الحرب القذرة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحرب القذرة
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د. توفيق الواعي

عندما تختلّ موازين العقول عند الناس تختلّ بالتالي معايير الرجولة عندهم، وتنطمس استشعارات الأحاسيس، وتخبو أضواء الأرواح، وتكسف أشعة البصائر، فتصبح ملكات الإنسان عاجزةً تمامًا عن التمييز بين الخير والشر، وبين الصواب والخطأ، وهنا تنقلب الأمور رأسًا على عقب، وتحلّ الكوارث، وتتصارع حتمًا قوى الخير والشر، ويدور بينهما التصادم، وتتناثر الأشلاء، وتنزف الدماء، وتقع الحروب القذرة التي تُدار بغير عقل وتسير بغير بصر ولا بصيرة.

وقد تَعجَب لضلال تلك العقول وتبنِّيها للأباطيل واستماتتها في الدفاع عنها، رغم أن الحق يحيط بها ويحتضنها، وهي نافرة خاسرة، وقد عَجبتُ وعجب معي الكثير: كيف كان الجاهلي يعبد الأصنام ويضحِّي في سبيلها؟! وكيف كان يقاتل أخاه السنين الطوال على ناقة أو بعير، في حين يعادي الحق ويبتعد عن الأخوة والمعروف؟!

عقول من الأحجار هامت بمثلها وكل بكيم للبكيم كفاء

عراك وأحقاد يشبُّ أوارها جحيمًا وكبر أجوف وغباء

عجبت لأمر القوم يحمون ناقة وسادتهم من أجلها قتلاء

بدا في دجى الصحراء نور محمد وجلجل في الصحراء منه نداء

دعاهم إلى دين من النور والهدى سماح ورفق شامل ووفاء

دعاهم إلى أن ينهضوا بعقولهم كرامًا فطاح الفقر والفقراء

وصدق الله: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (الفتح: 26)، وهذه الحمية الجاهلية ما زالت تنخر في صدر الأمة وتلهيها عن أهدافها الكبار، وتزيدها وهنًا على وهن؛ تحارب في غير ميدان الحرب، وتجادل في الحق بالباطل: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ (الأنعام: 66).

وتعجب إذْ ترى عقلاء العالم ينذروننا بأوخم العواقب إذا استمرت هذه الأعمال القذرة والحرب المجرمة بين السلطات وعسكرها من جهة وبين المصلحين في الأمة والحامين للعدالة فيها من جهة أخرى، أولئك يريدون الخير وهؤلاء يريدون الشر، وتدور الحرب القذرة بين السلطات والشعوب وبين المصلحين والمفسدين.

يقول التقرير: الخطر كل الخطر في استمرار الأوضاع البوليسية والقمع الشديد الذي تعيشه البلاد الآن؛ لأنه قد يولِّد حالةً من الغضب لدى كل فئات الشعب، وينذر بحالةٍ من الفوضى قد تطيح بالأخضر واليابس، وإن الحملة الممنهجة التي تشنُّها الحكومات على معارضيها لحرمانهم من الحياة السياسية قد ملأت السجون والمعتقلات بالمغيَّبين خلف القضبان بقرارات جائرة وفقًا لقانون الطوارئ وقانون الإرهاب، سواءٌ بقرارات اعتقال ظالمة أو عشوائية بغير ذنب أو جريرة، أو بسبب تحقيقات وهمية ومحاكمات عسكرية تفتقر إلى أية عدالة أو قانون إنساني.

وهذه الحرب بين أبناء الوطن الواحد لا تفيد العدل ولا المعروف ولا إصلاح ما فسد في حياة الناس ولا رضاء الله: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ (الأعراف: من الآية 23).

وليت هؤلاء المحاربين الأفذاذ يستطيعون أن يجابهوا، ولو للحظة، أعداء البلاد الذين يقتلون الناس في وضح النهار ويحاصرونهم ويمنعون عنهم أسباب الحياة الكريمة وغير الكريمة، بل ليتهم يساعدون المجاهدين أو حتى لا يساعدون العدو عليهم، ولو ساعدوا المجاهدين لكفَوهم أمر اليهود وأعوانهم، ولردوا إلى الأمة شرفها المُهَان وعزتها المُغتصبَة.

