أحبها من كل روحي ودمي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أحبها من كل روحي ودمي


بقلم : اسماعيل حامد

تهيئة

"والله إنك لأحب البقاع إلي ولولا أن قومك أخرجوني لما خرجت" بهذه الكلمات عبر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكانة الأوطان في ديننا ، وكيف أن حب الأوطان من الإيمان، ولقد عمق الإسلام حب الأرض والوطن في نفوس المسلمين، فكان الانتماء للأرض والوطن جبلة جعلها الله في خلقه، وقد حافظ الإسلام على بقاء الطائفتين المؤمنتين (المهاجرين والأنصار) وعلى استقلالهما وجعل بقاءهما صورة من صور نصرة الإسلام وخدمة الدين، بل وحافظ على بقاء طائفتي الأنصار كما هما ( الأوس والخزرج) وكان يبرزهما في معارك الإسلام الخالدة برايات مختلفة لإحداث نوع من التنافس الشريف لخدمة دين الله، وحينما حدث نوع من التنازع بين المهاجرين والأنصار، وقف رسول الله لهما موجهاً ومربياً ومعاتباً " أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم" وختم الحبيب رسالته التربوية للمسلمين بقوله "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم‏"

وطنيتنا التي نحبها

كثيرا ما يتغنى الناس بوطنيتهم وأنهم فداء للوطن، ولكن أي وطن وأي وطنية؟ إن الوطنية التي يريدها الإسلام ويحرص عليها، هي وطنية الحنين التي تعني حب الأرض والحنين إليها والانعطاف حولها حال الغربة، وهي التي قال عنها الحبيب بعد سماعه وصف مكة وهو في الغربة" دع القلوب تقر يا أصيل"، ويقر الإسلام كذلك وطنية الحرية والعزة والتي تعني العمل بكل جهد لتحرير أوطاننا من الغاصبين المحتلين وتوفير استقلاله وألا نجعل لهم سلطاناً علينا، ويقر الإسلام وطنية المجتمع والتي تعني تقوية الرابطة بين أبناء البلد الواحد لما فيه مصالحهم، ويقرالإسلام وطنية الفتح والتي تعني أن ننطلق بإسلامنا فاتحين مشارق الأرض ومغاربها حاملين نور الإسلام للبشرية جمعاء" حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله"، لكنه في المقابل يرفض وطنية الحزبية والتي تعني تقسيم الأمة إلى طوائف متناحرة تتراشق بالسباب وتكيل التهم و يكيد بعضها لبعض, و تتشيع لمناهج وضعية أملتها الأهواء، و شكلتها الغايات و الأعراض، و فسرتها الأفهام و فق المصالح الشخصية، وعدونا يستغل ذلك لمصلحته ويزيد وقود هذه العصبية الجاهلية بيننا اشتعالاً، كي يفرقنا في الحق ويجمعنا على الباطل، وهذا مايحدث بيننا بين الحين والآخر، حينما نحول عدونا الحقيقي إلى صديق، ونحول أبناء الوطن الواحد إلى أعداء، ولقد بين الإسلام أن حدود وطنيتنا إنما تنبع من عقيدتنا، فكل بقعة فوقها مسلم يقول"لا إله إلا الله محمد رسول الله " فهي من أوطاننا والمسلمون فيها من أهلنا و إخواننا، لهم ما لنا و عليهم ما علينا، ولله در القائل " يا أخي في الهند أو في المغرب.. أنا منك أنت مني أنت بي.. لا تسل عن عنصري عن نسبي .. إنه الإسلام أمي وأبي .. إخوة نحن به مؤتلفون .

قوميتنا التي نحميها

أما قوميتنا التي يريدها الإسلام ويحرص عليها، فهي قومية المجد والتي تعني ان يسير الناس على نهج أسلافهم في مراقي المجد والعظمة ومدارك النبوغ والهمة، والإسلام لا يمنع تلك القومية "الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"،ويقر الإسلام أيضا قومية الأمة إذا قصد منها أن عشيرة الرجل أولى بخيره وبره وأحقهم بإحسانه وجهاده ودعوته، لكن الإسلام يرفض القومية الجاهلية العدوانية التي تنادي بإحياء عادات جاهلية والتنادي بها والاعتزاز بجنسها على حساب رباط الإسلام وعقيدته، والتي تعني أن يعتز كل بجنسه ويعتدي على الآخرين، وأن يتناحر الإخوة المسلمون فيما بينهم تحت دعاوى جاهلية( فرعونية – عربية – فينيقية – بابلية – بربرية .. إلخ )، فهذا هو المرفوض في الإسلام، وتلك القومية لا يقبل بها، وما أروع ما قاله رسول الله "إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، والإسلام حينما ينادي بذلك لا ينكر خواص الأمم ومميزاتها الخلقية، بل يحث على أن تكون تلك الخصائص وهذه المميزات فيما يخدم الدين ويناصره لا أن تكون مدعاة للتعصب المقيت .


