الأمير عبد الكريم الخطابي.. نموذج ثوري فريـد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الأمير عبد الكريم الخطابي.. نموذج ثوري فريـد
عبدالكريم خطابي5.jpg

بقلم:د.محمدمورو

بعد صدام طويل بين الإسلام والصليبية على أرض المغرب العربي، هذا الصدام الذي أستمر ألف عام، قبل فتح الأندلس وأثناء الحكم الإسلامي للأندلس وبعد سقوط الحكم الإسلامي للأندلس، بعد هذا الصدام الطويل نجحت فرنسا :احد أذرع الإخطبوط الصليبي الغربي في احتلال الجزائر عام 1830 ثم تونس 1881 وكان من الطبيعي أن يمتد بصر فرنسا نحو مراكش والتي كانت تتعرض في ذلك الوقت لهجمات غربية صليبية متعددة " ألمانيا وأسبانيا وإنجلترا وفرنسا ".

وتم التفاهم بين فرنسا وإنجلترا سنة 1904 وهو الاتفاق الذي أطلق يد فرنسا في مراكش مقابل أطلاق يد إنجلترا في مصر، وفي عام 1906 تم أيضًا الاتفاق بين فرنسا وألمانيا على أطلاق يد فرنسا في مراكش، وكانت أسبانيا قد اقتطفت لنفسها أجزاء من مراكش مثل الصحراء المغربية وسبتة ومليله وغيرها.

ونجحت فرنسا في إعلان احتلال المغرب سنة 1812 وكان من الطبيعي أن يستمر شعب المغرب في المقاومة التي لم تتوقف قط، ويصف ضابط فرنسي يدعي جيوم المقاومة في مراكش قائلاً ( لم تستسلم أي قبيلة دون مقاومة، ولم تلق أي قبيلة سلاحها إلا بعد استنفاذ كل وسائل المقاومة )، وقاد المقاومة في ذلك الوقت عدد من المجاهدين والزعماء مثل هبة الله بن ماء العيون الذي فجر الثورة في فاس واندلعت شرارتها على جميع الأقاليم عام 1912، وكذلك السيد الحلالي في الجنوب الشرقي من مراكش ن حيث استمرت تلك الثورة حتى عام 1931.

ولم يقتصر الجهاد في ذلك الوقت على قتال الفرنسيين، بل شمل أيضًا القتال ضد الأسبان الذين كانوا يسيطرون على منطقتي الريف والجبالة، وحمل لواء الجهاد ضد الأسبان احمد بن محمد الرسولي الذي صمد في القتال منذ عام 1911 وحتى عام 1921 .

ظهور الأمير عبد الكريم الخطابي

هو الأمير محمد عبد الكريم الخطابي، المشهور بزعيم ثورة الريف ومؤسس جمهورية الريف في المغرب والذي ظل يقاتل الأسبان والفرنسيين منذ عام 1921 مـ حتى عام 1926 مـ، وهو خريج جامعة القرويين الإسلامية في المغرب، وقد أبتكر الأمير عبد الكريم الخطابي العديد من التكتيكات الحربية التي استفاد منها كل من الجنرال جياب في حرب فيتنام ضد القوات الأمريكية وكذا الثائر اليساري جيفارا في أمريكا الجنوبية، وقد سقط الأمير في الأسر عام 1926 مـ ونفي إلى خارج المغرب حيث استقر في القاهرة ليواصل نضاله فشكل بها لجنة المغرب العربي للمطالبة باستقلال بلاد المغرب العربي ومتابعة كفاحه.

جهاد الأمير:

ظهر الأمير محمد عبد الكريم الخطابي في عام 1921 مـ في منطقة الريف، واستطاع أن يفجر الثورة بمنطقة الريف على الأسبان وأن يحقق العديد من الانتصارات عليهم، وخاصة في موقعة الأنوال حيث أبادت قوات الأمير الحملة الأسبانية بأسرها بما فيها قائدها الأسباني سلفستر ومنذ ذلك الوقت ذاعت شهرة الأمير وسلمت له قبائل الريف كلها بالزعامة وانخرطت معه في الجهاد ضد الأسبان وحاصرت جميع المراكز الأسبانية في المنطقة وفي مدي خمسة أيام " مايو 1921 " كانت بلاد الريف قد تحررت تقريبًا من النفوذ الأسباني ووصلت طلائع قوات الأمير إلى ضواحي مليلة ووفع عدد كبير من الأسبان في الأسر وأصبح وجود الأسبان قاصرًا على مدينة تطوان وبعض المواني والحصون في الجبال وأسـس الأمير إدارة منظمة للمناطق المحررة وحكمها حكمًا شبيهًا بالحكم الجمهوري الرئاسي وألف مجلسا لرؤساء القبائل وجعل الوزراء مسئولين أمام هذا المجلس، وأعلن الخطابي أن أهداف حكومته هي طرد الأسبان والفرنسيين من المغرب وتحرير باقي بلاد المغرب العربي.

