة الإسلام ية وتتلاحق الآراء ويخرجون منها بالرأي الذي ينتهون إليه سواء بالإجماع أو بالأغلبية .

وقد بدأت الجماعة عام 1943 في الأخذ بنظام الأسر بسبب اتساع نطاق العضوية وتقوم فكرته على تجميع الأعضاء النشطين في كل شعبة وتقسيمهم إلى أسر لا تزيد كل منها عن عشرة أفراد وتنتخب كل أسرة نقيبا يقوم بتمثيلها أمام قيادة الشعبة وتعتبر الأسرة وحدة متكاملة مسئولة بشكل جماعي عما تكلف به وتكون كل أربع أسر عشيرة يرأسها نقيب الأسرة الأولي من أسر العشيرة وتشكل كل خمسة عشائر رهطا وكل خمسة رهائط كتيبة وقد أحال نظام الأسر الجامعة كلها إلى شبكة متصلة الحلقات ومتماسكة ويري أحد المؤرخين أن هذه الأسر كانت أقوي جهاز سياسي منظم في مصر .

ويصعب القول بأن نظام الأسر هذا يدعم الديمقراطية على مستوي الشعبة فرغم أن الأسرة كانت تتمتع بقدر من الاستقلال التنظيمي النسبي إلا أن هذا النظام من شأنه أن يضعف التفاعل على مستوي الشعب ويتيح فرصة أكبر للقيادة المركزية للسيطرة على الشعبة .

وعلى هذا النحو يبدو تنظيم جماعة الإخوان أكثر ديمقراطية في بنائه الأفقي منه في بنائه الرأسي فقد أخذت الشعب والمناطق والمكاتب الإدارية بأسلوب الانتخاب باستثناء الرئيس الذي تختاره القيادة المركزية ومعني ذلك أن أغلبية مجالس إداراتها كانت منتخبة .

أما على المستوي الرأسي فكانت القيادة المركزية للجماعة مغلقة فبرغم أن مكتب الإرشاد ينتخب من الهيئة التأسيسية إلا أن هذه الهيئة لا تختار بالانتخاب من قواعد الجماعة رغم توفر قدر من الممارس ة الديمقراطية التي كانت تتيح إمكانية للأخذ بأسلوب الانتخاب فكان هناك تصعيد للقيادات من الشعب إلى المناطق فالمكاتب الإدارية ولكن الحلقة لا تكتمل حيث لا تقوم هذه المكاتب بانتخاب ممثلين لها في الهيئة التأسيسية التي تعتبر مغلقة على نفسها حيث تختار أعضاءها بنفسها بعد أن قام المرشد الأول باختيارها .

وكان هذا حائلا بالطبع دون أن يأتي مكتب الإرشاد معبرا عن إرادة الجماعة بالفعل ومع ذلك فهو الذي يضع سياسة الجماعة وينفذها ويلزم التنظيم بأكمله بها ويعكس تركيب مكتب الإرشاد نفسه مدي هامشية التنظيم الأفقي للجماعة حيث لا يزيد ممثلو الأقاليم خارج القاهرة على ربع عدد أعضاء المكتب ومعني ذلك أن التنظيم الأفقي الذي كان أكثر ديمقراطية بقي محدود التأثير على نشاط الجماعة وخاضعا للقيادة المركزية التي استأثرت بأهم السلطات والاختصاصات التي تركزت بدورها بين يدي المرشد العام الذي يتولي منصبه مدي الحياة دون منافسة .

فرغم أن قانون الإخوان لم يمنحه منفردا سلطات بخلاف التي قررها لمكتب الإرشاد إلا أن الفترة التي سبقت صدور ذلك القانون شهدت عملية متصلة هيمن بمقتضاها المرشد على الجماعة من خلال قيامه ببنائها .

لكن مع ذلك هناك شهادات من بعض قيادات الجماعة تؤكد أن المرشد العام الأول لم يكن ذا سلطة مطلقة فلدينا شهادة صالح عشماوي القاتلة بأن المرشد ألزم نفسه بقرارات مكتب الإرشاد رغم اعتقاده الشخصي بأن الشورى ليست ملزمة له وذلك في معرض رده على أحد التقييمات التي اعتبرها مبالغا فيها لمدي سلطات المرشد فقد ذهب ذلك التقييم المبالغ فيه بالفعل إلى حد القول بأن " النكص عن البيعة للمرشد مهدد بالخروج من ثياب المسلم" وهو أمر تنفيه وقائع الانشقاقات العديدة التي تعرضت لها الجماعة كما سيتضح في المبحث الأخير من هذا الفصل فالثابت أن المرشد لم يحكم لأى من المنشقين بالخروج على الإسلام .

ويجدر التنويه قبل الانتهاء من طبيعة الاتصال داخل جماعة الإخوان بأن الباحث تجاهل عمدا دراسة النظام الخاص للجماعة والذي يسمي أيضا بالجهاز السري لأنه لم يكن مرتبطا ببنائها التنظيمي ارتباطا عضويا فقد قرر المرشد الأول تكوينه عام 1940 بهدف معلن هو الدفاع عن الدعوة ضد أعدائها والاستعداد للمشاركة في مواجهة المؤامرة على فلسطين وإحاطة بالسرية التامة على نحو تصعب معه دراسة العلاقات داخله ..

أما الحزب الوطني فيعتبر أول حزب سياسي مصر ي يعتمد على تنظيم حديث عند تأسيسه عام 1907 بمعني أنه أول حزب يعد لائحة رسمية ويعتمد على هيكل تنظيمي متطورا وقد قام البناء الرأسي للحزب الوطني على ثلاثة مستويات أولها الجمعية العمومية التي تجتمع مرة كل عام في شهر ديسمبر تحت اسم المؤتمر الوطني وتختص بانتخاب اللجنة الإدارية واعتماد ميزانية الحزب والنظر في اقتراحات الأعضاء ومناقشة المسائل الحيوية للقطر المصر ي .

وثانيها اللجنة الإدارية وتتكون من 30 عضوا خلاف رئيس الحزب تنتخبهم الجمعية العمومية لمدة ثلاث سنوات .

ثالثها اللجنة التنفيذية التي تتكون من ثمانية أعضاء تختارهم اللجنة الإدارية ومن بينهم نائبا الرئيس والسكرتير وأمين الصندوق .

والمفترض في هذا البناء أن تكون الجمعية العمومية هي السلطة العليا التي تنتخب قيادة الحزب ورئيسه باستثناء رئيسه الأول مصطفي كامل الذي اختير رئيسا للحزب مدي الحياة وتم تسجيل ذلك بوضوح في المادة الأولي من لائحة الحزب .

لكن الواقع أن السلطات التي تمتعت بها اللجنة الإدارية كانت تؤول عمليا إلى اللجنة التنفيذية التي كانت تقوم بتسيير الحزب .

والملاحظ أنه لم يكن هناك أسلوب محدد لاختيار أعضاء الجمعية العمومية وإنما كان المفترض أن يحضرها جميع أعضاء الحزب وهو أمر مستحيل بطبيعة الحال ويمكن تفسير ذلك بهلامية البناء الأفقي للحزب الذي كان يعتمد على لجان فرعية بالإضافة إلى فروع نادي الحزب بالقاهرة .

ويوجد خلاف بين المؤرخين حول تقييم دور هذه اللجان الفرعية فيري جولد شميت أنه كان لها دور في بعض المناطق وخاصة في الدلتا وبصفة أخص في مدنها متوسطة الحجم حيث أنشئت فيها عشر لجان على الأقل عام 1908 وست لجان أخري عام 1909 .

وأيا كان الأمر فإنها يمكن القول بأن البناء الأفقي للحزب الوطني كان ضعيفا بشكل واضح رغم أنه كان أول حزب مصر ي يمتد بناؤه التنظيمي إلى خارج مصر حيث كانت جمعيات الطلاب المصر يين الكبيرة في أوربا عام 1908 تنظيمات تابعة للحزب في الواقع .

كما كان بناؤه الأفقي يفتقد الديمقراطية وفقا لنص اللائحة المعدلة عام 1908 الذي جرد هذه اللجان من أية اختصاصات باستثناء تنفيذ تعليمات قيادة الحزب وحرمها من المبادرة لكن هذا لا يعني أن قيادة الحزب كانت قوية بعد رحيل مصطفي كامل الذي لم يتول رئاسته إلا لمدة أيام والثابت أن مصطفي كامل كان شخصية قوية مسيطرة داخل الحزب إلى حد أن بعض المؤرخين يصورون أعضاء الحزب على أنهم أتباع مخلصون له وقد أصابت وفاته الحزب بهزة كبري خاصة وأن خلفه محمد فريد مان يفتقد الجاذبية الشخصية التي تميز بها وقدراته على الخطابة والتأثير .

ومن الصعب تجاهل تأثير الممارسات القمعية التي تعرض لها الحزب خلال تلك الفترة من عهد كتشنر على بنائه التنظيمي حيث أدت إلى تفجر خلافات داخل قيادته واستقالات متتابعة كم سيرد في المبحث الأخير من هذا الفصل وجاء انتقال مركز نشاط الحزب إلى أوربا وتركيا بعد النفي الاختياري لرئيسه محمد فريد عام 1912 ليساهم في مزيد من إضعاف البناء التنظيمي للحزب والاتصال داخله لكن هذا لا يقلل من أهمية ضعف تنظيم الحزب من البداية مما حال دون قدرته على الصمود وتجدر الإشارة إلى اجتهاد يربط ذلك الضعف التنظيمي بعوامل اجتماعية تتعلق بالضعف الاقتصادي للطبقة الوسطي التي يذهب إلى أن الحزب كان يعبر عنها الأمر الذي جعل قيادته غير قادرة على تتطور بالأساليب الاجتماعي للحزب السياسي وبنائه التنظيمي ليست ثابتة على هذا النحو في الدراسات المقارنة .

ثانيا : عملية صنع القرار الحزبي

حدد القانون النظامي لحزب الوفد في مادته العاشرة أسلوب إصدار القرارات اعتمادا على قاعدة الأغلبية بحيث يتم ترجيح رأي الفريق الذي يؤيده الرئيس إذا تساوت الأصوات .

لكن يدل تتبع الخبرة العلمية لاتخاذ القرارات الرئيسية في الوفد على أن هذه القاعدة لم تكن تعمل في معظم الأحيان حيث كان رئيس الوفد يتخذ القرار حتى إذا لم تكن الأغلبية تؤيده و وخاصة في فترة رئاسة سعد زغلول الذي أعتقد بقوة فيما أسماه " حق الرياسة " ويمكن الإشارة إلى مثالين بارزين يوضحان إتجاه سعد زغلول إلى فرض قراراته على الأغلبية :

أولها : عندما أراد سعد ضم حسن صبري إلى عضوية الوفد ورفضت الأغلبية قرر أن يضمه على عهدته باستخدام " حق الرياسة" كما ضم كلا من محمود أبو النصر وحمد الباسل وجورج خياط ومصطفي النحاس وحافظ عفيفي دون العودة إلى زملائه في الوفد .

ثانيهما : عندما أتخذ حد أخطر القرارات في تاريخ الوفد وهو قرار تشكيل الحكومة عام 1924 بشكل منفرد فبعد أن اتخذ القرار راح يستخدم العديد من الوسائل لا ليقنع زملاءه به وإنما ليحملهم على مجاراته .

فعندما استدعاه الملك في 27 يناير 1924 وطلب إليه تشكيل الحكومة طلب أن يرجع إلى زملائه حيث استدعاهم الواحد بعد الآخر فلم تتفق كلمتهم ومع ذلك قرر تشكيل الحكومة بل وأكد أنه لم يستفد من أرائهم وتبدت له أطماع بعضهم .

ويدل أسلوب اتخاذ القرارات في الوفد حينئذ على أن سعد زغلول قام بالترتيب لها مع بعض قيادات الوفد المقربين إليه كما حدث في قرار تنظيم الوفد عام 1924 .

فبعد تشكيل وزارة سعد جرت مناقشات في أوساط الوفد حول تحويله إلى حزب سياسي وهو ما رفضه سعد بشدة لحرصه على الاحتفاظ بصيغة " الوكالة عن لأمة " لكنه في الوقت نفسه كان بحاجة إلى تنظيم جديد للوفد يتيح له المزيد من إحكام السيطرة عليه وخاصة بعد ما لاحظه من عدم انضباط بعض أعضاء الوفد خلال مناقشات مجلس النواب والثابت أنه طلب إلى وكيل الوفد حمد الباسل أن يتحرك لإيجاد صيغة تنظيمية للوفد مما أسفر عن ظهور " هيئة الوفديين" في 26 أبريل 1924 خلال اجتماع لأعضاء الوفد الاقتراح الذي طرحه الناس بخصوص تنظيم الوفد كان مرتبا مع زغلول .

وقد اتسمت عملية اتخاذ القرار في حزب الأحرار الدستوريين بوجود أنماط مختلفة لها حسب شخصية رئيس الحزب في الغالب.

فالملاحظ أن هذه العملية اتسمت بطابع ديمقراطي قبل أن يتولي محمد محمود رئاسته وبعد رحليه أم خلال فترة رئاسته للحزب فقد اتسمت عملية اتخاذ القرار بالطابع الفردي أو بمشاركة مجموعة محدودة من قيادة الحزب في بعض الأحيان .

فقد عرفت الفترة الأولي للحزب دورا بارزا لمجلس إدارته في هذه العملية يظهر من دراسة القرار الخاص باستقالة وزراء الحزب من حكومة أحمد زيور عام 1925 إثر أزمة كتاب " الإسلام وأصول الحكم" فكان مؤلف الكتاب الشيخ على عبد الرازق ينتمي إلى احدي العائلات الرئيسية في الحزب وقد غضب الملك فؤاد عليه لأن كتابه اصطدم بمساعي الملك لتولي الخلافة عقب إلغائها في تركيا عام 1924 ، فأوعز إلى هيئة كبار العلماء بمحاكمة المؤلف وفصله من منصبه كقاض شرعي وكان حزب الأحرار شريكا في الحكومة التي يقودها حزب الاتحاد حيث تولي قادته وهو عبد العزيز فهمي وزارة الحقانية وماطل في تنفيذ قرار فصل الشيخ على عبد الرازق مما دفع الملك إلى إقالة افهمي في 5 سبتمبر 1925 فاجتمع مجلس إدارة الحزب وقرر الثقة التامة في الوزير المقال وزميليه بالوزارة محمد على علوبة وتوفيق دوس .

لكن اختلف أعضاء المجلس حول فكرة استقالة هذين الوزيرين اللذين لم يكونا راغبين في الاستقالة وإزاء ذلك تم اتخاذ القرار بالأغلبية وجاء التصويت لصالح إلزام الوزيرين بالاستقالة وأصر مجلس الإدارة على تنفيذ القرار مما دفع توفيق دوس الاستقالة من الحزب وثمة شهادة مهمة تؤكد أن الاتجاه الغالب في الحزب كان مؤيدا بالفعل الاستقالة من الحكومة .؟

وقد ظل الطابع الديمقراطي لعملية اتخاذ القرار في الحزب مستمرا في بداية رئاسة محمد محمود الذي كان حريصا على موافقة مجلس الإدارة على أى قرار ويظهر ذلك من تراجعه عن اقتراحه بتعديل الدستور خلال مفاوضاته مع الإنجليز عام 1929 ( مفاوضات محمد محمود – هندرسن) بهدف تدعيم سلطة الحكومة تجاه البرلمان لكن هذا الاقتراح لم يجد قبولا في قيادة الحزب فعدل عنه .لكن محمد محمود لم يلبث أن اتجه للإنفراد أو إشراك عدد محدود من قيادات الحزب معه في بعض الأحيان ويمكن الإشارة إلى الأمثلة التالية :

قرار رفض المشاركة في حكومة إسماعيل صدقي عام 1930 وإعلان أن من يشترك فيها من أعضاء الحزب يعتبر مفصولا فقد اتخذ محمد محمود ذلك القرار منفردا وبشكل فوري عندما عرض عليه صدقي الأمر ولم يقبل طرحه للمناقشة في مجلس إدارة الحزب .

• قرار قبول تشكيل الحكومة في يناير 1938 .

فقد اتخذه محمد محمود بشكل منفرد أيضا وأبلغه للدكتور محمد حسين هيكل بالصيغة التالية : سأؤلف الوزارة بعد ثلاثة أيام وسيكون لك مكان فيها "

• كما انفرد باختيار وزراء الحزب في هذه الحكومة .

• قرار إخراج عبد العزيز فهمي من هذه الحكومة عندما أعيد تشكيلها في أبريل 1938 حيث اتخذه محمد محمود منفردا ودون تشاور مع الوزير الذي تم إعفاؤه .

• والملاحظ أن فكرة التوافق التي ظهرت بشكل جزئي في المرحلة الأولي لحزب الأحرار الدستوريين تعتبر أهم ما يميز عملية اتخاذ القرار في جماعة الإخوان نتيجة الاهتمام بأن تصدر القرارات بالإجماع وليس بالأغلبية، الأمر الذي فرض أسلوبا معينا مهما يقوم على الاتصال الشخصي بالأعضاء لإقناعهم بالقرار المراد إصداره .

• والواضح أنه من الصعب حدوث ذلك في أى تنظيم إلا إذا كانت هناك شخصية ذات نفوذ معنوي هائل يتيح لها التأثير على الأعضاء .

فعلي سبيل المثال كان المرشد يتحكم في القرارات المتعلقة بعضوية الهيئة التأسيسية للجماعة فضلا عن رؤساء المكاتب الإدارية والمناطق والشعب وينفي أحد قادة الجماعة أن يكون دور المرشد العام في هذا المجال اعتداء على حق الهيئة التأسيسية في اختيار من تريد وما تريد .

ويفسر ذلك بأن من حقه ، وهو الذي يباشر كل المسئوليات بنفسه وبمن حوله من القيادات أن يقدم إلى الهيئة تقريرا عن كل فرد منهم ومدي بلائه في الدعوة أو تقصيره في حقها كما أن من حقه أن يستعين بمن يشاء من الإخوان خارج نطاق القيادات الرسمية .

ولم تكن سيطرة المرشد العام على القرارات المتعلقة بالتجنيد للمستويات العليا لجماعة قاصرة على عهد حسن البنا ء ، ونما امتدت إلى عهد الهضيبي الذي استعان بمجموعة من الإخوان من خارج مكتب الإرشاد الذي كان قائما عند توليه منصبه هي مجموعة يصفها أحد أفادها بأنها كانت موضع ثقة واطمئنانه .

ورغم أن المرشد كان يسعي لأن تصدر القرارات بالإجماع فلم يكن بمقدوره دائما أن يحقق ذلك وبالتالي كان يضطر لإصدار بعض القرارات ضد موقف الأغلبية ومن أمثلة ذلك قرار تنازل حسن البنا عن الترشيح لانتخابات مجلس النواب عام 1942 في الإسماعيلية فقد طلب منه رئيس الوفد مصطفي النحاس التنازل وهدده بحل الجماعة ولكنه لم يستطع إقناع مكتب الإرشاد الذي رفض التنازل ومع ذلك اتخذ هو القرار وقام بتنفيذه تحت شعار الحرص على استمرار الجماعة ويصف أحد قادة الجماعة ذلك القرار بأنه كان أحد المواقف القليلة التي جاء فيها قرار المرشد العام صدمة لمشاع الإخوان لأنهم شعروا بأنه أضاع فرصة لو تمسكوا بها لأفادت الدعوة أعظم فائدة .

لكن يظل بالإمكان القول بأن المرشد العام كان قادرا في معظم الأحوال على إقناع قيادة الإخوان بالقرار الذي يريده .

ومن أمثلة ذلك قرار تعديل النظام الأساسي للجماعة الذي عقد له حسن البنا اجتماعا للهيئة التأسيسية في 8 سبتمبر 1945 وتمكن من احتواء لتحفظات التي كانت قائمة لدي بعض أعضائها تجاه هذا التعديل .

هناك أيضا قرار تأييد وزارة إسماعيل صدقي عام 1946 والذي صدر عن الهيئة التأسيسية بعد أن تبناه عقب اتصال صدقي به والملاحظ أن البنا كان حريصا على توفير الإجماع لهذا القرار بالذات إلى حد انه جميع الهيئة التأسيسية مرتين إحداهما عقب اتصال صدقي به والأخرى بعد لقائهما الذي عرض البنا خلاله مطالب الإخوان التي تم الاتفاق عليها في الاجتماع الأول للهيئة وقبل صدقي بعضها ، وقررت الهيئة في النهاية أن يكون الإخوان وراء هذه الوزارة ما سارت في الطريق الذي حددوه لها.

لكن الثابت أن المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي لم يتمتع بهذه القدور وخاصة بعد أن تزايدت الانقسامات في صفوف الجماعة عشية ثورة 1952 وبعدها فمع أواخر عام 1951 ظهرت مؤشرات على أنه لم يعد قادرا على التأثير ليس فقط على بعض القيادات القديمة للجماعة ، ولكن أيضا على مجموعات من الشباب ، واتضح ذلك عندما اكتفي بتوجيه نقد غير مباشر لاجتماع عقدته مجموعة من شباب الإخوان إثر إلغاء معاهدة 1936 ، وصدرت عنه قرارات تجرم العودة للمفاوضات وتجرم التعاون مع الإنجليز وتدين القوانين المقيدة للحريات فقد صرح الهضيبي بأن أعمال العنف لا تؤدي لإخراج لإنجليز من البلاد ، وبأن الكفاح العملي قد يأخذ صورا مختلفة غي مقاطعتهم مؤكدا أنه لا قيمة لقرارات تصدر من غير المركز العام للإخوان .

وظهرت محدودية تأثير الهضيبي على عملية اتخاذ القرار بوضوح أكثر عقب ثورة 1952 وخاصة عندما طرحت فكرة مشاركة الإخوان في الحكم فثمة ما يرجح أن قرار الجماعة بعدم المشاركة في وزارة محمد نجيب في 7 سبتمبر 1952 كان مخالفا لرغبته حي كان قد وافق على مشاركة الجماعة فيها ورشح بالفعل ثلاثة من الإخوان هم أحمد حسن الباقوري وحسن العشماوي ومنير الدلة لكن مكتب الإرشاد رفض ذلك ، وخاصة بعد أن اعترض مجلس الثورة على اثنين هما العشماوي ودلة .

كما ظهر ذلك عندما عجز عن إقناع الأغلبية في الهيئة التأسيسية ومكتب الإرشاد بأن الجماعة عن نفسها دينية بحتة عقب صدور قانون تنظيم الأحزاب في سبتمبر 1952 حيث أصرت هذه الأغلبية على التمسك بإعلان الجماعة هيئة سياسية على أساس أن هذا أقرب إلى فكر الإخوان وفهمها للإسلام وهو أنه لا يفرق بين الدين والدولة وكان رد فعل الهضيبي هو أن لزم منزله وهدد بالاستقالة ما لم تعدل التأسيسية عن قرارها .

أما بشأن الحزب الوطني فينبغي التمييز في عملية اتخاذ القرار داخله بين مرحلتين : مرحلة انتشاره الواسع وقيادته للحركة الوطنية حتى بدء الحرب العالمية الأولي ومرحلة تراجعه أو هبوطه " إلى الحضيض على حد تعبير أحد الدارسين حيث تحول إلى حزب أقلية صغير لا وزن له فقد تميزت المرحلة الأولي بوجود قدر من الديمقراطية في عملية اتخاذ القرار بالمقارنة مع المرحلة الثانية التي تركزت فيها سلطة القرار في مجموعة محدودة تكاد تقتصر على شخصها في معظم الأحوال .

وبالنسبة للمرحلة الأولي يمكن التمييز أيضا بين فترة وجود محمد فريد في مصر حتى 1912 ثم الفترة التالية التي اتسمت بدرجة أعلي من ديمقراطية اتخاذ القرار .

ففي الفترة الأولي من تلك المرحلة كان لرئيس الحزب دور كبير ، وإن لم يصل إلى حد الانفراد الكامل باتخاذ القرار .

فقد كان هناك دور لقيادات الحزب في اللجنة الإدارية أساسا في أكثر من مجال مثل إقرار الخطب التي تلتقي باسم الحزب حيث تشكلت لجنة خاصة لهذا الغرض من خمسة أعضاء كما وجدت لجنة سياسية خاصة من عشرة أعضاء للنظر في الأمور المتعلقة بسياسة الحزب إلى جانب اللجنة الإدارية وكانت قرارات رئيسية تتخذ في اجتماعات اللجنة الإدارية مثل قرار إعلان الاحتجاج على تقييد الصحافة في مارس 1909 لكن دور محمد فريد في اتخاذ هذه القرارات تراجع كثيرا بعد خروجه من مصر ، وأصبح عليه أن يقبل بالقرارات التي تتخذها اللجنة الإدارية في القاهرة بما فيها تلك التي تتعلق بسلوكه السياسي.

أما في المرحلة الثانية للحزب ، فالواضح من مذكرات سكرتيره العام خلالها أن معظم القرارات كانت تتخذ بالتشاور بينه وبين رئيس الحزب .

خاتمة

يتضح من هذا المبحث أن نمط توزيع السلطة والاختصاص في هذه الأحزاب اتسم بدرجة عالية من المركزية التي تفاوتت ، مع ذلك من حزب لآخر تفاوتا طفيفا بالنسبة للبناء التنظيمي كان حزب الوفد أكثر مركزية على المستويين الرأسي والأفقي في ظل غياب شبه كامل لأسلوب الانتخاب الذي كان قاصرا على قاعدة الهرم في البناء الأفقي فحسب أى اللجان الفرعية التي كانت تنتخب رئيسا وسكرتيرا في بعض الأحيان ولجان الدوائر التي كانت تنتخب من جمعية عمومية في بعض الحالات التي كانت فيها هذه اللجان سابقة في نشأتها على لجان المديريات التي تتبعها الدوائر .

كما اتسم بناء حزب الوفد بدور محوري مهيمن لرئيسه بدرجة أعلي مما عرفه حزب الأحرار والحزب الوطني فقد تميز حزب الأحرار بالذات بمحدودية دور رئيسه في عملية الاتصال خلال الأعوام السبعة الأولي قبل أن يتولي محمد محمود رئاسته عام 1929 حيث تعاظم هذا الدور حتى رحليه عام 1941 ليتراجع نسبيا بعد ذلك ورغم أن حزب الأحرار أعتمد في بنائه على أسلوب الانتخاب بشكل أوسع قليلا من الوفد فقد تشابها في طلبة الطابع المركزي عليهما .

والملاحظ أن بناء جماعة الإخوان تميز على بقية أحزاب تلك الفترة باهتمام بارز بالبناء الأفقي الذي كان أكثر ديمقراطية في بعض جوانبه من البناء الرأسي حيث أخذت الشعب والمناطق والمكاتب الإدارية بأسلوب الانتخاب في اختيار أعضاء مجالسها دون الرئيس الذي كان معينا من قبل المركز العام أما البناء الرأسي للجماعة فقد افتقد الديمقراطي بسبب عدم انتخاب الهيئة التأسيسية التي تقوم بانتخاب مكتب الإرشاد فكان انغلاق هذه الهيئة يحول دون أن يأتي مكتب الإرشاد معبرا عن إرادة قواعد الجماعة مما أتاح للمرشد العام الهيمنة عليها .

وكان بناء الحزب الوطني في سنواته الأولي قبل أن يصيبه التدهور منذ 1912 ذا طابع معاكس لبناء جماعة الإخوان حيث كان أكثر ديمقراطية في بنائه الرأسي فكانت جمعيته العمومية تنتخب قيادة الحزب بشكل دوري انتخابا حرا ولم يكن لرئيسه هيمنة كاملة لكن كانت هذه فترة قصيرة للغاية تدهورت أوضاع الحزب بعدها قبل أن يعاد بناؤه عام 1924 على أسس أبعد ما تكون عن الديمقراطية حيث أصبح الاتصال يتم في اتجاه واحد من أعلي إلى أسفل .

وعلى صعيد أسلوب اتخاذ القرارات الحزبية كان حزب الوفد أقلها ديمقراطية حيث كان الأسلوب الفردي هو السائد لانفراد رئيس الوفد باتخاذ أهم القرارات الأمر الذي لم يكن معروفا في حزب الأحرار إلا خلال فترة رئاسة محمد محمود عندما تغلب الأسلوب الفردي أو الشللي بمعني مشاركة مجموعة محدودة من قيادات الحزب الموالية له في اتخاذ بعض القرارات ففي هذا الحزب كان أسلوب اتخاذ القرارات يختلف حسب شخصية رئيسه حيث كان لمجلس إدارته دور بارز في هذه ، العملية خلال عهدي عدلي يكن وعبد العزيز فهمي ورغم التراجع النسبي لهيمنة رئيس الحزب على اتخاذ القرار بعد رحيل محمد محمود ، فلم يسترد مجلس الإدارة فيها كما كان عليه في السنوات السبع الأولي .

وفي جماعة الإخوان اتسمت عملية اتخاذ القرار باللجوء إلى التوافق نتيجة الحرص على صدور القرارات بالإجماع ، وساعد على ذلك النفوذ المعنوي الهائل للمرشد الأول الذي كان قادر في معظم الأحوال على إقناع قيادات الجماعة بالقرار الذي يريده وهي القدرة التي لم تتوفر للمرشد الثاني .

أما الحزب الوطني فقد تميزت مرحلته الأولي بوجود قدر من الديمقراطية في عملية اتخاذ القرار اختفي بعد ذلك عندما أعيد بناؤه عام 1924 .

المبحث السادس العلاقة بين النخبة والأعضاء

يتناول هذا المبحث طبيعة العلاقة بين النخبة والأعضاء داخل الأحزاب التي تم اختيارها خلال الفترة 1907 -1952 وهي الوفد والأحرار الدستوريون وجماعة الإخوان والحزب الوطني والمقصود بذلك هو تبين مدي الديمقراطية هذه العلاقة ، وبمعني مدي فرص لمشاركة المستوي القاعدي في إدارة شئون هذه الأحزاب وتوجيه سياساتها والقيام بدور فاعل .

أولا : الأطر المؤسسية لمشاركة الأعضاء

لم يكن هناك مؤتمر عام بالمعني الحديث في أحزاب تلك الفترة إلا في الحزب الوطني لعدة سنوات قليلة عقب تأسيسه وفي جماعة الإخوان بدرجة ما وعرف حزب الأحرار الدستوريين فكرة المؤتمر العام لكنه لم ينعقد سوي مرتين.

أما حزب الوفد فلم يعرف المؤتمر العام بأية صورة ، ولم يتضمن قانونه أية إشارة عنه لكن عندما جرب عملية إعادة تنظيم الوفد عام 1924 ، تشكلت هيئة الوفديين" من أعضاء مجلس النواب والشيوخ وممثلين اثنين عن كل مديرية يزيد عدد نوابها عن 14 نائبا أو ممثل عن كل مديرية يقل عدد نوابها عن ذلك ، وقد أقتصر دور هذه الهيئة على تنسيق مواقف الوفد تجاه القضايا التي تعرض علي البرلمان فحسب ولذلك كان نشاط هذه الهيئة ذا طابع موسي وصعب اعتبارها بديلا عن المؤتمر العام للحزب .

كما عرف الوفد نوع من المنتدى السياسي هو " النادي السعدي " الذي أنشئ عام 1924 ليكون مقرا لمداولات الأعضاء ومن ثم كان ذا طابع غير رسمي ولذلك يمكن القول بأن العلاقة بين القيادة والأعضاء في حزب الوفد كانت علاقة في اتجاه وحد ومن أعلي إلى أسفل وارتبط ذلك بالطابع الهلامي لهيكله التنظيمي والناتج عن رؤية قيادته له على أنه يمثل الأمة كلها .

وتعتمد هذا الهيكل على الجماهيرية الواسعة للوفد والتي لم يتم تنظيمها جيدا ، وهذا ما يفسر عجز الهيكل التنظيمي للوفد عن التعبير عن حقيقة نفوذه الشعبي في الشارع المصر ي .

ومعني ذلك أن الوفد استعاض عن تنظيم قواعده بالعلاقة المباشرة بين قيادته والشارع السياسي بوجه عام كانعكاس للظروف التي نشأ فيها وأتاحت أن يضع الشعب ثقته في هذه القيادة ويجعلها موضع أماله في تحقيق الاستقلال الأمر الذي جعل لها طابعا أبويا وإذا كان هذا هو الوضع على الصعيد الشعبي العام فمن باب أولي أن يكون قائما على مستوي أعضاء الوفد حيث نص قانونه على أن عضو الوفد ينفذ ما يصدر إليه من توجيهات ما دامت في خدمة الشعب .

وفي هذا السياق كان من الطبيعي أن يتبلور مفهوم خاص للزعامة الوفدية ارتبط بنظرية الوكالة عن الأمة المصر ي وبالطريقة الفريدة التي تكون بها الوفد وهي طريقة التوكيل الشعبي وإذا كان حزب الوفد لم يعرف صيغة المؤتمر العام فقد عرفها حزب الأحرار الدستوريين تحت اسم الجمعية العمومية التي انعقدت عند تأسيسه في 30 أكتوبر 1924 فقد تم الاتفاق على اعتبار الاجتماع التأسيسي للحزب جمعية عمومية وتباينت الروايات حول عدد الأعضاء الذين شاركوا في هذا الاجتماع حيث تراوحت بين 300 و500

ونصت لائحة الحزب على أن تتألف الجمعية العمومية من جميع الأعضاء العاملين في الحزب وكان هذا متسقا مع طبيعته كحزب كادر .

لكن الجمعية العمومية للحزب لم تنعقد إلا مرتين فقط بعد ذلك .

الأولي : في يناير 1942 تحت ضغط من نواب الحزب بهدف توحيد كلمته بعد أن كادت الانقسامات والأزمات تعصف به .

والثانية: في فبراير 1951 بهدف تجديد مجلس الإدارة .

وبذلك كانت هذه الجمعية معطلة في العادة مما أدي إلى تكوين مجالس إدارة بشكل غير ديمقراطي والواضح أن هذه الجمعية لم تنعقد بعد الاجتماع التأسيسي للحزب إلا في ظروف كانت وحدة الحزب مهددة .

والملاحظ على هذا النحو أنه رغم تشابه الوضع في حزبي لوفد والأحرار الدستوريين من حيث غياب المشاركة القاعدية الذي ينعكس في غياب المؤتمر العام في الوفد ووجود صيغة هشة له في الأحرار فإن هذا الوضع كان نتاج عوامل مختلفة فمحورية دور رئيس الحزب التي أدت إلى هذا الوضع في حزب الوفد لم تكن معروفة في حزب الأحرار إلا لفترة قصيرة خلال رئاسة محمد محمود كما لم تكن زعامته بقوة الزعامة الوفدية ولذلك كان العامل الرئيسي وراء غياب المشاركة القاعدية في حزب الأحرار الدستوريين يرتبط بطبيعة هذا الحزب كحزب نخبوي لا تعترف قيادته بدور الجماهير في الحياة العامة وكانت عضوية الحزب محدودة لهذا السبب ولاشتراط نصاب مالي كبير فضلا عن اقتصادها في البداية على من يزيدون عن 25 عاما الأمر الذي حال دون انضمام الكثير من الفئات له وإضافة إلى قصور جهازه التنظيمي عن التغلغل في الأقاليم كما سبقت الإشارة .

ورغم أن عضوية الحزب المحدودة لا تتيح مجالا للتمييز بين قيادته في مجلس الإدارة وقواعده في الجمعية العمومية على أساس معيار النخبة – الجماهير حيث كان معظم أعضائه أن لم كلهم من النخبة المتميزة اجتماعيا ، فالواضح أنه حدث تمايز داخله على أساس الحلقة الضيقة من القادة في مواجهة بقية الأعضاء .

وقد كان الوضع مختلفا بالنسبة لجماعة الإخوان والحزب الوطني فقد عرفا صيغة المؤتمر العام بشكل أكثر تحديدا واختلفت ممارسة الإخوان لهذه الصيغة بين مرحلتين :

أولهما بين عامي 1932 ، 1941 حيث تم عقد ستة مؤتمرات تحت اسم " المؤتمر العام "

وثانيهما بعد 1941 عندما تم تشكيل جمعية تأسيسية أصبحت تقوم مقام هذا المؤتمر .

والملاحظ في التجربة التنظيمية للإخوان أنها بدأت بدور فردي للمرشد الأول حسن البنا الذي شكل حوله نخبة أخذت في تأسيس 1932 ومارس 1935 ، ومارس 1936 ويناير 1939 ، ويناير 1941 وكانت المشاركة في هذه المؤتمرات قاصرة على الأعضاء العاملين والمجاهدين الذين يمثلون أعلى مراتب العضوية في الجماعة حيث توجد مرتبتان أخريان أدني مستوي هما الأخ المساعد والأخ المنتسب .

لكن لائحة عام 1945 اختصرت هذه المستويات الأربعة إلى مستويين فحسب هما عضو تحت الاختبار وعضو عامل . ومعني ذلك أن أسلوب اختيار أعضاء المؤتمر العام كان أسلوبا نخبويا وليس ديمقراطيا حيث لم يقم على حق قواعد الجماعة في انتخاب مندوبين لها إلى هذا المؤتمر ، ومع ذلك كان أداء هذا المؤتمرات يتسم بطابع ديمقراطي من حيث حرية المناقشة فحسب حيث لم يكن من صلاحياته انتخاب المستويات القيادية للجماعة وبتشكيل الهيئة التأسيسية للجماعة عام 1941 حلت محل المؤتمر العام وضمت في البداية مائة عضو اختارهم المرشد العام.

ولم يزد عدد أعضائها حتى أوائل الخمسينات عن 150 عضوا حيث كان يتم إسقاط العضوية عن 10 واختيار من يحل محلهم كل عام وكان جدول أعمالها يتضمن البنود التقليدية لأى مؤتمر عام حزبي مثل مناقشة تقرير المرشد العم عن النشاط وتقرير المراجع عن حسابات العام لمنصرم وميزانية العام المقبل واختيار أعضاء جدد محل الأعضاء العشرة الذين تسقط عضويته ولا تتوفر بيانات حول مدي ديمقراطية المناقشات داخل هذه الهيئة حتى يمكن مقارنتها بالمؤتمرات العام السابقة عليها ولكن الواضح أن أسلوب تشكيلها لم يكن أكثر ديمقراطية من تلك المؤتمرات فالمعايير الثلاثة التي تشكلت بناءا عليها في البداية ظلت قيدا على إمكان الانضمام إليها رغم الاعتماد على أسلوب الانتخاب في تجديد عشرة أعضاء كل عام ليس انتخابا حرا ولا انتخابا من أسفل إلى أعلي ، إنما انتخاب داخلي في الهيئة نفسها على أساس ترشيحات يقدمها المرشد العام .

وهكذا يمكن القول بان جماعة الإخوان عرفت صيغة المؤتمر العام بالمعني الحديث نسبيا لكن بشكلين مختلفين كان كلاهما أفضل حالا من حزبي الوفد والأحرار الدستوريين وغن لم يتوفر فيهما ذلك القدر من الممارس ة الديمقراطية الذي عرفه المؤتمر العام للحزب الوطني في سنواته الأولي فقد عرف هذا الحزب في بدايته صيغة حديثة للمؤتمر العام وقد وصف لاندو المؤتمر الأول للحزب الذي انعقد في 27 ديسمبر 1907 بأنه تم على الطريقة الأوربية وبالتالي ذهب إلى أن الحزب الوطني كان تنظيم حزبي حقيقي في مصر .

وقد انعقد المؤتمر العام للحزب ، والذي كان يطلق عليه " المؤتمر الوطني " ثلاث مرات بعد ذلك في ديسمبر 1908 ، ويناير 1911 ، ومارس 1912 ثم توقف لرحيل محمد فريد عن مصر ثم قيام الحرب العالمية الأولي وما صاحبها من قيود وتراجع لدور الحزب .

وتدل أعمال هذه المؤتمرات الأربعة التي عقدها الحزب خلال خمس سنوات على توفر قدر مقبول من الديمقراطية وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار عنصر الزمن حيث كان تطور الحياة الحزبية بمصر لا يزال في مرحلة مبكرة فضلا عن القيود التي فرضها وجود احتلالي أجنبي .

فرغم أن زعامة مصطفي كامل للحركة الوطنية التي كانت سابقة على تأسيس الحزب لم تتح للمؤتمر الأول القيام بدوره في انتخاب الرئيس إلا أنه قام بانتخاب اللجنة الإدارية انتخابا حرا ، كما قام بمناقشة لائحة الحزب بندا بندا وإقرارها ، ويذهب أحد الدارسين إلى أنه كان يضع ممثلين لمختلف فئات الأمة من عمال ومهنيين وممثلي الخاصة ومع ذلك فقد شغل أصدقاء مصطفي كامل المقربون أهم المناصب مثل محمد فريد الوكيل الأولي وفؤاد سليم السكرتير ومحمد سلطان أمين الصندوق .

ومع ذلك ورغم أن أسلوب تشكيل هذا المؤتمر لم يكن ديمقراطيا فقد اتسم أداؤه بقدر مقبول من الديمقراطية أتاح له القيام بدور فاعل في إدارة شؤون الحزب حتى 1912

وقام المؤتمر الثالث في يناير 1911 بانتخاب لجنة إدارية جديدة بعد انتهاء المدة القانونية للجنة الأولي ، وذلك بعد مناقشات وصفت بأنها ( تمت بروح ديمقراطية حيث تقرر عدم إعادة اللجنة السابقة بنفس هيئتها فكان رأي الأعضاء أن الإخلاص وحده ليس كافيا ولكن أيضا القدرة على العمل وسعة الوقت .

لكن ظهر منذ المؤتمر الرابع في مارس 1912 أن تصاعد القمع الذي يتعرض له الحزب أخذ يؤثر على نشاطه إجمالا الأمر الذي انعكس على ذلك المؤتمر حيث لم يحضره إلا عدد قليل من الأعضاء ومع ذلك فلم يخل من الحيوية ، حيث نوقشت خلاله قضية الأداء الحزبي وتم توجيه انتقادات لبعض اللجان الفرعية التي لم ترسل تقارير عن أعمالها .

وجاء رحيل محمد فريد إلى الخارج في الوقت الذي تزايد القمع ليؤدي إلى تراجع أداء الحزب وهو التراجع الذي أخذ يتعاظم في اتجاه التدهور حتى توقف نشاطه تقريبا خلال الحرب الأولي ، فلما عاد لاستئناف هذا النشاط بعدها ، كانت الظروف تغيرت كثيرا وتحولت قيادة الحركة الوطنية إلى الوفد الذي اجتذب إلى صفوفه عددا من أبرز قيادات هذا الحزب ، وتحول الحزب الوطني إلى أحد أحزاب الأقلية الصغيرة ولم ينعقد مؤتمره العام بعد ذلك ، وانفردت قيادته وخاصة رئيسه وسكرتيره بعملية اتخاذ القرار الحزبي كما سبقت الإشارة في المبحث السابق ، وفي غياب المؤتمر العام درجت اللجنة الإدارية على التعامل مع قواعد الحزب عن طريق البيانات التي تنشرها في الصحف كما فعلت مثلا في بيانها الذي نشرته في ديسمبر 1932 للفت نظر حضرات أعضاء الحزب الوطني إلى وجوب المحافظة على تقاليد الحزب في خطبهم وتصريحاتهم ورسائلهم باعتباره حزب معارضة للحكم القائم ما دام لا يقدم على تحقيق مبادئ الحزب بل يعمل على نقضها .

وعلى هذا النحو يمكن القول بأن الحزب الوطني عرف في سنواته الأولي فقط والتي لم تتجاوز الخمس أفضل صيغة للمؤتمر العام بين أحزاب ما قبل 1952 من حيث الممارسة الديمقراطية .

ثانيا : التجنيد ودوران النخبة

لم يعرف حزب الوفد أسلوب الانتخاب في عملية تشكيل أعضاء هيئته التي كانت تتم بالاختيار وفقا لقانونه الصادر في 13 نوفمبر 1918 .. وقد استمر هذا الأسلوب معمولا به طيلة 34 عاما وكل رئيس الوفد يعين هيئة الوفد المصر ي وهي أعلي مستوي حزبي ،. كما كانت هذه الهيئة تختار الهيئة الوفدية أى المستوي الذي يليها وكان أعضاء هذه الهيئة الأخيرة هم الذين يتحكمون في اللجان الفرعية .

وكانت قيادة الوفد تبرر استبعاد أسلوب الانتخاب بالحاجة إلى مصادر لتمويل نشاط الحزب وبالتالي ضرورة أن يكون رئيس الحزب حرا في اختيار من يستطيع تميل خزينة الحزب ، وقد أدلي فؤاد سراج الدين بشهادة مهمة في هذا الصدد أكد فيها أن العمل السياسي يحتاج إلى أموال ضخمة كان الوفد يحصل عليها من أعضائه لا من الدولة وكان الاشتراك الشهي لعضو الهيئة الوفدية بسيط لا يتجاوز جنيهين ما لا يشكل حصيلة تكفي للإنفاق على العمل السياسي ولذلك كان من الضروري يعين الوفد في هيئته بعض ذوي الثراء ، ولو ترك الأمر للانتخابات لسقط كثي من العناصر القادرة على التمويل .

لكن مهما كانت قيمة هذا المبرر من الناحية العملية فهو لا يصلح كدفاع عن تعطيل أحد أهم أساليب الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب وإذا كان من الممكن قبول القول بأنه لو كانت هناك انتخابات لرئاسة الوفد لفاز النحاس فوزا ساحقا فهو لا يعفي من عدم إجراء مثل هذه الانتخابات ،

وأصبح مكرم عبيد أول سكرتير عام للوفد في عهد رئاسة النحاس ولم يترك هذا الموقع إلا عام 1942 عندما اصطدم به ،، وظل هذا المنصب يتم شغله بالتعيين حي حل صبري أبو علم محل مكرم عبيد حتى وفاة الأول في أبريل 1945 ثم عبد السلام فهمي جمعة لفترة قصيرة حيث أعتذر لعدم قدرته على التفرغ للمنصب وأن كان المرجح انه نحي لصالح فؤاد سراج الدين الذي وصل إلى المنصب الثاني في الوفد بعد 12 عاما فقط من انضمامه إليه مستفيدا من كفاءته وثرائه ومركزه العائلي الكبير وقدرته على مجاملة الناس وقد تمت تنحية عبد السلام فهمي جمعة في إطار تزايد نفوذ التيار التقليدي الذي يستند إلى وزن كبار الملاك الذين دخلوا الحزب عقب معاهدة 1936 .

ومعني ذلك أن الحراك في قيادة الوفد كان محدودا ويرتبط غالبا بالإحلال محل المتوفين أو المنشقين وتعتبر حالة عبد السلام فهمي جمعة الذي استقال من منصب السكرتير العام حالة فريدة في هذا الإطار كما كان الانضمام إلى قيادة الوفد يتم بالتعيين فكل من دخل إلى هذه القيادة بعد السبعة الأوائل كان معينا وكان التجنيد يتم غالبا بناءا على رغبته .

وقد جري النحاس على هذا المنهج أى الانفراد بالتجنيد للقيادة فقام في 2 ديسمبر 1936 بضم 12 عضوا جديدا دفعة واحدة لهيئة الوفد وكان معظمهم من خارج صفوفه بعد أن كان التقليد هو الاختيار من بين الصف الثني فمنذ ذلك الوقت أخذ النحاس يضم أشخاصا يراعي في اختيارهم الثراء والنفوذ والعصبيات مما أدي إلى تدعيم نفوذ كبار الملاك في قيادة الوفد لكن تجدر ملاحظة أن رئيس الوفد انفتح في الوقت نفسه على عناصر شابة تحمل أفكارا جديدة لكنه لم يسمح لها بأن تصل إلى عضوية هيئة الوفد المصر ي ومع ذلك فقد أدي انفتاحه عليها إلى امتلاء المستويات الوسيطة للوفد بدم جديد الأمر الذي قاد إلى نوع من الانشطار في صفوفه بين جماعتين تقدمية ومحافظة مع استمرار التوازن لصالح الأخيرة وإن بشكل غير حاسم لعوامل تتعلق بالقوة الضاغطة التي كنت تمثلها قواعد الحزب رغم غياب الهيكل التنظيمي الذي يسمح بالانسياب من أسفل إلى أعلي .

فكانت هذه القواعد قادرة رغم ذلك على الضغط وخاصة على صعيد القضية الوطنية لأنها كانت أقرب إلى الجماهير الواسعة المحتشدة حول الوفد والتي كان النحاس حريصا عليها .

وكما كان الحال في الوفد لم يعرف الأحرار الدستوريون أيضا أسلوب الانتخاب في التجنيد لقيادته حيث درج على تشكيلها بالاختيار الذي لم يكن الرئيس الحزب الدور الحاسم فيه دائما وهو ما يختلف مع حاله الوفد فكان التشاور بين قيادات الحزب يلعب دورا مهما في هذه الملية في بعض الأحيان وخاصة خلال رئاسة عدلي يكن وعبد العزيز فهمي للحزب ومع ذلك فقد قاما كغيرها بتعديل مجلس إدارة الحزب عند توليهما الرئاسة حيث كل رئيس جديد للحزب يقوم بإدخال أعضاء جدد وإخراج آخرين .

ويعتبر حزب الأحرار الدستوريين الوحيد في تلك الفترة بل وحتى الآن في مصر الذي شهد تداولا على مستوي رئاسته لأسباب غير وفاة الرئيس ففي 17 يناير 1924 استقال عدلي يكن موضحا انه كان ينوي اعتزال العمل بالسياسة قبل الانتخابات لكن تأخر هذا التصميم لاعتبارات وقتية زالت لكن المرجح أن النتائج الهزيلة التي حققها الحزب في الانتخابات ( 6 مقاعد فقط مقابل 214 للوفد ) كانت العامل الرئيسي وراء استقالته بما أدت إليه من تفجر أزمة داخل لوح خلالها مدحت يكن وكيل الحزب ورئيس شركة جريدة " السياسة " التي يصدرها الحزب بالاستقالة وثمة اعتقاد بأن عدلي أقدم على الاستقالة لأنه كان يفتقر إلى الجرأة والعزم وينفر من الخصومة وأن شخصيته لم يكن يتوفر فيها ما هو ضروري للنضال الحزبي من قوة التأثير والمناورة والسيطرة ويؤيد ذلك إسماعيل صدقي الذي كان قريبا منه حيث يقول إنه امتاز بالترفع عن الخصومات الحزبية ورغم أنه ترأس حزبا فلم يكن رجلا حزبيا .

وبعد أن ظل بلا رئيس طوال 1924 توافق قادة الحزب على اختيار عبد العزيز فهمي في يناير 1925 ، رغم أنه لم يكن عضوا بالحزب عند تأسيسه إنما أبرق لعدلي يكن مؤيدا ومهنئا والثابت أنه كان مترددا كسلفة في قبول رئاسة الحزب ، ويعتقد أحد الدراسيين أنه قبلها استحياء وخجلا بعد مسعى قام به أبرز قادة الحزب مثل عدلي يكن ومحمد محمود وحافظ عفيفي وقد لجأوا إليه لنفس السبب الذي دفعهم من قبل نحو عدلي يكن ، اعتقادا في أنه اسم يرتبط لدي الجماهير بلقاء 13 نوفمبر 1918 وأنه من ثم ند لسعد زغلول وقد ثم اختياره من خلال تفاقم قادة الحزب دون اجتماع رسمي أو انتخاب .

واستقال عبد العزيز فهمي في 4 مارس 1936 معللا ذلك بأنه كان قد قبل رئاسة الحزب عندما اعتزل عدلي السياسة أما وقد عاد إليها فرأي أن يستقيل لتعرض الرئاسة على عدلي أو ثروت فإذا لم يقبلاها عرضت على محمد محمود .

لكن المرجح أن فمي اختلف مع قيادة الحزب حول مسالة الائتلاف مع الوفد التي كان محتفظا عليها بسبب خصومته القديمة مع سعد زغلول الذي سعي من خلال هذا الائتلاف إلى دعم محمد محمود وكيل حزب الأحرار وقد يدعم هذا التفسير أن فهمي نفسه ربط في ذكرياته بين حدوث الائتلاف مع الوفد وبين تقديم استقالته لكن دون إيضاح.

وشهدت تلك الفترة تعاظم نفوذ محمد محمود في الحزب الذي أصبح مرة أخري بلا رئيس وكانت ملامح هذا النفوذ، فيما يتعلق بحراك القيادة قد ظهرت عندما اضطر عبد العزيز فهمي للاستقالة ليخلي الطريق أمام الاتجاه الذي يسعي من أجله محمد محمود وهو الائتلاف مع الوفد كما ظهرت قبل ذلك عندما نجح محمد محمود في الحيلولة دون انضمام إسماعيل صدقي للحزب رغم أنه كان أكثر المشجعين لإنشائه وكان عدم انضمامه للحزب لغز لم يحله إلا التفسير الذي قدمه د. هيكل وهو أن محمد محمود لم يكن يستطيع التعاون مع صدقي بوجه خاص وأصبح هو الرئيس الفعلي للحزب منذ استقالة فهمي .

وإن لم يتول الرئاسة رسميا إلا في 24 فبراير 1929 وكان محمد محمود على عكس سلفيه هو الذي سعي للرئاسة بل وطلبها بشكل مباشر عندما أصبح رئيسا للحكومة يونيو 1928 مبديا استعداده لأن يبذل كل جهده وماله لتدعيم الحزب فوافق قادته على ذلك وكانت هذه أول مرة يجتمع مجلس الإدارة الانتخاب الرئيس لكنه لم يكن انتخاب وإنما تصويت متفق عليه مسبقا ويقول د. هيكل إنه ( لم يكن هناك محل لأي تردد في أن يكون محمد محمود رئيسا للحزب باختيارنا بعد أن اضطلع بمسئولية الحكم برضانا وتأييدنا .

وظل محمد محمود رئيسا للحزب حتى وفاته في 31 يناير 1941 .

وخلال فترة رئاسته كان الانسجام داخل مجلس إدارته الذي أتاح التوافق على اختيار رئيس الحزب قد تراجع نتيجة تصاعد الخلافات بين أعضائه ولذلك ظهرت نذر صراع على الرئاسة بوفاة محمد محمود مما أدي اللجوء إلى عبد العزيز فهمي مرة ثانية كحل مؤقت حيث اشترك أن يتولي الرئاسة لمدة عام واحد حتى يمكن اختيار رئيس جديد وصف ذلك بأنه لتفادي الأزمة لكن فترة رئاسته استمرت لما يقرب من عامين شهد الحزب خلالها أول معارك جدية على المناصب العليا في الحزب بعد أن كان التوافق هو ما يميز أسلوب شغل هذه المناصب فعندما قام فهمي بتعيين أحمد خشبة نائبا للرئيس ، ثار د. هيكل وأصدقاؤه وضغط خلال مرض عبد العزيز فهمي وتغلب هيكل مما اضطر خشبة للتراجع وتم انتخاب هيكل رئيسا في اجتماع لمجلس الإدارة في 10 يناير 1943 بإجماع الحاضرين ليصبح أخر رئيس للحزب ولم يعرف حزب الأحرار الدستوريين أسلوب الانتخاب في تشكيل مجلس إدارته أيضا فكان الحراك في مجلس الإدارة يرتبط بتولي رئيس جديد حتى وفاة محمد محمود عندما أصبح الخلاف داخل المجلس عاملا خر للحراك .

فلما تولي عبد العزيز فهمي الرئاسة خرج عشرة أعضاء من المجلس ودخله ثمانية جدد وأصبح حسين عبد الرازق أمين صندوق بدلا من المكباتي وحافظ عفيفي وكيلا بدلا من مدحت يكن ،

وعندما جاء محمد محمود كرئيس تولي الوكالة بدلا منه محمود عبد الرازق الذي لم يكن عضوا بمجلس الإدارة كما أصبح إبراهيم دسوقي أباظة سكرتيرا عاما وعبد الحليم العلايلي سكرتيرا مساعدا وعلى إسلام أمينا للصندوق ودخل 12 عضوا جديدا للمجلس بينما خرج منه أربعة فقط وبذلك أصبح المجلس يضم 36 عضوا رغم أن قانون الحزب يحدد أعضاء بثلاثين فقط وفي يناير 1938 حدث تغيير في اللجنة التنفيذية حيث أصبح رشوان محفوظ وعلى عبد الرازق وكيلين وعبد الجليل مسعود أمينا للصندوق وأحمد عبد الغفار سكرتيرا مساعدا .

وفي عهد رئاسة د. هيكل للحزب وصل عدد أعضاء مجلس الإدارة إلى 43 عضوا لأنه أدخل عددا من القيادات الشابة من أصدقائه وتلاميذه ممن لم يكن لهم دور في الحزب إلى مجلس الإدارة وعلى هذا النحو لم يكن هناك أى معيار موضوعي للحراك في مجلس إدارة الحزب وحيث ارتبط الدخول إلى المجلس برغبات رئيس الحزب أو ظروف الخلافات الحزبية ولم يكن للجمعية العمومية أى دور لأنها لم تجتمع بعد الاجتماع التأسيسي .

كما برزت في السنوات الأخيرة للحزب ظاهرة أبناء قادة الحزب القدامي الذين تم ترشيحهم للانتخابات عام 1948 .

وبذلك كان الحراك في القيادة الحزبية يتجه صوب الوراثة وإن لم تكتمل هذه العملية بسبب حل الحزب عقب قيام ثورة 1952 .

وهكذا يمكن القول بأن الحراك في قيادة هذا الحزب اتسم بافتقاد الممارسة الديمقراطية بسبب غياب أسلوب الانتخاب رغم أن رئاسة الحزب لم تتسم بالهيمنة الكاملة كما كان الحال في الوفد وأن ظل دور رئيس الحزب هو الغالب في إعادة تشكيل مجلس إدارة الحزب .

وعلى عكس الوفد والأحرار الدستوريين عرفت جماعة الإخوان أسلوب الانتخاب في التجنيد لقيادتها ، لكن مع وضع قيود عليه تتيح للمرشد العام سلطات واسعة فرغم أن مكتب الإرشاد أصبح منتخبا منذ تشكيل الهيئة التأسيسية في أوائل الأربعينيات فقد نص قانون الجماعة على أن يكون ثلاثة أرباع أعضائه من القاهرة ( 9 أعضاء ) والربع فقط من الأقاليم ( 3أعضاء ) وكان نظام الحصص هذا يتيح للمرشد إمكانية التأثير على عملية انتخاب مكتب الإرشاد بتدعيم الأشخاص الذين يثق بهم شخصا من خلال معرفته لهم .

وكانت الحصة العالية للقاهرة تساعده على ذلك ، لأنه منذ أن استقر بالقاهرة عام 1932 ، أصبح أكبر معرفة بقيادات الجماعة فيها .

والملاحظ ن انتخابات مكتب الإرشاد كانت تتم دون ترشيح ، فلم تكن هناك قائمة مرشحين معلنة وإنما يكتب كل عضو بالهيئة التأسيسية ورقة تضم العدد المطلوب لعضوية المكتب ويتم الفرز والتبرير الذي يقدم لهذا الأسلوب أنه يحول دون تركيبة المفسر لكن هذا الأسلوب يؤخذ عليه أنه قد يناسب مجموعة تعرف بعضها جيدا ولا يحتاج أعضاؤها إلى ممارسة دعاية انتخابية .

ويظهر تقييد أسلوب الانتخاب أيضا في تشكيل مجالس إدارات الشعب التي تعتبر الوحدات الأساسية للجماعة فكانت هذه المجالس تنتخب من جمعيات عمومية فرعية تضم جميع الأعضاء المسددين لرسوم العضوية ، وهو أسلوب ديمقراطي لم يعرفه أى حزب سياسي قبل 1952 لكن الشعب لم تكن تستطيع اختيار رئيس مجلس الإدارة الذي كان يعين من المركز العام وإنما كانت تنتخب وكيلين وأمين الصندوق وكان هذا هو الأسلوب المتبع أيضا في المناطق والمكاتب الإدارية وقد تم تبرير مسألة تعيين رؤساء الشعب والمناطق والمكاتب الإدارية، رغم انتخاب مجالس إدارتها بأنه يهدف إلى الحفاظ على وحدة الأمر ، وليكون الرؤساء ممن تشربوا الفكرة جيدا ولوضع الرجل الصالح في المكان الصالح إذا لم يكن معروفا أو يكن يحسن التعريف بنفسه .

ومع ذلك فالملاحظ أن عملية اختيار المرشد الثاني للجماعة بعد اغتيال البنا عام 1949 اتسمت بطابع تنافسي فرضته الظروف المحيطة بها في ذلك الوقت ، فكانت الجماعة غير قائمة من الناحية القانونية بعد صدور قرار بحلها عام 1948 ،مما أدي إلى نوع من السيولة في بنائها التنظيمي جعل من الصعب ظهور شخص يحسم الموقف لصالحه بسرعة خاصة وأن النمط القيادي لحسن البنا لم يدع مجالا لظهور شخص محدد يليه في الهرم التنظيمي ، حيث كانت القيادات البارزة بمثابة رؤوس متساوية وأدي ذلك إلى تفضيل اللجوء لشخص من خارج جمعة المتنافسين .

وبسبب الخوف من انقسام الجماعة في مجري هذا التنافس لقيت فكرة اختيار حسن الهضيبي مستشارا له وموضع سره خاصة خلال الأيام التي سبقت اغتياله ولم يكن الهضيبي ساعيا إلى هذا المنصب وإنما على العكس اعتذر في البداية ولم يقبل إلا بعد رجاء وإلحاح على حد تعبير خليفته بعد ذلك عمر التلمساني وتم انتخابه بشكل رسمي في 19 أكتوبر 1951 بعد شهر من استعادة الجماعة لشرعيتها بحكم من مجلس الدولة في 17 سبتمبر .

وقام المرشد الجديد بإجراءات غير ديمقراطية في مجال لقيادة الجماعة حيث عين وكيلا جديدا من المنضمين حديثا لها هو عبد القادر عودة كما استقدمخميس حميدة من المنصورة ليعينه نائبا للمرشد العام وعين عمر التلمساني سكرتيرا عاما مساعدا لكنه لم يدخل أى تعديل على مكتب الإرشاد على عكس ما ذهب إليه أحد المؤرخين من أنه قام بإعادة تشكيل هذا المكتب فيؤكد أحد قادة الجماعة أن الظروف اقتضت الإبقاء على مكتب الإرشاد دون تغيير لكن الذي حدث أن المرشد الجديد استعان بمجموعة من خارج المكتب وصفت بأنها موضع اطمئنانه وثقته فكان يكل إليها بعض المهام وأطلق عليها بعض الإخوان " مجموعة الروضة لأن معظمهم كان يقطن في هذا الحي مع الهضيبي .

وعندما جرت انتخابات مكتب الإرشاد بعد ذلك عقب قيام ثورة 1952 جاءت النتائج وفقا لما كان الهضيبي يأمله حيث خرج أعضاء لم يكن يريدهم وعلى رأسهم صالح عشماوي ودخل آخرون من رجاله وكانت هذه أخر انتخابات وأخر عملية تجديد في قيادة الجماعة قبل حلها عام 1954 ومطاردة أعضائها لفترة طويلة .

وهكذا يمكن ملاحظة أن أسلوب الحراك في قيادة جماعة الإخوان كان أكثر ديمقراطية منه في حزبي الوفد والأحرار الدستوريين رغم الدور المحوري الذي حظي به المرشد العام للجماعة في كثير من جوانب هذا الحراك.

وإذا كان أسلوب الانتخاب كمعيار للحراك لم يعرفه حزبا الوفد والأحرار الدستوريين فقد عرفه الحزب الوطني لكن في سنواته الأولي فحسب قبل أن يصيبه التدهور فقد ظل المؤتمر العام للحزب ينتخب الرئيس والجنة الإدارية حتى عام 1912 .

لكن عاب لائحة الحزب أنها لم تحدد مدة معينة لرئيسه . مما أدي إلى انتخاب مصطفي كامل مدي الحياة .

غير أن وفاته السريعة أتاحت إحداث تغيير مهم حيث طلب محمد فريد أن يكون انتخابه لمدة ثلاث سنوات فقط ومع ذلك فقد عاد المؤتمر في اجتماعه الثالث في يناير 1919 لينتخبه رئيسا للحزب مدي الحياة والثابت أنه حدثت خلافات داخل الحزب على خلافة رئيسه الأول مصطفي كامل نتيجة التنافس بين شقيقه على فهمي كامل عضو اللجنة الإدارية وبين وكيل الحزب محمد فريد .

وهناك ما يدل على محاولة الخديو للتدخل في هذا التنافس ضد محمد فريد خشية مواقفه الثورية وقد أكد محمد فريد في أوراقه أن على فهمي كامل نافسه بإيعاز من الخديو لكن تجدر الإشارة إلى أن الروايات الخاصة بالتنافس على رئاسة الحزب الوطني في ذلك الوقت مصدرها الرئيسي أوراق محمد فريد و يوجد مصدر يعرض وجهة نظر على كامل الذي لم يترك مذكرات خاصة به وإنما ترك سيرة لمصطفي كامل فقد .

ويورد أحد المؤرخين أن شقيق على الأصفر حسني كامل أكد له في مقابلة معه عام 1963 أن على كامل لم يعارض أبدا رئاسة محمد فريد للحزب .

ومع تدهور أوضاع الحزب بهرب محمد فريد للخارج ونشوب الحرب العالمية الأولي ، تأثر بناؤه التنظيمي كما سبقت الإشارة وصار موزعا بين الداخل والخارج ، وانتقل النشاط الرئيسي للحزب تدريجيا إلى أوربا، ولم يعد ثمة تنظيم حزبي يمكن دراسة الحراك في قيادته .

فكان ثمة عند من أعضاء اللجنة الإدارية في الخارج ، وهم محمد حمزة ومحمد على محمد وإسماعيل لبيب وعوض البحراوي وإسماعيل كامل وأحمد طاهر إضافة إلى رئيس الحزب محمد فريد ، ويروي الأخير أنه في ديسمبر 1917 اجتمع كل المصر يين الموجودين ببرلين تحت رئاسته وتم الاتفاق على أن تضم اللجنة الإدارية لنفسها من تري فيهم اللياقة للعمل ويشير إلى ضم الشيخ جاويش للجنة لأول مرة في ذلك الوقت .

وعقب وفاة محمد فريد في نهاية 1919 ، وظل الحزب بلا رئيس لعدة سنوات حيث تدهورت أوضاعه وفقد الكثيرين من قادته ، وفي أوائل 1923 ظهرت حركة داخل الحزب تدعو إلى إعادة تنظيم صفوفه فاجتمع المؤتمر العام بحضور عدد قليل لا يستوفي الحد الأدنى اللازم لانعقاده وانتخب حافظ رمضان رئيسا رغم معارضة الجناح المتشدد فغي الحزب بزعامة الشيخ جاويش .

واتسم الحراك في قيادة الحزب الوطني خلال الفترة التالية بالمحدودية حيث لم يجر أى انتخاب جديد للجنة الإدارية على عكس الفترة الأولي عقب تأسيس الحزب حيث كانت عملية تجديد هذه اللجنة تتم بأسلوب ديمقراطي فالثابت أن مصطفي كامل لم يفرض لجنة إدارية معينة ، وإنما ترك تشكيلها لانتخابات وإن حرص على يكون أصدقاؤه المقربون في المناصب الرئيسية ، وتم تجديد اللجنة الإدارية في المؤتمر الثالث للحزب في يناير 1911 حيث كان مستوي الحركة مرتفعا للغاية ، فلم تضم اللجنة الجديدة سوي عشرة أعضاء فقط من اللجنة السابقة وخرج عنها بعض من أغني قادة الحزب مثل وكيله أحمد فائق وأمين صندوقه محمد سلطان إلى جانب محمود أنيس ومحمد خلوصي وويصا واصف الذي كان القبطي الوحيد فيها .

لكن الحزب الوطني فقد الطابع الديمقراطي لعملية تجديد قيادته بعد آخر انتخاب لها عام 1911 . ومنذ أن انتخب حافظ رمضان رئيسا للحزب ، ظل في منصبه على مدي حوالي 30 عاما ولم يتغير سكرتيره محمد زكي على إلا عندما عين مستشارا بمحكمة الاستئناف عام 1932 فانتخبت اللجنة الإدارية عبد الرحمن الرافعي مكانه ولم تتمكن مجموعة الشباب التي انضمت إلى الحزب أواخر 1944 من تحريك الجمود الذي خيم على الحزب.

وبذلك يكون الحزب الوطني الذي عرف أكثر أساليب الحراك ديمقراطية في سنواته الأولي قد تساوي مع حزبي الوفد والأحرار الدستوريين بعد ذلك لتصبح جماعة الإخوان أفضل أحزاب تلك الفترة من حيث مستوي ديمقراطية الحراك في قيادتها .

خاتمة

يتضح من هذا المبحث أن العلاقة بين القيادة والأعضاء اتسمت بعدم الديمقراطية إجمالا في الأحزاب الأربعة ، وإن عرفت جماعة الإخوان والحزب الوطني وضعا أفضل نسبيا لتوفر قدر محدود من المشاركة القاعدية .

فبالنسبة للمؤتمر العام يمثل أهم حلقة اتصال بين قيادة وقواعد أى حزب لم يكن له وجود في حالة حزب الوفد الذي لم يعرف أيضا التنظيم الحديث للعضوية مكتفيا بالعلاقة المباشرة بين قيادته والشارع السياسي بوجه عام ورغم أن حزب الأحرار الدستوريين عرف المؤتمر العام في صورة جمعيته العمومية التي قامت بتأسيسه إلا أن هذه الجمعية لم تنعقد سوي مرتين عامي 1942 و1951 في ظروف كانت وحدة الحزب فيها مهددة ، ولم يكن لهذه الجمعية أى دور في النشاط الحزبي .

أما جماعة الإخوان والحزب الوطني فقد عرفا صيغة المؤتمر العام بشكلها الحديث لكن لم يتوفر الأسلوب الديمقراطي في اختيار أعضاء هذا المؤتمر وإن كانت ممارسة الحزب الوطني لهذه الصيغة في سنواته الخمس الأولي فقط اتسمت بقدر أعلي نسبيا من الديمقراطية مما عرفته جماعة الإخوان سواء على صعيد دور المؤتمر في انتخاب قيادة الحزب أو المناقشات التي كانت تجري داخله ولذلك يمكن القول بأن الحزب الوطني عرف خلال سنواته الأولي تلك أفضل صيغة للمؤتمر العام .

وعلى صعيد عملية الحراك في القيادة الحزبية كانت العامة للأحزاب الأربعة هي محدودية انفتاح هذه القيادة ، فلم يعرف حزب الوفد أسلوب الانتخاب في عملية تشكيل قيادة الحزب التي كانت تتم بالتعيين دائما أنفرد حيث رئيس الوفد باختيار من يروق له ، ورغم أن حزب الأحرار لم يعرف أسلوب الانتخاب أيضا كما كان الحال بالنسبة للوفد كان الفارق بينهما أن دور الرئيس في حزب الأحرار لم يكن حاسما دائما في تشكيل القيادة حيث كانت هناك مساحة للتشاور بين قيادات الحزب في هذه العملية وإن في أحيان قليلة ، بل وبرزت أهمية هذا التشاور في اختيار رئيس الحزب نفسه .

أما جماعة الإخوان والحزب الوطني فكان حالهما أفضل .

فقد عرفت جماعة الإخوان أسلوب الانتخاب في التجنيد للقيادة مع وضع قيود تتيح للمرشد سلطة واسعة في هذه العملية كما اتسمت عملية التجنيد للقيادة في الحزب الوطني بطابع ديمقراطي في سنواته الأول فقط حيث كان المستوي القيادي الأعلى ( الرئيس واللجنة الإدارية ) منتخبا من المؤتمر العام وهو ما لم يعرفه حزبا الوفد والأحرار وإن عرفته جماعة الإخوان بشكل مقيد .

لكن هذا الطابع انتفي بعد ذلك ليتساوي الحزب الوطني مع حزبي الوفد والأحرار ولتصبح جماعة الإخوان هي الأفضل من حيث ديمقراطية التجنيد لقيادتها .

المبحث السابع أنماط التفاعلات داخل النخبة الحزبية

يتناول هذا المبحث مدي ديمقراطية العلاقات داخل المستويات العليا – القيادية – للأحزاب ومدي فاعلية عملية إدارة هذه العلاقات في تجنيب الحزب الإنشقاقات أو الانسلاخات منه .

أولا : حزب الوفد

كان حزب الوفد نموذجا للإدارة السلطوية – لا الديمقراطية – للعلاقات داخل قيادته فقد انعكس الدور المحوري لرئيسه على إدارة الخلافات حيث كان الرئيس قادرا في العادة على حسم أى خلاف بأسلوب سلطوي وكانت سيولة البناء التنظيمي عاملا مساعدا على ذلك.

خلاف سعد مع زملائه :

وكان ميل سعد زغلول لاستبعاد الأسلوب الديمقراطي في إدارة الخلافات الحزبية الداخلية واضحا منذ نشأة الوفد ، فقد عرض على زملائه في 20 فبراير 1919 أن يأذنوا له باستخدام أساليب سرية في عمل الوفد ، فاعترض بعضهم مما حمله على العدول عن اقتراحه ، ويرجح أحد المؤرخين أن يكون سعد قد جاري زملاءه عندما عارضوا اقتراحه بينما كان قد صمم على تنفيذه وهو ما قام به من خلال علاقته المتميزة مع سكرتير لجنة الوفد المركزية عبد الرحمن فهمي .

وقد عالج سعد زغلول خلافاته مع زملائه في قيادة الوفد بأسلوب غير ديمقراطي في الغالب وكان أهمها الخلاف حول الموقف من مشروع ملنر والذي سبقته خلافات أخري أقل أهمية مثل الخلاف حول من يسافر إلى أمريكا لعرض رأي الوفد أمام مجلس الشيوخ ، والخلافات حول الاتصالات بالساسة الإنجليز عندما تنكرت وفود الدول الكبرى للوفد خلال وجوده بباريس وغيرها من الخلافات التي ظهرت قبل وصول عدلي يكن إلى باريس في أبريل 1919 وهي خلافات وصفها سعد بأنها ( سطحية قد ترجع إلى توتر الأعصاب نتيجة لطول الانتظار وعدم وجود عمل إيجابي لدي أعضاء الوفد ) .

وهناك ما يدعم وجهة النظر هذه رغم ن تلك الخلافات قدت إلى انسلاخ اثنين من قادة الوفد هما إسماعيل صدقي ومحمود أبو النصر ومعهما أربعة من مستشاريه هم حسين واصف وعلى حافظ رمضان وويصا واصف وعزيز منسي .

وليس ثمة ما يبرر تفسير هذا الانسلاخ بأنه تعبير عن الجناح الرجعي الأكثر تمثيلا للرأسمالية المصر ية المتجهة إلى الاحتكار والتعاون مع الرأسمالية الأجنبية كما ذهب أحد المؤرخين فحتي هذه المرحلة من تاريخ الوفد لم يكن قد حدث تناقض طبقي يؤدي إلى وجود أجنحة على أساس تناقض المصالح.

لكن الخلاف الرئيسي داخل قيادة الوفد بدأ مع إعلان مشروع ملنر والاتصالات حوله فكان الموقف يتلخص في قبول كل أعضاء الوفد ما عدا سعد لمشروع ملنر كأساس للمفاوضات ورفض سعد إعمال قاعدة الأغلبية في هذا الخلاف ولجأ عوضا عن ذلك إلى التحرك ضد موقف الأغلبية بنقل الخلاف إلى الشارع المصر ي لعدم وجود تنظيم حزبي محدد للوفد في لذك الوقت ، وهذا أسلوب مشروع في إدارة الخلاف الحزبي لكنه افتقد الطابع الديمقراطي نتيجة إصرار سعد المطلق على عدم التعامل مع الموقف الأخر ، وهو موقف الأغلبية ورغم عدم ديمقراطية أسلوب سعد في إدارة ذلك الخلاف فمن الصعب قبول وصف هذا الأسلوب بأنه (لا يرقي إلى مستوي الأمانة والنزاهة ) ما ذهب أحد المؤرخين .

ومع ذلك فالواضح أن سعد غالي في استخدام الاتصالات السرية مع أنصار في مصر وخاصة عندما ظهرت فكرة أن يؤلف عدلي وزارة للتفاوض والتي كانت مقبولة من معظم أعضاء الوفد .

فأصبح إرسال الخطابات السرية لأنصاره دون علم أعضاء الوفد الموجودين معه عملية مستمرة استغني بها عن الحوار معهم وقد اعترض خمسة من أعضاء الوفد على اتصالات سعد السرية ووجهوا له خطابا في 2 يناير 1921 أعربوا فيه عن الحالة اقتراح بعض أعضائه أن يقوم عدلي بالتفاوض على قاعدة تحقيق تحفظات الأمة على مشروع ملنر وأن يقوم الوفد بالرقابة .

وتدهورت العلاقة بين سعد والأغلبية في الوفد إلى حد تفضيل ستة أعضاء العودة للقاهرة ووصل التدهور إلى ذروته مع اتجاه سعد إلى شن حملة عليهم والطعن فيهم والملاحظ أن هذه التطورات دفعت بسعد زغلول إلى السعي لمزيد من الاستئثار بالسلطة في الوفد فصارح زملاءه الباقيين معه بضرورة تعديل قانون الوفد لينص على أن أى عضو اختلف مع الرئيس يجب عليه الاستغناء وأن يكون الرئيس مختصا وحده بأعمال التحضير والتنفيذ والتصديق على القرارات فلم يصادف هذا الاقتراح ارتياحا لديهم .

واعتبر سعد ذلك دليلا على أنه ليس عندهم في المنزلة التي يتوهمها ويوضح ما كتبه في مذكراته تعليقا على ذلك تزايد النزعة غير الديمقراطية لديه  : ( يلزم أن أضع نصب عيني في يوم من الأيام أن أكون فريدا لا زميل لي وحينئذ أستعين بموظفين وأعمل كرجل صاحب نفوذ في أمته ...)

والملاحظ أيضا أن سعد زغلول كان يفرض قراراته على أنصاره في الوفد فعندما اتجه السلطان إلى تشكيل فريق للتفاوض مع بريطانيا إثر صدور تقرير لجنة ملنر وجه سعد بيانا للأمة يرفض التفاوض ويؤكد أن المعنيين للقيام به ليسوا نوايا عن الأمة وذلك رغم معارضة أنصاره سواء في باريس أو القاهرة .

ووصل الخلاف بين سعد ومعارضيه في الوفد إلى نهايته المحتومة بالانشقاق عندما فشلوا في إقناعه عند عودته إلى القاهرة بترك عدلي يكن يتولي المفاوضات الرسمية فاستقال في آخر أبريل 1921 أحد عشر عضوا بالوفد.

والمثير للانتباه أن الاتجاه الغالب في التاريخ لذلك الخلاف يؤيد موقف سعد زغلول رغم عدم ديمقراطيته حيث عولج الموضوع في العادة من زاوية القضية الوطنية وليس في إطار قضية الديمقراطية ويعتقد الباحث أن هذا الاتجاه ينطوي على خلل وخاصة عندما يوصف موقف سعد بأنه ( شجاعة نادرة للزعيم في مواجهة الأغلبية الساحقة من أعضاء الوفد ) ويتم الثناء على قوله ( أنا الوفد ولا أعمل إلا ما أعتقد) كما وصل الأمر إلى حد تبرير موقف سعد بأنه ( كان تصفية للقيادة الوطنية من قوة مختلفة ) وعندما قام العقاد بتقييم ذلك الخلاف .

ركز أيضا على القضية الوطنية دون قضية الديمقراطية فلم ير سوي أن سعد رفض تخاذل الأغلبية وتساهلها واستكثر ومعه الأقلية ( أن يقنعوا من الثورة بهذا النصيب وهي فرصة لا تعود في كل جيل ) كما أثيرت فكرة الأمانة التي حملتها الأمة لسعد زغلول ولم يكن بمقدوره الفكاك منها كتبرير لسلوكه مع الأغلبية ( ولذلك كان عليه أن يعرض مشروع منلر على صاحب الولاية وهو الأمة )

وفي هذا الإطار لم تكن هناك سوي اجتهادات قليلة تشير إلى الطابع غير الديمقراطي لإدارة سعد زغلول لذلك الخلاف ولعل أكثرها وضوحا الاجتهاد الذي ذهب إلى أن ( صلابة سعد وتعصبه لرأيه هو الذي أدي إلى انفصال الشخصيات البارزة في الوفد في وقت قصير لا يتعدي أربع سنوات ) وقد استمر الأسلوب السلطوي في إدارة أبرز ثلاثة خلافات في عهد النحاس ..

(أ‌) الخلاف حول فكرة الوزارة القومية عام 1932  :

وهي الفكرة التي ظهرت بهدف توقيع معاهدة مع بريطانيا على أساس ما انتهت إليه مفاوضات 1930 فقد حدث خلاف حولها داخل الوفد .

حيث رفضها النحاس وعدد من القيادات مثل ماهر والنقراشي ومكرم بينما أيدها حمد الباسل وكيل الحزب وفتح الله بركات وآخرون وليس هناك ما يدل على حدوث حوار سياسي بين الفريقين وإنما كان الجدل حادا وعدائيا وعبر أحد أنصار النحاس عن هذا المناخ بقوله ( عندما ظهر الجدل حول فكرة الوزارة القومية ساءت علاقة النحاس بخصوم رأيه ) واستقال نجيب الغرابلي وقبل النحاس استقالته في أكتوبر 1933 .

لكن أعترض على قبول الاستقالة كل من فتح الله بركات وحمد الباسل ومراد الشريعي وعلوي الجزار وفخري عبد النور وعطا عفيفي وراغب اسكندر وسلامة ميخائيل ونشروا بيانا قرروا فيه تضامنهم مع الغرابلي فأصدر النحاس بيانا في 20 نوفمبر 1932 اعتبر فيه مسلكهم خروجا على الوفد وانفصالا منه كما نشر على الشمسي بيانا أيد فيه موقف هذه المجموعة فاعتبره النحاس منفصلا عن الوفد هو الآخر .

ويضيف د. الشلق شخصين آخرين تم فصلهما هما جورج خياط ومصطفي بكير ليصل العدد إلى 12 .

وهذا هو المرجح لأن النحاس قام بتعيين 12 في هيئة الوفد بدلا منهم ومعني ذلك أن هذا الخلاف لم يؤد إلى انشقاق بالمعني الدقيق كالذي حدث عام 1922 وإنما قاد إلى موقف اجتمع فيه الانشقاق والطرد فقد بدأت العملية بانشقاق الغرابلي لكن زملاؤه لم ينشقوا وإنما طردوا من الحزب ويعكس ذلك مستوي أدني من الممارس ة الديمقراطية حيث يعتبر الطرد تعبيرا عن درجة أعلي من اللاديمقراطية خاصة وأن النحاس قام على الفور بضم 12 عضوا جديدا إلى هيئة الوفد.

(ب‌) خلاف النحاس مع ماهر والنقراشي

على العكس الخلاف السابق الذي كانت أبعاده واضحة لم يزل هناك تباين في الراويات التاريخية حول بعض جوانب هذا الخلافات الذي ظهرت عقب إبرام معاهدة 1936 بقليل ، فقد تعددت التفسيرات لأسبابه ، فركز بعضها على ارتباطه بالصراع على النفوذ في الوفد بين ماهر والنقراشي من ناحية ومكرم عبيد من ناحية أخري .

وثمة تفسيرات أخري تركز على أنه خلاف على وسائل الإصلاح والحكم وليس على سلطة مكرم في الوفد حيث أدي توقيع معاهدة 1936 إلى بدء مرحلة جديدة ظهر فيها عدم الاتفاق على مذاهب الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وهناك من الوقائع ما يدعم هذا التفسير فقد ظهر الخلاف خلال مناقشة مشروع كهربة خزان أسوان عندما أيد النقراشي ومحمود غالب المعارضة بطرح هذا المشروع للمناقصة بدلا من الاتفاق مباشرة مع شركة بريطانية للقيام به.

بينما دافع مكرم عبيد عن موقف الحكومة ، وثمة كذلك ما يدل على أن لهذا الخلاف جانبا يتعلق بالأوضاع الديمقراطية داخل الحزب ، حيث اختلف النقراشي على قضيتي الزعامة المقدسة والقمصان الزرقاء فحين دعا مكرم عبيد إلى نظرية " الزعامة المقدسة" معلنا أن الحركة الوطنية انتهت إلى " وفد " وأن الوفد انتهي إلى الزعامة التي تقدست في شخص النحاس أصدر النقراشي بيانا في 7 سبتمبر 1937 هاجم فيه فكرة تقديس الزعامة وانتقد انفراد النحاس بالرأي وألمح إلى ما يتهدد الوفد من مخاطر انفصام عري علاقته بالجماهير ما لم يصحح مسيرته نحو الديمقراطية.

ويطرح أحد المؤرخين جانبا آخر اجتماعا لذلك الخلاف يخص أحمد ماهر بالذات على أساس أنه حاول مقاومة سياسة الوفد المتعاطفة مع العمال لأنه كان يتولي إدارة بعض المشروعات الرأسمالية وإن لم يكن من رجال المال أو الأعمال البارزين كما يطرح نفس المؤرخ جانيا تأمريا للخلاف لا يقوم عليه دليل كاف .

وهو أن سياسة القصر منذ اعتلاء قارون العرش قامت على الاستيلاء على الوفد من الداخل بواسطة أحمد ماهر لكن يصعب في الواقع فهم كيف يمكن اختراق حزب كبير كالوفد ما لم يكن هناك خلل أصيل في بنائه يتيح ذلك، وهو غياب الأسلوب الديمقراطي في إدارة الخلافات الأمر الذي قد يدفع الطرف المقموع إلى البحث عن دعم لدي جهة أخري مثل القصر وفي هذه الحالة لا يصح القول بأن سياسة القصر أوجدت الخلاف وإنما الأرجح أنها أفادت منه وسعت لاستثاره ويذهب مؤرخ تخصص في دراسة سياسة القصر إلى عدم وجود ما يؤكد أن القصر لعب دورا في هذا الخلاف لكن نتائجه جاءت متفقة ومصالحه حيث خرجت من الوفد قيادات بارزة .

وإذا كان لهذا الخلاف جانب موضوعي على هذا النحو ، وليس مجرد التنافس على النفوذ في قيادة الحزب فإن مسئولية النحاس عن سوء إدارته تبدو أعظم فقد أدره بأسلوب بعيد عن الديمقراطية منذ أن أنتقد النقراشي وغالب سياسة الحكومة تجاه مشروع كهرباء خزان أسوان فلم يطلب دراسة الموضوع وإنما قام باستبعادهما ومعهما محمد صفوت وعلى فهمي من الوزارة عندما أعاد تشكيلها في 13 يونيو 1937 وأدي ذلك الاستبعاد إلى تعميق الخلاف الذي وصل حد الاشتباك بين أنصار النحاس والنقراشي خلال الاحتفال بذكري سعد زغلول وسقط عدد من الجرحي .

وشن أنصار النحاس حملة على النقراشي رد عليها ببيان أسماه " الحملة الكاذبة" ودافع فيه عن موقفه من ذلك المشروع وأشار إلى أخطاء الحكومة الوفدية في سياساتها إزاء الحريات فارتكب النحاس خطأ آخر عندما قرر فصل النقراشي في 13 سبتمبر 1937 بموافقة جميع أعضاء الهيئة الوفدية عدا أحمد ماهر الذي ساند النقراشي وخاض معركة داخل الوفد انتهت بفصله هو الآخر.

وكان موقف ماهر أن الخلاف قائم على أسلوب الحكم وأن الخلاف في الرأي بين أعضاء الهيئة الواحدة أمر طبيعي ولا يجب أن يقود إلى القطيعة بما في ذلك الخلاف في الرأي بين أعضاء الهيئة الواحدة أمر طبيعي ولا يجب أن يقود إلى القطيعة بما في ذلك الخلاف حول صلاحية الرئيس للقيام بتكاليف الرئاسة وعاب على النحاس لجوءه إلى تخيير أعضاء الهيئة الوفدية بين شخصه وشخص النقراشي ( رغم أنه لم يكن هناك وجه لهذه المفاضلة لأن شخص النحاس لم يكن موضع مساس ولا محل خلاف وإنما كان الخلاف على أسلوب الحكم.

ولذلك فرغم أن قاري فصل النقراشي ثم ماهر صدرا بأغلبية كبيرة فقد كان لجوء النحاس إلى وضع القضية في صيغة المفاضلة بينه وبين خصومه عاملا حاسما حال دون التنازل الديمقراطي للموضوع لكن الملاحظ أن تعامل النحاس مع أحمد ماهر اتسم بشكل أكثر ديمقراطية حيث انعقدت الهيئة البرلمانية الوفدية وشهدت مواجهة مفتوحة بين النحاس وماهر وقد أفاد النحاس في إعداده لهذا الاجتماع من التحركات التي كان القصر يقوم بها لإقالة وزارته في الوقت الذي كان ماهر يفضل احتواء الأزمة بين الوفد والقص ولذلك انحازت الهيئة للنحاس بوضوح وقررت الثقة به وبوزارته واعتبرت كل وفدي يخرج على تضامن الوفدية فيقبل تشكيل أو تأييد أية وزارة غير الوزارة الحالية مفصولا من الوفد.

وصدر القرار بأغلبية 228 ضد 3 هم أحمد ماهر وحمد محمود وإبراهيم عبد الهادي وأدي ذلك أى وقوع أحمد ماهر في أخطاء قاتلة فلم يقتصر رد فعله على رفض القرار وهو حق له وإنما عمل ضد حزبه متعاونا مع أحزاب الأقلية التي شكلت الوزارة التالية وإزاء ذلك استصدر النحاس قرارا من الهيئة الوفدية في 2 يناير 1938 بفصل ماهر استكمالا لسلسلة الأخطاء المتتالية التي بدأت نتيجة غياب الإدارة الديمقراطية للخلاف داخل الحزب ، كما تم فصل أبرز أنصار ماهر في الوفد .

(ت‌) خلاف النحاس – مكرم عبيد

يعتبر هذا الخلاف من أكثر خلافات القيادة التي عرفها الوفد تعقيد فقد كان مكرم عبيد يتمتع بمركز ممتاز في الوفد منذ عهد سعد زغلول إلى حد أن بعض قادة الوفد كانوا يحسدونه على هذه المكانة لكن شخصية سعد المسيطرة حالت دون تلك المكانة التي حظي بها مكرم ورغم أن مكرم يفسره بأنه خلاف حول مبادئ فالثابت أنه نموذج للخلاف على النفوذ داخل الحزب لأنه يتعلق بقضية القرار الحزبي حيث تراجع دوره في التأثير على هذا القرار كان من الضروري أن تنشأ أزمة وحتى رواية مكرم لهذا الخلاف لا تساعد على استبعاد التفسير المتعلق بالصراع على التأثير على القرار الحزبي .

وتتلخص هذه الرواية في أنه رفض كوزير للمالية والتموين ضغوط النحاس لمنح أصهاره امتيازات غير مشروعة وهو ما يعني أن هؤلاء أصبحوا أكثر تأثيرا على رئيس الحزب منه ويدعم هذا الاستنتاج أن الخلاف حول قرار منح بعض الموظفين الوفديين الذين اضطهدوا في عهد الوزارات غير الوفدية ترقيات استثنائية هو الذي أوصل الموقف المتوتر بين النحاس ومكرم إلى ذروته فكما حدث مع النقراشي قام النحاس بإعادة تشكيل وزارته في 26 مايو 1942 بدون مكرم عبيد ليدفع بالخلاف إلى طريق مسدود فقد اتجه مكرم إلى معارضة موقف حزبه وتأييد المعارضة خلال مناقشة مسألة الاستثناءات الوظيفية في مجلس النواب وهي المسألة التي كانت محور أخر خلاف بينه وبين قيادة الوفد .

فرد النحاس بفصله وراغب حنا من الوفد في نفس اليوم ( 29 يونيو 1942 ) وقام بتعيين محمد صبري أبو علم سكرتيرا للوفد ولم يستطع مكرم أن يحدث انشقاقا ذا وزن في الوفد فقد حصل على تأييد 15 فقط من أعضاء الهيئة الوفدية البرلمانية إلى جانب جماعة من الشباب المتعلم والقليل من أعيان الصعيد في مديريته وبالتالي لم تخرج معه من الوفد سوي جماعة محدودة .

الخلاف بين كبار الملاك ومجموعة الطليعة .

اتسم هذا الخلاف بطابع متميز عن الخلافات السابقة : فهو الخلاف الوحيد ذو الطابع السياسي الفكري غير المرتبط بصراعات النفوذ والقوة ارتباطا مباشرا فقد كان خلافا بين منهجين وسياستين وليس بين أشخاص بعينهم وبرز عقب الحرب العالمية الثانية عندما انتشر توجه يساري واضح في بعض المستويات الوسيطة للحزب في الوقت الذي كان الاتجاه المحافظ يدعم مواقعه في قيادة الحزب بعد أن نما بشكل كاف منذ توقيع معاهدة 1936 حتى وصل إلى ذروته في أواخر الأربعينيات .

وكان هذا هو الخلاف الوحيد داخل الوفد الذي تمت إدارته بأسلوب ديمقراطي يقوم على حرية التعبير وإن لم يؤد ذلك إلى حوار مثمر بين التيارين لكن الثابت أن تيار الطليعة تمتع بحرية كاملة في التعبير عن مواقفه وتوجيه النقد اللاذع لرموز التيار المحافظ في الحزب .

وثمة تفسير لذلك يذهب إلى أن ظروف الاضطهاد التي عاني منها الوفد خارج الحكم خلال النصف الثاني من الأربعينات هي التي سمحت بهذا النمو المزدوج وفرضت على كل من التيارين احتمال لآخر لكن الثابت أيضا أن سمحت بهذا النمو المزدوج وفرضت على كل من التيارين احتمال الآخر ..

لكن الثابت أيضا أن الإدارة الديمقراطية لهذا الخلاف استمرت بعد عودة الوفد إلى الحكم في يناير 1950 رغم أن انتقادات تيار الطليعة للعديد من قيادات الحزب ازدادت حدة ويمكن أن نستخلص من ذلك أن مناخا أكثر ديمقراطية توفر داخل الوفد في أعوامه الأخيرة ازدادت حدة ويمكن أن نستخلص من ذلك من مناخا أكثر ديمقراطية توفر داخل الوفد في أعوامه الأخيرة مما أتاح لتيار الطليعة أن ينشط بحرية خاصة وأن طريقة بناء الحزب كانت تحول دون أن يمثل هذا التيار تهديدا جديا للقيادات التقليدية التي هيمنت على الهيئة الوفدية وهيئة الوفد المصر ي بسبب استبعاد أسلوب الانتخاب ولذلك ظلت هيئة الوفد المصر ي حكرا على القيادات التقليدية ولم يكن لتيار الطليعة سوي تمثيل محدود في صفوف الهيئة الوفدية مثل محمد مندور وعزيز فهمي ومع ذلك فثمة ما يدل على أن هذا التيار تمكن من التأثير على بعض توجهات الحزب في تلك الفترة كما سبقت الإشارة في المبحث الثالث من هذا الفصل وساعد على ذلك أن رئيس الوفد لم يكن طرفا في هذا الخلاف بعكس الخلافات السابقة .

ثانيا : حزب الأحرار الدستوريين

كان أسلوب إدارة الخلافات داخله أقرب إلى الديمقراطية بالمقارنة مع الوفد .

ويمكن تفسير ذلك بعاملين أولهما عدم وجود زعامة قوية للحزب تفرض نفسها باستثناء فترة رئاسة محمود محمود للحزب وثانيهما أن حزب الأحرار كان أشبه بمنتدى يضم في داخله أراء عديدة وفقا لطبيعة نشأته من عدة جماعات لم يكن يجمع فيها سوي نزوع ليبر إلى عام من ناحية وعداء لقيادة الوفد من ناحية أخري فكان هذا التعدد إضافة إلى غياب الزعيم القوي يتيح توفر قدر من الديمقراطية في إدارة الخلافات مثل اللجوء إلى التصويت الملزم عندما يصعب التوافق الذي كان قادة الحزب يميلون إليه عند تأسيسه كما لم يعرف الحزب إجراءات الحسم السلطوي للخلافات وإنما كان للحوار مكان فيه .

والملاحظ أيضا أن أهم الخلافات داخل الأحرار الدستوريين ارتبطت وخاصة في أعقاب تأسيسه بقضايا الخلاف مع الأحزاب والأخرى والمشاركة في أحكم أكثر مما تعلقت بصراعات على القوة أو تباينات سياسية فكرية .

ويمكن الإشارة إلى أهم الخلافات والانشقاقات والانسلاخات التي شهدها الحزب على النحو التالي .

1- الخلاف حول الرد على إقالة رئيس الحزب عبد العزيز فهمي من الحكومة خلال أزم كتاب " الإسلام وأصول الحكم" وهي الحكومة التي كان الحزب يشارك فها بوزيرين آخين هما محمد على علوبة وتوفيق دوس .

فعندما اجتمع مجلس إدارته ظهر اتجاهات أحدهما يلح على استقالة الوزيرين لأن كرامة الحزب أهينت بفصل رئيسه من الحكومة والآخر يفضل السعي إلى حل الأزمة مع حزب الاتحاد ويصف أحد قادة الحزب الاجتماع بأنه كان مجادلة مفتوحة بين الرأيين كما يصف حالة عبد العزيز فهمي بأنه ( كان وجلا خشية أن تؤثر الحكومة على أعضاء مجلس إدارة الحزب وخيفة ألا يستقيل علوبة فهمي بأنه ( كان وجلا خشية أن تؤثر الحكومة على أعضاء مجلس إدارة الحزب وخيفة ألا يستقيل علوبة ودوس إذا صدر قرار من الحزب بذلك ) الأمر الذي يعكس مدي ضعف مركز رئيس الحزب في إدارة الخلافات وانتهي الاجتماع بتوافق على استقالة الوزيرين اللذين التزما بذلك لكن استقال أحدهما وهو توفيق دوس من الحزب أيضا لعدم رضائه عن القرار .

2- لخلاف حول الائتلاف مع الوفد عام 1925 والذي يمكن اعتباره أول أزمة واجهت الحزب فقد أيد بعض قادته هذا الائتلاف وعلى رأسهم وكيله محمد محمود ، فيما عارضه رئيس الحزب عبد العزيز فهمي ولما انتصر التيار المناصر للائتلاف التزم عبد العزيز فهمي بذلك لكن عند تقسيم الدوائر في الانتخابات مارس 1926 عارض سعد زغلول ترشيحه الأمر الذي أدي إلى تجديد الخلاف داخل الحزب حول الائتلاف على نحو هدد وحدته لولا قيام فهمي بتقديم استقالته ومعه عضوان من قيادة الحزب .

وظل تأثير هذا الخلاف ممتدا لعدة سنوات ، وكان هو العامل الرئيس وراء عجز محمد محمود عن خلافة فهمي في رئاسة الحزب بشكل رسمي إلا عام 1929 نتيجة تحفظ قادة الفريق المناوئ للائتلاف مع الوفد ، والذي ضم عددا من أبرز قدته مثل د. هيكل ، والهلباوي، ومحمد محفوظ وعلوبة ، ودسوقي أباظة ، وحافظ عفيفي و وصليب ، وأبو سمرة ورغم الوزن المتميز لمعظم هذه الشخصيات في الحزب فقد نزلوا على موقف الأغلبية والتزموا به مع استمرار الخلاف والسع لتغيير موقف الحزب ، وأدت الإدارة الديمقراطية لهذا الخلاف إلى تجنب حدوث أزمة بسببه وإن لم يخل الأمر من مواجهات حادة في بعض الأحيان أهمها عندما أنتقد د. هيكل عندما أنتقد د. هيكل عدم قيام الائتلاف مع الوفد على مفادها أن مقال هيكل لا يعبر عن رأي الحزب مطالبا بنشره في الصحيفة فرفض د. هيكل وطلب عقد اجتماع لمجلس الإدارة لبحث الأمر فقام محمد محمود بنشرها في الأهرام .

3- الخلاف حول المشاركة في وزارة النحاس التي تشكلت عام 1928 وهو امتداد للخلاف السابق حيث أصرت المجموعة التي ناصرت الائتلاف مع الوفد على المشاركة فيها للحفاظ على هذا الائتلاف حيث أصرت المجموعة التي ناصرت الائتلاف مع الوفد على المشاركة فيها للحفاظ على هذا الائتلاف بينما دعت المجموعة الأخر إلى عدم المشاركة وعرض الموضوع على مجلس الإدارة الذي حسم الخلاف بالتصويت ورجح جانب الداعين للمشاركة بأغلبية صوت واحد واحترم الآخرون القرار وشارك الحزب في الوزارة ..

4- الخلاف حول الموقف من وزارة إسماعيل صدقي عام 1930 فرغم أن صدقي الذي ربطته بقيادات الحزب صله وثيقة استخلص منهم قرار في البداية بتأييد وزارته ، إلا أن محمد محمود الذي كان قد تولي رئاسة الحزب رسميا عارض ذلك ومعه مجموعة من أعضاء مجلس الإدارة وظهر لأولا مرة في هذا الخلاف دور مهيمن لرئيس الحزب الجديد الذي هدد باعتبار من يشترك في هذه الوزارة متخليا عن عضويته بالحزب ولم يشترك فيها من الحزب سوي حافظ عفيفي لكن محمد محمود لم يكن صارما في تنفيذ قراره التالي بمقاطعة الانتخابات التي أجراها صدقي .

5- خروج سكرتير الحزب محمد على علوبة في ديسمبر 1931 لخلافه مع أسلوب الحزب المعتدل تجاه القضية الوطنية بعد أن نبذ ذلك الأسلوب واتجه للتشدد الذي لا يستقيم مع مواقف الحزب كما ارتبط الخلاف بالصراع بين هيكل وخشبة على منصب نائب رئيس الحزب الذي استحدث في ذلك الوقت لمرض الرئيس .

6- الخلاف حول موقف الحزب من سياسة حكومة النقراشي تجاه القضية الوطنية فقد أيدها فريق من قادة الحزب دون تحفظ على رأسهم أحمد عبد الغفار مما لم يرض الأغلبية إلى حد أن تعالت الدعوة إلى عقد الجمعية العمومية وفصل أحمد عبد الغفار من الحزب لكن رئيس الحزب د. هيكل رأي الاكتفاء بإبعاده من مجلس الإدارة بعد التشاور مع بعض قادة الحزب لكن دون عقد أى اجتماع تنظيمي .

وعلى هذا النحو يتضح أن أسلوب إدارة الخلافات داخل حزب الأحرار الدستوريين كان أكثر ديمقراطية بالمقارنة مع الوفد فلم يكن رئيس الحزب في وضع يتيح له حسم الخلافات بشكل سلطوي إلا في حالات محدودة معظمها خلال فترة رئاسة محمد وأقلها في ظل رئاسة هيكل لكن لم يكن هذا الحسم يصل إلى فصل عناصر قيادية كما حدث في الوفد .

بل وعرف حزب الأحرار حالات تعرض فيها رئيسه للهزيمة أمام تيار معارض له كما حدث لعبد العزيز فهمي خلال الخلاف حول الائتلاف مع الوفد .

كما عرف هذا الحزب عملية التصويت في مجلس الإدارة لحسم الخلافات رغم عدم نظام اجتماعات هذا المجلس ورغم وجود ميل للتوافق عندما توجد فرصة لذلك .

وبسبب هذا المناخ له طابع فردي وكان بعضها مؤقتا حيث عاد الخارجون إلى الحزب مرة أخري .

ثالثا : جماعة الإخوان المسلمين

اتسمت عملية إدارة الخلافات داخلها بدو مسيطرة لزعيمها ( المرشد العام) الأول حسن البنا فكان دوره لا يقل ، من حيث الهيمنة على هذه العملية عن دور رئيس الوفد لكن هذا الدور لم يتسم بالاستمرارية التي عرفها الوفد حيث ترك رحيل البنا فراغا واضحا على هذا الصعيد لم تكن الجماعات بتركيبها مستعدة له مما أدي إلى تعرضها لانقسام حاد في أوائل الخمسينيات .

1- إدارة الخلافات في عهد حسن البنا  :

الشائع في الكتابات التاريخية عن جماعة الإخوان أن المرشد الأول أحكم سيطرته عليها وعمد إلى إقصاء معارضيه كلما تجمع في مواجهته اتجاه معارض وهناك بالفعل ما يدعم هذا الحكم ولكن دون أن يعني ذلك مصادرته لكل رأي مخالف فهناك أيضا ما يدعم ما ذهب إليه أحد قادة الجماعة من قبول البنا لجواز تعدد الصواب في بعض المسائل بأن يكون فريقا الخلاف كل على رأي وكل رأي منهما صواب لكن لم يكن هذا منهجه العام في التعامل مع الخلافات .

فمن الجائز القول بأنه كان يقبل التعدد في بعض الأمور الصغيرة بينما كان حاسما إزاء الخلافات فمن الجائز القول بأنه كان يقبل التعدد في بعض الأمور الصغيرة بينما كان حاسما إزاء الخلافات التي تمس قضايا جوهرية وخاصة التي تتعلق بزعامته ولذلك تعرضت الجماعة في عهده لثلاثة إنشقاقات رئيسية .

أ‌- الانشقاق الأول كان نتيجة لأول خلاف كبير داخل الجماعة عندما نقل البنا من الإسماعيلية إلى القاهرة عام 1932 ، وظهرت الحاجة لاختيار من يحل محله ، فكان الخلاف حول أسلوب هذا الاختيار والذي وصفه البنا بأنه ( مظهر جديد وغريب على أوضاع الإخوان التي لم تعرف إلا الوحدة الكاملة) والمشكلة في تحليل هذا الانشقاق أنه لا يوجد مصدر يمكن الحصول منه على رواية المنشقين لوقائع الخلاف ، ومن ثم فالراوية الوحيدة المتاحة هي رواية البنا التي يبدو منها أنه كان مدعوما بأغلبية تؤيد مرشحه الذي فاز في اقتراعين متتالين شكك المعارضون في أولهما لتغيب البعض عنه فتم الإعلان عن الاجتماع الثاني ضده إلى النيابة وحتى إذا أخذنا بروايته ، فهي لا توضح الطابع التنظيمي للاجتماعيين اللذين تحدث عنهما حيث لم يكن البناء التنظيمي للجماعة قد تبلور في ذلك الوقت المبكر فهل كان اجتماعا لجميع أعضاء الجماعة بالإسماعيلية أم للمثلين لهم كما لا يتضح من هذه الرواية كيفية إجراء الاقتراع والوسائل التي لجأ إليها البنا للحصول على الأغلبية وللتعامل مع معارضيه وما إذا كان قد استخدم القوة في مواجهتهم حيث يذهب أحد المؤرخين دون سند يعتد به إلى أن أنصار البنا اعتدوا على معارضيه بالضرب .

ب‌- الانشقاق الثاني 38 -1940 الذي حدث نتيجة للخلاف حول أساليب عمل الجماعة فقد انتقد عدد من قادتها على رأسهم أحمد رفعت الأساليب المعمول بها في ذلك الوقت مركزين على مجاملة الحكومة والتعامل معها بأساليب ملتوية بدلا من مواجهتها بالحقيقة وعدم اتخاذ إجراء في شأن إلزام المرأة بحدود الإسلام والوقوف عند حد الدعاية في مساعدة مجاهدي فلسطين إضافة إلى طريقة استخدام التبرعات التي تجمعها الجماعة بغرض دعمهم والتي كان بعضها يذهب لدعم شعب الجماعة كما شهدت الانتقادات العلاقة الودية التي ربطت بين البنا ، وعلى ماهر واتهام أحمد السكري نائب المرشد العام بأنه مهندس هذه العلاقة .

وطالب الناقدون ( بالالتزام الصارم بالقيم الإسلام ية) بغض النظر عن الاعتبارات السياسية المعقدة والخلاص الروحي لمصر بالقوة إذ لزم الأمر وعلى هذا النحو لا يستقيم قول أحد المؤرخين بأن الخلاف كان على اتجاه للعمل السياسي أو قصر نشاطها على شئون الدين والبر حيث كان الاتجاهان متعارضين حول أساليب هذا العمل السياسي نفسه كما كان الخلاف مركبا ينطوي على أكثر من جانب بحيث لا يمكن قصره على علاقة البنا مع على ماهر كما ذهب كاتب آخر..

وثمة ما يدل على ن المعارضين لأساليب البنا في العمل كانوا في مركز قوة حي يقر أحد أنصار البنا بأن ( دعوة أحمد رفعت كانت تلقي من كثير من الإخوان آذانا صاغية واستجابة سريعة )

وأدي ذلك وفقا لنفس الرواية إلى تعطيل الاجتماعات والدروس وظهور الهجوم على المرشد .

ومعني ذلك أن البنا لم يواجه ذلك التيار من خلال الحوار بدليل تعطيل الاجتماعات والدروس وغنما لجأ إلى أسلوب تأمري يصفه أحد أنصاره تفصيلا ويتلخص في انقطاع البنا عن المركز العام وحصر أنصاره الذين احتفظوا بإيمانهم ودعوتهم وقيادتهم وفقا للرواية .

والاتفاق معهم على خطة لتكثيف ذهابهم إلى ذلك المركز وتنفيذ مقاطعة تامة لمجموعة المعارضة مما أدي إلى عزلهم واضطرار الكثيرين من أنصارهم إلى التراجع بحي لم يبق مع احمد رفعت غير نفر قليل لكن هذه الرواية تختلف في بعض تفاصيلها مع رواية قيادي آخر من أنصار البنا أيضا وخاصة فيما يتعلق بنهاية ذلك الخلاف وكيفية حدوث الانشقاق فتشير هذه الرواية إلى سفر أحمد رفعت في نهاية الأمر إلى فلسطين للانضمام إلى المجاهدين ولا تذكر أنه تم التفاهم في النهاية على انسحاب المعارضين من الجماعة مقابل التنازل لهم عن مجلة النذير " وما بقي من مال في صندوق الجماعة .

وخرجوا بالفعل ليكونوا " جماعة شباب سيدنا محمد" والواضح أن البنا أدار ذلك الخلاف بأسلوب ليس بعيدا فقط عن الديمقراطية بل وعن مصلحة الجماعة أيضا فقد عزف عن الحوار معهم وبني خطته عن دفعهم للانشقاق الذي يعد خسارة لأى حزب أو جماعة سياسية للحفاظ على زعامته دون خدش ونتيجة لذلك ظلت للخلاف تداعيات على مدي أكثر من ثلاث سنوات حدثت خلالها عدة انشقاقات للانضمام إلى الجماعة الجديدة والملاحظ أن قضية الشورى كانت في مقدمة جوانب الخلاف التي حددتها هذه الجماعة مع المرشد العام في الوثيقة التي نشرتها في فبراير 1940 فقد أشارت الوثيقة إلى أن المرشد لا يؤمن بالشورى في الدعوة التي يري ن ينهض بها فرد له أن يأمر وعلى الجميع أن يطيع وأوضحت أنهم خالفوه في الرأي وحاولا التفاهم معه كثيرا ( فأبي إلا أن يكون رأيه الفصل ولو كان في ذلك إقصاء للمخلصين من الإخوان المسلمين ) وتضمن رد البنا على هذه النقطة أنه لم يقل هذا وإنما أنكر أن يتحكم فرد تأثر بدعايته 17 فردا من أفراد أسرة في بقية ألف من الأفراد .

قال لهم : ( لقد أبيتم إلا أن أنزل على أراء بعضكم ولو خالف بعضكم ولو خالف ذلك أراء الجميع من الإخوان) .

ت‌- الانشقاق الثالث 46 -1947 يتسم بالتعقيد الشديد في ملابساته وقد ارتبطت مقدماته بحماية المرشد لصهره السكرتير العام عندما اتهم في أخلاقه ، وبالتنافس على المناصب الرئيسية في الجماعة .

وتعود بداية اتهام السكرتير عبد الحكيم عابدين إلى أواخر عام 1945 عندما نقل أربعة من أعضاء مكتب الإرشاد إلى المرشد أنه يستغل مركزه لانتهاك حرمة بيوت وأعراض بعض الخوان وتم تكليف الوكيل العام د. إبراهيم حسن بإجراء تحقيق سري غير رسمي لكن النبأ انتشر ما اضطر البنا إلى تشكيل لجنة رسمية لتقصي الحقائق قدمت تقريرا إلى مكتب الإرشاد فأوصي بفصل عابدين بأغلبية ثماني أصوات مقابل صوت واحد.

وعرض الأم على الهيئة التأسيسية وفقد لقانون الجماعة ، حيث تمكن المرشد من التأثير عليها فقررت تشكيل لجنة تحقيق جديدة قدمت تقريرا يبرئ عابدين ، ثم ردت الهيئة إيجابيا على هذا التقرير .

وفي مقابل ذلك وعد البنا بإبعاده عن الأنشطة الرئيسية لفترة ثم يطلب إليه الاستقالة لكن عندما تقدم عابدين باستقالته كان المرشد قد أثر على مكتب الإرشاد في اتجاه رفضها مما أدي إلى استقالة الوكيل العام د. إبراهيم حسن في أبريل 1946 والواضح أن المرشد العام أدار خلافا من هذا النوع بأسلوب التدخل وتوجيه الأحداث بدلا من ترك الأمر للإجراءات القانونية ، والمرجح أن البنا ربط بين إدانة عابدين المقرب منه وبين اهتزاز صورته ومن ثم التأثير على زعامته للجماعة .

لكن ثمة ما يتيح إمكانية للربط بين هذه الأزمة وبين الخلاف الذي تفجر بين البنا وبين نائبه أحمد السكري في نفس الوقت فقد سعي السكري الذي كان يتطلع إلى تدعيم نفوذه في الجماعة إلى التأثير على موقفها في اتجاه التحالف مع الوفد والمثير للانتباه أن الخلاف بين البنا والسكري ظل محصورا في نطاق ضيق حتى تفجر فجأة خلال أزمة عابدين حيث قم البنا بإحالة السكري إلى الهيئة التأسيسية لمساءلته في موضوعات تتصل بعلاقته بالوفد وتختلف المصادر حول ما دار في اجتماع الهيئة وطبيعة قرارها وهل كان فصلا للسكري مصالحة أعقبتها استقالته وانضمامه للوفد لكن السؤال الذي لم يجد إجابة بعد في شأن العلاقة بين أزمتي عابدين والسكري هو ما إذا كان للثاني دور مستتر في إثارة والترويج للاتهامات التي تعرض لها الأول الذي كان يعتبر منافسه الوحيد.

وعموما بالمغزي المهم لهذا الانشقاق رغم غياب المعرفة ببعض جوانبه أنه نتاج لهيمنة المرشد العام من ناحية وعدم الأخذ بأسلوب الانتخاب في ملء المناصب الرئيسية بالجماعة مما أدى إلى مسارات غير صحية للتنافس على هذه المناصب والاعتماد على أساليب كيدية وتآمرية وكانت لهذا الانشقاق بالذات آثار وخيمة على الجماعة ، لأنه أسفر عن خروج اثنين من أبرز قياداتها هما إبراهيم حسن وأحمد السكري مما أثر على جهازها التنظيمي في اتجاه تعزيز دور الجهاز السري برز بعد ذلك ليساهم في أخطر انقسام واجهته الجمعة إثر ثورة 1952 فقد اختار البنا رئيس هذا الجهاز صالح عشماوي نائبا له ، وانتقلت قيادة الجهاز إلى عبد الرحمن السندي .

2-إدارة الخلافات بعد حسن البنا :

كان رحيل البنا في فبراير 1949 مصدر لخلاف كبيرا داخل حول خلافته .

ورغم أن غيابه أزال أهم قيد على الإدارة الديمقراطية للخلافات لم تكن هناك قواعد معروفة ومقبولة لهذا النوع من الإدارة في الوقت الذي تعاظم دور الجهاز لم تكن هناك قواعد معروفة ومقبولة لهذا النوع من الإدارة في الوقت الذي تعاظم دو الهاز السري ومن هنا أصبح الانقسام سمة العلاقات بين قيادات الجماعة ليصل إلى ذروته عقب ثورة 1952 .

أ‌- الخلافات حول خلافة المرشد الأول : أدي رحيل البنا إلى ظهور الخلافات التي كانت كامنة وحال وجوده دون تفجرها فظهرت وقد امتزج فيها ما هو سياسي بما هو شخصي ويمكن القول بأنه كان هناك أكثر من مستوي للخلافات بين الجهاز السري وأقارب البنا وعلى رأسهم أخوه عبد الرحمن وصهره عابدين ، وثالثها التنافس بين الأعضاء البارزين في مكتب الإرشاد نفسه.

وقد انسحب الأقارب من المعركة سريعا لعدم وجود أساس يستندون إليه في دعواهم لكن ظلت قيادة الجهاز السري على قناعة بحقها في ترشيح المرشد الجديد بحجة أن هذا الجهاز هو الذي يتحمل أشد المواقف وكان مرشحها المفضل صالح عشماوي لكن أمكن إقناع قيادة الجهاز بالتنازل عن موقفها وترك الأمر للاتصالات بين أعضاء مكتب الإرشاد والجمعية التأسيسية .

وأظهرت تلك الاتصالات أن أحدا من قيادات الجماعة البارزين لا يمكن أن يحظي بتوافق عليه وفي هذا السياق تم التفاهم على اختيار حسن الهضيبي من خارج البناء التنظيمي للجماعة وقد عارض الهضيبي في البداية لتخوفه من الخلافات القائمة وقال إنه لا يستطيع تسليم قيادة دعوة أقرب معاونيه فيها متفرقوا القلوب والأهواء .

وقد استمرت الخلافات بالفعل بعد توليه منصب المرشد العام حيث استعان بمجموعة من الإخوان مقربة إليه في الوقت الذي أبقي على مكتب الإرشاد القائم مما أوجد هيكلا قياديا غير رسمي أطلق عليه البعض " مجموعة الروضة" لأن أكثرهم كان يقطن في حي الروضة معه ، وأصر على تعيين عبد القادر عودة وكيلا للتخلص من صالح عشماوي الباقوري أبرز المتنافسين على القيادة وهكذا فرغم ضعفه الناجم عن قدومه من خارج الهيكل التنظيمي للجماعة فقد اتجه لإدارة الخلافات بأسلوب غير ديمقراطي رغم ن ظروف الجماعة في تلك اللحظة كانت تتيح له فرصة مناسبة للإدارة الديمقراطية لهذه الخلافات وأدي هذا الأسلوب إلى دخوله طرفا جديدا في الخلافات "

ب‌- انقسام الجماعة

قمت ثورة 1952 بينما الخلافات بين قيادات الجماعة على أشدها وكان من الطبيعي أن توجد الثورة أوضاعا تدفع إلى تفاعلات صراعية جديدة ومن ثم تعميق الانقسام داخل الجماعة .

فكان أول خلاف جديد حول الموقف من عبد الناصر حيث برزت ثلاثة اتجاهات واضحة الأول يري عدم تعليق آمال عليه ويمثله الهضيبي.

والثاني يراهن عليه ويري أنه سيطلق الشريعة في النهاية . ويمثله بعض القيادات الوسيطة أساسا والثالث يطلب فرصة للتحقق من موقفه ويمثله عبد القادر عودة وكيل الجماعة .

واحدي دلالات هذا الخلاف أن الانقسام بدأ معسكر الهضيبي نفسه ، حيث اختلف مع الوكيل الجديد الذي أتي به .

ولأن الأسلوب الديمقراطي في التعامل مع الخلافات لم يكن واردا ، فقد لجأ الهضيبي للاستعانة بخميس حميدة وتعيينه في منصب نائب المرشد .

وارتبط ذلك بالخلاف على مشركة الإخوان في حكومة الثورة ، والذي أثير بمناسبة دخول عضو مكتب الإرشاد أحمد حسن الباقوري وزارة محمد نجيب التي تشكلت في 7 سبتمبر 1952.

فقد قرر مكتب الإرشاد رفض المشاركة في الحكومة مما أدي إلى استقالة الباقوري من الجماعة كلها وليس فقط من المكتب .

لكن أخطر خلاف برز في تلك الفترة كان حول دور الجهازى السري والذي وصل إلى حد مطالبة الهضيبي بإلغائه بعد أن رفض السندي الأمر الصادر له بتقديم كشف بأسماء أعضائه ومهماته .. ورفض السندي حل الجهاز فاتجه الهضيبي للتلويح بالاستقالة ، قبل أن يتقرر إحالة الخلاف إلى لجنة خاصة من كبار الأعضاء قمت بتعيين قائدين آخرين للجهاز بين نوفمبر 1952، ونوفمبر 1953، لكن أحدا منهما لم يستطع التخلص من نفوذ السندي على أعضاء الجهاز ، ولم يتمكن الهضيبي من إبعاد السندي عن قيادة الجهاز إلا بعد أن تأكدت علاقته مع عبد الناصر مما كان يخالف سياسية الجماعة الرامية إلى توجيه الثورة وليس الخضوع لها ، فاتجه قدامي الإخوان للتحالف مع المرشد ضد السندي لهذا السبب .

ولكن السندي ألقي بثقله إلى جانب خصوم الهضيبي في خلافات أخري وشن حملة عليه ، مما دفعه إلى السعي لكسب تأييد الموالين للسندي ، وإلى تدعيم مركزه من خلال إجراء انتخابات مكتب الإرشاد في 8 أكتوبر 1952 التي حقق فيها فوزا كبيرا حيث أصبح لديه أغلبية في المكتب ، وتم تثبيت خميس حميدة كنائب له وتعيين عمر التلمساني سكرتيرا مساعدا .

وتعرض الهضيبي وأنصاره لاتهام بالتدخل في هذه الانتخابات التي وصفت بأنها زائفة وبعيدة عن التمثيل الحقيقي للقوي داخل الجماعة وأصبح النزاع بين الهضيبي والسندي هو المصدر الرئيسي للانقسام والذي قاد إلى أخطر صدام عرفته الجماعة عندما قام أنصار السندي باغتيال الرجل الثاني في الجهاز سيد فايز كرد على تعاونه مع الهضيبي وقام مكتب الإرشاد بفصل السندي وثلاثة آخرين مما أدي إلى تصاعدا الصراع إلى حد احتلال معارض الهضيبي للمركز العام .

ولجوء كل من الطرفين إلى عبد الناصر للمساعدة على رأب الصدع فقام بترتيب هدنة وظل النزاع محتدما رغم رجحان كفة الهضيبي لبعض الوقت فاستمر في الأسلوب غير الديمقراطي لإدارة الخلافات عبر القيام بتصفيات شملت صالح عشماوي الذي أكد أنه فصل دون محاكمة فيما أكد المسئول عن لجنة تحقيق العضوية والمناصر للهضيبي أن اللجنة حققت وقررت فصله ومحمد الغزالي وأحمد جلال وقام الهضيبي بإعادة تكوين الجهاز السري بقيادة جديدة موالية له على رأسها يوسف طلعت ، مع السعي إلى دفع نشاطه في اتجاه العلانية لكن الخلافات داخل قيادة الجماعة ظلت قائمة وجاءت أحداث مارس 1954 لتؤدي إلى بروز ثلاث مجموعات الأولي مجموعة عبد الرحمن البنا وعابدين التي تحظي بدعم من المنشقين على الجماعة وكان جاهزة لتأييد مجلس قيادة الثورة والثانية مجموعة الهضيبي الرافضة لأى تفاهم مع هذا المجلس والثالثة مجموعة خميس حميدة التي أسمت نفسها " المحايدون " وسعت إلى التوفيق بين المجموعتين السابقتين لكن الأحداث سبقتها حيث وقع حادث المنشية في أكتوبر 1954 وما تلاه من إجراءات ضد الجماعة شملت حلها .

وعلى هذا النحو يتضح أن غياب الدور المهمين للمرشد الأول للجماعة لم يساعد على الاتجاه إدارة ديمقراطية للخلافات بسبب افتقاد القواعد والآليات اللازمة لذلك في تراث هذه الجماعة مما أدي إلى تصاعد الخلافات بشكل صدامي كانت نتيجته انقسامات حادة .

رابعا : الحزب الوطني

كانت للحزب الوطني ظروف خاصة متميزة عن بقية أحزاب تلك الفترة فقد توفي مؤسسه ورئيسه الأول مصطفي كامل فور تأسيسه ، وبرزت الخلافات على الفور بدءا بالتنافس على خلافته .

ولم يمارس الحزب نشاطه في ظروف طبيعية حيث تعرض لقمع شديد واضطر رئيسه الثاني محمد فريد إلى الرحيل والعمل من الخارج الأمر الذي أثر على هيكل الحزب حيث أصبح له بناء داخلي وأخر خارجي ومع نشوب الحرب العالمية الأولي أخذ الحزب يتراجع حتى جاء نشوء الوفد لينهي دوره حتى أعيد بناؤه كحزب أقلية وبذلك يمكن التمييز في عملية إدارة الخلافات داخله بين مرحلتين .

1- المرحلة الأولي 1907 -1919  : تميزت بوجود خلافات مستمرة بين قيادات الحزب بعد رحيل مصطفي كامل ، وحتى في المرحلة التأسيسية للحزب وقبيل إعلانه رسميا كان هناك تعايش بين تيارين متمايزين داخله إزاء الموقف من الخلافة الإسلام ية .

وقد برز أول خلاف بين قيادات الحزب على خلافة مصطفي كامل حيث تنافس شقيقه على كامل محمد فريد كما سبقت الإشارة ورغم أن هذا التنافس حسم بأسلوب ديمقراطي في ظل توفر أسلوب الانتخاب في التجنيد للقيادة الحزبية فقد تأثر أسلوب محمد فريد في إدارة الخلافات الحزبية باعتقاده في تعاون على فهمي كامل مع الخديو ضده رغم عدم وجود دليل جدي على هذا التعاون حتى الآن .

ودفعه هذا الاعتقاد إلى الحد من دور على كامل وبعض المقربين منه والاعتماد على الشيخ جاويش .

وبذلك استهل رئاسته للحزب معتقد أن بعض قيادات حزبه تتآمر مع الخديو ضده وأن على كامل يسعي إلى تقسيم لجنة الحزب الإدارية ووضع يده على جريدة اللواء لتوجيهها لصالح الخديوي

وليس ثمة ما يفيد بأن هذا الموضوع طرح للحوار بين قيادات الحزب فقد لجأ فريد عوض عن ذلك إلى إبعاد على كامل عن مواقع التأثير وخاصة جريدة " اللواء التي انعكس هذا الخلاف عليها مما أدي لاستقالة احمد حلمي الذي كان بمثابة المحرر الثاني لها بعد مصطفي كامل وأصدر صحيفة القطر المصر ي بدءا من 24 أبريل 1908 .

وقام محمد فريد بتعيين الشيخ جاويش رئيسا لتحرير " اللواء " وأدي ذلك إلى تزايد نفوذ الاتجاه الإسلام ي في الحزب مما قاد إلى انسحاب بعض قياداته من الأقباط في ديسمبر 1908 وعلى رأسهم ويصا واصف القبطي الوحيد في اللجنة التنفيذية كما احتج بعض محرري وعمال " اللواء " على الخط الجديد " للواء " ووقعت أزمة بين فريد ولجنة الحزب في السيدة زينب التي كان عدد من محرري اللواء أعضاء بها لنفس السبب .

والملاحظ أن سياسة الحزب تجاه الخديو ظلت من أهم مصادر الخلاف بين قياداته سواء في فترة الوفاق بين الخديو والانجليز في عهد جورست أو في الفترة التالية أى عهد كتشنر .

ففي الفترة الأولي انسحب العديد من قادة الحزب الذين خشوا معاداة الخديو ، وقد وصفهم أحد المؤرخين بأن وظيفتهم تنتهي عند أبواب السراي ومنهم المجموعة التي خرجت لتؤسس حزب النبلاء بقيادة حسن حلمي ثابت وفرج الجرجاوي كما أن إصرار محمد فريد ومعه أغلبية قيادة الحزب على إتباع سياسة متشددة تجاه الاحتلال دفع المعتدلين إلى ترك الحزب فبعد حادث اغتيال بطرس غالي وإصدار الحكومة لثلاثة قوانين استثنائية تعرض فريد لانتقادات من المعتدلين وانسحب محمود أنيس عضو اللجنة الإدارية كما أن محاكمة فريد بسبب المقدمة التي كتبا لكتاب معاد للاحتلال ألفه الشيخ على الغاياتي أدت إلى نفور بعض المعتدلين من الحزب .

وفي الفترة الثانية أدي انتهاء وفاق الخديو مع الانجليز إلى اتجاهه للتقرب من الحزب الوطني فرحب بعض قادته بذلك بينما تشكك آخرون على رأسهم فريد في نوايا الخديو وعندما رفض فريد أول عرض من الخديو للصلح في سبتمبر 1911 شن د. عثمان غالب هجوما على الحزب ورئيسه وقدم استقالته وأعقبه محمود فهمي حسين سكرتير الحزب

وقد استمر هذا الخلاف حتى بعد أن ترك فريد مصر في مارس 1912 حيث واصل مهاجمة الخديو في مقالاته التي ينشرها في صحف تركية وفرنسية في الوقت الذي كانت أغلبية اللجنة الإدارية في القاهرة قد أصبحت ميالة لقبول التعاون مع الخديو أو على الأقل عدم استفزازه .

وظهرت حركة يقودها عبد الحميد عمار ترفض سياسة فريد تجاه الخديو وشنت هجوما عليه وطالبت باستقالته فاستجاب فريد وبعض باستقالته إلى على كامل طالبا عرضها على الجمعية العمومية دون غيرها لكن اللجنة انقسمت إلى فريقين .

أولهما فريق المعتدلين الذين يريدون إنقاذ الحزب بمهادنة الخديو وثانيهما فريق المتشددين الذين روا الخلاص في التمسك بالمبادئ الوطنية وبسياسة محمد فريد .

وأعلن على كامل وكيل الحزب الوقوف على الحياد ،وإن كان مرجحا ميله إلى فريق المعتدلين كما يظهر من بعض الملابسات ووصل الخلاف بين الفريقين إلى ذروته في يناير 1913 مع غياب الأسلوب الديمقراطي لإدارته والسيطرة عليه فنزع كل منهما طي لإدارته والسيطرة عليه فنزع كل منهما إلى عقد اجتماعات جانبية بشكل تامري لمهاجمة الفريق الأخر وفصل أعضائه من اللجنة الإدارية .

وإذا كان الخلاف الكبير الذي دب داخل اللجنة الإدارية للحزب في القاهرة لم يجد آليات ديمقراطية مناسبة لإدارته فمن باب أولي أن يكون هذا هو الحال في خلاف فريد وجاويش بالخراج ولم يجد هذا الخلاف حلا إلا عندما تراجع جاويش وأنصاره واعتذر لفريد خلال مؤتمر المسلمين المغتربين في استوكهلم أكتوبر 1917 وقبلوا العمل تحت رئاسته ويظهر من رواية محمد فريد لهذه المصالحة مدي انتقاده للقيم الديمقراطية في التعامل مع مخالفيه حتى بعد تراجعهم حيث يتحدث بزهو شديد عن اعتذار وخضوعهم لى وإذعانهم لرغباتي ....)

والمثير للانتباه ذلك التناقض الذي ميز رئاسة محمد فريد للحزب الوطني بين تبنيه الأسلوب الديمقراطي في بناء هيكل الحزب والتجنيد لقيادته وحرصه على مبدأ الانتخاب وبين انتقاده لهذا الأسلوب في إدارة الخلافات الحزبية ويبدو أن الظروف الصعبة التي واجهها الحزب في عهده وتعرض لها هو شخصيا جعلته قليل الثقة في المحيطين به الأمر الذي دفعه إلى تفسيرات تآمرية لأي خلاف مع أحدهم أو بعضهم منذ أن نافسه على كامل في السعي لرئاسة الحزب .

والواضح أن الحزب الوطني أخذ يفقد ركائزه الشعبية تدريجيا إلى حد أنه أصبح مجرد مجموعات قيادته متنازعة وعندما ظهر الوفد عام 1918 كان تراجعه قد وصل إلى الذروة، ومع ذلك حدث خلاف بين قيادته حول الموقف من الوفد رغم تأييد فريد له فقد انقسم قادة الحزب في مصر إلى فريقين أحدهما يؤيد الوفد والأخر يعارضه فتزعم على كامل الفريق المعارض للتعامل مع الوفد والذي أيده جاويش من الخارج قبل عودته إلى مصر .

وقام الفريق الموالي للوفد بالهجوم على الفريق المعارض له على صفحات الصحف .

2-المرحلة الثانية 1923 -1952 .

رغم أن الجناح المعارض للتعامل مع الوفد كان يمثل الأقلية في الحزب الوطني قد كان هو الذي حافظ على استمرارية الحزب بعد انضمام أبرز قيادات الجناح الأخر في الوفد فبعد حوالي ثلاث سنوات من الغياب شبه الكامل للحزب عن الساحة السياسية قام ذلك الجناح بإعادة بنائه كما سبق إيضاحه .

وقد تغيرت طبيعة العلاقات داخل قيادة الحزب في هذه المرحلة الثانية عقب إعادة بنائه حيث أصبح لرئيسه الجديد نفوذ كبير غير مسبوق منذ رحيل مصطفي كامل مما أدي إلى استمرار غياب أى آليات ديمقراطية لحل الخلافات الحزبية التي باتت متعلقة بالمشاركة في الحكم أكثر من أى شئ أخر باستثناء الخلاف بين قيادة الحزب ولجنة شباب برئاسة فتحي رضوان الذي كان سكرتير لحركة مصر الفتاة ثم انشق عليها قبل الحرب الثانية ومعه محمد زهير جرانة ومصطفي المنزلاوي ونور الدين طراف ورحبت قيادة الحزب الوطني الذي اعتراه المزيد من الضعف في ذلك الوقت بانضمام هذه اللجنة التي كانت لها جريدة تعبر عنها " اللواء الجديد" بينما كان الحزب نفسه يفتقده لى جريدة ويشير أحد المؤرخ ين إلى أن أعضاء ومؤيدي هذه اللجنة كانوا أكثر من أعضاء ومؤيدي الحزب نفسه.

وبدا أن الحزب ينقسم إلى شباب وشيوخ أخذ الخلاف يظهر بين الفريقين حيث رأت اللجنة أن قيادة الحزب لا تحافظ على مبادئ مصطفي كامل، وتحول الخلاف إلى صدام عام 1948 حيث امتنع الشباب عن نشر مقالات قيادة الحزب في " اللواء الجديد" التي أصبحت أداة هجوم على هذه القيادات كما كان اشتراك بعض قادة الحزب في بعض الوزارات من عوامل تصعيد المواجهة بين الفريقين كما انطوي الخلاف على جانب شخصي عندما اتهم الصوفاني سكرتير الحزب فتحي رضوان بأنه يسعي لإخراجه من الحزب ليحتل منصب السكرتير العام .

وثمة تباين في الروايات التاريخية حول طريقة انتهاء علاقة لجنة الشباب بالحزب وتذهب رواية إلي أن قيادة الحزب قررت فصلها في 29 يناير 1950 فأعنت عن نفسها أنها " اللجنة العليا للحزب الوطني" وصاحبه الحق في الحديث باسم هذا الحزب وتشير رواية أخري إلى أن الشباب هم الذين انشقوا عن الحزب باستثناء أقلية منهم وأيا كان الأم فقد أدي غياب الأسلوب الديمقراطي في إدارة الخلافات لى هذه النتيجة وظل التوتر قائما بين الطرفين في صورة هجوم متبادل حتى ما بعد قيام ثورة 1952 وصدور القانون بإعادة تنظيم الأحزاب .

وعندما تقدمت جماعة الشباب ببرنامجها تحت اسم " الحزب الوطني الجديد" اعتبرت قيادة الحزب ذلك اغتصابا لاسم حزبها ، وانتقل النزع إلى القضاء لكن قرار حل الأحزاب أنهي القضية دون الحكم فيها .

وعلى هذا النحو يتضح أن الحزب لم يعرف الأسلوب الديمقراطي في إدارة الخلافات سواء في وجود رئاسة قوية له أو في غياب هذا النوع من الرئاسة فكان الأسلوب السائد في إدارة الخلافات هو التكتل والتمحور والسعي إلى استبعاد الطرف الأخر من الحزب بدلا من الحوار والحسم عن طريق التصويت . خاتمة

اتسمت أنماط التفاعلات داخل المستوي القيادي للأحزاب الأربعة بطابع سلطوي بلغ ذروته في حزب الوفد وجماعة الإخوان في عهد مرشدها الأول فكان حزب الوفد نموذجا للإدارة السلطوية للعلاقات داخل قيادته حيث انعكس الدور المحوري لرئيسه على أساليب إدارة الخلافات حيث كان هذا الرئيس قادرا في العادة على حسم أى خلاف بأسلوب سلطوي وقد أدي ذلك إلى تعرض الحزب لعدة انشقاقات كبيرة وفي جماعة الإخوان اتسمت عملية إدارة الخلافات بدور مسيطر للمرشد العام الأول لا يقل من حيث الهيمنة على العملية عن دور رئيس الوفد لكنه لم يعرف الاستمرارية التي شهدها حزب الوفد في هذا المجال حيث حدث انقطاع فيه برحيل المرشد الأول ليحل محله مناخ انقسامي أكثر منه ديمقراطيا بسبب افتقاد القواعد والآليات اللازمة الديمقراطية للخلافات.

أما حزب الأحرار فكان أسلوب إدارة الخلافات داخله أفضل حالا بسبب عدم وجود زعامة طاغية للحزب باستثناء فترة رئاسة محمد محمود ، ولتعدد الجماعات التي تكون منها الحزب .

فقد عرف الحزب عملية التصويت الملزم لحسم الخلافات عندما يصعب تحقيقه التوافق بين قادة الحزب .

ولم يعرف أسلوب الحسم السلطوي للخلافات الذي ساد في الوفد إلا في حالات محدودة معظمها خلال فترة رئاسة محمد محمود وأقلها في ظل رئاسة هيكل لكن لم يكن هذا الحسم السلطوي يصل إلى حد فصل عناصر قيادية كما حدث في الوفد ، وبالنسبة للحزب الوطني فالواضح أنه لم يعرف الأسلوب الديمقراطي في إدارة الخلافات حتى في مرحلته الأولي التي عرفت بعض الممارس ات الديمقراطية علي أصعدة أخري حيث كان الأسلوب السائد في غدارة الخلافات هو التكتل والتمحور والسعي إلى استبعاد الطرف الأخر من الحزب بدلا من الحوار والحسم عن طريق التصويت .

الفصل الثالث نمط توزيع السلطة والاختصاص في الأحزاب المصر ية المعاصرة

المبحث الثامن البناء التنظيمي للأحزاب المعاصرة

يتضمن النظام الأساسي أو الداخلي لكل حزب سياسي توزيعا معينا للسلطة والاختصاص لا يعبر عن الواقع في معظم الأحوال ، فوفقا للأنظمة المعتمدة في الأحزاب موضع الدراسة تبدو السلطة موزعة على مختلف المستويات التنظيمية التي يفترض أنها تتجه من أسفل إلى أعلي لكن الطريقة التي صيغت بها مواد الأنظمة تتيح للمستوي التنظيمي الأعلى أن يخطئ إذا أراد بأكبر قدر من السلطة الأمر الذي تؤكده الممارسة الحزبية وخاصة في عدم قدرة مختلف الأحزاب على استكمال بنائها التنظيمي عند القاعدة .

فعلي عكس الصورة التي تقدمها الأنظمة الأساسية لهذه الأحزاب والتي تقوم على بناء متجه من القاعدة إلى القمة فرضت طريقة نشأتها أن تجري عملية بنائها التنظيمي من على إلى أسفل ، وبينما كان من اليسير بناء المستويين الأعلى والوسيط برزت مشكلة استكمال التنظيم على المستوي القاعدي بتأسيس وحدات قاعدية تغطي جميع أنحا الدولة

فقد نشأت هذه الأحزاب في منتصف السبعينات بعد أكثر من عقدين من تحريم التعدد الحزبي وأدي ذلك إلى معاناة النخب التي تصدت لإقامة الأحزاب من نتائج إلحاق المجتمع المدني بالدولة في ظل نظام سلطوي مما ترك آثارا سلبية على قابلية الغالبية الساحقة من المواطنين للتفاعل مع العملية السياسية الجديدة ذات الطابع التعددي وفي الوقت نفسه استمرت القيود الأمنية على حركة أحزاب المعارضة لتمثل قيدا لا يمكن الاستهانة به على إمكانات تفاعل المواطنين معها أما بالنسبة لحزب الحاكم ( حزب مصر ثم الحزب الوطنيالديمقراطي) فقد ظلت الأساليب الإدارية الموروثة عن مرحلة التنظيم الواحد هي السمة الغالبة لحركته التنظيمية وفي هذا السياق كان من الصعب على الأحزاب أن تصل ببنائها التنظيمي إلى جميع الوحدات الجغرافية الأساسية على المستوي الرأسي .

كما عاني بعضها من صعوبة الوصول إلى بعض الأقاليم النائية على الصعيد الأفقي .

ومع ذلك فقد حدث تقدم ملموس في عملية بناء الأحزاب وطبيعة هياكلها التنظيمية بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 فقد أصبح لدي الأحزاب المعاصرة أبنية تنظيمية بالمعني الحديث الأمر الذي لم يتوفر لمعظم أحزاب ما قبل 1952 فكان تنظيمها يتسم بطبيعة هلامية غالبا – كما تبين من الفصل الثاني في هذه الدراسة باستثناء جماعة الإخوان بدرجة ما و الحزب الوطني لفترة محدودة بين 1907 و1912 فلم تكن هناك تنظيما متماسكة على المستويين الوسيط والقاعدي ولا كشوف عضوية أو حصر لها ، ولذلك كان تنظيم تلك الأحزاب يكاد يقتصر على قيادة وأعضاء سواء كثروا ( الوفد والإخوان ) أو قلوا ( بقية الأحزاب )

وقد تغير هذا الوضع في الأحزاب المعاصرة التي تمتلك إجمالا تنظيمات حديثة رغم استمرار الطابع السلطوي مميزا للعلاقة بين المستوي القيادي ( والرئيس أساسا) وبين المستويين الوسيط والقاعدي ولا يقلل عجز هذه الأحزاب عن استكمال تنظيم المستوي القاعدي بدرجات متفاوتة من أهمية هذا التطور وإنما يعكس احدي المشكلات التي تظهر في سياق هذا التطور نفسه وبسببه فعندما كانت التنظيمات الحزبية هلامية وغير متماسكة في أحزاب ما قبل 1952 وكانت المشكلة أكثر عمقا وحدة من استكمال المستوي القاعدي الذي لم يكن موضع عناية أصلا في معظم هذه الأحزاب .

لكن بعد أن أصبحت هناك تنظيمات حزبية بالمعني الحديث وتشتمل على مستوي قاعدي باتت المشكلة متعلقة بإمكانات استكمال بناء هذا المستوي ويقدم هذا المبحث تحليلا لمشكلة استكمال هذا البناء التنظيمي للأحزاب والأسلوب المتبع في هذا البناء .

أولا : مشكلة استكمال بناء المستوي القاعدي للأحزاب

تدل متابعة الحركة التنظيمية للأحزاب موضع الدراسة على عجزها جميعا لكن بدرجات متفاوتة عن استكمال المستوي القاعدي .

ولذلك ظلت هناك فجوة ملموسة ، وهائلة أحيانا، بين الإطار الذي حدده النظام الأساسي لكل منها وبين الواقع الفعلي للتنظيم الحزبي لكن هذه مشكلة لا تقل – كما سبقت الإشارة – من أهمية التطور الذي حدث في البناء التنظيمي للأحزاب المعاصرة بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952، خاصة وأن قيادات معظم الأحزاب المعاصرة كانت على وعي بالمشكلة وتأثيراتها السلبية .

كما أصبحت المشكلة موضع جدل في هذه الأحزاب وهي ظاهرة جديدة لم تعرفها أحزابها ما قبل 1952 .

لكن تجدر ملاحظة أن استكمال بناء المستوي القاعدي لا يعني ارتفاعا سريعا في نوعية الممارسة الديمقراطية داخل الحزب ، وإنما يتيح توفر " البنية الأساسية " للتنظيم الحزبي بما يؤثر تدريجيا على هذه الممارسة والقاعدة هنا أنه كلما اتسع نطاق المستوي القاعدي كلما زادت احتمالات توليد الضغوط من أسفل إلى أعلي وبالتالي أضطر المستوي القيادي لأن يأخذها في الاعتبار بدرجة أو بآخري مما يقلل من قدرته على التلاعب بالجسد التنظيمي للحزب.

وهو التلاعب الذي وصل ذروته في حزب الأحرار الذي عيد أقل الأحزاب المعاصرة – موضع الدراسة – استكمالا لمستواه القاعدي ومع ذلك تظل هناك عوامل أخري قادرة على الحد ن التأثير الإيجابي لاتساع نطاق المستوي القاعدي على الممارس ة الديمقراطية ، وأهمها التراث التنظيمي كما ظهر في الحزب الوطني الديمقراطي الذي ور – بعد حزب مصر – تنظيم الاتحاد الاشتراكي بكل سماته التي كان أهمها الترهل والبيروقراطية ولذلك تتيح مقارنة حجم وتطور مشكلة البناء القاعدي في الأحزاب المعاصرة التعرف على صلتها بالممارس ة الديمقراطية في هذه الأحزاب .

ففي حالة حزب مصر ، وهو أقصر هذه الأحزاب عمرا لم تتمكن قيادته من بناء غير عدد محدود من الوحدات القاعدية التي اقتصرت على لجان معينة من أعلي وليست منتخبة من مؤتمرات كما يقضي بذلك النظام الأساسي الذي احتاط لهذا عليه من أحكام انتقالية .

فنصت المادة 105 من هذا النظام على أن تتولي لجان الحزب اختصاصات مؤتمراتها وقد أقر السكرتير العام للحزب باهتراء البناء التنظيمي عندما أشار إلى أن ما يفتقده الحزب هو تدعيم هذا البناء من القاعدة للقمة واتضح من كلمته وجود مصدرين للخلل : أولهما أن الحزب ظل بلا وحدات قاعدية : ( إذا كان حزبنا يتمتع بالأغلبية فإننا لا نعلم مدي هذه الكثرة العددية بالتحديد فمثلا في القطاع الزراعي الضخم لا نعرف كم لنا في كل قرية وما هو نوع العضوية ) وثانيهما : أن الحزب يفتقد للكوادر في القاعدة الأمر الذي يقتضي ضرورة تربية هذه الكوادر من داخل الحزب .

كما عبر عن خشيته من أن يؤدي هذا الوضع إلى تحويل الحزب لمكتب شكاوي كما أشار إلى عدم وجود استمارات عضوية وعدم البدء في تحصيل اشتراكات الأعضاء لكن تقرر أثر ذلك أن يبدأ سريان نظام تحصيل الاشتراكات من أول يناير 1978 بواقع خمسة قروش شهريا ضمن خطة كانت تستهدف اعتماد الحزب في تمويله على اشتراكات وتبرعات أعضائه وحصيلة استثمار أمواله في الأوجه غير التجارية مثل إصدار الصحف وإقامة دو للنشر والطباعة والملاحظ أنه في الوقت الذي افتقد الحزب لوجود تشكيلات كافية في المستوي القاعدي كان مصابا بتخمة في المستوي الأعلى حيث تنافس الكثيرون على المناصب القيادية وخاصة من نخبة التنظيم الواحد السابق على التعددية ومن أصحاب المناصب الحكومية العليا ، وقد عبر أحد أعضاء نخبة الحزب بعد ذلك عن هذه المشكلة بقوله أن الحزب ( أخذ الشكل الحكومي لأنه نشأ في أحضان السلطة لكي يساند رئيس الدولة .

وكنا كأننا في إدارة حكومية وليس حزبا ولم يستطيع الحزب الوصول إلى القواعد الجماهيرية والحزب كله لم يكن أكث من الأمناء المعنيين بالمحافظات والسكرتارية العامة والهيئة البرلمانية لا غير ) وقد أظهرت أحداث 18 و19 يناير 1977 بالفعل مدي اهتراء البناء التنظيمي للحزب عند القاعدة مما أدي إلى غيابه الكامل عن هذه الأحداث التي نبهت رئيسه إلى خطورة الأمر ( فقد أدرك أن الحزب بلا قواعد فعلا ، وبدأنا نلتقي بالجماهير في المحافظات لكن للأسف كن لهذه اللقاءات طابع رسمي فالوزير يجلس على المنصة ومن حوله الحاشية من محافظ وغيره في حراسة الأمن .

وفي ظل هذا الوضع كان من اليسير على الذين وقفوا وراء رئيس الجمهورية في ذلك الوقت عندما أراد تأسيس حزب حاكم جديد أن يجدوا مبررا قويا للحاجة إلى هذا الحزب .

فقد عجز الحزب الذي تولي الحكم لأكثر من عامين عن بناء كيان قاعدي له فعلي سبيل المثال تضمنت الانتقادات التي وجهتها له لجنة الإعلام التابعة للحزب الجديد ( الوطني الديمقراطي ) في أول تقرير لها أن ( حزب مصر انعزل عن قواعده وفقد الصلة بالأقاليم ولذلك لم يكن له وجود في 18 و19 يناير 1977 ) ويعتبر حزب الأحرار أكثر الأحزاب موضع الدراسة عجزا عن استكمال بنائه على المستوي القاعدي وكان هذا هو المبرر الذي قدمته قيادة الحزب لتعطيل عقد مؤتمره العام الأول طوال فترة الدراسة بسبب ما نص عليه النظام الأساسي من ضرورة استكمال تشكيلاته في كل المحافظات قبل عقد هذا المؤتمر .

ولم يكن عقده إلا في يناير 1990 بعد تعديل هذا النص ليصبح استكمال التشكيلات في نصف المحافظات فإذا لم يكتمل يكتفي بربعها وما ضاعف من صعوبة استكمال تشكيلات المحافظات ما نص عليه النظام الأساسي أيضا من ضرورة تمثيل نصف عدد القرى أو الشياخات على الأقل في هيكل كل مركز أو قسم ومعني ذلك أنه إذا لم تتوفر للحزب عضوية في أكثر من نصف القرى والشياخات التابعة لمركز أو قسم معين لا يمكن إقامة هيكله التنظيمي وانعكس ذلك في عدم استكمال هياكل المحافظات ، حيث اشترط النظام الأساسي كذلك لتشكيل مؤتمر المحافظة أن يكون قد تم انتخاب لجان لنصف مراكزها وقد بحث المجلس الدائم للحزب في اجتماعاته قضية استكمال تشكيلات الحزب في المراكز والأقسام والمحافظات ثم حدد مدي زمنيا لها غاية آخر أبريل 1980 وناشد مقرري الحزب في المحافظات ورؤساء اللجان النوعية موافاة السكرتارية العامة للحزب بما تم انجازه في الموعد المحدد.

وواكب ذلك توصية من الأمانة العامة بضرورة وضع خطة عمل لزيارة المحافظات للمساعدة في هذه العملية وطالبت كل المسئولين من بالحزب في المحافظات بتقديم تقارير عن أنشطتهم واحتياجات محافظاتهم ولكن كان واضحا أن الحزب عاجز عن تغطية ليس فقط الوحدات الأساسية في القرى والشياخات ولكن أيضا المراكز والأقسام ولكن مشكلته تفاقمت بسبب القيد اللائحي على تشكيل لجان المحافظات التي لم تستكمل تشكيلات ثلاثة أرباع مراكزها وأقسامها .

ورغم أن هذا القيد كان واضحا فلم يظهر اهتماما بمعالجته إلا عام 1987 رغم إجراء تعديل للنظام الأساسي قبل ذلك عام 1979 .

والأرجح أن قيادة الحزب لم تكن راغبة جديا في حل مشكلة استكمال التشكيلات القاعدية حتى يبقي لديها مبرر لتأجيل عقد المؤتمر العام ولذلك لم تطرح قضية إعادة النظر في النصوص الخاصة بالأنصبة اللازمة لتشكيل لجان المركز والأقسام والمحافظات لفترة تزيد على عشر سنوات ولم تكن واردة في التعديل الهامشي الذي أدخل على النظام الأساسي عام 1979 رغم ظهور جدل حول ملائمة الأساس الجغرافي المتبع في المستوي القاعدي للحزب فقد اقترح البعض الأخذ بتقسيم يقوم على الدوائر الانتخابية بدلا من ذلك القائم على المراكز والأقسام لكن رئيس الحزب حسم الجدل لصالح الإبقاء على التقسيم المتبع في النظام الأساسي رغم تفضيله للتقسيم الأخر ( إن نظام الدوائر في تشكيل الحزب أفضل وأسهل في عملية الإعداد للانتخابات التي تعتبر روح العمل الحزبي سواء كانت انتخابات مجلس الشعب أو المجالس المحلية لكن الحزب سيستمر على نظام المراكز والأقسام طبقا للائحة" وقد واجه حزب التجمع كذلك مشكلة استكمال بنائه القاعدي إضافة إلى مشكلات تنظيمية أخري رغم الإطار المحكم والمتماسك لبنائه التنظيمي كما ورد في لائحة نظامه الداخلي فقد اتضح بجلاء خلال الانتخابات التشريعية في مايو 1984 محدودية الانتشار التنظيمي القاعدي للحزب وأقر أمينه العام بأن ( الحزب ترك بعض المناطق خالية من الوجود التنظيمي، وحاول أن يشغلها أثناء المعركة الانتخابية حيث لم ينضج العمل الحزبي فيها بشكل كاف )

وتضمن التقرير السياسي المقدم من الأمانة العامة إلى الدورة السابعة لاجتماعات اللجنة المركزية في أكتوبر 1984 نقدا ذاتيا لأخطاء الحزب في هذه الانتخابات ومنها القصور التنظيمي فقد أشار التقرير إلى ( غياب التنظيم الحزبي في بعض المحافظات والدوائر واقتصاره في بعضها الآخر على تكون بمثابة بوصلة للعمل الحزبي وضعف العضوية وتركزها في مناطق دون أخري .

وهذا ما أكده مرة أخري التقرير السياسي للمؤتمر العام الثاني للحزب في يونيو 1985 حيث أوضح أن المعركة الانتخابية عام 1984 كشفت عن غياب التنظيم الحزبي في بعض1 المحافظات والدوائر واقتصاره في بعضها الأخر على مستوي المحافظة وبعد المدن وعن غياب كامل في بعض المدن وفي أغلب القرى والأقسام وغياب كامل تقريبا لمستوي الوحدة الأساسية. وحتى في بعض المواقع التي يوجد بها تنظيم حزبي تبين أن عددا من هذه التشكيلات فوقية هلامية لا ارتباط لها بواقع عملها وتفتقر إلى القيادات الطبيعية المحلية ..

ولا شك أن ظاهرة الضعف التنظيمي للحزب ترتبط بغياب خطة تنظيمية موجهة لعملنا الحزبي وعدم إنشاء غرفة بيانات مركزية للعضوية واعتماد العمل في أغلب المواقع على أفراد قلائل وليس على هيئات حزبية منظمة وغياب الخريطة التنظيمية للحزب وإهمال القضايا التنظيمية ومشاكل العمل اليومي في بعض المحافظات والمواقع وعدم استكمال بناء الهيئات التنظيمية في بعض المحافظات خاصة الوحدات الأساسية ومع ذلك فقد أشار التقرير إلى أن الحزب استطاع خلال المعركة الانتخابية أن يصل إلى قري وإحياء ومراكز نائبة لم يكن ممكنا الوصول إليها بدون هذه المعركة .

لكن برغم اعتراف التقرير السياسي المقدم المؤتمر العام الثاني للحزب بالتقصير التنظيمي علي المستوي القاعدي بالذات فقد حاول في الوقت نفسه تبرير ذلك جزئيا بالهجمات الأمنية المستمرة على مقرات الحزب والتي جعلت من الصعب متابعة عملية تسجيل العضوية بالإضافة إلى عدم اهتمام لجان المحافظات بهذا التسجيل .

وقال التقرير أنه ( بسبب ضغط السلطة والاضطهاد الإداري والأمني لأعضاء الحزب فإن العمل التنظيمي واجه كثيرا من الصعوبات ولم ينجح الحزب في حل كثير من المشكلات الأساسية التي واجهته في هذا المجال وفي مقدمتها مشكلات العضوية ونشاط الوحدات القاعدية والمقرات والتفرغ ووسائل الاتصال .

وأقر التقرير بأن عدم انجاز تسجيل العضوية انعكس على إمكانية تكوين وحدات أساسية وظهر ذلك في دورة انتخابات المؤتمر العام الثاني حيث طالبت بعض المحافظات بعقد مؤتمرات لأقسام والمراكز من العضوية المباشرة دون تسكينها بوحدات أساسية وتمت الاستجابة لذلك وفي هذا الإطار أكد التقرير أن ( معظم المراكز والأقسام عجزت عن الانتشار التنظيمي من خلال وحدات أساسية بالرغم من إجماع كافة دورات المؤتمر العام واللجنة المركزية على ضرورة استكمال الهيكل التنظيمي بإنشاء الوحدات الأساسية باعتبارها نقطة الأساس في علاقة الحزب بالجماهير )

وعلى هذا النحو يمكن القول بأن فترة السنوات الخمس فيما بين انعقاد المؤتمرين العامين الأول والثاني للحزب 1980 -1985 لم تشهد تحقيق تقدم في تنفيذ القرارات التنظيمية التي أصدرها المؤتمر العام الأول ، وأهمها :

- تصنيف وتحليل وتسجيل العضوية وترشيدها داخل كل محافظة .

- استكمال بناء الهياكل التنظيمية في المحافظات طبقا لمواد اللائحة .

- بناء شبكة اتصال سليمة بين القيادة والقواعد وتطوير أساليب هذا الاتصال بما يدعم الديمقراطية الداخلية ويمكن قاعدة الحزب من المساهمة في إدارة شئونه .

- التوسع في إيجاد الكادر المتفرغ للعمل الحزبي .

- ولذلك عاد التقرير السياسي للمؤتمر العام الثاني إلى طرح مهام تنظيمية لا تخرج عن الإطار العام لقرارات المؤتمر الأول وأهمها :

- إعادة تنظيم المستوي المركزي واللجان الرئيسية للجنة المركزية بحيث يحظي العمل الحزبي التنظيمي والجماهيري بالاهتمام الواجب .

- تفرغ العدد الأكبر من قيادات الأمانة العامة وكافة أعضاء الأمانة المركزية وبعض قيادات المحافظات - الاهتمام بإعداد الكوادر طبقا لسياسة محددة تضمن اكتشاف قيادات جديدة وإعدادها .

- دعم الاتصال الداخلي للحزب .

وجاء طرح هذه المهام في إطار انشغال الحزب في مؤتمره العام الثاني بما أسماه بناء الحزب الجماهيري الذي يستهدف تعبئة وتنظيم الحركة الشعبية ولم يكن هذا الطرح جديدا ولا جديا حيث سبق المؤتمر الأول أن دعا إلى إقامة بناء حزبي مناضل وجماهيري يعطي الأولوية لبناء وحداته الأساسية في مواقع التجمع الجماهيري بالذات .

وتجرد الإشارة إلى أن هناك تفسيرا لعدم قدرة الحزب على استكمال بنائه ، ومن ثم التحول إلى حزب جماهيري يركز على حرص المجموعة الماركسية الضيقة على تدعيم سيطرتها ولذلك ظلت تفضل بناء حزب للكادر الماركسي من اتجاه معين دون غيره وتعمل على استقطاب العناصر الأخرى النشطة إليها حيث كان الحزب بالنسبة لها ساحة للاستقطاب على حد وصف أحد القائلين بهذا التفسير لكن الملاحظ أن تجربة الفترة التالية للمؤتمر العام الثاني أظهرت أن المشكلة التنظيمية للحزب أعمق من أن يمكن تفسيرها برغبة أو مؤامرة تيار داخل الحزب فقد استمر العجز عن استكمال البناء التنظيمي ناهيك عن التحول إلى حزب جماهيري.

وقد ظلت نفس المشكلات التنظيمية قائمة بعد ذلك كما يظهر من البيان الختامي للدورة الثالثة عشرة للجنة المركزية للحزب ، والذي تضمن وصفا لهذه المشكلات بأنها ( متعددة وتتصل بحالة الحزب في القيادة والقواعد معا ومنها غياب لجان الأقسام وعدم انتظام لجن المحافظات في متابعتها وعدم تجاوبها مع المستوي المركزي ضعف الحوار والاتصال الداخلي ) ووجه البيان نقدا مباشرا لأسلوب الأمانة المركزية في إدارة العمل الحزبي والواقع الراهن للكادر السياسي للحزب على أساس أن تحسين الأداء بالمستوي المركزي كفيل بتهيئة أوضاع المشكلات الخاصة باستكمال البناء التنظيمي، وشمل ذلك جولات للأمين العام في العديد من المحافظات لعقد مؤتمرات شعبية ولقاءات مع قيادات الحزب بها إضافة إلى قيام وفود من الأمانة العامة بزيارات ميدانية لمختلف المحافظات .

