أيها الأحباب.. هذه واجبات علينا قبل غيرنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أيها الأحباب.. هذه واجبات علينا قبل غيرنا

12-06-2010

بقلم: الشيخ محمد عبد الله الخطيب

أيها الإخوان المسلمون..

لقد تحمَّلتم كثيرًا في الماضي، وصبرتم على الحقد الأسود يأتيكم من هنا وهناك، وعلى الأكاذيب والأباطيل التي تُحاك ضدكم.

إنكم لم تذنبوا ذنبًا، ولم ترتكبوا جرمًا؛ حتى تُساقوا في مصر وفي غير مصر إلى السجون والمعتقلات، وتنهال عليكم الضربات والطعنات ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)﴾ (الأحزاب).

يقول الشاعر:

سل السياط السود كم شربت دماءً حتى غدت حمرًا بلا تلوين

ولجأتم إلى الله لجوء الصادق الأمين صاحب الدعوة، وتعلقتم ببابه وطرقتموه، ورفعتم أكفَ الضراعة إلى الله أن يرفع عنكم هذه الغُمم، ولم تنسوا أبدًا في مراحل الشدة ومراحل القسوة...، وما زلت الآن أراجع وأقرأ وأسأل، من هم أقدر مني على الإجابة؟

ما الذي فعله الإخوان مع عبد الناصر؟ هل طلبوا حكمًا؟! أبدًا والله، هل نافسوا أحدًا في دنيا، حتى تنزل بهم هذه الأهوال التي تعلمونها جميعًا، بل وعشتموها وذقتم طعمها المر، وسالت الدماء بلا سبب وصعدت الأرواح إلى بارئها تشكو ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، تشكو قوانين الغاب والناب، صعدت إلى بارئها، والشهداء فوق المقصلة يقولون كلامًا عجيبًا؛ فالشيخ الشهيد محمد فرغلي يترك في وصيته: يا إبراهيم! (ينادي ابنه): إن أباك أقل من أن يموت في سبيل الله.

والشهيد الحبيب العظيم يوسف طلعت يقول وهو على المقصلة آخر كلمة نطق بها: اللهم سامحني وسامح من ظلموني.

هي هي التي قالها الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم: "لا يا أخى يا جبريل إنني لم أبعث نقمةً، ولكني بُعثت رحمةً، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون".

فلماذا إذًا يُعلق على المشانق، ويدفن في تل المقطم، من لم يعتدوا على أحد، ولم يطمعوا في ملك أحد؛ لأنه أتفه من أن يطمع فيه مؤمن، بل ساعدوك يا عبد الناصر، وآزروك وعاونوك وسددوك ونصحوك بعدم الغلظة على هذا الشعب المسكين، وأطعموك من طعامهم، ونمت في بيوتهم، وأقسمت لهم على المصحف: عند النصر لتحكمنَّ بالقرآن، وتعملنَّ لتطهير البلد من المعوقات والمعاصي والذنوب، حتى تستطيع أن توجد الرجولة التي تقف على أقدامها وتجاهد في سبيل أمتها، ثم رفضت ذلك من أول يوم وبدأت المعركة، وطالما سمعت أن الإمام العظيم حسن الهضيبي يقول: أيها الإخوان.. أقيموا دولة الإسلام في صدوركم؛ تقم على أرضكم، وهي كلمات قليلة لكن من يتأملها يجد أنها عظيمة عميقة، تصدر من رجل مجرب عظيم.

كل ما ذكرت معروف، وأصبح جزءًا من التاريخ؛ إذا علمه الناس فهو خير لهم، وإن لم يعلموه فالله عز وجل يعلمه وأثبته عنده سبحانه في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى.

ولكن أحب أن أقول لكم مذكِّرًا ومعرِّفًا ومبيِّنًا: تميزوا في اجتهادكم ومثابراتكم على الطاعات والقربات، وعلى حب الله ورسوله ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ﴾ (البقرة: من الآية 165).

لا تجروا وراء الدنيا؛ لأن الله يقول: ﴿فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ﴾ (الجمعة: من الآية 10).

وعند الجنة يقول: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣)﴾ (آل عمران)، فلا تختلط الأمور ونسارع إلى الدنيا وننسى الآخرة، فالإمام البنا عليه الرضوان يوم أن استشهد وجد في جيبه جنيه و10 قروش ومسبحة.

من تعلَّق بالآخرة ووضعها في مقدمة حياته عوضه الله عن الدنيا التي لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها جرعة ماء.

