أين السعودية الآن من الحرب؟- بشار الطافش
مقالات رصد
ربما أن خيار السعودية الحرب على الحوثيين كان ذاك القرار الذي وضع السعودية في مرحلة ما يسمى “ببداية النهاية” وهذا ما يبدو أننا تعودنا عليه من أنظمتنا العربية المختلفة، بحيث تنتهي البلد والدولة والشعب والتاريخ فور انتهاء كل حقبة، والذي يضحكني ويبكيني في ذات الوقت هو أن الدولة والبلد تنتهي لا محالة بعد أمثال هذه القرارات المصيرية سواء كانت من الشعب أو من النظام، وسواء كانت قرارات صائبة أو قرارات خائبة، المهم في لحظة ما وعلى حين غرة ينتهي كل شىء!.
في غير بلد ليس عربي نجد أن لديه أيضا خيارات متاحة على قائمة أولويات الرد عند نشوب أزمة ما مع بلد آخر، عادة ما يكون خيار إعلان الحرب في آخر هذه الأولويات.
قد يكون إعلان الحرب من قبل دولة على أخرى هو بمقام الشر الذي لا بد منه، هذا معلوم، وهذا أمرا طبيعيا ومشروعا ربما، من منظور تلك الدولة معلنة الحرب، فهي الأعلم بخياراتها وأولوياتها ومصلحتها، لكن أن يكون قرار إعلان الحرب هذا، هو الشر الذي يعيد تلك الدولة إلى ما قبل التاريخ، لهو أمرا يدل على أن دولة بهذه المواصفات لم تكن تمتلك تلك المقومات الحقيقية للدولة! لا مقومات عسكرية ولا مقومات إقتصادية قبلا، ولا حتى سياسية أو اجتماعية، على رأي أمي في مثلها الشعبي “شورها مش من راسها” بالضرورة.
رغم قناعتي الشخصية بأن الأمر كان ملحا إلى درجة ما، لكن لي الخيار أن أعتقد بأن إعلان الحرب من قبل السعودية على الحوثيين، لم يكن قرارا حكيما ولا بأي شكل من الأشكال، وهذا ما يبدو جليا من حال المملكة الآن، ولنبدأ في استعراض هذا الحال من آخر التطورات رجوعا.
في مقابلة له مع مجلة الإيكونومست البريطانية في 4 يناير 2016، أعلن ولي ولي العهد السعودي “ورئيس المجلس الأعلى لشركة أرامكو السعودية” الأمير محمد بن سلمان، أن حكومة بلاده تدرس فكرة خصخصة الشركة المملوكة للدولة بطرح أسهمها للإكتتاب العام، تبع ذلك بأيام إعلان أرامكو-السعودية بيانا تقول فيه بأنها تدرس طرح نسبة ملائمة من أسهمها في أسواق المال العالمية، هذه الشركة التي تحولت منذ عام 1980 من شركة بترول أمريكية إلى مؤسسة البترول الوطنية التي تملكها وتديرها الحكومة السعودية وااتي تتحكم بمعظم إنتاج المملكة من النفط!.
قبل سنة من الآن في سبتمبر من عام 2015، أعلن الملك سلمان بن عبد العزيز عراب الحرب السعودية على الحوثيين في اليمن، ولأول مرة في تاريخ المملكة، عن البدء في إطلاق حملة تقشف واسعة في مختلف قطاعات الدولة جراء العجز في الموازنة العامة، والذي يرجع سببه إلى إنخفاض أسعار النفط عالميا والتي تشكل إيرادات صادراته ما نسبته 95% من موازنة المملكة، وسبب آخر هو طول أمد الحرب على الحوثيين دون تحقيق الأهداف المرجوة منها بعد، مع الإستنزاف الكبير لموارد الخزينة، حيث وصل عجز الموازنة وقتها إلى 20%، وأبرز الخطوط العريضة لسياسة التقشف هذه، كانت تخفيض الدعم للمحروقات والكهرباء والماء، وبعض السلع الأساسية، واستكمالا لهذه الحملة في سنة 2016 تم فرض ضرائب على الدخل والتحويلات الخارجية بالنسبة للأجانب العاملين في المملكة، وزيادة بعض الرسوم على تجديد الإقامات ورخص القيادة والخدمات البيروقراطية الرسمية الأخرى.
