أحمد عمر يكتب :السيد الرئيس عندما يربح المليون!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أحمد عمر يكتب :السيد الرئيس عندما يربح المليون!


(14 يونيو 2016)

عندما يقرم (بالعامية يخرم) السيد الرئيس، ويشتهي حوارا بعد الطعام، أو بعد المذبحة، يُظهر للشعب فيه آيات فصاحته البينات وبلاغته، وفهمه لأحوال البلاد داخليا وخارجيا، تأتيه تضرعات ورجاءات واسترحامات من مذيع بعينه، مختار بمنقار الصقر، للتكرم بقبول إجراء حوار. فتأتي العطية السلطانية بالموافقة.

المحاور الذكر المختار له هيبة إعلامية وحضور في سماء النجومية الفضائية التلفزيونية عادة، والمحاورة الأنثى هي الأحلى بين زميلاتها وأكثرهن هيبة، هي ملكة المذيعات، حتى يستمد الرئيس منه أو منها الشرعية الناقصة، فالشرعية علاقة من طرفين، وسيجري تبادل للطاقات والأشعة بين المذيع والرئيس.

سيطرح الأسئلة المقدمة للرئيس المعقمة بالكلوروفورم، الأسئلة اللذيذة تسرب إلى الرئيس مثل الامتحانات، بل إن هيئة من المستشارين القهارمة تفحص الأسئلة خوفا من أن تكون ملغمة أو ملوثة، وتعرّض عقل الدجاجة في رأس الرئيس إلى هزّة (وهو ما يتهزش) أو وعكة عقلية، ويخسر مسابقة من يربح المليون.

ولا يحتاج الأمر إلى وضع الأجوبة في فم الرئيس المدرب منذ هبوطه على العرش بمظلة العناية العسكرية أو القبلية أو الطائفية. الرؤساء يفضلون الحوارات المكتوبة لا المرئية. كان الأسد الأب يحبها، وكان المذيع مهران يوسف كبير مذيعي التلفزيون السوري يبث حواراته بعد ترجمتها من الأجنبية إلى العربية، وأحيانا من العربية إلى العربية بعد اختصارها، فهي طافحة بالثرثرة والهذر.

حتى في عصر التلفزيون والصورة، الرؤساء يفضلون حواراتهم مع محاور أجنبي، الإفرنجي "برنجي" وله هيبة الحضارة والتقدم. والشرعية المستمدة من الأجنبي غير العربي، الشرعية السياسية والإعلامية ممنوحة من الغرب أصلا.

وعادة ما يتعرض الصحفي الإفرنجي إلى عملية تفزيع وإهابة بالمرور عبر الأروقة الملكية، والتعريض للصدمة والترويع في القصر الرائع المحروس بالكلاب والجند والمراسيم والشعائر والطقوس. في الشارع، وقبل الحوار يكون قد ذاق الهيبة، برؤية صور الرئيس على كل جدار... أو قد يختار الرئيس مذيعا عربيا من قناة عربية لها حضور وأكثر حرية من قنوات الشعب المراقبة الخائفة من المخابرات، فزمار الحي لا يطرب، ليبيّن للشعب فصاحته السياسية وحكمته

أما إذا كان المحاور من البلد، فيفضل أن يكون فريقا من المذيعين، من أجل صناعة هيبة الرئيس القدير المقتدر، يبارز عقل الرئيس الجبار كما رأينا فريق الدويتو لميس وإبراهيم عيسى، وهما يقفان أمام باب بحر الأسرار، وقطب الأبرار، العلامة، الفهامة، النحرير، الخطير..

ويحاولان فك طلاسم صمت السيسي الذهبي، إبراهيم عيسى يقول: الصمت ده له مغزى (في علوم التأويل والتقفيل والاستهبال) ؟ قال أسامة كمال: إنه أول شخص مصري يجري حوارا فرديا مع الرئيس بعد سنتين من الإنجازات والنجاحات التي ينقصها قمران: صناعي وزراعي في كوكب زوزيكا!

ويمكن للمترجم التصرف بالترجمة أو الحذف، فهناك أسئلة وأجوبة لا يحق للشعب الاطلاع عليها، كما كان يحدث في حوارات حافظ الأسد وابنه من بعده. في حوار السيسي أمس مع أسامة كمال، الذي بث مسجلا، مغسولا، مكويا، منقحا، مفلترا عبر سبعة فلاتر هذه المرة: الأمانة، الصدق، الحق، مضافا إليها فلاتر: المونتاج والتقديم والتأخير، والتسجيل.... والمخابرات.

وجد مراقبو صحة الرئيس الإعلامية أن الأَولى بث الجزء الثاني من الحوار الدائري قبل الأول! وقطعوا منه فقرات فيها شحوم ثلاثية معرفية بعد أن وجدوا فيها خطرا على الشعب من صدمة المعرفة والكشف، ومع هذا كله، يظهر المذيع منبهرا بأجوبة الرئيس التافهة، ولا يقف الأمر عند هذا، فهو يختلق حصة في التلفزيون يحكي فيها عن انطباعات وكواليس الحوار المقدس، بالشروح كما لو أنها معلقات جاهلية، أو ديوان المتنبي، أو الفتوحات المكية.

هناك أسئلة تدور في رؤوس المواطنين، الذين يريدون أن يسألوه عن المعتقلين واحدا واحدا، عن مئات القوانين المسلوقة التي صدرت خارج رقابة مجلس الشعب، عن سبب حديثه عن الشعب العيل بلسان الأب الذي أنجبهم، ويعمل ليل نهار حتى يطعمهم من عرق جبينه، وعن الدستور الذي كتب بنوايا طيبة، عن تفاصيل التخلي عن تيران وصنافير ونهر النيل، وكرامة المصري..

ظهور الرئيس يومي ولحظي عبر الأخبار، لكن حياته مليئة بالأسرار، هو يشبه اللغز الغامض، ومثلث برمودا، هو يقيم مثل الطفل الخديج في حضانة أمنية محروسا في مكان مجهول، خوفا على حياته من أبنائه، وحضانة إعلامية تصفق له وتحلل خطاباته المقدسة، وتجعلها آيات مبينات من الفصاحة السياسية والفهم الثاقب.

ثم تأتي تأثيرات المكان الملكي: الكراسي الفخمة، السدة الرئاسية، الكاميرا الوقورة، المونتاج اللاحق، تحليلات كبار فلاسفة التحليل، اقتطاع جمل لتحول إلى شعارات ترفرف فوق سماء الوطن، حاجبة الشمس والقمر، وتزين الجدران التي تقف باستعداد لحمل الأوسمة، وتصدرها الصحافة للرئيس الأهبل المجرم ابن المجرمين.

الرئيس المصري يحكي بلغة ابن الشارع، وهي أسهل، فالعربية تحتاج إلى عقل للتركيب والنحو، ومع ذلك يصاب المستمع بالإعياء حتى تصل إليه الفكرة. الأعداء لا بد منهم، لكنهم مطلقون كما في مسلسلات الأطفال والبوكي مون، صفتهم: أهل الشر، فإذا وصفهم بالإخوان، فهناك الليبراليون معارضون أيضا، واليساريون..رأيت في خطاب الرئيس بطولة، أنه يتحدى: اسأل اللي انت عايزو؟ إنجازه الأكبر هو أنه نجح في تحويل الشعب المتدين بفطرته، من التعاطف مع الدين، إلى التعاطف مع الرئيس. الرئيس بشحمه ولحمه دين جديد!

ووجدت أن مقاس "قد الدنيا" صار معروفا، يعني ليس قد سوريا والعراق. كان الأسد يسرق عبارات مستشاريه، مثل عبارة قيلت إبان مشكلة أوجلان، الذي طلبت تركيا تسليمه: "حرب الوجود لا حرب الحدود"، وقد وضح العكس، فسوريا الأسد، ومعها أكثر من دولة عربية حربها الوجودية هي مع تركيا!

أما الأجوبة الذكية للرئيس التي أفحمت أسامة كمال فهي عن حرية التعبير: "تسعين مليون بيتكلموا .. يعتقلهم ازاي"؟ يضحك الرئيس الجذاب، فيسقط في يد كمال بيه، الذي تحدث لاحقا عن مئة دقيقة مليئة بالشجون والهموم والصدق والوطن والأحلام.. وأن الحوار يحتاج إلى المتابعة والتحليل مرات ومرات لأنه مشوق، في الحوار قال الرئيس: إنه يرفض الحديث عن حياته الشخصية، فهو يولي حياة الناس عنايته، أما زوجته وأولاده فهم مواطنون عاديون لا يعرف أحد بهم.

حتى لو ظهر الرئيس السوري في برنامج بوحي واعترافات مثل "مراجعات"، وذلك مستحيل مثل الغول والعنقاء، فالرئيس العربي المنتخب، سيزداد غموضا، حتى إنني أشك في أنه من جنس شياطين الجن.... المستورين الذين يروننا من حيث نراهم هُوَ وَقَبِيلُهُ وفرسه وروسه... إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ.

المصدر