ولكن الإخفاق الجديد الذي مني به الحزب في الانتخابات التشريعية التي جرت في أبريل 1987 جاء مؤشرا على عدم إثمار هذه الجهود ، بل وحدث مزيد من التراجع في القدرات التنظيمية للحزب حيث انخفضت نسبة الأصوات التي حصل عليها إلى حوالي النصف بالمقارنة مع انتخابات مايو 1984 وثمة ما يدل على استمرار هذه المشكلة خلال الفترة التالية كما يتضح من حديث للأمين العام للحزب تضمن تفسير القصور التنظيمي بالانشغال بالمعارك السياسية الكبرى عن المعارك البنائية والهيكلية الداخلية :

( إذن فهناك تقصير منا لأننا لم نوجه جهدنا الأكبر لعملية البناء الحزبي ، والبناء الجماهيري والقيادي في المرحلة الماضية )

وقد واجه حزب الوفد الجديد كذلك مشكلات في استكمال بنائه التنظيمي خاصة وأنه قام بتجميد نشاطه بعد حوالي ثلاثة أشهر ونصف من تأسيسه وقبل أن يحقق أى تقدم على هذا الصعيد ولذلك فعندما استأنف نشاطه في خريف 1983 كان عليه أن يشرع في البناء التنظيمي من البداية حيث ركز اهتمامه على تكوين لجان عامة في المحافظات فقامت لجنة التنظيم الداخلي بإعداد تشكيلات هذه اللجان وعرضها على الهيئة العليا وتلا ذلك قيام اللجان العامة للمحافظات بتشكيل اللجان المركزية بالمراكز والأحياء التابعة لها في كل محافظة .

لكن ظل الحزب يعاني من مشكلة استكمال البناء التنظيمي الذي ظل محدودا للغاية على المستوي القاعدي وخاصة فيما يتعلق بالوحدات الأساسية ومع ذلك فالملاحظ أن هذه المشكلة لم تكن مطروحة للنقاش الحزبي بعكس الحال في معظم الأحزاب موضع الدراسة ، كما رأينا في حزبي الأحرار والتجمع وكما حدث في الحزب الوطني أيضا فقد عاني هذا الحزب كغيره ، ومن مشكلة عدم استكمال بنائه التنظيمي رغم كونه الحزب الحاكم الذي تديم له الأجهزة الإدارية كغيره ، من مشكلة عدم استكمال بنائه التنظيمي رغم كونه الحزب الحكم الذي تدين له الأجهزة الإدارية بالولاء .

والملاحظ أنه اهتم مبكرا بهذه المشكلة حيث عقد رئيسه الأول أنور السادات اجتماعا مع أعضاء نخبته بعد أيام قليلة من تأسيسه ( لإعداد الترتيبات الخاصة باستكمال جميع مستوياته من القاعدة إلى القمة وتقرر في ذلك الاجتماع فتح باب التشريح لعضوية لجان الدوائر الانتخابية للحزب يومي السابع والثامن من سبتمبر 1978 دون أن يسبق ذلك تشكيل الوحدات القاعدية ويبدو أن الهدف من ذلك كان الإسراع بعقد المؤتمر العام للحزب حيث أوضح أمينه العام حينئذ أن المؤتمر سيضم ثلاثمائة وخمسين عضوا مجلس الشعب الذين انضموا لعضوية الحزب ومثله وخمسين عضوا يختارهم رئيس الحزب والواضح أن هذا التصور لتشكيل المؤتمر العام كان أوليا وسابقا على إقرار النظام الأساسي الذي تضمن طريقة مختلفة لهذا التشكيل .

لكن رغم هذا الاهتمام المبكر بقضية البناء التنظيمي فقد ظل الحزب يعاني من مشكلة عدم استكماله والتي تحد عنها رئيسه لأول مرة في مايو 1981 حيث أقر بأن ( المستويات التنظيمية لم تكتمل كما كانت أريدها وكما يجب أن تكون في حزب عملاق بهذا الشكل ، لكن يجب أن نكون منصفين .

فمن غير المعقول أن يكتمل كل شئ بالنسبة لحزب له الأغلبية الساحقة في سنة أو سنتين أو حتى في خمس سنوات) كما اعترف أحد أعضاء نخبة الحزب ولد من أعلي معتمدا على الرصيد السياسي للرئيس الراحل أنور السادات ولم يستطيع الحزب أن يضم إلى صفوفه في هذه المرحلة عناصر جديدة الأمر الذي دعا القيادة السياسية إلى إجراء عملية تغيير بعد ولادة الحزب بعشرة أشهر فكانت الفرصة متاحة للدراسة المتأنية لإعادة بناء الحزب وتشكيل لجان في المحافظات قبل حل مجلس الشعب وإجراء الانتخابات الجديدة في يونيو 1979 .

لكن عملية حل المجلس المفاجئة وضعت قضية تحقيق أغلبية برلمانية قبل قضية الحزب نفسه .. واستطاع عدد من المستقلين الفوز ضد مرشحي الحزب لكنهم ما لبثوا أن انضموا للحزب من هنا غلبت المصلحة على الانتماء الحقيقي للحزب ومبادئه)

وتبين عام 1984 أن الحزب لم يستكمل بنائه التنظيمي حتى في العاصمة نفسها الأمر الذي فسره أمين الحزب بها بأن ( التوازنات السياسية بين الأفراد قد تسبق أحيانا عمليات الإصلاح الجادة ) مشيرا إلى أنه حدثت إصلاحات في الحزب بعد تولي مبارك رئاسته استهدفت استكمال الهياكل التنظيمية على كل المستويات لكنها افتقدت الاستمرارية أو جدية المواجهة ) وتكمن أهمية هذه الملاحظة فيما تفيده من أن المشكلة لم تكن في توفر الاهتمام باستكمال البناء التنظيمي أو وضح الرؤية في هذا الشأن فقد حرصت أمانة التنظيم لى مطالبة المحافظات باستكمال جميع الوحدات على المستوي القاعدي وأدي ذلك إلى تحقيق قدر من التقدم وأن ظل محدودا.

ولذلك ظلت قيادة الحزب تؤكد اهتمامها بتشكيل الوحدات القاعدية باعتبارها ( المستوي الذي يتيح الاتصال المباشر والفعال فكريا وتنظيميا بين قاعدة الحزب العريضة وقيادته )

والملاحظ أن مشكلة استكمال البناء التنظيمي كانت موضع جدل في العديد من اللقاءات الحزبية فعلي سبيل المثال جري حوار حولها في أحد هذه اللقاءات عندما أثار سعد الدين وهبه ما أسماه بتأخر تنظيمات الحزب وطلب استعجال التشكيلات . وقد ظهرت خلال ذلك الحوار أبعاد أخري للمشكلة نتيجة اختلاط استكمال بناء المستوي القاعدي الذي لم يتم تأسيسه أولا بإعادة تشكيل المستويين الوسيط والقيادي وتجدد الحوار حول هذه المشكلة في اجتماع تال لقيادة الحزب .

حيث رد الأمين العام حينئذ على تساؤلات أخري بأن ( الحزب بدأ بالفعل في إعادة تشكيلاته ) لكن دل حديثه على أن إعادة التشكيل في قمة المستوي القاعد أى أمانات المحافظات يؤثر سلبيا على استكمال بناء الوحدات الأساسية في هذا المستوي فقد دعاء ما أسماه ( تشكيلات الحزبية في المحافظات وألا يرتبط النشاط الحزبي بانتظار التشكيلات الجديدة)

ومن واقع خطاب أعضاء نخبة ويتضح استمرار مشكلة البناء التنظيمي على المستوي القاعدي خلال الفترة التالية بينما تم الاستغراق في إعادة تشكيل المستوي القيادي وخاصة خلال عامي 1984 ، 1985 ونتيجة لذلك يبدو أن قيادة الحزب اضطرت لأن تسند مهمة تسجيل العضوية القاعدية للجان المراكز والأقسام في أوائل 1985 بدلا من لجان الوحدات القاعدية ومع ذلك فقد أبدي بعض مسئولي الحزب بالأقاليم اهتماما واضحا بهذه الوحدات من زاوية ضرورة استكمال تشكيلاتها وتأكيد ( عدم إمكان ن تقف نظرة الحزب عند تشكيل لجنة المراكز أو الدائرة حيث ينبغي العمل مع القواعد التي تمثل جماهيرية الحزب المستقرة في القرى )

ورغم أن حزب العمل أبدي اهتماما واسعا بحل مشكلة استكمال بنائه التنظيمي فالأرجح إنه لم يحقق تقدما ملموسا في هذا المجال الإخلال تصاعد تحركات التيار الإسلام ي داخله لسيطرة على تنظيمه قبل المؤتمر العام الخامس الذي انعقد في مارس 1989 ولذلك فقد اقترن اتساع نطاق هذا التنظيم على المستوي القاعدي باتهامات لذلك التيار باللجوء إلى أساليب غير مشروعة الأمر الذي سنعود إليه في الفصل الأخير ومع ذلك فالملاحظ أن قيادة الحزب انشغلت بقضية استكمل البناء التنظيم منذ وقت مبكر وخاصة مع الإعداد لمؤتمره العام الأول فقد طلبت اللجنة العليا من اللجنة التحضيرية لهذا المؤتمر وضع برنامج زمني تقوم بتنفيذه ومتابعته لاستكمال ذلك البناء وأخذ الحزب منذ ذلك الوقت في تكوين لجان للإشراف على التشكيلات القاعدية"

لكن المرجح أن غياب التشكيلات في بعض الوحدات ساعد التيار الإسلام ي في الحزب على إدخال أعضاء جدد من شباب بعض الجماعات الإسلام ية في عدد من المحافظات لتشكيل شعب وشياخات لم تكن موجودة من قبل .

وقد بد هذا التحرك فور الانتخابات التشريعية في أبريل 1987 التي اعتبرها رئيس الحزب ( بداية مرحلة جديدة في تاريخه لأنه من الطبيعي أن تنعكس انجازات الحزب في الانتخابات على دعم بنائه التنظيمي ) وأشار بوضوح إلى أن جولات قادة الحزب في أنحاء مصر لهذا الغرض وإلى النتائج التي ظهرت في تزايد عدد طالبي عضوية الحزب وخاصة من الشباب وتشكيل لجان جديدة)

لكن أحكام التيار الإسلام ي لسيطرته على الحزب من 1989 أدي إلى جمود في عملية استكمال بناء المسوي القاعدي فقد وضعت قيود مشددة على الانضمام للعضوية خشية قيام الجناح المنشق ( أحمد مجاهد ) بإدخال أنصار له التفكيك الحزب ومن شأن تقييد العضوية على هذا التي نحو أن يحول الحزب إلى منظمة مغلقة تدار بأساليب شبة عسكرية .

ثانيا : البناء التنظيمي للأحزاب بين التعيين والانتخاب

يعتبر الأخذ بأسلوب الانتخاب أحد معايير ديمقراطية البناء التنظيمي للأحزاب ورغم أن الأنظمة الأساسية لجميع الأحزاب موضع الدراسة نصت على الانتخاب كأسلوب لبنائها وأن أجاز بعضها اللجوء للتعيين مؤقتا في المرحلة الأولي و فقد ظلت معظم هذه الأحزاب تعتمد على أسلوب الاختيار من أعلي أو التعيين في مختلف المستويات التنظيمية وينطبق ذلك على أحزاب مصر والأحرار والوطني وإن كان حزب قد أخذ بأسلوب الانتخاب في المستوي الأعلى فقط عام 1990 أى بعد خمسة عشر عاما من تأسيسه وقد عرف حزب الوفد الانتخاب فيما يتعلق بهذا المستوي فحسب بينما ظل أسلوب التعيين سائدا في المستويين الأدنى والوسيط .

فبالنسبة لحزب مصر من الثابت أنه لم يعرف أسلوب الانتخاب في بنائه التنظيمي خلال حياته القصيرة فكانت مختلف تشكيلاته تصدر بقرارات من رئيسه ممدوح سالم كما يتضح من متابعة صحيفته ومع ذلك فالملاحظ أن الشعور المتزايد بقصور البناء التنظيمي للحزب انعكس في ظهور دعوة داخله للجوء إلى الانتخاب أو بالتحديد ( إعادة تكوين المستويات القيادية للحزب في بنائه )

لكن بينما رأي أحد أعضاء المكتب السياسي للحزب أن ( التكوينات القيادية تمت في مرحلة لم يكن ممكنا فيها اختيار القيادات موضوعيا ) أكد السكرتير العام أنه رغم اللجوء لتعيين القيادات كمرحلة انتقالية ( روعي في القيادات التي تولت المسئولية الرئيسية بالحزب أنها قيادات منتخبة بمجلس الشعب أو المجالس المحلية أو النقابات أو الاتحادات المهنية والعمالية ) لكنه أقر بضرورة انتهاء المرحلة الانتقالية في آخر عام 1978 ( ليبدأ تنفيذ برنامج انتخابي لتكوين المستويات بالانتخاب فيما بعد )

وفي الوقت نفسه كان السكرتير العام السابق يؤكد تأييد ( لإعادة بناء الحزب بالانتخاب لأنه الأسلوب الديمقراطي الذي من خلاله يستطيع الأعضاء ممارس ة حقهم السياسية في اختيار القادة في التنظيم الذي يجمعهم ) ودعا لإجراء هذه الانتخابات خلال صيف 1978 ( بحيث تكون إعادة بناء الحزب بالانتخاب من القاعدة إلى القيادة قد تمت قبل الدورة القادمة لمجلس الشعب ) لكن لم يمض شهران حتى كان الحزب يواجه مفاجأة تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي كبديل له .

كما درج حزب الأحرار على شغل كل مستوياته التنظيمية بالتعيين الذي يقوم به رئيس الحزب وظلت قيادة الحزب تبرر ذلك بأنه إجراء مؤقت حتى تتوفر الظروف التي تتيح عقد المؤتمر العام والملاحظ أن بعض أعضاء نخبة الحزب تمسكوا بأسلوب التعيين عارضوا فكر قيام المجلس الدائم بانتخاب قيادة الحزب ومنهم نائب الرئيس الذي أقر بذلك على أساس أن ( الانتخاب يكون بواسطة المؤتمر العام نفسه وليس المجلس الدائم الذي لا ينتظم سوي نصف أعضائه في الاجتماعات )

وقد أدي هذا الإطلاق يد رئيس الحزب في تعيين القيادات .

لكن جرت العادة عند الإعلان عن تعيينات جديدة أن يقوم المستوي القيادي الذي يجري التعيين فيه بإصدار قرار تعيين العضو الجديد ، أو بالموافقة على إعادة تشكيل نفسه ففي حالة تعيين أعضاء جدد يمكن لإشارة مثلا إلى قرار الأمانة العامة للحزب بضم السيدة نفيسة الغمراوي إلى الأمانة العامة والمكتب السياسي .

وفي الحالة الثانية الخاصة بإعادة التشكيل يمكن الإشارة مثلا إلى قرار الأمانة العامة بالموافقة على إعادة تشكيلها بناءا على قرار من رئس الحزب ففي اجتماع لهذه الأمانة عرض نائب رئيس الحزب قرارا بإعادة تشكيلها مصدقا على من رئيس الحزب ووافقت الأمانة على التشكيل الجديد .

والملاحظ أن رئيس الحزب أعلن بشكل متكرر وكذلك بعض أعضاء نخبته عن الإعداد لإجراء انتخابات في كل مستوياته في إطار عملية إعادة تنظيمه وقد بدأ الحديث عن إعادة تنظيم الحزب لأول مرة في منتصف 1978 عندما أعلن رئيسه عن الإعداد لانتخابات حزبية قبل نهاية العام وظلت هذه العملية تؤجل مع الاستمرار في مناقشة قضية إعادة التنظيم ففي أواخر 1979 بحث المكتب السياسي والأمانة العامة كل على حدة مشروعا بهذا الصدد، وقررا عرضه على المجلس الدائم للحز الذي ناقشه لكن دون أن يترتب على ذلك تطوير فعلي وفي الوقت نفسه أطلق رئيس الحزب لنفسه العنان في إقامة ما يتيسر من تشكيلات في المحافظات بتأييد من المكتب السياسي فعلي سبيل المثال أصدر هذا المكتب بيانا في أكتوبر 1983 يؤيد ( ما تقوم به قيادة الحزب من إجراءات لإعادة التنظيم ووضع التشكيلات الجديدة لبعض أمانات المحافظات استعدادا للمرحلة الهامة القادمة من النشاط الحزبي )

لكن الهزيمة التي لقيها الحزب في الانتخابات التشريعية في مايو 1984 فرضت على قيادته العودة لطرح قضية إعادة تنظيم الحزب مصحوبة بإجراءات عملية لاحتواء حالة الاستياء والقنوط التي عمت أوساط الحزب ، فأعلن رئيسه أن هذه الانتخابات كشفت للحزب عن مواطن الضعف فيه ، الأمر الذي جعل إعادة تنظيمه وبناء قواعده ضرورة لنموه ووعد بأنه سيتم انتخاب جميع قيادات الحزب على كافة المستويات وتمخض التطور عن تشكيل لجنة لإعادة بناء الحزب من خمسة وعشرين عضوا من نخبته العليا نفسها.

والتي فشلت في هذه المهمة على مدي ثماني سنوات ووصفت جريدة الحزب هذه اللجنة بأنها ( النخبة الممتازة من أعضاء الحزب) وظهر من البداية أنها لجنة بيروقراطية يفخر أعضاء نخبة الحزب بالانضمام إليها وبعد أن كان عدد أعضائها خمسة وعشرين عضوا عند تشكيلها ارتفع بعد يومين إلى أربعين عضوا ثم إلى اثنين وأربعين عضوا بعد ثلاثة أيام أخري وعندما نشرت جريدة الحزب أسما ء أعضاء ثم إلى اثنين وأربعين عضوا بعد ثلاثة أيام أخري .

وعندما نشرت جريدة الحزب أسماء أعضاء هذه اللجنة بعد أسبوع آخر كانوا قد وصلوا إلى ثلاثة وستين عضوا ، وتبين أن اللجنة قررت ضم الأعضاء الجدد إليها وفسر سكرتير عام الحزب ذلك بأنه روعي ضم العديد من العناصر الشابة حرصا على المشاركة الشبابية في أنشطة الحزب المختلفة ، وإزاء هذا التضخم، كان من الضروري اختيار أمانة عامة للجنة تجتمع كل أسبوع فيما تجتمع اللجنة نفسها كل شهر وتدل متابعة نشاط هذه اللجنة على أنها تجتمع كل أسبوع، فيما تجتمع اللجنة نفسها كل شهر وتدل متابعة نشاط هذه اللجنة على أنها تحولت إلى مستوي قيادي جديد طوال الفترة التي استغرقتها عملية إعادة التنظيم فقد انبثقت عنها لجنة خاصة من تسعة عشر عضوا لمتابعة نشاط الحزب في ثلاث مجموعات إحداها للوجهة القبلي .

والثانية للوجه البحري والثالثة للقاهرة والجيزة ، وكانت مهمة كل مجموعة زيارة كل محافظة على حدة وإجراء دراسة ميدانية عن نشاط الحزب وتقدير كفاءة قياداته فيها وبحث حجم العضوية ومحاولة تدبير مقار للحزب لكن لم تمض أيام أخري حتى تقرر . إجراء تنظيم جديد للجان المنبثقة عن لجنة إعادة تنظيم الحزب .

فتم تقسيم أمانة اللجنة إلى سبع مجموعات عمل جغرافية وتحددت مهام هذه المجموعة في إعادة تنظيم الحزب في مختلف المحافظات ، بحيث تضع كل مجموعة خطة للمرور على المحافظات المختصة بها طبقا لجدول زمني ، وتشكيل أمانات المحافظات والمراكز والأقسام ومراجعة شئون العضوية والاشتراكات وبحث مواقف المقرات وفي هذا الإطار أصبحت أمانة لجنة إعادة التنظيم تقوم بدور الأمانة العامة للحزب حيث عقدت اجتماعات لمناقشة القضايا السياسية إلى جانب نشاطها التنظيمي وأصدرت قرارات بشان هذه القضايا وفي معظم اجتماعات اللجنة كان يتم التأكيد على استكمال تشكيلات الحزب في موعد لا يتجاوز أكتوبر 1984 لكن اجتماعاتها ظلت مستمرة بعد انتهاء ذلك الشهر وفي أحد اجتماعاته .

ناقشت أمانة اللجنة أسلوب الإعداد لعقد المؤتمر العام للحزب وانتخابات القيادات الحزبية لكن تمخض كل ذلك عن إجراء انتخابات داخل أمانة لجنة إعادة تنظيم الحزب لانتخابات رؤساء اللجان النوعية واستمرت في الوقت نفسه عملية إقامة تشكيلات للحزب في المحافظات والمراكز دون ذكر لموضوع الانتخاب وأعلن السكرتير العام عن تحقيق إنجاز كبير في إقامة هذه التشكيلات واستمرت اجتماعات اللجنة وأمانتها حتى آخر أبريل 1985 عندما أعلن عن تشكيل الأمانة العامة الجديدة للحزب بالتعيين مرة أخري كما قام رئيس الحزب بتعيين أربعة وكلاء له وأمين الصندوق وقرر أن يتولي كل وكيل الإشراف على أمانات الحزب بمجموعة من المحافظات .

وبذلك تكون عملية إعادة التنظيم قد انتهت إلى قرارات بتعيين المستوي القيادي للحزب ، بعد أن تم تشكيل قمة المستوي القاعدي في المحافظات وبعض المراكز بنفس الأسلوب وكأن عاما كاملا من الجهد المبذول في هذه العملية انتهي من حيث بدأ تقريبا وقررت الأمانة العامة الجديدة في أول اجتماع لها إنهاء أعمال لجنة إعادة تنظيم الحزب وأمانتها والعمل على استكمال تشكيل المكتب السياسي والمجلس الدائم ومتابعة إعادة بناء الحزب عن طريق الأمانة العامة والمشرفين على المناطق الجغرافية وأمناء المحافظات .

وهكذا انتهت عملية إعادة التنظيم التي بدأت بوعود بإجراء انتخابات حزبية إلى صدور قرارات من رئيس الحزب بالتشكيلات الجديدة للمستوي الأعلى القيادي نشرتها صحيفة الحزب بتوقيعه .

والملاحظ أنه رغم الإعلان عن انتهاء مهمة اللجنة المختصة بإعادة التنظيم ظل رئيس الحزب يتحدث عن أن ( ما يشغلنا الآن هو إعادة بناء الحزب ) ولم يعرف الحزب أسلوب الانتخابات إلا عندما انعقد مؤتمره العام الأول في يناير 1990 حيث اقتصر ذلك على المستوي القيادي فلم تجر انتخابات قاعدية لاختيار أعضاء هذا المؤتمر الذين تم تحديدهم من أعلي كما أن انتخاب رئيس الحزب والأمانة العامة خلال ذلك المؤتمر تم بشكل صوري وبطريقة أقرب إلى الاستفتاء نتيجة انسحاب المرشح المنافس لرئيس الحزب ثم انسحاب جميع المرشحين الزائدين عن العدد المطلوب انتخابه لعضوية الأمانة العامة .

ويعتبر الحزب الوطني هو ثالث الأحزاب التي لم تأخذ بأسلوب الانتخاب في بنائها التنظيمي حتى آخر 1991 عندما بدأت أول عملية انتخاب جزئي فقد استمر الحزب في استبعاد هذا الأسلوب في مختلف مستوياته التنظيمية بالمخالفة لنظامه الأساسي الذي جعل اللجوء إلى التعيين أمرا مؤقتا نص إليه في حكم انتقالي في نهاية مواده فقد ظل رئيس الحزب يعين المكتب السياسي وكذلك الأمانة العامة التي قامت بتشكيل لجان وهيئات مكاتب المحافظات وما دونها بالتعاون مع المكتب السياسي والملاحظ أن قضية الأخذ بأسلوب الانتخاب طرحت بشكل جدي في المرحلة الأولي لتأسيس الحزب عندما اتجهت قيادته في منتصف 1979 إلى ( إعادة بنائه من القاعدة إلى القمة ) فقد ظهر اتجاهان في ذلك الوقت : أولهم رأي ضرورة إجراء انتخابات حرة في قواعد الحزب وفتح الباب أمام أعضائه للتقدم في ذلك الوقت : أولاهما ضرورة إجراء انتخابات حرة في قواعد الحزب وفتح الباب أمام أعضائه للتقدم لهذه الانتخابات دون قيد أو شرط وثانيهما رأي أفضلية الأخذ بأسلوب الاختيار على أساس على الانتخاب لا يفرز أفضل العناصر التي قد لا تقبل على ترشيح نفسها .

وقد عبر بعض أعضاء الأمانة العامة عن الاتجاه الأول .. بينما كان الثاني غالبا في الهيئة البرلمانية للحزب والأخذ بأسلوب التعيين وبعد أن كان مقترحا إجراء انتخابات حزبية في أول يناير 1980 تم إرجاؤها إلى سبتمبر من نفس العام لكنها لم تعقد إلا بداء من آخر عام 1991 ومع ذلك ظل بعض أعضاء نخبة الحزب الأقل نفوذا يدعون إلى ضرورة الانتخاب في ( أى حزب جماهيري يضم عضوية واسعة تتطلع لأن يكون لها دور في انتخاب قيادتها وقد تكون للتعيين ضرورات موضوعية .

لكن الواجب يفرض في الحزب الديمقراطي أن تكون هذه الضرورات مؤقتة ولفترة محدود تحدد سلفا ، لا أن تكون عملية التعيين مفتوحة وبالتالي يصبح مبدأ بناء الحزب بالانتخاب هو الاستثناء ويتحول الاستثناء وهو التعيين إلى قاعدة لكن ظل بعض أعضاء نخبة الحزب الأكثر نفوذا على قناعة بعدم وجود ضرورة للانتخاب بل ورأي أحدهم أن ( مبدأ الانتقاء في الأحزاب السياسية سليم لأنها مؤسسات خاصة وليست سلطة عامة تأتي عن طريق الانتخاب ) ومع ذلك لم يكن هذا هو الموقف السائد في المستوي الأعلى للحزب ففي أعقاب الانتخابات التشريعية لعام 1984 أثيرت القضية وأصبحت موضع تساؤلات عدة ودأب الأمين العام وقتها على تفسير إرجاء الانتخابات بالحاجة إلى وقت لضبط العضوية واستكمال السجلات بشكل واقعي من أجل إعداد جيد للانتخابات .

وفي هذا الإطار استمر بناء الحزب من أعلي بالتعيين وإن كان رئيسه الثاني بدا مقتنعا بأهمية لانتخاب حيث أكد أن ( الحل الأمثل والواجب الإتباع في الأحزاب السياسية هو اختيار جميع القيادات بالانتخاب من القاعدة لأن شرعية القيادة الحزبية تستمد من رضاء جماهير الحزب وثقتها فيها ولا يصح الالتجاء للاختيار إلا في أضيق الحدود وفي المراحل الانتقالية فقط وسوف يشهد الحزب الوطني تحركا واسعا في هذا المجال )

ورغم هذا لم يثر موضوع الانتخاب في الحزب بعد ذلك إلا عام 1991 وعلى نحو جزئي ومقيد أما حزب الوفد الجديد فقد تميز بأتباع أسلوب الانتخاب فيما يتعلق بالمستوي الأعلى فحسب أى الهيئة العليا وتم ذلك مرتين في مارس 1978 ويناير 1988 لكنه لم يكن انتخابا مفتوحا وتنافسيا في المرة الأولي حيث تم التصويت على قائمة معدة سلفا على نحو أقرب للاستفتاء وفي المرة الثانية كان الانتخاب مفتوحا وإن كان رئيس الحزب قد قام بدعم قائمة فاز جميع أعضائها بعضوية الهيئة العليا وسيعود الباحث لتحليل الانتخابين في الفصل التالي أما في المستوي الوسيط والقاعدي فقد اعتمد الحزب على الاختيار والتعيين من أعلي وكان هذا التوجه واضحا منذ تأسيس الحزب عندما أعلن رئيسه أنه سيتم تكوين لجنة من أعضاء الهيئة العليا تقوم بعملية تشكيل اللجان الإقليمية لكن لم يتوفر الحزب الوقت الكافي لانجاز هذه العملية .

فقد اضطر لتجميد نشاطه بعد حوالي ثلاثة أشهر ونصف من تأسيسه ولذلك فعند استئنافه لهذا النشاط قامت الهيئة العليا التي تم التجديد لها بتشكيل لجنة فرعية من لجنة التنظيم المركزي لفحص تشكيلات لجان الحزب المؤقتة بالمحافظات وأبدت قيادة الحزب حينئذ اهتماما يبحث إمكان اللجوء للانتخاب في تشكيل اللجان الإقليمية ففي يوليو 1984 أصدر السكرتير العام بيانا بمناسبة إعادة تشكيل لجان الحزب دعا فيه الأعضاء إلى تسجيل أسمائهم في سجلات الحزب في أقرب مقر بدوائرهم أو مناكفهم تمهيدا لإجراء التشكيل الجديد سواء عن طريق الانتخابات المباشر بالنسبة للجان الشياخات والقرى أو عن طريق التصعيد من القاعدة للقمة بالنسبة لغيرها من اللجان وقد قررت الهيئة العليا للحزب أن بالإمكان الانتهاء من عملية الانتخاب في نهاة أغسطس 1984 .

وأقرت هذه الهيئة لائحة بنظام لجان المحافظات تنص على انتخابها من القاعدة إلى القمة لمدة خمس سنوات مع جواز تجديد الانتخاب ووفقا لهذه اللائحة يتم انتخاب اللجنة الفرعية بالقرية أو الشياخة بواسطة الأعضاء العاملين بالحزب فيها وتضم اللجنة المحلية للمركز أربعة أعضاء تختارهم لجنة المدينة عاصمة المركز وعضوا أو اثنين من كل وحدة أخري بهذا المركز وتتكون اللجان العامة بالمحافظات متعددة المراكز من ستة أعضاء على الأكثر من كل مركز وستة آخرين من المدينة عاصمة المركز تختارهم لجنة المركز أو المدينة وفي المحافظات ذات المدينة الواحدة تتكون اللجان العامة من ستة أعضاء من كل حي أو قسم إداري تختارهم لجنته واثني عشر عضوا على الأقل وثمانية عشر على الأكثر ن كل حي أو قسم إداري تختارهم لجنته واثني عشر عضوا على الأقل وثمانية عشر على الأكثر في المحافظات ذات الحي الواحد أو القسم الإداري الواحد ونصت اللائحة على أن تعاون كل اللجان المؤقتة التي تشكلت قبل الانتخابات التشريعية لعام 1984 في تنفيذ أحكامها .

وقامت لجنة التنظيم بالحزب بمتابعة عملية حصر أعضائه لإجراء انتخابات اللجان الإقليمية لكن هذه العملية تعثرت بعد أن تجاوزت المدى الزمني الذي كان مقررا لها وهو أغسطس 1986 وأصبح من الصعب الاستمرار فيها عندما اتضح أن الفصل التشريعي الرابع لمجلس الشعب لن يكتمل الأمر الذي فرض عليه قيادة الحزب إعطاء أولوية للأعداد للانتخابات التشريعية الجديدة ولذلك استمر تكوين اللجان في المحافظات بالتعيين بالتعاون بين لجنة التنظيم والهيئة العليا وقامت لجان المحافظات بتشكيل لجان المراكز والأحياء وطلب السكرتير العام من مقرري المحافظات الانتهاء من هذه العملية في آخر ديسمبر 1986 كما عقد رئيس الحزب اجتماعات مع أعضاء اللجان العامة للمحافظات لهذا الغرض .

وإلى جانب عدم ديمقراطية هذه العملية وربما بسببها أيضا اتسمت عملية بناء الحزب بقلة الكفاءة وفقا لما أكده نائب رئيسه خلال النقد الذاتي الذي قدمه أثر الانتخابات التشريعية لعام 1987  : ( إن لجاننا الحزبية في بعض المحافظات لم تكن على المستوي المطلوب إننا لم نتصل ببعض المواطنين في هذه المحافظات إلا في وقت الانتخابات فقط وكان ينبغي أن ندرس كل محافظة على حدة )

وقد استمرت عقب تلك الانتخابات عملية استكمال البناء التنظيمي للحزب بنفس طريقة الاختيار من أعلي وقرر رئيس الحزب تشكيل عدة لجان تنظيمية في مايو 1987 من بينها لجنة للإشراف على إعادة تشكيل اللجان الإقليمية والاستعداد لانتخابات المجالس الشعبية المحلية برئاسة السكرتير العام المساعد حينئذ د. نعمان جمعة ورغم أن هذه اللجنة بدأت أعمالها بالفعل فقد واصل رئيس الحزب إصدار قراراته الخاصة بإعادة تشكيل اللجان العامة لبعض المحافظات والملاحظ أن هذه الإجراءات تواكبت مع تأكيد رئيس اللجنة الجديدة على نشطها يجب أن يشمل نقدا ذاتيا للحزب لتلافي أخطائه مشيرا إلى ضرورة الديمقراطية واللامركزية في عمل لجان المحافظات وعموما أصبحت الأولية المتبعة هي قيام هذه اللجنة بتعيين لجان مؤقتة في المحافظات التي تريد إعادة تشكيل اللجان العامة بها وتقوم هذه اللجان المؤقتة بتشكيل اللجان الجديدة وتمتع رؤساء هذه اللجان بسلطات اللجان العامة بها .

وتقوم هذه اللجان العامة بها وتقوم هذه اللجان المؤقتة بتشكيل اللجان الجديدة وتمتع رؤساء هذه اللجان بسلطات واسعة في تلك العملية وقاموا أحيانا بتكليف مساعديهم بتشكيل لجان بعض الأقسام كما حدث في محافظة الجيزة مثلا تبع ذلك صدور قرار من رئس الحزب بتشكيل اللجان الجديدة وغالبا ما أخذت هذه القرارات صيغة ذات شقين : أحدهما يحدد الأعضاء الذين تستمر عضويتهم والآخر يحدد الأعضاء الجدد الذين تم ضمهم كما فشلت محاولات بعض أعضاء الحزب في بتعيين لجنة المحافظة في الوقت الذي كانوا يعدون لانتخابات حزبية .

وعلى هذا النحو يكون الحزبان الباقيان ( التجمع والعمل ) هما اللذان أخذ بأسلوب الانتخاب في بنائهما التنظيمي لكن عرف تنافسية أحيانا منها على المستوي الأعلى ففي هذا المستوي الأخير المتمثل في الأمانتين العامة والمركزية كان يتم التوافق على قائمة مغلقة يراعي تمثيلها لمختلف التيارات ويجري التصويت عليها في عملية أقرب للاستفتاء منها للانتخاب وحتى على المستويين القاعدي والوسيط فلم يراع تعدد التيارات من خلال العملية الانتخابية نفسها دائما عن طريق إقامة التحالفات الانتخابية وإنما فرضت قوائم معدة مسبقا في كثير من الأحوال .

أما في حزب العمل فقد كانت الانتخابات مفتوحة وتنافسية وخاصة فيما بين عامي 1981 ، 1989 ففي الفترة السابقة على عقد المؤتمر العام الأول للحزب ، لجأت قيادته لأسلوب التعيين في مختلف المستويات التنظيمية وكانت جريدة الحزب تنشر قرارات موقعة من الأمين العام باعتماد تشكيلات اللجان . لكن بعد ذلك بدا الأخذ بأسلوب الانتخاب وخاصة مع الأعداد للمؤتمر العام الأول حيث أخذت لجان الحزب بالمحافظات في إجراء انتخابات للجان القاعدية ورغم استمرار الأخذ بأسلوب التعيين من أعلي في بعض الأحيان أصبح الاتجاه للانتخاب هو السائد .

وقامت أمانة التنظيم بوضع برامج لانتخاب هيئات مكاتب الشياخات والأقسام والمراكز في العديد من المحافظات أخذ نطاق التعيين يضيق ليغدو مركزا على خلق تشكيلات مؤقتة للحزب في المناطق التي لا تتوفر بها عضوية مناسبة حيث كانت مهمتها العمل على تنشيط العضوية تمهيدا لانتخاب هيئات مكاتب بها وقد دارت مناقشات أحيانا حول أكثر الأشكال ديمقراطية في انتخاب أمانات المحافظات فطرح على سبيل المثال التساؤل عما إذا كان أكثر الأشكال ديمقراطية في انتخابات أمانات المحافظات فطرح على سبيل المثال التساؤل عما إذا كان الأفضل إجراء الانتخاب في كل موقع على حدة لاختيار عضو منه أم إجراؤه في كل المواقع لانتخاب ستة أعضاء منها جميعا في مؤتمر واحد للمحافظة.

وبالنسبة للمستوي الوسيط الممثل في المؤتمر العام فقد دأب الحزب على انتخاب أعضائه من خلال إعادة تشكيل المستوي القاعدي بالانتخاب قبيل كل دورة وظل المؤتمر العام يمارس اختصاصه في انتخاب الرئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية وإذا كان انتخاب الرئيس قد افتقد التنافس الجدي فقد اتسم انتخاب هذه اللجنة بدرجة الحزب الذين لجأو من وقت لأخر إلى مقارنة حزبهم بغيره لكن مع الحرص في معظم الأحيان على عدم الزعم بأن ثمة ديمقراطية مكتملة في حزب العمل فعلي سبيل المثال قال عضو اللجنة التنفيذية للحزب :

( لست أدعي أن الديمقراطية اكتملت داخل حزب العمل الاشتراكي فهناك ملاحظات وتحفظت لي شخصيا على طريقة إدارة الحزب ونشاطه لكننا نفخر في النهاية بأننا انتخبنا بواسطة أعضاء المؤتمر العام.

لكن أخذ هذا التنافس ينحسر منذ المؤتمر العام الخامس في مارس 1986 حتى اختفي تقريبا في المؤتمر العام السادس في مايو 1993 .

خاتمة

يمكن استخلاص أربعة اتجاهات عامة رئيسية بشأن طبيعة البناء التنظيمي للأحزاب السياسية المصر ية المعاصرة موضع الدراسة ، و هي :

1- أن هناك تقدما حدث في الهياكل التنظيمية للأحزاب المعارضة بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 ويتمثل جوهر هذا التقدم في قدرة الأحزاب المعاصرة على إيجاد هياكل بالمعني الحديث ورغم تفاوتها في هذا المجال يظل الاتجاه العام أكثر تقدما مما كان عليه في المرحلة التعددية السابقة .

2- أن اللوائح الداخلية المعاصرة لا تساعد على معرفة دقيقة بطبيعة العلاقة بين المستويات التنظيمية الرئيسية الثلاث لأى حزب ( القيادي – الوسيط – القاعدي) فلا يجوز الاعتماد على لائحة أى حزب منها للتعرف على حالة الممارس ة الديمقراطية من منظور هذه العلاقة بين مستوياته التنظيمية بل ويمكن القول بأن اللوائح الداخلية تعطي في العادة صورة مضللة لطبيعة هذه العلاقة فهي تتشابه مثلا في الحرص على توزيع السلطة والاختصاص بين المستويات الثلاثة والإيحاء بأن المستوي الوسيط الذي يمثله عادة المؤتمر العام هو صاحب السلطة الرئيسية ومن ثم إخفاء حقيقة هيمنة المستوي القيادي بل ورئيس الحزب على هذه السلطة في الغالب كما أن ما تنص عليه هذه اللوائح بشأن بناء الأحزاب من أسفل إلى أعلي يتعارض مع واقع العملية الفعلية التي تكونت بمقتضاها من أعلي إلى أسفل لكن المشكلة هنا ليس في عملية بناء الحزب نفسها فمن الطبيعي أن يتم بناء ى حزب من أعلي.

لأنه يعتمد على مبادرة تقوم بها مجموعة من الأفراد ولم يحدث أن جري بناء حزب سياسي في أى مكان بطريقة مغايرة لكن تنشأ المشكلة عندما يتركز الاتصال في الحزب بعد بنائه من أعلي إلى أسفل وتغيب المبادرات القاعدية وبالتالي لا يصبح هناك مجال لإعادة بناء الحزب من أسفل إلى أعلي فمن الضروري إذن التمييز بين عملية البناء الأولي للحزب والتي تتم في العادة من أعلي وبين ما تتيحه أو لا تتيحه ممارسة الناشط الحزبي من إمكانات لإعادة بناء الحزب من أسفل لكن ممارس ة الأحزاب المصر ية موضع الدراسة لأنشطتها لم تؤد إلى إعادة بنائها في هذا الاتجاه وبالتالي ظل التعارض بين واقع أبنيتها التنظيمية ونصوص لوائحها الداخلية مستمرا .

3- أن جميع الأحزاب السياسية المصر ية موضع الدراسة لم تستكمل بنائها التنظيمي على المستوي القاعدي في نهاية فترة الدراسة بل وحتى الانتهاء من الأطروحة وكان هذا أحد المؤثرات السلبية الممارس ة الديمقراطية داخلها من منظور توزيع السلطة التي ظلت مؤثرة في المستوي الأعلى القيادي فرغم أن استكمال بناء المستوي القاعدي لا يؤدي – آليا – إلى تغيير في توزيع السلطة والاختصاص فهو يؤثر تدريجيا في هذا التوزيع من خلال تزايد احتمالات توليد الضغوط من أسفل فكلما كان المستوي القاعدي أوسع نطاقا كلما أمكن توقع ضغوط وربما أقوي على المستوي القيادي ما لم تكن هناك عوامل أخري مؤثرة على هذه العلاقة وخاصة العامل الخاص بالتراث التنظيمي .

4- إن أسلوب الانتخاب لم يترسخ بعد في البناء التنظيمي للأحزاب السياسية المصر ية رغم ما نصت عليه لوائحها الداخلية من اعتماد هذا الأسلوب الانتخاب في نهاية فترة الدراسة وبدا حزب الأحرار في الأخذ به على المستوي القيادي فحسب وبطريقة صورية يختفي وراءها أسلوب التعيين في مؤتمره الأول يناير 1990 كما بدا الحزب الوطني في الأخذ به على المستوي القاعدي فقط مؤتمره قبيل مؤتمره السادس الذي انعقد في يوليو 1992 .

كما لم يعرف حزب الوفد أسلوب الانتخاب إلا للمستوي القيادي بينما ظل تشكيل المستويين القاعدي والوسيط بالتعيين حتى الآن .

ورغم أن حزبي التجمع والعمل أحذا بأسلوب الانتخاب منذ وقت مبكر فقد شابته مآخذ في كليهما ففي حزب التجمع أتاح تعدد الاتجاهات داخله فرصة لقيادته للتحكم في تشكيل المستوي القيادي تحت شعار مراعاة ما أسمته " صيغة التجمع .

ولذلك لم تجر انتخابات تنافسية لهذا المستوي الذي أخذ انتخابه شكل الاقتراع على قائمة معده سلفا وإذا كان حزب العمل قد شهد انتخابات تنافسية مفتوحة غالبا في مختلف مستوياته منذ 1982 إلا أن التيار الإسلام ي الذي صعد داخله منذ منتصف الثمانينات نزع إلى التأثير على هذه الانتخابات لصالحة بأساليب كانت موضع اتهام باللامشروعية من تيار أخر في الحزب كما سيتضح أكثر من الفصلين التاليين .

المبحث التاسع عملية صنع القرار الحزبي

يعتمد تقويم عملية صنع القرار في الأحزاب السياسية موضع الدراسة على تحليل مقارن لآلية صنع مجموعتين مختارتين من القرارات الحزبية الرئيسية ، وهي القرارات المتعلقة بالانتخابات العامة وتلك الخاصة بتحول جوهري في حياة الأحزاب ، وقد روعي في اختيار هاتين المجموعتين معياران .

أولهما : أن تكون لها أهمية متميزة ، وبديهي أن القرارات الخاصة بالانتخابات العامة هي من أهم القرارات التي يتخذها أى حزب سياسي ، لأنها تتعلق بأحد أبرز وظائفه أى المشاركة في هذه الانتخابات وثانيهما أن تكون من النوع الذي يعرض لمختلف الأحزاب أو معظمها على الأقل مما يتيح المقارنة بينها .

أولا : صنع القرارات المتعلقة بالانتخابات العامة

1-قرار المشاركة في الانتخابات

تجدر الإشارة بداية أن الحاجة لاتخاذ قرار حزبي بشأن المشاركة في الانتخابات والطريقة المناسبة لذلك لم تطرح على قائمة الأعمال الحزبية إلا بتأسيس مجلس الشورى عام 1980 والذي رفضت أحزاب المعارضة أسلوب انتخابه بالقائمة الحزبية المطلقة كما أصبحت هذه الحاجة قائمة بالنسبة لمجلس الشعب منذ انتخابات عام 1984 بسبب الأخذ بنظام انتخابي جديد هو القائمة النسبية المشروطة ونظرا لوجود إجماع تقريبا داخل المعارضة موضع الدراسة على مقاطعة انتخابات مجلس الشورى باستثناءات ضئيلة خلال فترة الدراسة سيتركز تحليل عملية صنع القرار الحزبي على قضية المشاركة في انتخابات مجلس الشعب .

والملاحظ أن هذه القضية لام تكن مثارة في انتخابات 1984 إلا داخل حزبي التجمع والعمل الذين خشيا عدم قدرتهما على إحراز نسبة 8 % من مجموع أصوات الناخبين اللازمة لتمثيل أى حزب في المجلس .

ففي حزب التجمع عقدت الأمانة المركزية عدة لقاءات مع لجان المحافظات لاستطلاع أرائها بعد أن قامت هذه اللجان باستطلاع أوضاع الدوائر الانتخابية وخريطة كل دائرة وبحث مدي قدرة الحزب على المشاركة في كل منها وتبع ذلك انعقاد اللجنة المركزية لمناقشة الموضوع لكن في ظل موقف مسبق للأمين يحبذ المشاركة في الانتخابات وانعكس هذا الموقف في كلمته أمام اللجنة التي أكد فيها ضرورة المشاركة استنادا إلى نتائج الدراسات التي قامت بها لجان المحافظات ومناقشة الأمانة المركزية لهذه النتائج .

وقد شارك في مناقشة اللجنة المركزية سبعة وأربعون عضوا عبر معظمهم عن تأييد للمشاركة في الانتخابات .

لكن الملاحظ أنه لم يحدث تصويت ، وإنما أصدرت الأمانة العامة بعد ذلك بيانا عن عمل اجتماع اللجنة المركزية أشار إلى أن المناقشات خلاله أبرزت الاتفاق الكامل داخل اللجنة حول أهمية انتخابات مجلس الشعب وأن المشاركة فيها مسئولية تاريخية ، وأن اللجنة فوضت الأمانة العامة في اتخاذ القرار الهائي بشأن هذه المشاركة وفق ما يطرأ على الموقف من أحداث وتغيرات وقد مضي الإعداد الحزبي للانتخابات في طريقة على الفور ، ولم تظهر معارضة واضحة لذلك داخل الحزب والواضح أن الموقف الذي اتخذه الأمين العام في بداية اجتماع اللجنة المركزية للحزب كان حاسما في اتخاذ القرار بالمشاركة في الانتخابات .

أما في حزب العمل كان الموقف من المشاركة في انتخابات 1984 أكثر إثارة للخلافات وقد نوقشت هذه القضية في اجتماعين للجنة التنفيذية والعليا ، وفي المؤتمر العام الثاني الذي انعقد في ديسمبر 1983 .

ولكم كما في حزب التجمع كان موقف رئيس حزب العمل المؤيد للمشاركة في الانتخابات رغم تحفظه على قانونها هو الذي حسم الجدل رغم استمرار المعارضة لهذه المشاركة وقد أقر بأنه كانت هناك أغلبية في اللجنة التنفيذية تعارض المشاركة وأنه لجأ إلى المؤتمر العام واعتبره قراره المؤيد للمشاركة معبرا عن الموقف الحقيقي للحزب لأن هذا المؤتمر ( يقدم تمثيلا أكبر بكثير ويعبر عن القواعد لا التي يقع عليها عبء الممارسة الفعلية ) ولذلك ظل بعض أعضاء نخبة الحزب المعارضين للمشاركة موقفهم ، وأصروا على عدم ترشيحهم لهذه الانتخابات على أساس أن المعركة الانتخابية تحتاج إلى مناخ حر وحركة طليقة من كل قيد بينما قانون الانتخاب الجديد تم تفصيله لتعطيل المسيرة الديمقراطية ، ولم تستجب حكومة الحزب الحاكم لمطلب المعارضة بأن يكون الإشراف للقضاء العادل ، ولذلك فالمعركة لا حيدة فيها ولا نزاهة .

وفي انتخابات مجلس الشعب العام 1987 أثيرت قضية المشاركة فيها داخل حزبي التجمع والوفد بصفة خاصة ، لكن بينما تركز الجدل في حزب لتجمع على مبدأ المشاركة ، وكان الاهتمام في حزب الوفد بأسلوب المشاركة من زاوية الموقف من فكرة تكوين قائمة مشتركة لمختلف أحزاب المعارضة وثمة ما يدل على أن القرار الذي اتخذه حزب الوفد برفض هذه القائمة تم التوصل إليه بشكل ديمقراطي في إطار المستوي القيادي للحزب .

فقد ثبت أن رئيس الحزب كان ميالا في البداية إلى هذه الفكرة التي بحثها مع رؤساء أحزاب المعارضة في اجتماع يوم العاشر من فبراير 1987 وتم الاتفاق فيه على أن يعودوا لأحزابهم لاستطلاع آرائها لكن الهيئة العليا للحزب هي التي قررت رفض المشاركة في الانتخابات من خلال قائمة مشتركة بأغلبية صوت واحد وفقا لرواية السكرتير العام المساعد حينئذ وبأغلبية صوتين وفقا لرواية أخري من خارج الحزب .

ويؤكد ذلك حدوث تصويت جدي خاصة وأن رئيس الحزب ظل يؤكد فكرة القائمة المشتركة وصوت لصالحها لكنه قبل قرار الأغلبية وقد تكتل القانونيون في الهيئة العليا لمعارضتها وأعلن السكرتير العام للحزب أن الفكرة مستحيلة لمخالفتها الواضحة لقانون الانتخاب وقدم نائب رئيس الحزب تكييفا محكما لهذا الموقف .

أما قضية المشاركة في الانتخابات فقد بدأت بالنسبة لحزب التجمع بمناقشة أجرتها الأمانة المركزية في عدة اجتماعات واكبتها اتصالات مع الأحزاب الأخرى وتم عرض الأمر بعد ذلك على الأمانة العامة في اجتماع شارك به أمناء المحافظات حيث ظهرت ثلاثة اتجاهات .

• اتجاه يدعو لمقاطعة الانتخابات

• اتجاه يدعو للانضمام إلى قائمة مشتركة لأحزاب المعارضة .

• اتجاه يعارض القائمة المشتركة ويدعو لقائمة مع الناصريين والشيوعيين .

وتم إجراءه تصويت على المشاركة أو المقاطعة فقط ، وأسفر عن تأييد المشاركة بأغلبية كبيرة أربعة وثلاثون مقابل عشرة ) لكن بعد أن مارس الأمين العام نفوذه واستخدم وزنه المعنوي لإقناع الكثيرين بتأييد المشاركة وأعقب ذلك تصويت على تفويض لأمين العام بمتابعة الاتصال مع أحزاب المعارضة الأخرى والتنسيق لإعداد القوائم المشتركة مع تمثيل كافة القوي والتيارات السياسية والوصول لاتفاق في هذا المجال .

وصدر قرار بذلك بأغلبية اثنين وثلاثين مقابل ستة معارضين مع امتناع ستة آخرين وفي الوقت نفسه دعيت اللجنة المركزية لاجتماع طارئ لاتخاذ القرار النهائي بشأن الموقف من الانتخابات .

لفكن عندما انعقدت كانت فكرة القائمة المشتركة قد انهارت .

وبذلك تركزت مناقشتها على المشاركة المنفردة أو المقاطعة وظهرت ثلاثة اتجاهات : أحدها يدعو للمشاركة وعدم الانسحاب من المواجهة والثاني يقترح أن تكون المشاركة مشروطة باستجابة الحكومة لمطالب المعارضة والثالث يؤكد ضرورة المقاطعة .

وأسفر التصويت عن تأييد مائة وخمسة وستين عضوا للمشاركة في كل الظروف ، ومعارضة ستة وأربعين وامتناع ستة أعضاء .

وفي الانتخابات التالية لمجلس الشعب من المهم التعرف على كيفية صنع ثلاثة أحزاب لقرار مقاطعتها ففي حزب الأحرار ، انقسمت الأمانة العامة عند التصويت على مشروع قرار المقاطعة .

لكن رئيس الحزب رجح الموقف المؤيد للمقاطعة بينما ظل السكرتير العام عبد الفتاح الشوربجي وبعض أعضاء نخبة الحزب يعارضون المقاطعة وقام السكرتير العام بترشيح نفسه كمستقل ، الأمر الذي أدي لفصله بقرار من رئيس الحزب واعتماد على ما تضمنه قرار المقاطعة من عدم جواز قيام أى عضو في الحزب بالتقدم للانتخابات ومع ذلك فقد وافق رئيس الحزب بقرار منفرد على عودته إلى صفوف الحزب عقب الانتخابات .

وفي حزب العمل صدر قرار مقاطعة الانتخابات من اللجنة العليا بإجماع أعضائها الحاضرين وعددهم 93 عضوا متضمنا فصل كل من يخالف القرار أما حزب الوفد فقد صدر قراره بالمقاطعة في اجتماع الهيئة العليا بأغلبية ساحقة حيث لم يعارض سوي عضو واحد بها هو علوي حافظ بينما غادر القاعة قبل التصويت عضو آخر معارض للمقاطعة وهو يسين سراج الدين وامتنع عضوان معارضان أيضا هما منى مكرم عبيد ومحمد حسن الحفناوي أما حزب المعارضة الوحيد من الأحزاب موضع الدراسة الذي قرر المشاركة في انتخابات 1990 فكان حزب التجمع وقد صدر قرار بالمشاركة في اجتماع طارئ للأمانة العامة بأغلبية ثمانية وثلاثين عضوا مقابل معارضة تسعة وامتناع ثلاثة أعضاء عن التصويت لكن كما حدث بشأن قرار المشاركة في انتخابات 1987 ، أسهم نفوذ الأمين العام في إحراز هذه الأغلبية الكبيرة لصالح قرار المشاركة في انتخابات 1990 .

فقد استخدم مكانته للوصول إلى هذه النتيجة التي كان يريدها شخصيا على حد وصف حد أعضاء الأمانة المؤيدين لقرار المشاركة.

2-قرار تحديد مرشحي الأحزاب للانتخابات

لم تبرز أهمية هذا النوع من القرارات الحزبية بوضوح إلا مع الأخذ بالقائمة الحزبية كنظام للانتخاب ، وما أدي إليه حرمان أعضاء الأحزاب من الترشيح للانتخابات كمستقلين عام 1984 و أضعاف فرصهم في الفوز بهذه الصفة عام 1987 .

وأدي ذلك إلى احتدام التنافس داخل الأحزاب بين الطامحين سعيا لترشيحهم من ناحية وإدراجهم في مواقع متقدمة بالقوائم الحزبية من ناحية أخري وتجدر الإشارة هنا إلى الافتراض الشائع بأن نظام الانتخاب بالقوائم الحزبية أدي إلى تدعيم سلطة قيادة الأحزاب وإلى سيادة طابع بيروقراطي لعملية الترشيح .

أ‌-انتخابات 1984

ب‌- أدركت قيادة الحزب الوطني مبكرا مدي ما ستثيره قضية تحديد مرشحي الحزب من مشكلات ولذلك حرصت على أن تضع قاعدة مؤداها أن اختيار المرشحين سيتم بشكل مركزي تتولاه القيادة السياسية بنفسها على أن تراعي الأقدمية .

وتم الحصول على موافقة الهيئة البرلمانية للحزب على هذه القاعدة قبل عشرة أشهر من الانتخابات عندما اجتمعت لمناقشة قانون الانتخاب الجديد ومن اليسير استنتاج حجم القلق الذي أظهره هذا الاهتمام المبكر بعملية تحديد مرشحي انتخابات مجلس الشعب العام 1984 من تعارض تلك القاعدة مع الأسلوب غير المركزي الذي اتبعه الحزب في تحديد مرشحه لانتخابات المجالس الشعبية المحلية عام 1983 وكان هذا الأسلوب الأخير أكثر اتساقا مع النظام الأساسي للحزب والأرجح كان هذا القلق راجعا في جانب مهم منه إلى عدم وجود معايير موضوعية يمكن الاستناد إليها عند اختيار المرشحين .

وخاصة بشأن كفاءة الأداء الحزبي ، في الوقت الذي يكثر الطامحون للترشيح من ذوي النفوذ ومصادر القوة الانتخابية في دوائرهم ، وفي مثل هذه الظروف تصبح الوساطة والشفاعة غالبتين الأمر الذي وضع الأمين العام للحزب في مأزق نتيجة توافد العشرات من الطامحين كل يوم وتكدسهم في حجرات وردهات مجلس الوزراء على أمل المقابلة به .

وكل يسعي إلى توسيط الأصدقاء والمقربين وغيرهم ونتيجة لذلك وسعيا إلى تجنب انسلاخ من لم يقع الاختيار عليهم واتجاههم لأحزاب المعارضة بحثا عن أماكن على قوائمها ، قامت قيادة الحزب بإجراء إعلان القوائم حتى اللحظة الأخيرة قبيل إغلاق باب الترشيح مباشرة مع فرض سرية تامة عليها وقد اتسمت هذه العملية بالمركزية الشديدة حيث تم إسنادها إلى لجنة رباعية برئاسة الأمين العام للحزب وعضوية وزير الداخلية والحكم المحلي ( وهما عضوان بالأمانة العامة) وأمين التنظيم لكنها كانت تستعين بوجهات نظر أمناء المحافظات و المحافظين بالإضافة إلى رؤساء المجالس المحلية بالمحافظات أيضا ومع ذلك فقد حدث خلاف في هذه اللجنة حول نسبة التجديد في قوائم الحزب فوفقا لوزير الداخلية حينئذ وعضو اللجنة كانت الدراسات تفرض تغيير نسبة تصل إلى 50% من أعضاء مجلس الشعب السابق الممثلين للحزب ولكن كانت هناك وجهة نظر آخري في الأمانة العامة تعارض في إجراء تغيير بهذا الحجم وتتصور أنه سيلحق أضرار كبيرة بالحزب ويخلق جهات مضادة له واستدعي هذا الخلاف تدخل رئيس الحزب لحسمه بعد تقييم شامل للموقف حيث وصل حجم التغيير إلى حوالي 50 %

وقد أدي ذلك بالفعل إلى استقالة عدد من أعضاء الحزب ، ونظرا لعدم معرفة المستبعدين من الترشيح بالآلية التي تمت من خلالها هذه العملية فقد كزوا نقدهم على الأمين العام للحزب واتهموه بالانفراد باتخاذ القرار . فعلي سبيل المثال قيل أن ( ترشيحات الحزب للانتخابات صدرت بقرار فردي ولم تؤخذ فيها أراء الحزب في المحافظات واستأثر د. فؤاد محي الدين بقرارت الترشيح

أما في حزب الأحرار والذي خلو نظامه الأساسي من أية إشارة إلى عملية الترشيح للانتخابات فقد استعدت قيادته لانتخابات 1984 مبكرا جدا حيث طالب المكتب السياسي أمناء المحافظات بموافاة السكرتارية العامة بأسماء من يمكن ترشيحهم والأرجح أن هذا السلوك لم يكن يعكس نزوعا إلى ديمقراطية عملية الترشيح المناسبين ولذلك كانت مشكلته معاكسة لمشكلة الحزب الوطني المتخم بالطامحين للترشيح الذين يصعب الاختيار بينهم ومع اقتراب موعد الانتخابات تم تشكيل لجنة برئاسة السكرتير العام وعضوية بعض أعضاء الأمانة العامة لتلقي طلبات الترشيح ولجنة أخري .

برئاسة رئيس الحزب وعضوية أحد النواب وأحد الوكلاء والسكرتير العام لتقوم بإعداد قوائم المرشحين وعلى هذا النحو تبدو مشاركة المستوي القاعدي محدودة للغاية حيث اقتصرت على تقديم أمناء المحافظات تصورات عن المرشحين لكن دون ما يدل على قيامهم باستطلاع آراء قواعد الحزب في محافظاتهم ، وظل اللجنة المشكلة من أربعة أعضاء بنخبة الحزب القرار النهائي في تحديد المرشحين وترتيبهم بالقوائم ، رغم قيامها بعرض ما توصلت إليه على الأمانة العامة ثم المجلس الدائم .

لكن تجدر ملاحظة أن قيادة حزب الأحرار لم تواجه مشكلات حقيقة في هذه العملية بسبب محدودية الطامحين للترشيح وإدراك الكثيرين منهم لضالة فرص الحزب في تجاوز نسبة الثمانية بالمائة من مجموع أصوات الناخبين فضلا عن انسلاخ عدد غير قليل من أعضاء نخبته عشية تلك الانتخابات بحثا عن إمكانية الترشيح على قوائم أحزاب ذات فرص أفضل .

وبالنسبة لحزب التجمع فالملاحظ أنه حرص على وضع قواعد للترشيح خلال اجتماعات أمانته العامة التي أسفرت عن تشكيل لجنة عامة للانتخابات برئاسة الأمين العام وتمثلت آلية الترشيح التي تم الاتفاق عليها في تشكيل لجان محلية في كل دائرة تضم كل منها مجموع لجان الحزب في الأقسام أو المراكز المكونة الدائرة .

وتقوم باختيار المرشحين وتقديمهم لأمانات المحافظات لإعداد القوائم وعرضها على لجان المحافظات لمناقشتها قبل رفعها للجنة العامة للانتخابات لإقرارها ثم تقديمها إلى أمانة اللجنة المركزية لمراجعتها واعتمادها ومع ذلك كانت هناك شكاوي من انحياز مجموعة من نخبة الحزب للمرشحين الماركسيين كما حدث في محافظة قنا مثلا حيث شكا أمينها من تدخل لصالح مجموعة ماركسية معينة بالمحافظة لضمان ترشيحها رغم أنها لم تكن تملك أى مؤهلات انتخابية لكن عند رفع الأمر للأمين العام وضع حدا لهذا التدخل وأنصف لجنة المحافظة وطلب إقرار ترشيحاتها ومع ذلك لم يمكن إيجاد معايير موضوعية فيما يتعلق بترتيب القوائم وقد أقر بذلك الأمين العام للحزب بعد الانتخابات حيث أمد أن ( عوامل حزبية تدخلت في ترتيب القوائم.

وقد أقر بذلك الأمين العام للحزب بعد الانتخابات حيث أكد أن ( عوامل حزبية تدخلت في ترتيب القوائم فلم تراع المصالح الانتخابية بالدرجة الأولي حيث تضمنت بعض القوائم شخصيات أعطت حياتها للحزب رغم أن قدرتها الانتخابية ليست أفضل القدرات كما كرر هذا النقد الذاتي في كلمته أمام الدورة السبعة للجنة المركزية للحزب حيث دعا إلى ( تطوير أسس ترتيب القوائم الانتخابية بحيث لا تربط بين المستوي الحزبي وصدارة القائمة .

كما اشتملت عملية تحديد مرشحي حزب الوفد لهذه الانتخابات على دور للجان الحزب بالمحافظات التي كانت تعد تصوراتها للمرشحين مع بيان الأسس التي تستند إليها في ترشيحاتها وتقييم كل مرشح من حيث السيرة والسمعة والإيمان بمبادئ الوفد والمركز الانتخابي وتقدم هذه التصورات للهيئة العلي التي يكون لها الرأي النهائي في أعداد القوائم ، وقد طالبت قيادة الحزب على لسان مصدر مسئول به كل عضوا بالالتزام بقرار الهيئة العليا سواء ورد اسمه في القوائم أم لم يرد ولم تقدم لجان المحافظات باستطلاع آراء قواعد الحزب لديها ، بل وأكد أحد أعضاء الحزب أن هذه اللجان لم تجتمع لبحث الترشيحات التي انفردت بها مجموعة ضيقة في كل لجنة .

واتهم رئيس الحزب بأنه ساعد على ذلك حيث ( أصدر توجيهات ، بتجميد الاجتماعات الأسبوعية لهذه اللجان حتى يقوم أعضاؤها بتوعية الجماهير وحثها على الوقوف بجوار الحزب .

وكان المقصود عدم عرض قوائم المرشحين على اللجان حتى ينفرد بها الرئيس والصفوة ومع ذلك فالأرجح أن هذا الاتهام ينطوي على مبالغة حيث ثبت أن عملية تحديد المرشحين كانت متروكة في بعض المواقع على الأقل لقيادات حزبية محلية ومنها مثلا دائرة شمال القاهرة التي لم يتدخل رئيس الحزب أو مقرر المحافظة في ترشيحها .

لكن الملاحظ أن الدور الحاسم للهيئة العليا والذي تمثل في امتلاكها القرار النهائي في هذه العملية أعني الانطباع بأن الرئيس هو الذي يتحكم بالقوائم كلية مما دفعه لأن ينفي عن نفسه الاستئثار باختيار مرشحي الحزب وترتيبهم في القوائم ويؤكد أن الأمر بيد الهيئة العليا كلها التي تملك قرار دخوله هو شخصيا الانتخابات من عدمه كما أكد مقرر محافظة القاهرة ردا انتقادات بتحكمه في ترتيب المرشحي بمحافظته أن ترتيب القوائم عملية تنظيمية بحتة وأن الحزب لا يفضل شخصا على آخر .

لكنه تعرض لأشد الانتقادات حدة عندما اتهم بتقاضي مبالغ مالية من المرشحين لإدراجهم في القوائم التي يرفعها إلى الهيئة العليا وفقا لما أكده مقرر الحزب في جنوب القاهرة بقوله ( تقدمت بقائمة بها د. أحمد منصور وأنا وأحمد الشافعي وشاكر يونس ثم فوجئت بأشخاص آخرين وكان التعديل يتم على أساس المحفظة وثقل الجيب والعلاقات ) وثمة ما يؤكد أن الثقل المالي كان احد الاعتبارات المهمة في اختيار المرشحين بسبب حاجة الحزب إلى تمويل لحملته الانتخابية ولذلك كان مقرر الحزب بمحافظة القاهرة يحصل على تبرعات من بعض المرشحين لصالح الحملة وليس لحسابه كما يفهم من هذا الاتهام الذي تعرض له وبالنسبة لحزب العمل فقد حرصت قيادته على مشاركة ما للمستوي القاعدي في عملية تحديد مرشحي الحزب لهذه الانتخابات فقد أكد رئيس الحزب في حديه عن معايير اختيار المرشحين أن ( الحزب يعتمد على التصور الذي يأتي من القواعد .

ثم تعرض الترشيحات على قيادة الحب لتبت فيها بصورة نهائية ) وبشأن ترتيب القوائم أوضح أنه ( يراعي فيها مصحة الحزب وطبيعة تكوين الدائرة الانتخابية لأن اسم المرشح وليس برنامج الحزب فقط له أهمية كبري في انتخابات القائمة حيث لم يزل الناس متأثرين بأسماء المرشحين ) وقد تشكلت لجنة عامة للانتخابات برئاسة رئيس الحزب وقامت مع اللجنة العليا بالتحديد النهائي للمرشحين وترتيبهم في القوائم ولم تواجه قيادة الحزب مشكلات كبيرة في هذه العملية خلال انتخابات 1984 بالمقارنة مع ما واجهته في الانتخابات التالية عام 1987 ولذلك أتيحت الفرصة لأن يشارك المرشحون أنفسهم أحيانا في ترتيب القوائم في بعض المحافظات ومنها محافظة كفر الشيخ التي قال احد المرشحين بها أنهم ظلوا أسبوعا كاملا في المقر الرئيس للحزب بالقاهرة ( يتبادلون وجهات النظر حول الوضع الأفضل لترتيب القائمة دون تدخل من قيادة الحزب وتنازل بعض المرشحين عن موقع كانوا يرون حقا لهم فيها لاعتبارات تفيد المعركة الانتخابية )

ت‌-انتخابات 1987  :-

ظل الحزب الوطني يعاني من مشكلة التنافس الشديد بين الطامحين للترشيح واستمر غياب المشاركة القاعدية في عملية تحديد المرشحين التي قام بها فريق برئاسة الأمين العام كما كان الحال في الانتخابات السابقة لكن المعايير التي جري الحدي عنها اتسمت بالعمومية الشديدة وهي الطهارة والنقاء والالتزام بأهداف ومبادئ الحزب .

والشعبية والكفاءة والقدرة على العطاء والحركة وسط الجماهير لحل مشكلاتها ومن شأن هذه العمومية ألا تساعد كثيرا على إيجاد قواعد للتنافس بين الطامحين للترشيح كما استمرت مطاردة هؤلاء الطامحين للأمين العام وعبر الكثيرون عن عدم الرضاء لغيابه وعدم إمكان الوصول إليه خلال الفترة التي سبقت الإعلان عن القوائم فكانت الشكوى المشتركة خاصة من نواب الحزب في الفصل التشريعي السابق أن الأمين العام يجري البحث عنه في كل مكان دون جدوى سواء في مقر الحزب أو مجلس الشعب أو وزارة الزراعة أو منزله وقال بعضهم أن ( المفترض هو أن قيادة الحزب هي التي تبحث عنا وتحرص على لقائنا وليس العكس ونحن لا نقبل أن يصل الأمر إلى حد الاستجداء للأدراج في القائمة وفسر أحد المراقبين غياب الأمين العام عن الأنظار في تلك الفترة بأن ( العبء كان ثقيلا عليه طوال الفترة الحرجة لإعداد القوائم التي هما بذل من جهد فيها لن يلقي القبول من الجميع ) وكانت قيادة الحزب مدركة دائما لاستحالة إرضاء الجميع في عملية تحديد مرشحي متخم بعناصره المتطلعة على كل المستويات على حد تعبير أمينه العام السابق .

ونظرا لما اتسمت به عملية تحديد المرشحين من غموض وسرية فقد تحدثت بعض مصادر المعارضة عن وجود خلافات في إطارها بين الأمين العام ورئيس مجلس الشعب عضو المكتب السياسي للحزب وقيل أن هذا الخلاف حسم لصالح الأمين العام الذي تمكن من استبعاد بعض أنصار رئيس مجلس الشعب وأن القوائم النهائية تكشف عن اختيارات الأمني العام أكثر من غيره ومن المؤشرات التي سيقت للتدليل على ذلك .

استبعاد بعض نواب الحزب عن الإسكندرية في الفصل التشريعي السابق والذين كانوا وراء تصعيد الحملة على محافظتها السابق فوزي معاذ مما دفع الأمين العام لاتخاذ موقف حاد ضدهم وإحالة بعضهم للتحقيق وهم جبريل محمد وأحمد عزت وأحمد الشرنوبي وداود شلبي .

استبعاد سيف الغزالي الذي انسلخ عن حزب الوفد عام 1986 بدعم مباشر من رئيس مجلس الشعب الذي وعده حينئذ بضمه إلى قوائم الحزب الوطني في الانتخابات التالية .

• إعادة ترشيح النائب شفيق حشيش رغم خلافته الواسعة مع رئيس مجلس الشعب ، وإصراره على الانتقاد المتكرر لأسلوبه في إدارة جلسات المجلس..

كما ظهر تباين في رؤية بعض أعضاء نخبة الحزب الرئيسيين لإمكان ترشيح أعضاء مجلس الشورى عن الحزب للمقاعد الفردية فعلي سبيل المثال أدلي الأمين العام والأمين العام المساعد برأيين مختلفين الصحيفة واحدة ، فقال الأمين العام أنه ليس صحيحا ما تردد من إن الحزب يحظر على أى عضو بمجلس الشورى ترشيح نفسه بشكل فردي في انتخابات مجلس الشعب مؤكدا أن لهم الحرية في ذلك أما الأمين العام المساعد فقد أكد عدم السماح لهم بالترشيح من أجل إفساح الفرصة لأعضاء لحزب الآخرين .

والملاحظ أن الرفيق الذي قام بإعداد القوائم لجأ لإعطاء الانطباع بأن لرئيس الحزب دورا أساسيا في هذه العملية بهدف الحد من انتقادات المستبعدين فأشارت صحيفة الحزب أكثر من مرة إلى أن القوائم تعرض على رئيس الحزب لإقرارها كما برر الأمين العام استبعاد بعض النواب السابقين باعتباره اختيار للقيادة السياسية .

ولكن هذا لم يحل دون تعرض أسلوب إعداد القوائم لانتقاد المستبعدين منها ، والذين ركزوا على التوقيت الذي أعلنت فيه القوائم حيث فوجئ بها الجميع .

وهذا أمر ما كان يجب أن يحدث فكان يتعين ن يعرض الحزب من خلال قيادته الترشحيات على الأعضاء ويناقشهم فيها ويوضح لهم الحجج التي بموجبها تم هذا الاختيار حتى تكون القوائم معبرة بالفعل عن أعضاء الحزب )

وقد تميزت انتخابات 1987 بتحالف حزبين من الأحزاب موضع الدراسة وهما الأحرار والعمل ، مع جماعة الإخوان المسلمين فيما عرف باسم " التحالف الإسلام ي " الذي خاض هذه الانتخابات بقائمة مشتركة وفقا للتوزيع التالي : أربعين بالمائة لحزب العمل ، وعشرين بالمائة لحزب الأحرار وأربعين بالمائة لجماعة الإخوان.

وقد أضفي هذا التطور طابعا خاصا على عملية تحديد مرشحي حزب العمل بصفة خاصة لهذه الانتخابات أهم ملامحها اشتداد حدة التنافس على الترشيح داخله بسبب تناقص الفرص المتاحة لأقل من النصف أما حزب الأحرار فرغم أن النسبة التي حصل عليها كانت الأقل إلا أنها كانت ملائمة له لقلة أعداد الطامحين للترشيح من أعضائه ولذلك لم تثر عملية تحديد مرشحيه مشكلات ملموسة رغم أنه لم يسمح له بأن يتصدر مرشحوه سوي قائمة واحدة من قوائم التحالف هي قائمة دائرة الفيوم وقد اعترض بعض أعضاء نخبة حزب العمل على إعطاء حزب الأحرار نسبة عشرين بالمائة باعتبارها أعلي مما ينبغي ولا تمثل الثقل الحقيقي له لكن كان هذا موضوعا هامشيا في قضايا النزاع داخل حزب العمل فيما يتعلق بعملية الترشيح للانتخابات فقد تعرض رئيس الحزب لاتهامات مباشرة بالانصياع لمطالب جماعة الإخوان وقيل أن (قادتها انفردوا به في اجتماعات بمقر مجلة الدعوة " بهدف عزله عن هيئاته المنتخبة وعدم تمكينه من الرجوع إليها عند الضرورة وأنهم اعتمدوا على المساومة بشكل أقرب إلى التجارة منه إلى المبادئ حيث كانوا يلوحون بالعودة للتحالف مع الوفد من جديد)

لكن الموقف لمعلن لقيادة الحزب في هذا المجال قام على تحديد معيار موضوعي للتنسيق مع الإخوان في عملية الترشيح محوره ( تركيز ترشيحات حزب العمل في الدوائر التي حقق تقدما بها في انتخابات 1984 ، وخاصة في الدقهلية ودمياط وكفر الشيخ وكف الدوار وشرق وشمال القاهرة والدائرة الأولي بالمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا وكذلك الدوائر التي نال الحزب فيها نسبة معقولة مثل وسط القاهرة وبني سويف والدائرة الثانية بكل من أسيوط وسوهاج وقنا والشرقية والقليوبية ) والملاحظ بالفعل أن أكثر الانتقادات حدة لقرار تحديد مرشحي الحزب جاء من مواقع أخري مثل محافظة البحيرة التي استقال أمينها ولجنتها احتجاجا على غلبة مرشحي الإخوان في قوائم التحالف بالدوائر الثلاث لهذه المحافظة فضلا عن تصدرهم لها .

أما حزب التجمع فيبدو أن عملية تحديد مرشحيه اتسمت بطابع أقل ديمقراطية مما كانت عليه في الانتخابات السابقة .

فلم يتم تشكيل لجان محلية في كل دائرة لتقديم اقتراحات بالترشيحات لأمانات المحافظات. وإنما قررت الأمانة العامة تكليف لجان المحافظات بإعداد القوائم مباشرة مع الأخذ في الاعتبار القوي اليسارية خارج الحزب .

كما تم تشكيل لجنة قيادية من أربعة أعضاء بالأمانة العامة ( محمد خليل وحسين عبد ربه وعلى إسماعيل وعبد الحميد الشيخ) لمتابعة أعداد القوائم ورفعت أمانات الحزب بالمحافظات الترشيحات التي اقترحها لهذه اللجنة التي عقدت اجتماعات لبحثها وإعداد القوائم في صورتها النهائية بالتعاون مع الأمانة المركزية للحزب ومعني ذلك أن مشاركة المستوي القاعدي في تحديد المرشحين اقتصرت على قمة هذا المستوي أى لجان المحافظات كما تقلص نطاق المشاركة في الصياغة النهائية للقوائم في المستوي الحزبي الأعلى .

وفي حزب الوفد لم يحدث تغير ملموس في أسلوب تحديد مرشحيه بالمقارنة مع عام 1984 فقد قامت لجان الحزب في المحافظات بتقديم توصياتها للرئيس والهيئة العليا على أساس معيار غامض أيضا أوضحه السكرتير العام بأنه ( التمسك بالوفد والثبات على المبدأ ) لكن عندما قام رئيس الحزب في مؤتمر انتخابي بالإسكندرية بتقديم مرشحيه تحدث عن معايير أخري بقوله : ( يتقدم إليكم الوفد بهذه النخبة الممتازة من رجالكم الذين هم مزيج من العلم والكفاءة والنشاط الاقتصادي والوفدية ) والملاحظ انه كان هناك تأكيد أكثر وضوحا من خلال مقترحات لجان الحزب بالمحافظات التي تعد أمساء المرشحين من خلال ملفات خاصة بهم وعقب ذلك يتم عرض القوائم على الهيئة العليا التي يكون قرارها نهائيا ) ومعني ذلك أن المكتب التنفيذي الذي استحدث عند تعديل النظام الداخلي للحزب عام 1986 لم يمارس أحد أهم اختصاصاه المنصوص عليها في هذا التعديل وهو بحث ترشيحات اللجان الإقليمية للانتخابات .

وقد أشارت بعض المصادر إلى حدوث خلافات داخل الهيئة العليا حول بعض القوائم مما دعا إلى استمرار التعديلات فيها حتى اليوم الأخير للترشيح ، وإذا كان هذا صحيحا فهو مؤشر على أن رئيس الحزب لم ينفرد بالقرار النهائي في هذه العملية وقد أشار عضو بالهيئة العليا إلى الصعوبات التي اكتنفت أعداد القوائم بشكل ينطوي على إقرار ضمني بوجود هذه الخلافات : ( ن نظام القائمة يضع كل حزب في صراع شديد عند أعداد القوائم فكل حزب لديه عدد ضخم من الأسماء يقابله عدد محدود من المقاعد داخل القائمة وكل عضو يري نفسه أكثر صلاحية من غيره للترشيح وهذا ما جعل العبء ثقيلا على قيادة الحزب )

ومع ذلك فقد تعرضت القوائم التي تم اختيارها لانتقادات من بعض أعضاء الحزب وخاصة في محافظة القاهرة التي اتهم مقرر الحزب بها مرة أخري بإعطائه أولوية لمعيار الثقل المالي للمرشح ثانيا : صنع القرارات المتعلقة بالتصرف في الحزب أو التحالف مع غيره

يقصد بذلك القرارات التي تنطوي على تصرف قانوني في الحزب مثل حله أو اندماجه في حزب آخر أو تجميد نشاطه وكذلك قرارات التحالف أو الائتلاف مع حزب أو أحزاب أخري وهذه ظاهرة جديدة لم تعرفها أحزاب ما قبل 1952 وهناك عدة حالات لقرارات من هذا النوع .

