الإستراتيجية الأمريكية الجديدة.. مقاربة إسلامية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإستراتيجية الأمريكية الجديدة.. مقاربة إسلامية
06-11-2003
جورج بوش

تعد الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، التي أعلنت منذ سنوات قليلة، ويتبناها أركان الإدارة الأمريكية من المحافظين الجدد بحماس شديد، ولا ينتظر أن تتغير ولو جاءت الانتخابات الرئاسية بجديد، وقد يحدث تغيير في الأساليب أو التكتيكات.. هذه الإستراتيجية أحدثت تحولاً في مفاهيم كانت مستقرة في القانون الدولي منذ عهود التوازن بين القوى المختلفة منذ معاهدة "وستفاليا" وإلى الآن.

وفي ظل طغيان المفاهيم القديمة كان التدخل في الشئون الداخلية للدول محرمًا، واحترام السيادة الداخلية مُقدسًا، وأصبحت الحدود المفروضة منذ الحقب الاستعمارية شبه نهائية.

أما الآن، وفي غضون سنوات قليلة، أصبحت بعض هذه المفاهيم شبه بالية وغير محترمة، ويتم إرساء مفاهيم جديدة سوف تغير ما تعارف عليه القانون الدولي القديم؛ لترسي معالم حقبة جديدة في القانون الدولي، وما صاحبه من مؤسسات دولية أصبحت في مهب الريح.

بدأت هذه التغيرات بإرساء مبدأ التدخل من أجل حماية حقوق الإنسان، وشاع هذا المبدأ وذاع، وتبنته برلمانات أوروبية عديدة، بعد أن ربط الرئيس الأمريكي "كارتر" المساعدات الأمريكية بمدى احترام الدول لحقوق الإنسان، ثم تبنت الإدارة الأمريكية قانون "الحريات الدينية"، وقررت عقوبات متدرجة على الدول التي يثبت عليها انتهاك الحقوق الدينية لمواطنيها، ثم وصلنا إلى المدى الذي استخدمت فيه الولايات المتحدة الأمريكية القوة المسلحة في ظل ما يُسمى بـ"الحرب الاستباقية" لتحقيق هدفين مختلفين حتى الآن.

الأول: محاربة الإرهاب، وهو شعار فضفاض جدًّا.

الثاني: إزالة نظم تهدد العالم وأمنه واستقراره.

وصاحب ذلك انفراد أمريكا بالقرار والتنفيذ، وشاهدنا ذلك في أفغانستان والعراق، بعد أن طبقت المفاهيم السابقة في إيران وسوريا والسودان وغيرها، بحصارها المستمر والعقوبات المفروضة عليها حتى الآن. في ظل ما استقر من مفاهيم قانونية دولية قديمة اجتهد كثير من العلماء المسلمين والمفكرين والفقهاء لضبط مفاهيم ومصطلحات إسلامية، ذاعت في عصور سابقة، خاصةً في مجال العلاقات الدولية، وبالذات في مجال الحروب والجهاد. ولقد نتج عن هذه الاجتهادات قصر الحق في شن الحرب من دولة إسلامية أن أصبحت "دفاعية" فقط، لدفع العدوان عن بلاد المسلمين، وأصبح الجميع مشغولين بإيجاد تبريرات فقهية وتاريخية للفتوح الإسلامية، والتي شملت قرونًا عديدة، وساهمت في إدخال شعوب عديدة تحت مظلة الدول الإسلامية دون إكراه أهلها على الدخول في دين الإسلام، وإنْ استظلوا بمظلته الحضارية، ثم دخلوا فيه أفواجًا.

وأول ما يلفت الانتباه هو إغفال السياق التاريخي للعلاقات الدولية قديمًا، وعدم وضع القواعد المستقرة في زمن الأحداث في الاعتبار عند دراستها، وكذلك يلفت الانتباه: محاكمة عهود سابقة، وما تم فيها من ممارسات وفق معايير جديدة نشأت في عهود أخرى.

وأيضًا: من الخطأ الكبير تصور أن ما وصل إليه العقل البشري والاجتهادات في زمن ما، وفي حضارة ما سوف تستقر إلى أبد الآبدين، فها نحن نشهد ذبول مفهوم الأمم المتحدة، وضعف دور "مجلس الأمن"، وقُرب نهاية المنظمات الدولية المختلفة، بعد أكثر قليلاً من نصف قرن على نشأتها، وسوف ينهار ما ارتبط بها من قوانين دولية وممارسات دولية، وسوف تنشأ أوضاع جديدة ستنفرد بها الدولة الأقوى والأعظم الآن؛ وهي أمريكا، وسيصعب دون إحداث توازن دولي جديد إعادة الأمور على ما كانت عليه.