مصر التي في خاطري

إن انتماءنا لمصر الحبيبة انتماء فخر واعتزاز، وانتماء حب ووفاء، وانتماء تضحية وبذل وعطاء، إنه انتماء الحب والشوق والحنين، نهتف في غربتنا عنها مع القائل " ياما لفيت سواح متغرب.. وأنا دمي في حبك متشرب.. أبعد عنك قلبي يقرب .. ويرفرف على النيل عطشان" فتحن قلوبنا شوقاً إليها، ونرتمي في أحضانها عند العودة، ولكنه انتماء لا عدوان فيه ولا تعدٍ ولا تعصب ولا جاهلية، نحبها من كل قلوبنا، ونحب معها كل بقعة أرض فيها عربي ومسلم موحد لله، هي مصر التي علمتنا أن نحب الوطن الأكبر، وأن نردد مع القائل " وطني يا زاحف لانتصاراتك.. ياللي حياة المجد حياتك..في فلسطين وجنوبنا الساهر..ح نكملك حرياتك.. إحنا وطن يحمي ولا يهدد..إحنا وطن بيصون ما يبدد..وطن المجد الوطن العربي"، هذه هي مصر التي في خاطري وفي فمي، هذه هي مصر التي ارتفعت فوق هامات الأمم، والتي استحقت لقب أم الدنيا، والتي يعشقها كل عربي وكل مسلم، وتهوى إليها الأفئدة والقلوب، هي مصر المؤُمنة كما وصفها الشاعر السوداني.

مصر التي أحبها

نعم مصر في خاطري وفي فمي، وأحبها من كل روحي ودمي، وأفديها بروحي وأهلي وولدي ومالي، ولكن مصر التي أحبها لها معالم وسمات، لا بد أن نبينها كي لا تختلط الأوراق، وكي لا يصبح حبها نوعاً من دعاوى الجاهلية المقيتة، إن مصر التي أحبها من كل روحي ودمي هي :

مصر المذكورة في القرآن بخيرها ونعيمها " ادخلوا مصراَ فإن لكم ما سألتم"، مصر الأمن والأمان " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين"، مصر التي مدحها الحبيب بقوله " خير أجناد الأرض" ، مصر التي دخلها عمرو بن العاص فاتحاً وهو يقول " لسنا على غارة نغيرها بل نفوس نغيّْرها"،

مصر الإسلام التي قادت فتوحاته ومعاركه الحاسمة عبر التاريخ، مصر سيف الدين قطز والظاهر بيبرس اللذين قاداها لتحرير الأمة من الزحف التتري الذي أباد الأخضر واليابس وأسقط الخلافة العباسية ، مصر شجرة الدر التي أبت إلا أن تكون راية الإسلام مرفوعة فقادت الجيوش لصد الحملة الصليبية على مصر ، ومصر صلاح الدين الأيوبي الذي أعادها للسنة وأوقف الزحف الشيعي عنها ممثلا في فلول الدولة الفاطمية، وقادها لتحرير بيت المقدس من دنس الصليبين، و مصر الإرادة الحديدة التي حولت الهزيمة والإنكسار إلى عزيمة قوية وقادت جيشها بصيحات التكبير إلى أعظم انتصار على أقوى رابع قوة في العالم وحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر وعبرت أكبر ساتر ومانع بحري في العالم .

مصر الحضارة والتاريخ والتي بها ثلث آثار العالم، مصرالإهرامات الخالدة بخلود شعبها، مصر أبي الهول بشموخه، مصر معابد الكرنك وحتشبسوت وأبو سمبل، مصر مكتبة الإسكندرية الشاهدة على عمقها الثقافي .

مصر جامعة الأزهر قلب الإسلام النابض، وقلعة العلم الشرعي في العالمين العربي والإسلامي، والتي أنارت بعلومها المشارق والمغارب، وكانت الرائدة في الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن والقراءات العشر، وتخرج منها الملايين من أبناء العالم الإسلامي، والتي يدرس بها سنوياً أكثر من 30 ألف طالب مسلم غير مصري، الأزهر الذي كان حامي حمى الإسلام في حزام الصحراء الأفريقي وقلب إفريقيا .

مصر جامعة القاهرة، تلك القبلة العلمية التي يقصدها طلاب العالم العربي والتي تخرج منها أكثر من مليون طالب عربي، مصر العروبة التي كانت تبتعث مدرسيها لتعليم اللغة العربية للدول التي كانت مستعمرة حتى لا تضمحل لغة القرآن، وكانت بعثاتها التعليمية ولا زالت منارات هداية وتثقيف وتربية وتعليم للأجيال الناشئة في العالم العربي، حتى لا تجد عربياً كبير السن إلا ويقول "علمني ورباني أستاذ مصري" .

مصر رائدة الحركات التربوية والإصلاحية بدءاً من الأفغاني ومحمد عبده ومروراً برشيد رضا والكواكبي و البنا، ومصر التي قادت حركات التحرر ضد الاستعمار ومن أرضها انطلقت الثورات العربية، مصر التي كانت بإشارة منها تحرك الشعوب العربية والإسلامية، والتي كانت تصحح لهم البوصلة والمسار، ومصر التي سعت الدول الاستعمارية للسيطرة عليها من أجل إحكام قبضتهم على العالم العربي .

مصر التي أنجبت العلماء الذين ينيرون العالم بعلومهم، ومصر التي أنجبت اكثر من 300 ألف عالم يخدمون العلم حاليا في كل بلاد العالم الغربي، منهم أكفأ أطباء العالم ممن اخترعوا تقنية تشخيص أمراض الكبد ، وأكفأ جراحي القلب وأكفأ جراحي فصل التوائم ، مصر قائدة العالم العربي نحو الثقافة والأدب والطباعة والصحافة وشتى العلوم والفنون .

مصر مهد الصناعة الحديثة في العالم العربي، مصانع النسيج والحديد والصلب والسيارات ومصانع التسليح، مصر التي أنشأت أكبر سد في العالم في القرن العشرين السد العالي ، والتي أنشأت ثاني شبكة سكة حديد في العالم ، والتي كانت أول دولة تقيم شبكة مترو أنفاق في أفريقيا والشرق الأوسط

مصر صاحبة أول دستور مكتوب في العالم منذ قرنين من الزمن ، ومصر التي وضع أساتذة القانون بها أغلب دساتير الدول العربية، والتي لحن فنانونها أناشيدهم الوطنية، والتي صمم فنانوها أعلامهم الرسمية، والتي قام مهندسوها ببناء أولى محطات الكهرباء لديهم، والتي قام فنانوها وأنشأوا لهم أولى محطاتهم الإذاعية والتليفزيونية، والتي قام أساتذتها بتأسيس جامعاتهم وكانوا عمداءها الأوّل .

مصر الانتفاضة التي انتفض شعبها نصرة لإخوانه الفلسطينين في غزة حينما شن العدو الصهيوني الحرب المجرمة عليهم، فقدم الشعب لهم من قوته وقوت أولاده أعز ما يملك، وكانت حملات الإغاثة التي لم تتوقف حتى اليوم، نصرة لإخوانهم المحاصرين هناك، مصر التي ينتفض شعبها مرددا إسلاماه، نصرة لكل ما هو قومي وعربي و إسلامي، ومصر التي انتفض شعبها مطالباً بالإصلاح والتغيير، وشارك في انتخابات 2005 ورفض إعطاء صوته للمفسدين وأعطاه للمصلحين، مصر المنتفض شعبها في كافة المجالات مطالباً بالحقوق والحريات عبر النقابات والاتحادات.

مصر مينا وتحتمس وأحمس، مصر يوسف الصديق وموسى الكليم وابراهيم الخليل، مصر ابن حجر والليث بن سعد والسيوطي، مصر شلتوت وعبد الحليم محمود وجاد الحق، مصر حسن البنا وقطب والتلمساني، مصر الغزالي والشعراوي والقرضاوي، مصر الطهطاوي وطه حسين ونجيب محفوظ ، مصر مجدي يعقوب وزويل والبرادعي، مصر محمد فريد ومصطفى كامل وسعد زغلول ، مصر محمد علي و نجيب وناصر والسادات، مصر عبد الباسط والمنشاوي والحصري.

هذه هي مصر التي أحبها، مصر أم الدنيا بحضارتها وتاريخها، مصر هبة الرحمن وقلعة الإيمان وعروس الإسلام، مصر درع العروبة والوطنية، مصر التاريخ والجغرافيا، مصرالماضي والحاضر والمستقبل، مصر كنانة الله في أرضه، مصر السيف والرمح والقرطاس والقلم، مصر المصحف والإنجيل والهلال والصليب، مصر الوحدة الوطينة والقومية والعربية والإسلامية، مصر الفنون والآداب والصحافة والإعلام، مصر الريادة والقيادة والزعامة للعالمين العربي والإسلامي، هذه مصر بلادي التي لها حبي وفؤادي

مصر التي في خاطري وفي فمي

أحبها من كل روحي ودمي .

ولنا وقفة في مقال آخر بإذن الله عن (مصر التي لا أحبها )

المصدر