1-قرار الوفد والتجمع بتجميد النشاط 1978  :

كان حزب الوفد أول حزب سياسي من الأحزاب موضع الدراسة يتخذ قرار بتجميد نشاطه كليا وإن ظل الاعتقاد سائدا حتى عام 1983 بأن القرار كان بحل الحزب نهائيا كرد على ما تضمنه قانون ( حماية الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ) من عزل سياسي لرئيسه وبعض أبرز أعضاء نخبته العليا فاجتمعت جمعيته العمومية في الثاني من يونيو عام ذ978 للنظر في كيفية الرد على ذلك القانون وانتهي الاجتماع بإصدار قرار بحل الحزب مع إعلان الثقة الكاملة برئيسه وهينته العليا والإشادة بتاريخهم الوطني وتضمن القرار تفويض هذه الهيئة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه وقد تبين بعد ذلك أن الهيئة العليا للحزب قامت بتعديل القرار ، وهو ما يتيحه لها النظام الداخلي من الحال إلى تجميد الناشط.

وقد تعرض أسلوب رئيس الحزب قبيل وخلال اجتماع الجمعية العمومية الذي اتخاذ فيه هذا القرار لانتقادات تركز على أنه مارس ضغوطا على أعضائها وقيل على سبيل المثال أنه قام بحركة دائبة بين أعضاء الجمعية العمومية لإقناعهم بحل الحزب أو تجميده .

وكان هناك اتجاه يتزعمه على كريم يرفض حل الحزب ويري اختيار د. محمد صلاح الدين رئيسا له لكن رئيس الوفد استطاع حصر هذا الاتجاه وإظهار نفسه بمظهر من يتباكي على الوطن والوفد .

لكن هذا النقد لا يفيد باستخدام إجراءات غير ديمقراطية في اتخاذ هذا القرار لأن رئيس الحزب اعتمد على الإقناع وتكتيل الأصوات دون أن يظهر ما يؤكد ممارسة ضغوط غير عادية على أعضاء الجمعية .

ويمكن الاستدلال على ذلك أيضا من شهادة قدمها عضو آخر بهذه الجمعية رغم أنه أعلنها عقب خلافه مع رئيس الحزب فقد أوضح أنه اعترض على حل الحزب ، وأن الرئيس لم يتمكن من الحصول على موافقة الجمعية العمومية إلا بعد أن اجتمع به لمدة ساعتين : ( وفي نهاية الحوار اتفقنا على أن نوافق على حل الأحزاب لكن بشرط أن يتركونا نعمل على إعادة تشكيله .

وكتبت بيانا بالموافقة على حل الحزب ، ووقع عليه معي خمسة وسبعون من أعضاء الجمعية العمومية ووقف الباشا ليقرأه ، فصفق الحاضرون ووافقوا ) ومع ذلك فقد غضب بعض أعضاء الجمعية لعدم أخذ رأيهم في هذا القار وإن كان الأرجح أنهم ظلوا أقلية .

أما القرار الذي اتخذته الهيئة العليا بعد أيام قليلة بالاعتراض على حل الحزب والاكتفاء بتجميد نشاطه ، فقد اتخذ في ظروف خاصة كان الحزب يمر بها وفرضت إبقاءه سريا ولذلك لم يعرض على الجمعية العمومية وفقا لما يستلزمه النظام الداخلي للحزب أما قرار اتهام تجميد نشاط الحزب فقد اتخذته الهيئة العليا وأعلنه السكرتير العام المساعد في السبع عشر من أغسطس 1983 بحضور تسعة آخرين من أعضاء هذه الهيئة واستند ذلك الإعلان إلى أن الأسباب التي من أجلها تقرر تجميد نشاط الحزب في يونيو 1978 زالت في معظمها وما تبقي منها في سبيله إلى الزوال .

لكن هذا القرار لم يصبح نافذا إلا بعد موافقة الجمعية العمومية للحزب عليه بإجماع الحاضرين في اجتماعها يوم الثالث والعشرين من أغسطس 1983 ولم يتعرض هذا القرار لأى نقد داخل الحزب سواء من حيث مضمونه أو إجراءاته .

أما قرار حزب التجمع الذي تزامن مع قرار الوفد بتجميد نشاطه الجماهيري وحصر عمله داخل المقرات ، فقد صدر عن السكرتارية العامة وتم إعلانه قبل عرضه على الهيئة التأسيسية التي كانت تمثل المستوي الوسيط للحزب في ذلك الوقت ومن ثم كانت في مقام مؤتمره العام ، وعندما سأل الأمين العام عن عدم دعوة هذه الهيئة للنظر في ذلك القرار ، رد مبررا ذلك بأن ( سكرتارية الحزب هي المفوضة بهذه السلطة في غيبة الهيئة التأسيسية التي تحتاج دعوتها إلى وقت حتى يحضر أعضاءها من الأقاليم واعتقد أن هذه الطريقة أفضل ) والواضح أن هذا تفسير ضعيف لأن حضور أعضاء الهيئة من الأقاليم ليس معضلة وقد أمكن جمعهم بالفعل بعد أيام قليلة من صدور القرار الذي قامت الهيئة بتأييده بالإجماع كما قررت استمرار صيغة التجمع وقامت بتطوير جانب من قرار السكرتارية حيث أضافت إلى ما تضمنه من وقف عضوية جديدة تنظيم عضوية الحزب واستكمل انتخابات قياداته تمهيدا لعقد المؤتمر العام وأضافت أيضا إصدار نشرة داخلية للأعضاء بديلة لصحيفة" الأهالي " التي تضمن القرار توقفها عن الصدور ولذلك يظل هناك قصور في ديمقراطية صنع هذا القرار بسبب تجنب عرض الموضوع على الهيئة التأسيسية من البداية وإرجاء ذلك إلى ما بعد صدور القرار من المستوى القيادي الرئيسي حينئذ وهو السكرتارية خاصة وأن تفسير الأمين العام الذي سبقت الإشارة إليه يبدو غير مقنع .

2-قرارا حزبي مصر والأحرار بالاندماج في والائتلاف مع الحزب الوطني:

يعتبر حزب مصر الوحيد بين الأحزاب السياسية موضع الدراسة الذي قبلت قيادته إنهاء وجوده كلية ودمجه في الحزب الوطن عند تأسيسه في أغسطس 1978 9 ، رغم معارضة قطاع من نخبته لذلك ، فعندما أعلن رئيس الجمهورية في ذلك الوقت أنور السادات عن ( نزوله إلى الشارع السياسي ) وتشكيل حزب جديد برئاسته ، كان هذا التطور مفاجئا لنخبة حزب مصر .

ولذلك كان أول رد فعل لمكتبه السياسي هو أن ( الحزب سيحدد موقفه النهائي من الحزب الجديد خلال أيام على أساس أنه يعتبر الرئيس السادات رئيسا له منذ اليوم الأول لإنشائه ) لكن بدا واضحا أن رئيس الحزب عاقد العزم على الانضمام بحزبه إلى الحزب الجديد إذا لم يكن ثمة مفر من ذلك ، وهو ما عارضه بعض أعضاء نخبة الحزب ، وإزاء هذا الخلاف، اتجه إلى إعلان أنه يضع استقالته تحت تصرف السادات وينوي اعتزال الحياة السياسية والوظائف العامة وشهد اجتماع المكتب السياسي للحزب في الثالث عشر من أغسطس 1978 انقساما بين أعضائه إلى اتجاهين : أحدهما يدعو إلى الانضمام الجماعي للحزب الوطني ، وتزعمه ممدوح سالم وعبد المنعم الصاوي وأيده حامد محمود السكرتير العام الذي لم يحضر الاجتماع والآخر يصر على بقاء الحزب بأى عدد من القيادات والنواب وعبر عنه سعد الدين الشريف وجمال ربيع وأيده عبد العظيم أبو العطا الذي لم يكن حاضرا.

وسعي السكرتير العام الآخر د. فؤاد محيي الدين لاتخاذ موقف حذر بين الاتجاهين ورغم عدم حدوث تصويت في ذلك الاجتماع الذي لم يحضره سوي حوالي نصف أعضاء المكتب فقد رجحت بعض التقارير أن أغلبية الأعضاء تؤيد الاندماج في الحزب الوطني لكن الداعين لاستمرار الحزب اتهموا الآخرين بعدم الإيمان بالتعددية والتطلع للبقاء في السلطة كهدف في ذاته ..

وظهر تفوق أنصار الاندماج في الحزب الوطني عندما فرض1وا أن يوكل إلى الصاوي بصفته أمين الإعلام صياغة بيان عن الاجتماع وقد جاء هذا البيان غامضا ومليئا بالتركيبات الإنشائية لكنه يوحي برغبة الحزب في الانضمام إلى الحزب الوطني لكن المعارضين للاندماج رفضوا أن يصدر المكتب قرارا وأصروا على دعوة الهيئة التأسيسية واستجاب رئيس الحزب لذلك حيث دعيت هذه الهيئة للاجتماع في التاسع العشرين من أغسطس 1978 وحرص خلاله على تأكيد حرية أعضاء الحزب في الاستمرار به أو الانضمام للحزب الجديد ، لكن مع لجوئه إلى موقف انسحابي تمثل في إصراره على الاستقالة مع إظهار ميله لتفضيل خيار انضمام أعضاء الحزب للحزب الوطني وقد قام بتنظير هذا الخيار من خلال طرح فطره ( وجود تيار ثوري وطني تاريخي ممتد ..

وبالتالي يرحب حزب مصر بكل القوي الوطنية الجديدة التي تتحمل المسئولية ويتيح كل الفرص لمن يرغب من أعضائه في الانضمام إلى الحزب الوطني الديمقراطي حيث أن كل من ينتمي إلى ذلك التيار الثوري الوطني ينتمي بالضرورة إلى زعامة القائد الوطني محمد أنور السادات ) ومع ذلك فقد أكد أنه ليس له أن يبت منفردا في ترديد موقف حزب مصر مما يجري على الساحة ( فهذا متروك لكم .

لكني أساهم في الاجتماع بإلقاء أضواء على هذه القضية مشاركة ديمقراطية معكم في ذلك ) كما حرص على تأكيد أن الاتجاهين المتنازعين داخل الحزب يمثلان ( جناحين وطنيين ويدينان بالزعامة للقائد الرئيس سواء الزعامة القومية أو الحزبية ، وفي تقديري أن هذا وضع من اختار الانضمام إلى الحزب الوطني الديمقراطي ، ومن تمسك بموقعه في حزب مصر ) وإزاء ذلك كان من الضروري أن يتكرس الانقسام وأصدر أعضاء الهيئة التأسيسية المحبذون لاستمرار الحزب بيانا يؤكد حرصهم على ( الاستمرار في ساحة العمل السياسي رغم افتقاد رفقاء شاركوا في كل انجاز في مسيرة عامين كاملين ) وأصدروا قرار يتضمن

• رفض استقالة رئيس الحزب ممدوح سالم ، ومطالبته بالاستمرار

• إعادة تشكيل السكرتارية العامة بتعيين د . عبد العظيم أبو العطا سكرتيرا عاما

• اعتبار كل من تركوا الحزب إلى الأحزاب الأخرى مستقيلين وقبول استقالاتهم .

واعتبر هؤلاء ذلك الاجتماع بمثابة ميلاد حزب مص في صورته الجديدة الشعبية والتي تأكدت خلال المؤتمرات التي عقدها الحزب ببعض المحافظات .

وعلى هذا النحو يتضح أن عملية اتخاذ حزب مصر لقراره تجاه الحزب الوطني أتاحت للموقفين اللذين تبلورا داخله ليس فقط فرصة للتعبير ولكن أيضا إمكانية للتحرك الفعلي سواء بالانضمام للحزب الجديد أو بالاستقرار في نفس الحزب الذي أعيد تشكل قيادته واستمر نشاط حزب مصر نحو شهر ، وأخذ يعد لعقد جمعية عمومية لاختيار رئيس جديد بعد إصرار رئيسه السابق على الاستقالة .

لكن أعضاء نخبته السابقين الذين انضموا للحزب الوطني أصدروا بيانا في آخر سبتمبر 1978 يؤكد أن الحزب لم يعد قائما وأنه اندمج في الحزب الوطني في نفس الوقت الذي قامت أجهزة الأمن بالاستيلاء على مقرات حزب مصر ، ومع ذلك أصر بعض أعضاء نخبة هذا الحزب على الاستمرار ورفعوا الأمر إلى القضاء وفي هذا الإطار أثيرت قضية اتخاذ القرار في حزب مصر من زاوية تدخل رئيس الدولة في هذه العملية رغم أنه لم يكن عضوا بالحزب بل واحتكاره لهذا القرار أحيانا ( يصدره بإرادته المنفردة وفق رؤيته بلا تشاور مع قيادة الحزب الذي لم يكن الحاكم يتصوره أكثر من أداة تتحقق بها الموافقة التشريعية على القرارات الرئاسية )وإذا انطلقنا إلى قرار حزب الأحرار بالائتلاف.

مع الحزب الوطني عام 1979 ، نجد أن هناك رواتيين متعارضين له الأولي رواية صحيفة الحزب التي تؤكد أن القرار اتخذ في اجتماع لمكتبه السياسي بموافقة جميع أعضاء وامتناع عضو وحد عن التصويت .

لكن هذه الروية لا تنفي أن فكرة الائتلافات بدأت في مقابلة بين رئيسي الحزبين طرح فيه رئيس الحزب الوطني تضافر الجهود بين الحزبين ووافق رئيس حزب الأحرار على ذلك.

أما الرواية الثانية فهي لأحد أعضاء نخبة الحزب ، وتؤكد أن قرار الائتلاف مع الحزب الوطني لم يعرض على المكتب السياسي أو أى مستوي تنظيمي وإنما اتخذه رئيس الحزب بادارة منفردة كما تشير إلى أن معظم أعضاء نخبة الحزب لم يستريحوا لهذه الفكرة لمخالفتها التقاليد الحزبية حيث لا يصح أن يكون الائتلاف بين حزبين إلا لمواجهة موقف معين أو بغرض الاشتراك في الحكم ومع ذلك فوجئوا برئيس الحزب يعلن هذا الائتلاف الذي يصفه صاحب الرواية بأنه كان محاولة فمن الحزب الوطنيلتحجيم حزب الأحرار ودلل على ذلك بأن رئيس الحزب أنصاع في هذا الإطار لرغبة رئيس الحزب الوطني في إقصاء رئيس تحرير صحيفة الأحرار في ذلك الوقت لخطة المتشدد في المعارضة .

وإذا أخذنا في الاعتبار الطريقة التي أدير بها حزب الأحرار إجمالا فقد لا يكون هناك تعارض جوهري بين الروايتين فقد كان رئيسا لحزب قادرا على إقناع معظم أعضاء النخبة الحزبية بالقرار الذي يريده حتى إذا كانوا معارضين له في البداية ولذلك يكون من قبيل المبالغة التوقف عند وقعة اجتماع المكتب السياسي من عدمه فقد كان الرئيس قادرا على عقد هذا الاجتماع وتمرير لقرار في كل الظروف ، ومعني ذلك أن ثبوت انعقاد الاجتماع لا ينفي أن الائتلاف كان قرار رئيس الحزب بالأساس وفضلا عن ذلك فالثابت أن الأمر لم جديا،وأن القرار لم تترتب عليه أى عمليات إجرائية ، ولم ينعقد غير اجتماع واحد بين ممثلين للحزبين وكان تمثيل الحزب الوطني فيه منخفضا للغاية ويمكن تفسري ذلك بأن رئيس الحزب الوطني أراد بفكره الائتلاف تأكيد ولاء حزب الأحرار له والحد من الناقدات التي كانت صحيفته توجهها في ذلك الوقت للنظام لكنه لم يكن مستعدا لتقديم أى مقابل لذلك ومن هنا مات الموضوع من تلقاء نفسه بعد قليل .

3-قرارا حزبي العمل والأحرار بشأن التحالف الإسلام ي

على عكس قرار الائتلاف مع الحزب الوطني عام 1979 ، كان قرار حزب الأحرار بالتحالف مع حزب العمل وجماعة الإخوان عام 1987 موضع اتفاق كامل بن أعضاء نخبته وتم اتخاذه في اجتماع للأمانة العامة ، ولم يكن أمام الحزب بديل آخر حيث جاء بمثابة إنقاذ له عشية انتخابات مجلس الشعب في ذلك الوقت ولذلك لم يتعرض هذا القرار لأى نقد داخل الحزب حتى من أعضاء نخبته الذين اختلفوا مع رئيس الحزب بعد ذلك.

لكن الأمر لم يكن كذلك في حزب العمل حيث كان القرار موضع خلاف خاصة وأن عملية اتخاذه لم تستوف الإجراءات الديمقراطية فقد انفرد باتخاذه عدد ضيئل من أعضاء نخبته وفي الوقت قصير للغاية لا يتجاوز على الأرجح يوما وحدا بحي لم تتح الفرصة لمشاورات جدية فالثابت أن الاجتماع بين ممثلي أطراف التحالف الثلاثة انعقد في الرابع عشر من فبراير 1978 لتحديد أسس هذا التحالف بينما لم تكن فكرة هذا التحالف قد ظهرت في آخر اجتماع للجنة التنفيذية في الثامن من فبراير .

ففي ذلك الاجتماع تم الاتفاق على تكليف رئيس الحزب بإجراء اتصالات مع بقية أحزاب المعارضة للاتفاق أما على مقاطعة الانتخابات أو المشاركة بها في قائمة موحدة مع التنسيق الكامل بنها في الدوائر الفردية لكن تعذر الاتفاق بين هذه الأحزاب على المقاطعة كما أدي رفض حزب الوفد لفكرة القائمة الموحدة إلى إفشالها.

ويوضح رئيس تحرير صحيفة الحزب أن هذا التطور فرض على قيادته التفكير بسرعة :( فهل نعود إلى فكرة المقاطعة ، وكيف يكون ذلك وما جدواها ما لم تكن شاملة وهل نكرر الاتصال مع قوي المعارضة الأخرى ودار البحث في كل ذلك أثناء اجتماع اللجنة العليا طوال اليوم الثالث عشر من فبراير ) لكنه لم يكشف كيف تم التوصل إلى قرار التحالف مع الإخوان : ( ودون الدخول في تفاصيل لا أعرف أغلبها تم لقاء يوم الرابع عشر من فبراير في مقر حزب العمل ، وتم تشكيل حلف أو ائتلاف انتخابي مع الإخوان وحزب الأحرار ).

وتجدر الإشارة إلى أن القرار الذي صدر عن اللجنة العليا قبل ساعات من إعلان قرار التحالف لم يتضمن إشارة مباشرة إليه ، فقد انصب على تفويض رئيس الحزب واللجنة التنفيذية لإجراء اتصالات مع كافة الأحزاب والقوي الوطنية بهدف تحقيق أعلي قدر ممكن من التنسيق في المعركة الانتخابية ومعني ذلك أن هذا الموضوع لم يطرح بشكل مباشر على اجتماع اللجنة العليا في الوقت الذي يصعب تصور أن يكون قد تم التوصل إليه بشكل مفاجئ فور انتهاء هذا الاجتماع ليجري إعلانه بعد ساعات قليلة ويزيد لأمر تعقيدا ما رواه أحد قادة الإخوان (مأمون الهضيبي ) .

من أنه ( بعد فشل مشروع الائتلاف بين أحزاب المعارضة جميعها ذهبت إلى إبراهيم شكري الذي كان مجتمعا مع اللجنة التنفيذية للحزب وعرضت الأمر عليهم وتركتهم بعدها للمناقشة ) والأرجح أنه قصد اجتماع اللجنة العليا ، وليس التنفيذية في الثالث عشر من فبراير.

كما يبدو أن الصياغة لم تكن دقيقة لأن الأمين العام المساعد لحزب العمل نفي أن يكون الهضيبي قد حضر اجتماع اللجنة العلا التي لم تستضف أبدا أى شخص من خارجها وقال أنه حضر خلال الاجتماع وانتظر في غرفة مجاورة لمقابلة رئيس الحزب وقد يعطي حضور الهضيبي في ذلك الوقت انطباعات بأنه جاء يحمل اقتراح التحاف إلى رئيس حزب العمل الذي لم يسعفه الوقت لعرضه على اللجنة العليا رغم أنها كانت منعقدة بالفعل ومع ذلك فإن هذا التفسير يتعارض مع ما هو مرجح من أن الاتصالات بين الطرفين كانت قائمة قبل ذلك اليوم .

بل إن رواية المرشد العام للإخوان تنفي ضمنيا أن يكون الهضيبي قد حمل اقتراحا بالتحالف في ذلك اليوم حيث أكد أن حزب العمل هو الذي قدم العرض للإخوان بشأن التحالف فور إعلان الوفد عدم رغبته في دخول الانتخابات مع هيئات أو أحزاب أخري ودلالة كل ذلك أن رئيس حزب العمل كان يجري اتصالات مع قيادة الإخوان حول التحالف منذ فشل فكرة القائمة الموحدة لأحزاب المعارضة دون اطلاع اللجنة التنفيذية والعليا عليها رغم انعقادها يومي الثاني والثالث عشر من فبراير على التوالي .

واعتمد في ذلك على تفويض من اللجنة العليا بمتابعة الاتصالات مع قوي المعارضة استخدمه في اتخاذ القرار بالتحالف مع الإخوان والأحرار بعد ساعات قليلة من الحصول عليه ويستند أنصاره إلى هذا التفويض بالفعل في تبرير القرار، على أساس أن هذا التفويض يعني الموافقة الضمنية على التحالف مع أى من قوي المعارضة لكن يري معارضو قرار التحالف أن هذا الأسلوب انطوي على ( تحايل على أعضاء اللجنة العليا للحصول على تفويض أساء رئيس الحزب استغلاله وتصرف تصرفا فرديا دون الرجوع إلى اللجنة مرة أخري )

ومع ذلك يظل لجوء رئيس حزب العمل إلى هذا الأسلوب الذي لم يستوف الإجراءات الديمقراطية مثيرا للتأمل لأنه لم يكن متوقعا أن يواجه معارضة قوية في حالة عرض قرار التحالف على اللجنة العليا خلال اجتماعها في اليوم السابق على إعلانه فقد تبين أن عدد المعارضين لهذا القرار كان محدودا لأن الجناح الذي انشق بعد ذلك في مارس 1989 لم يكن معارضا للتحالف مع الإخوان حتى ذلك الوقت بل وكانت نخبة هذا الجناح ضالعة في إبرام هذا التحالف رغبة في تدعيم المركز الانتخابي للحزب وضمان تجاوز نسبة الثمانية بالمائة التي منعته من دخول مجلس الشعب في الانتخابات السابقة عام 1984 .

والملاحظ أن نحو ثلثي ممثلي الحزب في الاجتماع الذي أعلن خلاله قيام التحالف كانوا من هذا الجناح وهم أحمد مجهد وجمال أسعد وصلاح عبد الله بينما لم يكن هناك من الجناح الآخر سوي إبراهيم شكري وعبد الحميد بركات ولذلك كان من السهل على رئيس الحزب أن يحصل على قرار بتأييد التحالف في اجتماع اللجنة العليا ، لكن يبدو أنه أراد تجنب حدوث خلاف في هذا الاجتماع قد يترتب عليه تعطيل إعلان التحالف في الوقت الذي كان موعد انتخابات مجلس الشعب يمثل عنصر ضغط في اتجاه الإسراع به . ومعني ذلك أنه فضل حدوث هذا الخلاف بعد إعلان التحالف وتحوله إلى أمر واقع لكسب الوقت لأسباب تتعلق بالانتخابات أساسا .

خاتمة

يمكن استخلاص ثلاثة اتجاهات رئيسية بشأن عملية صنع القرار الحزبي في الأحزاب المصر ية المعاصرة موضع الدراسة هي:

1- الدور المحوري لرئيس الحزب ( أو الأمين العام لحزب التجمع) في هذه العملية ويعد هذا الدور انعكاسا لطبيعة البناء التنظيمي كما تبين من المبحث السابق في هذا الفصل .

فيتمتع الرئيس بمركز متميز في هذا البناء بم يتيح له السيطرة على عملية صنع القرار في الغالب الأعم .

وقد أعطت لوائح الأحزاب لرؤسائها صلاحيات واسعة جوهرها اعتباره المسئول الأول عن كل ما يتعلق بالسياسة العامة للحزب في نفس الوقت الذي اتسمت صياغة آلية صنع القرار بقدر من الغموض في هذه اللوائح.

وقد تبين من تحليل كيفية صنع القرارات التي تم اختيارها أن الرئيس قام بالدور الذي مارسه بشكل منفرد حينا ، وبالتعاون مع حلقة ضيقة من النخبة الحزبية أو بالاشتراك مع المستوي القيادي للحزب حينا خر . ولم يكن هناك غير استثناءين فقط في القرارات التي جري تحليها لم يقم الرئيس بالدور الرئيسي في صنعها :

أولهما قرار حزب مصر بخصوص الموقف من الحزب الوطني عند تأسيسه عام 1978 وثانيهما قرار حزب الوفد الجديد برفض المشاركة في انتخابات مجلس الشعب لعام 1987 في قائمة مشتركة مع بقية أحزاب المعارضة .

ومعني ذلك أن أيام من الأحزاب المعاصرة لم يعرف ظاهرة محدودية دور الرئيس في عملية صنع القرار ،والتي شهدها حزب الأحرار الدستوريين قبل 1952 في بعض فتراته وخاصة تحت رئاسة عدلي يكن وعبد العزيز فهمي وبدرجة أقل د. محمد حسين هيكل .

ولهذا لم تقدم هذه الأحزاب نموذجا لعملية صنع القرار يختلف عن النموذج السلطوي في النظام السياسي المصر ي رغم مطالبة أحزاب المعارضة بمقرطة صنع القرار في هذا النظام .

2- سعي رؤساء الأحزاب المعاصرة في معظم الأحوال إلى تغليف المضمون السلطوي لعملية صنع القرار بشكل ديمقراطي ، من خلال طريقة إخراج القرارات وهو ما يعرف باستيفاء الشكل أو المظهر الديمقراطي وفي معظم الأحوال لا يجد الرئيس صعوبة في تحرير القرار الذي يريده في المستوي القيادي للحزب .

ويستخدم الرؤساء في هذا المجال ما يتمتعون به من وزن معنوي ومكانة أدبية لكن لجأ بعضهم إلى ممارسة ضغط مباشر على أعضاء النخبة الحزبية لضمان اتخاذ القرار المطلوب ، أو إلى إحالة الموضوع للمستوي الوسيط ممثلا في المؤتمر العام إذا أتاح فاعلية أكبر لهذا الضغوط ومع ذلك كانت هناك عدة استثناءات من الاتجاه العام إلى استيفاء الشكل الديمقراطي وأهمها قرار حزب العمل بشأن التحالف الثلاثي عام 1987 وقرار حزب التجمع بتجميد نشاطه خارج المقرات عام 1978 وبدرجة أقل قرار حزب الأحرار بالائتلاف مع الحزب الوطني عام 1979 الملاحظ أن هذه القرارات الثلاثة تتعلق كلها بالتصرف في الحزب بأشكال مختلفة .

3- محدودية مشاركة المستوي الوسيط وضآلة مشاركة المستوي القاعدي في عملية صنع القرار الحزبي فكان أهم دور للمستوي الوسيط متعلقا بقرارات التصرف في الأحزاب بالحل أو تجنيد الناشط نتيجة ظروف واجهتها ثلاثة من هذه الأحزاب هي الوفد الجديد والتجمع ومصر لكن كانت مشاركة الجمعية العمومية للوفد والهيئة التأسيسية لحزب مصر في صنع هذا النوع من القرارات أكبر من مشاركة الهيئة التأسيسية للتجمع .

أما المستوي القاعدي فقد اقتصرت مشاركته على بعض قرارات تحديد مرشحي بعض الأحزاب للانتخابات العامة .

وكان هذا هو النوع الوحيد من القرارات الذي أتيح للمستوي القاعدي في بعض الأحزاب المشاركة بصنعه ، رغم ضآلة هذه المشاركة ويمكن تفسير ذلك بأن قرار تحديد المرشحين ينطوي أكثر من غيره على مصالح قاعدية مباشرة وبالتالي يكون أكثر توليدا للضغوط على المستوي القيادي

الفصل الرابع طبيعة العلاقات بين النخبة والأعضاء في الأحزاب المصر ية المعاصرة

المبحث العاشر الأطر المؤسسية لمشاركة الأعضاء

توجد هذه الأطر في العادة ضمن المستوي التنظيمي الوسيط ، والذي يتمثل أساسا في المؤتمر العام إلى جانب جهاز آخر يحل محله بين دورات انعقاده في بعض الأحزاب فالمفترض أن يضم هذا المستوي التنظيمي مندوبين للمستوي الأدنى القاعدي إلى جانب النخبة الحزبية ممثلة في أعضاء المستوي الأعلى القيادي .

أولا : انتظام دورات المؤتمر العام

شهدت الأحزاب المعاصرة تقدما ملموسا في هذا المجال بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 فلم ين هناك مؤتمر عام بالمعني الحديث في أحزاب تلك الفترة إلا في الحزب الوطني لعدة سنوات قليلة عقب تأسيسه وفي جماعة الإخوان بدرجة أقل كثيرا ورغم أن حزب الأحرار الدستوريين عرف جهاز المؤتمر العام ، إلا أن هذا المؤتمر لم ينعقد غير مرتين أما الوفد فلم يعرف المؤتمر العام بأية صورة كما سبق إيضاحه في الفصل الثاني من هذه الدراسة .

لكن الأحزاب السياسية المعاصرة 76 -1987 اشتمل بناؤها جميعا على مستوي تنظيمي وسيط يتمثل جهازه الرئيسي في المؤتمر العام وتتشابه الأنظمة الأساسية للأحزاب السياسية المصر ية موضع الدراسة فيما تضمنه من مستوي تنظيمي وسيط يتمثل جهازه الرئيسي في المؤتمر العام ( أو الجمعية العمومية في حالة حزب الوفد ) لكن تباينت هذه الأحزاب في مدي التزامها بعقد هذا المؤتمر وبشكل دوري وفيما يتيحه من إمكانات للتفاعل بين الخبرة الحزبية والأعضاء لكن كانت المحصلة في الإجمال تعكس تقدما في الممارسة على هذا الصعيد بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 .

ومع ذلك لم يحقق أى من الأحزاب موضع الدراسة انتظاما كاملا في دورات انعقاد المؤتمر العام ويقدم الجدول رقم صورة لهذه الدورات حتى نهاية عام 1992 ، ومع ملاحظة أنها لا تشمل اجتماع الهيئة التأسيسية لهذه الأحزاب عند نشأتها .

جدول رقم (1) يبين
دورات انعقاد المؤتمرات العامة للأحزاب
الدورة الدورة الاولى الدورة الثانية الدورة الثالثة الدورة الرابعة الدورة الخامسة الدورة السادسة
حزب مصر .... .... .... .... .... ....
حزب الاحرار 1/90 .... .... .... .... ....
حزب التجمع 4/80 6/85 2/92 .... .... ....
حزب الوفد .... .... ... ... ... ...
حزب الوطني 9/80 9/81 9/82 7/86 7/89 7/92
حزب العمل 6/82 12/83 12/84 1/87 3/89 5/93

والملاحظ من هذا الجدول أن حزبي الوطني والعمل أكثر انتظاما من غيرهما فيما يتعلق بدورات انعقاد المؤتمر العام ، ويليهما في ذلك حزب التجمع لكن تجدر ملاحظة أن خلو الجدول من أية دورة انعقاد للجمعية العمومية لحزب الوفد يرجع إلى عدم التزامه بعقد دورات منتظمة لهذه الجمعية لكنها مع ذلك انعقدت خمس مرات للقيام بأعمال إجرائية .

وإذا كان حزب الأحرار قد عقد أول دورة لمؤتمره العام في يناير 1990 يبقي حزب مصر هو الوحيد موضع الدراسة الذي مارس نشاطه لحوالي عامين دون أن يعقد أية دورة لمؤتمره العام بعد اجتماع هيئته التأسيسية الذي تم في مارس 1976 كاجتماع لمنبر داخل التنظيم السياسي الواحد قبل التحول إلى حزب سياسي في نوفمبر 1976 لكن الملاحظ أن المجموعة التي أصرت على استمرار الحزب ولجأت إلى القضاء للحصول على حكم يؤكد ذلك كانت تتطلع إلى عقد مؤتمر عام لاستئناف نشاطه وان لم يتحقق لها ذلك حتى نهاية فترة الدراسة فقد أشار أحدهم إلى أنه ( عندما يتمكن الحزب من عقد مؤتمره العام سيعرض على أعضائه رؤيته للتنمية السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية التي عكف رجاله على صياغتها طوال سبع سنوات حدثت فيها متغيرات اقتصادية وسياسية كثيرة وسيقول المؤتمر العام رأيه فيها)

ورغم أن حزبي الأحرار والوفد لم يعرفا دورات منتظمة للمؤتمر العام الأول حتى 1990 والجمعية العمومية الثاني حتى الآن فقد ظلت قضية انعقاد حزب الأحرار موضع جدل داخلي مستمر واكب التأجيل المتكرر لهذا المؤتمر وهو الأمر الذي لم يحدث في حزب الوفد ويمكن تقديم تفسيرين لذلك. وأولهما أن حزب الوفد غاب عن الساحة الحزبية فترة تقدر بنحو نصف فترة الدراسة

حيث استمر غيابه من يونيو 1978 إلى أغسطس 1983 .

وثانيهما أن شرعية زعامة حزب الوفد لام تكن موضع أى تساؤل داخل الحزب ولم تتعرض لاهتزاز كالذي أصيبت به شرعية زعامة حزب الأحرار سواء لتدهور مركز الحزب في النظام الحزبي والتقلبات المتتالية في توجيهاته وتحالفاته أو لتعرض رئيسه لاتهامات تتعلق بجانب من جوانب حياته العملية .

وفضلا عن ذلك فإن انعقاد الجمعية العمومية لحزب الوفد خمس مرات أتاح توفر حد أدني من مشاركة الأعضاء فقد انعقدت لأول مرة كهيئة تأسيسية للحزب في فبراير 1978 واقتصر دورها على انتخاب الرئيس والهيئة العليا وانعقدت مرة أخري في أغسطس 1983 للموافقة على عودة الحزب لاستئناف نشاطه وكان انعقادها الرابع في يونيو 1986 كاجتماع غير عادي أيضا للنظر في مشروع تعديل النظام الداخلي الذي تقدمت به الهيئة العليا للحزب وانعقدت مرة خامسة في يناير 1989 بدعوة من رئيس الحزب تضمنت جدول أعمال من ثلاثة بنود هي عرض البيان السنوي عن نشاط الحزب والحساب الختامي عن السنة المالية المنتهية في آخر 1987 وانتخاب أعضاء الهيئة العليا وفي بداية اجتماعها حدد رئيس الحزب موعد انعقادها التالي في نوفمبر 1989 لكنها لم تنعقد حتى الآن .

ومع ذلك فإن وجود جمعية عمومية لحزب الوفد الجديد على هذا النحو ينطوي على تقديم في الممارس ة الديمقراطية بالمقارنة مع الوفد قبل 19 52 الذي لم يعرف جهاز وسيطا بين المستويين القيادي والقاعدي على أى نحو كم سبق إيضاحه في الفصل الثاني .

لكن الوضع في حزب الأحرار كان مختلفا فلم ينعقد أى اجتماع للمؤتمر العام منذ أن انعقدت الهيئة التأسيسية له كمنبر قبل أن يتحول إلى حزب سياسي ولذلك كان من الطبيعي أن يثار جدل داخل الحزب حول مؤتمره العام ومع ذلك فقد مضي نحو ثماني سنوات من عمر الحزب قبل أن يصبح عدم انعقاد المؤتمر العام مصدر مشكلة وخاصة بعد الأداء بالغ الضعف للحزب في الانتخابات العامة التي جرت في مايو 1984 . ولذلك بدأ بحث الموضع في منتصف ذلك العام في إطار مناقشة إعادة تنظيم الحزب .

ومنذ ذلك الوقت بدأت عملية تأجيل متكرر لعقد المؤتمر العام فأصبح من المعتاد أن يتم الإعلان عن موعد وتناسيه بعد ذلك من خلال إعلان موعد آخر وهكذا .

ولأن حزب التجمع عقد ثلاث دورات فقط لمؤتمره العام يكون الحزب الوطني ( 6 دورات ) وحزب العمل ( 6 دورات ) هما اللذان سجلا أعلى معدل لعقد المؤتمر العام بين الأحزاب المعاصرة .

ثانيا : اختيار مندوبي المستوي القاعدي للمؤتمر العام

اعتمد حزب العمل وحده على أسلوب الانتخاب التنافسي لتحديد مندوبي المستوي القاعدي المشاركين في المؤتمر العام فيما أخذ حزب التجمع بأسلوب الانتخاب المقيد من خلال قوائم مغلقة في معظم الأحوال وكان الاختيار من أعلي هو الأسلوب المتبع في بقية الأحزاب .

فقد انطوت انتخابات مندوبي حزب التجمع لمؤتمره العام على قيد يتعلق بتجديد حصص لممثلي ما أطلق عليه التيارات الموجودة دخله تحت شعار مراعاة صيغة التجمع، أو ما يطلق عليه أحد قادة الحزب التوازنات السياسية ورغم أنه تحدث عن أن ( هذه التوازنات لم تعد مطروحة إبان المؤتمر العام الثني بعد انصهار التجمع في وعاء واحد وتجاوز مرحلة التأسيس ) فالواضح إبان المؤتمر العام الثاني بعد انصهار التجمع في وعاء واحد وتجاوز مرحلة التأسيس فالواضح أن القيد المتعلق بأعداد قائمة والتصويت عليها ظل قائما ومغلقا الطريق أمام الأخذ بأسلوب الانتخاب المفتوح التنافسي وقد حدثت أزمة بين قيادة الحزب ومجموعة من أعضائه الشباب الذين طالبوا بإتباع هذا الأسلوب عشية المؤتمر العام الثاني وتعرضت هذه المجموعة لقمع مباشر وهو ما سنعود إليه في الفصل الأخير من الدراسة .

وعلى العكس من ذلك التزم حزب العمل بإجراء انتخابات تنافسية إلى حد كبير على المستوي القاعدي قبل كل مؤتمر عام و وخاصة منذ الدورة الثالثة بدءا بمكتب هيئة الشعب وحتى هيئة مكتب المحافظة ويمثل المستوي القاعدي في المؤتمر العام لهذا الحزب هيئات مكاتب الدوائر والأقسام والمحافظات .

لكن الملاحظ أن قيادة الحزب، أو بالأحرى بعض أعضاء نخبته اتهموا أحيانا إما بعدم احترام نتائج الانتخابات القاعدية هذه أو بالتدخل فيها لتوجيهها في وجهة معينة فقد أثيرت خلال المؤتمر العام الثاني في ديسمبر 1983 قضية عدم حضور أمن الحزب بمحافظة القاهرة حمدي أحمد وأعضاء هيئة مكتب قسم بولاق فقد كشف أحد أعضاء نخبة الحزب عند انسلاخه منه أنه نبه إلى مغبة استبعاده أمين القاهرة من ذلك المؤتمر ، وأعلن خلاله أن ( هناك من يعبثون في الحزب بحيث أغفلوا دعوة واحد من مؤسسيه ورواده، ومن أبرز ضحاياه والمفروض أنه هو الذي يقدم المؤتمر لكونه يعقد في القاهرة ) لكن الأرجح أن هذا الاتهام انطوي على مبالغة لأنه يصعب حرمان أمين محافظة من عضوية المؤتمر إلا بإقصائه من هذا المنصب أولا وهو ما لم يحدث .

وقد فسر الأمين العام المساعد للحزب عدم وجوده بأنه هو الذي امتنع بسبب استيائه الناجم عن مطالبته بالحضور إلى مقر الحزب لتقديم طلب ترشيحه لعضوية اللجنة التنفيذية في الوقت الذي أصر على ترشيح نفسه تليفونيا .

ومع ذلك فثمة ما يدل على أن هناك أساسا ما لاتهام آخر تعرض له أمين التنظيم منذ المؤتمر العام الرابع وهو تشكيل لجان قعدية صورية اعتمادا على شخص أو بضعة أشخاص من أجل تغير تركيب المؤتمر وقد اتسع نطاق هذا الاتهام خلال وبعد المؤتمر العام الخامس للحزب الذي انعقد في مارس 1989 عندما دفع المنشقون بأن عناصر التيار الإسلام ي في النخبة الحزبية قاموا بالتلاعب بعملية انتخابات إعادة تشكيل المستوي القاعدي لضمان وجود أغلبية من أنصارهم في المؤتمر العام .

أما الأحزاب الأحرار والوفد والوطني فلم تعف أسلوب الانتخاب في تحديد مندوبي المستيو القاعدي لمؤتمراتها العامة ففي المؤتمر العام الوحيد الذي عقده حزب الأحرار في يناير 1990 تم إشراك أمانات المحافظات المعين أعضاؤها أصلا فيه بواقع 19 عضوا من كل محافظة مع اختيار خمسة مندوبين عن كل مركز .

أما حزب الوفد فقد عقد خمسة اجتماعات غير عادية للجمعية العمومية كما سبق بيانه وكانت ثلاثة منها للجمعية المشكلة كهيئة تأسيسية للحزب ، وبالتالي لم يكن انتخاب أعضائها مطروحا من الأصل أما الاجتماع الرابع فقد تحكمت قيادة الحزب أكثر في تحديد المشاركين به من خلال معيار محدد هو سداد الاشتراكات حتى عام 1986 حيث تم استخراج بطاقات لحضور الاجتماع على هذا الأساس من لجان الحزب بالمحافظات وتقرر حرمان غير الحاملين لهذه البطاقات من الحضور وقد شكا بعض أعضاء الجمعية من أن بعض رؤساء لجان المحافظات رفضوا تحصيل الاشتراكات المتأخرة عليهم حتى يحرموهم من فرصة المشاركة في الاجتماع لكونهم يتخذون مواقف نقدية لأسلوب إدارة الحزب وسياسته .

وقد أقر اجتماع الجمعية العمومية هذا ما نص عليه النظام الداخلي الجديد بشأن طريقة تشكيلها وتضمن ممثلو المستوي القاعدي وفقا لهذا التشكيل رؤساء اللجان المركزية بالمراكز والأحياء ورؤساء اللجان المحلية والأقسام وأعضاء مكاتب اللجان العام بالمحافظات والمفترض وفقا للنظام الداخلي نفسه أنهم منتخبون لكن هذا لم يحدث طوال فترة الدراسة كما اتضح في الفصل السابق فقد دأبت قيادة الحزب على تعيين اللجان الإقليمية ولذلك لم يكن ممثلو المستوي القاعدي الذين شاركوا في اجتماع الجمعية العمومية الأخير منتخبين .

وبخصوص الحزب الوطني فرغم أنه قام بعقد المؤتمرات بالمحفظات أو بكثير منها قبيل معظم مؤتمراته العام فلم يتم انتخاب مندوبين لهذه المحافظات وجرت العادة على أن يشارك في تلك المؤتمرات التمهيدية للمؤتمر العام أمين الحزب بالمحافظة وأمنائه بالمراكز أو الأقسام، وجميعهم معينون إلى جانب المحافظ وأعضاء مجلس الشعب والشورى عن الحزب بالمحافظة ورؤساء المجالس الشعبية المحلية للمدن والمراكز من أعضاء الحزب ولذلك يكون مندوبو المستوي القاعدي إلى المؤتمرات العامة للحزب من المعينين وينحصرون في قمة المستوي مثل أعضاء لجان المحافظات وأعضاء هيئات المكاتب في الدوائر الانتخابية في المراكز والأقسام بدءا من المؤتمر العام الخامس .

ثالثا : مشاركة مندوبي المستوي القاعدي في مناقشات المؤتمر العام

تباينت الأحزاب السياسية موضع الدراسة كتلك من حيث طبيعة الدور الذي يتاح لمندوبي المستوي القاعدي القيام به في المؤتمر العام لكل حزب فيما يتعلق بناقشة القضايا الحزبية وكان حزبا التجمع والعمل أيضا اللذان أتاحا فرصة أكبر لهؤلاء المندوبين في المؤتمرات العامة .

وبالنسبة لحزب التجمع برز هذا الدور في مؤتمره الثاني 1985 أكثر وضوحا من الأول ومع ذلك لم يخل المؤتمر الأول من مشاركة بعض مندوبي المستوي القاعدي في مناقشة البرنامج الذي أقره هذا المؤتمر وكذلك لائحة النظام الداخلي إضافة إلى المداولات الخاصة بقضية بناء التجمع كحزب جماهيري والتي سادت المؤتمر لكن المؤتمر الثاني هو الذي تميز باتساع نسبي لنطاق مشاركة مندوبي هذا المستوي في مناقشاته منذ أن بدأ الإعداد له في فبراير 1985 كما شاركت قاعد الحزب في مناقشة والوثائق المقدمة لهذا المؤتمر خلال مرحلة الإعداد له وهي التقرير السياسي وتقرير صحيفة " الأهالي " وتعديلات اللائحة الداخلية .

فقد قمت الأمانة العامة منذ مارس 1985 بإدارة حوا حول هذه الوثائق في اجتماعات بالمستويات الحزبية المختلفة ومن خلال نشرة " دائرة الحوار التي توزع حول هذه الوثائق في اجتماعات بالمستويات الحزبية المختلفة ومن خلال المؤتمر الثاني على قضيتين هما طبيعة الرأسمالية في مصر والقضية الفلسطينية وقد دارت المناقشات حولهما في اللجنة السياسية للمؤتمر التي شارك في أعمالها مائتان واثنان وثلاثون عضوا من أصل خمسمائة واثنين وستين عضوا حضروا المؤتمر أى بنسبة حوالي واحد وأربعين بالمائة وخلال مناقشة القضية الفلسطينية طالب بعض الأعضاء بمراجعة بيان صادر عن الأمانة العامة بتأييد الاتفاق الأردني – الفلسطيني الموقع في فبراير 1985 وحدث خلاف شديد سيتم تحليله في الفضل التالي كما احتج بعضهم على الضغوط التي ماسها الأمين العام لتأييد الاتفاق وقام أحدهم بسحب ترشيحه لعضوية اللجنة المركزية في هذا الإطار .

كما اتسمت المؤتمرات العامة لحزب العمل بمشاركة ملحوظة لبعض مندوبي المستوي القاعدي في جانب من مناقشاتها لكن تميزت هذه المناقشات بقدر أكبر من الانفتاح في الدورات الثلاث الأولي للمؤتمر قبل أن يبدأ الانقسام داخل الحزب منذ المؤتمر الرابع ويتفاقم في الخامس وقد أبدي أعضائه مع التأكيد على أنها تسهم في اتخاذ قرارات المؤتمر التي اعتبرها محاور يسير عليها الحزب حتى ينعقد المؤتمر التالي .

وقد شهد المؤتمر العام الثالث للحزب أوسع المناقشات حول قضية التعيين في مجلس الشعب عقب انتخابات 1984 والقرار الذي اتخذته اللجنتان التنفيذية والعليا بقبول تعيين أربعة من أعضاء نخبة الحزب بالمجلس وكان استمرار الخلاف حول هذا الموضوع بعد اتخاذ قرار قبول التعيين قد دفع قيادة الحزب إلى تهدئة المعارضين له بتأكيد أن الموضوع سيعاد عرضه على المؤتمر هو ما اعتبرته صحيفة الحزب تأكيدا للمشاركة الديمقراطية وثمة ما يدل على أن المناقشات التي شهدها المؤتمر حول هذا الموضوع اتسمت بالديمقراطية رغم التوتر الذي أحاط بها بين مؤيدي ومعارضي التعيين وسعي رئيس الحزب للتأثير على مسار المناقشة لكن لا يوجد ما يؤكد ممارس ة ضغوط مباشرة على الأعضاء فقد اعتمد أساسا على الإقناع عبر تأكيد التعيين لا يمكن أن يؤثر على موقف الحزب المعارض أو ينسيه المخالفات التي ارتكبت خلال العركة لانتخابية مع الإيحاء بأن المعينين كانوا ناجحين بالفعل في قوائم لولا قصور نظام الانتخاب .

وظهرت خلال المناقشات عدة اقتراحات لحل الخلاف . فطالب البعض بإصدار توصية تلزم أعضاء المجلس المعينين عن الحزب بالتقدم فورا بمشروع قانون للمطالبة بتعديل نظام الانتخاب على أن يستقيلوا في حالة رفضه كما ظهر اقتراح أخر بقبول التعيين هذه المرة على أن يرفض في أية مرة قادمة شكلا ومضمونا لكن قيادة الحزب أصرت على إجراء اقتراع لحسم الخلاف وعند فرز الأصوات الذي تم بشكل علني تفوق المعارضون للتعيين في البداية ثم تساوي الطرفان ليتقدم مريدو التعيين في النهاية بفارق ستين صوتا فقط ( مائتان وأربعة وثمانون مقابل مائتين وأربعة وعشرين صوتا مع بطلان ثمانية وثلاثين ) أى بنسبة ثمانية إلى سبعة .

لكن الملاحظ أنه منذ المؤتمر العام الثالث لم يعد أعضاءه يناقشون في بدايته جدول الأعمال الولي كما حدث في المؤتمرين السابقين حتى لو كانت مناقشة شكلية فقد أصبح الجدول الذي تعده الجنة العليا ساريا دون عرضة للمناقشة ولذلك حرص الأمين العام على الإيحاء بأن ثمة معايير لإعداد جدول الأعمال أهمها اختيار الموضوعات ذات الأهمية الشعبية لبحثها تباعا بحيث تتكامل أعمال المؤتمرات وتقدم حلولا كاملة لمشكلات مصر ومع ذلك فقد كان رئيس الحزب فخورا بديمقراطية المؤتمر الثالث حيث اعتبر ( صورة رائعة للممارسة الديمقراطية التي يجب أن ننميها لخلق الإنسان الحر منذ بداية النشأة في البيت والمدرسة والجامعة والعمل والحياة كلها ) كما أشار أمينه العام إلى أن هذا المؤتمر ( قدم صورة للحوار الديمقراطي حيث ترك العنان للمناقشة لكل صاحب رأي ليعبر عن نفسه )

لكن منذ المؤتمر الرابع بدأ الانقسام الأخذ في التبلور يؤثر على نمط المناقشات داخل المؤتمر ويضع إطارا معينا لها واستمر غياب دور المؤتمر في مناقشة برنامجه وتركزت أوسع المناقشات في هذا المؤتمر على تحديد الخط الفكري للحزب حيث سعي رئيسه إلى احتواء الخلاف البازغ حينئذ نتيجة تصاعد دور ونفوذ التيار الإسلام ي فقم بصياغة إطار فكري متوازن ضمن تقريره للمؤتمر لمن الملاحظ أنه أعطي الأولوية للإصلاح الشامل الذي يواكبه إصلاح اقتصادي واجتماعي على قاعدة من التطبيق الديمقراطي الكامل وألحق بذلك تأكيد الصيغة الإسلام ية لجهاد الحزب التي تجعل موقفه تجاه الشريعة الإسلام ية أصيلا ومنطقيا حيث دعا للبدء بتطبيقها مع التسليم بأن الأمر يتطلب أمور مرحلة زمنية من أجل إكمال التطبيق على النحو المرجو وقد حظيت هذه الصياغة بتأييد واسع .

لكن الوضع اختلف في المؤتمر العام الخامس الذي بلغ الانقسام ذروته خلاله مما حال دون إجراء مناقشات جدية وتحول بعض مندوبي المستوي القاعدي إلى أداة في هذا الانقسام الذي سيجري تحليله في الفصل التالي .

أما الأحزاب الثلاثة الأخرى فلم تعرف مشاركة جدية لمندوبي المستوي القاعدي في المناقشات خلال مؤتمراتها الانتخابية وخاصة حزب الأحرار والحزب الوطني أما حزب الوفد الذي غلبت على أعمال الاجتماعات الخمسة لجمعيته العمومية مسائل إجرائية فقد شهد بعضها مشاركة محدودة للأعضاء لكن مع الآخذ في الاعتبار طبيعة تكوينها كهيئة تأسيسية للحزب حتى الاجتماع الرابع أى لا تضم مندوبين للمستوي القاعدي فقد شهد الاجتماع الذي انعقد في يونيو 1986 مشاركة لأعضاء الجمعية في مناقشة تعديل النظام الداخلي للحزب الذي أعدته الهيئة العليا بالاشتراك مع لجنة الشئون الدستورية والقانونية .

وقد أرسل هذا التعديل للجان الحزب بالمحافظات التي قامت بمناقشته وقدمت ملاحظات واقتراحات للهيئة العليا لكنه لم يعرض على جميع أعضاء الجمعية العمومية قبل انعقادها وتركزت المناقشات في اجتماع الجمعية على عدة نقاط أهمها :

مدة رئاسة الحزب حيث عارض بعض الأعضاء عدم تحديدها وطالبوا بأن تكون محددة بينما اقترح آخرون تحديد المدة مع استثناء الرئيس الحالي لكن تصدي نائب رئيس الحزب د. وحيد رأفت لهذه الآراء مجادلا بأن ( الوفد حزب ديمقراطي لكنه يحترم رئيسه.

فإذا كان من غير المقبول أن تكون كل السلطة في يد الرئيس فمن الواجب أيضا أن تكون له القدرة الكاملة لقيادة الحزب ، فالأحزاب في عراك دائم للوصول إلى الحكم لذا يجب أن تكون قيادة الحزب قوية لكن ليست متسلطة وعدم تحديد المدة لا ينفي أن الرئيس قابل للمساءلة كل سنة مع انعقاد الجمعية العمومية حيث يتقدم الرئيس بخطابه عن سياسة الحزب ولأعضائها ألا يثقوا في هذا الخطاب لكن هذا لا يقال في لوائح الأحزاب وإنما هو متروك لأعضاء الحزب ولضمير الرئيس فشخص مثل سراج الدين إذا لمس من الأعضاء أى عدم ثقة سيتنحي من رئاسة الحزب فورا )

كما أبدي رئيس الحزب ارتياحه لعدم تحديد مدة الرئاسة موضحا أن هذا لا يعني الرئاسة مدي الحياة لأن للجمعية فرصة كل عام لطرح عدم الثقة به إذا لم تقر التقرير السنوي الذي يقدمه أما المطالبة بالنص على ذلك في اللائحة ضار لأن تحديد مدة الرئاسة بخمس سنوات مثلا و أقل ستجعل رئيس الحزب المنتخب على كرسيه مهزوزا بعد أن يخوض معركة انتخابية ضاربة ينقسم فيها الحزب إلى فرق متضاربة وحتى لو كان ملاكا فلن يستطيع أن يعدل في معاملته لأعضاء الحزب الذين عارضوه أثناء الانتخابات كما أن الوفد في تاريخه كله لا يعرف رئاسة محددة المدة.

• اختصاص الهيئة العليا بالبت في قرارات فصل الأعضاء المخالفين بناءا على قرار من لجنة التنظيم فقد طالب بعض الأعضاء بأن يكون هذا الاختصاص من حق الجمعية العمومية لكن قيادة الحزب أصرت على النص الوارد في التعديل على أساس أن من غير المعقول أن تجتمع الجمعية ويأتي أعضاؤها من جميع المحافظات لفصل عضوا خرج على مبادئ الحزب كما أن الهيئة العليا منتخبة من هذه الجمعية وأبدي رئيس الحزب دهشته من النظر إلى الهيئة العليا والجمعية العمومية كطرفين رغم أن الأولي تتكون من وكلاء عن الثانية .

• شروط العضوية في الحزب حيث طالب بعض الأعضاء بخفض الحد الأدنى لسن العضو إلى ثمانية عشر عاما بدلا من واحد وعشرين وخفض الاشتراك السنوي الذي حدده التعديل بستة جنيهات لكن رئيس الحزب رفض على أساس أن العضو الذي يقل عمره عن واحد وعشرين عاما يكون قاصرا ولا يملك التصرف في شئونه الخاصة فكيف له أن ينتخب الرئيس وأعضاء الهيئة العليا ويقر البيان السنوي وبخصوص الاشتراك السنوي أوضح أن أى حزب يمول نفسه عن طريق اشتراكات الأعضاء وتبرعاتهم .

• طريقة تشكيل الجمعية العمومية حيث طالب بعض الأعضاء بألا تقتصر عضويتها على هيئات مكاتب اللجان العامة للحزب بالحافظات وإنما تشمل جميع أعضاء هذه اللجان وواضح أن هذا المطلب يستهدف زيدة مندوبي المستوي القاعدي في الجمعية لكن أصر نائب رئيس الحزب على ما ورد في التعديل لأن عضوية جميع أعضاء اللجان العامة يجعل عدد أعضاء الجمعية كبيرا إلى حد الذي لا يمكن توفير مكان لاجتماعها .

• حق رئيس الحزب في تعيين أعضاء اللجان الإقليمية مؤقتا في حالة تعذر انتخابهم فطالب بعض الأعضاء بإلغاء هذا النص لتأكيد ضرورة انتخاب هذه اللجان لكن قيادة الحزب أصر ت على بقائه لأنه في كثير من الظروف يكون من الصعب إجراء الانتخاب .

• وعلى هذا النحو تكون هم الاقتراحات التي قدمها بعض أعضاء الجمعية العمومية خلال مناقشات تعديل النظام الداخلي قد رفضت بحيث لم يتم قبول سوي اقترح واحد أقل أهمية هو تضمين الدعوة إلى اجتماع الجمعية العمومية جدول أعماله مع حق الأعضاء في إضافة اقتراحات إلى هذا الجدول بشرط أن يقدم الاقتراح إلى رئيس الحزب من خمسين عضوا على الأقل وقبل انعقادها بعشرة أيام كحد أدني وبذلك تكون مناقشة تعديلات النظام الداخلي في اجتماع الجمعية العمومية قد انتهت دون أن تسفر عن نتائج جدية رغم ما أكده رئيس الحزب في بدايته من استعداد الاستماع إلى أية ملاحظة تبدي بشأن هذا النظام الداخلي ) لكن بدا من كلمته الافتتاحية أن ما تم التوصل إليه هو أفضل ما يكون ( ثقوا بأن هذا النظام تم بحثه بحثا دقيقا وافيا في الهيئة العليا ولجنة الشئون الدستورية والقانونية ولجنة التنظيم)

أما في الاجتماع التالي للجمعية في يناير 1989 فلم تكن هناك أية مناقشات واقتصر الأمر على التأييد الكامل لقيادة الحزب فقد تقدم السكرتير العام في بداية الاجتماع بثلاثة اقتراحات حصلت على تأييد جماعي : أولها تجديد الثقة التامة في زعامة سراج الدين وتأييد سياسته والتمسك بقيادته وثانيها تغيير الدستور الحالي ليستبدل به دستور جديد يقوم على التعدد الحزبي وكفالة الحريات وثالثها تأكيد المطالبة بضمانات تكفل نزاهة الانتخابات كما وافقت الجمعية دون مناقشة أيضا على التقرير السنوي لنشاط الحزب وميزانيته ولم يتقدم أحد من الأعضاء لإضافة اقتراحات لجدول الأعمال فالملاحظ أن الدعوة لعقد الاجتماع أعلنت في الثاني من يناير بينما موعده المحدد هو الثالث عشر من يناير ويشترط لتقديم اقتراحات لجدول الأعمال أن تكون قبل موعد الانعقاد بعشرة أيام الأقل وأن يوقع على الاقتراح خمسون عضوا فضلا عن ذلك لم تكن قاعة الاجتماع ملائمة لإجراء مناقشات جدية لقصورها عن استيعاب جميع الأعضاء وما يؤدي إليه من تكدس داخلها وخارجها فوفقا لصحيفة الحزب ضاق مقر الوفد عن استقبال كل من له حق الاشتراك في الجمعية العمومية فوقف بعضهم خارج المقر حتى حان موعد التصويت .

وبالنسبة لحزب الأحرار خلا المؤتمر العام الأول الذي عقده في يناير 1990 من المناقشات أصلا .

ومع ذلك فقد تضمنت توصياته ( تأييد مواقف الحزب في السياسات الداخلية والاقتصادية والعربية والخارجية والأمن القومي وتجديد الثقة والاعتزاز بكل ما ورد في برنامجه ويهنئ المؤتمر الأستاذ مصطفي كمل مراد بإعادة انتخابه رئيسا للحزب ويجدد الثقة في زعامته وقيادته الرشيدة )

والملاحظ أن هذه الصياغة الخاصة بتأييد رئيس الحزب لم ترد في المؤتمرات العامة لأى من الأحزاب الأخرى ولذلك كان من الطبيعي أن يوصف مؤتمر حزب الأحرار بأنه ( مؤتمر شكلي لإخراج الترتيبات التي أعدت بطريقة مسرحية بارعة )

أما المؤتمرات العامة للحزب الوطني فقد اتسمت مناقشاتها بالتركيز على قضايا تتعلق بسياسة الحكومة وخاصة في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية بما يعنيه ذلك من غلبة الطابع التكنيكي عليها الأمر الذي يقود إلى استبعاد غير المتخصصين وهم غالبية مندوبي المستوي القاعدي كما يؤدي وجود ينعكس سلبيا على طبيعة المناقشات كما أن الوقت المخصص لهذه المناقشات محدود للغاية بسبب صرف معظم الوقت في الاستماع لخطب وبيانات .

وقد عبر رئيس تحرير الحزب عن طبيعة المناقشات التي توقع أن تدور في المؤتمر العام الثاني للحزب بقوله :( سوف يشهد المؤتمر مناقشات جادة وصريحة تتناول كل ما جاء توصيات وقرارات المؤتمر الأول ولابد في هذه المناقشات أن يعرف الشعب حجم الأعمال التي أنجزت وما يقابلها من وعود جزلت وكان هذا التصور الذي ينظر إلى المؤتمر الثاني بالفعل قيام مؤسسات الدولة بتقديم بيانات بما تم إنجازه من قرارات وتوصيات الحزب لتقوم لجن المؤتمر بمناقشتها )

كما قامت اللجنة التحضيرية لهذا المؤتمر بوضع برنامج عمله على ضوء خطاب الرئيس أمام مجلس الشعب والشورى في الثالث والعشرين من يوليو 1986 ، باعتبار أن هذه الخطاب دليل عمل وإطار يتحرك الحزب من خلاله لكن ثمة ما يدل على أن بعض أعضاء نخبة الحزب حاولوا التأثير على هذا الإطار الضيق لعمل المؤتمر العام فطرح أحدهم أن ( الحزب يضم جموعا عريضة تتباين الآراء والاتجاهات وتلتقي حول زعامة الحزب ومبادئه ، لكنها قد تختلف في أساليب العمل والتصدي للمشكلات والأحزاب الجماهيرية في أوروبا وآسيا تتيح داخلها فرصة التعبير للاتجاهات المختلفة ولذا قد يكون من المفيد أن يقوم المؤتمر العام الثاني بدراسة هذا الموضوع فتمكين هذه التيارات من التعبير عن نفسها داخل الحزب كفيل بأن يكسبه الحيوية .

لكن هذه المحاولات لم تثمر وظل جدول أعمال مؤتمرات الحزب الوطني محصورا في قضايا متخصصة فعلي سبيل المثال تم تخصيص أعمال المؤتمر العام الرابع لمناقشة الخطة الخمسية التي كانت في طور الإعداد وتقرر تشكيل مجموعة عمل لتجميع تقارير لجان الحزب في المحافظات ونتائج مؤتمراتها في هذا المجال لرفعها إلى وزارة التخطيط لدراستها .

واستمرار لهذا الإطار الضيق لأعمال المؤتمر العام للحزب الوطني تم تخصيص الدورة الخامسة في يوليو 1989 لمناقشة قضية ( البطالة ... إبعادها وأساليب علاها ) .

وكما هو متبع في المؤتمرات السابقة تم تكليف لجان الحزب في المحافظات واللجان النوعية بوضع تصوراتها الخاصة بهذه القضية وتقديمها في شكل دراسات تشتمل على توصيات للأمانة العام لأعداد دراسة موحدة تتقدم بها إلى المؤتمر.وتركزت أعمال المؤتمر الخامس على مناقشة هذه الدراسة فقط في عشرين لجنة انقسم إليها المؤتمر وتقرر تحويل التوصيات التي تضمنتها للوزارات المختصة .

رابعا : مشاركة مندوبي المستوي القاعدي في اختيار قيادة الحزب

يعتبر الحزب الوطني هو الوحيد بين الأحزاب السياسية موضع الدراسة الذي لا تشهد مؤتمراته العامة أى انتخابات للمستوي القيادي حتى في صورة عرض أسماء أعضائه المعينين . وكان مؤتمراته أى دور في اختيار هذا المستوي حتى في صورة عرض أسماء أعضائه المعينين .

وكان الأمين العام المساعد قد أعلن ذات مرة أنه سيتم طرح أسماء أعضاء المكتب السياسي على المؤتمر لإقرارها لكن لم يحدث ذلك في المؤتمر الرابع الذي انعقد بعد هذا الإعلان بشهرين ولا في المؤتمرين التاليين .

أما الأحزاب الأخرى فتتباين أهمية دور المستوي القاعدي في اختيار المستوي القيادي باختلاف مستوي التنافس والحرية في الانتخابات التي تجري داخل المؤتمر العام من حزب لآخر .

لكن تجدر ملاحظة أن مندوبي المستوي القاعدي في المؤتمر العام لحزب التجمع لا يشاركون في اختيار المستوي القيادي مباشرة فيقوم المؤتمر العام بانتخاب جزء من اللجنة المركزية التي تقوم بعد ذلك بانتخاب المستوي القيادي بأسلوب القائمة المغلقة .

وبالنسبة لأحزاب العمل والتجمع والوفد يلاحظ أن مشاركة مندوبي المستويات القاعدية في اختيار المستوي القيادي تتسم بحرية أكبر من مشاركتهم في اختيار الرئيس ( أو الأمين العام في حالة حزب التجمع ) فلم يتعرض خالد محي الدين أو إبراهيم شكري أو فؤاد سراج الدين لنافسة من أى نوع فعلي سبيل المثال لم تكد رئاسة المؤتمر العام الثاني لحزب التجمع تعلن فتح باب الترشيح لمنصب الأمين العام حتى تعالت هتافات باسم خالد محي الدين وضجت القاعة بتصفيق حاد على حد وصف صحيفة الحزب .

وحين هدأ التصفيق تقدم أمين اللجنة المركزية معلنا ( ترشيح خالد محي الدين الرجل الذي بني الحزب وقاده في أصعب الظروف ببسالة وحكمة ) ومع أن المؤتمر واصل تأييده لترشيحه أعلن أن باب الترشيح مفتوح .

ولما لم يتقدم أحد بدأت عملي أخذ الأصوات على خالد محي الدين وصوت المؤتمر بالإجماع ودون امتناع أى عضو عن التصويت لصالح انتخابه .

وفي حزب العمل يتم فتح باب الترشيح لمنصب الرئيس قبل انعقاد المؤتمر العام بحوالي أسبوع ورغم وجود مرشح أو اثنين أمام إبراهيم شكري في معظم المؤتمرات جرت العادة على أن يحصل على أغلبية ساحقة ففي المؤتمر العام الأول وحصل شكري على ستمائة وأربعة عشر صوتا مقابل أربعة وعشرين ليوسف الطاهر تسعة لإبراهيم عبد الله مع امتناع ستة أعضاء عن التصويت وفي المؤتمر الثاني لم يتقدم أحد للترشيح أمام شكري أما في المؤتمر الثالث فقد نافسه فرج عطية أمين لجنة حدائق القبة الذي حصل على اثنتين وثلاثين صوتا فقط بينما أحرز شكري سبعمائة وأربعة وستين وهناك ما يؤكد أن قيادة الحزب كانت تنظر إلى وجود منافسين على منصب الرئيس كنوع من استكمال الشكل الديمقراطي لكن دون قناعة بأهمية هذا التنافس فعلي سبيل المثال علق الأمين العام للحزب على ترشيح أمين لجنة حدائق القبة لنفسه أمام رئيس الحزب في المؤتمر الثالث بقوله : ( في اعتقادي أنه هو نفسه لا يعتقد أن لديه فرصة للنجاح أمام المهندس إبراهيم شكري لكن طالما تقدم من تلقاء نفسه للمنافسة على هذا المنصب فهو يعطي على الأقل الشكل الديمقراطي هذا من مظاهر الديمقراطية في الحزب )

وفي المؤتمر الرابع للحزب أيضا قام عضوان قاعديان بالترشيح لمنصب الرئيس هما عامر عبد عضو هيئة مكتب الحزب بالإسكندرية وكمال قناوي سليمان عضو هيئة مكتب قنا .

لكن انسحب الثاني قبل انعقاد المؤتمر ولم يحصل الأول سوي على عشرين صوتا .

وبالنسبة لحزب الوفد أصرت غالبية أعضاء الهيئة التأسيسية في فبراير 1978 على فوز فؤاد سراج الدين للرئاسة بالتزكية لكنه فض ذلك وبادر بترشيح عبد الفتاح حسن أمامه ، فلم يحصل سوي على صوت واحد اتضح أنه صوت سراج الدين نفسه .

وبعد استئناف الحزب لنشاطه السياسي لم تطرح قضية تجديد رئاسته إلا في اجتماع الجمعية العمومية المخصص لبحث تعديل لائحة النظام الداخلي في يونيو 1986 فقد تضمن ذلك التعديل عدم تحديد مدة معينة لرئاسة الحزب كما سبق إيضاحه وفي الاجتماع التالي للجمعية في يناير 1989 تقدم السكرتير العام باقتراح لقي تأييدا جماعيا بتجديد الثقة التامة في رئيس الحزب وقال : ( نؤكد جميعا ثقتنا التامة بزعيم الأمة فؤاد سراج الدين ونعلن تقديرنا التام لسياسته ونضاله الوطني ) ووفقا لصحيفة الحزب فإن القاعة شهدت هتافات التأييد والموافقة على الاقتراح بإجماع أعضاء الجمعية العمومية الذين حضروا الاجتماع واستمر الهتاف لوقت طويل نبايعك يا سراج الدين .

وسئل رئيس الحزب بعد ذلك في هذا الموضوع فقال : ( بحكم اللائحة الداخلية لا تري انتخابات لرئاسة الحزب كل فترة لكن الجمعية العمومية أتت من تلقاء نفسها تجديد الثقة برئيس الوفد بعد اقتراح من إبراهيم فرج وبهذا القرار فوتوا على الفرصة لأنني كنت أنوي طرح الثقة بي على الأعضاء وليس خافيا على أحد أن هذا التجديد يعد وكأنه انتخاب جديد)

أما في حزب الأحرار فقد بدت الصورة أكثر فجاجة في المؤتمر العام الأول الذي عقده في يناير 1990 فقد مارس رئيس الحزب ضغوطا مشددة على الأمين العام حينئذ محمد عبد الشافي لإرغامه على سحب ترشيحه لرئاسة الحزب وبفشل هذه الضغوط لجأ إلى نص استحدث عند تعديل النظام الأساسي للحزب في بداية عام 1988 ليمنح مجلس الرئاسة حق تصفية أى إعداد من المرشح الثالث رفعت حال أمين لجنة المنزلة وعندما انعقد المؤتمر تنازل الأخير عن ترشيحه لصالح مصطفي كامل مراد وسط هتافات الحاضرين معلنة مبايعتها وتأييدها له زعيما ورئيسا للحزب .

وإذا انتقلن إلى عملية انتخاب المستوي التنظيمي القيادي خلال المؤتمر العام أو انتخاب الجهاز الذي ينتخب هذا المستوي ( اللجنة المركزية لحزب التجمع ) يمكن ملاحظة ما تتسم به من تباين من حزب لآخر .

ففي حزب التجمع كان انتخاب اللجنة المركزية قبل المؤتمر العام الثاني يتم بشكل مباشر من المحافظات ولم يقم المؤتمر الأول بأي دور في هذا المجال لكن في المؤتمر الثاني بدأ انتخاب ربع عدد أعضاء هذه اللجنة داخله ( ستين عضوا ) بعد أن قامت مؤتمرات المحافظات بانتخاب مائة وثمانين عضوا .

وتقدم 93 عضوا للترشيح بينما كان عدد الناخبين خمسمائة واثنين وستين عضوا هم الذين حضروا المؤتمر من أصل سبعمائة وخمسين كان لهم حق الحضور أى بنسبة مشاركة حوالي ثلاثة وثمانين بالمائة ومع ذلك فلم تكن هذه الانتخابات حرة حيث ساد الاعتقاد في أروقة المؤتمر بأن هناك قائمة يزكيها الأمين العام ولذلك يري البعض أن انتخابات أعضاء اللجنة المركزية التي تجري في المحافظات مباشرة تعد أكثر تعبيرا عن واقع الحزب من انتخابات المؤتمر العام .

أما حزب العمل فيعتبر أكثر الأحزاب موضع الدراسة من حيث إتاحة الفرصة لمندوبي المستوي القاعدي في المؤتمر العام للمشاركة في انتخاب المستوي القيادي وهو اللجنة التنفيذية فتتميز انتخاباته بفتح باب الترشيح قبل انعقاد المؤتمر بحوالي شهر لأي عضو بالمؤتمر يرغب في ذلك بشرط ن يكون قد مضي على عضويته عام على الأقل كما تعلن أسماء المرشحين في صحيفة الحزب وفي المؤتمر العام الأول للحزب تقدم ثلاثة وأربعون عضوا للترشيح لعضوية اللجنة التنفيذية التي كانت تضم حينئذ عشرين عضوا وشارك في انتخابهم ستمائة وثلاثة و خمسون عضوا من أصل سبعمائة هم إجمال أعضاء المؤتمر بنسبة ثلاثة وتسعين بالمائة تقريبا كما تقدم اثنان وخمسون عضوا للترشيح للجنة التنفيذية في المؤتمر الثاني الذي قرر زيادة عدد أعضائها المنتخبين إلى ثلاثين عضوا ( لإتاحة الفرصة لتمثيل القواعد الحزبية بصورة أوسع وتمكين الكفاءات من ممارسة العمل القيادي في الحزب ) وقد بدأ تطبيق ذلك منذ المؤتمر العام الثالث الذي بلغ عدد المرشحين به لعضوية اللجنة التنفيذية اثنين وتسعين مرشحا الأمر الذي فرض تشكيل عشر لجان انتخابية قام بالتصويت أمامها ثمانمائة وثلاثة أعضاء حضروا من أصل ألف وتسعة وثمانين.

أى بنسبة حوالي أربعة وسبعين بالمائة ومما يدل على حرية الانتخابات في هذا المؤتمر فشل عدد من أبرز أعضاء نخبة الحزب وبعضهم من المقربين لرئيسه مثل فؤاد نصحي الأمين العام المساعد السابق الذي رسب على صوت واحد ، وإبراهيم الزيادي الذي كان نائبا لرئيس الحزب وعبد العزيز سالم أمين الصندوق وعبد المجيد أبو زيد أمين محافظة القاهرة ومحمد فهمي بدر أمين العمال بالحزب ويوسف الحواتكي عضو اللجنة التنفيذية السابقة وقد وصفت الانتخابات في هذا المؤتمر في تقرير محايد بأنها ( أكدت الانطباع بوجود ديمقراطية داخلية في صفوف الحزب )

وفي المؤتمر لعام الرابع تقدم واحد وسبعون عضوا حضروا المؤتمر من أصل ألف وثمانمائة كان لهم حق الحضور أى بنسبة حوالي ستة وستين بالمائة .

لكن مع حلول المؤتمر العام الخامس كان الانقسام قد تبلور بين التيارين الإسلام ي وشبة العلماني كما سيتضح في الفصل التالي وتعرض التيار الإسلام ي لاتهامات تدور حول التلاعب بالجسد الانتخابي للحزب من خلال التدخل في انتخابات إعادة تشكيل المستوي القاعدي لتغيير تركيب المؤتمر وضمان وصول أغلبية من أنصاره كمندوبين عن هذا المستوي ولذلك بعث نائب الحزب أحمد مجاهد المؤيد للتيار الآخر برسالة إلى رئيس لجنة الانتخابات يطالب فيها بالتحفظ على صناديق الانتخاب وأوراق اللجان وكشوف عضوية المؤتمر إيصالات سداد الاشتراكات مع تشكيل لجنة محايدة للتحقيق فيها.

وقال في مسببات طلبه ( نظرا إلى ما أخطرنا به بعض أعضاء المؤتمر من اشتراك بعض الأشخاص ممن ليسوا أعضاء بالحزب سلمت لهم بطاقات عضوية في عملية الانتخاب وقد ضبط أحدهم وحرر بشأنه محضر تم إثباته في اللجنة الرابعة ونظرا لأنه تبين لنا اشتراك مندوبي محافظة المنيا في التصويت مما كان مفاجأة لنا حيث سبق صدور قرار من الأمين المساعد

بها جمال أسعد بوقف انتخاباتها لما ثبت لديه من اشتراك أشخاص في تلك الانتخابات من غير أعضاء الحزب ونظرا لأن كشوف أعضاء المؤتمر لم تنشر في جريدة الحزب حتى يمكن التحقق من صحة ما ورد بها خاصة وأنه سبق عدم تنفيذ قرار اللجنة التحضيرية للمؤتمر الذي يقضي بتوقيع أمين الصندوق إلى جانب أمين التنظيم على بطاقات العضوية كضمانه لدقة صدورها ومطابقتها على كشوف سداد الاشتراكات كما لم يتم التحقق من شخصية النخب بالبطاقة الشخصية طبقا لقرار اللجنة التحضيرية ولم يسمح لمندوبين عن المرشحين بالحضور في اللجان الفرعية وعدم توفر السرية أثناء التصويت فضلا عن وجود لجنة نظام لم تعرض أسماؤها على اللجنة التحضيرية ومعني ذلك أن الاعتراض تركز على إجراءات الأعداد للمؤتمر وليس على عملية الانتخاب نفسها في المؤتمر العام وقد ردت نخبة التيار الآخر الإسلام ي – بالتركيز على نقطتين هما :

إن أحمد مجاهد أكد سلامة إجراءات عملية الانتخاب لكنه في الترتيبات التي سبقتها وأدت إلى النتائج التي أسفرت عنها رغم أنه مشارك في كل هذه الترتيبات ومتحمل مسئوليتها وقد أقر مجاهد بالفعل بسلامة عملية الانتخاب نفسها في خطابه أمام المؤتمر لكنه قال بعد ذلك أنه لم يؤكد نزاهتها وإنما أكد على نزاهة المشرف عليها حيث لا يتصور أن يعمد إلى تزوريها كما أقر بأنه أعلن أن نتيجة الانتخابات جاءت طبيعة لما سبقها من إعداد لأن هناك عدة محافظات تم تزوير تشكيلاتها .

أن المعترضين شاركوا في الترتيب للانتخابات ولم يحدث إجراء من خلف ظهورهم فقد أعيد انتخاب لجان المحافظات والمراكز وكان يشرف على الانتخابات في كل محافظة عضوا من اللجنة التنفيذية بما في ذلك المعترضون كما أن نتائج هذه الانتخابات كانت تعرض على اللجنة التحضيرية للمؤتمر ونظرا لانشغال رئيس الحزب كان نائبه مجاهد يرأس معظم اجتماعاتها ومعني ذلك وهذا يفسر لماذا قبلوا بالمشاركة في انتخابات اللجنة لنهم لو كانوا يعتقدون حقا أن التشكيلات مزيفة أو مطعون فيها لقاطعوا المؤتمر .

أما حزب الوفد فقد شهدت جمعيته العمومية انتخاب الهيئة العليا مرتين : أولاهما في فبراير 1978 عندما انعقدت هذه الجمعية كهيئة تأسيسية للحزب وثانيتهما عندما اجتمعت في يناير 1989 .

ففي المرة الأولي ورغم أن الجمعية لم تضم مندوبين للمستوي القاعدي الذي لم يكن قد تشكل للتصويت عليها مما جعل الأمر أقرب إلى الاستفتاء منه إلي الانتخاب فحين انعقدت هذه الجمعية فوجئ الأعضاء بقائمة يوزعها مساعدو رئيس الحزب ويضم خمسة وثلاثين اسما هم كل الأعضاء المطلوب انتخابهم ورفض عدد من أعضاء الجمعية هذا الأسلوب وترجم أحدهم ( أحمد طرباي ) موقفه إلى ترشيح نفسه فكان الوحيد الذي أضيف إلى القائمة لكنه لم يحصل سوي على عدد ضئيل من الأصوات ويروي أحد أعضاء الجمعية من الوفديين القدامي أنه اعترض على بعض أعضاء الهيئة العليا الذين اختارهم رئيس الحزب ووصفهم بأنهم ( يكثرون عند الطمع ويختفون عند الفزع ) لكن رغم ذلك قام بتهدئة الغاضبين من قدامي الوفديين الذين لم يجدوا أنفسهم ضمن القائمة حرصا على جمع الشمل وقال ( لا تصدقوا أنه كانت هناك انتخابات كان هناك فقط فؤاد باشا وحدثت ثورة من أعضاء الوفد القدامى وهجوم على هذا التشكيل فوقفت بينهم صارخا : هل جاء وقت الرخاء وبدأ الاختلاف على المناصب وهدأ الاجتماع وسار كما أراد له الباشا )

أما في اجتماع الجمعية العمومية الذي انعقد في يناير 1989 فقد كانت الانتخابات مفتوحة لمن يريد الترشيح واتسمت بطابع تنافسي وتقدم سبعة وسبعون بطلبات ترشيح لانتخاب خمسين منهم لكن رئيس الحزب تدخل من خلال تأييد خمسين مرشحا وقامت لجنة الانتخابات بترتيب أسماء المرشحين بدءا بهؤلاء الخمسين وجري إعطاء تعليمات بانتخاب المرشحين من رقم واحد إلى خمسين وقد أكدت عضوية بالجمعية العمومية جري انتخابها في هذا الاجتماع تدخل يعدونها بعضوية الهيئة العليا وكانت تتساءل كيف يمكن أن يحدث ذلك طالما أن هذه الهيئة ستنتخب من الجمعية العمومية وكانوا يردون بأن للرئيس طريقته في ذلك والتي لم تدركها إلا يوم الاجتماع .

وبمراجعة قائمة المرشحين التي نشرتها صحيفة الوفد ثم أسماء الفائزين منهم تبين بالفعل أن هؤلاء الفائزين احتلوا الترتيب من رقم واحد إلى خمسين في القائمة مع ذلك نفي رئيس الحزب تدخله لاختيار من يشاء لعضوية الهيئة العليا عندما سئل عن ذلك ورد قائلا ( أنا لم أرشح أحد للهيئة العليا فقد جاءت إلينا طلبات ترشيح بلغت سبعة وسبعين طلبا أثبتناها كلها في كشف حسب تواريخ ورودها إلينا وطبعنا منه أعدادا كبيرة وزعناها على جميع أعضاء الجمعية وكل منهم بمحض إرادته وبديمقراطية كاملة اختار خمسين اسما )

أما في المؤتمر العام الوحيد الذي عقده حزب الأحرار فقد اتسمت انتخابات مجلس رئاسة الحزب بطابع شكلي تماما فقد تقدم أربعة وعشرون عضوا للترشيح ثم تنازل إثنا عشر منهم ليبقي العدد المطلوب لعضوية هذا المجلس وهو اثنا عشر عضوا فازوا بالتزكية وتكرر ذلك في انتخاب الأمناء العامين المساعدين الأربعة فعندما أعلنت المنصة أسماء المرشحين الثمانية بدأت التنازلات من جانبهم فيما وصفته صحيفة الحزب بأنه ( تسابق المرشحين لإعلان تنازلهم حتى تدخلت المنصة وطالبت بإيقاف التنازل والاكتفاء بهذا الحد)

خاتمة يتيح هذا المبحث استخلاص نتيجتين رئيسيتين بشأن سلوك الأحزاب السياسية المعاصرة موضع الدراسة في مجال الأطر المؤسسية لمشاركة الأعضاء القاعدين :

أولاهما :

الاتجاه عموما إلى تقييد هذه المشاركة . ويساعد على ذلك ما يبدو أنه ميل تلقائي لدي معظم أعضاء الأحزاب لعدم المشاركة وهو ما يعد امتدادا لنزوع عام في المجتمع يمثل أحد خصائص السلوك السياسي على المستوي الشعبي في مصر .

وقد دعمت مرحلة التنظيم السياسي الواحد هذا النزوع مما أوجد مشكلة يحتاج علاجها إلى وقت طويل وجهد هائل يفترض أن تبدأ الأحزاب المعاصرة في القيام به خاصة وأنها صارت أكثر مؤسسيه في الغالب الأعم من أحزاب ما قبل 1952 لكن يتضح من هذا المبحث أن الأطر المؤسسية لمشاركة الأعضاء القاعديين وتفاعلهم مع النخبة الحزبية في الأحزاب المصر ية المعاصرة موضع الدراسة ما زالت محدودة إجمالا وإن كانت تبدو أفضل مما كانت عليه في التجربة التعددية السابقة .

وثانيتهما :

وجود تفاوت بين الأحزاب المصر ية المعاصرة من حيث فعالية الأطر المؤسسية لمشاركة الأعضاء القاعدين وخاصة الإطار الرئيسي المتمثل في المؤتمر العام .

ويشمل التفاوت مدي انتظام مناقشاته وفي اختيار المستوي القيادي للحزب .

ولذلك لا يمكن فهم دلالة هذا المؤشر ( الأطر المؤسسية للمشاركة) على الممارس ة الديمقراطية داخل الأحزاب إلا بأخذ كل هذه العناصر في الاعتبار فالانتظام في عقد المؤتمر العام ليست له دلالة ديمقراطية مؤكدة في ذاته ما لم يكن مندوبو المستوي القاعدي ممثلين بالفعل لهذا المستوي وبالتالي منتخبين منه وما لم يشاركوا جديا في أعمال المؤتمر وفي اختيار المستوي القيادي بحيث لا يكون وجودهم مجرد استكمال للعدد أو استيفاء للشكل .

وقد تبين أن هذه العناصر لم تتوفر مجتمعة إلا في حزب العمل لفترة معينة من مؤتمره الأول 1982 إلى الرابع 1987 أى قبل حدوث الانقسام الكبير الذي شهده المؤتمر الخامس في مارس 1989 كما أن هذه العناصر ، بالمقابل ، غابت مجتمعة في كل من حزب مصر وحزب الأحرار ، لكن لأسباب مختلفة فلم تتح الفترة القصية التي عاشها حزب مصر ( 19761978 ) فرصة لعقد أى مؤتمر عام خاصة وأن الحزبين اللذين نشأ معه لم يعقدا مؤتمرا عاما كذلك خلال هذه الفترة فقد عقد حزب عام خاصة وأن الحزبين اللذين نشن معه لم عقدا مؤتمرا عاما كذلك خلال هذه الفترة فقد عقد حزب التجمع مؤتمره الأول عام 1980 .

أما حزب الأحرار فلم يعقد مؤتمره الأول عام 1990 .

حيث تذرع رئيسه بحجج مختلة لتأجيل انعقاده بشكل متكرر .

وعندما انعقد هذا المؤتمر كان مندوبوا المستوي القاعدي فيه مختارين من أعلي ، ولم يشهد المؤتمر أى مناقشات كما فاز المرشحون لمناصب المستوي القيادي بالتزكية دون إجراء انتخابات .

أما الأحزاب الثلاثة الأخرى فقد تفاوتت في المستوي الذي أتاحته مؤتمراتها للمشاركة القاعدية وكانت المفارقة أن أكثرها انتظاما في عقد دورات المؤتمر العام وهو الحزب الوطني كان أقلها من حيث المشاركة الفعلة لمندوبي المستوي القاعدي ويؤكد ذلك أهمية النظرة الشاملة للعناصر المكونة للمؤشر الخاص بالأطر المؤسسية للمشاركة .

فالواضح أن انتظام دورات انعقاد العام للحزب الوطني أكثر من أى حزب آخر لم يؤد إلى تحقيق تفاعل جدي بين مندوبي المستوي القاعدي والخبرة الحزبية بل أن حزبا كالوفد الجديد لم تنعقد جمعيته العمومية بشكل منتظم ولا حتى دوريا شهد قدر أكبر من هذا التفاعل في بعض الدورات غير الدورية لهذه الجمعية وخاصة دورتها الرابعة التي أتيحت فيها فرصة لمناقشة واسعة نسبيا لتعديل النظام الداخلي للحزب .

فكانت مشكلة المؤتمر العام للحزب الوطني أنه افتقد حتى دورته السادسة التي انعقدت ف يوليو 1992 التمثيل الحقيقي للمستوي القاعدي بسبب عدم الأخذ بأسلوب انتخاب مندوبيه وما زال حزب الوفد الجديد يعاني من هذه المشكلة حتى الآن كما واجهها حزب التجمع بدرجة أقل في مؤتمره الأول عندما فرضت قيادته حصصا للتيارات السياسية المختلفة داخل الحزب في انتخابات المستوي القاعدي لكنه تجاوز ذلك منذ المؤتمر الثاني حيث أصبحت هذه الانتخابات أكثر تنفسية رغم وجود شكاوي من تدخل قيادة الحزب فيها أحيانا لكن هذه الشكاوي موجودة في حزب العمل أيضا الذي أخذ بأسلوب الانتخابات من البداية وظهرت حتى قبل الانقسام الحاد داخله في المؤتمر الخامس لكن إذا كان حزبا الوطني والوفد الجديد اشتركا في غياب انتخابات المستوي القاعدي فقد تميز الوفد .

إلى جانب وجود مناقشات في بعض الدورات غير العدية لجمعيته – بإشراك مندوبي المستوي القاعدي في انتخاب المستوي القيادي ولذلك يتميز يقلل من أهمية هذا الانتخاب أن أولئك المندوبين ليسوا منتخبين أصلا وبالتالي غير موثوق في حقيقة تمثيلهم للقاعدة فضلا عن الانتقادات التي وجهت لطريقة انتخاب المستوي القيادي. ومع ذلك يقلل من أهمية هذا الانتخاب أن أولئك المندوبين ليسو منتخبين أصلا وبالتالي غير موثوق في حقيقة تمثيلهم للقاعدة فضلا عن الانتقادات التي وجهت لطريقة انتخاب المستوي القيادي ولذلك يتميز حزب التجمع بوجود مجال أوسع من الوطن والوفد لمشاركة مندوب المستوي القاعدي ولذلك يتميز حزب التجمع بوجود مجال أوسع من الوطني والوفد لمشاركة مندوبي المستوي القاعدي في مناقشات المؤتمر العام إضافة إلى كونهم منتخبين من القاعدة وخاصة منذ المؤتمر الثاني للحزب لكن مشاركتهم في انتخاب المستوي القيادي محدودة كما سبق إيضاحه .

ويبدو التفاوت بين الأحزاب أقل فيما يتعلق بالأطر الأخرى للمشاركة سواء بالنسبة للأجهزة التي تحل محل المؤتمر العام بين دوراته ، أو لأطر غير المنتظمة للمشاركة فلم يتح أى منها فرصا للتفاعل بين القواعد والنخبة رغم وجود تميز طفيف للغاية لحزبي العمل والتجمع في بعضها ويرجع ذلك إلى عجز المؤتمر العام عن ترشيح معني مشاركة المستوي القاعدي فيظل ذلك المؤتمر كما يتضح من تجارب حزبية مقارنة وردت في الفصل الأول هو مفتاح تلك المشاركة حيث يؤثر انجازه لها في العادة على الأطر المؤسسية الأخرى كما أن بعض هذه الأطر وخاصة غير المنتظمة منها تعتمد بطبيعتها على العمل التطوعي الذي توقف بدوره على مدي الميل للمشاركة في أوساط المستوي القاعدي وهو ميل ما زال محدودا تماما كما سبقت الإشارة .

المبحث الحادي عشر التجنيد ودوران

يتناول هذا المبحث الأساليب التي تتبعها الأحزاب السياسية موضع الدراسة في اختيار أعضاء نخبتها في المستوي القيادي الرئيسي ومعدل دوران هذه النخبة .

أولا : أسلوب التجنيد للنخبة الحزبية

تضم النخبة الحزبية بالإضافة إلى رئيس الحزب ( أو الأمين العام في حالة حزب التجمع ) أعضاء المستوي التنظيمي الأعلى أو القيادي لكل حزب .. والمقصود بذلك المكتب السياسي لحزب مصر والأمانة العامة ثم مجلس الرئاسة في حزب الأحرار وأمانة اللجنة المركزية في حزب التجمع والهيئة العليا لحزب الوفد والمكتب السياسي للحزب الوطني واللجنة التنفيذية لحزب العمل .

1- أسلوب اختيار النخبة الحزبية

أ‌- أسلوب اختيار رئيس الحزب.

تتشابه الأنظمة الأساسية لجميع الأحزاب موضع الدراسة من حيث النص على أن رئيس الحزب ينتخب من المؤتمر العام باستثناء حزب العمل الذي لا يشير نظامه الداخلي صراحة إلى ذلك لكن سياقه العام يفيد بانتخاب الرئيس من المؤتمر العام حيث يتوفر نص على أن الترشيح لرئاسة الحزب حق لجميع أعضائه الذين لهم حق حضور هذا المؤتمر ويعلن عن أسماء المرشحين قبل انعقاده وطبقا للقواعد التي تقرر اللجنة العليا وضعها لإجراء هذه الانتخابات أما النظام الأساسي لحزب مصر فقد جعل للمؤتمر العام صلاحية انتخاب رئيس الحزب ونص النظام الأساسي لحزب الأحرار على أن المؤتمر العام ينتخب رئيس الحزب في أول اجتماع له بأغلبية أصوات الحاضرين الصحيحة لمدة ثلاث سنوات .

وبالنسبة لحزب الوفد تقوم الجمعية العمومية بانتخاب رئيس الحزب لمدة عام واحد وفقا للنظام الداخلي الأول الصادر عام 1978 لكن عند تعديل هذا النظام عام 1986 أصبحت مدة الرئيس غير محددة لكن مع استمرار هذه الجمعية في انتخابه وتنص لائحة النظام الداخلي لحزب التجمع على أن ينتخب المؤتمر العام الأمين العام للحزب كما يختص المؤتمر العام للحزب الوطني وفقا لنظامه الأساسي بانتخاب الرئيس .

وقد التزمت جميع الأحزاب باستثناء حزب مصر بهذه النصوص التزاما شكليا حيث لم يكن هذا المنصب موضع تنافس في أى منها بعكس الحال في أحزاب ما قبل 1952 التي شهدت تنافسا على هذا المنصب لكن بعد رحيل الرئيس الأول فحدث ذلك في الوفد بين مصطفي النحاس وفتح الله بركات وفي الحزب الوطني بين محمد فريد وعلى كامل وفي جماعة الإخوان بين عبد الرحمن البنا وعشماوي وعابدين الباقوري وأدت حدة التنافس إلى ترجيح كفة الهضيبي لكن الأحزاب المعاصرة لم تواجه قضية خلافة رئيسها الأول المؤسس للحزب باستثناء الحزب الوطني عند اغتيال رئيسه الأول أنور السادات لكن بسبب الطابع الخاص لهذا الحزب وارتباط رئاسته برئاسة الدولة لم يحدث تنافس ومع ذلك فالمرجح أن تشهد الأحزاب الأخرى تنافسا حقيقيا على منصب الرئيس عند رحيل رؤسائها الحاليين .

ب‌- أسلوب اختيار بقية نخبة الحزب :تتشابه الأنظمة الأساسية للأحزاب

موضع الدراسة أيضا في النص على اختيار المستوي القيادي بالانتخاب وإن تباينت فيما يتعلق بالجهاز الذي يتولي صلاحية هذا الانتخاب فوفقا للنظام الأساسي لحزب مصر تتولي الهيئة العامة انتخاب المكتب السياسي لكنه لا يحدد كيفية اختيار السكرتيرين العامين ، وبالنسبة لحزب الأحرار ، ينص نظامه الأساسي على اختيار أعضاء الأمانة العامة بالانتخاب من المؤتمر العام وفي حزب التجمع تقوم اللجنة المركزية بانتخاب أعضاء الأمانة المركزية من بين أعضاء الأمانة العامة التي تنتخبها اللجنة نفسها كما تقوم هذه اللجنة بانتخاب أمينها والأمناء المساعدين له لكن لا تحدد لائحة النظام الداخلي بأسلوب اختيار الأمني العام المساعد وقد جري العمل على أن ترشحه الأمانة العامة في أول اجتماع لها عقب انتخابها ثم يعرض الترشيح على اللجنة المركزية وينص النظام الداخلي لحزب الوفد على قيام الجمعية العمومية بانتخاب الهيئة العليا .

التي تنتخب من بين أعضائها ثلاثة نواب للرئيس وسكرتيرا عاما وأربعة مساعدين له كما ينص النظام الأساسي للحزب الوطني على قيام المؤتمر العام بانتخاب المكتب السياسي لكنه لا يحدد اللجنة التنفيذية عن طريق المؤتمر العام لتنتخب بدورها نائبين للرئيس وأمينا عاما وثلاثة أمناء مساعدين .

لكن رغم هذا التشابه في الأخذ بأسلوب الانتخاب لم تلتزم جميع الأحزاب بذلك ، ومع ذلك فقد حدث تقدم في هذا المجال بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 فلم يكن هناك انتخاب للمستوي القيادي أى النخبة في هذه الأحزاب باستثناء الحزب الوطني في مرحلته الأولي فقط 1907 -1912 وبالمقابل لم يعرف الوفد أى انتخاب لهذا المستوي فيما عرف حزب الأحرار الدستوريين انتخاب مجلس إدارته مرة واحدة عند تأسيسه لكن من خلال قائمة معدة سلفا .

ورغم أن مكتب إرشاد جماعة الإخوان كان منتخبا من الهيئة التأسيسية منذ 1941 فلم تكن انتخابات تنافسية مفتوحة كما سبق إيضاحه .

وبالنسبة للأحزاب المعاصرة التي طبقت أسلوب الانتخاب فقد تباين المد المتاح للتنافس على شغل مناصب المستوي القيادي الرئيسي في كل منها وكانت الانتخابات في حزب العمل قبل مؤتمره العام الخامس الأكثر انتظاما وتنافسية لكن تجدر ملاحظة أنه لم يعرف الانتخاب إلا بعد أربع سنوات من تأسيسه جري العمل خلالها بأسلوب التعيين فقد قام رئيس الحزب بتشكيل لجنة تنفيذية في أكتوبر 1978 أخذت تفوضه بعد ذلك في إعادة تشكيلها حتى انعقاد المؤتمر العام الأول في يونيو 1982 ومنذ ذلك الوقت ظل هذا المؤتمر يمارس صلاحية انتخاب اللجنة التنفيذية بشكل منتظم واتسمت هذه الانتخابات بدرجة عالية من التنافسية حتى المؤتمر العام الخامس حيث كان عدد المرشحين يزيد دائما على ضعف العدد المطلوب انتخابه كما سبق إيضاحه .

أما حزب التجمع فقد تميز بأنه لم يعتمد على التعيين لاختيار نخبته خلال المرحلة التأسيسية قبل انعقاد المؤتمر في 1980 فقد قامت هيئته التأسيسية بانتخاب سكرتارية عامة كانت هي المستوي القيادي له حتى المؤتمر الأول ، الذي انتخب لجنة مركزية انتخبت بدورها الأمانتين العامة والمركزية لكن لم تكن هذه الانتخابات حرة وتنافسية في المرحلتين فقد ظل الأسلوب المتبع يتمثل في التوافق على قائمة السكرتارية العامة ثم للأمانة العامة والأمانة المركزية لمراعاة تمثيل ما يسمي بالتيارات المكونة للحزب ، ومعني ذلك أن حق الترشيح ليس مفتوحا وأن الانتخاب يأخذ شكلا أقرب للاستفتاء الشكلي لكن هذا الأسلوب تعرض لانتقادات متزايدة منذ عام 1987 بصفة خاصة فعلي سبيل المثال حدد التقرير الذي عرض على اللجنة المركزية في نوفمبر 1987 بصفة خاصة فعلي سبيل المثال حدد التقرير الذي عرض على اللجنة المركزية في نوفمبر 1987 كحصيلة للحوار داخل الحزب عدة إجراءات لتجاوز أزمته منها ( تعميق الطابع الديمقراطي لبناء الحزب بالعدول عن تشكيل الهيئات القيادية بأسلوب القوائم وعدم استخدام صيغة التجمع كمبرر لتواجد عناصر غير فعالة في القيادة )

أما حزب الوفد فقد اتسم الانتخابات اللذان شهدها لهيئته العليا في فبراير 1978 ويناير 1989 بغياب التنافس في الأول وبتدخل رئيس الحزب لتحديد نتائج الثاني كما سبق بيانه ومع ذلك فهذا وضع أفضل مما كان عليه حزب الوفد قبل 1952 حث لم يعرف أسلوب انتخاب مستواه القيادي على أى نحو ولذلك كان الانتخاب الأول أقرب إلى الاستفتاء الشكلي على قائمة محددة تضمنت عضوين لم يحضرا اجتماع الجمعية العمومية بل وكانا خارج البلاد في ذلك الوقت وهما د. حامد زكي عبد الخالق الشناوي .

ومع ذلك تجدر ملاحظة أن رئيس الحزب لم يخطط بشكل مسبق لإجراء اقتراع على هذه القائمة كما يتضح من ملابسات الاجتماع فقد حدث أن عددا كبيرا من أعضاء الجمعية سعوا للترشيح وقام بعضهم بإعداد قوائم وتوزيعها فتدخل الرئيس معترضا على تعدد القوائم.

رغم أن هذا التعدد هو الكفيل بإجراء انتخابات تنافسية حقه ، وقام بإعداد القائمة التي جري الاقتراع عليها والمثير للانتباه أن أهم الانتقادات التي وجهت لهذا الأسلوب لم تركز على عدم ديمقراطية وإنما على استبعاد وفديين قدامي وخاصة تلك التي جاءت من أعضاء الوفد القديم فعلي سبيل المثال قيل أن ( سراج الدين طبع قائمة بالأسماء التي اختارها والتي تجمع بين القليل جدا من قدامي المجاهدين الوفديين والكثير جدا من المستوفدين )

وقد قرر الحزب تجميد نشاطه في أول يونيو 1978 لمدة تزيد على السنوات الخمس المقررة لعضوية الهيئة العليا ولذلك فعندما عاد لاستئناف الناشط سعي رئيسه إلى التجديد لهذه الهيئة التي كانت قد فقدت اثني عشر عضوا بين وفاة واستقالة وجرت عملية جمع توقيعات أعضاء الجمعية العمومية للموافقة على التجديد ورغم أن هذه العملية تمت دون مشكلات في حينها فقد عاد بعض أعضاء الجمعية لاستخدامها في مهاجمة قيادة الحزب عندما اختلفوا معها ، وقيل مثلا أن بعض أعضاء النخبة غير الرسمية المحيطة بالرئيس ( قاموا بالتوقيع نيابة عن بعض أعضاء الجمعية وأن مراجعة التوقيعات ستثبت أن الكثير منها بخط مصطفي ناجي وفؤاد البدراوي)

ولم يتم إجراء انتخابات هيئة عليا جديدة إلا بعد حوالي خمس سنوات على استئناف الحزب لنشاطه في يناير 1989 ، وهو الانتخاب الذي تدخل رئيس الحزب للتأثير عليه مما أدي إلى فوز جميع المرشحين الذين أرادهم كم سبق إيضاحه والملاحظ أنه عقب هذا الانتخاب الأخير أقر رئيس الحزب بأن الأول لم يكن تنافسيا وقال ( بعد قيام الوفد عام 1978 اختارت الجمعية العمومية عن طريق الاقتراع السري أعضاء الهيئة العليا لكن لم تكن هناك منافسة بين الأعضاء ) لكنه خمسين مقعدا وجرت الانتخابات ديمقراطية ) وتجدر الإشارة أيضا إلى أنه قبل أسبوعين من اجتماع الجمعية العمومية لانتخاب الهيئة العليا الجديدة قام رئيس الحزب بعقد اجتماع للهيئة التي انقضت مدتها ولم يبق من أعضائها سوي سبعة عشر فحسب لكي تنتخب هيئة مكتب جديدة ولم يترك ذلك للهيئة العليا الجديدة فتم انتخاب أحمد أباظة ود. نعمان جمعه ود. عبد الحميد حشيش نوابا للرئيس .

وعلى سلامة وكرم زيدان سكرتيرين مساعدين وقد تم الإجراء في الوقت الذي كان مفترضا أن تجمد الهيئة العليا القديمة نشاطها استعدادا لانتخاب الجديدة فضلا عن أن مدتها كانت قد انتهت قبل ذلك بحوالي أربعة أشهر في أغسطس 1988 على أساس أن التجديد إذا جاء تركيبها مختلفا عما كان يطمح إليه وفي هذه الحالة يضعها في حرج بالنسبة للشخصيات التي تم انتخابها كنواب للرئيس وسكرتيرين مساعدين لكن هذا الإجراء أثار تساؤلا مهما في حينه .

وهو ماذا إذا فشل أحد الذين انتخبوا كنواب للرئيس أو سكرتيرين مساعدين في انتخابات الهيئة الجديدة وهذا السؤال يدعم الشواهد القوية على أن الرئيس كان يخطط لانتخاب شخصيات معينة لهذه الهيئة . ومن الممكن أيضا النظر إلى ذلك الإجراء على أنه دعم لمن تم انتخابهم كنواب للرئيس وسكرتيرين مساعدين في تلك الانتخابات .

وقد فازوا جميعهم بالفعل لتجتمع الهيئة الجديدة في اليوم التالي وتجري انتخابات جديدة أسفرت عن فوز نفس الشخصيات بنفس المناصب كما انتخب سكرتيران مساعدان هما د. إبراهيم دسوقي أباظة وفؤاد البد راوي .

وهذا الدور الحاسم لرئيس الحزب في اختيار نخبته ملحوظ كذلك في حزب الأحرار لكن بشكل أكثر سفورا ودون أى غطاء فلم يعرف هذا الحزب أى انتخاب لمستواه التنظيمي الأعلى إلا في يناير 1990 .

أما طوال الأعوام السابقة منذ 1976 فقد قام الرئيس باختيار أعضاء الأمانة العامة بشكل متواصل في الوقت الذي كان يقدم وعودا متتالية بإجراء انتخابات كما سبقت الإشارة فكانت جميع التشكيلات تصدر بقرارات لرئيس الحزب ممهورة بتوقيعه وتنشر في صحيفة الحزب بهذا الشكل .

وعندما وصل الحزب بعد نحو خمسة عشر عاما إلى عقد مؤتمر عام لم يكن هناك أى تنافس في الانتخابات التي جرت به حيث فاز المرشحون بالتزكية .

أما حزب مصر فقد أخذ بأسلوب تعيين مكتبه السياسي خلال العامين ونيف اللذين مارس نشاطه خلالهما تماما كما فعل الحزب الوطني بعد ذلك منذ أن قام رئيسه الأول أنور السادات باختيار هيئته التأسيسية من مائة وأربعين عضوا وتعيين الأمين العام والأمناء المساعدين .

ورغم أن الحزب الوطني عقد ست دورات لمؤتمره العام فلم يحدث انتخاب للمكتب السياسي في أى منها ، واعتمد بعض أعضاء نخبة الحزب في تفسير استمرار اللجوء لأسلوب التعيين على أن النظام الأساسي للحزب تضمن حكم انتقاليا يقضي بتشكيل مستوياته بالتعيين لحين إجراء الانتخابات .

وجري تفسير ذلك بأنه يتيح لقيادة الحزب تحديد توقيت إجراء الانتخابات لكن الملاحظ أن هذا الحكم الانتقالي لم يشر صراحة إلى اختيار المكتب السياسي بالتعيين وإنما أشار إلى قيام هذا المكتب باختيار أمناء المحافظات وقيام الأمانة العامة باختيار هيئات مكاتب المحافظات.

2-معايير اختيار نخبة الحزب بالتعيين

3- يتضح إذن أن هناك ثلاثة أحزاب دأبت على اختيار أعضاء نخبتها بالتعيين وهي حزب مصر والحزب الوطني وحزب الأحرار الذي اتجه بعد ذلك إلى إجراء انتخاب شكلي غير تنافسي خلال مؤتمره العام الأول في يناير 1990 ولذلك ينبغي التعرف على المعايير التي اعتمد عليها هذا التعيين ورغم أن الأحزاب الثلاثة الأخرى عرفت أسلوب الانتخاب يظل السؤال نفسه مثارا بشأنها لكن بشكل مختلف فهو مثار بالنسبة لحزب العمل خلال الفترة التي لجأ فيها لأسلوب التعيين قبل انعقاد مؤتمره العام الأول في يونيو 1982 أما حزب الوفد فقد سبق إيضاح أن اختيار أول هيئة عليا له تم بأسلوب أقرب للاستفتاء منه للانتخاب الحر التنافسي الأمر الذي جعل السؤال مطروحا بشأن المعايير التي اعتمد عليها رئيس الحزب في تشكيل القائمة التي عرضها للاقتراع عليها ورغم أن حزب التجمع حافظ على أسلوب الانتخاب منذ تأسيسه فقد اتضح أن المستوي القيادي ظل ينتحب بأسلوب القائمة أيضا .

ومعني ذلك أنه في جميع الأحزاب موضع الدراسة تم اللجوء لأسلوب التعيين في اختيار نخبها بدرجات متباينة والملاحظ أن الحزبين الحاكمين ( مصر والوطني ) فاقا أحزاب المعارضة باستثناء حزب الأحرار – في الاعتماد على هذا الأسلوب . ولذلك يحسن التمييز بين هذين الحزبين اللذين تدخلت عوامل فوق حزبية تتعلق بالنظام السياسي في اختيار نخبتهما بالتعيين وبين أحزاب المعارضة .

أ‌-معايير اختيار نخبة الحزبين الحاكمين بالتعيين

تأثرت عملية اختيار نخبة هذين الحزبين بعلاقة الارتباط الوثيق بين كل منهما على التوالي وبين الحكومات التي تشكلت منذ 1976.

فعلي عكس المفترض في أنظمة التعدد الحزبي حيث يقوم الحزب الحاكم بتشكيل الحكومة في مصر بمنأي عن هذين الحزبين ودون دور لهما فيها باستثناء دور شكلي للحزب الوطني عند تشكيل حكومة د. على لطفي في سبتمبر 1985 فقد حضر الأمين العام للحزب مشاورات تشكيلها مع رئيسها بصفته هذه وليس بصفته كنائب لرئيس الوزراء ومع ذلك لم يكن للحزب أى دور في اختيار رئيس الوزراء بل على العكس شاع أن بعض أعضاء نخبته غضبوا لهذا الاختيار كما تجدر ملاحظة أن المكتب السياسية للحزب لم يدع للاجتماع إلا في أول أكتوبر 1985 بعد تشكيل الحكومة وحلف رئيسها أعضائها اليمين .

وفي هذا الإطار ظلت الحكومات تتشكل من وزراء أتي معظمهم من خارج الحزب الحاكم .

ورغبة في الحد من هذا الانفصام جرت العادة على ضم بعضهم إلى المكتب السياسي للحزب رغم أنهم لم يكونوا من أعضائه أصلا وتبدو هذه الظاهرة أكثر وضوحا في الحزب الوطني نظرا لقصر الفترة التي مارس خلالها حزب مصر نشاطه ومع ذلك كان المكتب السياسي للأخير مفتوحا لإضافة بعض الوزراء إليه من حين لآخر بغض النظر عن عدم عضويتهم بالحزب وكمثال لذلك يمكن الإشارة إلى ضم البرت برسوم سلامة لهذا المكتب في أول ديسمبر 1977 والذي وصف بأنه دعم لصفوف الحزب لكن بصفة عامة ظل أسلوب " الشلل" الموروث عن التنظيم الأوحد هو السائد في اختيار نخبة حزب مصر بما في ذلك سكرتيراه العامان ويظهر ذلك من رواية أحد أعضاء نخبة الحزب لكيفية اختيارهم فكان محمود أبو وافية أولهم باعتباره مؤسس المنبر قبل تحوله إلى حزب وقام باختيار صديقه حامد محمود الذي رشح بدوره صديقه د. فؤاد محيي الدين.

بالنسبة للحزب الوطني يمكن ملاحظة ظاهرة إدخال العديد من الوزراء إلى مكتبه السياسي بوضوح إضافة إلى رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب اللذين أكد الأمين العام السابق عدم إمكان تجاهلهما في تشكيل هذا المكتب . فعلي سبيل المثال كان المكتب السياسي الذي تشكل في نوفمبر 1979 يضم رئيس الوزراء (د. مصطفي خليل ) وتسعة وزراء هم كمال حسن على ، ود. مصطفي كمال حلمي ، والنبوي إسماعيل ، ود. آمال عثمان ، ومنصور حسن ، وعبد اللطيف بلطية، ود. فؤاد محي الدين ، د، إبراهيم بدران، ود. زكريا البري أما الأعضاء الثلاثة الباقون في هذا المكتب فكانوا رئيس مجلس الشعب د. صوفي أبو طالب ورئيس المكتب الدائم للحزب حسني مبارك وأمينه العام فكري مكرم عبيد ، وعندما حدث تعديل وزاري في العام التالي تبعه تعديل في المكتب السياسي حيث خرج ثلاثة من أعضائه الوزراء وهم د . البري وبلطية ود. بدران ودخل ثلاثة من الوزراء الجدد هم مختار هاني ومحمد رشوان ومحمد عبد الحميد رضوان .

وعند إعادة تشكيل المكتب السياسي للحزب عام 1984 خرج ثلاثة وزراء فقدوا مناصبهم الوزارية خلال الفترة السابقة وهم النبوي إسماعيل ومختار هاني ومحمد رشوان إضافة إلى وزيرين باقيين بالحكومة هما عبد الحميد رضوان وعبد الحليم أبو غزالة وقد اعتبر الأمين العام حينئذ أن خروج أبو غزالة كان انجازا مهما يركد معني عدم اشتغال العسكريين بالعمل الحزبي ومعني احترام قانون أحزاب دون أن يعني أن انتقاص من قدره ودخل المكتب السياسي في ذلك الوقت ستة وزراء آخرون هم د. يوسف وإلى ود . حلمي الحديدي ود. عصمت عبد المجيد وصفوت الشريف ود. أحمد هيكل وحسن أبو باشا كما خرج رئيس مجلس الشعب السابق د. أبو طالب ، ودخل الرئيس الذي حل محله د. رفعت المحجوب .

وقد قدم أحد الوزراء الذين انضموا لعضوية المكتب السياسي في ذلك الوقت تفسيرا من وجهة نظره لاختياره يقوم على أن الأساس في الحزب الوطني أنه حزب وسط يحوي في وعائه غالبية الجمهور حيث مركز الثقل طبقا لنظام الانتخاب بالقائمة قع في المحافظات ذات الأنشطة الزراعية أكثر من المدن الكبيرة ) ومن هنا جاء الاهتمام بالأمور الزراعية في الحزب .

وربما كان هذا من الأسباب التي أدت إلى ترجيح اختياري بالمكتب السياسي فوظيفة وزير الزراعة تضفي شعبية على القائم بها لا سيم إذا كان الوزير ينفتح على جماهير الفلاحين ويحل مشاكلهم وهذا ما حدث بالنسبة لأحزاب المعارضة فسراج الدين في بدء حياته كان وزيرا للزراعة ومن هنا بدأ نشاطه السياسي وكذلك إبراهيم شكري وعندما تم تعينه أمينا عاما للحزب بعد ذلك اعتبر هذا الاختيار ( تشريفا من الرئيس مبارك بناءا على مقاييس قد يدخل فيها النجاح فيها الذي حققته اللجان التي كنت أشرفت عليها كعضو في المكتب السياسي )

ورغم أن ظاهرة تعيين بعض الوزراء الجدد في المكتب السياسي للحزب الوطني تراجعت بعد ذلك مع تناقص الاهتمام بدور هذا المكتب فقد تم تعيين د. على لطفي ثم د. عاطف صدقي عضوين به عند تكليفهما برئاسة الحكومة على التوالي .

لكن الواضح أن معيار اختيار أعضاء المكتب السياسي من بن أعضاء الحكومة ليس كافيا لأنه لا يغطي جميع أعضاء هذا المكتب فضلا عن أعضاء الأمانة العامة الأمر الذي يثير التساؤل عن وجود معايير أخري وبالنسبة لحزب مصر تحدث سكرتيره العام مرة عن معيار لتعيين الأعضاء في المستوي القيادي للحزب وهو أن يكونوا منتخبين في مؤسسات أخري مثل مجلس الشعب أو المجالس المحلية أو النقابات أو الاتحادات العمالية كما تحدث رئيس الحزب الوطني مرة واحدة عن معايير اختيار نخبة الحزب عشية إعادة تشكيل المكتب السياسي في أكتوبر 1984 حيث حدد خمسة معايير هي :

التمتع برصيد كاف في العمل العام وإثبات القدرة على العطاء .

التمرس في العمل الحزبي والتدرج في الصعود للمستويات القيادية.

تحقيق التوازن بين استمرار العمل الحزبي وبين تطعيم قيادة الحزب بالعناصر الشابة.

الالتحام بالجماهير والقدرة على التعبير عن مطالبها وآمالها .

الطهارة والنزاهة .

وبغض النظر عن مد الالتزام بهذه المعايير فهي تطرح قضية تقييم أعضاء الحزب للاختيار من بينهم وقد أشار رئيس الحزب إلى هذه القضية بالفعل موضحا ا،ه ( يفترض النظر إلى سجل أعمال العضو في الحزب ) ومركزا على ( مسلكه أثناء لحملة الانتخابية كمقياس مهم لالتزامه الحزبي وقدرته على التحرك وسط الجماهير والتفاعل معها ولذلك فإن أداءه في المعركة الانتخابية يمكن أن يكون معيارا سليما لتقييم دوره ) لكنه حرص على يوضح أيضا أنه ( ليس معني هذا أن ينتظر الأعضاء الذين بذلوا جهوده نشطة أثناء الحملة الانتخابية مكافأة على ما أنجزوا لأن المراكز الحزبية شأنها شأن المواقع الأخرى للعمل العام لا يصح منحها كمكافأة )

والواقع أن قضية تقييم أداء العضو ظلت مطروحة للجدل داخل حزب مصر الحزب الوطني بصفة مستمرة ففي حزب مصر كان هذا التقييم مطروحا قاعدي تم التعبير عنه مرارا كما حدثت مثلا خلال الدورة السياسية لأعضاء الحزب من طلاب جامعة عين شمس في سبتمبر 1977 فقد دار نقاش حول ضرورة تقييم قيادات الحزب على أساس أنه آن الأوان لذلك.

لكن الملاحظ أنه كان هناك تباين واضح في نظرة بعض أعضاء نخبة الحزب لقضية تقييم الأداء فعلي سبيل المثال عبر أحد السكرتيرين العامين للحزب وأحد أعضاء مكتبه السياسي عن رؤيتين مختلفين بل ونفي الأول ضمنيا ما طرحه الثاني عما جري داخل الحزب في هذا المجال فقد كتب الثاني عن عملية إعداد قيادات الحزب موضحا أنها تتضمن خطوات محورها تقييم الأعضاء فأشار إلى محورية مسألة الإعداد لقيادي ( التي توفر احتياطيا دائما ومتجددا من القيادات بدءا بوضع نظام لاكتشاف العناصر القيادية البارزة من أجل متابعتها وتنمية قدراتها من خلال نظام متكامل يساعد على صقل قدارتها الفكرية والتنظيمية والسياسية ويتضمن تسجيل وتقييم هذه العناصر أولا بأول وتسير خطة الحزب في اتجاه تحقيق هدف أن يملك الحزب باستمرار قيادات قادرة على أن تواصل مسيرته تعبيرا عن الأغلبية وهناك جهود حقيقة في هذا المجال وإن كان البعض لم يلمسها بعد)

لكن في الوقت نفسه سئل السكرتير العام عما إذا كان هناك تقييم لقيادات الحزب بحيث تتاح الفرصة أمام عناصر جديدة فأجاب بما يفهم منه عدم وجود هذا التقييم : ( إن أى حزب دائما في نمو وتجديد وأى حزب يتجمد في عضويته أو يتعلق بشخص لا يصبح حزبا لكن كلمة تقييم لا تعني أن عضوا في الحزب القادرة على إفراز قيادات جديدة باستمرار ) وإذا أخذنا في الاعتبار أن ذا الحزب لم يعرف الانتخاب لاختيار نخبته يصبح الحديث عن دور قاعدته الشعبية في التقييم غير وارد .

أما في الحزب الوطني فقد تكرر الحديث عن تقييم القيادات أو عن تقييم " المرحلة" الماضية " إجمالا من وقت لآخر فعقب انتخاب مبارك لرئاسته أكد أنه يعرف تماما ما يقال عن عدم وجود الحزب في الشارع وأنه ستتم إعادة النظر في كوادر وقياداته وعلقت صحيفة الحزب على ذلك بأن ( إدارتك القيادة السياسية للحزب لخطورة هذه المظاهرة هو ما يستدعي إعادة النظر في نوعية وكفاءة الكوادر الحزبية فالحزب يحتاج إلى هزة شاملة تستبعد العناصر غير الصالحة وتستبدل بها عناصر مخلصة واعية نشطة ) كما حدد أمين الإعلام بالحزب حينئذ بعض ملامح التغيير المطلوب بقوله أن ( القاعدة العريضة للحزب تريد أمناءا لها وعليها ، ولا تريد موظفين بدرجة أمين لا يحضرون إلا بدعوة ولا يجلسون إلا فوق منصة )

وتجدد الاهتمام بهذه القضية عقب الانتخابات التشريعية لعام 1984 حيث بحثتها الأمانة العامة للحزب على ضوء ( ما أفرزته المعركة الانتخابية من شخصيات حزبية في المحافظات )

وأوحي ذلك لبعض العناصر القاعدية بإمكان أن تمتد عملية التقييم إلى مستوي الدوائر الانتخابية لدعم المستوي القيادي بالشخصيات التي أثبتت قدرتها على التحرك وشهدت تلك الفترة تنافسا شديدا على الوصول للمستوي القيادي وهو ما عبر عنه الأمين العام للحزب بقوله أن ( الحزب غني بكوادره وقياداته والمشكلة هي كثرة تلك القيادات واختيار بعضها لتولي مهام محددة دون أن يعني ذلك أنها تفضل سواها كل ما في الأمر أن قيادات بعينها انيطت بها مهام محددة حسب الموقع الذي تشغله كل قيادة والحزب حريص على أن تعمل كل قياداته سواء التي وقع عليها الاختيار في التشكيلات الجديد أو التي لم يقع عليها والأسس التي روعيت في هذا الاختيار بالنسبة للأمانة العامة ورؤساء اللجان هي القدرة على العطاء والحركة بين الجماهير وتحمل المسئولية الضخمة في الفترة القادمة ) وقد واجهت النخبة للحزب دائما مشكلة كثرة المتنافسين على الالتحاق بالمستوي القيادي في الوقت الذي لا تتوفر سوي فرص ضئيلة للغاية نتيجة محدودية الدوران ولذلك كان أحد الحلول لهذه المشكلة وضع بعض الطامحين على قمة المستوي القاعدي في الأقاليم .

ولكن الاختيار بالتعيين في العددي من الأقاليم ينطوي على مشكلة أخري تتمثل في مراعاة العائلات والعصبيات كما أن أسلوب التعيين يدفع بالتنافس إلى مسالك غير ديمقراطية أيا كانت الظروف .

وفي إطار الجدل العلني النادر حول هذه القضية ظهر نقد قاعدي ( لعدم إتاحة الفرصة للكوادر المؤهلة للقيادة داخل الحزب ، ولوجود عراقيل أمامهم مما يدفع ببعضهم إلى صفوف المعارضة لإحساسهم بأن هناك من يتفوق عليهم بلا داع وبأنه لن يسمح لهم بشغل المواقع التي تنفق وقدراتهم)

وهناك أيضا ما يدل على أن بعض العناصر الشبابية في الحزب لم ترتح لأسلوب اختيار نخبته وخاصة لعدم وجود وسيلة لتمثيل الشباب فيها فعلي سبيل المثال طالب أحد قادة الشباب في الحزب بأن يكون هناك ( تمثيل للشباب في المكتب السياسي يكفل مشاركتهم بالرأي في أعلي مستويات الحزب)

ب‌- معايير اختيار نخبة بعض أحزاب المعارض بالتعيين :

يعتبر حزب الأحرار أكثر أحزاب المعارضة موضع الدراسة من حيث الأخذ بأسلوب تعيين نخبته والذي استمر نحو خمسة عشر عاما بينما لم تأخذ الأحزاب الأخرى بهذا الأسلوب إلا بشكل غير مباشر أحيانا وبشكل جزئي أحيانا أخري .

وكانت عملية اختيار نخبة حزب الأحرار احتكار كاملا لرئيسه الذي انفرد بهذه العملية وحرص على إبقائها بين يديه .

ولم يحدد معايير موضوعية واضحة حيث اتسم خطابه والمحيطون به في هذا المجال بالعمومية الشديد وعدم الوضوح ، ومن أمثلة ذلك الحديث عن ( تقديم العناصر الجادة والمخلصة لتولي قيادة الحزب والمشاركة في المسيرة الديمقراطية وعندما قام رئيس الحزب بتشكل لجنة لإعادة التنظيم عام 1984 أكد أن ( من مهامها خلق قيادات جديدة والاعتماد على الشباب وإعادة تنقيح الكوادر ) لكن عندما أنهت هذه اللجنة أعمالها اتضح أن كل ما أنجزته في مجال أعادة تنظيم الحزب هو (دعمه بالقيادات السياسية والشخصيات العامة والكوادر الحزبية المتخصصة ) دون تحديد معايير واضحة لذلك .

ولا يقلل ن انفراد رئيس الحزب باختيار النخبة الحديث عن وجود دور للأمانة العامة في تقييم الأعضاء أن هذه الدور شكلي تماما إذا وجد ولا تجاوز الإقرار بما يراه رئيس الحزب والملاحظ أن الرئيس هو الذي كان يقرر في العادة دور الأمانة في هذا المجال فهو على سبيل المثال الذي قرر أن تضع الأمانة برنامجا زمنيا لإعادة النظر في قيادات الحزب ولذلك فقد ظل وحده القادر على تغيير أعضاء النخبة .

ومع ذلك كان هناك قيد واحد على حرية رئيس الحزب الكاملة في اختيار نخبته وهو المتعلق بانضمام بعض الشخصيات الإسلام ية البارزة للحزب منذ أوائل 1986 واضطراره لإدخالها إلى هذا النخبة فلم يكن لديه حرية اختيار ملموسة البدري وكيلا للحزب وعضوا بهذا المكتب أيضا لكن يظل من الثابت أن الرئيس فعل ذلك بمحض رغبته وليس استجابة لضغوط أو مطالب من داخل الحزب .

ورغم أن حزب الوفد لم يعرف أسلوب التعيين المباشر في اختيار أعضاء نخبته فالمؤكد أن رئيسه قام بتحديد أعضاء الهيئة العليا في فبراير 1978 من خلال إعداد قائمة محددة للاقتراع عليها في اجتماع الجمعية العمومية حينئذ واتهم رئيس الحزب بعد ذلك بأنه ( جعل الوساطات والشفاعات معيارا لاختيار أعضاء هذه القائمة ) ورغم أن هذا الاتهام لا يعبر عن حقيقة ما حدث إلا أنه يعكس ما يمكن أن يترتب على مثل هذا الأسلوب من مشكلات بعكس الحال في الانتخاب الحر ورغم أن ثمة أساس بالفعل لادعاء رئيس الحزب بأنه سعي عبر هذه القائمة إلى ( تمثيل أكبر قاعدة شعبية للحزب في الهيئة العليا ) من خلال تمثيل مختلف التيارات يظل من الصعب إثبات ذلك في غياب الانتخاب.

وقد ظلت هذه الهيئة تقود الحزب طوال ثلاثة عشر عاما منها خمس سنوات كان نشاط الحزب مجمدا رغم أنها فقدت نحو أربعين بالمائة من أعضائها بسبب الوفاة أو الاستقالة وقد أتاح ذلك فرصة للقول بأن ( كل شئ داخل الحزب يتم بالتعيين وتحت سيطرة أسرة سراج الدين ) وأضيفت في قول آخر البدراوي.

لكن الأرجح أن رئيس الحزب كان يشرك بعض أعضاء النخبة في بعض الأمور وخاصة نائبه د. وحيد رأفت . وأن كان من غير المؤكد أن هذه الأمور شملت اختيار النخبة الحزبية عام 1978 .

وقد أخذ حزب التجمع كذلك بأسلوب القائمة في اختيار نخبته حيث ظل انتخاب الأمانتين العامة والمركزية يتم بهذا الأسلوب .

وقد أتاح غياب الانتخاب التنافس للمستوي القيادي على هذا النحو فرصة لتزايد نفوذ جناح من المجموعة المنظمة التي تنتمي إلى " الحزب الشيوعي المصر ي " المحروم من الشرعية .

وقد نفي الأمين العام للحزب ذلك عندما سئل عنه ، وقالا إنه ( لا يوجد تيار يوجه التجمع) لكنه أقر بأن ( هناك عناصر تلعب دورا مهما في إدارة العمل اليومي للحزب ودورها يبدو أكبر من حجمه الحقيقي ) كما قال أن ( هناك عناصر نشطة وفعالة من الاتجاه الماركسي تلعب دورا رئيسيا أكب في الحزب بحكم أنها تعطي حياتها كاملة للعمل السياسي وقد كنت أناقش هذا الكلام مع د. يحيي الجمل الذي ظل يقول أن نفس ( بفتح الفاء ) الحزب ماركسي جدال فقلت له إنني أعمل بمن يجيئون والذي يجيئونني هم الماركسيون وهم المستعدون للتفرغ ولو كان هناك غيرهم فيأتني أحد بهم وأنا أجعلهم يتصدرون العمل في الحزب ) ومن أبرز العوامل المؤثرة على اختيار أعضاء النخبة عند إعداد قوائم المستوي القيادي إمكانات تفرغ بعضهم فقد أعطت قيادة الحزب اهتماما بارزا لقضية التفرغ هذه ودعت إلى ( إيجاد الكادر المتفرغ للعمل الحزبي كلما وجد الشخص المناسب وسمحت إمكانات الحزب ) وإلى تفرغ أمناء اللجان الرئيسية للجنة المركزية لمهامهم ) واعتبرت أن هذا ( التفرغ هو الخطوة الضرورية لتطوير الأداء القيادي )

وبالنسبة لحزب العمل فقد سيطر رئيسه على عملية اختيار نخبته بالتعيين خلال الفترة ما بين تأسيسه في سبتمبر 1978 وانعقاد أمناء اللجان الرئيسية للجنة المركزية لمهامهم ) واعتبرت أن هذا ( التفرغ هو الخطوة الضرورية لتطوير الأداء القيادي )

وبالنسبة لحزب العمل فقد سيطر رئيسه على عملية اختيار نخبته بالتعيين خلال الفترة ما بين تأسيسه في سبتمبر 1978 وانعقاد مؤتمره العام الأول في يونيو 1982 وقام باختيار أول لجنة تنفيذية لتفوضه بعد ذلك في إعادة تشكيلها وكان لأعضاء حركة مصر الفتاة القديمة الذين انضموا للحزب نصيب وافر بنخبته المعينة في ذلك الوقت وهو ما يفسر بأن هذا الحزب يعد امتدادا لها وكان الاختيار من بينهم وفقا للسبق في الاستجابة لنداء رئيس الحزب ولاعتبارات الكفاءة ولفكن الثابت أيضا أن هذه النخبة ضمت أعضاء مجلس الشعب الذين انتقلوا للحزب من الحزب الوطني لاستكمال العشرين نائبا الذين كان قانون الأحزاب حينئذ يشترط توفرهم لتأسيس أى حزب وعلى رأسهم محمود أبو وفية الذي كان قريبا من قيادة الحزب الوطني وإن لم ينضم إليه وقد عين نائبا لرئيس حزب العمل .

وثمة ما يدل على قيام أحمد حسين مؤسس حركة مصر الفتاة بدور ما في اختيار نخبة الحزب لكن الأرجح أنه كان دورا محدودا ومع ذلك يصعب نفيه كليا أو القول بعدم تدخله في الأمور التنظيمية للحزب وبأن علاقته به كانت علاقة فكرية وروحية أو كان أقرب إلى المستشار الفكري للحزب فالثابت مثلا أنه قام بأهم دور في انضمام د. حلمي مراد إلى الحزب بعد حوالي عامين من تأسيسه بعد أن نائبا لرئيس حزب الوفد وقد وجه خطابا إلى كل من إبراهيم شكري وحلمي مراد تحدث فيه عن نضالهما وأكد أن ( قوتهما إذا تكتلا في حركة واحدة سوف تزيد مائة ) وقد انضم د. مراد للحزب بالفعل في نوفمبر 1980 بعد حوالي شهر من هذا الخطاب .

ورغم أن حزب العمل أخذ منذ 1982 بأسلوب الانتخاب الحر التنافسي في اختيار نخبته بشكل منتظم فقد تعرض لنقد مؤداه غلبة الطابع العائلي على هذه النخبة منذ انضمام د. حلمي مراد إليه وخاصة بعد انضمام كل من مجدي أأحمد حسين وعادل حسين إلى نخبته .

ثانيا : معدل دوران النخبة الحزبية

يمكن التمييز في هذا المجال بين مستويين فرعيين للنخبة في الأحزاب السياسية موضع الدراسة : أولهما النخبة العليا التي تشمل رؤساء الأحزاب ( أو الأمين العام لحزب التجمع ) ونوابته ووكلائهم والأمناء أو السكرتيرين ومساعديهم ، بالإضافة إلى أمين اللجنة المركزي ومساعديه في حالة حزب التجمع . وثانيهما النخبة العامة التي تشمل أعضاء المستوي القيادي الأعلى للأحزاب موضع الدراسة .

معدل دوران النخبة العليا :

لم يحدث أى تجديد في رئاسة الأحزاب موضع الدراسة ، باستثناء الحزب الوطني لاغتيل رئيسه الأول أنور السادات في أكتوبر 1981 كم سبقت الإشارة

أما بقية أعضاء النخبة العليا للأحزاب فقد تفاوتت معدلات دورانهم من حزب لآخر ، ويعتبر حزب مصر أقلها في هذا المجال بحكم قصر عمره الذي لم يتجاوز العامين إلا بقليل والملاحظ أنه لم يكن له نواب للرئيس أو وكلاء لكن كان له ثلاثة من سكرتيرين العامة المساعدين هم : محمود أبو وافية وفؤاد محي الدين ومحمد حمد محمود ، وثلاثة من السكرتارية العام المساعدين هم : د. عبد العظيم أبو العطا وسعد الدين الشريف وجمال ربيع وقد بقوا جميعا في مناصبهم حتى حدث الخلاف حول الاندماج في الحزب الوطني باستثناء محمود أبو وافية ولم يحل أحد محله كما لم يحدث تغيير في أعضاء المكتب السياسي وكان التغيير المهم الذي حدث في نخبة هذا الحزب مرتبطا بظروف التوتر التي أحاطت بالخلاف حول موقفه تجاه الحزب الوطني عند تأسيسه فقد قم أعضاء نخبته الذين أصروا على استمراره بإعادة تشكيل سكرتاريته العامة ، وأصبح د. أبو العطا سكرتيرا عاما ، وجمال ربيع مساعدا أول للسكرتير العام.

وعبد الحليم الجندي مساعدا آخر ،والمهندس عيسي شاهين أمنيا للتنظيم وسعد الدين الشريف أمينا للصندوق ، ومعني ذلك أنه دخل عضوان جديدان إلى النخبة العليا للحزب بنسبة أربعين بالمائة من أعضائها بعد التشكيل الجديد لكن لم تتح لهذه النخبة الفرصة للعمل إلا لحوالي شهر حتى إغلاق مكاتب الحزب بواسطة الشرطة ، وذلك قبل اختيار رئيس جديد خلف لممدوح سالم الذي أصر على الاستقالة ، والملاحظ أن النخبة العليا الجديدة لم تجد بينها من يمكن تعيينه رئيسا وفقا لما يمكن استخلاصه من رواية أحد أعضائها الذي أشار إلى أنه ( تم إرجاء اختيار الرئيس تمهيدا لبحث الشخصيات الموجودة في البلد كي نختار شخصية أمينة وكنا نأمل في عقد جمعية عمومية لاختيار الرئيس والأمناء عملا بمبدأ أن القرارات لابد أن تأتي من القاعدة وفجأة اتصل بي أحد أبنائي الموظفين وقال لى أن الشرطة شمعت مكاتب الحزب وعملنا اتصالات بلا فائدة )

أما في الأحزاب الخمسة الأخرى فكانت معدلات دوران النخبة العليا في أحزاب الأحرار والوطني والعمل تعتبر أعلي منها في حزبي التجمع والوفد .

فقد اتسمت عملية دوران هذه النخبة في حزب الأحرار بارتفاع معدلاتها لكن ضمن دائرة محددة من الأعضاء الذين قام رئيسه بتحريكهم فيما بين مناصب هذه النخبة ويستثني من ذلك إلى حد ما منصب نائب الرئيس حيث شغله شخصان لفترة طويلة هما د . أحمد السيد درويش منذ تأسيس الحزب حتى انتهاء فترة الدراسة وصلاح الدين الرفاعي من مارس 1979 حيث كان يشغل قبل ذلك منصب وكيل الحزب واستمر يشغل منصب ائب نائب الرئيس باستثناء ثلاث سنوات ونصف انتقل خلالها إلى الحزب الوطني من مارس 1984 إلى أكتوبر وقد حل محله رياض معوض لشهر واحد نتقل بعده أيضا إلى الحزب الوطني كما تولي منصب نائب الرئيس أيضا الشيخ صلاح أبو إسماعيل عند انضمامه للحزب في فبراير 1986 وشغله حتى استقالته في ديسمبر 1987 .

أما منصب وكيل الحزب الذي يشغله عدد تراوح بين اثنين وأربعة أعضاء فقد وصل عدد مجموع شاغليه إلى ستة عشر شخصا تولاه احدهم مرتين وفقا.

للجدول رقم ( 2)
وكلاء حزب الأحرار حتى 1991
الوكيل تاريخ تولي المنصب تاريخ ترك المنصب ملاحظات
فكري مكرم عبيد ديسمبر 1976 مارس 1978 استقال
محي الدين الشاذلي يناير 1978 مارس 1980 أصبح أمين صندوق
صلاح الدين الرفاعي مايو 1978 مارس 1979 أصبح نائبا للرئيس
محمد عبد الشافي مارس 1980 مارس 1984 انضم لحزب الوفد
رياض معوض مارس 1984 مارس 1984 أصبح نائبا للرئيس ثم انضم للحزب الوطني
ألفت كامل مارس 1980 مارس 1984 انضمت لحزب الوفد
أحمد حسن الفقي مارس 1980 مايو 1985 ......
عبد الفتاح الشوربجي مارس 1980 أبريل 1984 وكيل فخري ، وأصبح سكرتيرا عاما
محمد عبد الشافي مايو 1985 يونيو 1988 أرغم على الاستقالة
الحمزة دعبس مايو 1985 حتى الآن .........
محمد عوني ياسين مايو 1985 يناير 1990 لم يرشح في المؤتمر العام
محمد حبيب يوليو 1985 يناير 1990 لم يرشح في المؤتمر العام
يوسف البدري مايو 1986 ديسمبر 1987 استقال
مراد السبطاسي ديسمبر 1987 يناير 1990 لم يرشح في المؤتمر العام
سامي أنيس لوقا ديسمبر 1987 يناير 1990 لم يرشح في المؤتمر العام
عبد الله الغوابي يناير 1988 حتى الآن .......
محمد فريد زكريا يناير 1988 حتى الآن ....

ويتضح من الجدول رقم (2) أن معدل استمرار وكيل الحزب في منصبه تراوح بين عشرة أشهر ( صلاح الدين الرفاعي ) وأكثر من خمس سنوات ( الحمزة دعبس ) لكن المتوسط العام يبلغ حولي ثلاث سنوات .

وبالنسبة لمنصب السكرتير العام فقد توالي عليه أربعة أشخاص تولاه أحدهم ثلاث مات كما يوضح الجدول رقم ( 3)

جدول رقم ( 3)
السكرتير ون العامون لحزب الأحرار حتى 1991
السكرتير العام تاريخ تولي المنصب تاريخ ترك المنصب ملاحظات
عبد الفتاح الشوربجي يوليو 1979 مارس 1980 أصبح وكيلا
محمد مراد السبطاسي مارس 1980 أبريل 1984 استقال ثم عاد
عبد الفتاح الشوربجي أبريل 1984 مارس 1987 دخل الانتخاب على قائمة حزب العمل
محمد الدين الغندور مارس 1987 نوفمبر 1987 .............
محمد عبد الشافي نوفمبر 1987 يناير 1990 لم يرشح في المؤتمر العام
عبد الفتاح الشوربجي يناير 1990 .......... ..........

ويتضح من الجدول رقم ( 3) ن معدل استمرار السكرتير العام لحزب الأحرار في منصبه تراوح بين تسعة أشهر ( الشوربجي في المرة الأولي والغندور ) وأربع سنوات ( البسطاسي ) لكن المتوسط العام يبلغ أقل من سنتين أما منصب السكرتير العام المساعد فقد توالي عليه 11 شخصا تولاه اثنان منهم مرتين كما يوضح الجدول رقم ( 4)

جدول رقم ( 4)
الكسرتيرون العامون المساعدون لحزب الأحرار حتى 1991
السكرتير العام تاريخ تولي المنصب تاريخ ترك المنصب ملاحظات
حسني محروس ديسمبر 1976 مارس 1983 استقال
حلمي سالم مارس 1983 مايو 1985 كان أول أمين شباب للحزب
شفيق جاد مارس 1983 مايو 1985 أصبح رئيس لجنة شئون العضوية
محمد عوني يسين مارس 1983 مايو 1985 أصبح وكيلا
عثمان رضوان ماس 1983 يوليو 1985 أصبح عضو أمانة عامة
أحمد القليبي يونيو 1985 يناير 1988 صبح وكيلا لمحافظة لقاهرة
عبد الله الغوابي يوليو 1985 يناير 1990 أصبح وكيل
عبد المقصود البدري يوليو 1985 أغسطس 1986
محمد فريد زكريا أغسطس 1985 يناير 1988
حلمي سلم أكتوبر 1987 ........ ......
شفيق جاد أكتوبر 1987 ......... .......
أحمد عبد المنعم يناير 1990 ............ ............
تامر عسران يناير 1990 .......... .........

ويتضح من الجدول رقم ( 4) أن معدل استمرار الأمين العام المساعد في منصبه تراوح بين عام ( عبد المقصود البدري) وسبعة أعوام (حسن محروس ) أما المعدل العام لشغل هذا المنصب فيبلغ ما بين عامين وثلاثة وقد تولي سبعة من أعضاء النخبة العليا أكثر من منصب من مناصبها في فترات مختلفة وهم صلاح الدين الرفاعي ، ومحمد عبد الشافي ، وعبد الفتاح الشوربجي ، محمد مراد السبطاسي ، محمد فريد زكريا ، عبد الله الغوابي ، محمد عوني يسين .

كما تميز الحزب الوطني بارتفاع أيضا في معدلات دوران نخبته العليا فقد توالي عليه خمسة أمناء عامين ، وثمانية عشر من الأمناء المساعدين ، إضافة إلى رئيسين لمجلسه الذي ألغي عند تعديل النظام الأساسي عام 1986 ويوضح الجدولان ( 5 ) و( 6) التعاقب على منصب الأمين العام ومناصب الأمناء العامين المساعدين .

جدول (5)
الأمناء العامون للحزب الوطني حتى 1991
السكرتير العام تاريخ تولي المنصب تاريخ ترك المنصب ملاحظات
فكري مكرم عبيد أغسطس 1978 مايو 1980 أصبح رئيسا للمجلس الدائم
حسني مبارك مايو 1980 يناير 1982 أصبح رئيسا للحزب

فؤاد محي الدين

يناير 1982 يونيو 1985 بقي عضوا بالمكتب
د. يوسف والي سبتمبر 1985 ............ ..........

ويتضح من الجدول رقم ( 5) أن معدل شغل منصب الأمين العام للحزب الوطني تراوح بين خمسة عشر شهرا ( د. صبحي عبد الحكيم) وأكثر من سبع سنوات حتى الانتهاء من إعداد الدراسة ( د. يوسف والي )

والملاحظ أن تغيير الأمين العام ارتبط مرتين بإعادة تشكيل نخبة الحزب إجمالا : أولاهما عند حلول حسني مبارك محل فكري مكرم عبيد حيث استبدلا منصبيهما وتولي الأخير منصب رئيس المجلس الدائم الذي كان يشغله الأول .

والثانية عند حلول د. يوسف والي محل د. صبحي عبد الحكيم كما حدث هذا التغيير مرة نتيجة تولي مبارك رئاسة الحزب ومرة أخري لوفاة د. فؤاد محي الدين.

أما منصب الأمين العام المساعد فقد اتسم بدرجة أعلي من الدوران عليه حي تولاه 18 شخصا كما يتضح من الجدول رقم ( 6)

جدول رقم ( 6)
الأمناء العامون المساعدون للحزب الوطني حتى 1991
السكرتير العام تاريخ تولي المنصب تاريخ ترك المنصب ملاحظات
منصور حسن أغسطس 1978 سبتمبر 1980 .............
ماهر محمد علي أغسطس 1978 نوفمبر 1979 ................

محمد العقيلي

أغسطس 1978 نوفمبر 1979 ............
عبد اللطيف بلطية نوفمبر 1979 سبتمبر 1980 ..........
النبوي اسماعيل نوفمبر 1979 مارس 1982 ......
كمال الشاذلي نوفمبر 1979 سبتمبر 1980 .........
البرت برسوم سلامة سبتمبر 1980 مارس 1981 ......
د. أحمد مرسي سبتمبر 1980 مارس 1981 .....
سمير عطوط مارس 1981 مارس 1982 ...........
أحمد رجب مارس 1981 مارس 1982 ........
د. مصطفي كمال حلمي مارس 1982 يوليو 1982 ........
د. صبحي عبد الحكيم سبتمبر 1982 يونيو 1984 .........
د. يوسف والي يوليو 1984 سبتمبر 1985 .......
د. حلمي الحديدي يوليو 1984 ............. ............
صفوت الشريف مايو 1986 .......... ........
كمال الشاذلي مايو 1986 .......... .........
د. أحمد سلامة مايو 1986 ........ ..........
د. محمود الشريف مايو 1988 ............ .........

أما منصب رئيس المجلس الدائم للحزب فقد شغله حسني مبارك لمدة ستة أشهر ( نوفمبر 1979مايو 1980 ) ثم فكري مكرم عبيد لمدة ست سنوات حتى إلغاء هذا المنصب عام 1986 .

كما تميز دوران النخبة العليا لحزب العمل بارتفاع معدله كذلك وخاصة فيما يتعلق بنواب رئيس الحزب والأمناء العامين المساعدين لكن كان معدل الدوران على منصب الأمين العام أقل بسبب استمرار د. حلمي مراد في شغله منذ يونيو 1982 لكن الذي يميز حزب العمل على حزبي الأحرار والوطني أن ارتفاع معدل الدوران على نخبته هذه جاء نتيجة انتخابات دورية منذ عام 1982 حيث يقوم المؤتمر العام بانتخاب اللجنة التنفيذية التي تنتخب من بين أعضائها نواب الرئيس والأمين العام والأمناء العاملين المساعدين .

وقد شغل ستة أعضاء منصب نائب رئيس الحزب كما يوضح الجدول رقم ( 7) والملاحظ أن نصفهم تركوه نتيجة استقالاتهم من الحزب وأن اثنين منهم وصلا إلى هذا المنصب سريعا عقب انضمامها إلى الحزب ( العقالي ومجاهد) حيث لم يكونا ضمن المجموعة المؤسسة وقد انضم كلاهما إليه عشية الانتخابات التشريعية لعام 1984 .

جدول رقم ( 7)
نواب رئيس حزب العمل حتى 1991
السكرتير العام تاريخ تولي المنصب تاريخ ترك المنصب ملاحظات
محمود أبو وافية يناير 1979 ديسمبر 1979 استقال
محمد حسن درة يناير 1979 مايو 1993 استقال

إبراهيم الزيادي

يناير 1979 ديسمبر 1984 لم ينجح في انتخابات المؤتمر العام الثالث
حلمي مرد نوفمبر 1980 يونيو 1982 أصبح أمينا عاما
الدمرادش العقالي ديسمبر 1984 نوفمبر 1986 استقال
أحمد مجاهد نوفمبر 1986 مارس 1989 انشق
حلمي مراد مايو 1993 ...... ......

أما منصب الأمين العام لحزب العمل فقد تولاه رفعت الشهاوي لمدة أربع سنوات ونصف قبل أن يبدأ اختيار نخبة الحزب بالانتخاب ( يناير 1979يونيو 1982 ) وكان د. حلمي مراد أول أمين عام منتخب للحزب ، لكنه ظل يشغل هذا المنصب حتى عام 1993 حين محله عادل حسين . وحتى عندما قرر اعتزال العمل الحزبي احتجاجا على مد العمل بقانون الطوارئ في مارس 1988 قامت لجنة التنفيذية باعتباره في إجازة حزبية ومن ثم قررت عدم شغل منصب الأمين العام الذي ظل شاغرا حتى عودته إلى الحزب خلال المؤتمر العام الخامس في مارس 1989 .

وقد فسر مساعده عدم اختيار بديل له خلال فترة اعتزاله واستمرار بهذا المنصب رغم ما قيل عن محدودية نشاطه المرتبطة بظروفه الصحية بأن الأمين العام موقع سياسي وليس تنظيميا والمقصود بذلك أنه لا يحتاج إلى حركة دائبة وإنما إلى رؤية وقدرة على تحديد وتطوير الخط السياسي للحزب ولذلك فليس مطلوبا منه الحضور يوميا إلى مقر الحزب خاصة وأنه حول بيته إلى مكتب يعمل به ويعد بيانات الحزب ويصوغ مواقفه ويضع جدول أعمال اجتماعاته ولذا من الضروري استمراره والتمسك به حتى عندما أراد اعتزال الناشط الحزبي لأنه من الصعب تعويضه.

لكن على عكس هذا المعدل المنخفض للغاية للدوران على منصب الأمين العام اتسم منصب الأمين العام المساعد بارتفاع هذا المعدل كما يتضح من الجدول رقم ( 8) فقد شغله إثنا عشر عضوا منهم ثلاثة توالوا عليه مرتين وكان الانتخاب الدوري هو الأسلوب المتبع منذ المؤتمر العام الأول في يوينو 1982 باستثناء أربع حالات : اثنتين منها للاستقالة والفصل من الحزب ( د. بكر القباني وممدوح قناوي ) والثالثة للسفر إلى الخارج ( حامد زيدان ) والرابعة للوفاة ( فؤاد نصحي )

جدول رقم ( 8)
الأمناء العامون المساعدون لحزب العمل حتى 1991
السكرتير العام تاريخ تولي المنصب تاريخ ترك المنصب ملاحظات
د.حلمي الحديدي يوليو 1979 يونيو 1982 لم يفز في المؤتمر الأول
فؤاد نصحي يونيو 1982 ديسمبر 1984 لم يفز في المؤتمر الأول
عبد الحميد بركات يونيو 1982 ديسمبر 1983 لم يحدد ترشيحه للمنصب
احمد فرغلي يونيو 1982 ديسمبر 1984 لم يفز في المؤتمر الثالث
حامد زيدان ديسمبر 1984 نوفمبر 1985 سفر للخارج
د.بكر القباني ديسمبر 1984 نوفمبر 1985 استقال
فؤاد نصحي نوفمبر 1985 نوفمبر 1986 توفي
أحمد حرك نوفمبر 1985 يناير 1987 لم يفز في المؤتمر الرابع
ممدوح قناوي نوفمبر 1986 أبريل 1987 فصل
جمال أسعد يناير 1987 مارس 1989 لم يفز في المؤتمر الخامس وانشق
د.صلاح عبد الله يناير 1987 مارس 1989 لم يحدد ترشيحه للمنصب بعد
شوقي خالد يناير 1987 مارس 1989 لم يفز في المؤتمر الخامس
مجدي أحمد حسين يناير 1987 ...... ..........
أحمد حرك مايو 1987 مارس 1989 لم يفز في المؤتمر الخامس
عبد الحميد بركات مارس 1989 ......... .......

أما في حزب التجمع فكان الدوران على نخبته العليا محدودا للغاية فقد اتسم هذا الحزب عالية من ثبات أعضاء نخبته في مناصبهم بعد فترة التأسيس التي تشكلت النخبة العليا خلالها – إلى جانب الأمين العام – من المتحدث الرسمي باسم الحزب كمال الدين رفعت والسكرتير العام محمد عبد السميع وبوفاة الأول واستقالة الثاني ، تم إلغاء المنصبين وأصبحت هذه النخبة تتشكل من الأمين العام المساعد ( أمين واحد بين عامي 1980 ، 1985 ثم أمينان منذ 1985 ) وأمين اللجنة المركزية الذي كان له مساعدان بين عامي 1980 و 1985 فقط

وقد ظل د. محمد أحمد خلف الله في منصب الأمين العام المساعد منذ 1980 وحتى الانتهاء من الدراسة أى قبل الدورة الثالثة للمؤتمر العام وتولي لطفي واكد منصب أمين اللجنة المركزية من 1980 إلى 1985 قبل أن يصبح أمينا عاما مساعدا آخر منذ 1985 وشغل د. رفعت السعيد عبد العظيم المغربي منصب الأمين المساعد للجنة المركزية ، واستمر أولهما حتى 1985 عندما أصبح أمينا لهذه اللجنة ، والثاني حتى أكتوبر 1984 عندما سافر للخارج وحل محله د. رمزي فهيم حتى يونيو 1985 .

ومنذ ذلك الوقت لم يعد هناك أمين مساعد للجنة المركزية ومعني ذلك أن النخبة العليا لحزب التجمع انحصرت منذ عام 1980 في خمسة أشخاص إلى جانب الأمين العام ثم تقلصت منذ 1985 إلى ثلاثة أشخاص فحسب حتى المؤتمر الثالث للحزب فبراير 1992

وبالنسبة لحزب الوفد اقتصر الدوران في نخبته العليا على الإحلال محل المتوفين أو المستقيلين من الحزب .

وقد توالي على منصب نائب رئيس الحزب سبعة أشخاص كما يتضح من الجدول رقم ( 9)

والذي يدل على أن الحزب بقي بدون من يشغل هذا المنصب منذ وفاة د. وحيد رأفت في يوليو 1978 حتى ديسمبر 1988 .

أما منصب السكرتير العام للحزب فقد احتكره فرج منذ 1978 حيث تم التجديد له مع الهيئة العليا عند استئناف الحزب لنشاطه عام 1983 ثم أعيد انتخابه لهذا المنصب في يناير 1989 .

جدول رقم (9)
نواب رئيس حزب الوفد حتى 1991
السكرتير العام تاريخ تولي المنصب تاريخ ترك المنصب ملاحظات
عبد الفتاح حسن فبراير 1978 أغسطس 1982 توفي
د.حلمي مراد فبراير 1978 نوفمبر 1980 استقال
د.وحيد رأفت فبراير 1978 مايو 1978 توفي
أحمد أباظة ديسمبر 1988 ...... ......
د.عبد الحمدي حشيش ديسمبر 1988 أغسطس 1989 توفي
د.نعمان جمعة ديسمبر 1988 ........... .........
عبد الخالق الشناوي سبتمبر 1989 ........... ..............

وبخصوص منصب السكرتير المساعد كان معدل الدوران محدودا أيضا حيث شغله شخصان منذ نشأة الحزب هما على سلامة وكرم زيدان بينما توفي ثالثهم د. محمد نصر .

وأضيف إليهما سكرتيران مساعدان آخران في يناير 1989 هما د. إبراهيم دسوقي أباظة وفؤاد بدراوي .

3- معدل دوران النخبة العامة للأحزاب :

يتقارب معدل دوران النخبة العامة مع المعدل الذي سبق بيانه لدوران النخبة العليا الأضيق نطاق فقد تميزت أحزاب الأحرار والوطني والعمل بمعدلات أعلي في دوران نخبتها العامة من أحزاب مصر والتجمع والوفد ويعني ذلك أن أسلوب التجنيد ليس هو العامل الحاسم في تحديد معدلات الدوران .

ففي حزب الأحرار أعيد تشكيل الأمانة العامة ست مرات في مارس 1980 وفبراير 1983 وفبراير 1983 ويوليو 1985 وأغسطس 1985 ، ويناير 1990 وأتاح ذلك فرصة لارتفاع معدل الدوران على النخبة العامة المتمثلة في أعضاء هذه الأمانة ففي أول تشكيل جديد لها لم يخرج أى من أعضائها الخمسة عشر وإنما أضيف إليها ثلاثة أعضاء جدد هم عثمان رضوان وشفيق جاد وعبد المجيد شاطر .

قد صعد الأول والثاني منهم بسرعة إلى النخبة العليا بعد ذلك لكن في التغيير التالي الذي تم في فبراير 1983 تضخمت عضوية الأمانة العامة حيث ارتفع عدد أعضائها إلى ثمانية وعشرين دفعة واحدة وخرج منها خمسة أعضاء هم أحمد الفقي وألفت كامل وعبد الفتاح الشوربجي وسعد الغنام وحسن محروس ودخلها أربعة عشر عضوا جديدا هم أحمد طلعت ود. عوني يسين ، وعلى الفولي ، ووحيد غازي ، ومحب حبيب ، ومصطفي كامل محمد ، محمود فوزي ، وأحمد مساعد ، وكمال صبيح ، وبهاء الدين طه ، وأحمد الحسين ، وتوفيق لطفي ، وتامر عسران ومحمد عبد السميع رمضان .

وعندما أعيد تشكيل هذه الأمانة في المرة التالية ( مايو 1985 ) أصبح عددها ثلاثة وعشرين عضوا معظمهم جدد فقد خرج منها ستة عشرا عضوا ،وأضيف إليها أحد عشر عضوا جديدا وكان من بين الخارجين تسعة من الذين انضموا إليها في التشكيل السابق .

وهم أحمد طلعت ، وعلى الفولي، ومصطفي كامل محمد ، وأحمد عبد المنعم عبد المجيد شاطر ، ومحمد محمود إسماعيل ، ورياض معوض ، وشفيق جاد ، وصلاح الدين الرفاعي ، ونفيسة الغمراوي وعبد المنعم السبكي وحلمي سالم.

أما الأعضاء الجدد في هذا التشكيل فكان أحدهم فقط عضوا سابقا بالأمانة العامة هو عبد الفتاح الشوربجي وكان الآخرون زغلول شلبي و حمد سعيد عبد الخالق ، ورجاء رشاد ومحمد على كلش وسامي أنيس لوقا ، وعلى محجوب الجبالي ، وأحمد نوار ، وعبد الرحمن حمد الله ، ومحيي كمال على ، وعبد الله الغوابي ، وعاد رئيس الحزب لتقليص عدد أعضاء الأمانة العامة بعد ثلاثة أشهر فقط إلى أربعة عشر عضوا فقد خرج منها عشرة أعضاء هم .

د. عوني يسين ، وعثمان رضوان زغلول شلبي وعبد السميع رمضان وسعيد عبد الخالق ، ومحمد على كلش ، وعلى الجبالى، ووحيد غازي وأحمد نوار ، عبد الرحمن حمد الله ، ومحيي كمال علي ، وكان نصفهم من الذين انضموا في التشكيل السابق ، أى لم تستمر عضويتهم سوي ثلاثة أشهر وأضيف لها عضوان جديدان هما محي الدين الغندور ود. وحيد صادق .

لكن بعد أيام قليلة أحدث رئيس الحزب تغييرا محدود أخر حيث خرج وحيد غازي ، د. وحيد صادق لكن بعد أيام فقط وأضيف إليهاتامر عسران ليصبح عددها ثلاثة عشر عضوا .

وكان آخر تغيير في تشكيل الأمانة خلال المؤتمر العام للحزب في يناير 1990 حيث أصبح عددها أحد عشر عضوا وخرج منها ستة أعضاء هم محمد حبيب ومراد السبطاس ومحي الدين الغندور ومحمود فوزي ورجاء رشاد وسامي أنيس لوقا ودخلها خمسة أعضاء آخرون هم حلمي سالم وشفيق جاد وأحمد عبد المنعم مساعد وإبراهيم طلبة ، وهدي عفيفي ويوضح الجدول رقم ( 10) نسبة التجديد في الأمانة العامة .