احرصوا على أن تكون الموازين معتدلة، وإلا اختلت الأمور في أيدينا، وبعدنا عند دعوتنا، كان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه تاجر حرير في بغداد، ورزقه الله بتاجر متفرغ لهذا الأمر، فقال له: نعمل كشريكين أقوم أنا بالعمل، وأنت تتفرغ لمهمتك الكبرى؛ لدعوة الله ونشر العلم وتربية الشباب، وفي آخر العام نقتسم الأرباح بيني وبينك.

فوافق الإمام وهو مسرور، وكان يأخذ نصيبه من الأرباح لا ليرفع بها رصيده الدنيوي، ولا يكثِّر بها القليل؛ بل يأخذها بكاملها ويذهب إلى المسجد ويجمع أبناءه وتلاميذه الذين يربيهم، فيقول لهم: خذوا هذا الرزق الذي أفاض الله به علينا، فعيشوا به ولا تحمدوني؛ بل احمدوا الله عز وجل الذي أعطانا هذا الرزق- رضي الله عنه-، وكان الإمام البنا الشهيد العظيم يخرج من المركز العام في آخر النهار وهو ذاهب إلى بيته، وعند محطة الترام لا يجد ثمن التذكرة، فيعود إلى المركز مرة أخرى فيطرق الباب فيفتح له أحد تلاميذه فيقول له: عندك سلفة 5 قروش؟ فيقول: لا، فيقول: اسأل من بالداخل لعلك تجد، فيجد له 5 قروش!! رائد التجديد في القرن العشرين، وباعث النهضة الإسلامية، وإمام الصحوة العالمية، ليس في جيبه ثمن تذكرة الترام، وكانت لا تزيد عن قرش صاغ!!!.

انظروا إلى التجرد أيها الإخوان وإلى السمو فوق الدنيا، وأصحاب الدعوات لهم سماتهم، لا يبكون على الدنيا ولا يحرصون عليها، بل آمالهم وأحلامهم في الأخرة، فإذا أحسوا بأنهم أرضوا ربهم فقد رضي الله عنهم، وإذا أحسوا بغيرها يكون الألم والبكاء والسهر.

أيها الإخوان هذه حقائق أضوأ من الشمس، فآمنوا بها واعملوا لها، ودعكم من عبادة الدينار والدرهم، فهؤلاء تعساء الدنيا والآخرة، ففي الحديث: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فما يجري وراء الدنيا ويعطيها أكثر من حقها إلا عبد ذليل النفس، وقديمًا قال الشاعر يبكي حاله:

إني بُليت بأربع ما سلطوا إلا لشدة شقوتي وبلائي

إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي

أيها الأحباب.. أنتم وغيركم، وهم كثيرون على طريق الدعوة، لا نعلمهم لكن الله يعلمهم وهو يعينهم ويعطيهم أجرهم.

وما الأحداث التي حدثت لفلسطين الغالية، إذ تأتي السفن في البحر محملة بالزاد ومحملة بالمساعدات لمن أقفل الصهاينة في وجوههم كل منفذ، فيأتي هؤلاء الأحرار لمساعدتهم وأحد الأحرار الأتراك حين جاءته الرصاصة وهو فوق السفينة أشار بأصبعه التي تقول: إنني مت على التوحيد، مت على الشهادتين، مت على لا إله إلا الله.

تركيا التي فعل بها الغرب والشرق الأفاعيل وأنزلوا بها الويلات، والملعون الخبيث كمال أتاتورك قتل من قتل وسجن من سجن ودمَّر ما دمَّر، لكن الإسلام أعمق والإيمان أكبر من ملء الأرض من هذا الشيطان وشياطين الأرض كلها.

لكن إرادة الله أعظم وهيمنته على هذا الكون لا حد لها ولا شريك له.

تحركت تركيا لتؤكد قوله تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٢٧)﴾ (آل عمران).

ها هي تركيا الآن أثبتت مرة أخرى استمساكها بالإسلام، ولو ذَهَبْت إليها لرأيت رأي العين كيف أن المساجد لا مكان فيها لقدم.

