إنه عام الحذاء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
إنه عام الحذاء

أ.د/جابر قميحة

معروف أن العرب يؤرخون بالأحداث المشهورة, ويطلقون علي العام اسم الحدث الذي وقع فيه. فهناك «عام الفيل» سنة 571م, وهو العام الذي توجه فيه أبرهة بالفيل لهدم الكعبة.

وهناك «عام الفِجار» في المحرم بعد ميلاد النبي صلي الله عليه وسلم بأربعة عشر عاما. وهي معركة وقعت بين قريش ومن معهم من كنانة, وبين قيس عيلان.

وهناك عام الهجرة.. وهناك عام «الرمادة» أي عام الهلاك. وكان عام مجاعة قاتلة سنة 18 ه في عهد عمر بن الخطاب.

وهناك "عام الجماعة" سنة 41ه, وفيه تصالح الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان, وحقنت الدماء.

ومن قبيل تداعي المعاني نجد في التاريخ للحذاء مكانا ودورا ، من ناحية الحدث ، ومن ناحية الفن ،

ولنبدأ بالمستعصم الخليفة العباسي (609 - 656ه) ،الذي تولى الخلافة بعد أبيه المستنصر العباسي في جمادي الآخرة سنة 640, وكان - كما وصفه ابن طباطبا - مستضعف الرأي, ضعيف البطش, قليل الخبرة بأمور المملكة, مطموعا فيه, غير مهيب في النفوس, ولا مطّلع علي حقائق الأمور, وكان يقضي زمانه بسماع الأغاني والتفرج علي المساخرة... وكان أصحابه مستولين عليه, وكلهم جهال من أرذال العوام.

هذه كانت صورته: خليفة ساقط الهمة, عديم الحزم, ضائع الهيبة, همه في حياته المتع والملاذ وجمع المال, دون شعور بالمسئولية والخطر الزاحف إليه من قِبَل التتار. لذلك سيطر عليه وملك قياده وزير خائن اسمه «مؤيد الدين العلقمي الرافضي», قال عنه بعض معاصريه: .. أهلك الحرث والنسل, ولعب بالخليفة كيف أراد, وباطن التتار (أي راسلهم سرًا), وناصحهم, وأطمعهم في المجيء إلي العراق , وأخذ بغداد». وتوالت رسل العلقمي الخائن إلي التتار, يطمعهم في البلاد.

وفي المحرم سنة 656, وصل التتار إلي بغداد, وهم مائتا (200) ألف يقودهم هولاكو, وهزم جيش الخليفة هزيمة نكراء. وأقنع العلقمي الخائن المستعصم بأن يسعى العلقمي للظفر بالصلح, وخرج إلي هولاكو, واتفق معه علي القضاء علي الخليفة والخلافة, وعاد العلقمي إلي المستعصم لينفذ المخطط الحقير, وأشار علي الخليفة بالخروج إلي هولاكو, فخرج إليه ومعه هدايا كثيرة من الدر والجواهر وغيرها, ومعه جماعة من الأعيان, فأنزلوه في خيمة.

وكانت نهاية المستعصم أن قتله التتار رفسًا, أي دوسًا وركلاً بأقدام التتار ونعالهم ...

ويطول بنا المسار لو استعرضنا مكان الحذاء أو النعل بالتاريخ الأدبي ، وأجتزئ ببيت مشهور للمتنبي . مناسبته أن المتنبي وقد بدأ يكره مصر وحاكمها " كافور الإخشيدي " نظر إلى قدم كافور فوجدها غليظة الجلد ، وفيها شقوق ربما بسبب تراكم " القشف " على قاع القدمين . فقال قصيدة هجاء في كافور ، اشتهر منها البيت التالي :

وتعجبني رجلاك في النعل ، إنني

رأيتك ذا نعل ولو كنت حافيا

وفي أيام الثورة «أعوام» مشهورة. منها: عام النكسة سنة 1967 , وعام «الحسم» الذي تغير توقيته عدة مرات. وهناك عام «الرخاء» الذي جاء علي هيئة وعد متجدد علي لسان السادات, ولم يتحقق حتي الآن.

وإذا كان العام يسمى بأهم أحداثه ، فإن هذا العام ( 2008 ) يجب أن يسمى " عام الحذاء " ، فالحذاء هو الشخصية الأولى التى شدت الأنظار ، وأثارت وجدان الشعراء ، وشغلت الصحف ووسائل الإعلام . والحذاء كلمة عربية أصيلة ، ومثلها النعل ، فهما بمعنى واحد . وقريب منهما الخفّ ، وجمعها خفاف .

وأول الأحذية الجديرة بالتوقف : حذاء السيد المبجل جدا " مصطفى الفقي

لـكَ حسرتي وفجيعتي وعزائي

جـلـدٌ طـبـيعي ونعل iiفاخرٌ

مـا فـي "دمـنهور" حذاءٌ مثله

وأظـنـهم ظنوك جُرتَ iiعليهمو

وسـرقتَ أصواتًا وفزتَ iiبمقعدٍ

وعلى "نهى الزيني" العتاب" لأنها

صنعتْ من الأمر اليسير iiفضيحةً

أدْري.. حـذاؤك ليس أيَّ iiحذاء

حـتـى يـلـيق بقيمةِ iiالكبراء

فـضـيـاعـه عمدًا بغير مراء

وكـسـرتَ حـلمَهمو بكل جفاء

زورًا وقـد شهدتْ لجانُ iiقضاء

قـد أظهرتْ ما كان في iiالإخفاء

كوأثـارت الـجُـلَّى من iiالأنواء


ومن قصيدة ل أبي سلمى رأفت عبيد :

حذاؤكَ في الورَى نعْمَ iiالحِذاءُ

كحـذاؤكَ والـجَوانِحُ ذي فِدَاهُ

حذاؤكَ في الرِّبيع يفوحُ عِطرًا

مُصابُ الناس ِفي نعليكَ iiداجٍ

تـمـادَى في مآسينا iiانتحَابٌ

وتـنـتحِبُ الكنانةُ في أسَاها

شـوارعنا الفخيمةُ في iiاكتئابٍ

أسـوقُ لـك الرِّثا مني iiعَزاءً

حـذاؤكَ في ذرا المَجْدِ iiاللواءُ

ويـا فـرْحَاهُ لو قبلَ iiالفِداءُ!