لكن أكثر ما زاد من خوفي على هذه المملكة والتي تعتبر وجهة العالم السني في الأرض وقائدته، هو تلك الرسالة التي كان قد بعث بها الملك سلمان إلى وزير المالية السعودي بتاريخ 2015/9 /28 وعنونت ب “سري للغاية” حسب صحيفة الغارديان البريطانية الصادرة بنفس الشهر، وتنص على ضرورة إتخاذ المزيد من الإجراءات التقشفية لتقليص الإنفاق الحكومي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من موازنة هذا العام، ومن بينها، الإيقاف الفوري لكل مشاريع البنى التحتية في المملكة، ووقف شراء أي سيارات أو أثاث أو أي تجهيزات أخرى للوزارات، وتجميد جميع التعيينات الجديدة على كافة الدرجات الوظيفية، وإيقاف صرف أي تعويضات مالية عند نزع الملكية من المواطنين للأراضي والأطيان، وفك الإرتباط للعقارات التي لا توجد حاجة ماسة لتملكها، كما يجب عدم إبرام عقود إستئجار جديدة، وأن لا يتجاوز الصرف من اعتمادات المشاريع والبنود خلال الفترة المتبقية من الموازنة عن 25% من الإعتماد الأصلي.
أمر آخر لا يقل أهمية عما سبق، هو انخفاض إحتاطي المملكة في يناير/كانون ثاني 2015 من 829 مليار ريال إلى 654 مليار ريال في يناير/كانون ثاني 2016، هذا مع الحسبان أنه تم إيداع إيرادات من تصدير النفط خلال نفس الفترة، إلا أن هذا الإحتياطي واصل الإنخفاض بوتيرة أقل هذه المرة من السنة السابقة ليصل في يونيو/حزيران 2016 إلى 619 مليار ريال، وبهذا يصل إنخفاض الإحتياطي النقدي للملكة السعودية خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2016 إلى نحو 35 مليار ريال، ذلك حسب بيانات مؤسسة النقد العربي في بداية شهر يوليو/تموز 2016، حيث اضطرت المملكة لسحب تلك المليارات من الإحتياطي النقدي لمواجهة عجز الموازنة العامة وأعباء الحرب على الحوثيين في اليمن.
كذلك، لا يمكن تجاهل تلك الخطة التقشفية الجديدة التي أطلقها الملك سلمان بن عبد العزيز الأيام القليلة الماضية والتي نصت على تخفيض رواتب الوزراء، وتخفيض رواتب أعضاء مجلس الشورى، والتضييق على الأجانب -العرب- العاملين في المملكة لاستكمال خطة ما سمي “بالسعودة” والتي كانت باشرت بها المملكة قبل نحو خمسة عشر سنة من الآن، والتي تهدف إلى إحلال العمالة السعودية مكان تلك الأجنبية، لكنها هذه المرة كانت أشد ضراوة وصرامة بحيث تركت أصحاب الشركات والمصالح والمشاريع هناك في السعودية دون عمالة مدربة وذات خبرة أقل أو معدومة من العمالة السعودية المتاحة، الأمر الذي ربما يعصف بسوق العمل في السعودية وسمعته إلى الأبد.
عزيزي القارىء، إن دولا بهذه المواصفات لا يمكن إعتبارها دولا حقيقية تمتلك تلك المقومات السياسية والعسكرية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتي تخولها الخوض في تجارب مصيرية -سيادية- من قبيل إعلان الحروب، لتصمد طوال سنين الحرب العجاف، لقد وصل دخل المملكة السعودية السنوي من تصدير النفط إلى مئة مليار دولار أيام تخطي سعر برميل النفط سقف المئة دولار، لكن لهشاشة إقتصادها كبلد، لم يكن يستوعب من هذه المليارات داخليا سوى 15% فقط، وفي مشاريع ليست إستراتيجية البتة، بمعنى أن الإقتصاد السعودي أضعف من أن يستوعب كامل تلك الإيرادات، وإلا حدث تضخم هائل في سعر صرف الريال السعودي، مما كان يضطر المملكة لجعل مجمل هذه الإيرادات كودائع طويلة الأمد لدى الخزانة الأمريكية، وغيرها من الدول ذات الإقتصادات القوية المتينة القادرة على استيعاب ما هو أكثر، أما الآن فإن جلب مثل هذه الإحتياطيات بشكلها الكمي لهو أمر ينطوي على مخاطر قاتلة، وخاصة تلك الإقتصادية منها، ناهيك عن السياسية وما يتبعها.
عزيزي القارىء، ربما تعتقد للحظة أنني ضد حرب السعودية على الحوثيين في اليمن، على العكس من ذلك، فأنا مع وقف التمدد الإيراني -الشيعي- الشرس والنهم نحو منطقتنا العربية من خلال هذه الحرب، لكن كان واجبا على المملكة والتحالف كذلك، قياس تلك المخاطر ومقارنتها ببعضها من قبيل خوض الحرب من عدمه أولا، ففشل السعودية في هذه الحرب ربما يجلب ويلات لا يمكن تصورها على كامل الوطن العربي -السني- كون المملكة قائدة هذا الوطن وسنيته.
لله درك يا سعودية، لله درك أيها العالم السني الضعيف المسكين المتناثر المشرذم المشتت، ولله در مستقبلي أنا أيضا ومستقبلكم، لله درنا جميعا.
المصدر
- مقال:أين السعودية الآن من الحرب؟- بشار الطافشموقع:شبكة رصد الإخبارية