الإسلام والعمال والثورة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإسلام والعمال والثورة
رسالة من: أ.د. محمد بديع .. المرشد العام للإخوان المسلمين

بقلم:الدكتور محمد بديع

مقدمة

الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن والاه ... وبعد ؛

حث الإسلام على العمل وقرر حرية السعي في طلب الرزق وجعل كل مسلم مكلفاً بمباشرة عمل نافع لنفسه وللمجتمع، حراً في اختيار العمل الذي يباشره بما يتفق مع ميوله ومواهبه وملكاته وهذه الحرية في الاختيار المهني لا يعترضها أي قيد يستند إلى الطبقة أو المركز الاجتماعي، فالكفاءة والمقدرة هما معيار أهلية الفرد وبذلك كفل الإسلام تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين كافة الناس وتحريم أي امتياز يستمده مدَّعيه من أي جهة أو ذي سلطان .

لقد أعلنها محمد بن عبدالله e صرخة مدوّية إلى عنان السماء في وجه أولئك الذين جاءوه من مدعي الأحساب والأنساب فقال "لا يجيئنى الناس بالأعمال وتجيئونني بالأحساب والأنساب" قال الله تعالى :(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً) [فصلت : 33]

والإسلام الذي قرر تكافؤ الفرص في السعي المشروع لا يحتم المساواة في ثمار هذا السعي لأنه يعترف بالتفاوت الفطري بين الأفراد في الملكات والمواهب والجهد ومن ثم وجُد في الإسلام درجات ولم يوجد فيه طبقات يقول الحق تبارك وتعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِياً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف : 32]

المفهوم الراقي للعامل في الإسلام

كان المعروف عن العامل أنه هو الذي يباشر عملاً يدوياً حتى جاء الإسلام فاستعمل الكلمة في مدلولها الصحيح وحرَّرها من الرِق الفكري، فرأينا كيف أن كلمة عامل أطلقت في عهد رسول الله (ص) على الولاة فكان الخلفاء الراشدون يطلقون عليهم (عمالاً) فيقولون (عامل عمر على مصر) (وعامل عثمان على كذا) ... فكل والٍ على إقليم كان يطلق عليه عاملاً .

ثم قرأنا وسمعنا عن (عمال الصدقات في الإسلام) و(عمال الخراج) وغيرهم لكن المسلمين بعد ذلك انحدروا في هاوية الصراع الفكري وأعمل أعداء الإسلام أياديهم فيهم فخلطوا المدلولات الصحيحة في الإسلام بالفلسفة اليونانية زمناً شاء الله بعده أن نسمع من جديد أن (كل من يعمل فهو عامل) كما أصبحنا نردد مسميات مثل (لائحة العاملين) (قوانين العاملين) بغير تمييز بين رئيس ومرؤوس على اعتبار أن الله سبحانه وتعالى جعل العمل فريضة على كل قادر وأنه جلت قدرته وضع الفرص المتكافئة أما عباده كأساس للعمل في الدنيا والحساب في الآخرة.

الإسلام يحرم البطالة

قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك : 15]

وقد خلق الله الإنسان في هذه الأرض ليعمرها حيث قضت سنة الله ذلك وجعل الله الإنسان خليفة له في الأرض ليعمل فيها قال تعالى (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [هود: 61]

والآية فيها الدلالة على وجوب عمارة الأرض وزراعتها فالدين لم يجعل عمارة الأرض من النوافل أو المندوبات بل جعلها من الشعائر الواجبة التي يثاب فاعلها ويعاقب تاركها، ولما كان الإنسان خليفة الله في الأرض فعليه أن يحسن القيام على ما استخلف فيه وذلك بالعمل والكد على ظهر الأرض وفي جوفها ليستخرج منها رزقه ويساهم بعمله في بناء مجتمعه قال تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [يونس : 14]

فالإسلام حرب شعواء على البطالة، نفَّر منها وحذَّر وتوعَّد، وكيف توجد البطالة وقد سهَّل الله لنا الأرض ومهدها للسير عليها كما يسر طرق الانتفاع منها ومن ثم فلا عذر يوجب البطالة بعد أن جعلها الله ذلولا، فمن توقف عن السعى مع القدرة عليه فقد خالف سنه الله في الكون لأنه يعيش عالة على إخوانه وشركائه في الخلافة.

حق العاطل في العمل

روى البخاري أن رجلاً جاء إلى النبي (ص) يطلب إليه أن ينظر في أمره لأنه خال من العمل ولا يوجد لديه شيء ليستعين به على قوته وقوت أولاده فماذا فعل رسول الله e إزاء هذا العامل الذي ينشد العمل ويبغيه، دعا الرسول بقدوم وأحضر يدا من خشب سوّاها بنفسه ووضع اليد في القدوم ثم أعطاه الرجل وعين له مكانا وكلفه بالعمل فيه وطلب رسول الله (ص) من الرجل أن يعود بعد أيام ليخبره بحاله فعاد العامل يشكر للرسول صنيعه ويذكر له ما أصبح فيه من يسر الحال .

إذن من حق العاطل إذا رغب في العمل أن يذهب إلى ولي الأمر ليدبر له عملا وأن من واجب الدولة الاعتراف بحقوق العاطلين وتدبير العمل لهم وأيضا متابعتها لأحوالهم ولقد رأينا أن رسول الله (ص) لم يكتف بإيجاد العمل للعامل العاطل بل طلب منه أن يعرف ما صارت إليه حالته ليطمئن عليه وهذا مبدأ قانوني تفرد به الإسلام كما أن من حق العامل على الدولة أيضا أن تهئ له أدوات العمل فقد أحضر e القدوم ووضع لها اليد ودفعها إليه وتلك هي أدوات العمل .