هذا إذا كان من الممكن إعادة التاريخ إلى الوراء، وسيكون الأرجح هو تحسين شروط الإستراتيجية الجديدة، خاصةً إذا لم تنفرد بها دولة واحدة، وتصادمت مصالح أكثر من دولة عندما تقرر كلتاهما استخدام نفس الأدوات والأساليب.

في ضوء ذلك دعونا نسترجع مفاهيم إسلامية، تدعو إليها حركات إسلامية، ولها أسانيد قوية في الفقه الإسلامي بعضها ضعف وبهت خلال القرن الماضي، وفي ظلال الإستراتيجية الجديدة يمكن إعادة الاعتبار لها، وهذه دعوة للحوار حولها. من هذه المفاهيم وحدة الأمة الإسلامية الحضارية والثقافية، ثم السياسية والإدارية.

لقد تعرَّض هذا المفهوم لهجوم شديد بسبب نشأة الدولة الوطنية عقب الحقبة الاستعمارية، وأصبحت الحدود التي رسمها الضباط الأوروبيون لتحقيق مصالح استعمارية مقدسة وثابتة رغم ما تسببت فيه من خلافات وصلت إلى الحروب الإقليمية وما زالت.

ما الذي يمنع المسلمين اليوم من الدعوة الجادة إلى إعادة النظر في ممارسة الدول الوطنية والقومية، وما الذي يمنعهم من السعي إلى إزالة الحدود المصطنعة بين شعوبهم والتي مزقت قبائل واحدة على أكثر من بلد مصنوع، وانظر إلى العراق اليوم بأكراده وقبائله العربية، وانظر إلى القرن الإفريقي وغيره.. إن مفهوم الدولة الوطنية يتعرض اليوم لانتكاسة ضخمة، وهناك استهداف واضح لتفتيت هذه الدول وتقسيمها إلى دويلات عرقية أو طائفية، والمستفيد من ذلك دولة العدو الصهيوني، وهناك سعي حثيث لتنفيذ ذلك بالقوة المسلحة والبداية في العراق، والسودان.

إن سلاحنا الأقوى لمواجهة هذا الخطط هو التمسك بوحدة الأمة المسلمة عقائديًا وحضاريًا، التي ينضوي تحت لوائها كل القبائل والأعراق، ويتعايش في ظلها كل المؤمنين مسلمين ونصارى ويهود، ويأمن في رحابها المؤمنون وغير المؤمنين من وثنيين أو ملحدين.

إن التمسك بذلك يجعلنا نحارب من أجل الحفاظ على وحدة الدولة الوطنية ثم نسعى إلى وحدة الدول العربية، ثم نجاهد من أجل وحدة الأمة الإسلامية المسلمة، وعلينا أن نتخذ من الوسائل والأساليب الجادة من أجل تقريب الثقافات والتعاون الاقتصادي والتنسيق السياسي على مدار زمن واسع يصل بنا في نهاية نصف قرن من الزمان إلى تحقيق هذا الأمل المنشود، وعندئذ قد تكون هذه الأمة قادرة على إحداث توازن دولي مع الأمة الأمريكية، وعندها قد تصبح لها حقوق في ظل الإستراتيجية الأمريكية- إن استقرت- لحماية المؤمنين والمسلمين في كل مكان، ومنع الفتنة في الأرض، ورعاية المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يستنجدون بالمسلمين لحمايتهم من ظلم الظالمين وبطش الجبابرة..

إن الناظر في آيات القتال في القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يعلم أن الله تعالى شرع القتال جهادًا في سبيل الله، وليس علوًا في الأرض، ولا استكبارًا لتحقيق المشروعية الإسلامية العليا، لتكون كلمة الله هي العليا، ولتحقيق العدل بين الناس، ولننشر مظلة الأمن والاستقرار كي يحيا الناس في الإسلام ويختاروا دينهم ونظم حياتهم دون إكراه من طاغية أو مستبد.

يقول الله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيرًا﴾ (النساء: 75).

ويقول تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ* فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنِ انْتَهَوا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 190: 193)..

وهذا القتال لا يحبه المسلمون ولا يلجأون إليه إلا وهم كارهون، ولكنه شُرع لتحقيق المقاصد ولحماية حق الإنسان في الاختبار الحر.

﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: 216).

ألسنا في حاجة إلى مراجعة المفاهيم التراجعية التي قصرت حق الجهاد والقتال بالنسبة للمسلمين على الدفاع عن الأراضي الوطنية وليس حتى عن أي أرض إسلامية، فنترك المسلمين يذبحون وتنتهك حرماتهم في كل مكان دون أن نحرك ساكنًا مثلما يحدث في فلسطين.

ألسنا في حاجة إلى مراجعة ممارسات سياسية تركت حقوق المسلمين وغير المسلمين الدينية تنتهك وتتعرض للبطش تحت مظلة دول إلحادية اشتراكية ثم اليوم في أمريكا ذاتها، وأوروبا مثلما يحدث بالنسبة إلى "الحجاب" مثلاً.

لا يجب على البعض أن ينظر إلى هذه المراجعة على أنها قد تستخدم كتبرير للسياسة الأمريكية الإمبراطورية الجديدة، فهذه ماضية في طريقها لن يُساندها تبرير، وهي ليست في حاجة إلى مساندة من أحد، ولن يشجعها تفسير أو أسانيد من ثقافة هي تعمل على تدميرها وتغييرها.

ولا يجب أن ينظر آخرون إلى تلك المراجعة على أنها من إعجاب المهزوم بالمنتصر، أو تقليد الضعيف للقوي، في حالة التراجع الحضاري الذي تشهده الأمة المسلمة.

وعلينا أن نلاحظ الفارق الضخم بين ما قرره الإسلام من ضوابط صارمة للجهاد المشروع وأهدافه وأساليبه وخططه، حيث هو في سبيل الله وليس لتحقيق مغانم أو لتحقيق سيطرة جنس على بقية الأجناس أو أمة على أمم العالم، وتاريخ الإسلام يشهد بأن العديد من الأقوام والأجناس تداولت على قيادة الأمة الإسلامية عرب وفرس وترك ومغول ومماليك وغيرهم، وأن المساواة بين جميع المؤمنين مسلمين وأهل كتاب كانت هي السمة الغالبة في تاريخ المسلمين، لذلك انتشر الإسلام وساد دون ضغط أو إكراه، وما زال إلى يومنا هذا أوسع الأديان انتشارًا.

المقصود هو مراجعة ذاتية نقوم بها نحن لمفاهيم حاول البعض مخلصين أن يوائموا بين ما استقر في الفقه الإسلامي لعقود طويلة، وبين ما توصل إليه القانون الدولي في قرنين من الزمان شهدا نزاعات مريرة بين الدول الاستعمارية، وها هي حصيلة ما بعد الاستعمار الأوروبي تتعرض لهزات ضخمة على مستوى المفاهيم بسبب الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، وقد تكون تلك الإستراتيجية التي تقوم على الحروب الاستباقية والتدخل في شئون الدول الأخرى لذرائع مختلفة هي التي تمهد لمفاهيم إسلامية ما زالت صالحة وقادرة على البقاء محققة لمصالح الأمة الإسلامية.

إذا كانت أمريكا تريد أن تنشر الديمقراطية بحد السيف وعلى قعقعة السلاح فمالنا نحن نخجل من حماية حرية الأفراد التي كفلها الإسلام.

انتظروا الهجوم على الأزهر:

سوف تشهد الأيام القادمة هجوم العلمانيين واليساريين على الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية أعلى هيئة علمية إسلامية في مصر، ذلك بسبب تقريره الأخير الذي يطالب بسحب نُسَخ كتاب "الوصايا في عشق النساء" للشاعر "حمدي الشهاوي"، والذي تقدم أحد نواب الإخوان الأستاذ "مصطفى محمد مصطفى" بسؤال حوَّله إلى وزير الثقافة، وقررت لجنة تابعة للوزير أن الكتاب يدخل في دائرة المسموح به أخلاقيًا.

من نصدِّق الآن؟ لجنة الوزير أم أعلى هيئة إسلامية؟ ومَن أقدر على الحكم الشرعي والأخلاقي في المسألة؟! وهل يدخل في دائرة الإبداع الجرأة على الدين أو الدعوة إلى ما يتنافى وأخلاق مصر بمسلميها ومسيحييها؟!.

انتظروا إذن هجومًا شديدًا على الأزهر من الجوقة اليسارية والعلمانية، بدلاً من مراجعة طال انتظارها لها منهم ليتوائموا مع هوية الأمة وثقافتها وأخلاقها، وإن لم يريدوا الموائمة مع الدين وإذا كانوا شجعانًا فليبدعوا ضد الظلم والفساد والاستبداد.

موقف شجاع يستحق التقدير:

لم أكن انتظر من الصديق د "حلمي القاعود" هذا الهجوم على الروائي "صنع الله إبراهيم" بل كنت أنتظر ولا زلت تأييده له في موقفه الشجاع من الدولة متمثلة في أجهزة وزارة الثقافة.

قد نختلف مع "إبراهيم" أصلاً في اتجاهه الفكري، لكني فيما أعلم هناك اتفاق على موهبته وقدراته الروائية وإبداعه، كما أنه لا يجوز أن نختلف حول شجاعته في رفض الجائزة لما أصاب مصر من تدهور عام.


المصدر