شـذاهُ مُـعـبَّقٌ منه iiالفضاءُ

عـيـونـهمُ يُرُى فيها iiالبُكاءُ

تـراءى فـي مـآقينا iiالعَزاءُ

ونـهْـرُ الـنيلِ باكٍ iiوالسَّماءُ

تـوَلـولُ في حواريها iiالنسَاءُ

أقـلُ الـواجـباتِ هو iiالرِّثاءُ

ومن قصيدة لكاتب هذه السطور بعنوان ( مصطفى الفقي يرثي حذاءه المسروق ) :

سَرقوك يا أرقى iiحِذاءْ

أبـكيك يا أغلى iiالحبا

وتـكـاد نفسي iiتفتدي

أأقول متَّ، وأنت iiفي

وحـذاءُ مثلي لا يجو

سـأظـل بعدك iiحافيا

أوْ قد أسيرُ iiب"شبشبٍ"

لأعيشَ بعدك في iiشقاءْ

يب بالدموع بل iiالدماء

ك فـأنت أهلً iiللفداء

أعماق قلبي iiكالضياء

زُ عليه في الدنيا فناء؟
فـأنا الوَفيُّ أبو iiالوفاء

لا أقـتـني أبدًا iiحذاء

ومن بضعة أيام كانت المفاجأة الحذائية الكبري التى لم يتوقعها أحد وهي أن أحد أبناء العراق الأبطال الأنقياء وجه إلى " بوش " فردتي حذاءه في تلاحق سريع عجيب ، وتفادى بوش " الفردتين " ، فلم يصب ، وإن أصابت الفردة الثانية قلب العلم الأمريكي في مقتل ، وأعتقد أن " بوش " أصيب بجراح نفسية صارخة كانت مزيجا من الإهانة والتحقير ، وكراهية الشعوب ، والنقمة عليه وعلى الاستعماريين من أمثاله ،هذا إن كان يملك الحد الأدنى من الإحساس والشعور.

وهناك دلالة غابت عن الكثيرين وهي أن قاذف الحذاء اتسم بالسماحة وخلق العفو عندالمقدرة ؛ فقد كان يستطيع أن يستبدل بالحذاء " مسدسا " يوجه طلقاته إلى قلب بوش ، وهذا بالنسبة له أسهل بكثير من تصويب الحذاء ، وكأن لسان حاله يقول : إن الهدف ليس أن نقتلك ، ولكن الهدف أن نهينك ، كما أهنت مئات الملايين من العرب والمسلمين ، والرصاص مهما قيل فيه آلية نظيفة في المظهر على الأقل ، ولكن الحذاء هو أدنى وأحط ما يستخدمه الإنسان ، لذلك كان مناسبا ولائقا لمقامك العدواني الخسيس .

وأستطيع أن أقول في إيجاز : إن هذا الحذاء دخل التاريخ من اوسع ابوابه و " ألمعها " على الإطلاق . وعمت الفرحة كل الشعوب العربية والإسلامية وانطلقت بعض البلاد تعبر بمظاهرات ترفع الأعلام ، وكأنها تعيش في عيد حقيقي ، كانت الأضحية فيه كرامة بوش ، بعد أن عاشت عيد الأضحى الذى ضحت فيه بالخراف والأبقار .

وأقول ... للكبار جدا من أصحاب الكراسي الذين يستهينون بشعوبهم ، ويحكمونها بالظلم، والقهر ، والحديد والنار، ويكثرون عند الطمع ، ويختفون تماما عند الفزع . كانهم المعنيون بقول الشاعر :

أسد علي وفي الحروب نعامة

فتخاء تنفر من صفير الصافر

أقول لهم : بادروا ، وصالحوا شعوبكم ، قبل أن يتكرر عليكم " الهجوم الحذائي البوشي ".

ومعذرة إذ أفاجأ بقصيدة تطل برأسها وتفرض نفسها علي بمناسبة " الهجوم الحذائي ". مع أنني نظمتها مما يزيد على عام مضى موجهة إلى القادة والحكام المستهينين الظالمين الفاسدين المفسدين ومنها الأبيات الآتية:

إنَّـا رأيـنـا فـيـكـم iiالقَوَّالا

حتى غدوتم في الورى أضحوكةً

إنـا بـرئـنا منكموُ يا iiسادتي

فـلتسمعوا منا وقد فاض iiالأسى

"كـونـوا لـيـوم واحدٍ iiرجالا

لـكـن عـدِمْـنـا بينكم iiفعالا

لـم تـشـهـد الـدنيا لها iiأمثالا

إذ مـا اعـتـبرتم قتلنا iiإفضالا

قـولا سَـيُـردي نـبرُهُ iiالأنذالا

عـفْـوا، فـإنـا نطلبُ المُحالا

هذا ومازالت وسائل الإعلام في العالم كله تتحدث عن هذا الحدث الكبير (الهجوم الحذائي الخاطف ) ، ونرى " أبناء البلد " يخترعون نكات ساخرة محورها هذا الحدث ، وبدأت أقلامنا تفيض شعرا نعرضه بمشيئة الله على القراء في كل المواقع ، عن قريب .

المصدر:رابطة أدباء الشام