أطهار أبرار أقوياء أعزاء صنعهم الإسلام، وما زال يصنعهم، وعاشت أوروبا 5 قرون ترتعش رعبًا من تركيا، وجاء منذ 50 سنةً عدنان مندريس الرجل الذي أشعل الشرارة وفتح المساجد، وحوَّل الآذان إلى اللغة العربية، وكان رئيسًا للوزراء، فتمكنوا منه وأدخلوه في محاكمة وهمية وحكموا عليه بالإعدام، وظل معلقًا في المشنقة 3 أيام؛ لكنهم لم يُرعبوا ولم يخافوا، وجاءوا من بعده فبنوا له في شرق إسطنبول مقبرةً، وعندما نقلوه إليها وجاء به القطار المزين بالورود، كان الشعب التركي المسلم أسبق إلى استقباله ووقف الجميع لا يُعدُّون ولا يُحصون، يقولون بصوت واحد قوي (هبي ريح الجنة.. هبي) فكان يوم دمعت فيه القلوب، وبكت فيه العيون، وهم يودِّعون جثمان الرجل الذي قدَّم حياته فداءً للقرآن ولأمة القرآن ولفتح المساجد، ولرفع الآذان باللغة العربية رحمه الله.

أيها الإخوان..

أوصيكم بأن تسارعوا دائمًا إلى المساجد في جميع الصلوات ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ (النساء: من الآية 103) أوصيكم بأن تطيلوا في الدعاء وتكثروا منه ونحن على أبواب رمضان، فهيئوا أنفسكم من الآن لشهر النصر لشهر المجاهدة لشهر الفتوحات، وتأملوا أهل بدر، تأملوهم جيدًا، وتأملوا عدتهم البسيطة وعددهم القليل، ومع ذلك أحرزوا النصر العظيم الذي فتح الطريق للإسلام، بل للدينا كلها، وأذل قريشًا وأذل الطغيان، ووقف صلى الله عليه وسلم على قبور الذين عاندوه وآذوه، وضيقوا عليه، يناديهم "يا أبا جهل يا عتبة يا شيبة.. يا فلان.. يا فلان.. هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا.. فأني وجدت ما وعدني ربي حقًّا.." فقال عمر: يا رسول الله! أتناديهم وقد جيفوا؟! قال: "يا عمر! ما أنت بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يجيبون".

أيها الإخوان..

إن سلاح الماديات الذي يهتم به جميع الماديين ويكدسونه، ويعتقدون أنه وسيلة النصر، هو عندنا عملة زائفة يجب أن تُصحح بالإيمان، ولا قيمة لها بغير الإيمان، تصحح بالرجل الذي يحملها ويقف على قدميه تائبًا عابدًا مرابطًا في سبيل الله عز وجل.

أيها الإخوان الأحباب..

أوصيكم وأوصي نفسي وأوصي كل عاقل يبغي الحق ويريد نصرته أن يبدأ دائمًا بنفسه، ثم بمن يعول، ويعطي أهل بيته نصيبهم من الرعاية والعناية والتربية على حب الحق وعلى عشق الإيمان وعلى التوحيد الخالص لله عز وجل، ويعدل بينهم، وتكون الزوجة أيضًا خير معين في هذا الأمر، وهذا يأخذ جزءًا كبيرًا من وقته؛ لأنه يصنع قاعدة للإسلام بتربية الأولاد والاهتمام بهم، لا يتركهم نهبًا للشارع، ويقرر في حزم وعزم أن جميع الأولاد خاصة طلاب المدارس وطالباتها ونحن في استقبال الإجازة، ينامون مبكرًا ويستيقظون مبكرًا ولا يسهرون، أما الوقوف في الشارع كالآخرين والتفاهات التي تقع من سهر الليل ونوم النهار، فهذه جريمة في الإسلام.. جريمة في الإسلام.. جريمة في الإسلام.

يجب أن نبرأ منها وأن تصبروا ونصبر في تغييرها إن وجدت، ويجب أن نكون جادين ونحن في طريقنا إلى الجنة، والله يرانا ويحاسبنا على التقصير، ثم بعد ذلك أرجوا اجتناب المشاكل والخلافات من أجل الدنيا.. هذا حرام وضلال.

ثم بعد ذلك أرجو أن يعامل كل زوج زوجته أفضل وأحسن معاملة، حتى ولو لم تكن أهلاً لهذا، فهو أهل لهذا إن شاء الله، وإذا لم يكن هناك خير مع الأهل، فأي خير بعد ذلك.

وأوصيكم ونفسي بتقوى الله، والمسافة بين الدنيا والآخرة؛ نفس يدخل فلا يخرج أو يخرج فلا يدخل، فالعاقل من يضع هذا في حسابه، وأن يؤمن إيمانًا صادقًا جازمًا بكل حرف في كتاب الله، ويضعه فوق رأسه، وأن يؤمن إيمانًا صادقًا جازمًا بكل حديث صحيح نطق به سيد الخلق ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾ (الأحزاب)، ﴿فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (٤٤)﴾ (غافر).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


المصدر

اخوان اون لاين