ولم يقتصر جهاد الأمير على القتال ضد الأسبان، بل أنه استخدم جمهورية الريف التي شكلها في الضغط على القوات الفرنسية وتحريض القبائل على التمرد والعصيان في منطقة النفوذ الفرنسي وخاصة بدءاً من عام 1925، وبدأت الصدمات المتوالية تقع بين الأمير والقوات الفرنسية وأوقع بالفرنسيين خسائر فادحـــة.

وكان من الطبيعي إزاء تلك القوة الصاعدة التي تمتلك قائدًا كفئًا ومقاتلين شجعان، أن تتجمع القوى الاستعمارية ضدها، فتم عقد مؤتمر بين أسبانيا وفرنسا في مدريد عام 1925 م لتنسيق الأعمال الحربية بينهما ضد الأمير عبد الكريم الخطابي، وتدفقت القوات الفرنسية والأسبانية على المغرب، بل وأيضًا تم استخدام بعض المرتزقة من الطيارين الأمريكيين في تلك المعركة، وحشدت فرنسا وأسبانيا قواتها البحرية والبرية والجوية كمحاولة للقضاء على الأمير واستطاع الأمير عبد القادر أن يصمد من مايو 1925 إلى مايو 1926 م أي عامًا كاملاً أمام جحافل دولتين أوربيتين هما فرنسا وأسبانيا، وأخيرًا تم القضاء على قوات الأمير وسقط الأمير في الأسر، ليرحل إلى القاهرة بعد ذلك ليواصل نضاله من أجل المغرب العربي.

وإذا حاولنا أن نحلل تجربة الأمير عبد الكريم سواء في تنظيمه لجمهورية الريف، أو في قتاله ضد الفرنسيين والأسبان نجـــد :

أن الأمير أنطلق من دوافع جهادية إسلامية، فهو عالم دين إسلامي، خريج جامعة إسلامية ( جامعة القرويين ). كان الأمير يؤمن بأسلوب الكفاح المسلح وشاركته أوسع الجماهير في الثورة.

كان الأمير عبد الكريم الحطابي يؤمن بالشورى وأقام نظام جمهورية الريف على النظام الرئاسي الجمهوري وهو بهـذا قدم اجتهادًا إسلاميًا متقدمًا في هذا الصدد في ذلك الوقت.

أن صمود دولة الريف سنة كاملة ( مايو 1925 ـ مايو 1926 ) أمام دولتين أوروبيتين يعتبر حالة متميزة في تاريخ الحروب مع الاستعمار ، ويكفي أن الأمير واجه ثلاثة من كبار الماريشالات هم ليوني، بنيان، بريمودي، وأربعين جنرالاً ومئات الألوف من القوات الأسبانية والفرنسية، بل ومرتزقة أمريكيين، وكذلك واجه القوات البحرية والبرية والطيران، أي أنها كانت حربًا شاملة بين جمهورية الريف وبين فرنسا وأسبانيا بكامل قواتهما، بل أن رئيسي هاتان الدولتان قدموا إلى مراكش للإشراف على القتال بأنفسهــم.

أننا في مقارنة صمود جمهورية الريف وصمود أهل فيتنام مثلاً نجد أن القوات الفيتنامية قد تلقت معونة هائلة من الإتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية بعكس جمهورية الريف التي لم تعتمد إلا على قواها الذاتية. أن تجربة جمهورية الريف تكشف خصوبة الاجتهاد الإسلامي مبكرًا، فهي تجربة جمهورية قائمة على الشوري، وكذلك فأن صمود جمهورية الريف أمام جحافل جيشين استعماريين كبيرين تؤكد قدرة المسلمين على القتال والمواجهة إذا ما توفر لهم عنصر قيادي يمتلك الشجاعة والذكاء وسعة الأفق السياسي والعسكري.

أن الأمير عبد الكريم الحطابي لم يكن يهدف بحركته إلى تحرير مراكش وحدها أو حتى دول المغرب العربي كلها أو حتى شمال أفريقيا بأسره، بل كان يتطلع إلى حركة تحرر أسلامية شاملة في كل أنحاء العالم الإسلامي ضد السيطرة الأوروبية.

المصدر