نظرة الإسلام لحقوق العمال وواجباتهم

لقد منح الإسلام للعمال حقوقاً مثل الأجر العادل وفي الموعد المحدد دون تأخير أو مماطلة كما قال رسول الله (ص) : "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" رواه بن ماجه، وأيضاً قرر الإسلام عدم إرهاق العامل أو تكليفه فوق طاقته قال تعالى: (لاَ تُكَلَّفُ نُفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا)، وعلى لسان شعيب لموسى عليهما السلام حين أراد أن يعمل له قال (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) كما أن على العامل واجبات لابد أن يؤديها منها أداء العمل بأمانة وإخلاص وإتقان وتجنب الغش والإهمال والتقصير قال رسول الله (ص) "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" وقال:"... من غشنا فليس منا" رواه مسلم.

كما أن على العامل أن يبتعد عن الخيانة في العمل بكل صورها وأشكالها فتضييع الأوقات خيانة وأخذ الرشوة خيانة وتعطيل مصالح الناس خيانة.

قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفـال: 47]

الإسلام وتوزيع الثورات

لقد وزع الله الثروات بالعدل على الكرة الأرضية حتى يتبادل الناس النفع والمصالح، يقول تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(فصلت:9) (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ)(فصلت:10)

أى أن تقدير الأقوات والأرزاق والثروات أخذ وقتا أطول من خلق السماوات حتى يتم النفع للناس جميعا .

لقد أنزل الله الطريق الوسط لتوزيع الثروات بين البشر فكان منهجه هذا أفضل منهاج .

فالرأسمالية باعث كل شئ لصالح رجال الأعمال الذين نهبوا الثروات والاشتراكية أفقرت الجميع ولكن الإسلام جاء بالوسطية التى عدلت بين الناس دون طغيان لفئة على أخرى .

العمال والثورة

لقد كان للعمال دور مشِّرف قبل الثورة وأثنائها وبعدها لا يستطيع أحد إنكاره فمنذ عام 2004 وحتى عام 2010 لم تتوقف الاحتجاجات العمالية دفاعا عن حقوق ومطالب العمال وأخذت شكلا تصاعديا في مجتمع انحازت قوانينه لرجال الأعمال علي حساب حقوق العمال وفي ظل تنظيم نقابي فاسد ونظام سياسي قمعي لم يتوانى عن استخدام القوة في مواجهة العمال واعتقال قادتهم بموجب قانون الطواريء.

إن ثورة الخامس والعشرين من يناير لم تكن منفصلة عما قبلها فإرهاصات الحراك المجتمعي هي التي مهدت الأرض لهذه الثورة، وواقع الحال يؤكد أن عمال مصر في نضالهم المستمر للمطالبة بحقوقهم قاموا في 2010 بنحو (530) احتجاجا عمالياً تمثلت في (209) اعتصاما , (135) إضرابا , (80) مظاهرة, (83) وقفة احتجاجية, (23) تجمهرا وتجسدت خسائر العمال في فصل وتشريد 40735عاملا ومصرع 118عاملا وإصابة 6544 آخرين نتيجة ظروف العمل السيئة وغياب وسائل الأمن الصناعي والصحة المهنية أما المأساة الحقيقية فهي انتحار 52عاملا بعد أن عجزوا عن توفير متطلبات أسرهم اليومية في ظل تدني الأجور وارتفاع أسعار السلع بشكل متزايد.

وإذا كان العامل التونسي "البوعزيزي" يمثل الشرارة الأولي في انطلاق ثورة تونس فان الثورة المصرية قدمت الكثير من شهداء العمال كان منهم شهيد عمال الإخوان "نور علي نور" أحد قيادات نقابة عمال البترول بالإسكندرية والذي استشهد برصاص الشرطة أثناء الثورة.

لقد انتفضت الحركة العمالية للإصلاح والتي يمثل الإخوان المسلمون أغلبها وقامت بمظاهرة حاشدة للمطالبة بحل مجلس إدارة الاتحاد العام لنقابات عمال مصر ومجالس إدارة النقابات العامة العمالية التابعة له وكذلك مجالس إدارات اللجان النقابية والتي أتت جميعها بالتزوير وبالمخالفة للقانون وعلي جثة أحكام القضاء فضلا عن دور الاتحاد الذي كان مجرد ظلا للحزب الوطني في كل سياساته وعّرابا لكل قرارات الخصخصة وتصفية القطاع العام وسيطرة الدولة علي أموال التأمينات الاجتماعية فقد كان ولا زال مجلس إدارة الاتحاد بمثابة أمانة العمال بالحزب الوطني.

إننا نطالب كل القوي والحركات العمالية بالوقوف خلف الثورة وألا تتخلف عنها وان تظل في قلب المشهد وقيادة المرحلة الانتقالية لضمان البقاء في نفس الطريق وباتجاه نفس البوصلة حتى تصل إلى أهدافها كاملة.

تحية للعمال في عيدهم الذي يأتي اليوم بشكل مختلف بعد أن عادت مصر العربية لتلعب دورها القومي بالمنطقة ولتمنح العمال الأمل في مستقبل أفضل يحمل لهم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.

والله اكبر ولله الحمد

القاهرة فى : 9 من جمادى الآخرة 1432هـ الموافق 12 من مايو 2011م