أبواب الحرية الحمراء هل تفتتح الآن؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أبواب الحرية الحمراء هل تفتتح الآن؟
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

الحرية ليست رخيصة، فيحصل عليها الكسالى والجبناء والمتسكعون على جنبات الطريق، إنها سلعة غالية، وبضاعة ثمينة، طريقها مفروش بالأشواك مليء بالصعاب، لا تنال إلا بالكفاح الذي يستعذبه الأبطال، وينهد إليه أصحاب العزائم والهمم، وصدق الشاعر إذ يقول:

وَللحرِّيةِ الحمراءِ بَابٌ بكلِّ يدٍ مضرَّجَةٍ يدقُّ

ويقول:

وما نيلُ المطالبِ بالتَّمنِّي ولكِن تُؤخَذُ الدُّنيَا غِلابَا

وما استَعصَى عَلَى قومٍ مَنَالٌ إذا الإقدامُ كانَ لهُم رِكابًا

كم ظنَّ الشرق الخير في الغزاة وحلم بالسلام والاستقرار، فإذا بهذه الأحلام كوابيس مزعجة، وإذا بهؤلاء الغزاة ذئابٌ وثعالبٌ وثعابينٌ وحياتٌ، جاءت لتنهش لحوم الناس وتنهب ما في أيديهم.

وهل ما يجري في العراق اليوم هو الديمقراطية التي وعدت بها أمريكا؟ وهل هذه الصواريخ والدماء والأشلاء المبعثرة هي الحرية المرتقبة التي وعدت بها العراقيين؟ أم أن القتل وقذف الناس بالصواريخ والرواجم، وهدم البيوت على رؤوس أصحابها، وقصف المساجد على المصلين، هو الجزاء الأوفى لظنها الخير، فيما سُمِّي بالصديق الأمريكي الذي قال: إنه جاء مخلصًا لا معتديًا، ومساعدًا لا غازيًا، وسلامًا لا حربًا وقهرًا وبغيًا.

فإذ هو وزمرته حفنة من اللصوص وقطاع الطرق، وإذا بمن يدعون أنهم جاءوا لزرع الديمقراطية وبسط الحرية، ومحاربة الإرهاب، هم القهر كله، والهلاك والبغي وعدم الاستقرار، وإذا بتلك الوعود البراقة التي ظن الناس أنها تؤتي أكلها سمنًا ودسمًا وعسلاً، قد بخَّرها الحريق في كل مكان، والدُّخان في كل منزل، والدماء في كل طريق، وإذا بهؤلاء العرابين ثلة من الهمج والمتوحشين ومصاصي الدماء.

فقلت: أيها الشرق المسكين، متى تعرف الحقائق قبل أن تندم؟ وتعقل الأمور قبل أن تقع في المصائب والدواهي؟ ومتى يكون لك مع البصر بصيرة، ومع الجهل علم وفهم، وفي المآزق والجُلَّى تصرُّف حسن، وصبر جميل، وفي الشدة شجاعة وحنكة وعزم؟ أما وقد صار ذلك فما الطريق؟

تأملتُ في صرفِ الزَّمانِ فلم أجِد سِوى الصَّارِمِ البتَّارِ للسِّلمِ سُلَّمًا

فإن يكُ دَفعُ الشرِّ بالرأيِ حازمًا فمَا زالَ دفعُ الشَّرِّ بالشَّرِّ أحزمَا

تجاهَل أهلُ الكُفرِ كلَّ فَضيلَةٍ إذا لم يجِئ فيها الإحسانُ مترجَمَا

إنه لابد وسط الظلمات من معرفة الطريق، وتبين الضياء واكتشاف الحقائق ومنها:

1- ليس هناك حريات بدون شعوب محبة لها، تعرف كيف تكتسبها وتحافظ عليها وتحميها من ظلم الظالمين وبغي المتسلطين.