جدول رقم ( 10)
نسبة التجديد في الأمانة العامة لحزب الأحرار
تاريخ التشكيل عدد أعضاء اللجنة الخارجون النسبة الداخلون النسبة
1976 15 ........ ......... .......... .........
مارس 1980 18 3 16،6% ....... .......
فبراير 1980 27 5 18،5% 14 51،5%
مايو 1985 22 16 72و7 13 59،1%
يوليو 1985 14 10 71،3% 2 14،3%
أغسطس 1985 13 2 15،5% 1 7،8%
يناير 1990 11 7 63،6% 5 45،5%

ونظرا لأن مجلس الرئاسة الذي استحدث في أواخر 1978 بدلا من المكتب السياسي أصبح يعلو الأمانة العامة على عكس ما كان عليه هذا المكتب فيبقي البحث في معدل التجديد الذي طرأ على عضويته فمنذ تشكيله أصبح هذا المجلس المستوي القيادي الأعلى للحزب وضم اثني عشر عضوا تدل مقارنتهم بآخر تشكيل للمكتب السياسي على أنهم شملوا تسعة ممن سبق اعتبارهم النخبة العليا ، وهم مصطفي مراد ، وعبد الفتاح الشوربجي ، ومحمد عبد الشفي ، والحمزة دعبس، وصلاح أبو إسماعيل ، ويوسف البدري ، ومحب حبيب ، ومراد السبطاس ، ومحيي الدين الغندور .

لكن لم يضم مجلس الرئاسة اثنين من النخبة العلي كان عضوين بالمكتب السياسي هما محمد فريد زكريا وعبد الله الغوابي .

أما بقية أعضاء المكتب فقد تم استبعادهم من مجلس الرئاسة ،. وعندما أعيد تشكيل هذا المجلس " بالانتخاب " في المؤتمر العام الأول للحزب يناير 1990 خرج من خمسة أعضاء هم صلاح أبو إسماعيل ،يوسف البدري حيث كانا قد استقالا من الحزب ، ومحمد عبد الشافي ومحيي الدين الغندور ومحب حبيب ودخله بالمقابل ستة أعضاء آخرين هم محمود فوزي وعبد الله الغوابي ومحمد فريد زكريا وحسن إبراهيم فشر ومدني عفيفي وعادل المصر ي وبذلك بلغت نسبة الخارجين منه واحدا وأربعين بالمائة ونسبة الداخلين إليه ستة وأربعين بالمائة .

لكن رغم أن حزب الأحرار شهد معدلا عاليا للدوران على نخبته العامة نظرا لتكرار أعادة تشكيل المستوي القيادي الأعلى فقد ظل عدد أعضاء هذه النخبة لا يتجاوز الخمسين وقد شغل عند منهم مناصب أخري بالحزب وخاصة رئاسة اللجان الفرعية المتخصصة كما يتضح من الجدول رقم ( 11)

جدول رقم ( 11)
رئاسة أعضاء النخبة العامة في حزب الأحرار للجان حتى 1991
العضو اللجنة العضو اللجنة
عبد المقصود البدري شئون العضوية محمود فوزي الزراعة
الحمزة دعبس الدعوة والفكر أحمد القليبي التعليم
فريد زكريا السياسات الداخلية والخارجية ثم الشباب رجاء رشاد حلمي سلام الإسكان ثم المرأة الشئون الاجتماعية
صلاح الرفاعي الأمن القومي مراد السبطاس الثقافة والإعلام
زغلول شلبي الأمن القومي عبد السميع رمضان التشريعية
محي الدين الغندور المالية والاقتصادية سعيد عبد الخالق التشريعية
عبد الله الغوابي الأوقاف مصطفي كامل محمد القوي العاملة
عوني يسين التنمية الإدارية عادل المراغي المهنيين
تامر عسران أمانة الشباب الوطنية والحرفيين حسن فشر الرأسمالية
د.وحيد صادق أمانة الشباب توفيق لطفي المغتربين
عبد الفتاح الشوربجي المخالفات النظامية حسن الفقي الشئون الخارجية والعربية
عبد المنعم حسان التجارة والتموين .......... .........

وفي الحزب الوطني تم تغيير المكتب السياسي ثلاث مرات في نوفمبر 1979 وسبتمبر 1980 وأكتوبر 1984 كما طرأ عليه تعديل طفيف في فبراير 1982 اقتصر على إضافة د. صبحي عبد الحكيم الذي أصبح أمينا عاما مساعدا وكان المكتب يضم عند تأسيس الحزب ثلاثة عشر عضوا هم حسني مبارك ، ود. مصطفي خليل ، د. صوفي أبو طالب ، وفكري مكرم عبيد والبرت برسوم سلامة ومصطفي كمال حلمي والنبوي إسماعيل وعلى منصور ، ومنصور حسن ، عبد اللطيف بلطية .

ودفؤاد محي الدين ، وكمال الشاذلي . د. زكريا البري ، وفي أول مرة أعيد تشكيله خرج ثلاثة هم البرت برسوم سلامة وعلى منصور وكمال الشاذلي وحل محلهم كمال حسن على ، وآمال عثمان ود. إبراهيم بدران .

وعندما أعيد تشكيله للمرة الثانية في أكتوبر 1980 خرج ثلاثة أعضاء هم عبد اللطيف بلطية ، ود. زكريا البري ، د. إبراهيم بدران ، أضيف لعضويته خمسة آخرون هم عبد الحليم أبو غزالة عدد أعضائه خمسة عشر عضوا وفي فبراير 1982 دخله د. صبحي عبد الحكيم لكن بقي عدد أعضائه كما هو على أساس أن حسني مبارك الذي كان عضوا به أصبح رئيسا للحزب ، أما عند إعادة تشكيله مرة أخر في أكتوبر 1984 فقد خرج منه ثمانية أعضاء هم د. صوفي أبو طالب، وعبد الحليم أبو غزالة ، النبوي إسماعيل ، وعبد الحميد رضوان ، ومحمد رشوان ، ومختار هاني وحلمي عبد الآخر ، ومنصور حسن ، وكان د. فؤاد محي الدين قد توفي قبل ذلك بحوالي أربعة أشهر .

وانضم لعضوية المكتب سبعة آخرون هم د. رفعت المحجوب ، وصفوت الشريف ، وحسن أبو باشا ود. يوسف والي ، د. عصمت عبد المجيد ، د. أحمد هيكل ، وكمال هنري أبادير .

وبذلك أصبح المكتب السياسي للحزب الوطني يضم ثلاثة عشر عضوا كما كان عند تأسيسه ويوضح الجدول رقم ( 12 ) تطور نسبة التجديد في هذا المكتب

جدول رقم ( 12)
نسبة التجديد في المكتب السياسي للحزب الوطني
تاريخ التشكيل عدد أعضاء المكتب الخارجون النسبة الداخلون النسبة
1978 13 .......... .......... ........... ............
نوفمبر 1979 13 3 23% 3 23%
سبتمبر 1980 15 3 20% 5 33،3%
أكتوبر 1984 13 9 69،2% 3 53،3%

والملاحظ أن عدد أعضاء النخبة للحزب العامة للحزب الوطني لم يتجاوز على هذا النحو ثلاثين عضوا وهو ما يعني محدودية الدوران على هذه النخبة ومع ذلك لم يتول سوي عدد قليل منهم رئاسة لجان حزبية وأمانات نوعية وهم د. مصطفي خليل ( لجنة العلاقات الخارجية ) ومختار هاني ( اللجنة التشريعية ود أحمد سلامة ( لجنة التعليم ) وصفوت الشريف ( أمانة الإعلام ) وآمال عثمان ( أمانة المرأة ) وكمال الشاذلي ( أمانة التنظيم )

وفيما يتعلق بحزب العمل ، تشكلت لجنته التنفيذية بالانتخاب خمس مرات خلال مؤتمراته العامة ، وضمت اللجنة التي انتخبت في المؤتمر الأول ( يونيو ( 1982 ) عشرين عضوا هم حلمي مرد، ومحمد حسن درة ، وإبراهيم الغزازي ، وأحمد فرغلي ، أبو الفضل الجيزاوي ، وسيد رستم ، وإبراهيم يونس وحامد زيدان ، وفؤاد نصحي ، د. ليلي تكلا ، وعبد العزيز سالم، وعبد السميع مبروك ، وإبراهيم الزيادي ، عبد الحميد بركات ، ومحمود المليجي ، ود. صلاح عبد الله ود. أحمد أمين عبد الغني ، وممدوح قنوي وعمرو لاشين ، وشمل التغيير المترتب على الانتخاب الجديد للجنة في المؤتمر العام الثاني ( ديسمبر 1983 ) ستة أعضاء .

وكان الأعضاء الجدد هم أحمد مجاهد ود. أحمد حسن ، وعبد المجيد أبو زيد وفهمي بدر يوسف الحواتكي وأحمد الفقي لكن منذ المؤتمر العام الثالث ( ديسمبر 1984 ) أصبح عدد أعضاء اللجنة ثلاثين عضوا ، وشمل التغيير ثمانية أعضاء من اللجنة القديمة وبالتالي انضم للجنة الجديدة ثمانية عشر عضواهم .

صلاح عبد الله ، وأنور الشماع ، وشوقي خالد ، وأحمد عبد العزيز أبو عبد الله ، وجمال أسعد ، ود. زينب ماجد ، ويحيي شعلان ، وإبراهيم الجعفري ، وعبد الحميد غازي ، والدمرداش العقالي ومحمد أحمد حسين ، وقاسم عبده قاسم ود. بكر القباني ، د. السيد عبد الرسول ، ومحمد العزازي وحمد صبري أبو الفتوح ، محمد البري ، وناجي الشهابي . وخلال الفترة التالية .

وقبل إعادة انتخاب اللجنة استقال د. بكر القباني وعبد الحميد غازي وسافر إلى الخارج حامد زيدان ، وأحمد عبد العزيز أبو عبد الله ، ومحمد العزازي وتوفي فؤاد نصحي ، فصل الدمرداش العقالي وحل محلهم التالون لهم في الترتيب عند انتخابهما وهم على التوالي فؤاد نصحي ، وأحمد حرك ، وأحمد حسين الصاوي ، وأحمد الفقي ، ومحمد غانم وسعد حسنين النحاس وإبراهيم الجعفري وعند إعادة انتخاب اللجنة خلال المؤتمر العام الرابع ( يناير 1987 ) شمل التغيير عشرة من أعضائها حيث انضم إليها فؤاد هدية وكريمة حافظ ، د. سعيد مراد أحمد حسن وعز الدين رشاد وعبد المجيد أبو زيد وسمير شرباش وعادل حسين وحسام كامل ، محمد عامر.

أما أعلي معدل للتغيير في عضويتها فقد حدث في المؤتمر العام الخامس ( مارس 1989 ) حيث شمل عشرين عضوا ، وكان الأعضاء الجدد الذين انضموا إليها هم أسمهان شكري ، ود. مجدي قرقر ، ود. أحمد عبد الرحمن ،د. أحمد شوقي ، ويسري صاروا ، ومحمد متولي عوض ، وعمر الزير.

ود. عبد الله هلال ، والسيد الغضبان وأبو الفتوح على كمال الدين وإبراهيم الزيادي ، ود. صلاح عبد المتعال ، د. أحمد المهدي ، ويوسف كمال ، ودسيد دسوقي وفايز محمد على ، وعبد الحكيم شافعي ، وحمدي السعيد ، وحمد نوح ، وحامد زيدان ويوضح الجدول رقم ( 13) أن نسبة التجديد في عضوية اللجنة التنفيذية لحزب العمل تعتبر عالية إجمالا حيث لم تقل عن سبعة وعشرين بالمائة بالنسبة للخارجين من اللجنة وعن واحد وثلاثين بالمائة بخصوص

الداخلين إليها والملاحظ أن حدوث هذا التجديد عبر الانتخاب التنفسي حتى المؤتمر العام الخامس أتاح إمكانية لعدم تجديد عضوية بعض الأعضاء البارزين فيس النخبة العليا العامة للحزب وخاصة في انتخابات المؤتمر العام الثالث فقد خرج من اللجنة نائب رئيس الحزب إبراهيم الزيادي وفقد بالتالي منصبه هذا وفؤاد نصحي الأمين العام المساعد وعبد العزيز سالم أمين الصندوق ومساعده محمود المليجي

جدول رقم ( 13 )
نسبة التجديد في اللجنة التنفيذية لحزب العمل
تاريخ التشكيل عدد أعضاء المكتب الخارجون النسبة الداخلون النسبة
يونيو 1982 20 ..... ....... ........ .......
ديسمبر 1983 20 6 30% 6 30%
ديسمبر 1984 30 8 26،6% 18 60%
يناير 1987 30 10 33،3% 10 33،3%
مارس 1989 30 20 66،6% 20 66،6%

أما بالنسبة للأحزاب الثلاثة الأخرى التي يعتبر معدل الدوران على نخبتها أقل فكان حزب مصر صاحب أدني معدل فلم يحدث أى تغيير في عضوية مكتبه السياسي الذي تشكل عام 1976 باستثناء ضم عضوين إليه في ديسمبر وثالث في فبراير 1978 .

كما يعتبر حزب التجمع من أقل الأحزاب التي شهدت تجديدا في نخبتها العامة فقد ضمت الأمانة المركزية التي انتخبت في يونيو 1980 تسعة عشر إضافة إلى خالد محي الدين وهم د. محمد أحمد خلف الله ، ولطفي واكد، ود. رفعت السعيد، وعبد العظيم المغربي ، د. رمزي فهيم ( وهم أعضاء النخبة العليا كما سبق ايضاحه ) ود. فؤاد مرسي ، محمد خليل وحسين عبد الرازق وحسين فهمي وفتحي محمود ود. ميلاد حنا ، وعبد الغفار شكر ، وأبو العز الحريري ، وعصام معوض ، ومصطفي عاصي ، ود، إسماعيل صبري عبد الله ، ومحمد صبري مبدي ، ولطفي الخولي وأبو سيف يوسف ، تم إعفاء د. ميلاد حنا من عضويتها عقب الانتخابات التشريعية لعام 1984 .

وعندما عيد انتخابها عام 1985 خرج منها عضوان هما فتحي محمود وصبري مبدي وانضم إليها ثلاثة أعضاء جدد هم عريان نصيف ، وحسين عبد به ، محمود المراغي ، ولم تتجاوز نسبة التجديد على هذا النحو عشرة بالمائة بالنسبة للخارجين من الأمانة الجديدة وخمسة عشر بالمائة بالنسبة للمنضمين إليها وقد حدث تعديل محدود آخر فيها خلال دورة اللجنة المركزية في مارس 1991 فقد حل محمد سيد أحمد محل د. فؤاد مرسي الذي توفي ، ود ماهر عسل محل أبو سيف يوسف لاستقالته من عضوية الأمانة كما انضم إليها د. جودة عبد الخالق ومعني ذلك أن مجموع أعضاء النخبة العامة لحزب التجمع لا يزيد على 26 عضوا بمن فيهم أعضاء النخبة العليا ( ستة أعضاء يشملون لأمين العام للحزب ) قبل المؤتمر العام الثالث .

كما أن أثني عشر عضوا من أعضائها شغلوا أهم المواقع الحزبية ، فقد شغل د. فؤاد مرسي أمين اللجنة السياسية حتى وفاته وخلفه فيها محمد سيد أحمد ، وتولي محمد خليل أمانة التنظيم وحسين فهمي أمانة الإعلان التي خلفه فيها أبو سيف يوسف في يوليو 1978 عندما تولي لجنة الانضباط الحزبي ومصطفي عاصي لجنة الشئون الدينية ، وحسين عبد الرازق لجنة العمل الجماهيري بعد أن ترك رئاسة تحرير صحيفة الحزب ، عبد الغفار شكر أمانة التثقيف وفتحي محمود لجنة العمل الجماهيري قبل حسين عبد الرازق ، ولطفي الخولي لجنة الشئون العربية ود. ميلاد حنا لجنة الاتصالات الخارجية .

وقد احتكرت هذه النخبة المحدودة المهام الحزبية الرئيسية سواء الاعتيادية أو الطارئة ومن أمثلة المهام الاعتيادية تحديد أولويات مرشحي الحزب للانتخابات العامة ، كما حدث في انتخابات مجلس الشعب العام 1984 فقد تشكلت لجنة تحكيم للفصل في أى خلافات حول الترشيح الحزبية ضمن ثمانية من هذه النخبة هم خالد محي الدين ود محمد خلف الله ولطفي واكد ، د. رفعت السعيد، وعبد العظيم المغربي وصبري مبدي ود. ميلاد حنا ، د. فؤاد مرسي .

ومن أمثلة المهام الطارئة تشكيل لجن لدراسة الأوضاع الحزبية بعد انتخابات مجلس الشعب عام 1987 على النحو التالي .

اللجنة الأولي: من خالد محيي الدين ، رفعت السعيد ، د فؤاد مرسي.

اللجنة الثانية: من عبد الغفار شكر ، محمد خليل ، وأبو سيف يوسف.

اللجنة الثالثة: من لطفي واكد ، وحسين عبد ربه ، ود. إبراهيم سعد الدين.

وواضح أنه باستثناء د. إبراهيم سعد الدين ، وهو عضو بالأمانة العامة التي تمثل الحلقة الأوسع لنخبة الحزب كان جميع أعضاء اللجان الثلاث من الأمانة المركزية .

وقد فسر أحد أعضاء النخبة العامة للحزب ضآلة التجديد فيها بثلاثة عوامل : الأول ، أنه عند تأسيس الحزب توفر له كم كبير من القيادات ذات التاريخ النضالي والمكانة الاجتماعية والعلمي وفي سن يسمح لهم بالعطاء ولذلك ظلوا حريصين على دورهم بالحزب .

والثاني أن الحزب لم يلعب دورا حقيقيا في إنضاج جيل جديد من القيادات الشابة على المستوي المركزي كما افتقد الجرأة لإعطاء المسئولية للعناصر الجديدة التي تبرز والثالث طبيعة صياغة التجمع المكون من تيارات متعددة التي تفرض مراعاة اعتبارات التوازن بينها ف تشكيل المستوي القيادي .

وقد عرف حزب الوفد كذلك عملية دوران محدودة على نخبته العامة المتمثلة في أعضاء الهيئة العليا التي ضمت خمسة وثلاثين عضوا عند تشكيلها لأول مرة في فبراير 1978 وهم فؤاد سراج الدين ،د. حلمي مراد ، وعبد الفتاح حسن ، د. وحيد رأفت وإبراهيم فرج ، وعلى سلامة وكرم زيدان ، وطلعت رسلان ، وعلوي حافظ ، وصلاح أبو إسماعيل ، وعبد المنعم حسين وأحمد ناصر وحسن عفة وعلى الجارحي وأحمد طنطاوي ود. محمد نصر ود . حامد زك وموسي سيف النصر ، ومحمد عيد ، وشفيق الديب ، وعبد العزيز الشوربجي، وأحمد يونس ، وأنور أحمد ، وكمال سعد ،د. عبد الحميد حشيش ، ود. نعمان جمعة ، د. عبد المنعم الشرقاوي ود. عبد الخالق الشناوي ، ود. محمد أنيس، وجميل أخنوخ فانوس .

وقد ظلت هذه الهيئة دون تجديد باستثناء إضافة أربعة أعضاء ليس لهم حق التصويت حتى 1989 فعندما استأنف الحزب نشاطه السياسي عام 1983 تم التجديد لهذه الهيئة رغم أنها كانت قد فقدت أحد عشر عضوا نتيجة الوفاة أو الاستقالة ، وهم عبد الفتاح حسن ود. حامد زكي ، د.زهير جرانة ، وموسي سيف النصر وجميل فانوس وأحمد يونس وعبد العزيز الشوربجي ود. حلمي مراد وحسن عرفة وعلى الجارحي وأحمد طنطاوي .

كما توفي أو استقال خمسة آخرون خلال الأشهر التالية وهم د. محمد نصر ، وأنور محمد وكمال سعد ، د. محمد أنيس ، وصلاح أبو إسماعيل ، وبذلك أصبح عدد الباقين من أعضائها تسعة عشر عضوا فقط عام 1984 ، أى حوالي خمسة وخمسين بالمائة من أعضائها ومع ذلك لم يتم استكمال عضويتها أو إجراء انتخابات جديدة واكتفي رئيس الحزب بضم أربعة أعضاء إليها بصفة مراقب هم ممتاز نصار ود. أحمد أبو إسماعيل ود محمد عصفور ، وعبد السلام بلبع وتوفي بعد ذلك ممتاز نصار في أبريل 1987 ود. وحيد رأفت في مايو 1987 .

وعندما تم تعديل النظام الداخلي للحزب عام 1986 تضمن زيادة عدد أعضاء الهيئة العليا اللي خمسين عضوا لكن لم يتم انتخاب الهيئة الجديدة إلا في يناير 1989 والتي ضمت جميع الباقيين في الحزب من الهيئة السابقة وعددهم سبعة عشر عضوا إضافة إلى اثنين من الأربعة الذين أضيفوا إليها كمراقبين عام 1984 وهما د. محمد عصفور ، د. أحمد أبو إسماعيل .

وبذلك دخل وحد وثلاثون عضوا جديدا إلى الهيئة وهم مصطفي شردي وحافظ شيحا ود. كامليا شكري ، ومني مكرم عبيد ، ومصطفي الطويل ، د. محمود السقا ، وعبد العزيز محمد ، ود، عزت صقر ود. إبراهيم دسوقي أباظة ، ومصطفي يسين ، حامد الأزهري و عدلي المولد ومحمد رشاد نبيه ، محمد فهيم أمين ، ومحمد علوان ، ورمزي زقلمة ، وعبد الفتاح نصير ، ومحمد سرحان ، ومحمد على كامل متولي ، د. السيد البدوي ، وأحمد البلقيني ، ومحمد حسن الحفناوي ومصطفي النحاس ود. محمد على شتا ، ويسين سراج الدين ، وفهمي ناشد.

ورغم أن نسبة المنضمين إلى هذه الهيئة تبلغ حوالي اثنين وستين بالمائة إلا أنها تبدو خادعة فهذا أول تجديد في المستوي القيادي للحزب بعد أحد عشر عاما من تأسيسه .

كما أنه لا يعد تجديد بالمعني الدقيق وإنما استكمال لعضوية الهيئة العليا التي ظل جميع الباقين من أعضائها ضمن التشكيل الجديد لها ومع ذلك فقد انضم واحد وثلاثون عضوا جديدا إلى النخبة العامة للحزب.

والملاحظ أن بعضهم كانوا يتولون رئاسة الجان حزبية متخصصة وهم محمود سيف النصر ( اللجنة السياحة ) وعطيات الشافعي ( لجنة المرأة سابق)( وعدلي المولد ( اللجنة الثقافية ) وإبراهيم أباظة ( لجنة شئون المغتربين ) كما تولي رمزي زقلمة منصب نائب لجنة السياحة .

ومصطفي يسين منصب مقرر اللجنة الاقتصادية ومصطفي شردي منصب نائب رئيس لجنة الإعلام فضلا عن رئاسته لتحرير صحيفة الحزب وعبد الفتح نصير مقرر لجنة الحكم المحلي ومني مكرم عبيد مقررة لجنة الشئون الخارجية ويسين سراج الدين رئيس الهيئة البرلمانية كما ظل معظم الباقين في عضوية الهيئة العليا الجديدة ويسين سراج الدين رئيس الهيئة البرلمانية كما ظل معظم الباقين في عضوية الهيئة العليا الجديدة يرأسون بعض اللجان أيضا .

وهم إبراهيم فرج ( لجنة التنظيم والفكر السياسي ) وعبد الخالق الشناوي ( لجنة الزراعة والري ) وأحمد أباظة ( لجنة الشئون الاقتصادية ) ود. عبد الله على ( لجنة الصحة والبيئة ) ود. نعمان جمعة ( لجنة الإعلام ) ود. عبد المنعم الشرقاوي 0 لجنة التربية والتعليم والبحث العلمي ) وكرم زيدان ( لجنة التموين والتجارة والداخلية ) وعلوي حفظ ( لجنة الحكم المحلي ) وعبد المنعم يسين ( لجنة الدفاع والأمن القومي ) وعلى سلامة ( لجنة الشئون الاجتماعية ومعوض الباز ( اللجنة التشريعية ) ود. أحمد أبو إسماعيل ( اللجنة المالية ) ود. محمد عصفور ( اللجنة الدستورية )

جدول رقم ( 14)
أعضاء النخبة العليا والعامة للأحزاب موضع الدراسة حتى 1991
الحزب العامة أعضاء النخبة العليا أعضاء النخبة
الأحرار 50 26
الوطني 30 21
العمل 20 75
التجمع 6 26
الوفد 13 66
مصر 4 23

خاتمة يتضح من هذا المبحث أنه لا توجد علاقة بين أسلوب التجنيد للنخبة الحزبية ( بالانتخاب أو التعيين) وبين معدل الدوران عليها ويسري ذلك في حالة النخبة العليا والعامة على حد سواء فقد تبين أن معدل الدوران على النخبة في حزبين اعتمد التجنيد فيهما على أسلوب التعيين ( الأحرار والوطني ) يعتبر أعلى منه في حزب اعتمد على أسلوب الانتخاب ( التجمع ) كما أن ذلك المعدل في حزبي الأحرار والوطني جاء أعلى من حزب آخر أخذ بالانتخاب ( الوفد ) فيما يتعلق بالنخبة العليا ويمكن اعتباره كذلك أيضا في حالة النخبة العامة لأن الفارق الذي تظهره الأرقام لصالح الوفد جاء نتيجة لإضافة احد وثلاثين عضوا دفعة واحدة إلى نخبته بعد انتهاء فترة الدراسة في يناير 1989 .

وبالتالي ظل مجموع نخبته العامة طوال أحد عشر عاما هو خمسة وثلاثين عضوا فقط ولم يتم إحلال محل المتوفين والمستقيلين ( حوالي نصفهم ) طوال هذه الفترة والملاحظ أن حزبي التجمع والوفد أخذا بأسلوب الانتخاب المقيد بالقائمة وليس المفتوح والتنافسي حتى انتهاء فترة الدراسة وإن كان الثاني قد عدل منذ يناير 1989 .

وأما الحزب الوحيد الذي أخذ بأسلوب الانتخاب الحر التنافسي في التجنيد لنخبته ( حزب العمل ) فقد عرف أعلي معدل للدوران على النخبة العامة وكان من أعلي ثلاثة أحزاب في الدوران على النخبة العليا بما فيها الرئيس ومناصب النخبة العامة شاملة النخبة العليا .

الفصل الخامس أنماط التفاعلات داخل النخبة الحزبية في الأحزاب المصر ية المعاصرة

المبحث الثاني عشر الصراع على النفوذ داخل النخبة الحزبية

اختلفت الظروف المحيطة بالصراع على النفوذ والتنازع لكسب المناصب داخل الأحزاب السياسية موضع الدراسة ، الأمر الذي يفرض تحليلها في كل حزب على حدة لكنها اتسمت إجمالا بطابع سلطوي في إدارتها كما كان الحال في أحزاب ما قبل 1952 – باستثناء الأحرار الدستوريين - حيث ظل موقف رئيس الحزب حاسما هذا النوع من الصراع ولم يعرف أى من الأحزاب المعاصرة ذاك القدر من الديمقراطية الذي توفر لحزب الأحرار قبل 1952 في إدارة الخلافات داخله.

أولا حزب مصر

كان التنافس على مركز الرجل الثاني في الحزب هو أبرز مظهر لصراعات النفوذ داخله بسبب وجود ثلاثة سكرتيرين عامين يأتون جميعا بعد رئيس الحزب مباشرة في التسلسل القيادي فكان ثلاثتهم ( محمود أبو وافية ود فؤاد محيي الدين ، محمد حامد محمود ) يتنافسون على هذا المركز إلى الحد الذي وصفه أحد أعضاء نخبة الحزب بأنهم ( يتنازعون المنصب ليل نهار ، مما أدي إلى تولد الشللية والتكتلات داخل الحزب وإضافة إلى التنازع على مركز الرجل الثاني كان د. محيي الدين وحامد محمود يتسابقان للحصول على منصب نائب رئيس الوزراء حيث رئيس الحزب يتولي رئاسة الوزارة .

كما ارتبط جانب من هذا الصراع بخلافات سياسة كان أهمها الخلاف حول الموقف من الدعم الحكومي للسلع والذي سيتم تناوله في المبحث التالي لكن ظل الجانب الأكثر أهمية لهذا الصراع مرتبطا بحجم النفوذ لكل منهم ، مقترنا بسعي ثلاثتهم لخلق تكتلات وشلل مؤيدة الأمر الذي انعكس على نشاط الحزب في بعض المواقع في صورة انقسام داخلها فعلي سبيل المثال انقسم الحزب في دائرة السيدة زينب بالقاهرة إلى تكتلين يقودهما عضوا مجلس الشعب عن الدائرة وكان أحدهما مرتبطا بواحد من سكرتيري الحزب ( تكتل نوال عامر ) والآخر مستقل ( تكتل أحمد فؤاد ) وقد هدد الأخير بالاستقالة والانضمام لحزب الوفد عند نشأته إذا لم يتساو مع نوال عامر في الامتيازات الحزبية كما كان انقسام الهيئة البرلمانية للحزب في محافظة الفيوم مظهرا آخر لانعكاس هذا الصراع على نشاطه وثمة روايتان لذلك الانقسام تفيد الأولي بأن دعم أحد سكرتيري الحزب لمحافظ الفيوم الذي تدخل في شئون الحزب بالمحافظة أدي إلى إثارة خلاف بين أعضاء الهيئة البرلمانية حيث رفض أربعة منهم هذا التدخل بينما قبل به الآخرون وأدي ذلك إلى استقالة الأربعة المعارضين للمحافظ ثم انضمامهم إلى حزب الوفد عند تأسيسه وهم نبيل أبو السعود وعيسي غيطان وعويس عليوة وأحمد طنطاوي أما الرواية الثانية فتشير إلى أن انسلاخ النواب الأربعة نتج عن إخفاقهم في محاولة قاموا بها لتغيير المحافظ لخلاف حول كيفية حماية محصول القطن بالمحافظة من الآفات حيث حظي المحافظ بمساندة حد سكرتيري الحزب.

ومع ذلك كان د. محيي الدين وحامد محمد يخوضان بعض الصراعات متعاونين ضد بعض أعضاء نخبة الحزب مثل علوي حافظ عضو المكتب السياسي والسكرتير العام المساعد مما دفعه للاستقالة والانضمام إلى حزب الوفد .

لكن رغم الأهمية الخاصة لهذا التنفس بين السكرتيرين العامين للحزب فقد برزت صراعات نفوذ أخري بين النخبة الحزبية إجمالا وبين بعض أعضاء الحزب ذوي النفوذ الكبير في بعض المحافظات وكان أبرز مثال لهذا النوع الصراع الذي خاضه بشكل علني عثمان أحمد عثمان سكرتير الحزب بالإسماعيلية ضد النخبة العليا للحزب فقد تمكن من تكتيل معظم أعضاء الحزب بهذه المحافظة وراءه وعقد مؤتمرات حزبية بها لشن هجوم شديد على تلك النخبة ، فعلي سبيل المثال تركزت الانتقادات لهذه النخبة خلال مؤتمر حزبي بالإسماعيلية في يوليو 1978 على أن ( الحزب عبارة عن قيادة فقط بلا قواعد جماهيرية ولا فعالية وأن هذه القيادة تنقصها القدرة على مواجهة أعباء المرحلة وأن ممارس اتها خاطئة ومنعزلة عن قيادات المحافظات وأن أحداث 19،18 يناير أكدت كل ذلك وقد تحدث في هذا المؤتمر إلى جانب عثمان أحمد عثمان كل من السكرتير المساعد للحزب بالإسماعيلية محمد خضر وأمين صندوق الحزب عبد الستار عبدون ونائب مسئول الشباب فيها حسين عبد الوهاب ومقرر الحزب بدائرة التل الكبير غريب أبو الرجال .

ثانيا حزب الأحرار

يعتبر هذا الحزب أكثر الأحزاب موضع الدراسة من حيث انغماس رئيسه في صراعات النفوذ بشكل مباشر فمنذ تأسيسه دأب الرئيس على تصفية النخبة وغيرهم من المشكوك في ولائهم له ورغم ما درجت عليه قيادة الحزب من نفي الأنباء التي تتحدث عن هذه التصفيات إلا أنها اضطرت في نوفمبر 1977 للاعتراف بوجود أساس لها فقد نفت في رد على صحيفة مصر ما تردد عن استدعاء قيادة الحزب الشرطة لإخراج بعض الأعضاء المعارضين لها من المقر الرئيسي لكنها أشارت إلى أن فصل من ارتكب مخالفات حزبية لا يعد عيبا وإنما هو تخلص من عناصر مدسوسة أمكنها التسلل لصفوف الحزب في فترة تأسيسه )

ومع ذلك فقد شهد الحزب عدة موجات من الانشقاقات والانسلاخات الناجمة عن صراع النفوذ داخله ويمكن تقسيمها إلى نوعين : أولهما الدخول في مواجهة مباشرة بشكل أو بأخر مع رئيس الحزب وثانيهما الصراعات بين أعضاء النخبة العليا والتي اكتسي بعضها برداء فكري ( إسلامي – علماني)

لكنها كانت في جوهرها تنافسا على النفوذ وبشكل تآمري أحيانا .

1-المواجهات المباشرة مع رئيس الحزب

واجه رئيس الحزب أو تحد مهم ومباشر في يناير 1980 عندما تقدم نائبه صلاح الدين الرفاعي باستقالة كان واضحا ، أنها راجعة إلى تركيز كل السلطات بين يدي الرئيس الذي اضطر للاستجابة إلى بعض مطالبه ويظهر ذلك من بيان الأمانة العامة الذي تضمن رفض استقالته وتعهد ( بالأخذ بمقترحاته التي تخدم الصالح العام وتنهض بمسيرة الحزب) لكن حرصت صحيفة الحزب كالعادة على نفي وجود خلافات بين الرئيس ونائبه وتأكيد أن الأخير ( عاد إلى مباشرة أعماله وأكد الثقة التامة في شخص الأستاذ رئيس الحزب )

ومع ذلك فقد عاد الرفاعي للاستقالة من الحزب بعد أربع سنوات في ظل موجة من الانسلاخات التي شملت عددا من أعضاء النخبة العلي لكنها ارتبطت برغبة المستقلين في الانضمام لأحزاب أخري وخاصة الوطني والوفد اللذين كانت فرصتهما أفضل في الفوز بانتخابات مجلس الشعب لعام 1984 لكن كانت استقالة أحد أعضاء النخبة الحزبية في ذلك الوقت راجعة إلى رفضه لاستئثار رئيس الحزب بالسلطة الكاملة ، وهو أحمد طلعت عضو الأمانة العامة وأمين صندوق الحزب حيث أشار في خطاب استقالته لما يلي : ( جاهدت نفسي في الفترة الأخيرة وأنا أري غياب الديمقراطية داخل الحزب وإنفراد رئيسه باتخاذ القرار في المسائل التي يتعلق بها مستقبل الحزب ومصيره كما تعذر على القيام بمسئولياتي كأمين لصندوق الحزب نتيجة لتداخل الصلاحيات واستخدام الموارد المالية في الإغداق على المنتفعين والمنحرفين )

لكن كان أول انشقاق كبير مرتبط بمواجهة بين بعض أعضاء نخبة الحزب ورئيسه عام 1985 عندما تم تشكيل ما أطلق عليه " جبهة الأحرار " بالحزب والتي ضمت في قمتها أربعة من أعضاء النخبة العليا حينئذ وهم عوني يسين وزغلول شلبي وأحمد القليبي وحلامي سالم وكلهم من الذين أبعدهم رئيس الحزب عن مناصب النخبة العليا الأمر الذي وصفه أحدهم بأنه ( بعد تنحية رئيس الحزب عن رئاسة الحزب عن مناصب النخبة العليا الأمر الذي وصفه أحدهم بأنه ( بعد تنحية رئيس الحزب عن رئاسة الشركة الشرقية للأقطان رأي أن يمارس هوايته في إصدار حركات وتنقلات .

فأصدر قراره بفصلي من الحزب ثم عدله إلى نقلي كأمين للحزب بأسيوط ولما أخبروه بأنه لا يوجد تمثيل للحزب في هذه المحفظة ، عدل النقل إلى محافظة القاهرة بعد أن فصل أمينها ويكشف البيان الصادر عن هذه " الجبهة " ما يؤدي إليه الأسلوب غير الديمقراطي في إدارة الحزب من عجز عن الإصلاح حيث يؤكد أن أعضاءها ( حاولوا التصدي للانحرافات الداخلية وقدموا اقتراحات متكررة للإصلاح ولما يئسوا من إنفاق شفاهة أو كتابة على طلب عرض الأمر بطريقة ديمقراطية تناقشها مؤسسات الحزب أو تشكيل لجان تقصي حقائق فقد اضطروا إلى تأسيس جبهة الأحرار التي تعلن قيامها اليوم كما رفعوا دعوي أمام القضاء الإداري لإرغام رئيس الحزب على إلغاء قراراته بعزلهم من مناصبهم القيادية وتعيينهم في مناصب حزبية أقل لمخالفتها للنظام الأساسي .

وكان رد فعل رئيس الحزب هو إحالتهم إلى لجنة النظم للتحقيق معهم وإعلان أنهم يحاولون السيطرة على الحزب ولوقف الأسلوب الذي يقوم على الهدم والتخريب داخل صفوف الحزب وواضح من حديثه ارتباط خلافه معهم بالصراع على النفوذ داخل الحزب ، الأمر الذي أكده مرة أخري بقوله إنهم ( طمعوا بعد انتهاء رئاسته للشركة الشرقية للأقطان ووجدوها فرصة للسيطرة على الحزب وهو ما يعكس عدم تقديرهم للموقف لأن قرار إنهاء رئاستي لهذه الشركة لا يضعفني على الإطلاق )

وقد تكررت ظاهرة تشكيل جبهة معارضة لرئيس الحزب في أغسطس 1989 تحت أسم " الجبهة الاشتراكية " بهدف تصحيح مسار الحزب الذي تحول إلى ما أسماه أعضاؤها ( ضيعة يمتلكها رئيسه ويدير شئونها نفر من الإخوان المسلمين ) وتضمن البيان الذي أصده اثنان من أعضاء النخبة العامة باسمها وهما سعد الغنام ونسيم واصف أن الحزب ( فقد مصداقية العمل السياسي أمام الجماهير وأصبح في المرتبة الرابعة بين أحزاب المعارضة ودعت هذه الجبهة إلى التحضير لعقد المؤتمر العام للحزب وإعادة العضوية إلى أبناء الحزب الشرعيين المفصولين واعتبار مصطفي كامل مراد والمحيطين به ( أعضاء عاديين لحين انتخاب الرئيس والمناصب القيادية في المؤتمر العام.

2-صراعات أعضاء النخبة العليا

كانت هذه الصراعات ملازمة للحزب منذ تأسيسه وظهرت علانية لأول مرة عند استقالة عضو لا المكتب السياسي عبد الحميد غازي في يناير 1978 احتجاجا على تفشي ظاهرة الشللية داخل الحزب على المستوي المركزي وداخل جريدته وتجميد نشاط العناصر المعارضة للشللية .

لكن كان أبرز وأهم مثال لهذا النوع من صراعات النفوذ هو الصراع بين وكيل الحزب محمد عبد الشافي ونائب رئيسه صلاح أبو إسماعيل عام 1986 والذي وصل إلى حد اتهام الثاني للأول بأنه طلب مساعدته في خلع رئيس الحزب ولم يكن لهذا الصاع أية علاقة بالخط السياسي للحزب كما شاع لدي كثير من المراقبين فلم تعرف عن عبد الشافي أية معارضة للتوجه الإسلام ي للحزب في ذلك الوقت بل على العكس كان من أول أعضاء نخبته الذين سعوا إلى جب التيار الإسلام ي للحزب كما قام بدور مهم في هذه العملية بالتعاون مع الحمزة دعبس ، من خلال تنظيم ندوات بصحيفة النور ودعوة قيادات ومشايخ بعض الجماعات الإسلام ية مما أتاح انضمام عدد من أعضائها للحزب في دعوة قيادات ومشايخ بعض الجماعات الإسلام ية مما أتاح انضمام عدد من أعضائها للحزب في الوقت الذي انضم إليه كذلك صلاح أبو إسماعيل ويوسف البدري وكانا على طرفي نقيض حيث سعي كل منهما إلى دعم نفوذه بمعزل عن الآخر وفقا لرواية محمد عبد الشافي وهو يفسر الاتهام الذي وجهه له أبو إسماعيل في يوليو 1986 بأنه أراد إبعاده عن الحزب وبالتالي إزاحة أهم عائق أمامه وهو يخطط لانتزاع رئاسة الحزب ويؤكد أن أبو إسماعيل هو الذي طلب مساعدته في خلع الرئيس على أساس أن الشباب الإسلام ي لا يثق به ولما رفض عبد الشافي وفقا لروايته أسرع أبو إسماعيل باتهامه بالتخطيط لخلع الرئيس وإزاء ذلك جمع رئيس الحزب المكتب السياسي حيث أعلن أبو إسماعيل اتهامه لعبد الشافي الذي يروي أنه رفض الدفاع نفسه وشعر بالمرارة لهذا الأسلوب فاستقال .

وتتشابه روايتا مصطفي كامل مرد وصلاح أبو إسماعيل في تأكيد أن عبد الشافي طلب مساندة الأخير لإبعاد الأول عن الرئاسة وانه حاول الإنكار في بداية اجتماع المكتب السياسي لكنه اضطر بعد ذلك للإقرار لكن ذهب مصطف مراد إلى أ،ه أراد الاكتفاء باعتذار عبد الشافي لولا إصرار أعضاء المكتب على استقالته وقال أبو إسماعيل إن الحاضرين في الاجتماع أجمعوا على إدانة عبد الشافي وطالبوه بالاختيار بين الاستقالة والفصل فكتب الاستقالة التي قبلت على الفور وأضاف أن بعض أعضاء المكتب السياسي رووا أيضا أن عبد الشافي تحدث إليهم في الموضوع نفسه .

أما عبد الشافي فقد دفع بأن ( ما حدث كان وشاية أطلقها الشيخ صلاح أبو إسماعيل ، كانت صحيفة " مايو " هي التي أثارت حفيظته عندما نشرت في أحد أعدادها أنني أقوي المرشحين لخلافة مصطفي كامل مراد ولأنه جاء إلى الحزب مبيتا خطة سرية للإطاحة بمرد فكان عيه أن يتخلص منه حتى يتمكن من الانفراد بالحزب ) وكان واضحا في حديه هذا أنه يحاول استمالة رئيس الحزب وتركيز معركته مع صلاح أبو إسماعيل فقط في الوقت الذي كان مكتب الأمانة على وشك النظر ف سحب استقالته لكن رئس الحزب فسر تصديقه للاتهام وعدم اعتقاده في وجود وشاية استنادا إلى معرفته الشخصية بعبد الشافي ( أنا أعرفه جيدا وأنا الذي ربيته فهو رجل رومانتكي محب للظهور أمام الأضواء وليس لنا اعتراض مع ذلك على أن يكون رئيسا للحزب لكن بالطريقة الشرعية) ومع ذلك كان هناك معارضون لإبعاد عبد الشافي بهذا الأسلوب وعلى رأسهم السكرتير العام المساعد حينئذ محمد فريد زكريا الذي رأي إحالة الموضوع إلى لجنة النظام بالحزب ولذا فعندما طلب عبد الشافي سحب استقالته قام رئيس الحزب بعرض الأمر على مكتب الأمانة العامة حيث حدثت مشادات وصدر القرار برفض الطلب بأغلبية ضئيلة ( خمسة أصوات منها صوت رئيس الحزب ضد أربعة أصوات )

لكن إبعاد عبد الشافي لم يؤد للحد من صراعات النفوذ داخل النخبة الحزبية، حيث تصاعد التنافس بين وكيل آخر هو يوسف البدري وبين صلاح أبو إسماعيل من ناحية وبين أبو إسماعيل والحمزة دعبس من ناحية أخري فقد اتهم دعبس أبو إسماعيل صراحة بمحاولة الاستيلاء على الحزب .

كما بدأ رئيس الحزب يشعر بالخطر لتزايد نفوذ أبو إسماعيل والبدري ، وخاصة بعد أن اتخذ الأول موقف حادا تجاهه عندما قبل التعيين في مجلس الشورى ، ويبدو أن خشي من حدوث تحالف بينهما فسعي إلى إبعاد البدري بأسلوب إداري مستفيدا من أنه معار للحزب من وزارة التعليم حيث يعمل وكيلا لمدرسة ثانوية فسعي إلى عدم تجديد إعارته التي كان مقررا أن تنتهي في أغسطس 1987 .

• وعندما تمكن البدري من الالتفاف على هذا التحرك وتجديد الإعارة عمل رئيس الحزب على مضايقته فدفع الأمانة العامة للتوصية بإحالته إلى لجنة النظام للتحقيق معه في عدم انسحابه مع نواب التحالف الإسلام ي من جلسة مجلس الشعب في الرابع من يناير 1988 احتجاجا عل أسلوب وزير الداخلية في الحديث عن الإخوان فضلا عن وقف المرتب الذي يتقاضاه من الحزب وسحب السيارة المخصصة له وواكب ذلك قيام رئيس الحزب بإعادة محمد عبد الشافي ليصبح سكرتيرا عاما للحزب في إطار إعادة ترتيب النخبة العليا وتعديل النظام الأساس لاستحداث مجلس رئاسة على قمة البناء التنظيمي للحزب.

وكان مؤدي ذلك التعديل سحب اختصاصات الأمانة العامة رغم أنه تم بناءا على تفويض منها للرئيس بإعادة النظر في البرنامج والنظام الأساسي وقد رفض أعضاؤها التعديل بدعم من بعض أعضاء النخبة العلي الذين استبعدوا من المشاركة به وعلى رأسهم وكيل الحزب عبد الله الغوابي الذي اتهم الرئيس ونائبه ) الرفاعي ) والسكرتير العام ( عبد الشافي ) بتحقيق مصالحهم ودعم نفوذهم على حساب مصالح الحزب ،رد السكرتير العام بأن ( التعديل لا يصادر حرية الرأي في اجتماعات الأمانة العامة أو حقها في إصدار القرارات ) وسعي رئيس الحزب لإنهاء المشكلة بإعلان حق هذه الأمانة في إصدار قراراتها التي لا تتعارض مع قرارات مجلس الرئاسة حتى لا يستثمرها أبو إسماعيل والبدري اللذان احتجا على التعديل وبادر الأول بتقديم استقالته في أول ديسمبر 1987 .

ورغم أن هذا ما كان يسعي إليه رئيس الحزب في الغالب فقد اضطر تحت ضغط وساطة من حزب العمل والإخوان لعدم قبول هذه الاستقالة.

ومع ذلك فقد أدي الترتيب الجديد لأوضاع النخبة في ظل التعديل الذي لحق بالنظام الأساسي إلى الحد من نفوذ أبو إسماعيل والبدري والتضييق عليهما ومن ثم لم يكن أمامهما غير الاستقالة كل على حدة ، فبدأ أبو إسماعيل بإبلاغها تليفونيا لسكرتارية الحزب فأسرع السكرتير العام بإضافتها إلى جدول عمال مجلس الرئاسة في اليوم التالي وتبعه البدري بتقديم استقالته أيضا مبررا إياها بتراجع الحزب عن الخط الإسلام ي الذي انضم على أساسه لكن رد السكرتير العام للحزب بأن الاستقالتين خاصة استقالة صلاح أبو إسماعيل تؤكدان فشل خطة كانت مبيتة للاستيلاء على الحزب

وكما حدث عند إبعاد عبد الشافي الذي زاد طموح المستقلين لدعم نفوذهما فقد أدت استقالتهما إلى تصاعد أماله التي بلغت ذروتها عند انعقاد المؤتمر العام الأول للحزب في يناير 1990 .

فقدا أراد الترشيح للرئاسة ضد مصطفي كامل مراد ، الذي تمكن من إحباط ترشيحه كما سبق إيضاحه ، وواكب ذلك حملة شنها بعض أعضاء نخبة الحزب وكتاب صحيفته على عبد الشافي ، ومهدت لاستبعاده من منصب السكرتير العام ومن جميع مناصب النخبة العليا بل والعامة وأكد رئيس الحزب بذلك هيمنته الكاملة دون منافسة له.

ثالثا : حزب التجمع

لم يعرف حزب التجمع تحديا مباشرا لنفوذ أمنيه العام، ومع ذلك يبدو أن حلقة ضيقة من المحيطين به – تمثل جناحا من الحزب الشيوعي المحروم من المشروعية – سعت لإعطاء انطباع له بأن كل من يختلف معها إنما ينازعه النفوذ ، فقد عملت هذه المجموعة لفرض نفوذها على الحزب الأمر الذي أدي لخروج الكثيرين منه فرادي وجماعات ومن ثم تقليص عضويته ، ولم يقتصر ذلك على معظم الناصريين وإنما شمل معظم المجموعات الماركسية الأخرى التي بذلت جهود مخلصة لإصلاح الحزب تنظيميا ومقرطته وكان أبرزها من عدد من الشباب الذين سعوا لتكوين مجموعة متميزة داخل الحزب عام 1985 وطالبوا بقبول هذه المجموعة ضمن القوي السياسية المختلفة فيه وعبروا عن هذا المطلب خلال مؤتمر محافظة القاهرة عشية المؤتمر العام الثاني من خلال وثيقة جاء فيها : ( لقد حرم جيلنا بما يمثله من رؤية سياسية وخبرة نضالية وروح شابة وحماسة متدفقة ونشاط اتسم بالاستقامة والراديكالية – من التواجد والمشاركة في اتخاذ القرار داخل التجمع .

وقد أن الأوان لتصحيح هذا الوضع وتجيد دماء الحزب ودفع عناصر شابة ورؤية شابة إلى المواقع القيادية للحزب )

وتركز مطلبهم الرئيسي في مؤتمر محافظة القاهرة على إجراء انتخابات تنافسية بدلا من أسلوب القائمة المعدة سلفا وقدموا برنامجا انتخابيا محددا ، ورشحوا أربعة منهم هم فريد زهران ود . أحمد عبد الله ورحمة رفعت وعمر مرسي لكن الحلقة الضيقة في قيادة الحزب عملت على الفور لوأد هذا التحرك الذي استهدف مقرطة الحزب واستخدمت في ذلك نفوذ الأمين العام رغم حرص المجموعة المذكورة على الحفاظ على وحدة الحزب مما دفعها للقبول بصيغة القائمة المعدة سلفا بشكل مؤقت مع الإصرار على تغيير هذا الأسلوب في المستقبل ولجأت هذه الحلقة إلى تكتيك مخادع حيث أدخلت ثلاثة من أعضاء المجموعة المطالبة بالإصلاح ضمن قائمة لجنة محافظة القاهرة فيما كانت تبينت لاستبعادها كليا وحققت ذلك من خلال قرار للأمانة المركزية بوقف ممثلي هذه المجموعة المنتخبة ضمن قائمة لجنة القاهرة عن ممارسة نشاطهم الحزبي ووجه القرار جملة اتهامات لهم أهمها المطالبة بعقد اجتماع انتخابي لمناقشة برنامجهم وتوزيع بيان مطبوع خارج الحزب وتوجيه إهانات للأمين العام .

وبذلك اعتبرت المطالبة بإصلاح الحزب جريمة تستحق الإحالة إلى لجنة الانضباط الحزبي ووقف نشاط أولئك الأعضاء للتحقيق معهم وهو التحقيق الذي لم يتم في الواقع حيث كان المقصود إبعادهم عن المشاركة في المؤتمر العام الثاني للحزب في يونيو 1985 فبعد منعهم من حضور اجتماع لجنة محافظة القاهرة استبعدوا من المؤتمر العام ولم تنظر الأمانة العامة في الطلب العاجل المقدم منهم ، والذي تضمن تفنيد الاتهامات الموجهة لهم واستنكار الأسلوب الذي اتبع ضدهم وما انطوي عليه من سوء استخدام للسلطة الحزبية والمطالبة بإجراء حوار حر في المؤتمر العام كما منعت إدارة هذا المؤتمر مناقشة مذكرة وزعوها وحدثت عملية تعبئة لأعضاء المؤتمر للتصويت ضد مشاركتهم فيه بضغط مباشر من الأمين العام رغم دفاع بعض هؤلاء الأعضاء عن حقهم في المشاركة مثل عبد العظيم أنيس أو المرحوم عبد المحسن طه بدر وأدي ذلك لاضطرار تلك المجموعة لمغادرة الحزب ومن ثم حرمنه من جهود مخلصة .

ولم تكن هذه حالة فريدة في الواقع حيث قادت هيمنة حلقة ضيقة إلى استبعاد وإبعاد مجموعات عدة منذ الأيام الأولي لتأسيس الحزب عندما غادرته مجموعة المرحوم عبد الرحمن الشرقاوي ومعني ذلك أن تلك الحلقة لم تمثل عامل طرد لمعظم المجموعات الناصرية التي انضم للحزب فقط ، رغم أن مشكلاتها مع هذه المجموعات كانت الأكثر ظهور على السطح ولم تنطو هذه المشكلات على خلافات بشأن قضايا سياسية وفكرية ويؤكد ذلك أحد الناصريين بقوله ( أن برنامج التجمع يعبر عن الناصريين بأكثر مما يريدون لكن على مستوي الوصول إلى المراكز القيادية والمؤثرة في صنع القرار الحزبي فإن الوضع معكوس وهذه الحقيقة يعلمها كل الموجودين في الحزب وهذا يرجع في رأيي إلى أن الناصريين في التجمع بدون تنظيم بعكس الماركسيين المنظمين فضلا عن إحجام الكثير من الناصريين عن دخول الحزب )

وظلت هناك شكوى مستمرة من معظم الناصريين من سيطرة حلقة ضيقة من الماركسيين على الحزب رغم وجود قطاع ناصري تعاون معهم بل وشارك فيما اعتبره القطاع الأول سيطرتهم على الحزب ، وظهر ذلك على سبيل المثال خلال الأزمة التي نجمت عن صراع ماركسي – ناصري بمحافظة قنا في صيف 1985 وترتبت عليها استقالة عدد من الناصريين منهم أمين الحزب بالمحافظة بسبب ما اعتبروه تزوير قام به الماركسيون للانتخابات الحزبية في مركزي الأقصر الحزب وأرمنت ويرجع أمين الحزب بالمحفظة هذا الخلاف إلى ( محاولة الماركسيين السيطرة على فرع الحزب في قنا رغم عددهم المحدود حيث كان أغلبهم قد رفضوا الانضمام له بدعوي أنه ديكور للسلطة.

فقد حاولوا التحكم في إعداد قائمة الحزب لانتخابات مجلس الشعب عام 1984 وفرض مرشحين غير معروفين فرفضت أمانة المحافظة وتفجر الصراع من جديد بمناسبة الانتخابات الحزبية بالمحافظة التي قاموا بتزويرها واستبعاد مناطق بأكملها لتدعيم عناصرهم ) والملاحظ أن فريقا من الناصريين وقف في صف الماركسين خلال تلك الأزمة حيث قام ثمانية من أعضاء الحزب بالمحافظة بإصدار بيان ينكر انتماء المستقلين للناصريين ويقول ( الحقيقة هي أننا نحن مجموعة الناصريين الشرفاء الذين يريدون النضال مع كل التيارات اليسارية داخل التجمع وخارجه في مصر أو في الوطني العربي ورفضنا أن يكون هؤلاء الأشخاص الذين يزعمون أنهم منتسبون للناصرين زورا على رأس الحزب في المحافظة)

وأدان البيان ( ما يدعيه هؤلاء الأشخاص من هيمنة أحد التيارات على الحزب فحرية الكلمة مكفولة داخل حزبنا لجميع التيارات والفصائل)

وتجدر ملاحظة أنه رغم تركز الصراع على النفوذ داخل الحزب بين هذين القطاعين من الماركسيين والناصريين فقد كان الإحساس بهيمنة ماركسة على الحزب دافعا للانسحاب التدريج لبعض مؤسسي الحزب وقد عبر أحدهم عن ذلك الإحساس بقوله : ( لقد أدرك الفرقاء الذين كانوا يمثلون فصائل التجمع أن هذا البيت ليس بيتهم وإنما بيت فريق واحد غريب عن التراب والشعب المصر ي .

وقد استقال د. يحيي الجمل من الحزب عام 1983 لهذا السبب حيث تضمن خطاب استقالته عدم وجود خلاف بشأن ما صدر من قرارات حزبية وإنما تركز احتجاجه على أوضاع الحزب الداخلية التي تعطل الانطلاقة الواسعة لنشاطه وبسبب هذا الصراع أيضا وللأساليب التي يدار بها عجز بعض المثقفين اليساريين المستقلين الذين انضموا للحزب عن التعايش مع أوضاعه الداخلية مثل يوسف القعيد وجمال الغيطاني وعبد الرحمن الابنودي الذين انتقدوا هذه الأوضاع .

فعلي سبيل المثال عبر القعيد عن خيبة الأمل الذي أصابته لدي انضمامه إلى الحزب الذي ( ظهرت فيه نفس عيوب السلطة التي يهاجمها : مراكز قوي وتحلق حول زعيم الحزب ) وقد ورد الأمين العام على انتقاداتهم مركزا على أنهم ( ليسوا جزاء من بدن الحزب ، فيوسف القعيد علاقته محدودة جدا بالتجمع ولا يحضر ليشارك في اجتماعات قسم الصحافة أو مكتب الأدباء والفنانين والكتاب أو لجنة الدفاع عن الثقافة القومية إلا نادرا وأنا أعرف أن صاحب الرأي الانتماء هو الذي يحرص على المشاركة ومع ذلك لم أسمع منه أى اعتراض كما أن الابنودي لم يحضر أى مستوي حزبي أو مكتب أدباء ليعبر عن وجهة نظره إذن الثلاثة ليسوا من جسم الحزب ، وبالتالي فمن أين لهم أن يعرفوا مدي الديمقراطية الداخلية في الحزب )

وقد أثار شيوع الاعتقاد في وجود هيمنة لمجموعة ماركسية على الحزب انزعاج أمينه العام الذي دأب على نفي ذلك بأساليب متباينة ففي بعض الأحيان اعتمد على تقديم حجج تقوم على المنطق لنفي هذه الهيمنة ومن أبرزها

• كيف تكون هناك سيطرة لتيار معين سواء ماركسي أو غيره على قيادة الحزب التي انتخبت من المؤتمر العام الذي أنتخب بدوره من قواعد الحزب التي تتكون من أغلبية تجميعية لا تنتمي لأى تيار بذاته ؟

• تعرض الحزب بكل تيارته لحملات القمع منذ مولده ولا شك أن الذين صمدوا من أعضائه وقادته طوال هذه السنوات ومهما كانت أصولهم الفكرية هم تجمعيون ومعبرون عن الحزب ولو كان هناك إحساس لدي بعضهم بقوة ونفوذ تيار معين داخل قيادة الحزب ، فالحوار وقواعد العمل الديمقراطي ه الطريق الوحيد للتصحيح.

• والحكم على أى حزب من حي توجهاته واختياراته وليس بحجم ودور تيار معين في التشكيلات القيادية .

فهذه ترتيبات داخلية تخضع لمستو الناشط والحركة وتقبل التغيير لكن الحكم على الأحزاب يقوم على خطها السياسي ومواقفها ومدي تعبيرها عن مكونات الحزب وهو الأمر الذي يتحقق حوله اتفاق واسع داخل حزبيا.

لكن في أحيان أخري اتسم خطاب الأمين العام للتجمع في هذا المجال بالتحدي فعلي سبيل المثال طرح في لقاء حزبي بالمنيا في أكتوبر 1983 قضيتين بشأن هذا الموضوع .

الأولي أن دعوة السيطرة الماركسية تعتبر من ( بقايا مخلفات الحرب المسعورة التي شنها السادات ضد الحزب) والثانية أن الماركس غير الشيوعي ( فالشيوعي يؤمن بقيام حزبه المستقبل وهو يخضع حتى اليوم للتحريم وفقا لقانون العقوبات وأتحدى أن يكون هناك حكم قضائي واحد أدان أحد قيادات التجمع بعضوية حزب شيوع أو توزع مطبوعات شيوعية أما إذا كان المقصود أن الفصيل الماركسي داخل التجمع هو الأكثر نشاطا وحركة فهذه قضية أخري)

ويبدو أن الأمين العام كان على قناعة بالفعل بأن التيار الماركسي داخل الحزب أكث نشاط وحركة ولذلك لم عط اهتماما واسعا لمواجهة مشكلة نفور آخرين من سيطرة هذا التيار واقترن بذلك اعتقاده بمحدودية دور الناصريين في الحزب فقد عبر عن إدراكه لهذا الدور بقوله أن ( بعضهم دخل الحزب بمنطق قدم هنا وقدم هناك بمعني أن وجودهم بالتجمع مؤقت لحين ظهور حزبهم لكن معظمهم يقولون أنهم سيبقون في التجمع حتى لو ظهر الحزب الناصري والذين سيذهبون لهذا الحزب لن يمثلوا أى خطر على التجمع فقد تم حسابهم بالعدد.. وهم نسبة غير كبيرة ويتركزون في محافظتين أو ثلاث وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد في عدد آخر من المحافظات .

رابعا  : حزب الوفد الجديد

لم يواجه رئيسه أى تحد جد لنفوذه بعكس رئيسي الوفد القديم الذين انخرطا في صراعات مع مجموعات من النخبة الحزبية كما تبين من الفصل الثاني في هذه الدراسة لكن كانت هذه محاولات مبكرة لهذا التحدي عند تأسيس الحزب عندما اعترض البعض على استبعاد أكثر من نصف المؤسسين من التشكيل الرسمي للهيئة التأسيسية لموازنة نسبة الخمسين بالمائة للعمال والفلاحين وكان على رأسهم عبد الحليم رمضان الذي أقام دعوي ضد رئيس الحزب وسكرتيره العام ببطلان عقد تأسيس الحزب لهذا السبب كما واجه رئيس الحزب تحديا آخر عام 1984 من عضو بالجمعية العمومية للحزب أكد أن ( الوفد الأمل ليس هم حزب سراج الدين . لأن حزب الوفد الحقيقي لم يشكل حتى الآن وقد تم التحقيق معه بواسطة السكرتير العام المساعد حيث أكد صحة ما نسب إليه .

لكن لم يتخذ أى إجراء ضده غم إدعائه بأنه لم يكف عن محاولة التصحيح داخل الحزب إلى أن تم استبعاده من اجتماع الجمعية العمومية في يونيو 1986 ثم فصله بعد ذلك مع ثلاثة آخرين من أعضاء الحزب .

لكن كان هذان التحديان كما هو واضح من النوع الرمزي لأن صاحبيهما لم يمتلكا أى أساس للقوة يمكن الاعتماد عليه لتحدي نفوذ رئس الحزب ، ومع ذلك فالملاحظ أنه أبدي حرثا بالغا على تأكيد وتدعيم هذا النفوذ بأشكال مختلفة وكان أبزرها وأكثرها وضوحا أسلوبه في التعامل مع مخالفة أعضاء الهيئة البرلمانية للوفد لتعليماته لهم بضرورة حضور حفل الشاي الذي دعا رئيس الجمهورية أعضاء مجلس الشعب إله بمناسبة نهاية الدورة البرلمانية في الثاني من يوليو 1985 فقد أصر نواب الحزب على الاعتذار عن الحفل احتجاجا على أسلوب رفع الحصانة عن زميلهم مصطفي شردي وما يتعلق به من انتهاكات رئيس المجلس ومواقفه ضدهم ولم يكن موقفهم هذا موجها ضد رئيس الحزب بأى حال .

وهذا ما أكده هو بنفسه بعد ذلك حين أشار إلى أنه ( عندما اعتذر نواب الحزب الذين كانوا في حالة نفسية سيئة بسبب تصرفات رئيس مجلس طلبت منهم الاستجابة إلى الدعوة غير أنهم كانوا لا يزالون تحت تأثير الثورة النفسية فلم يلبوا الطلب واعتقدوا أنن لو علمت بتفاصيل ما حدث في الجلسة لكنت وافقتهم على موقفهم لكنني لم أقتنع بهذا واعتبرت امتناعهم عن تنفيذ ما طلبته خروجا خطيرا على رئيس الحزب مما يعرضه للاهتزاز الشديد وكنت بين أمرين إما مساءلة هؤلاء النواب وإما أن أستقيل من رئاسة الحزب وقد فضلت الاستقالة )

وهكذا فرغم إدراك رئيس الحزب للظروف المحيطة بموقف النواب وتأكده من عدم وجود أى تحد له فقد لجأ إلى أسلوب التلويح بالاستقالة وهو أسلوب تقليدي معروف في الأحزاب السياسية يلجأ إليه الرئيس لدعم نفوذه في الحالات التي يصعب الاستغناء عنه بصفة خاصة وبالفعل لم يكد رئيس الوفد يعف عن عزمه على الاستقالة حتى تحرك بعض أعضاء النخبة العليا والعامة يرجونه عدم تقديمها وأسرع أعضاء الهيئة البرلمانية لتقديم الاعتذار له واستمرت طقوس تقديم هذا الاعتذار خمسة أيام كاملة حشد عدد كبير من أعضاء الحزب بالأقاليم في المقر الرئيسي حتى اجتماع الهيئة العليا في السابع من يوليو 1985 وأسفر ذلك الاجتماع عن قبوله عدم الاستقالة وصدر عنه بيان يؤكد ( الثقة الكاملة وغير المحدودة في شخصه والسعادة البالغة لاستجابته لرجاء الهيئة العليا وجماهير الوفد بالعدول عن الاستقالة أو مجرد التفكير فيها وقد سبق اجتماع الهيئة العليا اجتماع أخر للهيئة البرلمانية بحضور رئيس الحزب تلا فيه مصطفي شردى بيانا تضمن بعد تأكيد أصيل الوفاء وصادق الولاء ، الإشارة إلى ( أننا في وقفنا لم نعتقد أبدا ولا يكن أن يحدث يوما أن نخالف لكم قرارا)

ولم تكن هذه أول مرة يلجأ فيها رئيس الوفد إلى عمل يثير ضجة بغرض تأكيد نفوذه والحيلولة دون ظهور أى شك في هذا النفوذ ويدخل في هذا الإطار إصراره على فضل شققه يسين سراج الدين في أكتوبر 1984 ، بسبب عدم امتثاله لقرار انسحاب ممثلي الحزب من برلمان وادي النيل احتجاجا على أسلوب رئس مجلس الشعب الذي اختارهم دون تشاور مع رئيس الوفد بينما سارع ممتاز نصار ومصطفي الطويل للانسحاب وكأنما كان رئيس الحزب يوجه بذلك رسالة ضمنية لكل من يفكر في عدم الامتثال الكامل لإرادته ومؤداها أنه لن يتسامح مع أى " عاص " حتى لو كان شقيقه كما انطوت هذه الرسالة ، من ناحية أخري على رد قوي على أى انتقادات توجه له بمحاباة أفراد أسرته وبذلك أتيحت له فرصة لردع أعضاء نخبة الحزب والظهور بمظهر ديمقراطي في أن واحد .

وقد استمر فصل يسين سراج الدين ثمانية أشهر وعشرة أيام حيث وافقت الهيئة العليا على عودته إلى ممارس ة مهامه بالحزب في السابع من يوليو 1985 في نفس الاجتماع الذي قررت خلاله التمسك برئيس الحزب ..

والواضح من المثالين السابقين أن سلوك رئيس الحزب في كل منهما كان متعلقا بموقف مرتبط بالهيئة البرلمانية، وليس بالهيئة العليا ودلالة ذلك أنه لم يشعر بالحاجة إلى مثل هذا السلوك في تعامله مع النخبة الحزبية التي لم تكن مصدرا محتملا لأى نوع من التحدي لنفوذه على عكس الهيئة البرلمانية التي تتضمن بعض أعضاء غير مرتبطين كليا بالبناء التنظيمي للحزب ولكنه يحتاج لترشيحهم لأسباب انتخابية .. وهذا ما يفسر أيضا حرصه على تدعيم سيطرته النظامية على هذه الهيئة كما فعل 1924 تحت شعار حاجة الوزارة الوفدية إلى تأييد قوي داخل البرلمان كما سبق إيضاحه في الفصل الثاني .

لكن في الوقت نفسه كان على رئيس الحزب أن يدير صراعات النفوذ التي تجري تحته ويمكن الإشارة لنوعين من هذه الصراعات :

أولهما الصراع على رئاسة بعض لجان الحزب بالمحافظات وثانيهما الصراع على بعض مناصب النخبة العلي والذي انطوى أحيانا على نوع من الاستعداد لخلافة رئيس الحزب في حالة وفاته .

1-الصراع على لجان المحافظات :

كان أبرز مثال له الصراع على لجنة الحزب بالإسكندرية بين مجموعتين أحداهما بقيادة محمد عيد ( أحد أعضاء النخبة الحزبية ) والأخرى بزعامة شفيق الديب وقد أخذ الصراع صورة قيام كل منهما بتعبئة أنصار له في اللجنة وعقد اجتماع لهم لإجراء انتخابات اللجنة بمعزل عن القيادة المركزية للحزب ،، وأدي ذلك إلى وجود لجنتين تزعم كل منهما أنه اللجنة الشرعية للحزب ، وقام رئيس الحزب بإلغاء كلتيهما وإعلان إرجاء تشكيل لجنة المحافظة لحين الانتهاء من إعداد النظام الداخلي للحزب حيث تم تشكيل لجان مختلف المحافظات بحضور مندوب من الهيئة العليا للحزب )

وقد تمكن رئيس الحزب من تهدئة الصراع حتى قيام الحزب بتجميد نشاطه في يونيو 1978 لكن سنوات التجميد لم تضع حدا لهذا الصراع الذي تجدد عقب استئناف الحزب لنشطه بشكل أكثر حدة لكن رئيس الحزب كان أكثر حسما في التعامل معه ، حيث قام بتعيين شفيق الديب رئيسا للجنة وتعيين محمد عيد عضوا بهيئة مكتبها مع ثلاثة آخرين هم زغلول بشاة وسعد أبو السعود ، وعبد الوهاب أبو سريع .

وأصر على هذا الحل رغم استمرار المشكلات داخل اللجنة ومارس ضغوطا مباشرة على الديب وعيد للحيلولة دون تصعيد الصراع بما يهدد بتجميد نشاط اللجنة ولذلك فعندما ترددت أنباء عن هذا التجميد، نفتها قيادة الحزب بشدة وأكدت صحيفة أن سراج الدين تلقي برقيتن من الديب وعيد لنفي حدوث أى تجميد ، وقد ساعد قيام إبراهيم طلعت بتجميد عضويته في الحزب حينئذ على تهدئة هذا الصراع نسبيا لكنه أكد أنه لم يفعل ذلك بسبب الخلاف على لجنة الإسكندرية وإنما قدم سببا أخر يدخل في باب صراع النفوذ أيضا وهو ( كثرة أصحاب المصالح الشخصية خصوصا الانتهازيين المتسلقين فقد عني تزاحم هؤلاء على باب الحزب يحاول كل منهم حجز تذكرته لمقعد في صفوفه ظنا منهم أن الوفد سيتولي الحكم بنفس السرعة التي عاد بها )

وكان الصراع على رئاسة لجنة الحزب بدمياط بين كمال خالد ومحمد البد راوي أبرز مثال حر لهذا النوع من الصراعات لكنه انتهي سريعا باستقالة الأول على أساس أن ( عددا من المتسلقين والنفعيين وأساتذة النفاق ظهروا على مسرح الوفد ووجدوا فه ترحيبا بل أصبح بعضهم من الصفوة المقربين ) وقد اتهم خالد بأنه كان يسعي إلى رئاسة هذه اللجنة لكنه واكد أنه كان راغبا في أن يتولاها د. حامد سليم رئيس لجنة الطلبة العليا في الوفد القديم وقال : ( لم أجرؤ على أن جعل من نفسي مقررا على قيادات أخجل من ادعاء رئاستي لها لكن السيدة نيللي سراج الدين رفضت أن يكون د. حامد سليم مقررا ، وتم تعيين محمد البدراوي شقيق زوجها بدلا منه )

ويثير ذلك قضية دور التصاهر بين عائلتي سراج الدين والبدراوي في صراعات الوفد والتي ظلت تطرح بين حين وأخر بشكل مبالغ به فلم تثبت أهميتها في أية حالة أخري بخلاف هذا الصراع على رئاسة لجنة دمياط حيث إنجاز رئيس الحزب إلى تعيين محمد البدراوي مبررا ذلك بأن ( كل الوفديين يعلمون أن كل تشكيلات الحزب مؤقتة، وسيعاد تشكيلها بالانتخاب ) والملاحظ أن جانبا من جوانب إدارة كمال خالد لهذا الصراع ارتبط بإثارته لقضية ( الوفديين والمستوفدين) لكن كان عبد الرحيم عنبر هو أبرز من ركز على هذه القضية سواء في صراع لجنة دمياط أو بشكل عام وانتهي الأمر باستقالته لأن ( الحزب استهان بالاعتبارات الوطنية والنضالية في اختياره للمرشحين لمجلس الشعب وآثر المحسوبية بإدخاله عناصر ضعيفة وغير وطنية على رأس قوائمه في الوقت الذي استبعد عناصر وفدية قديمة ) لكن الخلاف الذي أثاره عنبر حول هذه القضية لم يكن قاصرا على طبيعة مرشحي الحزب فقد اتهم رئيسه بأنه عمد منذ تأسيس الحزب إلى ( تقديم المستوفدين الجدد من حاشيته الذين لا ماضي لهم في الحزب أو في أى نضال على قدامي المجاهدين الوفديين)

وقد حاول عنبر بعد ذلك القيام بتحرك ضد رئيس الحزب بمحاولة تأسس ما أسماه ( الجبهة الوفدية) في أكتوبر 1986 برئاسة د. محمد صلاح الدين ( سعيا إلى تطهير الحزب وتصحيح مساره ) لكن لم تقم لها قائمة .

وإلى جانب الصراعين الكبيرين اللذين برزا بشأن لجنتي الحزب في الإسكندرية ودمياط كانت هناك صراعات أقل مستوي في محافظات أخري مردها احتجاج بعض أعضاء اللجان على أسلوب إدارة رؤسائها لها وأهمها .

استقالة د. حمدي يزيد عضو لجنة الحزب بالمنوفية ومقرر لجنته بأشمون عام 1984 بسبب اتهامه لرئيس لجنة المحافظة يغلق مقر الحزب بها ولا يعقد لقاءات حزبية إلا بإلحاح شديد ويصعب التفهم معه في أى أمر .

استقالة سمي مبارك عضو لجنة الحزب بمحافظة القاهرة بسبب قيام رئيسها بمحاصرة حركته في دائرته الانتخابية بشرق القاهرة .

استقالة جمال الدين الشوكي عضو لجنه الحزب بالإسكندرية عام 1986 لأن ( الحزب يدار من المنازل وليس من مقره في ظل سيطرة أهل الثقة المفروضين على شئونه بالمحافظة .

2-الصراع على مناصب النخبة العليا .

كان أبرز تعبير عنها التنافس على منصب نائب رئس الحزب الذي خلا تماما بوفاة أخر الثلاثة الذين شغلوه عام 1978 وهو د. وحيد رأفت الذي توفي عام 1987 وتركز هذا التنافس بين السكرتير العام المساعد حينذ د. نعمات جمعة ، ورئيس الهيئة البرلمانية ورئيس لجنة الحزب بالقاهرة يسين سراج الدين وهما يعتبران في الوقت نفسه أبرز المتنافسين على خلافة رئيس الحزب في حالة حيله إلى جانب الخواجة نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية لكنه افتقد للنفوذ كما يظهر من عجزه عن للتأثير على موقف الحزب خلال أزمة ونقابة المحامين التي كان الخواجة الطرف الرئيسي فيها خلال دوراتها المتتالية منذ عام 1985 .

والملاحظ أنه في الوقت الذي تم استبعاد الخواجة من القائمة التي دعمها رئيسا لحزب وفازت في انتخابات الهيئة العليا عام 1989 فقد تضمنت هذه القائمة أبرز منافسيه في صراع النقابة وهم أحمد ناصر ود. محمد علوان وحامد الأزهري ورغم أن بعض الاجتهادات ذهب إلى ترجيح مشاركة د. نعمان جمعة في تصعيد الصراع ضد الخواجة في النقابة لإنهاء أية إمكانية لقدرته على المنافسة داخل الحزب فليس ثمة ما يؤكد ذلك لكن الخواجة اتهم رئيس حزب الوفد بأنه لم يرض عن موقفه الحريص على استقلال النقابة : ( أردت ن تكون النقابة قومية بعيدا عن أى حزب ولو كان رغم انتمائي الأزلي له هذا الاتجاه لم يعجب الباشا والهيئة العليا واعتبروه تعاليا مني عليهم وأطلقوا على اثنين من أعضاء هذه الهيئة يحاولون تشويه سمعتي )

كما ظهر ما يدل على طموح مصطفي شردي رئيس تحرير صحيفة الحزب قبيل وفاته لدخول هذه المنافسة بعد أن أصبح أكثر أعضاء النخبة الحزب شهرة بسبب مقالاته النارية الأمر الذي دفعه إلى تدعيم نشاطه السياسيي عبر إلقاء الخطب في عديد من المؤتمرات الحزبية وخوض انتخابات مجلس الشعب عام 1987 والوصول إلى عضوية الهيئة العليا .

لكن مع ذلك ظل التنافس الرئيس بين د. نعمان جمعة ويسين سراج الدين وظهر معسكران يؤيد كل منهما أحدهما فجادل أنصار لأول بأنه الأحق لما بذله من جهد في بناء الحزب وجانب تجنب عامل الوراثة غير اللائق بالحزب والذي يؤكده الثاني أما أنصار هذا الثاني فقد جادلوا بأنه أقدم وفدي بالبرلمان لكونه شغل عضوية أخر برلمان وفدي قبل الثورة 1952 وأثبت كفاءة واضحة في رئاسته للهيئة البرلمانية للحزب وإدارته لشئون لجنته العامة بالقاهرة وطالبوا باستبعاد شبهة الوراثة لأن علاقة الإخوة التي تربطه برئيس الحزب لا ينبغي أن تكون ميزة له عبئا عليه .

لكن ثمة ما يوحي أن رئيس الحزب كان أكثر ميلا لتفضيل د. نعمان جمعة وظهر أول مؤشر لذلك في تعينه رئيسا للجنة جديدة لمتابعة النشاط البرلماني للحزب قام باستحداثها في أوج صعود التنافس وفور اختيار يسين رئيسا للهيئة البرلمانية وهو ما يعني أشراف الأول على جانب من العمل الحزبي للثاني لكن حر يسين على التقليل من أهمية هذه الدلالة بتأكيده أنه ( لا تنقض بن دور اللجنة الجديدة وعمل الهيئة البرلمانية ورئيسها فهذه اللجنة تم تشكيلها لخدمة أعضاء الهيئة حيث ستكون حلقة اتصال لها بلجان الحزب المتخصصة )

ورغم إرجاء رئيس الحزب عملية انتخاب نائب له بعد وفاة د. وحيد رأفت لحوالي عام ونصف فقد أدار التنافس في غير صالح شقيقه حيث دفع في اتجاه انتخاب ثلاثة نواب في يناير 1989 أحدهم د. نعمان جمعة فضلا عن كونه أبرزهم وأوفرهم فرصة للخلافة بسبب تقدم سن أحمد أباظة وكذلك عبد الخالق الشناوي الذي حل محل د. عبد الحميد حشيش الذي توفي بعد عدة أشهر من توليه هذا المنصب وقد نسب إلى يسين سراج الدين وصفه لذلك التطور بأنه ( انقلاب جاء قبل أيام من انعقاد الجمعية العمومية لتنتخب هيئة عليا جديدة للحزب) وفي الوقت نفسه تعرض أحمد الخواجة لاستبعاده من عضوية الهيئة العليا التي انتخبت في يناير 1989 ومن رئاسة لجنة العلاقات الخارجية التي كان نائبا لرئيسها حيث تم تعيين إبراهيم فرج رئيسا لها إلى جانب صلاحياته الأخرى .

ولكن تعيين د. نعمان جمعة نائبا للرئيس لم ينه التنافس وخاصة من جانب يسين سراج الدين حيث ظل مستمرا ورغم التوتر الذي حدث في علاقة رئيس الحزب بكل منهما في أواخر 1990 بسبب معارضة الأول لخط الحزب تجاه أزمة الخليج ومعارضة الثاني لقرار الحزب بمقاطعة الانتخابات التشريعية فقد شهدت الفترة التالية انحسار هذا التوتر ولذلك فالمرجح هو عدم تعرض التوازن المقترن بالتنافس بينهما لتغير ملموس في تلك الظروف.

خامسا : الحزب الوطني

يتميز الحزب الوطني بخلاف أحزاب المعارضة بارتباط جانب مهم من صراع النفوذ داخله بالسعي للحصول على منافع خاصة من خلال امتلاك هذا النفوذ كما أن طول فترته في الحكم يتيح التعرف على هذا الجانب بخلاف حزب مصر وهو يعتبر امتداد لترا تجربة التنظيم الواحد طويلة الأمد في مصر وغيرها من الدول التي عرفت هذه التجربة بأنماطها المختلفة والثابت أن قطاعا من أعضاء الحزب الوطني انضموا إله لأن مصالحهم تتحقق عن طريق وجودهم به حتى إذا كان هناك آخرون أمنوا بمبادئه أو بما أسماه أحد أعضائه " عبقرية مؤسسة عندما وصف تركب الحزب عند تأسيسه بأنه تضمن ثلاث قطاعات ( المؤمنون بعبقرية السادات والمؤمنون بمبادئ الحزب وأصحاب المصالح )

وفي هذا الإطار كانت صراعات النفوذ هي الغلبة على التفاعلات الصراعية في الحزب وطاغية على الخلافات السياسية والفكرية المحدودة الأمر الذي أكد الأمين العام السابق له أنه من ميراث التنظيم الواحد الذي ورث الحزب الكثير من سلبياته وكان لهذا تأثيره على طبيعة صراعات النفوذ دخل الحزب الوطني التي اتسمت بطابع أفقي ممتد في كثير من المحافظات ولذلك لم يتركز الصراع على الفوز بمناصب النخبة العليا أو العامة بقدر ما تركز على تدعيم النفوذ في الأقاليم ولا يعني ذلك أن هاتين النخبتين لم تكونا طرفا في ذلك الصراع فمن الطبيعي أن يكون لأعضائها أو بعضهم ارتباطات أحيانا ببعض أطراف الصراع ذي الطابع " المحلي " كما كان علها أن تسعي لإدارة الصراعات " المحلية على النفوذ والحد من تأثيراتها السلبية على الحزب وفضلا عن ذلك دخل الأمين العام بشكل مباشر في عدة صراعات على المستوي القيادي المركزي،

وفي هذا الإطار تبرز ظاهرة التكتل أو " الشللية" كما في حزب مصر ، باعتبارها أداة رئيسية للصراع على النفوذ في الحزب رغم محاولة بعض أعضاء نخبته نفي وجودها فعلي سبيل المثال أكد الأمين العام المساعد في نوفمبر 1986 أن ( الحزب لا يعرف الشللية ولا وجود لها بيننا وعلاقتنا على مستوي الحزب أو المستوي الوزاري علاقات متسقة ملتزمة بالمصلحة العامة التي وضعها فوق كل اعتبار ) لكن مهما كان الحرص على تجنب هذه الظاهرة فهي تظل إفرازا ضروريا لطبيعة تركيب الحزب وارتباطه الوثيق بأجهزة الدولة والحكم المحلي وما يقترن بها من منافع والملاحظ أنه عندما قرر الرئيس مبارك قبول رئاسة الحزب فسر ذلك بأن تخليه عنه قد يؤدي إلى نشوب صراعات تؤثر على وحدته والأرجح أنه كان يقصد بذلك صراعات النفوذ وما يقترن بها من تكتلات داخل الحزب . ويمكن تصنيف أهم صراعات النفوذ في الحزب الوطني إلى مجموعتين

1-صراعا مرتبطة بدور الأمين العام:

تتمثل السمة الرئيسية لهذه الصراعات في سعي الأمين العام إلى تدعيم نفوذه ضد آخرين في النخبة الحزبية أو تدعيم نفوذ هذه النخبة تجاه جماعات أو شخصيات ذات نفوذه في الدولة وأحيانا في الحزب نفسه أو الحد من تأثر هذه النخبة بخلافات قائمة في الحزب .

وكان أبرز مثال الصراع خاصة الأمين العام ضد أحد أعضاء النخبة العليا للحزب هو تصدي فكري مكرم عبد لبعض الأفكار التجديدية للأمين العام المساعد منصور حسن بشأن بناء الحزب .

ففقد كان الأخير قلقا من تكرار تجربة حزب مصر وسيطرة نخبة الاتحاد الاشتراكي على الحزب الوطني ولذلك التف هؤلاء وخاصة من أعضاء مجلس الشعب الذين انضموا للحزب حول الأمين العام بينما سعي الأمين المساعد إلى تجنيد عضويه جديدة من المثقفين البعيدين عن العمل الحزب ودي ذلك إلى تحول الخلافات لصراع نفوذ ظهر في معارضة الأمين المساعد لاختار أمناء الحزب بالمحافظات عن طريق الهيئات البرلمانية بها حتى لا يؤدي ذلك لتدعيم نفوذ نخبة الإتحاد الاشتراكي بينما أصر الأمين العام على ذلك .

ومن أمثلة الصراعات التي خاضها الأمين العام ضد جماعات ذات نفوذ بالدولة الصراع الذي دخله د. فؤاد محيي الدين عام 1983 خلال انتخابات نقابة التجاريين لدعم مرشح د. حسن توفيق في مواجهة جماعة عثمان أحمد عثمان التي وقفت وراء ترشيح د. عبد الرزاق عبد المجيد أما صراعات الأمين العام في مواجهة أعضاء بارزين في نخبة الحزب ورجال الدولة أيضا فيمكن الإشارة إلى اثنين منها :

أ‌- الصراع الذي خاضه د. فؤاد محي الدين لاستبعاد د. صوفي أبو طالب من رئاسة مجلس الشعب وإحلال د. كامل ليلة محله في أخر دورة لمجلس الشعب المنتخب عام 1979 .

ورغم وجود جانب لهذا الصراع يتعلق بخلافات سياسية حول أسلوب إدارة د. أبو طالب لموضوع تطبيق الشريعة الإسلام ية خلال مناقشته بالمجلس فقد غلب صراع النفوذ على العلاقة بينهما وارتبط بعوامل شخصية تعود جذوره إلى أواخر السبعينات عندما خرج د. محيي الدين من وزارة د. مصطفي خليل وأصبح مجرد عضو في مجلس الشعب الذي كان يرأسه د. أبو طالب وذلك قبل أن يتولي منصب الأمين العام .

وقد نجح د. محيي الدين في إقصاء د. طالب من رئاسة مجلس الشعب في أكتوبر 1983 بعد أن كان الأخير قد كسب جولة في يناير من العام نفسه عندما نجح في إقصاء رئيس تحرير صحيفة الحزب ( إبراهيم سعدة) الذي انتقده علانية رغم علاقة الأخير الوثيقة بالأمين العام لكن كان هجومه على د. أبو طالب مما يصعب الدفاع عنه حيث وصفه الأمين العام المساعد حينئذ بأنه ينطوي على تجاوز في الحديث عن بعض قيادات الحزب .

ب‌- الصراع الأقل حدة بين الأمين العام للحزب د. يوسف والي مجلس الشعب د. رفعت المحجوب والذي كان راجعا إلى تطلع الأخير للسيطرة على الحزب كخطوة في طريق سعيه لرئاسة الوزارة .

وبالنسبة للصراعات التي يضطر الأمين العام لخوضها سعيا إلى حماية النخبة العليا والحزب إجمالا من تأثيرات خلافات حزبية فتتعلق أساسا بإدارة عملية التجنيد سواء للنخبة أو لقمة المستوي القاعدي بالمحافظات وبالمناورة عند إعداد ترشيحات الحزب للانتخابات وخاصة التشريعية منها كما سبق إيضاحه وتنطوي هذه الصراعات على ممارسة ضغوط على بعض الطامحين والسعي لإيجاد بدائل لترضيه البعض منهم ومن المعتاد أن يتعرض الأمين العام في مثل هذه الظروف لهجوم عليه يمكن الإشارة على سبيل المثال إلى الاتهام الذي تعرض له د. يوسف والي عام 1987 بأنه استغل دوره في إعداد قوائم مرشح الحزب لانتخابات مجلس الشعب من أجل تصفية حسابات مع من يخالفونه الرأي باستبعادهم أو وضعهم في ذيل القوائم .

وكان هذا النوع من الصراعات مصدر أعلي نسبة من الانسلاخات عن الحزب أو ما أطلق عليه أحد الكتاب ( النزيف المستمر للعضوية لا لخلاف فكري أو سياسي وإنما لخلاف مصالح فكثير من الذين تخطاهم الحزب أو لم يرشحهم في الانتخابات خرجوا منه غاضبين .

2-صراعات مرتبطة بالعلاقة بين الحزب والمحافظين :

تعتبر هذه الصراعات من مظاهر ضعف بناء الحزب ، ومن ثم حاجته للاعتماد على الأجهزة الإدارية للدولة من أجل تدعيم مركزه ومن هنا نشأ التناقص بن هذا الاعتماد من ناحية وبين سعي بعض أمناء الحزب بالمحافظات للحفاظ على استقلالية النشاط الحزبي إزاء تلك الأجهزة التي يمثل المحافظون أهمها لقدرتهم على دعم الحزب في الانتخابات من خلال توزيع المغانم على الناخبين لدفعهم إلى انتخاب مرشحيه .

والملاحظ أن هذا النوع من الصراعات ظهر عقب تأسيس الحزب الوطني مباشرة في صورة تبدل للإتهامات بين بعض المحافظين وأمناء الحزب ببعض المحافظات إثر قرار لرئيس الحزب بتولي المحافظين مهام الإشراف على انتخابات المجالس المحلية عام 1979 فقد اتهم المحافظون أمناء الحزب بتجاهلهم والسعي إلى استبعادهم من أنشطة الحزب بينما اتهم هؤلاء الأمناء المحافظون بالتدخل في شئون الحزب .

وحاول الأمين العام حينئذ احتواء هذه الصراعات من خلال تنظيم سلسلة اجتماعات في عدد من المحافظات للتوفيق بين طرفيها لكن ظلت الصراعات مستمرة في بعض المحافظات وخاصة تلك التي تمسك أمناء الحزب فيها بالحد من تدخل المحافظين في اختصاصهم لكن شهدت بعض المحافظات في الوقت نفسه تحالف بين المحافظين وأمين الحزب ضد بعض أعضاء مجلس الشعب .

وكان برز مثال لذلك ما حدث في محافظة الغربية عام 1980 حيث دار الصراع بين محافظها أحمد القصبي وأمين الحزب بها حسن الهيثمي وبين بعض أعضاء مجلس الشعب الذين اتهم أحدهم المحافظ والأمين بممارس ة فساد مشترك.

وقد أدت هذه الصراعات في احدي الحالات إلى استقالة أمين الحزب بمحافظة الجيزة عبد الفتاح الدالي ورغم أن خطاب استقالته لم يتطرق صراحة إلى خلافة مع المحافظ فقد أشار إليه تلميحا بقوله : ( منذ أن توليت مسئولية أمانة الحزب كانت توضع أمامي العراقيل في المحافظة من أجل المصالح الشخصية ) وكان قبول استقالته يدل على تسامح قيادة الحزب مع تدخل المحافظ في شئون الحزب ومن ثم إخفاق التوجه السابق للحد من هذا التدخل بأسلوب غير مباشر تمثل في تولي الأمين العام د. فؤاد محيي الدين وزارة الحكم المحلي في التعديل الذي أجراه بحكومته في سبتمبر 1982 .

بحيث يؤدي إشرافه بحكم هذا المنصب على أ‘مال المحافظين إلى تدعيم دور الحزب في مواجهتهم لكن الملاحظ أن قبول قيادة الحزب بدور تدخلي للمحافظين تزايد عقب رحيل د. محيي الدين ويمكن الاستدلال على ذلك من الخطة التي قدمتها أمانة التنظيم بالحزب في ديسمبر 1984 تضمنت عقد اجتماع أسبوعي بأمانة الحزب في كل محافظة يحضره المحافظ ورؤساء الأجهزة التنفيذية مع ممثلي الحزب وقيادات المجالس المحلية ومع ذلك فثمة ما يدل على أنه كان هناك نوع من عدم الوضوح لدي النخبة العليا للحزب بشأن هذه العلاقة مع المحافظين فعقب إقرار تلك الخطة أثير الموضوع في لقاء حزبي ووجه سؤال مباشر إلى الأمين العام حينئذ حوله فقال ( بالنسبة للعلاقة بين المحافظين والحزب يجري الآن مسح شامل للموقف في كل المحافظات فهذه العلاقة تختلف من محفظة لآخري لأنها مرتبطة بطبيعة العلاقات داخل كل محافظة . ونحن نعي تماما كل هذا ونحن نعيد تشكيل الحزب).

وأوضح بعد ذلك في مقابله للباحث معه أن الصراع كان متوقفا على شخصية ومدي تمتعه بعقلية سياسية وبالتالي قدرته على التجاوب وإبداء المرونة في العلاقة مع أمين الحزب بالمحفظة غالبا فقد كان واضحا قبوله بدور رئيسي للمحافظين الذين تصاعدت هيمنة بعضهم على شئون الحزب بمحافظاتهم ويمكن الإشارة إلى مثالين بارزين ويؤكدان ذلك.

تغيير أمين الحزب بمحفظة الإسكندرية د. محمد عبد اللاه في أغسطس 1985 إثر حملة قادها المحافظ حينئذ على بعض أعضاء الحزب بالمحافظة الذين تصددوا لبعض سياساته .

ت‌- انصياع بعض أمنا الحزب بالمحافظات لتدخل المحافظين .

كما يتضح من إعلان صريح لأمين جنوب سيناء سالم مدخل عن أن ( تحرك يتم دائما عن طريق المحافظة ونحن على اتفاق دائم بشأن كل الخطوات والتحركات ).

ويبدو أنه نتيجة لذلك لا يتخذ أعضاء الحزب ببعض المحافظات مواقف موحدة خلال الصراعات التي يكون المحافظ طرفا بها فقد تكررت ظاهرة انقسامهم إلى مجموعتين إحداهما مناصرة والأخرى معارضة له وحدث ذلك مثلا في صراع محافظة الإسكندرية بين المحافظ وعضوين بمجلس الشعب عن الحزب وفي صراع محافظة الفيوم بين المحافظ ورئيس المجلس المحلي وفي صراع محافظة البحيرة بين المحافظ وبعض أعضاء مجلس الشعب المملين للحزب أيضا .

سادسا : حزب العمل

لم يواجه رئيس حزب العمل كما هو الحال رؤساء معظم الأحزاب الأخير موضع الدراسة أى تحد لنفوذه لكن ما تميز به هذا الحزب هو محدودية الصراع داخل نخبته على النفوذ قبل أن يبرز الصراع بين التيارين الإسلام ي و" شبه العلماني " والذي تطور كصراع على امتلاك الحزب أكثر منه كخلاف سياسي وفكري ، ويمكن تفسير محدودية صراع النفوذ داخل حزب العمل قبل تفجر الصراع بين هذين التيارين باعتماده على أسلوب الانتخاب بشكل دوري منتظم منذ عام 1982 الأمر الذي أتاح الفرصة لتنافس مفتوح كما سبق إيضاحه باستثناء منصب رئيس الحزب كما أن هناك ما يدل على قيام بعض أعضاء نخبة الحزب بالانسحاب منه في هدوء عندما يبدأ الصراع على النفوذ أو تظهر مقدماته وكان أبرز مثال لذلك قيام الأمين العام رفعت الشهاوي بتقديم استقالته قبيل انعقاد المؤتمر العام الأول عندما أدرك أن إبراهيم شكري سيستخدم نفوذه لدعم ترشح د. حلمي مراد كأمين عام جديد بدلا منه .

لكن الأرجح أن الانتخابات الدورية كانت أهم تقليص الصراع على النفوذ داخل الحزب ، بما أتاحته من فرصة للطامحين لهذا النفوذ للجوء إليها وأظهرت فاعلية واضحة قبل أن يتصاعد الصراع خلال المؤتمر الخامس في مارس 1989 ، والذي لم يخضه التيارات المتنازعان كخلاف سياسي فكري يخضع للحوار وإنما كصراع على النفوذ بل وعلى امتلاك الحزب ولذلك خاض كل منهما مباراة صفرية " عبر السعي لاستبعاد كل من ليس معه بالكامل واجتثاث أى نفوذ لغيره ومع ذلك فقد ظلت نخبة التيار الإسلام ي تجادل بأنها لم تسع للاستبعاد الشامل وتؤكد أن المقصود كان استبعاد عدد قليل من العناصر التي استغلت الحزب لأغراض شخصية وبأساليب أساءت إلى سمعته مثل الحصول على عقود للعمل بليبيا وبيعها في مقراته إضافة لعناصر ثبتت علاقاتها بأجهزة الأمن وفي سياق هذه المجادلة جري تفسير اتساع نطاق الصراع في الحزب بعاملين :

أولهما أن المرغوب في استبعادهم لجئوا لإثارة قضية الاشتراكية واقتلعوا خلافا فكريا وضموا إليهم آخرين كانوا متزمرين لأسباب أخري بعضها من رواسب الانتخابات التشريعية لعام 1987 عندما استبعدوا من قوائم المرشحين وثانيهما تدخل أجهزة الأمن لصالح هذه المجموعة عشية وخلال المؤتمر العام مما جعل الكثيرين من أعضائه يصرون على عدم انتخاب أى منهم لسيادة الشعور بمناخ المعركة ضد " الأمن " ولذلك استبعدوا أى مرشح ضمته هذه المجموعة لقائمتها غم أن قيادة الحزب كانت تفضل نجاح بعضهم مثل جمال أسعد وأحمد حرك.

وقد رد أحد ممثلي التيار الأخ حينئذ على هذه الدعوي بأن أنصار التيار الإسلام ي شنوا حملة مركزة ضد كل من هو ليس معهم ( فهذا يسئ لسمعة الحزب وعمل الدولة أجنبية وذاك عملي للمباحث وهذا معنا وذاك ليس معنا وكان مطلوب من كل عضو في الحزب أن يثبت أنه مع هذه القوة الجديدة وأنه ضد هؤلاء المتهمين في شرفهم السياسي الوطني )

والملاحظ أنه رغم حرص نخبة هذا التيار على إبراز الطابع الفكري للصراع بشكل مبالغ به حيث كانت لهم مصلحة في ذلك فقد أقر بعضهم بطابعه الرئيسي كصراع نفوذ فقد أكدوا أن الصراع نتج عن ( تحرك مراكز القوي الجديدة للسيطرة على الحزب ) ونفوا أن يكون الصراع بين تيارين فكريين وإنما هو صراع ( مع حفنة من أصحاب المصالح تولوا مناصب داخل الحزب فأفسدوا جرائمهم تستروا وراء الشعارات الإسلام ية .

لكن كن التيار الإسلام ي هو الأقدر على استبعاد الآخرين من النخبة التنفيذية الجديدة التي أنتجت في المؤتمر العام الخامس ، والملاحظ أن احتجاج هؤلاء على نتائج هذه الانتخابات تركز على ما حدث في فترة الإعداد للمؤتمر وليس على سلامة عملية الانتخابات نفسها خلاله وهذا ما يفسر إقرار أحمد مجاهد خلال هذا المؤتمر وقبيل حدوث الانشقاق بنزاهة المشرف على الانتخابات مع إشارته الواضحة إلى أن نتائجها تنسق مع ما سبقها من إعداد كما فسر تأخر احتجاج المنشقين إلى ما بعد إعلان نتائج الانتخابات رغم معرفتهم بما جري من إعداد سابق بأنهم ( كانوا على ثقة رغم ذلك بالانتصار اعتمادا على روابطهم القوية بالمحافظات ولم يكونوا راغبين في نسف المؤتمر لكنهم فوجئوا بوجود أعضاء بالمؤتمر شاركوا في عملية التصويت من خلف ظهورهم رغم أنهم ليسوا أعضاء بالحزب ثم مضوا إلى حال سبيلهم بينما بقي أعضاء الحزب الحقيقيون الذين كان بإمكانهم مناقشة نتائج الانتخابات مما دفع التيار الإسلام ي لإنهاء المؤتمر بطريقة غير شرعية .

وقدرت نخبة التيار الإسلام ي بأن التغيير الذي حدث في تركيب المؤتمر العام كان حصيلة نضال سياسي استمر عامين وأن التيار الأخر افتقر الروح الديمقراطية اللازمة لتقبل الهزيمة والانتصار فحقيقة ما حدث من وجهة النظر هذه أنه ( كان هناك اتجاه استطاع من خلال نشاط مخلص دؤوب أن يغير توجه الأغلبية في الحزب بشكل ديمقراطي وبأساليب مشروعة وفقا للائحة أما التيار الأخر فقد أراد أن يحكم الحزب بالقوة بغض النظر عن إرادة قواعده .

على هذا النحو يمكن القول بأن نقطة الخلاف الرئيسية بين التيارين حول عملية إدارة الصراع بينهما وصولا للمؤتمر العام الخامس تركزت في مدي مشروعية الإعداد الذي قام به التيار الإسلام ي لهذا المؤتمر فقد أكد معارضوه انتقاء هذه الشرعية لحدوث تزوير في تشكيلات بعض المحافظات ومنح بطاقات عضوية لمن لا يستحقونها لكن أكدت نخبة هذا التيار مشروعية ذلك الإعداد وعدم تعارضه مع النظام الداخلي للحزب .

وكانت نتيجة هذا الصراع تعرض الحزب لأول انشقاق فتاريخه لكن أخفقت محاولة المنشقين والتي اقترنت بها معركة لانتزاع بعض مقرات الحزب لتأكيد نهم يمثلون حزب العمل الشرعي ..

ولم يتعرض الحزب لانشقاق أخر قبل هذا وإنما لعدد الاستقالات الفردية والانسلاخات المحدودة حيث لم يعرف كما سبقت الإشارة مهمة على النفوذ لفترة طويلة بعد تأسيسه وكان أهمها الصراع الذي خاضه بعض أعضاء حركة مصر الفتاة القديمة لتدعيم نفوذهم في الحزب على حساب غيرهم عقب تأسيسه مباشرة وهذه حالة كانت قريبة الشبه بمشكلة ( الوفديين والمستوفدين ) في حزب الوفد لكنها لم تؤد سو إلى صدام بين رئيس الحزب وعدد قليل من أعضاء " مصر القناة" على رأسهم على الدين صالح الذي ترك الحزب عام 1981 وقام بعد ذلك بتأسيس حزب مصر الفتاة الجديد الذي حصل على حكم قضائي لصالحه عام 1990 وضم هذا الحزب بعض أعضاء نخبة حزب العمل الذين تركوه في فترات مختلفة مثل محمود المليجي ويوسف الحواتكي وصلاح عطية ، وجلال ندا وحمدي أحمد .

وفضلا عن ذلك كان هناك احتجاج من بعض أعضاء نخبة الحزب على احتكار رئيسه أو استئثار أمينه العام بالسلطة أكثر مما كان ثمة صراع واضح على هذه السلطة .

كما تحدث أحدهم عن شكوى أمنيه العام د. حلمي مراد أحيانا من احتكار رئيس الحزب لكل شئ مما لا يتيح له ممارسة اختصاصاته لكن ليس ثمة ما يؤكد هذه الشكوى خاصة أن الرئيس والأمين العام كانا متهمين بالتفاهم التام إلى حد اعتبارهما ( حزبا داخل الحزب . فهما متفاهمان على كل شئ وينقذان ما يتفقان عليه بصرف النظر عن رأي بقية القيادة)

المبحث الثالث الخلافات السياسية والفكرية

حسن التمييز في بحث هذا الموضوع بين الحزبين الحاكمين على التوالي خلال فترة الدراسة ( حزب مصر والحزب الوطني) وبين أحزاب المعارضة فبسبب طبيعة تكوين والظروف المحيطة بالحزبين الحاكمين اقترن هذا الخلاف داخلهما بالموقف من بعض سياسات الحكام غالبا وطغي عليه الطابع التفصيلي في معظم الأحوال أما الأحزاب الأخرى المعارضة فقد شهد معظمها خلافات أساسية حول العديد من القضايا يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي قضايا الانتخابات العامة وتداعياتها وال خط السياسي للحزب وصحيفته .

وقد اتسم أسلوب إدارة هذه الخلافات بقدر ملموس من الديمقراطية بعكس أسلوب إدارة الصراعات على النفوذ ويبدو هذا أمرا منطقيا لأنه كلما ابتعدت الخلافات عن المناطق الحساسة المتعلقة بنفوذ رئيس الحزب بالذات أصبح من الممكن التعامل معها بأسلوب ديمقراطي سواء من خلال اللجوء إلى التصويت في المستوي القيادي أو فتح حوار منظم أو إتاحة الفرصة للاتجاهات المختلفة للتعبير عن نفسها .

كما سيتضح في هذا المبحث فالقاعدة أن التسامح يزداد كلما كانت القضية موضع الخلاف لا تنطوي على تهديد لنفوذ الرئيس أو الحلقة الضيقة المحيطة به ويمكن أن نجد سوابق لها في أحزاب ما قبل 1952 كما يتضح من الفصل الثاني في هذه الدراسة حتى في حزب الوفد وجماعة الإخوان حيث بلغ الأسلوب السلطوي في إدارة الخلافات ذروته فقد رأينا كيف تسامح سعد زغلول في بعض الخلافات التي لا تمس زعامته وسلطته كما حدث مثلا في الخلاف مع بعض قادة الوفد الذين انضموا لوزارة زيور عام 1924 على غير رغبته .

كما وجدنا أن النحاس لم يحسم الخلاف بين مجموعتي كبار الملاك والطليعة الوفدية في أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات بشكل سلطوي وإنما كان دوره أقرب إلى الموازنة بينهما بعكس أسلوبه في التعامل مع القيادات التي اعتبر سلوكها تحدا لنفوذه مثل ماهر والنقراشي ومكرم عبيد وكان المرشد الأول للإخوان يتسامح أيضا في الخلافات الصغيرة التي لا تمس زعامته لكن الملاحظ أن مستو الديمقراطية في إدارة الخلافات غير المتعلقة بالنفوذ أصبح أعلي في الأحزاب المعاصرة وخاصة أحزاب المعارضة التي سنركز عليها هنا .

أولا : إدارة الخلاف حول قضايا الانتخابات وتداعياتها

يقصد بذلك الخلافات المتعلقة بالموقف من المشاركة في الانتخابات ومن تعيين بعض أعضاء النخبة الحزبية في مجلسي الشعب والشورى .

وقد عرفت أحزاب المعارضة الأربعة هذا النوع من الخلافات بأشكال ومستويات متباينة فكان حزبا الأحرار والوفد أقلهما تعرضا له .

فبالنسبة لحزب الأحرار كان رئيسه قادرا على تحديد موقف الحزب من المشاركة في الانتخابات من خلال التنسيق مع أحزاب المعارضة أو بعضها في معظم الأحوال دون أن يتحول هذا الموضوع إلى قضية داخلية وكان الخلاف الوحيد المرتبط بالانتخابات ، أو بتداعياتها ، في حياة هذا الحزب حول تعيين رئيسه في مجلس الشورى عقب انتخاباته التي قاطعها الحزب في أكتوبر 1986 .

ورغم الخلاف الذي ترتب على قبوله التعيين فقد ساعدت الإدارة الديمقراطية له على الحد من تفجره رغم إصرار عدد من أعضاء النخبة الحزبية على الرفض وقد ارتبطت حدة هذا الخلاف بعكس ما هو معتاد في الحزب بانضمام صلاح أبو إسماعيل إليه قبل ذلك بحوالي عشرة أشهر ورغبته في تدعيم نفوذه إثبات قدرته على التأثير في موقف الحزب ..

واستند المعارضون للتعيين إلى عدم اتساقه مع موقف الحزب الذي شارك أحزاب المعارضة الأخرى في مقاطعة انتخابات المجلس وإلى أن القيمة الحقيقية التي ينبغي أن يتمسك بها رئيس الحزب هي موقعة بالشارع السياسي أما مؤيدو التعيين فقد استندوا إلى ضرورة أن يكون للحزب صوت في مجلس الشورى كما في أية مؤسسة تمثيلية أخري .

وقد طرح الموقفان ودار حوار ساخن بينهما وصف بأنه معركة في اجتماع للمجلس الدائم بدأه رئيس الحزب بالسعي إلى التهدئة من خلال تأكيد أنه لم يقرر قبول التعيين وملتزم بقرار الحزب لذلك فعندما جاءت نتيجة التصويت لصالح التعيين ( ستة وعشرون مقابل أربعة عشر) أمكن عبور الخلاف دون خسائر رغم تهدد صلاح أبو إسماعيل بالاستقالة .

وقد تعرض حزب التجمع لمشكلة من هذا النوع لكن دون حدوث خلاف جوهري علها عندما قبل عضو الأمانة العامة د. ميلاد حنا التعيين في مجلس الشعب إثر انتخاباته التي جرت في مايو 1984 لكن في هذه الحالة كانت هناك مخالفة صريحة لقرار صادر عن هذه الأمانة في العاشر من يونيو 1984 برفض قبول التعيين وقد تمت إدارة هذه المشكلة على ثلاث مراحل فتمثلت المرحلة الأولي في محاولة إثناء. د. حنا عن قبول التعين من خلال اتصالات معه وفي اجتماعيين للأمانة المركزية بحضوره في العشرين والرابع والعشرين من يونيو .

وأخر تنظيم لقاء له مع الأمين العام للحزب لكن انتهت هذه المحاولات باعتذاره عن عدم تلبية طلب الحزب ولذلك كانت المرحلة الثانية هي اتخاذ قرار حزبي بشأن موقفه وتم ذلك خلال اجتماع للأمانة العامة في 25 يونيو 1984 أسفر عن بيان يؤكد التمسك بقرارها السابق الخاص برفض التعيين ويقرر بإجماع أعضائها إيقاف د. حنا عن ممارسة النشاط الحزبي لحين انعقاد اللجنة المركزية صاحبة الحق في اتخاذ القرار الخاص بعضويته بالحزب .

وجاءت المرحلة الثالثة مع انعقاد دورة اللجنة المركزية في أكتوبر 1984 والتي شهدت خلافا حول مستقبل عضويته بالحزب فقد ظهرت دعوة إلى فصله نهائيا لكن وافقت الأغلبية على تنزيله من مستواه القيادي إلى العضوية العادية على أساس ما لوحظ من حرص على الاحتفاظ بصلته بالحزب مع تأكيد أنه لا مثيل الحزب باسمه في مجلس الشعب أو في أى منتدى ساس آخر .

وقد عاد حزب التجمع ليواجه مشكلة أخري أكثر عمقا عقب انتخابات مجلس الشعب لعام 1987 حيث ظهرت خلافات واسعة حول الأسباب الحقيقية لتدهور النتائج التي حصل عليها الحزب فيها بالمقارنة مع الانتخابات السابقة عليها ، وقد تم التعامل مع هذه الخلافات بأسلوب ديمقراطي حيث أقرت قيادة الحزب بالحاجة إلى فتح حوار لتحديد هذه الأسباب مع الحقيقة لتدهور النتائج التي حصل عليها الحزب فيها بالمقارنة مع الانتخابات السابقة عليها وقد تم التعامل مع هذه الخلافات بأسلوب ديمقراطي حيث أقرت قيادة الحزب بالحاجة إلى فتح حوار لتحديد هذه الأسباب مع الإقرار بأنه لا ينبغي تحميل التزوير وحده مسئولية تدهور نتائج الحزب وتحويله إلى ( شماعة نعلق عليها أخطاءنا ونبرر بها النتيجة الهزيلة التي حققها التجمع ) وهذا ما أكده الأمين العام للحزب صراحة بقوله : (برغم أننا لم نغفل عن التدخل الحكومي السافر في انتخابات 1987 إلا أننا لم نكتف بالقول بأن تراجع نسبة الأصوات التي حصلنا عليها يعود إلى التزوير فقط بل سارعنا نخضع للدراسة أساليب عملنا التنظيمي والجماهيري لنكتشف نواقصنا )

وقد بدأت مناقشة الموضوع في دوره اللجنة المركزية يونيو 1987 ، حيث تضمن البيان الصادر عنها إشارة إلى أن اللجنة ( تلاحظ أن الأداء الحزبي في الانتخابات وبرغم العديد من الإيجابيات كشف وجه قصور متعددة ) ولذلك تم تكليف الأمانة العامة ( بتكثيف الحوار السياسي دال الحزب وإصدار دائرة الحوا " بانتظام لنشر ما يرد إليها من آراء أعضاء الحزب وقياداته وتقديم تقرير عن نتائج الحوار إلى دورة خاصة للجنة المركزية في النصف الثاني من شهر سبتمبر 1987 لحسمه وتحديد الاتجاه الغالب فيه وتم فتح باب النشر بالفعل في النشرة الداخلية "دائرة الحوار " على مدي تسعة أعداد حتى منتصف أكتوبر 1987 تضمنت أربعين مقالا حول هذا الموضوع كما قام أعضاء اللجنة المركزية في المحافظات بتنظيم جلسات استماع حول هذا الموضوع .

وقد أسهمت هذه الإدارة الديمقراطية للأزمة التي نجمت عن تراجع نتائج الحزب في الانتخابات 1987 في احتواء حالة الإحباط الشديد والاستياء التي سادت المستوي القاعدي في ذلك الوقت وأعطت الأمل في تدارك الأمر بغض النظر عما إذا كان ذلك ممكنا بالفعل .

أما بخصوص موقف الحزب من المشاركة في الانتخابات فقد تحدد في معظم الحالات من خلال التوافق وفي أقلها عبر وجود أغلبية كبيرة ولم يحدث أن أثار هذا الموضوع خلافات مهمة داخل الحزب لكن الموقف من انتخابات عام 1990 أثار قدرا محدودا فكان هناك تيار يري ضرورة التضامن مع أحزاب المعارضة التي قاطعت هذه الانتخابات ويؤكد أنه لا جدوى من خوضها دون ضمانات لحريتها وأن الظروف ناضج للحصول على مكاسب جزئية من خلال الضغط على النظام الذي يواجه أزمات متعددة لكن كانت الأغلبية تؤيد المشاركة لثلاثة عوامل : أولها تزايد الشعور بخطورة عزلة الحزب وغيابه عن مجلس الشعب لدورتين متتاليتين وثانيهما عدم الثقة في استعداد الأحزاب المقاطعة للسير في هذا الطريق لنهايته وثالثهما أن رئيس الوفد أخذ قرار المقاطعة دون التشاور مع الأحزاب الأخرى التي بدت منصاعة له وقد أسفر التصويت في الأمانة العامة عن تأييد المشاركة بأغلبية أربعة وثلاثين مقابل تسعة أصوات .

وبالنسبة لحزب الوفد أيضا لم يحدث غير خلاف محدود حول المشاركة في الانتخابات ثلاث مرات ففي الأولي كان الخلاف حول المشاركة في آخر انتخابات تكميلية لمجلس الشعب المنتخب في 1979 عندما خلا مقعد بدائرة كرموز في بداية عام 1984 فكان هناك اتجاه ري عدم تقديم مرشح للحزب وتأييد مرشح حزب التجمع لكن كان الاتجاه الغالب يفضل تقديم مرشح لتأكيد وجود الحزب الذي كان قد استأنف لتوه الناشط السياسي وكانت المرة الثانية بشأن فكرة دخوله انتخابات مجلس الشعب لعام 1987 في قائمة مشتركة مع بقية أحزاب المعارضة فقد كان رئيس الحزب محبذا لهذه الفكرة كما سبق إيضاحه. لكن بعض أعضا الهيئة العليا من القانونيين عارضوها وحسم الخلاف بأسلوب ديمقراطي من خلال التصويت في اجتماع لهذه الهيئة أسفر عن فوز الموقف الرافض وكان الخلاف في المرة الثالثة حول مقاطعة انتخابات مجلس الشعب لعام 1990 حيث كانت قلة من أعضاء الهيئة العليا تفضل المشاركة فيها ( يسين سراج الدن وعلوي حافظ ومني مكرم عبيد وحسن الحفناوي ) وقام هاذ الموقف على أساس أن ( وجود نواب وفدين في المجلس أيا كان عددهم يجعل هناك رقابة على الحكومة وأن المهمة الأولي للأحزاب هي الانتخابات والمشاركة بها )

لكن صدر قرار المقاطعة بأغلبية كبيرة والتزم به جميع أعضاء نخبة الحزب باستثناء علوي حافظ الذي استقال من الحزب لخوض الانتخابات مستقلا وكانت بقة غير الملتزمين ( ثمانية وثلاثون عضوا ) من غير أعضاء النخبة الحزبية ، كما أدي قبول مني مكرم عبيد للتعين في مجلس الشعب عقب تلك الانتخابات إلى قيام رئيس الحزب بفصلها دون عرض الأمر على الهيئة العليا بل دون قرار حزبي واضح برفض التعيين.

ولذلك كان ريها أنها احترمت القرار الخاص بمقاطعة الانتخابات رغم معارضتها له ولم يكن هناك قرار آخر بشأن التعيين وفسرت تجنب عرض فصلها على الهيئة العليا بأن بعض أعضائها كانوا سيعترضون ويفضلون بقاءها كهمزة وصل بين الحزب والحكم ومع ذلك فالثابت أن رئيس الحزب اعتبر قرار المقاطعة شاملا كل ما يترتب على الانتخابات من آثار وحذر مبكرا من قبول التعيين مؤكدا بوضوح أن ( كل من يقبل التعيين سيتم فصله من الحزب) كما أن البيان الصادر عن رؤساء الأحزاب المعارضة التي قاطعت الانتخابات تضمن صراحة انه تم ( الاتفاق على رفض التعيين في المجلس بحيث يفصل من يقبل التعيين)

كما واجه حزب الوفد مشكلة فريدة من جراء تداعيات انتخابات مجلس الشعب لعام 1987 وهي استبعاد عدد من مرشحيه الناجحين في مقاعد " الفئات " لصالح آخرين من " العمال والفلاحين بسبب قانون الانتخاب الذي كان معمولا به حينئذ فقد تضمن نصا على أن نلتزم الجهة المختصة بإعلان النتائج بترتيب الأسماء طبقا لورودها بالقوائم مع مراعاة نسبة الخمسين بالمائة للعمال والفلاحين عن كل دائرة على حدة ويلتزم الحزب صاحب القائمة الحاصلة على أقل عدد من الأصوات والتي يحق لها أن تمثل باستكمال نسبة العمال والفلاحين طبقا للترتيب الوارد بها ولذلك تم استكمال هذه النسبة من قوائم الوفد في عدة دوائر وترتب على ذلك استبعاد رؤساء الفئات لصالح من يلونهم من المرشحين كعمال وفلاحين.

وانطبق ذلك على بعض أعضاء النخبة الحزبية مثل ممتاز نصار وعبد المنعم حسين ود. إبراهيم دسوقي أباظة وآخرين ممن أعتبهم الحزب ضروريين لفعالية هيئته البرلمانية حيث فاز ستة فقط من مرشحيه الفئات مقابل ثمانية عشرين من الآخرين وقرت قيادة الحزب تقديم طعون في نتائج الدوائر التي استكملت نسبة العمال والفلاحين بها في قوائمه وكان من الطبيعي أن يثير موقفها هذا توترا داخليا لما فيه من تفضيل لمرشحين على غيرهم خاصة وأن رئيس الحزب تضامن مع المرشحين الطاعنين كما قام محامو الحزب من أعضاء نخبته العليا والعامة بالدور الرئيس في عملية الطعن .

ووصل التوتر إلى ذروته عندما قرر رئيس مجلس الشعب ن يقوم المجلس بالتصويت على شرعية أعضائه المطعون في صحة عضويتهم فقد طالب رئيس الحزب أعضاء هيئته البرلمانية جميعا بالتصويت ضد صحة عضوية الأعضاء المقدمة ضدهم طعونا وهو ما يعني أن يصوت هؤلاء ضد نفسهم فرفضوا بطبيعة الحال ومع ذلك حرصت قيادة الحزب على عدم تصعيد الخلاف معهم بل وسعت لاحتوائه بعد ذلك مع إدراكها لصعوبة نجاحها في استبدالهم حتى لا يحدث مزيد من التراجع في التمثيل البرلماني للحزب الذي تقلص من ثمانية خمسين عام 1984 إلى أربعة وثلاثين عضوا عام 1987 .

أما حزب العمل فقد واجه عدة خلافات تتعلق بالانتخابات وتداعياتها إدارتها بأسلوب ديمقراطي غالبا ورغم أن أول خلاف خلال انتخابات مجلس الشعب لعام 1979 كان محدودا فقد اقترن بخلافات أخري أسهمت في إحداث أول انشقاق عن الحزب فقد عارضت مجموعة صغيرة من نخبة الحزب على رأسها نائب رئيسه حينئذ محمود أبو وافية إصدار بيانا يدين التدخل الإداري في الانتخابات على أساس أنه سيجر الويلات على الحزب .

لكن كان هناك خلاف أكبر حول المشاركة في الانتخابات التالية لمجلس الشعب عام 1984 فقد دعا بعض أعضاء نخبته إلى مقاطعتها لعدم توفر أى ضمانات لنزاهتها وتم حسم هذا الخلاف حلال المؤتمر العام الثاني للحزب في ديسمبر 1983 حيث صوتت الأغلبية لصالح المشاركة لكن ظل المعارضون على موقفهم الذي استند إلى أن ( المعركة الانتخابية تحتاج إلى مناخ حر من كل قيد بينما القوانين سيئة السمعة تعكر المناخ وترهب الجماهير كما أن قانون الانتخاب الجديد فصل تفصيلا لتعطيل المسيرة الديمقراطية بطريقة شطانية)

وقد تلا هذه الانتخابات خلافان آخران فكان ولهما امتداد للخلاف حول المشاركة فيها وتركز حول تفسير نتائج الحزب فقد أكد الذين عارضوا المشاركة صواب موقفهم وخطأ الآخرين الذين أحالوا إلى أخطاء في ترتيب القوائم ونقص المندوبين وتقصير بعض الأعضاء فضلا عن التدخلات والضغوط الإدارية وكان الخلاف الثاني حول العرض الذي قدم للحزب بتعيين أربعة من أعضائه بمجلس الشعب وقد طغي هذا على سابقه وكاد أن يتحول إلى أزمة شاملة داخل الحزب.

والملاحظ أنه رغم إصرار الرئيس على قبول العرض فقد لجأ إلى تقرير ذلك من خلال أسلوب ديمقراطي فأحيل الموضوع إلى اللجنتين العلي والتنفيذية اللتين وافقتا على قبول التعيين بأغلبية طفيفة : عشرون مقابل ستة عشر وامتناع أربعة مع تخلف خمسة وثلاثين في الأول وثمانية مقابل ستة مع امتناع ستة في الثانية بكامل أعضائها وقد وصف أحد المعارضين للتعيين اجتماع اللجنة العليا بأنه ( تضمن حوارا ساخنا فكانت الأغلبية في صف التعيين )

ومع ذلك فقد ظل الخلاف قائما يهدد وحدة الحزب حيث بعض أعضائه في المحافظات بتجميد عضويتهم لكن رئيس الحزب أبدي حرصا بالغا على السعي لاحتوائه وقام بزيارات لبعض المحافظات التي اشتدت المعارضة فيها للتعيين ومن أبرزها محافظة أسيوط التي قام أمينها وعدد من أعضاء لجنتها بتجميد عضويتهم وانتهي الحوار فيها باتفاق على إحالة الخلاف للمؤتمر العام القادم للحزب الذي كان مقررا عقده بعد حوالي خمسة أشهر وقد ارتاحت غالبية المعارضين في الحزب لهذا الاتفاق الذي لم يلغ قبول التعيين لكنه أسفر وفقا لما أعلنه الرئيس عن أنه ( إذا كانت قواعد الحزب لا توافق على التعيين يمكن أن تطرحه مرة أخري في المؤتمر العام وتطرح الثقة في رئيس الحزب وقياداته ويمكن ن يصدر قرار بسحب أعضاء الحزب من المجلس وعبر أحد المعارضين عن ترحيبه بهذا الحل بقوله ( إذا كانت قضية التعيين قد حسمت فليس بصفة نهائية لأن الحسم جاء عن طريق أدني من المؤتمر العام ) وتدل هذه الخبرة على إمكانية قيام هذا المؤتمر بدور فعال في الحد من تحول الخلافات الكبرى إلى أزمات حادة تشق صفوف الحزب إذا توفرت الرغبة في استخدامه لهذا الغرض وهذا ما حدث بالفعل في المؤتمر العام الثالث للحزب في ديسمبر 1984 حيث أعيد طرح موضوع التعيين ووافق عليه المؤتمر بأغلبية محدودة أيضا : مائتان وأربعة وثمانون مقابل مائتين وأربعة وعشرين مع وجود ثمانية وثلاثين صوتا باطلا.

وقد واجه الحزب مشكلة أخري من هذا النوع لكن أقل حجما بكثير عقب انتخابات مجلس الشورى في أكتوبر 1986 .

فقد اتخذت قيادة الحزب موقفا معاكسا لما اتخذته تجاه التعيين في مجلس حيث رفضت التعيين في مجلس الشورى وصدر قرار بذلك من اللجنة العليا.

لكن كان بعض أعضاء النخبة الحزبية يفضلون قبول التعيين مثل الدمرادش العقالي نائب الرئيس وأحمد مجاهد عضو اللجنة التنفيذية .

وقد أدلي الأخير بتصريح بهذا المعني انتقدته صحيفة الحزب ضمنيا عبر إشارة إلى أن قرار اللجنة العليا الذي يلتزم به أحمد مجاهد هو رفض مبدأ التعيين أما العقالي فقد فاجأ قيادة الحزب بقبول تعيينه بمجلس الشورى مما استدعي عقد اجتماع طارئ للجنة التنفيذية استبقه هو بتقديم استقالته التي قبلتها اللجنة.

وهكذا يتضح أن أسلوب إدارة هذا النوع من الخلاف يعد أكثر ديمقراطية في مختلف الأحزاب من أسلوب إدارة الصراعات المتعلقة بالنفوذ .

ثالثا : إدارة الخلاف حول الخط السياسي في أحزاب المعارضة

شهدت ثلاثة من هذه الأحزاب خلافات حول الخط السياسي للحزب وكذلك لصحيفته لكن بدرجات متباينة فكان أعلاها في حزبي التجمع والعمل وأقلها في حزب الوفد ويحسن تناول الخلافات حول خط الحزب وخط الصحيفة كل على حدة لوجود بعض التمايز في أسلوب إدارتها رغم وجود ارتباط وثيق بينهما .

1-إدارة الخلاف حول الخط السياسي للحزب :

كان هذا النوع من الخلاف أكثر وضوحا في حزبي التجمع والعمل اللذين تباينا في أسلوب إدارتهما له ففي حزب التجمع حرصت قيادته على إجراء حوار حزبي تولت الأمانة العامة مسئولية الإشراف عليه من خلال إصدار النشرة الداخلية " دائرة الحوار" التي تم اعتبارها ( الإدارة المركزية للحوار الديمقراطي و صراعه الفكري داخل الحزب) وفقا للتقرير السياسي العام الثاني .

والملاحظ أنه لم يظهر خلاف واضح حول الخط السياسي للحزب حتى أوائل الثمانينات والمرجح أن توفر اتفاق واسع على تبني خط معاد لسياسات الرئيس السادات أسهم في عدم ظهور مثل هذا الخلاف في السنوات الأولي للحزب ورغم أن الحزب تعامل مع عهد مبارك في أشهره الأولي باعتباره امتداد لسابقة فلم يمض وقت طويل حتى بدأ الخلاف حول ما إذا كان هناك تغير جاء به مبارك يستدعي إعادة تحديد الخط السياسي للحزب وإزاء ذلك طالب المؤتمر العام الطارئ للحزب ( أبريل 1983 ) الذي انعقد عند تأجيل عقد المؤتمر الثاني بإدارة حوار سياسيي داخل الحزب وقامت الأمانة العامة بتنظيم هذا الحوار تحت شعار " تعميق الوحدة الفكرية السياسية للحزب".

وكانت نتائج هذا الحوار بمثابة الأساس الذي بني عله مشروع التقرير السياسي المقدم للمؤتمر العام الثاني لكن الحوار لم نيته بانعقاد المؤتمر ( يونيو 1985 ) حيث ظلت التطورات السياسية والاجتماعية تثير قضايا تفرض استمراره .

ولذلك عادت اللجنة المركزية في أكتوبر 1986 لتكلف الأمانة العامة ( بتطوير الحوار الداخلي في الحزب وتنظيمه لمعالجة القضايا الخلافية أولا بأول من خلال انتظام نشرة " دائرة الحوار" في الصدور ومشاركة أعضاء الأمانة العامة في مناقشة القضايا الأساسية بلجان المحافظات ) ومع ذلك يمكن القول بأن قضية الخط السياسي للحزب لم تصبح موضع خلاف جوهري إلا عقب انتخابات مجلس الشعب في أبريل 1987 بسبب تراجع نتائج الحزب فيها ولذلك فقد حظيت باهتمام رئيسي في الحوار الداخلي الذي شهده الحزب بعد هذه الانتخابات فرغم تباين التفسيرات التي ظهرت لهذا التراجع برز تفسير يركز على ( ما يشوب الخط السياسي للتجمع من خلل وانحراف انعكس في الإعلام الحزبي) كما أشار التقرير التنظيمي المقدم لى اللجنة المركزية في يونيو 1987 إلى أن ( بعض قيادات الحزب تعزو عرقلة بنائه كحزب جماهيري إلى فقدانه لهويته وتمايزه عن سائر الأحزاب مما أفقده جماهيره التي وقعت في بلبلة دفعت البعض منها إلى الجماعات الدينية وألحقت البعض الآخر بالأغلبية الصامتة فضلا عن الاختلافات داخل الحزب حول الخط السياسي والعمل الجبهوي ) وقد أقر البيان الصادر عن ذلك الاجتماع للجنة بأهمية الخلاف حول الخط السياسي حيث أشار إلى أنه ( لما كان تحقيق مزيد من الاتفاق والوضوح حول الخط السياسي للحزب سيزيد من فاعلية نضالنا فإن اللجنة تكلف الأمانة العامة بتكثيف وبلورة الحوار السياسي داخل الحزب ) وحدد البيان قضايا أساسية لهذا الحوار أهمها من منظور الخط السياسي الموقف من السلطة والفئات الوسطي .

وقامت الأمانة المركزية على الفور بتشكيل لجنة لإدارة هذا الحوار وكانت نشرة دائرة الحوار " أهم منبر له على مدي تسعة أعداد ( من العدد الثاني والعشرين إلى الثلاثين ) فيما بين شهري يوليو وأكتوبر 1987 فتم نشر واحد وأربعين مقالا كتبها ثمانية وثلاثون من نخبة وأعضاء الحزب كما قامت بعض المحافظات بعقد اجتماعات للحوار وأعقب ذلك عقد ندوة للحوار التي دعي إليها المشاركون بالكتابة في النشرة الداخلية وبعض أعضاء النخبة الحزبية وخلصت لجنة إدارة الحوار إلى أعداد تقرير عن نتائجه ووصف هذا الحوار بأنه ( لأول مرة يجري حوار حقيقي في التجمع يستحوذ على اهتمام الكثير من الكوادر وبعض القوي السياسي خارجه ).

وقد أظهر الحوار وجود خلاف واضح بين اتجاهين فما يتعلق بالموقف من السلطة فقد اعتبرها أحدهما الخصم الرئيسي للحزب لأن ثقل تحالف البورجوازية الكبيرة والطفيلية يكمن في الحزب الوطنيومؤسسة الرئاسة أما لآخر فقد ري تحديد الموقف منها على أساس السياسات التي تنفذها ومدي ابتعادها عن أو اقترابها من برنامج الحزب .

واتسم هذا الاتجاه الأخير بتنوع الآراء داخله فأكد البعض أن مصلحة الحزب تفرض التمسك بالمرونة في تحديد الخصم حتى تتح له مساحة واسعة من حرية الحركة ورأي آخرون أن تحديد الخصم الرئيسي يجب أن يأخذ في الاعتبار الوضع في المجتمع كله، وليس فقط السلطة، لأن الجبهة العادية للتقدم تمتد عبر أحزاب أخر كالوفد والتحالف الثلاثي وبالتالي يمكن أن يكون هناك بديل أسوا لهذه السلطة ولم يتضح أن هذا الحوار أسهم في حل الخلاف بما يتجاوز إقرار الاتجاه الأول الأكثر تشددا بأهمية التناول الموضوعي لحركة ومواقف السلطة لكن برز خلال الحوار نقد من بعض المشاركين لتأثر الحزب بالخط السياسي لقوي يسارية خارجه ولم يشر تقرير نتائج الحوار إلى ذلك صراحة حيث اكتفي بالإشارة إلى ( إقامة علاقات صحية مع أقسام اليسار الأخرى على أساس عدم التدخل في الشئون الداخلية لأى حزب) لكن أوضحه أحد أعضاء بعض قوي اليسار خارجه والتداخل معها وكيف يمكن الحفاظ على استقلاله بحيث تكون آليات الديمقراطية الداخلية هي القاعدة التي يلتزم بها الجميع في صياغة سياسات الحزب )

وكان تقويم قيادة الحزب لهذا الحوار إيجابيا للغاية من زاوية أن ( تخلقت للحزب لأول مرة آليات للحوار تعمق الديمقراطية الداخلية في الحزب وتم إرساء تقاليد الحوار الديمقراطي بين زملاء يمكن أن يختلفوا دون أن يدفعوا الاختلافات القائمة بينهم إلى مواقف شقاق أو تكتلات أو انقسامات )

ويبدو من هذا التقويم الذي لم يتطرق إلى توحيد الخط السياسي للحزب أنه يقر ضمنيا بمحدوية إسهام الحوار في هذا المجال ، لكن واضح منه الاهتمام بوظيفة الحوار الواقية من تطور الخلافات في اتجاهات انقسامية لكن هذا الاهتمام لم ينعكس ف سلوك قيادة الحزب بشكل منتظم .

والملاحظ أن هذا الحوار تخلله حلول موعد الاستفتاء على تجديد رئاسة مبارك الأمر الذي فرض على الحزب اتخاذ موقف عملي وثيق الصلة بالخط السياسي الذي كان الحوار دائرا حوله وقد ظهرت بالفعل انعكاسات الخلاف داخل الحزب حول الموقف من السلطة فكان هناك اتجاه يري أن الخطر الرئيسي هو إرهاب الجماعات المتطرفة وأن مبارك حريص على الطابع المدني للدولة وعلى الديمقراطية وبالتالي فأي خلافات معه تعتبر ثانوية بالقياس لهذا الخطر أما الاتجاه الآخر فرأي أن هذه ليست مبررات كافية لتأييد مبارك وأنه ليس من المنطقي ن يقول التجمع لا لمبارك حين أعلن قولا أنه سيلتزم بسياسات السادات في بداية حكمه ثم تراجع عن هذا الموقف بعد أن نفذ فعلا تلك السياسات ويظهر من معالجة صحيفة الحزب للخلاف أن قيادته اعتبرت الاتجاه الأول ممثلا لأقلية استنادا إلى مناقشة كانت قد دارت حول هذه القضية في اجتماع سابق للجنة المركزية في أكتوبر 1986 وقد صدر موقف الحزب معبرا عن الاتجاه الآخر المعارض لمبارك بالفعل بعد تصويت في الأمانة العامة وبعد هذا مؤشرا على أن الخلاف القائم داخل الحزب حول خطه السياسي ظل مستمرا أما بشأن حزب العمل فرغم أنه لم ينظم اى حوار سياسي إلا أنه سمح لمختلف الاتجاهات داخله بالتعبير عن مواقفها في صحيفته وندواته ونشراته الداخلية وذلك قبل هيمنة الجناح الإسلام ي عليه ففي الفترة السابقة على هذه الهيمنة بدا أن الحزب يعاني من أزمة توجه خاصة وأن ارتباط نشأته بالحزب الوطني ورئيسه دمر مصداقية فكرة إحياء مشروع " مصر الفتاة" الذي كان في جوهره مشروعا احتجاجيا رافضا .

وفي ظل هذه الأزمة تعددت الاتجاهات داخله في مرحلته الأولي ما بين تيار غالب مؤيد لثورة 1952 ويستقطب أعداد متزايدة من الناصريين وآخر ذي ميول أصولية وثالث ذ توجه شبه ليبرالي ولذلك ظهر الحزب في هذه المرحلة مدافعا عن قضايا متعددة مثل الاشتراكية والديمقراطية والعروبة والإسلام دون تقديم صياغة محددة تربط بينها .

ويمكن القول بأن الحزب شهد خلال تلك المرحلة نوعين من الخلافات حول خطة السياسي :

أولهما:

الخلاف حول الموقف من السلطة عقب انتهاء فترة الوفاق المحدودة بين الحزب والرئيس السادات عندما بدأ التوجه نحو ممارسة معارضة جدية فقد برز اتجاه يسعي للحد من هذا التحول عبر عنه نائبا رئيس الحزب محمود أبو وافية وحسن درة والأمين المساعد د. حلمي الحديدي وكان الأول أكثرهم معارضة لهذا التحول حيث طالب بتهدئة خطاب الحزب واعترض على بعض البيانات الصادرة عنه ولما فشل في ذلك استقال مع مجموعة من أعضاء الحزب بمجلس الشعب هم فتحي السكري ، وأحمد عبد الحق ، وعبد الغفار أبو طالب ، وعلى عوض الله وكرم عيس ومحمد مخيون ، وسعد شلبي ، ومحمد عاشور ، ومحمود داود والدامي عبد العزيز، وحامد كرم ، وممدوح قريطم ، ومحب رمزي استينو وركزوا في بيان سبب استقالاتهم على خروج الحزب عن نطاق المعارضة الموضوعية وقد علق رئيس الحزب على هذا الخلاف بأن ( من يريد السير معنا عليه يعرف أن الطريق وعر وإذا غابت الكلمة الحرة فالويل لنا)

أما النائب الآخر لرئيس الحزب في ذلك الوقت فقد تركز خلافه مع خط الحزب في نقطتين الأول هي معارضة التعاون مع حزب التجمع ( من وجهة نظري الشخصية " وموقفي الذي لا أحيد عنه أنني أرفض أى تضامن مع حزب اليسار والثانية هي معارضة تطور موقف الحزب في اتجاه خصومة مع الحكومة ( إننا في حزب العمل لا يمكن أن نكون في خصومة مع الحكومة لأننا نعتبر حزبنا مكملا لإطار الديمقراطية الحقيقي الذي لا يستغني عن الرأي والرأي الآخر ) وقد اتخذ د. الحديدي موقفا مع درة في هذه النقطة من خلال حرصه على أن يكون ( حزب العمل مختلفا عن بقية المعارضة ) أطراف المعارضة الأخرى وهي أحزاب مختلفة مع النظام أما حزب العمل فهو جزء من هذا النظام ويتحمل مسئوليات فيه وقد استمر في موقعه القيادي بالحزب رغم ذلك بينما استقال د. الحديدي في مايو 1982 عندما لم يتمكن من التعايش مع الخط السياسي للحزب وقال بعد ذلك ( تركت الحزب لأنني أحسست أن هناك فرقا بين ما يرفع من شعارات وما يمارس ولم يكن أمامي إلا أن أبحث لنفسي عن طريق آخر ) أما النوع الثاني من الخلاف حول الخط السياسي للحزب في هذه المرحلة فكان متعلقا بالموقف من ثورة 1952 وعلى عكس الخلاف السابق الذي انتهي بسرعة حيث حسمته قيادة الحزب لصالح الاتجاه إلى معارضة أكثر جذرية ظل الخلاف حول ثورة 1952 مستمرا يعبر عن نفسه بين حين وآخر رغم أن الاتجاه الغالب كان مؤيدا لهذه الثورة لكن كان هناك اتجاه شبه ليبرالي يمثله نائب رئيس الحزب إبراهيم الزيادي وعضوا اللجنة العليا د. محمد عصفور وإسماعيل عامر من خلال كتاباتهم في صحيفة الحزب التي كانت تتحفظ أحيانا على بعض آرائهم بالتعليق عليها .

فعلي سبيل المثال تم تذييل مقال لإسماعيل عامر هاجم مجانة التعليم بعبارة ( ما ورد في هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط)

ودأب د. عصفور على انتقاد الكثير من أخطاء ثورة 1952 التي أطلق عليها حركة الجيش وخصص مقالا لشرح الأسباب التي تدعو ه إلى رفض اعتبار ما حدث في يوليو 1952 ثورة لكن كان الزيادي أكثر وضوحا وأوفر إصرار على نقده لهذه الثورة منذ أن بدأ يكتب في صحيفة الحزب عام 1984 وكان من الطبيعي أن تثير كتاباته هذه خلافات داخل الحزب أشار إليها بشكل غير مباشر بقوله ( كنت على يقين من أن كلماتي لا تروق للكثيرين ولكن أرجو أن أكون قد ذكرت الحقائق رغم مرارتها وهي أشد مرارة بالنسبة لنا نحن الذين سعينا إلى الثورة وضحينا بالكثير من أجل قيامها لكن في بعض الأحيان لم تكن صحيفة الحزب تحتمل انتقاداته للثورة كما حدث عندما أشار إلى أن ( الثورة نجحت في القضاء على الديمقراطية والحرية وصار الحكم الفردي هو الأصل وتم إلغاء حقوق الشعب التي كان يمارس ها قبل 1952 فقد علقت الصحيفة بأنه ( رغم الاحترام الكبير الذي نكنه للأستاذ إبراهيم الزيادي فإن " الشعب " تختلف مع التحليل الوارد في مقاله)

والواضح أنه حتى ذلك الوقت كان التيار المؤيد لثورة 1952 هو الأقوى داخل الحزب ورغم أن أمينه العام الذي تولي المنصب عام 1982 اتهم بالهجوم عليها فلم يكن هناك ما يؤكد ذلك وكان الحزب يعقد احتفالات منتظمة في ذكري الثورة وشبه منتظمة في ذكري ميلاد ورحيل عبد الناصر إضافة إلى الندوات التي ينظمها في هذه المناسبات كما كان الباب مفتوحا للناصريين الساعين لإقامة حزب لهم من غير أعضاء حزب التجمع للانضمام إلى حزب العمل فعلي سبيل المثال انضمت إليه مجموعة منهم عشية انتخابات مجلس الشعب العام 1984 وكتب أحد أعضائه أنه ( ليس هناك حائل بين الناصريين وحزب العمل الاشتراكي وعليهم أن يتعاونوا معا لأن لهم غايات اجتماعية وسياسية واقتصادية على درجة عالية من الاتفاق ) وخلال الحملة الانتخابية شارك خالد عبد الناصر في مؤتمر لحزب العمل بأسيوط.

ومع ذلك كانت قيادة الحزب حريصة على نوع من التوازن في موقفها بين الاتجاهين المتعارضين تجارة ثورة 1952 فعلي سبيل المثال أوضح رئيسه أن ( حزب العمل مهد للثورة وكافح من أجلها ولذلك فهو يختلف مع من يعتبرون أنفسهم تربوا في أحضانها وأن واجبهم يحتم عليهم الدفاع عن كل تصرفاتها ومقابل من يحاولون النيل منها فعليهم أن يتعصبوا في قوالب تأخذ مسميات مشتقة من اسم عبد الناصر إننا نري في ثورة 1952 أنها راية رفعها الشعب المصر ي كما رفع من قبل رايات ثورة عرابي وكفاح مصطفي كامل وثورة 1919 .

لكن هذا الخلاف حول الموقف من الثورة أخذ يتضاءل تدريجيا ليحل محله الخلاف حول الخط الجديد ذي الطابع الإسلام ي الذي أخذ في التصاعد ببطء منذ أواخر عام 1985 مع ملاحظة أن أنصاره لم يحملوا موقفا معاديا لهذه الثورة والملاحظ أن إرهاصات الانتقال إلى هذه المرحلة ظهرت عقب انتخابات مجلس الشعب لعام 1984 في صورة تصاعد نسبي للخطاب الإسلام ي في ندوات الحزب التي أخذت موضوعاتها تتجه صوب قضايا إسلامية مثل العدالة في الشريعة الإسلام ية والحلول الإسلام ية للمشكلات الاقتصادية والجهاد في الإسلام كما تزايد اهتمام النخبة العليا بالحديث عن الشريعة الإسلام ية كما حدث في ندوة حول هذا الموضوع أكد فيها الرئيس على ضرورة تطبيق الشريعة ونائباه على أن تطبيق المؤمنين للشريعة في صدر الإسلام أتاح لهم الفوز وأن الإسلام يحال بينه وبين التطبيق الصحيح وقد بدأت أول الخلافات حول هذا الخط الجديد مبكرا في مرحلة الانتقال وقبل أن يسود هاذ الخط فقد ارتبط جانب من استقالة د. بكر القباني وعبد الحميد غازي في سبتمبر 1985 إلى جانب الصراع على النفوذ باتهامها لقيادة الحزب ( بتغليب الإخوان على الناصريين )

ورغم نفيها لذلك فقد جاء رد نائب الرئيس ليوضح أهمية التيار الإسلام ي الصاعد حيث أكد الحزب يعتنق بموجب برنامجه الشريعة الإسلام ية مع الحرص على إبراز أنه ( لا محل لتصفية تيار لحساب تيار آخر وكل من يحاول إثارة الحساسية والعداوة بين الناصريين والإسلام يين فهو يعمل عكس الاتجاه الصحيح كما برز أحد رموز التيار الإسلام ي الصاعد أن ( مفهوم الإسلام لدي حزب العمل مختلف عن مفهومه لدي الإخوان والتيارات الدينية الأخرى فحزب العمل تيار جديد وليس تجمعا لقوي غير متجانسة أما علاقتنا بالإخوان والناصريين فهي علاقات جبهوية والملاحظ ن هذا التصور كان مقبولا لدي بعض أعضاء نخبة الحزب من خارج التيار الإسلام ي والذين اصطدموا به بعد ذلك فقد عبر حدهم عن موقف يتفق مع هذا الطرح السابق من زاوية أن ( حزب العمل يمثل مرحلة الالتقاء بين التيارين الإسلام ي والناصري وتجاوز الخلافات بينهما )

لكن كان الاستعداد لعقد المؤتمر العام الرابع في يناير 1987 ثم التحالف مع الإخوان عاملين رئيسيي وراء تصعيد الخلاف حول الخط السياسي للحزب رغم أنه لم يكن موضع مراجعة أو مناقشة خلال ذلك المؤتمر فقد ظل التقرير السياسي في إطار الخط الوطني العام حيث تبني ( برنامجا وطنيا للإنقاذ تنهض بتبعاته جبهة وطنية شاملة تلتف حول نوع من العقد الاجتماعي ) وحتى عندما أشار إلى بتطبيقها مع التسليم بأن الأمر يتطلب مرور مرحلة زمنية )

ومع ذلك فقد ظهرت دلائل أولية على تحرك يعد له أنصار التيار الإسلام ي لتدعيم خطهم في مقابل تحرك مضاد لبعض العناصر التي أطلقت على نفسها بعد المؤتمر ( قيادات حزب العمل المدافعة عن كيان الحزب وخطه الاشتراكي الديمقراطي ) وعلى رأسها الأمين العام المساعد ممدوح قناوي .

وقد لجأت هذه المجموعة الأخيرة للتصعيد من خلال بيان هاجم ( محاولة من أسموا أنفسهم بالإسلام يين الانقضاض على الحزب وتجهيزه لقوالبهم الفكرية لكن المؤتمر العام الرابع جاء مخيبا لآمالهم ومحورا جديدا لحسم ما تراخي حسمه من تلك الخلخلات الفكرية والسياسية حيث أكد ثقة الأغلبية في القيادات المدافعة عن خط الحزب الأساسي وكان هذا خطأ جسيما وضعهم في مواجهة مباشرة ضد قيادة الحزب التي اعتبرتهم ( أداة من أدوات الحزب الحاكم في حربه الشعواء للنيل من قائمة التحالف )

ودلل الأمين العام على ذلك بأنهم ( يشنون هذه الحرب على الحزب خلال المعركة الانتخابية وكان من الممكن الانتظار بضعة أيام لفتح الحوار المعركة الانتخابية وكان من الممكن الانتظار بضعة أيام لفتح الحوار إذا كانوا يقصدون صالح الحزب ) وأثار نقطتين في رده عليهم : الأولي أن حزب العمل لم يعتب نفسه أبدا من الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية المعروفة في أوروبا لكن اشتراكيته تأسست من البداية على القيم الروحية والإسلام والثانية أنهم لم يرفضوا فكرة التحالف عند عرضها وإنما انتظروا حتى إعداد القوائم الانتخابية لما لم يجدوا أنهم في الترتيب الذي يضمن لهم الحصول على المقاعد حسب تقديرهم أعلنوا ثورتهم لكن خروج هذه المجموعة من الحزب لم يضع حدا للخلاف حول خطه السياسي وقد أسهم أسلوب قيادة الحزب في إدارة الخلاف في إيجادا أرضية لتوسيعه في الفترة التالية وتمثل ذلك في الإصرار على فصلهم مما كان انتصارا للتيار الإسلام ي .

وتم الفصل بالفعل رغم معارضة ستة من أعضاء اللجنة التنفيذية مثلوا ثلاثين بالمائة من مجموع أعضائها الحاضرين للاجتماع ولم يكن هؤلاء من المعارضين للخط الإسلام ي البازغ في الحزب رغم أنهم كانوا من خارج النخبة التي قادت عملية تشييد هذا الخط ، والأرجح أنهم لم يتصوروا أمكان تطور الأمور في اتجاه استبعادهم من نخبة الحزب كليا في المؤتمر العام الخامس فقد كان الصراع في هذا الإطار على النفوذ بالأساس كما سبق إيضاحه يؤكد ذلك أن أبرزهم شاركوا في تكريس الخط الجديد للحزب بل وكان نائب رئيس الحزب أحمد مجاهد هو صاحب اقتراح أن يكون شعار المؤتمر الخامس ( نحو إصلاح شامل من منظور إسلامي ) وقد فسر بعد ذلك موقفه هذا بأن ( القضية تتعلق بالاجتهاد الذي يمكن أن نتسخلصه من الإسلام لمواجهة ما نحن عليه اليوم وهو ما رأيت معه أن برنامج حزب العمل حل إسلامي ).

أما بالنسبة لحزب الوفد فقد واجه خلافين رئيسيين بشأن خطه السياسي فكان الخلاف الأول حول قضية الشريعة الإسلام ية والعلمانية فقد واجه الحزب عند استئناف نشاطه السياسي عام 1983 مناخا عاما يقتضي اتخاذ موقف أكر وضوحا تجاه قضية الشريعة ولذلك لم يكن بمقدوره أن يحتمل خطابا علمانيا صارخا كالذي عبر عنه د. فرج فودة رغم أنه لم يكن من أعضاء النخبة الحزبية لكن قوبل كتابه ( الوفد والمستقبل برفض حاد من صلاح أبو إسماعيل عضو الهيئة العليا.

ورغم أن رواية صاحب الكتاب تؤكد أن رئيس الحزب سبق أن وافق عليه قبل استئناف النشاط .

فالواضح ان هجوم أبو إسماعيل على الكتاب صنع مأزقا أثار موضوع الخط السياسي للحزب تجاه القضية برمتها فقد طالب أبو إسماعيل بأن يعلن الحزب موقفه منها بوضوح ولجأ رئيس الحزب إلى تجنب تأييد أو معارضة ما تضمنه الكتاب لكن عندما سئل عنه أعلن أنه لا يمثل رأي لحزب وإنما الرأي الشخصي لكاتبه وادي الخلاف إلى استقالة د. فودة بعد أن شعر بأن التيار الغالب داخل الحزب لا يميل إلى موقفه واعتقد ن الإخوان المسلمين الذين تحالفوا انتخابيا مع الحزب يريدون خروجه كما تحدث عن حملات ضده داخل الحزب ( إلى حد السماح للشيخ صلاح بمهاجمتي على صفحات الجرائد ومنعي عن الرد إلا بعد العرض على رئيس الحزب بحجة الانضباط الحزبي ) ويدل قبول الهيئة العليا للاستقالة بسرعة على أن قيادة الحزب وجدت فيها مخرجا من المأزق لكنها مع ذلك لم تكن كافية لإنهاء الخلاف حول خط الحزب الأمر الذي فرض إدخال تعديل على برنامجه لجعل الشريعة الإسلام ية المصدر الرئيسي للتشريع مع إصدار بيان يحدد طبيعة الخط السياسي للحزب تجاه القضية.

واتسم البيان بنزعة توازنية تتضمن ( حرص الحزب على ألا يكون شعار الشريعة الإسلام ية موضعا للمزايدات وإيمانه بأن هذا الشعار لا يتطلب إلغاء كافة القوانين القائمة أو تعديلها جذريا لمجرد الرغبة في التغيير وكما يرفض الحزب العلمانية التي تنادي بفصل الدين عن الدولة فإنه يرفض بالمثل الدولة الثيوقراطية التي تنادي بسيطرة رجال الدين على الحكم ) .

وقد اقتضي هذا التطور أن يقوم بعض أعضاء نخبة الحزب بإعادة تفسير موقفه من العلمانية وكان في مقدمتهم نائب الرئيس الذي نفي أن يكون الوفد القديم قد دعا إلى فصل الدين عن الدولة عندما رفض النخاس تتويج الملك في الأزهر موضحا أنه كان المقصود تجنب سيطرة الدين على الدولة والانتصار للدستور الذي يحتم حلف اليمين أمام البرلمان دون غيره كما جادل السكرتير العام للحزب بأن مصر لم تعرف العلمانية الكاملة أبد ولا يمكن أن تقدر على القطيعة الكاملة بين الدين والدولة لأن لها قيما وتقاليد وأعرافا لا يمكن إلقاؤها جانبا وفي هذا الإطار أصبح الخط السياسي للحزب يتمثل في رفض العلمانية والبيروقراطية معا.

لكن هذا التطور أدي إلى استقالة عدد من أعضائه ذوي التوجه العلماني ومنهم د. محمد أنيس عضو الهيئة العليا الذي اعترض على ( الاتجاه الجديد الذي لم يعرفه الحزب طوال تاريخه ، والذي أصبح يمثل تخليا عن مبادئ العلمانية التي تحول دون مزج الدين بالسياسة كما استقال د. لويس عوض معلنا : ( فوجئت في الفترة الأخيرة بتصريحات على مستوي القمة في الحزب تعلن رفض العلمانية التي أؤمن بها كأساس للعقد الاجتماعي وركز كمال عبد الرازق في بيان سبب استقالته على ن ( النحاس لم يقبل أبدا أى خلط بين الدين والسياسة ورفض أى تعون مع الإخوان رغم سعيهم المتكرر لذلك )

ورغم أ، هذا التطور في الخط السياسي للحزب كان مرضيا لصلاح أبو إسماعيل إلا أنه عاد بعد عدة أشهر لإثارة خلاف جديد حول طرح موضوع الشريعة في مجلس الشعب ساعيا لتعميق الخط الجديد والوصول به إلى ذروته وأدي ذلك إلى صدام مع قيادة الحزب التي صارت هذه القضية مصدر إزعاج متسمر لها منذ استئناف النشاط الحزبي فعملت على وضع حد له واعتبرت أن بعض الأحاديث الصحفية التي تحدث فيها أبو إسماعيل عن خلع رداء الحزبية نوعا من الاستقالة ، فقررت قبولها في اجتماع للهيئة العليا أول فبراير 1985 .

وكان المقصود بذلك حديثا قال فيه صراحة : ( قررت خلع رداء الحزبية وغن استأنف نشاطي في المجلس فردا كما كنت )

أما الخلاف الثاني الذي واجهه حزب الوفد فكان حول الموقف من السلطة ويجدر التنويه بداية إلى أن هذا الخلاف لم يكن شبيها بخلاف التجمع حول ما إذا كانت السلطة الخصم الرئيسي وإنما اقتصر على حدود الاتصالات السياسية معها ومستوي النقد الملائم لسياساتها ورغم ن هذا الخلاف لم يناقش علانية بعكس ما حدث في حزب التجمع كان واضحا أن بعض نخبته يفضلوا أسلوبا أقل حدة في انتقاد بعض هذه السياسات وإقامة اتصالات أوسع مع السلطة وخاصة د. وحيد رأفت ويسين سراج الدين ورغم أنهما لم يعبر عن هذا الموقف بوضح تام فقد انتقد الأول صحيفة الحزب كما سيرد لاحقا كما تحدث عن خلافات داخل الهيئة العليا حول بعض القضايا السياسية ( لا تصل إلى حد الأزمة نحن نتناقش ونختلف ثم نتفق أخيرا أو نخضع لقرار الأغلبية )

وقد حدث خلاف بينه وبين ممتاز نصار داخل هذه الهيئة وخارجها بسبب تصريحات أدلي بها عقب لقاء له مع رئيس الجمهورية وانطوت على إشادة بالتطور الديمقراطي في مصر كما أكد عصفور وهو من أكثر أعضاء نخبة الحزب حدة في نقده لسياسات الحكومة عندما كتب مؤنبا د. رأفت أنه كان على خلاف شديد معه ( رغم اختلافي الشديد معه في الكثير من الآراء إلا أنه ظل بالنسبة لى أبا وأستاذا )

وقد أدارت قيادة الحزب هذا الخلاف بدرجة عالية من المرونة طالما أنه لا يشتمل على انتهاك لقرارات حزبية أو الحط من مكانه الحزب ففي هذه الحالة لجأت إلى الحسم كما حدث عندما استمر يسين سراج الدين في عضوية برلمان وادي النيل بالمخالفة لقرار صادر عن الهيئة العليا كما سبق بيانه لكن الحالة الأكثر دلالة ترشيح مبارك لفترة رئاسة ثانية عام 1987 رغم أن القرار لم يصدر بالإجماع وإنما صدر بأغلبية اثني عشر مقابل ثلاثة طالبوا بتأييد الترشيح وسبعة رأوا رفضه كليا .

فقد تم فصل ستة أعضاء بالهيئة البرلمانية لم يلتزموا بالقرار هم محمد عطية وأحمد الشويخي وأحمد حمادي وفاروق عوض المهدي وعبد العزيز عبد الكريم ومحمد حسين خليفة .

أما حزب الأحرار فيعتبر الوحيد من أحزاب المعارضة موضع الدراسة الذي لم يعرف حلافات أساسية حول خطه السياسي رغم التحولات المتعددة التي اجتازها وانطوي أحدها على تبني خط إسلامي فكان الخلاف الوحيد الذي ظهر حول خطه بسبب معارضة نائب رئيسه التي أعلنها عند استقالته لما أسماه ( تعاون رئيس الحزب مع أحزاب تختلف عن حزب الأحرار في الأيديولوجية وعقد اجتماعات معها تحت مسميات مختلفة .

وقد قاطعتها لعدم اقتناعي بها وعندما تم الاتفاق على عقد مؤتمر شعبي واسع في ميدان عابدين تدعي إليه التيارات غير الشرعية قد تمت لرئيس الحزب توصية بأرجائه لكنه تجاهلها ومضي يعقد المؤتمر الذي رفضته أجهزة الأمن ثم اضطر في النهاية مرغما للإرجاء وفيما عدا ذلك لم يظهر خلاف واضح حول الخط السياسي والأرجح إن طغيان صراع النفوذ في الحزب كما سبق ايضاحه أدي إلى غياب الخلاف حول هذا الخط وحتى عندما قدم صلاح أبو إسماعيل مطالب بشأن خط الحزب عند انضمامه إليه في فبراير 1986 ، لم يحدث خلاف حولها باستثناء الموقف من كامب ديفيد الذي سيعالجه الباحث لاحقا فقد قبلت نخبة الحزب إجمالا صبغ الحزب بصبغة إسلامية وكانت الصراعات التي خاضها أبو إسماعيل خلال فترة التحاقه بالحزب متعلقة بالنفوذ وكان معظمها ضد شخصيا ذات توجه إسلامي مثل يوسف البدري والحمزة دعبس .

2- إدارة الخلاف حول خط صحيفة الحزب :

شهد حزبا التجمع والعمل أيضا أهم الخلافات وأكثرها حدة بشأن خط صحيفة الحزب بالمقارنة مع حزبي الوفد والأحرار كما تميز حزب التجمع منذ 1985 بعلانية هذه الخلافات التي بقيت كتومة خلال الفترة السابقة وقد تداخل خلاف حول خط صحيفة " الأهالي " مع صراع النفوذ داخل الحزب وبصفة خاصة بين مجموعة يقودها ما أطلق عليه " مجموعة الأربعة " ومجموعات أخري والملاحظ أن في اجتماعات تنظيمية عدة لكن منذ بداية 1984 بدأت انتقادات أولية لخط الصحيفة بالظهور واتخذ الأمين العام للحزب في البداية موقف الدفاع عنها على أساس أنه ( لا يمكن " للأهالي من الناحية النظرية أن تخرج عن خط التجمع ولم تخرج عنه عمليا فهي ليست مؤسسة مستقلة عن الحزب لكنها صحيفة التي تعبر عن رأيه ومواقفه . ولا صحة للإدعاء الذي يحاول الفصل بين الآراء التي تظهر بها وبين مجمل مواقف التجمع )

ومع ذلك أدي استمرار هذه الانتقادات إلى إثارة أول مناقشة واسعة حول الأهالي " في اجتماع اللجنة المركزية في أكتوبر 1984 لكن جاء القرار النهائي في صالحها حيث أكد أنها ( تلتزم في خطها السياسي ببيانات وأدبيات وقرارات الهيئات الحزبي المسئولة ولا تلتزم بآراء أعضاء أو قيادات حزبية تختلف مع الخط السياسي للتجمع وهذا لا يحول دون طرح آراء مختلفة عن خط الحزب في قضايا بعينها )

ومنذ أواخر ذلك العام أخذ الخلاف يتصاعد ويفرض نفسه بشكل علني مما دعا أمين اللجنة المركزية حينئذ للدفاع عن الصحيفة على أساس أن ( هناك لائحة تحكم الصحيفة وتنظم الاختصاصات والعلاقات وتضمن الالتزام بالخط السياسي الذي يحدده المستوي القيادي مع إعطاء مجلس التحرير حرية كاملة في الترجمة الصحيفة لهذا الخط)

لكن ثمة ما يدل على أن هذه الحماية التي وفرتها قيادة الحزب لمجلس تحرير " الأهالي " أخذت تتراجع نتيجة أخطاء ارتكبها هذا المجلس وكان أبرزها الإصرار على نشر عدة تحقيقات عن مشكلة أفغانستان انطوت على نوع من التأييد للوجود السوفيتي في نهاية 1987 وأوائل 1988 الأمر الذي وضع الأمين العام للحزب في حرج وجعله يفضل استبعاد رئيس تحريرها وواكب ذلك اتجاه عدد متزايد من النخبة الحزبية لتحميل " الأهالي مسئولية الفتور في العلاقات بين الحزب وبعض القوي السياسية وإزاء ذلك أخذ الخلاف حول خط الأهالي يتطور في اتجاه أزمة داخلية الأمر الذي عالجته قيادة الحزب بفتح حوار واسع وفقا لقرار اللجنة المركزية في أكتوبر 1987 الذي حدد عدة أساليب للحوار أهمها النشر في " دائرة الحوار " ومناقشات في لجان المحافظات وجلسات استماع العاملين بالصحيفة وجري التمهيد للحوار بنشر وثائق أساسية حول " الأهالي " بينها تقرير أولي حول أدائها تضمن جوهرية أهمها :

التناقص المستمر في توزيعها مما يعكس موقف الجماهير تجاهها .

تزايد الإحساس باتجاهها إلى المبالغة مما يؤثر على مصداقيتها .

تزايد الاعتقاد بأنها تعبر عن خط متشدد وتحديدا عن خط عناصر ماركسية متشددة.

الافتقاد إلي التقدير الصحيح لردود أفعال الجماهير حول بعض القضايا الحساسة ومال مقالات أفغانستان واضح بهذا الشأن .

سوء الأداء خلال حملة انتخابات 1987 مما أدي إلى الخلط بين التجمع والحزب الشيوعي مما أثر سلبيا على موقف الناخبين .

وأورد التقرير في نهايته إشارة ذات مغزى واضح تدل على موقف قيادة الحزب الذي تحول بالكامل في غير صالح مجلس تحرير الصحيفة فقال أن الأمين العام طالب في اجتماعه بلجنة إعداد التقرير ( بضرورة مراعاة أن التجمع يجمع قوي سياسية واسعة وأن المسئول عن الصحيفة لابد أن يسعي للتعبير عن مجمل الاتجاه العام للحزب وليس عما يعتقد أنه صحيح ويتفق مع اختياره الأيديولوجي )

وتنوعت الأفكار التي تم التعبير عنها خلال الحوار ، لكن يمكن تصنيفها إلى ثلاثة اتجاهات أحدها يتم الأهالي بالانحراف عن الخط السياسي للحزب وآخر يدافع عن التزامها به وثالث يقارن بين ايجابياتها وسلبياتها كما جرت سلسلة من المناقشات في بعض لجان المحافظات ونشرت تقارير عن بعضها في دائرة الحوار " وتم تنظيم عدة جلسات استماع لصحفيي الحزب وأعضاء مجلس تحرير الأهالي وأدي ذلك إلى إعداد تقرير عن الحوار لتقديمه إلى دورة اللجنة المركزية في يونيو 1988 .

وقد استبق رئيس تحرير " الأهالي " هذه الدورة بتقديم استقالته للأمانة العامة وناشدها قبولها دون تصويت حتى لا يقع خلاف داخل اللجنة المركزية ووافقت الأمانة العامة على ذلك ومن ثم كان من السهل حدث التغيير في رئاسة التحرير بعد قبول اللجنة المركزية أيضا للاستقالة .

لكن تغيير مجلس تحري " الأهالي " وتعيين لطفي واكد ومحمود المراغي رئيسين للتحرير مع تولي الأول رئاسة مجلس الإدارة بدلا من الأمين العام للحزب لم ينه الخلاف حول الخط السياسي للصحيفة وقد أشار الأمين العام إلى ذلك بعد ستة أشهر من التغيير بقوله : ( لآن القراء يرتاحون " للأهالي" وإن كان بعض أعضاء الحزب يرونها اهدأ مم يجب هناك ري يقول أن الأسلوب السابق كان أفضل لكن هذا نتيجة لاختلاف زاوية الرؤية وقد نستمر في أسلوبنا الجديد ثم نكتشف أنه خطأ فنعود للتغيير)

ورغم أن الأزمة التالية التي شهدتها الصحيفة في أكتوبر 1989 كانت راجعة إلى قيام رئيس مجلس الإدارة بفصل صحفي لتنفيذه عملا كلفه به رئيس التحرير الآخر فقد أكد الأخير أن ( الصحفي ذهب ضحية للصراع داخل الحزب وغياب الاتفاق على الخط السياسي للصحيفة رافضا مزايدات قطاع من الماركسيين يتهمه بالمهادنة )

ما أن إقالة الصحفي كانت لسبب لا إداري حي نشر تحقيقا يتعلق بالدعوي القضائية المرفوعة من أحمد أبو الفتح ضد هيكل يتضمن وثائق مقدمة من الأخير تتناول علاقة الأول بالسلطات البريطانية والفرنسية خلال حرب 1956 وكان الموقف المتشدد لرئيس مجلس الإدارة ضده انعكاسا لجانب من خلافه مع رئيس التحرير الأخر حول الموقف من حزب الوفد فكان الأخير يعتبره عدوا لثورة 1952 تجدر مواجهته بينما رأي لأول ضرورة التلاحم مع كل قوي المعارضة ولذلك بدت الأزمة تعبيرا عن خلاف حول المد الذي يمكن أن ذهب إلى رئيس التحرير المستقيل في صبغ الخط السياسي للصحيفة بصبغة ناصرية وقد أصر على استقالته رغم محاولات إثنائه عنها وحل محله فيليب جلاب الذي تعرض لنفس الاتهام بالمهادنة لكن دون الاتهام بتغليب الخط الناصر نظرا لخلفيته الفكرية الماركسية كما تمتع بدعم قيادة الحزب له، حيث كان المجئ به لرئاسة التحرير اختيار الأمين العام نفسه وقد نجح في فرضه رغم أن الكثيرين من نخبة الحزب كانوا يعتبرون جلاب من خارج الحزب )

أما في حزب العمل فلم يظهر خلاف جوهري حول الخط السياسي لصحيفته إلا بعد تولي عادل حسين رئاسة تحريرها في نوفمبر 1985 خلفا لحامد زيدان الذي سافر للعمل في دولة الإمارات كما لم تتح الفرصة لإدارة حول موضوعي وعلني حول هذا الموضوع ففي الفترة السابقة على رئاسة تحرير عادلا حسين كانت الخلافات حول الصحيفة لا تتعلق بخطها السياسي أساسا وإنما ببعض صراعات النفوذ التي اتهم الأمين العام خلالها بالتحكم في عملية النشر بها كما سبق إيضاحه .

أما في الرحلة التالية فقد اقترن الخلاف حول خط الصحيفة بالخلاف الخاص بالخط السياسي للحزب وتحوله في اتجاه إسلامي وقد قدم زيدان بعد انقسام الحزب عام 1989 تفسيرا جديدا لاستقالته مؤداه أن توجه بعض أعضاء نخبة الحزب عقب انتخابات مجلس الشعب لعام 1984 في اتجاه إسلامي أحدث تناقضات أخذت تتزايد وحتى لا أكون طرفا في هذا الخلاف المتصاعد والذي لاحظته مبكرا عام 1985 ولما كان صعبا أن أكون سلبيا في هذا الخضم وحتى لا أتحمل مسئولية تاريخية في تصعيد الخلاف رأيت أن يكون انسحابي في هدوء )

وتجدر ملاحظة أن هذا الخلاف حول خط الصحيفة ظهر في وقت مبكر قبل أن يثار بشأن خط الحزب نفسه حث تزايدت الانتقادات للاتجاه إلى تغليب الخط الإسلام ي عليها وقد حاول المنتقدون في نهاية 1986 إقناع رئيس الحزب بتشكيل لجنة لإعداد خطة إعلامية تلتزم بها " الشعب " ورغم أنه أبدي استعداد لذلك فقد توارت الفكرة تحت ضغط ظروف حل مجلس الشعب وما اقتضته من تركيز على الإعداد للانتخابات الجديدة ومما زاد من هذه الانتقادات أن رئيس التحرير الثاني قفز إلى هذا المنصب فجأة دون أن يكون له دور سبق في الحزب .

وكانت أول مرة يظهر فيها اسمه في الصحيفة عام 1983 عندما كتب مقالا في ذكري أخيه أحمد حسين لكن الملاحظ انه لم يحدث تحولا سريعا في خط الصحيفة وإنما راعي التدرج خلال الأشهر الأولي مستفيدا من التزايد النسبي في مساحة الخطاب الإسلام ي بها قبل أكثر من عام على توليه مسئوليتها فعلي سبيل المثال كانت صفحتا " الدين للحياة" و" شباب العمل" قد أصبحتا منبرا مستمرا لهذا الخطاب منذ منصف 1984 كما بدأ بعض قادة الإخوان والجماعات الإسلام ية ينشرون مقالات بها ولجأ عادل حسين عبر أسلوب التغيير التدرجي إلى توسع مساحة الخطاب الإسلام ي كما لم يعبر عن رؤيته للهوية الإسلام ية لحزب العمل إلا بعد ستة أشهر من رئاسته للتحرير حيث أكد أنه ( ليس حليفا للتيار الإسلام ي ولكنه عضو أصيل في هذا التيار ) ثم أخذ في تطوير فكرة عدم التعارض بين الموقف من ثورة 1952 والجهاد تحت الراية الإسلام ية ( على أساس رفض النزعة الاستبدادية لهذه الثورة وتراجع التأثير الإسلام ي علها دينا وحضارة) مع تقدير ( الجهاد الذي خاضته ملايين الشباب المصر ي في الجيش والمزارع والمصانع للقضاء على السيطرة الأجنبية رغم تورط سياسة عبد الناصر في أخطاء جسيمة ) وفي هذا الاطر أي أنه ( لا تعارض بين تطلعنا للنهضة الإسلام ية وبين استفادتنا من ايجابيات ثورة 23 يوليو )

وقد أعطي التحالف مع الإخوان دفعة قوية لعملية تحويل الخط السياسي للصحيفة في اتجاه إسلامي حيث تم تأكيد أنه ( تحالف استراتيجي في تيار واحد هو تيار أصولي ومستقبلي في الوقت نفسه )

وإزاء ذلك تصاعدت الانتقادات للخط الجديد للصحيفة وتركزت الاتهامات على رئيس تحريرها باعتباره يدبر انقلابا ضد توجهات الحزب الاشتراكية فتصدي للرد معتبرا أن هذه الاتهامات ( مجرد مهاترات يبرر بها أصحابها مواقفهم الخاطئة أن كل ما أقوم به من خلال الجريدة والحزب يتفق تماما مع برامجنا ووثائقنا المعلنة ) كما نفي بعد ذلك أن يكون احد قد تقدم إليه بمقال للنشر أو بوجهة نظر ولم ينشرها وتحدي أن يكون هناك مقال منع نشره .

أما في حزب الأحرار فقد بدأت الخلافات حول خط صحيفة " النور" التي خصصت لسيطرة كاملة من وكيل الحزب بمنهج يخدم اتجاهات وقوي أخري وأكد أنه دعا رئيس الحزب ( أكثر من مرة لحسم هذا الأمر لكنه لم يأخذ باقتراحي ومضى يشيد بالجريدة متجاوزا عن أخطائها )

كما تضمنت انتقادات " جبهة الأحرار" التي ظهرت في سبتمبر 1985 أن ( رئيس تحرير النور الذي يحظي بثقة رئيس الحزب يكتب مقالات تدعو للتفرقة بين عنصري الأمة ولا تتمشي مع الخط الليبرالي للحزب بل تسير في طريق معاد للديمقراطية )

بالنسبة لصحيفة الأحرار والتي تعد أكثر صحف أحزاب المعارضة من حيث معدل تغيير رؤساء تحريرها فقد اقترن هذا التغيير بظروف متباينة تعلقت بخطها السياسي في بعض الأحيان فقد ارتبط استبعاد ول رئيس لتحريرها ( صلاح قبضايا) عام 1980 بغضب الحكم عليه حيث اعتبره رئيس الجمهورية مناهضا للنظام مما أدي إلى تعرض الصحيفة لمشكلات متكررة في طباعتها واضطرت قيادة الحزب إلى تغيير رئيس التحرير وإسناد المنصب إلى محمد الغلبان الذي أثار استياء معظم النخبة الحزبية بسبب إعطائه الأولوية الإعلانات وأدي ذلك إلى استبداله بوحيد غازي الذي أثار استياءا كذلك في صفوف النخبة بسبب تجاهله للنشاط الحزبي وكان من نتيجة ذلك أن نجح بعض أعضاء النخبة في تكتيل بالأمانة العامة مؤيدة لاستبعاده فقد كان رئيس التحري الذي خلف وحيد غازي من خارج الحزب بل وكان محسوبا على تيار آخر يعتبره بعض أعضاء نخبة الحزب متعارضا مع خطه ( محمود عوض )

فقد أخذ عليه وفقا لأحد أعضاء النخبة أنه حول الصحيفة في اتجاه ناصري بدرجة ما مع وضعها في قالب من الابهار الصحفي رغم أنه ارتفع بتوزيعها وحقق انجازا مهنيا بارزا خلال إدارته لها من خلال سعيه إلى الحد من تدخل نخبة الحزب في سياستها التحريرية ولذلك تقرر إقالته في اجتماع للأمانة العامة تلبية لمطلب عدد من أعضائها الذين عبروا عن عدم موافقتهم على الخط الذي اتبعه وفي هذه الظروف تمت الاستعانة بمحمد عامر الذي عمل لفترة في صحيفة النور ثم تحرير " الأحرار " ولم يكن لانضمام صلاح أبو إسماعيل أى دور في تعيينه رغم تزامن الحدثين .

وما لبث أبو إسماعيل أن شن هجوما عنيفا عليه لما اعتبره زيادة في مساحة الكتابات العلمانية بالصحيفة ونجح في دفع الأمانة العامة إلى توجيه إنذار له في أكتوبر 1986 واستمر عامر في منصبه حتى سبتمبر 1987 عندما اضطر رئيس الحزب لإعادة محمد عامر لكن تزامن الإقالة مع تزايد الشكاوي من نشر أخبار غير دقيقة وبعضها على درجة عالية من الحساسية أعطي له فرصة لمحاولة الإيحاء بأن استبعاده يرجع إلى توجيهات عليا لرئيس الحزب بتهدئة خط الصحيفة ولم يحدث خلاف بعد ذلك حول خط الصحيفة إلا في منتصف 1988 عندما انحازت لوجهة النظر الحكومية خلال أزمة شركات توظيف الأموال في الوقت الذي كان ارتبط الحزب العمل وجماعة الإخوان في إطار التحالف الثلاثي يفرض عليه موقفا مساندا بدرجة أو بأخرى لهذه الشركات ولذلك اتهم الأمين العام حينئذ الصحيفة بالخروج على الخط السياسي للحزب .

أما حزب الوفد فرغم أنه لم يحدث خلاف حول الخط السياسي لصحيفته فقد كان بعض أعضاء نخبته غير مرتاحين أحيانا لهذا الخط ومن أبرزهم نائب رئيس الحزب الذي أكد أنه ( من حيث سياسة الصحيفة لست مستريحا مائة بالمائة لكل ما ينشر بها لكن لا يمكن أن ترضي كل الناس من خلال ما تنشروه كما وجه نقدا مباشرا لمعالجتها لقضية الجندي سليمان خاطر الذي أطلق النار على عدد من السياح الإسرائيليين عام 1985 مؤكدا أنها لم تعبر عن خط الحزب تجاه هذه القضية ، وطالب بالتمييز بين الحزب والصحيفة ( لأن الحزب لم يستغل هذه القضية وإن كانت الوفد اضطرت لأن تشايع أحزاب المعارضة الأخرى في تعظيم هذا العمل .

وكان يجب أن تكون صحيفة الوفد أكثر التزاما في هذه القضية لكنها إلى حد ما جارت التيار العام الموجود بعد أن أصبح قويا لكنه أكثر التزاما في هذه القضية لكنها إلى حد ما جارت الصحافة ورفض أن يكون هناك ضغط على صحيفة الحزب قائلا :( صحيفة الوفد هي لسان حال حزب الوفد إلى حد ما ونحن لا نريد مصادرة الرأي وحرية تحرير صحيفة بل علينا أن ندرب صحافتنا لتقول بحرية ولا نضغط عليها ) والملاحظ أن رئيس تحرير صحيفة الحزب في ذلك الوقت طرح تصورا لعلاقتها بالحزب يقوم على أنها ( صحيفة الحزب الناطقة بلسانه وتلتزم بسياساته وتحولها إلى عمل صحفي لكنه في الوقت نفسه مستقلة عن الحزب مالي حث لم يحدث أن أعطاها الحزب مليما كما لم يأخذ من ميزانيتها شيئا وبالتالي لا يستطيع أحد من الحزب أن يتدخل في تحرير الصحيفة إطلاقا خاصة وأن رئيس الحزب هو رئيس مجلس إدارتها )

خاتمة

يمن استخلاص ثلاث نتائج رئيسية من هذا المبحث بشأن أسلوب إدارة الخلافات السياسية والفكرية في الأحزاب موضع الدراسة :

1- أن هناك تباينا بين طبيعة الخلافات الغالبة من هذا النوع بين الحزبين الحاكمين على التوالي ( مصر والوطني ) وأحزاب المعارضة الأربعة فلم تظهر داخل الحزبين الحاكمين اللذين تم استبعادهما خلافات جوهرية حول قضايا سياسية وفكرية ويرجع ذلك إلى طريقة تكوينهما كامتداد للتنظيم السياسي الأوحد وغلبة تراث هذا التنظيم عليهما خاصة وأن معظم أعضاء نخبتيهما جاءت من عناصر هذا التنظيم ولذلك فكما كان الحال في الاتحاد الاشتراكي السابق تركزت الخلافات السياسية داخل حزب مصر ثم الحزب الوطني على تفاصيل وجزئيات في الغالب الأعم.

2- إن أساليب إدارة أحزاب المعارضة للخلافات السياسية والفكرية تتميز بتوفر قدر من الديمقراطية يفوق ما كان متاحا بشأن الصراعات على النفوذ فكان هناك حرص واضح في الغالب الأعم على إدارة تلك الخلافات بأسلوب ديمقراطي أو يستوفي الشكل الديمقراطي على الأقل وكانت هناك ثلاثة أساليب رئيسية في هذا المجال ك أولها اللجوء إلى التصويت في المستوي القيادي للحزب من أجل حسم الخلاف وحدث ذلك بشكل متكرر في أحزاب التجمع والعمل والوفد الجديد، ومرة واحدة في حزب الأحرار وقد انفرد حزب الوفد الجديد بأنه الوحيد الذي جاءت نتيجة التصويت في هيئته العليا ضد رغبة رئيسية مرة واحدة عندما رفضت الأغلبية بالمشاركة في انتخابات مجلس الشعب 1987 في قائمة مشتركة مع أحزاب المعارضة الأخرى لكن رغم أن التصويت في جميع الحالات الأخرى كان ينتهي بقرار منسجم مع رغبة رؤساء الأحزاب ( والأمين العام لحزب التجمع) فقد اتسم هذا التصويت بالجدية والحرية واستوفي الشكل الديمقراطي .

3- أنه كان هناك مع ذلك تفاوت مزدوج في مستوي ديمقراطية إدارة الخلاف حول القضايا السياسية والفكرية في أحزاب المعارضة فكان ثمة تفاوت – أولا - بين هذه القضايا نفسها فقد اتسمت إدارة الخلافات حول الانتخابات العامة وتداعياتها بديمقراطية أعلي مما توفر في إدارة الخلافات حول الخط السياسي للحزب ويرجع ذلك إلى أن هذا النوع الأخير من الخلافات ذو صلة بالضرورة بالصراع على النفوذ الذي كانت أساليب إدارته غير ديمقراطية إجمالا كما تبين من المبحث السبق في هذا الفصل وفقا لقاعدة انه كلما اقتربت الخلافات من مناطق النفوذ والسلطة أصبح الأسلوب الديمقراطي في إدارتها غير وارد والعكس وهذا ما يفسر أن الخلاف الوحيد من بين الخلافات السياسية والفكرية لحزب العمل الذي أدير بأسلوب غير ديمقراطي وقاد إلى أكبر انشقاق عن الحزب كان متعلقا بخطة السياسي عندما قرر التيار الإسلام ي الصاعد داخله أن يطبع هذا الخط بطابعه ويستبعد التيار الآخر عشية وخلال المؤتمر العام الخامس في 1989 .

كما كان هناك تفاوت – ثانيا – بين أحزاب المعارضة موضع الدراسة من حيث مدي ديمقراطية أساليب إدارة الخلافات السياسية والفكرية فعلي سبيل المثال كانت قيادة حزب الوفد الجديد أقل نزوعا إلى التأثير على نتائج التصويت حول الخلافات المتعلقة بقضايا المشاركة في الانتخابات العامة من قيادتي حزبي التجمع والعمل فيما لم يعرف حزب الأحرار غير خلاف وحد من هذا النوع .

كما كانت إدارة الخلاف حول الخط السياسي للحزب وصحيفته أكثر ديمقراطية في حزب التجمع منه في حزب العمل وهما الحزبان اللذان شهدا أهم خلافات في هذا المجال فقد تبين أن قيادة حزب العمل تجنبت فتح حوار منظم وعلني حول هذا النوع من الخلاف عندما تصاعد تدريجيا منذ عام 1985 ، وإنما سعت في البداية لإيجاد توازن بين التيارين الإسلام ي وشبه العلماني قبل أن تميل بثقلها في صف التيار الإسلام وتتيح له الفرصة للهيمنة على الحزب في مؤتمره الخامس عام 1989 أما حزب التجمع فقد شهد حوار منظما واتسم بقدر كبير من الديمقراطي كأسلوب لإدارة الخلاف حول الخط السياسي الأمر الذي أتاح له أن يتجنب انشقاقا كبيرا كالذي تعرض له حزب العمل في 1989 ويؤكد ذلك وجود علاقة وثيقة بين أسلوب إدارة الخلافات الحزبية من ناحية وإمكانات محافظة الحزب على وحدته وتماسكه من ناحية أخر وإضافة إلى هذه القاعدة يمكن استخلاص أن أسلوب إدارة أى خلاف آخر لعاملين: ألهما أن هذا الخلاف هو الأكثر طردا في حالة حسمه بأسلوب غير ديمقراطي لأنه لا يترك للتيار المهزوم خيارا آخر غير الانشقاق حيث لا يمكن الاستمرار في ظل فرض خط سياسي لا يقتنع به أو يستطيع تأييده .

وثانيهما أن هذا الخلاف يحدث في العادة بين تيارات متبلورة أو شبه متبلورة وبالتالي يؤدي إلى خروج مجموعة كبيرة من الحزب في حالة تعذر إدارته بأسلوب ديمقراطي وبالتالي يؤدي إلى خروج مجموعة كبيرة من الحزب في حالة تعذر إدارته بأسلوب ديمقراطي وبالتالي يأسها من إمكان تغيير الخط الحزب أو تعديله في فترة تالية وهذا يختلف عن الخلافات المتعلقة بالموقف من الانتخابات أو من قضايا السياسة الخارجية والتي نادرا ما تؤدي إلى ظهور تيارات متبلورة فغالبا ما يتسم هذا النوع من الخلاف بطابع فردي أو بطابع المجموعات الصغيرة وبالتالي لا يقود – حتى في حالة عدم توفر أسلوب ديمقراطي في إدارته – إلى انشقاقات كبيرة وإنما يترتب عليه غالبا انسلاخات محدودة عن الأحزاب.

وهذا ما يفسر تعرض حزب العمل لأكبر انشقاق في تاريخه بل وفي تاريخ الأحزاب موضع الدراسة بسبب عدم إدارة الخلاف حول خطه السياسي بأسلوب ديمقراطي رغم توفر هذا الأسلوب في غدارة خلافات سياسية أخري .

الخلاصة

توضح هذه الدراسة أن جميع الأحزاب السياسية المصر ية المعاصرة ما زالت تعاني من مشكلات جوهرية تعوق تقدم الممارسة الديمقراطية داخلها رغم حدوث قدر محدود من هذا التقدم مستوي التطور الديمقراطي في الأحزاب المعاصرة تظل الفروق بينها طفيفة بحيث صعب القول بتميز واضح لأحدها أو بعضها فالواضح من الدراسة أن حزب العمل الذي بدأ أنه حقق قدرا أكبر نسبيا من التقدم في الممارس ة الديمقراطية داخله لا يفترق جوهريا في هذا المجال عن الأحزاب التي شهدت أقل قدر من التقدم وهي أحزاب مصر والأحرار والوطني الديمقراطي كما أن التقدم الذي تحقق في حزب العمل منذ بداية الثمانينات عاد ليتأثر سلبيا بتصاعد الصراع داخله في الفترة 87 -1989 كما سبق شرحه وأدت هيمنة تيار واحد بعد ذلك إلى انحسار التنفس الداخلي الذي كان مميزا له منذ تأسيسه .

ولذلك تبقي أهم نتائج هذه الدراسة هي ما انتهت إليه من حدوث قدر محدود من التقدم في الممارس ة الديمقراطية داخل الأحزاب المصر ية المعاصرة بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 رغم تراجع مستوي التطور الديمقراطي في المرحلة المعاصرة بالقياس إلى مرحلة 23 -1952 ويؤكد ذلك عدم وجود علاقة ضرورية بين الديمقراطية في نظام الحكم وفي مؤسسات المجتمع .

وسنعود لمناقشة هذه العلاقة بعد تحديد مدي التقدم في مستوي التطور الديمقراطي داخل الأحزاب .

أولا : تطور الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب المصر ية بين مرحلتين

تكشف هذه الدراسة عن حدوث عن حدوث تقدم نسبي في الاتجاه العام للممارس ة الديمقراطية داخل الأحزاب المصر ية المعاصرة بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 فوفقا للمؤشرات التي تم الاعتماد عليها يمكن ملاحظة وجود هذا التقدم بالنسبة لمعظمها لكن بدرجات متفاوتة ودون بلوغ مستوي الممارس ة الديمقراطية الكاملة في أى من الجوانب التي تشملها تلك المؤشرات فقد حدث تقدم متفاوت، بالمقارنة مع مرحلة ما قبل 1952 في حداثة التنظيم الحزب نفسه وعملية صنع بعض القرارات الحزبية والأطر المؤسسية للمشاركة وخاصة من حيث توفرها لا من حيث أدائها في الغالب وأسلوب التجنيد للنخبة الحزبية في بعض الأحزاب وطريقة إدارة جانب من خلافات هذه النخبة .

لكن ظلت هناك – بالمقابل – ثوابت في المرحلتين تحول دون تعميق التقدم النسبي الذي حدث وأهمها الدور المهمين لرئس الحزب ومركزية التنظيم الحزب وفي هذا السياق ينبغي النظر إلى تجربة حزب الأحرار الدستوريين قبل 1952 من حيث حدود دور رئيسه كاستثناء في المرحلتين فما زال هو الحزب الوحيد الذي لم يكن لبعض رؤسائه دور مهيمن والذي حدث تداول على منصب الرئاسة فيه لأسباب غير وفاة الرئيس .

ولكي يتبين حجم التقدم الذي حدث مقارنة بين الأحزاب المعاصرة وأحزاب ما قبل 1952 بشأن العناصر التي ظهرا أو لم يظهر فيها هذا التقدم.

1- حداثة التنظيم الحزبي

حدث تقدم ملموس في عملية بناء الأحزاب المصر ية المعاصرة بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 فقد اهتمت الأحزاب المعاصرة ببناء تنظيماتها على أسس حديثة رغم التفاوت من حزب لآخر في مدي هذا الاهتمام من ناحية وفي نتائجه العملية من ناحية أخري و لكنها باتت تفترق – إجمالا - في هذا المجال عن أحزاب ما قبل 1952 التي لم يتوفر لمعظمها البناء التنظيمي بالمعني الحديث باستثناء الحزب الوطني في مرحلته الأولي 19071912 وجماعة الإخوان المسلمين بدرجة ما .

ويعكس هذا الاستثناء احدي المفارقات التاريخية اللافتة لأن جماعة الإخوان التي امتلكت تنظيما حزبيا أقرب إلى الحداثة من بقية أحزاب ما قبل 1952 هي بحكم توجهاتها جماعة رافضة للتحديث ونازعة إلى الماضي فقد ظهر في الفصل الثاني من الدراسة كيف اتسم تنظيم هذه الأحزاب بطابع هلامي بدرجة أو بأخرى على المستويين القاعدي والوسيط اللذين يعدان حجر الزاوية في أى تنظيم حزبي حديث فلم تكن هناك تنظيمات متماسكة ومتبلورة على هذين المستويين ولا كشوف عضوية أو حصر للأعضاء ولذلك كان تنظيم تلك الأحزاب يكاد يقتصر على قيادة وأعضاء .

ويتمثل جوهر التقدم الذي حدث في ممارسة الأحزاب المعاصرة في امتلاكها تنظيمات حزبية تصل – بدرجات متباينة – إلى المستوي القاعدي وتؤطره في حدود كل منها رغم استمرار النمط السلطوي حاكما للعلاقة بين المستوي القيادي وهذا المستوي القاعدي من ناحية وفي طبيعة العلاقة بين المستويات التنظيمية الرئيسية الثلاثة من ناحية أخري وقد عانت هذه العلاقة من عدم رسوخ أسلوب الانتخاب في بناء تنظيمات الأحزاب المعاصرة الأمر الذي يحد من عملية تحديث التنظيم الحزبي إضافة إلى التأثير السلبي لدور رئيس الحزب ومع ذلك فقد أصبحت هذه التقدم نفسه فلم تعد المشكلة هي غياب التنظيم الحزبي الحديث أصلا وإنما استكمال عملية تحديثه كميا باستكمال بناء المستوي القاعدي وكيفيا بترسيخ أسلوب الانتخاب في التنظيم الحزبي وقد رأينا كيف أصبحت هذه المشكلة في طورها الجديد موضع جدل في الأحزاب المعاصرة وهي ظاهرة لم تعرفها أحزب ما قبل 1952 إلا بشكل هامش وعابر في معظم الأحوال .

وترجع أهمية هذا التقدم إلى كونه يوفر ما يمكن تسميته " البنية الأساسية " للممارس ة الديمقراطية داخل الأحزاب فكلما غدا التنظيم الحزبي أكثر حداثة على المستوي القاعدي كلما زادت احتمالات توليد الضغوط من أسفل إلى أعلي وبالتالي اضطرار المستوي القيادي لأخذ هذه الضغوط في الاعتبار بدرجة أو بأخرى مما يقلل من قدرته على التلاعب بالجسد التنظيمي للحزب وقد انعكس ذلك في بعض عناصر الممارس ة الديمقراطية الأخرى التي حدث بها قدر من التقدم كما سيتضح الآن مثل عملية صنع القرار التي صارت أكثر ديمقراطية فيما يتعلق بالقرارات التي تنطوي على مصالح قاعدية مباشرة .

2- عملية صنع القرار الحزبي

يعد هذا العنصر أقل عناصر الممارس ة الديمقراطية التي شهدت الأحزاب المعاصرة تقدما فيها بالمقارنة مع الأحزاب ما قبل 1952 بسبب استمرارية الطابع السلطوي والدور المهيمن لرئيس الحزب مع اعتبار حالة حزب الأحرار الدستوريين في بعض فتراته استثناءا كما سبقت الإشارة إليه .

ومع ذلك يمكن ملاحظة مظهرين للتقدم المحدود الذي حدث في عملية صنع القرار في الأحزاب المعاصرة بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 :

أولهما  : حرص رؤساء الأحزاب المعاصرة في معظم الأحوال على تغليف المضمون السلطوي لعملية صنع القرار بمظهر ديمقراطي أى السعي إلى استيفاء الشكل الديمقراطي بصدور القرار في نهاية الأمر من الجهاز المختص – لائحيا- في المستوي القيادي غالبا وفي المستوي الوسيط أحيانا فيما يتعلق بقرارات بانفراد رئيس الوفد أو المرشد العام الأول للإخوان قبل 1952 بصنع واتخاذ الكثير من القرارات حتى في حال الأغلبية في المستوى القيادي للوفد بالذات ففي الوفد القديم كان الأسلوب الفردي هو الغالب في هذه العملية مضمونا وشكلا وفي جماعة الإخوان كانت المكانة المعنوية البالغة لمرشدها الأول تتيح إصدار القرارات التي يصنعها بالتوافق على نحو نلمس قدرا من ملامحه أحيانا في حالة حزب التجمع بصفة خاصة من بين الأحزاب المعاصرة لكن حرص الأمين العام لهذا الحزب على استيفاء الشكل الديمقراطي في كثير من الأحوال عبر الأسلوب التقليدي وهو طرح الموضوع للتصويت في المستوي القيادي وهو ما درج عليه رؤساء معظم الأحزاب المعاصرة بشكل عام ومع ذلك فقد كانت هناك قرارات شارك المستوي القيادي إجمالا في صنعها مشاركة حقيقية وليس من باب استيفاء الشكل وكان أحدها في الوفد الجديد ضد رغبة رئيس الحزب لكنه قبل به وهو أمر لم تعرفه لأحزاب المصر ية منذ أن قرر مجلس إدارة حزب الأحرار الدستوريين التحالف مع الوفد عام 1926 ضد رغبة رئيسه حينئذ عبد العزيز فهمي .

وثانيهما : وهو الأهم اضطرار الرؤساء لأخذ رغبات المستوي القاعدي والوسيط في الاعتبار بشأن القرارات المتعلقة بالانتخابات العامة والت تنطوي على مصالح قاعدية أكثر من غيرها وبديهي أن قرارات تحديد المرشحين للانتخابات هي التي ترتبط بأكبر قدر من هذه المصالح ، وخاصة في ظل أسلوب الانتخاب بالقائمة الحزبية الذي كان معمولا به في أهم انتخابين خلال فترة الدراسة :عام 1984 وعام 1987 .

فلم يحدث في أحزاب ما قبل 1952 أن عادت قيادة الحزب إلى المستوي القاعدي على أى نحو فيما يتعلق بتحديد المرشحين بعكس الحال في معظم الأحزاب المعاصرة بل وحتى في كلها باستثناء الحزب الوطني على أساس أن حزب مصر لم يدخل أى انتخابات منذ أن أصبح حزبا في نوفمبر 1976 وحتى حله في أغسطس 1978 وإن كان قد خاض انتخابات في يونيو 1976 كتنظيم داخل الاتحاد الاشتراكي وقد تفاوت مستوي استئناس القيادة بآراء المستوي القاعدي بشأن قرارات تحديد المرشحين فكان أهم دور لهذا المستوي في حزب التجمع عام 1984 حيث تم تشكيل لجان محلية لاختيار المرشحين في الوحدات القاعدية وتقديمهم لأمانات المحافظات أما في بقية الأحزاب وكذلك في حزب التجمع عام 1987 اقتصر دور المستوي القاعدي على قمته الممثلة في أمانات المحافظات لكن لم يكن بمقدور هذه الأحزاب تجاهل قواعدها كليا في قرارات من هذا النوع وقد واجه الحزب الوطني الديمقراطي مشكلات كبيرة عندما انفردت لجنة ضيقة برئاسة الأمين العام بتحديد وترتيب المرشحين في القوائم وتراوحت بين الاحتجاجات وانسلاخات عن الحزب واضطرت هذه اللجنة أحيانا للإيحاء بأن الاختبارات النهائية كانت لرئيس الحزب في محاولة لاستثمار مكانته كرئيس للدولة أيضا من أجل الحد من الضغوط القاعدية ورغم أن أحزاب المعارضة التي أشركت المستوي القاعدي بدرجة أو بأخري في اختيار المرشحين واجهت مشكلات أيضا في هذا لمجال فالواضح أنها كانت أقل مدي وحدة مما واجهه الحزب الوطني .

كما شهدت بعض الأحزاب أدوارا للمستويين القاعد والوسيط بشأن قرارات المشاركة في الانتخابات العامة وخاصة حزبي التجمع والعمل عندما كان الرئيس يواجه خلافا حادا في المستوي القيادي بين اتجاهين متعارضين إزاء هذه المشاركة ولا يستطيع حسمه دون خسائر كبيرة ولذلك كان يلجأ إلى إحالة الموضوع للمؤتمر العام كما فعل رئيس حزب العمل أو للجنة المركزية كما فعل الأمين العام للتجمع في انتخابات 1987 .

كما قامت الأمانة المركزية ( المستوي القيادي) لحزب التجمع بعقد لقاءات مع أمانات المحافظات ( من المستوي القاعدي) عشية تلك الانتخابات وقد حدث ذلك في الحزبين رغم أن رئيس العمل وأمين عام التجمع كانا راغبين بوضوح في دخول الانتخابات لكنهما وجدا أن إمكانية التأثير على المستوي الوسيط في الحزبين كثر فعالية في ضمان اتخاذ القرار المطلوب مع تجنب انشقاق المعارضين له في المستوي القيادي في الوقت نفسه فضلا عن امتداد الخلاف إلى ما دون هذا المستوي أيضا كما اتضح من مناقشات المؤتمر العام الثاني لحزب العمل واللجنة المركزية لحزب التجمع وهما الجهازان اللذان صدر عنهما قرار دخول الحزبين انتخابات 1984 .

ودلالة ذلك أن استمرار المسافة التنظيمية الواسعة بين الرئيس وبين أعضاء المستوي القيادي أو النخبة الحزبية في الأحزاب المعاصرة كما كان الحال في أحزاب ما قبل 1952 لم يحل دون حدوث تقدم ما في آلية صنع واتخاذ القرارات التي تنطوي على مصالح قاعدية محددة وأهمها القرارات الخاصة بالانتخابات العامة فأصبح للمستويين القاعدي والوسيط دور ما في وهذا هو جوهر التقدم والذي حدث في عملة صنع القرار الحزب مهما كان محدودا حيث لم يعد نموذج رئس الوفد القديم والمرشد الأول للإخوان قائما في الأحزاب المعاصرة.

3- المؤتمر العام:

شهدت الأحزاب المصر ية المعاصرة تقدما مهما في ترسيخ جهاز المؤتمر العام الذي يعد الجهاز الرئيسي للمستوي التنظيمي الوسيط في أى حزب وبالتالي أهم الأطر المؤسسية للمشاركة باعتباره ساحة الالتقاء والتفاعل المؤسسي بين المستويين القيادي والقاعدي فقد أصبح المؤتمر العام جهازا ضروريا تأخذ به مختلف الأحزاب المعاصرة في مصر وتحرص معظمها على انعقاد بشكل دوري ولم يكن ثمة استثناء واضح غير حزب الأحرار ، لأن حزب الوفد الجديد عقدت جمعيته العمومية بشكل متكرر وإن لم يكن دوريا ومنتظما وقد تفاوتت مؤتمرات هذه الأحزاب فيما تتيحه من فرص وإمكانات لمشاركة قاعدية جدية ولتفاعل حقيقي بين المستويين القيادي والقاعدي لكن ظلت محصلة المشاركة والتفاعل محدودة كنمط عام ومع ذلك لا يمكن التقليل من أهمية رسوخ مفهوم المؤتمر العام والانتظام النسبي في عقده باعتباره تطورا مؤسسيا بارزا في الأحزاب المصر ية المعاصرة بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 فكما اتضح من الفصل الثاني في هذه الدراسة لم يعرف حزب الوفد المؤتمر العام بأى شكل وعرفه حزب الأحرار الدستوريين لائحيا فقط فرغم أنه تأسس من خلال جمعية عمومية إلا أن هذه الجمعية لم تنعقد غير مرتين فحسب وفي ظروف استثنائية ورغم أن جماعة الإخوان عقدت ستة مؤتمرات عامة بين 1932 ، 1941 فقد كانت المشاركة القاعدي دور في اختيارهم وينطبق ذلك أيضا على أسلوب تشكيل الهيئة التأسيسية للجماعة والتي حلت محل المؤتمر العام منذ 1941 حيث قام المرشد العام باختيار أعضائها وأخذت تجدد أعضاءها بنفسها عبر دور مهيمن لهذا المرشد .

كما عقد الحزب الوطني أربعة مؤتمرات في مرحلة ازدهاره الوحيدة بين عامي 1907، 1912 لكن اتسم تشكيلها بطابع نخبوي كذلك .

لكن كانت أعمال مؤتمرات هذا الحزب الأكثر ديمقراطية قبل 1952 بمعياري المشاركة والتفاعل فهو الحزب الوحيد في تلك المرحلة الذي كانت مؤتمراته تنتخب مستواه القيادي بشكل تنافس حيث جمعية حزب الأحرار الدستوريين أول مجلس إدارة له من خلال قائمة معدة سلفا وقد تكررت ذلك في الجمعية العمومية الأول لحزب الوفد الجديد.

حيث انتخبت هيئته العليا بالتصويت على قائمة أعدها الرئيس لكن كانت الانتخابات التالية أكثر تنافسية لكنها لم تصل إلى مستوي التنافس الحر الذي شهدته أربعة مؤتمرات لحزب العمل قبل أن يهيمن التيار الإسلام ي على مؤتمره الوحيد لحزب الأحرار انتخابا صوريا لهذا المستوي الذي فاز المرشحون له بالتزكية واقتصر دور مؤتمرات حزب التجمع في هذا المجال على انتخاب جزء فقط من أعضاء جهاز وسيط آخر هو اللجنة المركزية التي جرت انتخابات الجزء الآخر من أعضائها على المستوي القاعدي مباشرة في المحافظات ودلالة ذلك أن التقدم الذي حدث باتجاه مسئولية المؤتمرات العامة للأحزاب المعاصرة عن انتخاب المستوي القيادي كان محدودا للغاية نتيجة عدم رسوخ أسلوب الانتخاب أصلا في هذه الأحزاب لكن حدث تقدم أكبر نسبيا بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 في مشاركة التي لم يعرفها غير الحزب الوطني قبل 1952 إلى جانب بعض مؤتمرات جماعة الإخوان بدرجة أقل كثيرا فقد عرفت مؤتمرات حزبي العمل العام ( أو الجمعية العمومية لحزب الوفد الجديد) لكن منذ المؤتمر العام الرابع لحزب العمل بدأ الانقسام المترتب على صعود التيار الإسلام ي يؤثر على نمط المناقشات ويضع إطارا معينا لها حتى تكرس هذا الانقسام في المؤتمر الخامس الذي لم يحدث فيه أى مناقشات وقامت قيادة الحزب بفضه فور إجراء الانتخابات التي اتسمت بالتدخل فيها لضمان فوز التيار الإسلام ي .

ورغم أن مؤتمرات الحزب الوطني الديمقراطي لم تدخل من مناقشات أيضا إلا أنها تركزت على قضايا تتعلق بساسة الحكومة أساسا وغلب عليها في معظم الأحوال طابع تكنيكي مما أدى إلى استبعاد الكثيرين – موضوعيا – من المشاركة فيها وبديهي ن يكون غالبية هؤلاء أو كلهم من مندوبي المستوي القاعدي .

وهكذا مكن القول بأن جوهر التقدم الذي شهدته المؤتمرات العامة للأحزاب المصر ية بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 يتمثل في ترسيخ مفهوم هذا المؤتمر كجهاز رئيسي في البناء التنظيمي للأحزاب وما يعنيه ذلك من تبلور مستوي وسيط بين القيادة والقواعد وهو ما لم تعرفه بعض أحزاب ما قبل 1952 فيما عرفه بعضها الآخر لفترة محدودة كما شمل هذا التقدم مشاركة مندوبي المستوي القاعدي في أعمال مؤتمرات بعض الأحزاب المعاصرة على نحو لا سابقة له إلا في الحزب الوطني خلال مرحلته الأولي القصيرة وبدرجة أقل جماعة الإخوان مع ملاحظة أن الأحزاب المعاصرة التي شهدت تفوقا في هذا الجانب تميزت بتمثيل أدق للمستوي القاعدي في مؤتمراتها وينطبق ذلك بصفة خاصة على حزبي التجمع والعمل حيث يأتي مندوبو هذا المستوي بالانتخاب في الوحدات القاعدية وهو تطور لم يكن معهودا على أى نحو في أحزاب ما قبل 1952 .

4- التجنيد للنخبة الحزبية

حدث تقدم جزئي في الاتجاه إلى أسلوب الانتخاب للتجنيد الحزبية بالمقارنة مع مرحلة ما قبل 1952 فقد أخذت أحزاب العمل والتجمع والوفد بهذا الأسلوب واتجه إليه حزب الأحرار بشكل صوري في عام 1990 .

لكن كان حزب العمل هو الذي أخذ بأسلوب الانتخاب وفقا لأصوله أى الانتخاب التنفس الحر في مؤتمراته الأربعة قبل أن يتجذر الانقسام داخله ، ولم تكن ثمة سابقة لذلك في أحزاب ما قبل 1952 إلا في الحزب الوطني لفترة قصيرة 1907 - 1912 قبل أن يتدهور الحال به كما تبين من الفصل الثاني في هذه الدراسة أما حزبا التجمع والوفد الجديد فقد شهدا قيودا متباينة على عملة انتخاب المستوي القيادي لكن كان المؤتمر العام لحزب العمل منتخبا من المستوي القاعدي بعكس مؤتمر الحزب الوطني .

فقد درج التجمع على انتخاب أمانته المركزية والعامة من خلال قائمة لكل منهما تراعي تمثيل مختلف تيارات الحزب ، مما يؤثر سلبيا على درجة التنافس كما افتقدت أول انتخابات للهيئة العليا للوفد الجديد 1978 للتنافس رغم ثبوت تدخل رئيس الحزب للتأثير على نتائجها ونجاحه في ذلك كما اتضح في الفصل الرابع من هذه الدراسة وكما كان لأسلوب الانتخاب التنافس في حزب العمل سابقة في الحزب الوطني قبل 1952 كان لأسلوب الانتخاب المقيد في حزب التجمع والوفد الجديد سابقة كذلك في جماعة الإخوان قبل 1952 فابتداء من عام 1941 أصبح مكتب إرشاد هذه الجماعة منتخبا من الهيئة التأسيسية لكن في ظل قيدين أولهما  : ضرورة انتخاب ثلاثة أرباع أعضاء المكتب من القاهرة ( 9 من أصل 12) وثانيهما  : أن الهيئة التأسيسية نفسها لم تكن منتخبة فقد كانت هيئة مغلقة تقوم باختيار أعضائها بنفسها بعد أن قام المرشد الأول باختيارها في البداية ولذلك يتضح أن القيود على أسلوب الانتخاب في جماعة الإخوان قبل 1952 كانت أكثر حدة منها في حزبي التجمع والوفد الجديد المعاصرين فلم يعرف التجمع والوفد الجديد ظاهرة الحصص الإقليمية التي جعلت نخبة الإخوان قبل 1952 قاهرية بالأساس ومن الدائرة المحيطة بالمرشد العام أساسا .

وإذا كان حزب التجمع قد عرف ظاهرة الحصص السياسية فقد كان هناك أساس موضوعي لها نتيجة تعدد التيارات داخل الحزب بينما لم يكن هناك أساس مشابه للحصص الإقليمية في جماعة الإخوان ولم يعرف حزب الوفد الجديد هذه الظاهرة رغم محاولات بذلتها عناصر وفدية قديمة للحصول على حصة من خلال إثارة قضية الوفد والمستوفدين ومن ناحية أخري فإن اللجنة المركزية لحزب التجمع التي تقوم بانتخاب المستوي القيادي هي لجنة منتخبة من المؤتمر العام بعكس الهيئة التأسيسية لجمعية الإخوان.

أما حزبا مصر والوطني اللذان لم يعرفا أى انتخاب للمستوي القيادي فيمثلان النمط لذي قدمه الوفد قبل 1952 ويشمل هذا النمط من الناحية الفعلية حزب الأحرار المعاصر أيضا لأنه عرف انتخابات صورية بعد 14 عاما من تأسيسه كذلك حزب الأحرار الدستوريين الذي شهد انتخابا واحدا لمجلس إدارته عند نشأته عام 1924 ومن خلال قائمة معدة سلفا .

ودلالة ذلك أن الأنماط الثلاثة لتجنيد النخبة الحزبية في الأحزاب المصر ية المعاصرة ( الانتخاب التنافسي – الاتحاد المقيد – التعيين ) لها سابقاتها في أحزاب ما قبل 1952 لكن تميز تطبيق الأحزاب المعاصرة لنمط المقيد – التعيين ) لها سابقاتها في أحزاب أكثر ما قبل 1952.

لكن تميز تطبيق الأحزاب المعاصرة لنمط الانتخاب التنافسي والمقيد بتوفر جوانب أكثر إيجابية فالمؤتمر العام لحزب العمل الذي مارس الانتخاب كان هو نفسه منتخبا بعكس مؤتمر الحزب الوطني قبل 1952 وكذلك الحال بالنسبة للجنة المركزية لحزب التجمع مقارنة بالهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان قبل 1952 فضلا عن أن ظاهرة الحصص السياسية في نخبة التجمع تعد أقل تقييدا للمنافسة من الحصص الإقليمية في نخبة الإخوان فيما لم يعرف حزب الوفد الجديد ظاهرة الحصص في اختيار نخبته .

5- إدارة العلاقات الحزبية

رغم استمرار غياب التقاليد الديمقراطية في إدارة الخلافات داخل الأحزاب المصر ية المعاصرة شأنها شأن مختلف مؤسسات المجتمع والدولة فقد حدث تقدم نسبي في إدارة الخلافات التي لا تنطوي على صراع سلطة ونفوذ، ومن هنا مغزى التقسيم الذي أخذت به هذه الدراسة بين صراعات على السلطة داخل لأحزاب وخلافات سياسية وفكرية ففي هذه الأخيرة ترجع نسبيا التأثير السلبي لاستمرار ظاهرة الدور المهيمن لرؤساء الأحزاب على إدارة الخلافات الحزبية وتبين أنه كلما ابتعدت الخلافات عن المناطق المتعلقة بالنفوذ كلما أمكن التعامل معها بأسلوب أكثر ديمقراطية أو على الأقل بقدر أكبر من التسامح بإتاحة الفرصة للاتجاهات المختلفة للتعبير عن نفسها وظهر ذلك في إدارة الأحزاب المعاصرة للخلافات التي نشأت داخلها القضايا المتعلقة بالخط السياسي للحزب في الحالات التي لا يتقاطع الخلاف مع صراعات حول النفوذ أو لا ينطوي على تهديد لنفوذ الرئيس والحلقة الضيقة المحيطة به ومن الطبيعي أن يقترن التقدم الذي حدث في هذا المجال بمثيله المتعلق بعملية صنع القرار الحزبي وهو ما سبقت الإشارة إليه .

فكلما أديرت الخلافات بأسلوب أكثر ديمقراطية، أو بالأحرى أقل سلطوية كلما أثر ذلك إيجابيا على أسلوب صنع القرار الحزبي لكن هذه العلاقة ليست حتمية لأنه في كثير من الأحوال يستطيع رئيس الحزب التأثير بشكل حاسم على عملية صنع القرار موضع الخلاف رغم إدارة هذا الخلاف بأسلوب أفضل من المنظور الديمقراطي بل وأحيانا يلجأ الرئيس إلى هذا الأسلوب لتنفيس احتقان معين داخل الحزب بما يتيح اتخاذ القرار المطلوب في مناخ حزبي أقل توتر أو أكر انفراجا وبالتالي تجنب حدوث أزمة كبيرة مع المعارضين لهذا القرار وقد حدث ذلك على سبيل المثال في إدارة الخلاف الكبير داخل حزب العمل حول المشاركة في انتخابات 1984 ثم حول تعيين بعض قادة الحزب في مجلس الشعب بعد فشاه في تحقيق نسبة الحسم التي كانت ضرورية للتمثيل في هذا المجلس (8%) .

ففي الحالتين أدير الخلاف بأسلوب ديمقراطي رغم أن القرارين اللذين اتخذ بالمشاركة في الانتخابات وبقبول التعيين جاءا كما أرادهما رئيس الحزب وثبتت فعالية هذا الأسلوب في إدارة الخلافات في حماية الحزب من انقسام حاد كان معرضا له بعكس ما حدث في إدارة الخلاف الذي تصاعد في 1988 ، 1989 حول الخط السياسي للحزب.

فقد رأي الرئيس أن مصلحة الحزب تقتضي تسيير الخط الإسلام ي لدعم التحالف مع الإخوان وهو التحالف الذي خلق تحدي مباشرا وشخصيا له من بعض المجموعات داخل الحزب ، مما أدي إلى ارتباط الخلاف حول الخط السياسي حينئذ بما اعتقده الرئيس أنه تهديد لنفوذه .

وعندئذ انتفت إمكانية إدارة هذا الخلاف بأسلوب ديمقراطي أو حتى بقدر من التسامح مع التيار " شبه العلماني " كما تثبتت فعالية الأسلوب الديمقراطي في إدارة الخلافات داخل حزب التجمع حول الانتخابات عامي 1984 ، 1987 بالمقارنة مع 1984 فقد أدير هذا الخلاف مع خلال فتح حوار واسع اتسم بدرجة عالية من الحرية مما أسهم في احتواء الإحباط الذي ساد صفوف الحزب بعد انتخابات 1987 وساعد على ذلك أن هذا الخلاف لم يتطرق إلى نفوذ الأمين العام للحزب أو الحلقة المحيطة به ولهذا السبب أيضا أمكن لحزب التجمع إدارة الخلاف حول خطه السياسي بأسلوب أكثر انفتاحا مما أتيح لحزب العمل الذي اتجه الخلاف حول خطه السياسي للارتباط بصراع مباشر على النفوذ انغمس فيه رئيس الحزب نفسه بشكل مباشر كما أتيح لحزب الوفد الجديد والأحرار إدارة الخلافات داخلهما حول قضايا الانتخابات العامة عن طريق التصويت في المستوي القيادي لعدم ارتبط هذه الخلافات بصراعات على النفوذ بما في ذلك الخلاف حول قبول رئيس حزب الأحرار التعيين في مجلس الشورى عقب انتخابات هذا المجلس عام 1986 فقد أتاح لجوء المعارضين لهذا التعيين إلى عدم التصعيد وإحجامهم عن فتح معركة رئيس الحزب توفير مناخ خال من التوتر وبالتالي أمكن إجراء تصويت جاءت نتيجته لصالح الرئيس ولأن قضايا السياسة الخارجية هي بطبيعتها بعيدة عن صراعات النفوذ نتيجة عدم تمتعها بأولوية في مختلف الأحزاب موضع الدراسة كانت من أكثر القضايا التي توفر أسلوب ديمقراطي في إدارتها .

ويعكس التمايز الذي أمكن ملاحظته في الأحزاب المصر ية المعاصرة بين الخلافات التي تنطوي أو لا تنطوي على صراعات نفوذ جوهر التقدم الذي حدث في أساليب إدارة هذه الخلافات بالمقارنة مع أحزاب ما قبل 1952 باستثناء حزب الأحرار الدستوريين الذي يمثل ظاهرة خاصة كما سبقت الإشارة مرجعها غياب الدور المهمين للرئيس في بعض فتراته فلم يكن هذا التمايز واضحا ومتبلور في أحزاب ما قبل 1952 على النحو الذي يظهر في الأحزاب المعاصرة رغم وجود بعض حالات أديرت فيها خلافات لا تنطوي على صراع نفوذ بقدر من التسامح فقد أبدي رئيس الوفد الأول سعد زغلول قدرا من التسامح تجاه بغض الخلافات التي لم تمس زعامته وأهمها خلافه بعض قادة الحزب الذين انضموا لوزارة زيور في نوفمبر 1924 كما بدأ الرئيس الني مصطفي النحاس غير راغب في التدخل لحسم الخلافات السياسية والفكرية بين مجموعتي كبار الملاك والطليعة الوفدية وإنما أتاح الفرصة لكلتيهما فكان دوره أقرب إلى الموازن بينهما لأن ذلك الخلاف لم يتضمن تهديدا لنفوذه وإنما على العكس كان مصدر دعم لهذا النفوذ وواضح تماما الفارق الجوهري بين أسلوبه في إدارة هذا الخلاف وفي التعامل مع النقراشي وماهر ومكرم عبيد عندما كان الخلاف معهم مرتبطا بسلطته ونفوذه .

وحتى المرشد العام الأول لجماعة الإخوان الذي يعد نموذجا في الإدارة السلطوية للخلافات لم يكن يتدخل بشكل حاسم دائما في الخلافات التي لا تتعلق بزعامته أو لا تمس قضايا جوهرية لكن لم يحدث في أحزاب ما قبل 1952 أن أدير أى خلاف بأسلوب ديمقراطي من خلال التصويت باستثناء حزب الأحرار الدستوريين فغاية ما أمكن الوصول إليه حالات محدودة كان الرئيس ( المرشد العام للإخوان ) أقل نزوعا للحسم السلطوي لبعض الخلافات وكانت هذه حالات محدودة حيث كان الارتباط بين الخلافات السياسية – الفكرية وصراعات النفوذ التي ينغمس فيها الرئيس عادة هو القاعدة بما في ذلك الخلافات المتعلقة بالسياسة الخارجية والتي كانت وثيقة الصلة بالأوضاع الداخلية قبل 1952 وكان تراجع ذلك الارتباط بدرجة ما من أهم عوامل التقدم مباشرا بصراعات النفوذ وبالتالي تتوفر إمكانات التعامل معها بأسلوب ديمقراطي أو أقل سلطوية .

كما لا يخفي أن تناقض الارتباط الخلافات السياسية الفكرية وصراعات النفوذ في الأحزاب المعاصرة يعكس قدرا من التقدم باتجاه " مأسسة" هذه الأحزاب بالمقارنة مع مرحلة ما قبل 1952 ويظهر هن تأثير النسبي الذي حدث في طبيعة التنظيم الحزبي نفسه وسبقت الإشارة إليه فعندما يصبح الحزب أكثر مؤسسية تزداد إمكانية التمييز بين ما هو موضوعي وما هو شخصي ويقل التداخل بالتالي بين الخلافات السياسية وصراعات النفوذ عناصر الاستمرار في الممارس ة الديمقراطية داخل الأحزاب المصر ية بين مرحلتين

يتضح من المقارنة السابقة أن التقدم الذي حدث في عناصر الممارس ة الديمقراطية الخمسة لم يتصف بالجذرية ولم يؤد إلى تحول وإنما هو تقدم نسبي ينطوي علي تحولات كمية بدرجات متفاوتة من حزب لآخر واحد أهم العوامل التي تفسر حدود هذا التقدم وجود استمرارية في عنصرين رئيسيين بل وربما الرئيسيين في مجال الممارس ة الديمقراطية لكونهما يؤثران بوضوح على عديد من العناصر الأخرى وهما الدور المهمين لرئيس الحزب ومركزية التنظيم الحزبي وهما عنصران وثيقا الصلة بإمكانات تدعيم التطور المؤسس للأحزاب .

1- الدور المهيمن لرئيس الحزب :

يتضح من هذه الدراسة استمرارية الدور المهيمن لرئيس الحزب في مرحلتي ما قبل 1952 وما بعد 1976 والاستثناء الوحيد في هذا المجال هو حزب الأحرار الدستوريين بدءا بقانونه الأساسي الذي انفرد بعدم إعطاء الرئيس صلاحيات واسعة وانتهاء بالتجربة الفعلية فيما عدا فترة رئاسة محمد محمود الذي لم يصل مع ذلك إلى مستو الهيمنة التي مارس ها قادة الأحزاب الأخرى في المرحلتين والمؤكد ن التقدم النسبي الذي تحقق في عناصر الممارسة التي سبق إيضاحها في الأحزاب المعاصرة أدي إلى تقليص جزئي لهيمنة الرئيس لكن ظل النمط العام لهذه الهيمنة مستمرا خاصة وأن جانبا مهما من هذا التقليص اقترن بالشكل أكثر من الجوهر .

وهو ما أدي إلى ظهور مسألة استيفاء الشكل الديمقراطي أكثر مما قاد إلى تطور جوهري في الممارسة الديمقراطية فالواضح أن هناك علاقة معقدة بين دور الرئيس الذي استمر وعناصر هذه الممارس ة التي طرأ عليه تقدم نسبي فهذا التقدم يؤثر بدرجة ما على طبيعة دور الرئيس ويوجد إطارا مختلفا نسبيا له وخاصة فيما يتعلق بالشكل لكن وضع شبيه إلى حد كبير بدور الدولة في الأنظمة السلطوية التي تأخذ بديمقراطية محدودة أو مقيدة حيث نجد علاقة مماثلة بدرجة ما بين دور الرئيس وحدود التطور الديمقراطي التي تتمثل غالبا في تعددية مقيدة وانتخابات دورية للحرية الكاملة وللتنافس المفتوح وانتقائية في الالتزام بالحقوق السياسية والحريات العامة .

والواضح ن استمرارية الدور المهيمن لرؤساء الأحزاب كخط عام تؤثر بشكل مباشر على مدي التقدم المتاح في عملية صنع القرار التي يظل الطابع السلطوي غالبا عليها حتى إذا لم ينفرد الرئيس بصنع واتخاذ جميع القرارات الرئيسية كما أن هذه الاستمرارية من أهم عوامل عدم ترسيخ أسلوب الانتخاب في البناء الحزبي بأشكال مختلفة أكثرها فجاجة لجوء الرئيس إلى تعطيل هذا الأسلوب كما هو حال حزب الأحرار لكن الشكل الأكثر شيوعا هو تدخل الرئيس للتأثير على نتائج الانتخابات الحزبية كما حدث بدرجات متفاوتة في أحزاب التجمع والوفد والعمل وفضلا عن ذلك لم يحدث أى انتخاب جدي للرئيس في أى من الأحزاب المعاصرة كما كان الحال في أحزاب ما قيل 1952 فما زالت " قدسية" منصب الرئيس تغلق الباب أمام إمكانية حدوث تنافس عليه .

ولذلك تتسم عملية انتخابه أما بطابع الاستفتاء الذي ينتهي بتأييد جماعي دون تصويت في معظم لأحزاب أو بطابع شكلي حيث يتقدم لمنافسة الرئيس عضو أو أكثر من المغمورين كما حدث في حزب العمل وفي الحالة الوحيدة التي حاول أحد أعضاء نخبة الأحرار منافسة رئيسه جديا ، تمكن الرئيس بمعاونة أغلبية النخبة الحزبية من القضاء على المحاولة في مهدها وكما سبق إيضاحه في الفصل الخامس من هذه الدراسة وفي الوقت نفسه كان استمرار الدور المهمين لرئيس الحزب مؤثرا على أسلوب إدارة الخلافات الحزبية بحيث انحصر التقدم الجزئي الذي شهدته الأحزاب المعاصرة في إدارة الخلافات التي لا تنطوي على تهديد و حتى مساس بنفوذ الرئيس والحلقة الضيقة المحيطة به.

2- مركزية التنظيم الحزبي

رغم التقدم النسبي الذي حدث في طبيعة التنظيم الحزبي الذي صار أكثر حداثة في الأحزاب المعاصرة مما كان عليه في أحزاب ما قبل 1952 فقد بقي هذا التنظيم محتفظا بالمركزية التي تعد احدي الخصائص التاريخية للمجتمع المصر ي ويؤدي الدور المهمين لرئيس الحزب من ناحية ومحدوية إقبال القواعد الحزبية على المشتركة من ناحية أخري إلى تدعيم هذه المركزية في العاصمة ومحيط تابع له في المحافظات الأخرى التي يتفاوت إسهامها في الشئون الحزبية وفقا لعوامل في مقدمتها القرب والبعد عن المركز وهناك مركزية رأسية داخل كل محافظة على حدة مما يؤدي إلى حلول قمة المستوي القاعدي ممثلة في لجنة المحافظة محل هذا المستوي نفسه في معظم الأحوال ولذلك كانت مشاركة المستوي القاعدي في عملية صنع القرارات المتعلقة بالانتخابات العامة وهو النوع الوحيد من القرارات الحزبية التي شارك فيها هذا المستوي في بعض الأحزاب محصورة غالبا في قمته .

وتعتبر هذه المركزية مسئولة إلى حد كبير عن عجز مختلف الأحزاب المعاصرة بدرجات متفاوتة عن استكمال بناء المستوي القاعدي بسبب اعتماد عملية البناء التنظيمي على دور المركز وليس على المبادرات المحلية في معظم الأحوال ولذلك يتوقف مدي الانجاز في مجال بناء المستوي القاعدي على قدرة المركز والاهتمام الذي يوليه لهذه العملية والحماس الذي تتم به وهذا ما يفسر الزيادة التي تحققت في بناء وحدات قاعدية لحزب العمل في عديد من المحافظات عندما نشطت عناصر نخبته من التيار الإسلام ي في هذا المجال قبل المؤتمر العام الخامس سعيا إلى تغيير تركيب المؤتمر العام للحزب في صالحهم وهو ما تحقق بالفعل ، وبالمقابل افتقدت الأحزاب المعاصرة للمبادءات المحلية سواء في عملية البناء التنظيمي أو الإسهام بالناشط الحزبي .

وكما هو الحال بالنسبة للدور المهيمن لرئيس الحزب يصعب تصور إمكان تعميق الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب المصر ية طالما بقيت هذه المركزية في البناء التنظيمي .

ثانيا : العلاقة بين الديمقراطية داخل الأحزاب .. وفي نظام الحكم

الواضح إذن أن التقدم الذي حدث في الممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب المعاصرة محدود وجزئي لكنه يكتسب دلالة مهمة في ظل عدم حدوث تقدم مواز في ديمقراطية نظام الحكم بالمقارنة مع مرحلة ما قبل 1952 فالثابت أن نظام الديمقراطية المقيدة الذي تعرفه مصر منذ 1976 ينطوي على تراجع في مستوي التطور الديمقراطي بالمقارنة مع النظام الديمقراطي المقيد أيضا 23-1952.

فقد أصبح هناك قيود لم تكن معروفة قبل 1952 على التعدد التنظيمي وهي قيود آخذة في التزايد لا التناقص .

كما غدت الانتهاكات لحرية ونزاهة الانتخابات أكثر حدة فرغم أن معظم الانتخابات في ما لم يتوفر لاي انتخابات عامة مصر ية منذ 1976 بل أن آخر انتخابات قبل 1952 كانت الأكثر حرية ( يناير 1950 ) لكنها ما زالت الأخيرة بهذا المعني حتى الآن .

فقد أعيد بناء نظام الحكم بشكل سلطوي صارم بعد ذلك ، ولم يؤد الهامش الديمقراطي الذي أتيح منذ 1976 لتجاوز النظام السلطوي وإنما بقي هاذ الهامس ضمنه وفي إطاره كما هو الحال في مختلف التجارب التي يطلق عليها ( الديمقراطية المقيدة) ومع ذلك حدث قدر ما من التقدم في مستوي التطور الديمقراطي داخل الأحزاب المعاصرة وبعض مؤسسات المجتمع المدني الأخرى خاصة النقابات المهنية ويؤكد ذلك مقولة : أنه لا توجد نمط السلطة في كل منهما وحتى في الكثير من أنظمة الديمقراطية الكاملة تظهر مشكلة عدم انسجام أنماط السلطة في مؤسسات المجتمع معها الأمر الذي يؤثر سلبيا على استقرارها كما تبين في الفصل الأول من هذه الدراسة ومع ذلك يظل لنظام الديمقراطية المحدودة تأثيره على الديمقراطية داخل الأحزاب التي تعمل في إطار من زاوية ما يفرضه من قيود على حرية الناشط الحزبي لكن هذه القيود لا تفسر محدودية الديمقراطية داخل تلك الأحزاب إلا بشكل جزئي ذلك أن انخفاض مستوي التطور الديمقراطي في الأحزاب وفي النظام السياسي معا يثير مشكلة أكثر عمقا تتعلق بالتطور التاريخي للمجتمع والدولة إجمالا .

فهناك حالات تتسم بارتفاع مستوي ديمقراطية نظام الحكم وانخفاض مستوي الديمقراطية في مؤسسات المجتمع وحالات أخري تتسم بالعكس وفي النوع الأول يعاني النظام الديمقراطي من صعوبات تهدد استقراره واستمراره وأبرز نماذجه التاريخية ألمانيا فيمار كما سبق إيضاحه في الفصل الأول من الدراسة وفي النوع الثاني تتوفر فرصة لمقرطة نظام الحكم تدريجيا بتأثير تواتر الممارس ة الديمقراطية داخل مؤسسات المجتمع لكن حالة مصر لا تدخل حتى الآن في إطار هذا النوع الثاني لأن مستوي الديمقراطية داخل الأحزاب لا يفوق كثيرا مستواها في نظام الحكم ، أى لا يوجد فارق جوهري وقد كان مستوي الديمقراطية داخل النقابات المهنية آخذا في التقدم ليفوق مستواها في نظام الحكم والأحزاب معا قبل تدخل هذا النظام لتقييد الممارسة الديمقراطية في النقابات بإصدار قانون 17 فبراير 1993 .

وعموما فإن مستوي تطور الديمقراطية في مؤسسات المجتمع المصر ي ما زال أقل من أن يبشر بانعكاسات إيجابية على نظام الحكم خاصة وأن العائقين الرئيسيين أمام هذا التطور في الأحزاب هما نفسهما اللذان يحولان دون تجاوز نظام الديمقراطية المقيدة : دور الرئيس ، والمركزية الشديدة وما زالت الأحزاب المصر ية تفتقد إلى نخب مؤمنة وملتزمة بالديمقراطية وقادرة على مؤسسة هذه الأحزاب وتلك هي القضية المحورية في أى تطور ديمقراطي ى القدرة على بناء المؤسسات وتدعيمها والحافظ عليها وليس مستوي التطور ديمقراطي أى القدرة على بناء المؤسسات وتدعيمها والحافظ عليها وليس مستوي التطور الاقتصادي – الاجتماعي والثقافة السياسية .

فعلي عكس ما كان عليه الحال قبل سنوات لم تعد التفسيرات الاقتصادية – الاجتماعية والتفسيرات الثقافية لأزمة الديمقراطية موضع اتفاق عام لكن هذا لا يعني استبعادها كليا وإنما يعني إدراك أنها لا تعمل دائما أو بشكل حتمي وأن أهميتها تزداد في البلاد التي تتسم بضعف مؤسسات المجتمع والجماعات الوسيطة المستقلة فهذه المؤسسات والجماعات هي التي توفر إمكانات تقليص هيمنة الدولة على المجتمع وهيمنة نخب محدودة على منظمات هذا المجتمع وهي أهم مصدر للحيوية الديمقراطية والتدريب على التنافس والمساءلة والمشاركة .

والواقع أن نظرية التفسير المؤسسي للتطور الديمقراطي هي التي تقدم أساسا أكثر صلابة لفهم لماذا وكيف يحدث هذا التطور أو يتعثر وخاصة في البلاد التي تعاني تاريخيا من ضعف المؤسسية كما أنها تتجاوز قصور التفسيرين الاقتصادي – الاجتماعي والثقافي عن تقديم نظري متكاملة .

فقد ارتكز التفسير الاقتصادي الاجتماعي إلى نظرية التحديث منذ الخمسينيات وبقي أسرا لها في الوقت الذي انطفأ وهجها أو كاد.

ويتمثل جوهر هذا التفسير في أن التحديث يؤدي إلى تغيير طريقة تعامل الأفراد والجماعات مع العملية السياسية وخاصة عندما يقود إلى الحد من عدم المساواة وتلطيف مشاعر الحرمان النسبي وعدم العدالة في أوساط الطبقة الدنيا ومن ثم تقليص احتمالات التطرف فالتنمية المقترنة بالتحديث تزيد الثروة الوطنية ومن ثم تقود إلى توسيع نطاق الطبقة الوسطي التي تتسم في العادة بالاعتدال والتسامح ورغم أن هذه السمة لم تثبت في كثير من الدول غير الغربية كما أن تجارب بعض هذه الدول لم يؤكد أن التحديث والنجاح الاقتصادي يضمنان دعم التطور الديمقراطي .

وحتى في العالم الغربي ثبت تجريبيا أن العلاقة بين هذا التطور وبين مستوي ومعدل التنمية الاقتصادية – الاجتماعية أكثر وضوحا من منظور تاريخي في الدول الانجلوساكسونية منها في الدول اللاتينية أما خارج هذا النطاق فلم يثبت دائما الافتراض القائل بأن التنمية والتحديث يسعدان على خلق ضغوط وإيجاد هيكل اجتماعي أكثر مواتاة للتطور الديمقراطي فعلي العكس من ذلك تبين أن ارتفاع معدلات التنمية قد يضر بفرص هذا التطور ، إذا لم تقترن التعبئة الاجتماعية السريعة الناجمة عن ذلك الارتفاع بزيادة متكافئة في توزيع القوة كما أن الركود أو النمو المنخفض الذي يعقب فترة من الخط المرتفع (J) يضر كذلك بالتطور الديمقراطي قبل أن يترسخ.

وفضلا عن ذلك يبدو أن بعض الدول التي سقطت أنظمتها الديمقراطية في فترات تدهور اقتصادي كن العامل الأكثر أهمية هو ضعف التطور المؤسسي وما ترتب عليه من عجز عن تحمل ذلك التدهور والحد من تأثيره على الديمقراطية وينطبق ذلك على معظم دول أمريكا اللاتينية التي حلت أنظمة سلطوية عسكرية محل أنظمتها الديمقراطية .

ولا تقدم نظرية التحدي تفسيرا جديا لهذه الحالات التي يعجز التفسير الاقتصادي- الاجتماعي عن التعامل معها بفاعلية فهذا التفسير لا يجيب على سؤال جوهري يتعلق بالانحرافات الكثيرة عن العلاقة التي يفرضها بين التنمية والتحديث وبين الديمقراطية سواء الحالات التي يسقط فيها النظام الديمقراطي رغم توفر مستوي معقول من التنمية والتحديث أو الحالات التي يستمر فيها النظام الديمقراطي رغم توفر مستوي معقول من التنمية والتحديث أو الحالات التي يستمر فيها رغم عدم توفر مقوماته المفترضة من تنمية وتحديث وخاصة في بعض دول أمريكا اللاتينية مثل كوستاريكا وجامايكا وكولومبيا وجمهورية الدومنتكان.

ويعاني التفسير الثقافي للديمقراطية من قصور شديد أيضا رغم أنه ما زال شائعا في الدراسات المقارنة للأنظمة السياسية وهو يتلخص في ضرورة توفر نوع معين من القيم السياسية والاجتماعية كشرط لازم لوجود واستمرار الديمقراطية ولا ينكر التفسير المؤسسي للديمقراطية أهمية الثقافة السياسية لكنه يركز على ضرورة توفرها لدي النخب والنشطاء في العمل السياسي وليس للجمهور بصفة عامة فالتطور الديمقراطي يتوقف على أداء النخب السياسية والمثقفة في الدول والمجتمع قبل أى شئ آخر وخاصة في مجال قدرتها على بناء مؤسسات ديمقراطية من شأنها تدريب المواطنين على المشركة والتنافس والتسامح والمساومة وهذه تحديدا هي معضلة التطور الديمقراطي في مصر .

والتي أكدتها دراستنا على صعيد الأحزاب السياسية التي هيمنت عليها نخب لا تؤمن بالديمقراطية إيمانا حقيقيا ولا يتوفر لدها استعداد كاف للالتزام بها وتفترض نظرية التفسير المؤسسي النخبوي للتطور الديمقراطي بهذا المعني أن انتشار القيم الديمقراطية في أوساط النخب الحزبية المصر ية يمثل عاملا جوهريا لتقدم الممارسة الديمقراطية في مصر ويختلف هذا الافتراض كثيرا عما يذهب إليه التفسير الثقافي للديمقراطية من ضرورة انسجام ثقافة المجتمع بأسره مع القيم الغربية فلا يفسر لنا هذا التفسير الأخير لماذا يحدث تطور ديمقراطي في بلاد لا تنسجم ثقافاتها التقليدية مع القيم الغربية في أمريكا اللاتئنية وآسيا بل أفريقيا الآن كما أن هذا التفسير لا يأخذ في الاعتبار وجود تعدد قافي في الكثير من المجتمعات فضلا عما يتسم به طابع سكوني ( استاتيكي ) نتيجة عدم التفاته لكون الثقافات التقليدية قابلة للتغير التدريجي عبر الممارس ة الديمقراطية نفسها ولذلك يتعارض هذا التفسير مع اتجاه قوي في العلم الاجتماعي يميل للنظر إلى النظام الديمقراطي كمؤثر على الثقافة السياسية على أساس أن وجود المؤسسات الديمقراطية هو الذي يشكل الاتجاهات الإيجابية تجاه المشاركة السياسية ويخلق روح العمل العام والتسامح مع الآراء بل والمصالحة المخالفة ويدفع إلى التنافس والمساومة الحل الوسط للخلافات.

وعلى هذا النحو يمكن القول – ختاما – بأن ضعف تطور مؤسسات المجتمع في مصر وغياب نخب سياسية ملتزمة بالديمقراطية هما العاملان الأكثر أهمية في تفسير أزمة التطور الديمقراطي سواء داخل لأحزاب أو في نظام الحكم ولذلك يتوقف تجاوز هذه الأزمة على وجود نخب تؤمن بالديمقراطية وتلتزم بها وتتحلي بثقافتها وخاصة في الأحزاب السياسية التي بإمكانها تقديم نموذج مشع يؤثر على منظمات المجتمع الأخرى وعلى نظام الحكم في آن معا .

فوجود نخب حزبية بهذه المواصفات تتيح مأسسه الأحزاب كخطوة جوهرية باتجاه تدعيم التطور الديمقراطي وليست هذه عملية سهلة بأى حال فعندما لا تتوافر تقاليد لمؤسسات مستقلة عميقة الجذور لا يكون تأسيسها أمرا يسيرا ولذلك فإن مأسسه الأحزاب المصر ية تقتضي جهودا كبري تشمل أيضا تدعيم الاستقلال والموارد والخبرات والمهمات التنظيمية وعندئذ فقط يمكن توقع نقلة كبري في مستوي التطور الديمقراطي لا تقتصر على الأحزاب السياسية وحدها .