وأمة ضاعت فيها العدالة كيف تكون؟! بل حوربت فيها العدالة كيف يكون من شأنها؟! وأمة ذهب ريحها وتركت سلاحها وأفلس جيشها وتولَّى قادتها وجَبُن رعاتها وضاع شعبها، وانحطت قدرتها ماذا يُفعل بها؟! وماذا يكون مآلها؟! وقديمًا قيل:

تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستنفر الحامي

إن توازن الرعب الذي تقيمه المقاومة في فلسطين ينبغي أن يفخر به الجميع، رغم ضخامة الآلة العسكرية اليهودية وتأثير الصهيونية في العالم، وإجبارها مرارًا على طلب الهدنة ومحاولة الاتفاق مع المقاومة لَشيءٌ ينبغي أن يُعتَزَّ به لا أن يُحارَب بكل الأسلحة وبكل الأشكال، وتحريك الدمى التي تسمى "السلطة الفلسطينية" التي يقودها "عباس" لمحاربة هؤلاء الثابتين في الميدان، واستخفاء الأنظمة بجيوشها وأسلحتها من وراء هذا المتصهين المارق لَهُو شيءٌ يؤلم ضمير الأمة وتاريخها، بل يؤلم تاريخ البشرية وشرائعها التي تحض على شرعية الدفاع عن الأوطان وليس تسليمها للأعداء وبيع دماء الشهداء الذين سقطوا في المعارك ملبين:

وجدانك الحي المقيم على المدى ولرُبَّ حي ميت الوجدان

الناس جارٍ في الحياة لغاية ومضلل يجري بغير عنان

والخلد في الدنيا وليس بهيِّنٍ عليا المراتب لم تُتَح لجبان

لو أنَّ رسل الله قد جبنوا لما ماتوا على دين من الأديان

المجد والشرف الرفيع صحيفة جعلت لها الأخلاق كالعنوان

دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمرٌ ثانِ

وهؤلاء الخبثاء المحاربون الجبناء قد خلَّفوا من ورائهم جيوشًا من الفُسَّاق والأنذال ليهدموا، في حربٍ ثقافية واجتماعية قذرة ما تبقَّى من شخصية الأمة الاجتماعية والأخلاقية.

فنسمع، ويا شر ما نسمع!!، عن حملة عربية لنزع الحجاب تتزعمها دول عربية، في الوقت الذي تظهر فيه من حين لآخر أصوات غربية غير مسلمة تدافع عن حق المسلمات وحريتهن في ارتداء الحجاب!! ومما زاد في وقاحة هذه الحثالة من العرب إطلاقهم عدة مواقع ومدونات عربية على شبكة الإنترنت تدعو إلى حملة دولية باسم "اليوم العالمي لنزع الحجاب" بمساعدة أنظمة عربية، واستعانت حملة نزع الحجاب بصورة امرأة تخلع نقابها وجزءًا كبيرًا من ملابسها، وزعمت أن هذا هو التقدم والريادة الحضارية التي لا تبغي بها بدلاً، كما تضمَّنت هذه المواقع الدفاع عن الدنمارك دفاعًا عن العالم الحر!! في إشارةٍ إلى أزمة نشر الرسوم المسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بصحف دنماركية، ثم أتبعت ذلك بصورةٍ كُتب تحتها: "أحرار في بلادهم، أحرار في أفكارهم".

والبلاد العربية التي خرجت منها هذه المدونات لا تعرف شيئًا عن الحرية أو حتى حقوق الإنسان، ولكنها الحرب القذرة على الإسلام والمسلمين، ومحاولة امتهان كلِّ ما هو أخلاقي ويؤدي إلى تماسك الأمة في مواجهة الأعداء.

وبعدُ.. فهل يستطيع هؤلاء الأبطال أن يحاربوا حربًا شريفة في أي ميدان دفاعًا عن أمتهم وأنفسهم أو دمائهم وأعراضهم؟! أم أنهم ارتضَوا أن يكونوا أحذيةً في أرجل الأعداء؟!

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى