إذا أردت الإصلاح حقاً فلا تعمل في الظلام وحيداً يا مرعي
بقلم:القاضي محمود الخضيري
نائب رئيس محكمة النقض ورئيس نادي القضاة بالإسكندرية
الإصلاح القضائي جزء من الإصلاح الاجتماعي مشكلة بالغة التعقيد ومتعددة الجوانب ومتداخلة مع مشاكل أخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية ، وكل هذه المشاكل لا يقوى على حلها واحد بمفرده مهما أوتي من إمكانيات الذكاء والقوة والإرادة ، ولا حتى مجموعة صغيرة من الناس يتم اختيارهم بلا ضابط أو قواعد تحكم هذا الاختيار ، بل لابد من تفكير جماعي يستعان فيه بالمتخصصين في مجال المشاكل التي نحاول أن نعالجها ونبحث لها عن حل عند ذوي العلم والخبرة فيها ، خذ مثلاً مشكاة تنفيذ الأحكام التي يقول وزير العدل أنه يبحث لها عن حل ، هذه المشكلة التي تمثل جزءاً من معوقات التقاضي لها عدة جوانب متداخلة ومتشابكة فهي في جانب منها وهو الجانب الصعب توجد الإحكام الصادرة ضد وزارة الدفاع والداخلية ومجلس الشعب ، وهذه يصعب – إن لم يكن مستحيلاً – حلها في الظروف الحالية وهي تمثل رأس الحربة في هذه المشكلة ، ولا يمكن حلها إلا عن طريق صدور تعليمات مشددة من رئيس الجمهورية بتنفيذ هذه الأحكام واحترامها حتى تكون الدولة قدوة لغيرها في هذا الشأن وحتى لا ينطبق على الحكومة المثل القائل : ( إذا كان رب البيت بالدف ضارباً .. فشيمة أهل البيت كلهم الرقص ) ، هذا بالنسبة للأحكام الصادرة ضد الجهات السيادية والتي تمثل العقبة الأولى في مجال هذه المشكلة التي يبحث لها وزير العدل عن حل ، فهل يقدر على تذليل هذه العقبة .
أما الجانب الآخر من المشكلة فهو يتمثل في الأحكام الصادرة ضد الأفراد العاديين وموطن الداء فيها يكمن في التعقيدات القانونية والفساد الإداري وهذه لا يمكن حلها إلا بالتغلب على هذه العقبات وحل ذلك لا يمكن أن يوجد في ذهن فرد أو حتى مجموعة قليلة من الأفراد بل يتطلب جهد كل مخلص يريد الإصلاح من رجال القانون ، وهذا بالضبط ما قام به نادي القضاة سنة 1986 تحت رئاسة المستشار يحي الرفاعي شفاه الله وعافاه ، ولا أبالغ في القول أن الحلول التي وضعها مؤتمر العدالة في هذا الوقت كانت الأذان المبكر والإنذار السريع قبل استفحال الكارثة ، ولكن لا سميع ولا مجيب حتى اللحظة التي نحن فيها والتي يصور فيها البعض نفسه أنه المنقذ الذي بعثته العناية الإلهية لإنقاذ القضاء المتردي .
لا يتصور البعض أننا حين نقول أنه يجب إشراك المختصين في الإصلاح أننا نطالب إشراك نادي القضاة في هذا الإصلاح بحثاً عن دور نقوم به ، فدورنا والحمد لله يعرفه ويحس به الجميع ورغم أننا من أكثر المعنيون بالإصلاح والذين يجب أخذ رأيهم فيه ولكننا مستعدون لأن نؤيد ونساعد على الإصلاح أياً كان مصدره بشرط أن يكون إصلاحاً حقيقياً لا يهدف إلا مصلحة القضاء والوطن .
يقول وزير العدل أنه سيعمل على توفير المراجع القانونية للقضاة لمساعدتهم على البحث والدراسة وأنه سيفعل ذلك ولو أدى إلى جلبها من الخارج ، ونسى أو تناسى في غمار محاولته طمس دور نادي القضاة ، أن النادي يقوم بذلك منذ أكثر من ثلاثين عاماً حيث يقوم بطبع جميع المراجع والقوانين ويوزعها على القضاة بسعر التكلفة ، وأنه بمنعه الدعم عن النادي يمنع استمرار هذا المشروع ليقوم به وحده حتى يجعل القضاة ينصرفون عن النادي ويقفون من الوزارة ( السلطة التنفيذية ) موقف المستجدي .
مصيبة مصر في أن كل مسئول فيها يجلس على كرسي الوزارة يحاول طمس وتشويه من سبقه ليكون هو وحده المنفرد بالإصلاح وعندما يترك الكرسي يأتي من بعده لنكتشف أنه كان أشد إفساداً ، يقول وزير العدل أنه وحده الذي كشف الفساد في وزارة العدل وهو بذلك يشير بأصابع الاتهام إلى من قبله إما بالإهمال أو التواطؤ ولا أحب أن أدين أحد ولا أن أدافع عن أحد ، وكل إنسان أقدر أن يدافع عن نفسه خاصة وأنه بينهم كباراً هم أقدر مني عن الدفاع عن أنفسهم ، ولكن أقول له أننا في نادي القضاة طالما نادينا وبح صوتنا بان أجهزة الوزارة في حاجة إلى إصلاح وتغيير وتنظيم وأن الإدارة الجماعية التي تمثل فيها جموع القضاة هي خير طريق للحفاظ على المال العام وأنه يجب تمثيل القضاة في إدارة جميع الصناديق التي تحوي مال القضاة فهم أقدر من غيرهم وأحرص على إدارة هذا المال ولا سميع ولا مجيب ، وحتى هذه اللحظة لا أعتقد أن وزير العدل ممكن أن يستجيب لذلك ولو كان في هذا الحل لمشكلة إهدار المال العام التي تعاني منها الوزارة .
نريد أن نقتنع بأن الوزير يريد الإصلاح حقيقة لا قولاً ، فهو فاقد الثقة بالنسبة لنا باعتبار أنه جزء من حكومة فاقدة لثقة الشعب ، ولأنه ينفرد بالحلول لمشاكل أكبر من طاقته وطاقة كل المحيطين به ، ولأن تصرفاته السابقة أيام رئاسته للجنة الانتخابات الرئاسية لا تجعلنا نطمئن إليه وأحب أن أقول له إن كنت قد نسيت فنحن لم ننسى وإن نسينا نحن فإن التاريخ لن ينسى ، وحتى تستعيد هذه الثقة المفقودة فلابد من تصرفات تعيد لك هذه الثقة ، لأن الثقة التي فقدت نتيجة لأفعال لا يمكن أن تعيدها الأقوال فقط ، والأفعال حتى الآن هي عكس الأقوال تماماً ، التجاهل يا أخي مرعي ليس دائماً هو الطريق السليم للرد على الاتهامات ، بل إنه يدل على أن صاحبه يقر بهذه الاتهامات أو ليس عنده رد عليها ، وعلى أية حال يبدو أن هذا ليس مسلك وزير العدل فقط بل هو مسلك الحكومة بوجه عام تجاهل تام لكل ما يقال ، أفعال الحكومة تدل على أن الخير كل الخير فيما يفعله المسئولون العالمون ببواطن الأمور حتى شارع بين الناس قول ( البلد بلدهم يفعلون فيها ما يشاءون ) .
هل تعتبر أن الإصلاح القضائي قاصر على ما قدمته من مشروعات قوانين وإنشاء إدارة لتنفيذ الأحكام ووضع شروط للتعيين في النيابة العامة ، إن هذا بلا شك بعض الإصلاح بشرط أن تكون هذه القوانين مدروسة تماماً وفيها الحل لبعض مشاكل التقاضي ، ولكنها بلا شك ليس كل الإصلاح ، علماً بأن إصلاح جانب وترك باقي الجوانب بلا إصلاح هو مضيعة للوقت والجهد والمال وسيؤدي إلى فساد ما تم إصلاحه .
لم يضع ( مرعي ) يده في عش الدبابير كما يقول البعض عندما أراد إصلاح نظام التعيين في النيابة العامة ، ونحن في نادي القضاة أول من يضع يده في يد الوزير ، وأن من قاوم ذلك وأحال الأستاذ الشاعر الكبير فاروق جويدة إلى النيابة العامة للتحقيق معه عندما أثار هذا الموضوع ليس هو نادي القضاة ولكنه مجلس القضاء الأعلى بتشكيله السابق والكل يعلم مدى الخلاف الذي كان بيننا وبين المجلس ، والشاعر فاروق جويده يعلم مدى حب القضاة وتقديرهم له وأسفهم على ما حدث له ، لم يقل ( مرعي ) أن 90 % من المحظوظين الذين تم تعيينهم من القضاة هم غير صالحين ، ولكنه عمم الحكم على كل قضاة مصر فشمل المحظوظين وغير المحظوظين وهم الأكثرية من بين القضاة .
لن أمل ولن أسكت عن مطالبة ويزر العدل إذا كان يريد حقاً تنظيف ثوب القضائي مما علق به كما يقول من أن يتولى مساءلة القضاة الذين أدانتهم محكمة النقض بتزوير الانتخابات ، فهذه الوصمة أصابت الجسم القضائي في الصميم ولا يمحوها إلا بتر هؤلاء القضاة وما دام هذا السرطان في الجسم القضائي فهو في خطر لا شفاء منه .
هل تستطيع يا أخي مرعي أن تستأصل هذا الداء اللعين من جسم القضاء ،هل تستطيع أن تتغلب على مسألة اختيار دوائر معينة لنظر قضية معينة طمعاً في حكم معين يرضي صاحب السلطان ، هذه هي الأسئلة الصعبة في المقرر المعقد ، فهل تستطيع أن تجيب عليها إجابة عملية ؟ نحن في الانتظار والترقب ( وإن غداً لناظره لقريب ) .