2- السلطات الباغية جاءت جزاءً وفاقًا لضعف الشعوب وجهلها وغفوتها، والأمة التي لا تستطيع استخلاص حقوقها هي بالتالي لا تستطيع أن تسلم من ظلم غيرها من محتل أو دخيل.

3- ليس هناك شعب يضحي من أجل شعب آخر، ولا أمة تموت لتحيا أمة أخرى، ومن يؤمن بذلك يكون ضحل التفكير ساذج العقل، يتصور المستحيل ويؤمن بالأباطيل والترهات، ويستسلم لأحلام اليقظة ونزغات الشياطين.

4- ليس لضعيف نصير أو معين أو حتى شفوق، خصوصًا في أسواط تلك الذئاب التي تطمع في الفرائس، والأمم المادية التي لا تعرف إلا المصالح والاستيلاء على الثروات وبسط النفوذ وفتح الأسواق للمحافظة على رفاهية شعوبها وسيادتها، والحق عندهم كلمات قد يتمتعون بها دون غيرهم.

5- لابد من إيقاظ الشعوب، واستدعائها لتحمل مسئولياتها، وإن طال الطريق، وبعدت الشقة، ولابد من إتقان أساليب الإيقاظ وطرقه، حتى يتدرب كل مخلص على فعل ما يجدي وينفع، ويتحول الداعية إلى الإيقاظ قوة منتجة تجمع الجهود والسواعد والقوى ليومٍ لا ريبَ فيه، وميعادٍ لتحقيق الآمال لا محيص عنه.

6- لابد من زادٍ فكريٍّ تعيش عليه الأمة وتستقي منه، ومن تراصٍّ ترشفه وتقتاته، ومن أمل يقودها ويرودها ويخايل أحلامها ويقظتها ويحكم مسيرتها، ورواد تقتدي بهم وتسير على هدى أعمالهم، ويكونون لها قدوة مثلاً، وضياء ونورًا، ولابد من اختفاء الرواد الكذبة على الشعوب الذين رضعوا لبان المستعمر، وتحصنوا بحرابه، ورفعوا شعاره، وارتضوا العمالة الفكرية والثقافية.

7- لابد من علم وتقدم تكنولوجي واختراع، ولحاق بركب التقدم، وسباق على الريادة التي هي منزلتنا التي تخلينا عنها وتنكبناها، ولابد من إحياء رسالة الأمة العلمية، والحضارية، والإنسانية، وسيادة الشورى والانتفاع بالطاقات المعطلة.

8- لابد من إحياء فريضة الجهاد التي تحمي الذمار، وتدفع الأشرار، وتجمع الأحرار، وتحشد أنصار الحق، وقد سعدنا زمنًا رغدًا بأهازيج الجهاد والاستعداد.. التي كانت ترطب القلوب وتحفز السواعد لسيادة الحق والدفاع عنه، ومن ذلك قول الشاعر:

هُوَ الحَقُّ يحشدُ أجنَادَهُ ويعتدُّ للمَوقِفِ الفَاصِلِ

فصفُّوا الكَتَائِبَ آسَادَه ودُكُّوا بِهِ دولة البَاطِلِ

أخَا الكُفرِ إمَّا تبعتَ الهُداةَ فأصبحتَ فينَا الأخَ المُفَتَدَى

وإمَّا جَهِلتَ فنحنُ الكماةُ نقاضِي إلى الرَّوعِ مَن هَدَّدَا

إذًا لأذقنَاكَ ضِعفَ الحَياةِ وَضِعفَ المَمَاتِ ولن تَنْجَدَا

فإنَّا نَصولُ بروحِ الإلَهِ ونَقفُو رِكَابَ نَبِيِّ الهُدَى

تُرى هل يَرجِعُ المَاضِي العظيمُ فإنِّي أذوبُ لذلِكَ المَاضِي حَنِينًا؟ أسأل الله ذلك، آمين.


  • ينشر بالاتفاق مع مجلة المجتمع الكويتية

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى