الرؤية السياسية للجماعة الاسلامية 2010

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الرؤية السياسية للجماعة الاسلامية 2010

مقدمة

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسل الله أجمعين، وعلى خاتمهم سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أمّا بعد:

الجماعة الاسلامية في لبنان حركة إسلامية عقائدية، غايتها مرضاة الله تعالى وتحقيق المعنى الشامل للعبادة في حياة الفرد والمجتمع.

وهي تحرص على العيش المشترك مع غير المسلمين ضمن الضوابط الشرعية، وتتعاون مع جميع المواطنين من أجل تحقيق العدالة والمحافظة على حقوق الإنسان وحرّياته.

والجماعة تتحرّك بدعوتها في الواقع اللبناني بالوسائل المشروعة، وتسعى لإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والأخلاقية وغيرها حتّى تكون أكثر انسجاما مع مبادئ الإسلام، التي نرى أنّها تحقّق مصالح المجتمع.

المنطلقات العامّة

العمل السياسي جزء لا يتجزّأ من منهج الجماعة الإسلامية، شأنه في ذلك شأن كلّ مجالات العمل الأخرى، سواء منها الدعوية أو الاجتماعية أو الصحيّة أو التربوية، وغيرها ممّا يغطّي حياة الناس وحاجاتهم في دينهم ودنياهم.

من هذا المنطلق فإنّ العمل السياسي هو انعكاس لفكر الجماعة ومشروعها الذي تعمل لتحقيقه، وليس مجرّد ردّات أفعال أو مجاراة للواقع السياسي اليومي الذي نعيش، ممّا يقتضي بالضرورة أن يستند هذا العمل إلى رؤية واضحة للمنطلقات الفكرية التي تحكم كلّ مجالات العمل في الجماعة، ومنها العمل السياسي.

وكذلك لقراءة المحيط الذي نعمل فيه، والمتغيّرات التي تطرأ عليه بين الحين والآخر،ممّا يزيد من مستوى الانسجام والتفهّم بين جمهور الجماعة ومناصريها وسائر المواطنين.

ولقد حدّدت الجماعة لنفسها أهدافاً عامّة، تعمل جاهدة على تحقيقها، وهي التالية:

1 - بناء الفرد المسلم الملتزم بضوابط الإسلام، القادر على التعايش مع الآخرين، المساهم في بناء مستقبل بلده على قواعد العدالة واحترام حقوق الإنسان وحرّياته.

2 - تبليغ دعوة الإسلام إلى جميع المواطنين، نقيّة صافية، متصلة بالعصر ومشكلاته، والحاضر ومتطلّباته.

دعوة تقوم على الإقناع وترفض الإكراه.

تحرص على التمسّك بمبادئ الإسلام وأحكامه التي جاءت لإسعاد الإنسانية كلّها، وترفض التعصّب الطائفي والعنصري والمذهبي وكلّ أنواع الظلم.

3 - الإسهام في انفتاح المجتمع الإسلامي على جميع شرائح المجتمع الأهلي في لبنان، واعتبار الحوار والتعاون أساس العلاقة بين جميع الفئات اللبنانية، وتحديد المساحة المشتركة التي تساعد على إقامة مجتمع متماسك، تخدم مؤسّساته جميع المواطنين بعدالة وكفاءة ومساواة.

4 - المشاركة الإيجابية في جميع مؤسّسات المجتمع الأهلي بهدف تحقيق الإصلاح فيها، وتقوية فاعليتها، إلى جانب مؤسّسات الدولة التي لا يمكن أن يستقيم عملها إلاّ بوجود مؤسّسات أهليّة فاعلة.

5 - المشاركة في العمل السياسي في حدود الضوابط الشرعية

وذلك:

‌أ - بإبراز طليعة إسلامية سياسية قادرة على السير بالمسلمين في الطريق الذي يرضي الله، ويحفظ كرامة جميع المواطنين ويرعى مصالحهم.

‌ب - السعي إلى تعزيز العيش المشترك بما يكفل إقامة دولة عادلة، دون الاعتداء على خصوصيّات الطوائف وحقوقها.

‌ج - المطالبة بضمان حرّية العمل السياسي لجميع اللبنانيين، وتأكيد مبدأ التداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات الحرّة النزيهة.

‌د - السعي لإلغاء الطائفية السياسية وتحرير مؤسّسات الدولة من قيودها، لتكون في خدمة جميع اللبنانيين دون تمييز.

‌ه - العمل على تطوير التشريعات اللبنانية حتّى تتناسب مع الأحكام الشرعيّة، باعتبارها في نظرنا تحقّق مصالح كلّ اللبنانيين وتضمن العدل بينهم.

6 - تبنّي الدعوة إلى التكامل العربي وصولاً إلى الوحدة، أسوة بالوحدة الأوروبية وغيرها من التجمّعات الدولية، وذلك باعتبار الوحدة سبيلاً لتحقيق آمال الأمّة، والقيام بأداء رسالتها، والمحافظة على موقعها في الساحة العالمية.

7 - رفض الاعتراف بالكيان الصهيوني ومواجهة كلّ أشكال التطبيع معه، واعتبار أنّ المقاومة هي الحلّ الأمثل لتحرير الأراضي المغتصبة.

إنطلاقا ممّا سبق، وبناءً على المستجدّات في الواقع اللبناني، نحدّد الرؤية السياسية للجماعة كما يلي:

أولاً: النظام السياسي في لبنان

يتمتّع لبنان بنظام سياسي ديمقراطي، يتيح ممارسة التعددية السياسية ضمن مساحات واسعة من الحرّيات، تميّزه عن معظم الأنظمة القائمة في المنطقة.

والسبب الأبرز لهذه الميزة هو طبيعة التركيبة اللبنانية الديمغرافية الطائفية التي تجعل من كلّ المكوّنات – كلّ على حدة - أقلّيات غير قادرة على الاستئثار بالسلطة بمفردها.

إلاّ أنّ هذا التوصيف الإيجابي نسبياً، لا يلغي وجود ثغرات كثيرة وعيوب متعدّدة، تسبّبت على الدوام باهتزاز الساحة الداخلية وتعريضها لنكسات كادت تطيح بالتركيبة اللبنانية من أساسها، كما أنّ هذه العيوب والثغرات لا تزال حتّى اليوم تحدّ من قدرة النظام اللبناني على التطوّر والتقدّم نحو الإصلاح الحقيقي في كلّ المجالات.

لقد أسهم اتفاق الطائف، إضافة إلى وقف الحرب الأهلية، في إدخال تحسينات جذرية على النظام السياسي اللبناني، إلاّ أنّ أجزاء أساسيّة من هذا الاتفاق، التي أصبحت جزءاً من الدستور اللبناني، لم تأخذ طريقها نحو التطبيق، ممّا أعاق مسيرة الإصلاح السياسي التي كان من شأنها تمتين الساحة الداخلية وتحصينها من أيّ اهتزاز.

لذلك نرى أنّ من الأولويّات التي لا تحتمل التأخير المضيّ قدماً في تنفيذ ما تبقّى من بنود هذا الاتفاق، وبالأخصّ تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وإقرار نظام عصري للانتخابات يعتمد النسبيّة، وإقرار اللامركزية الإدارية، وحفظ حقّ المناطق كافّة بالإنماء المتوازن.

ثانياً: تطبيق الشريعة

يتألّف لبنان من ثماني عشرة طائفة معترفا بها.

ومن البديهي أنّه لا يمكن أن تفرض أيّ طائفة على الآخرين نظرتها ونظامها وتشريعاتها.

وديننا يأبى أن نفرض على الناس ما لا يريدون، والقرآن الكريم ينصّ بوضوح على أنّه لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، والدين في نظر الإسلام ليس مجرّد العقيدة والعبادة، بل يشمل كلّ أنواع التشريع للفرد والمجتمع.

لكن هذا التنوّع لا يجوز أن يؤدّي إلى انتهاك حرّيتنا بأن نعتقد ما نشاء، وأن نعبّر عن أفكارنا في حدود نظام المجتمع وأمنه، وأن ندعو الناس إلى ما نرى أنّه يسعدهم.

هذه الحرّيات هي منحة الله تعالى للإنسان، وهي السمة المميّزة لهذا العصر، وقد كرّسها ميثاق الأمم المتحدة، وهي تؤكّد حقّنا في أن ندعو إلى تشريعات وقوانين تتلاءم مع أحكام الشريعة الإسلامية، باعتبار أنّها جزء من ديننا من جهة، ولاعتقادنا أنّها تحقّق أفضل تنظيم للحياة الاجتماعية بين الناس على اختلاف مشاربهم ومعتقداتهم دون تمييز، معتمدين في دعوتنا هذه أسلوب الحوار والإقناع، بعيداً عن الفرض والإكراه.

ثالثاً: العيش المشترك

وهب الله تعالى العقل للإنسان، وأعطاه نعمة الحرّية والقدرة على الاختيار، وجعل واجب الإنسان في هذه الحياة عبادة الله، ومهمّته عمارة الأرض، وقد استخلفه الله تعالى لذلك هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [سورة هود، الآية 61]، أي أمركم بعمارتها.

وهي مهمّة يشترك فيها جميع الناس، مسلمين وغير مسلمين، وهم يعيشون جميعا على أرض واحدة، فقدَرهم هو العيش المشترك رغم كلّ أنواع الاختلاف، للقيام بالمهمّة المنوطة بهم.

وإذا كان لنا من خيار في لبنان، فهو أن نضع لهذا العيش المشترك قواعد ثابتة، يرتاح إليها الجميع، أو أن نهمل ذلك فنتعرّض بين وقت وآخر لفتن أهليّة أو صراعات داخلية، تستنزف طاقة الجميع، وتزيد من تخلّفنا عن ركب الحضارة الإنسانية.

إنّ قواعد العيش المشترك في رأينا أربع

القاعدة الأولى

احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه: وهذا بالنسبة لنا كمسلمين مسألة شرعيّة، تشمل الاختلاف الديني والسياسي، حسب التقسيم المعاصر.

لقد أتاح الله تعالى للإنسان حرّية الاختيار بين الإيمان والكفر، ومع ذلك لم يحرم الكافر ممّا أعطاه لمن يؤمن به، لكنّه بيّن له أنّ الإيمان هو العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ودعاه إلى ذلك ورغّبه فيه، لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [سورة البقرة، الآية 256].

إنّ هذه الحرّية الواسعة لجميع الناس أن يختاروا ما يريدون، حتّى بالنسبة للإيمان والكفر، تستلزم حتماً الاعتراف بنتائجها، والتعامل معها وفق الضوابط الشرعية، وإذا لم يكن الأمر كذلك فلا معنى أصلاً للحرّية.

القاعدةالثانية

الأخلاق: وهي في نظر الإسلام قيم مطلقة يتعامل بها الإنسان مع الموافق والمخالف، لا تتأثّر باختلاف الدين، ولا بأيّ اعتبار آخر.

الأخلاق ليست أسلوب تعامل المسلم فقط مع من يحبّ، ولا مع أبناء عشيرته أو قوميّته أو دينه، إنّها أسلوب التعامل مع الناس جميعاً.

القاعدةالثالثة

العدالة: وهي أهمّ القيم الإنسانية على الإطلاق.

من أجل تحقيقها أرسل الله الرسل بالبيّنات: وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [سورة الحديد، الآية 25].

الكتاب هو مصدر العدالة، والميزان هو وسيلة تحقيقها، لأنّه يعني التوازن بين الحقوق والواجبات.

القاعدةالرابعة

التعاون: لا معنى للعيش المشترك إذا لم يتعاون فيه الناس لتحقيق المصالح المشتركة.

وقد بيّن الله تعالى أنّ التعاون مطلوب حتّى مع المشركين وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [سورة المائدة، الآية 2].

رابعا العلاقات في الساحة اللبنانية:تنطلق الجماعة الإسلامية في رؤيتها للعلاقة مع مختلف القوى اللبنانية من قاعدة "نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه"، أي أنّنا نبحث عن المساحات المشتركة وليس عن مساحات الخلاف مع شركائنا في الوطن، فنحن نعتبر أنّ الساحة الداخلية لا يوجد فيها أعداء، إذ العدوّ الأوحد في تصنيفنا هو الكيان الصهيوني ومن يقف إلى جانبه أو يؤيّده، أمّا ما عدا ذلك فنحن وإيّاه إمّا في تحالف أو تعاون أو في خلاف سياسي مرحلي، تحكمه الأعراف الديمقراطية وحرّية الرأي.

إضافة إلى ما سبق، فإنّ هناك حيثيّات خاصة تُسهم في صياغة علاقتنا ببعض الأطراف.

فالحركات والهيئات الإسلامية على اختلاف تلاوينها ومشاربها تتقاطع مع عمل الجماعة في مجالات كثيرة، وكلّ ما يصيب هذه الحركات ينعكس على الجماعة وعلى مشروعها بشكل مباشر، وهذا يستدعي منّا القيام بجهد كبير للخروج بصيغة مقبولة لجمع جهود هذه الحركات والتنسيق بينها، أو بين القسم الأكبر منها، ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، وخاصّة في مجال الحدّ من الاختراقات التي تستهدف الساحة الاسلامية من أجل استغلالها أو استنزافها أو حرفها عن مسارها الطبيعي.

كذلك الأمر بالنسبة للقوى السياسية الذي تجمعنا بها ساحة عمل واحدة على امتداد الأراضي اللبنانية، ما يحتّم التكامل معها في إطار تأمين وحدة ساحتنا الإسلامية وحفظ حقوقها ضمن الواقع اللبناني المعروف.

وهذا يستدعي إقامة علاقة تكامل وتنسيق تتجاوز الجمهور المشترك والاستحقاقات الآنيّة، وصولاً إلى بلورة مشروع استراتيجي يحقّق طموحات ساحتنا ويسهم في النهوض بالوطن.

أمّا مطلبنا في تحقيق الوحدة الاسلامية، وتخوّفنا من محاولات زرع الفتنة المذهبية في صفوفنا، فيحتّم علينا السعي لبناء علاقة متينة ومميزة مع أطراف الساحة الاسلامية الشيعية، هذا فضلاً عمّا يجمعنا في موضوع المقاومة ضدّ العدو الصهيوني، وهي مسألة استراتيجية بالنسبة للجماعة.

أمّا الساحة المسيحيّة، فنحن نعتبر أنّنا نجحنا إلى حدّ كبير في كسر الحواجز التي كانت بيننا، وأنّ الطريق باتت معبّدة لفتح علاقات حقيقيّة بيننا وبينها للتعاون في تكريس العيش المشترك، والتعاون في بناء هذا الوطن على أسس سليمة تتماشى مع تطلّعاتنا وقيمنا وأخلاقنا.

خامساالقضية الفلسطينية ودور المقاومة:لا يمكن فصل ما يجري في لبنان عن الصراع مع العدو الصهيوني، وعن الموقف الأمريكي المنحاز والداعم لهذا الكيان.

والمشروع الصهيوني في المنطقة يشكّل أكبر خطر على أمّتنا ووطننا، وهو يسعى لتمزيق الأمّة العربية والإسلامية باستثارة كلّ أنواع الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية، والحروب الداخلية.

من هذا المنطلق نعتبر مواجهة هذا الخطر وتداعياته علينا كعرب ومسلمين ولبنانيين واجباً شرعياً ووطنياً.

وبما أنّ هذا العدوّ يجثم على تخومنا ولا يزال يحتلّ كامل فلسطين وجزءاً من أرضنا، ويستبيح سماءنا ومياهنا ويهدّدنا صباح مساء، فإنّ ذلك يلقي على كاهلنا مسؤوليّات كبيرة في مواجهة هذا المشروع، وخاصّة لجهة تعبئة الأمّة وتوعيتها بالخطر الصهيوني الذي يتهدّدها بكلّ مقوّماتها ووجودها، والعمل على بناء المجتمع المقاوم بالفكر والممارسة، والتنسيق الكامل مع كلّ القوى الفلسطينية المقاومة، وفي مقدّمتها حماس، من أجل مقاومة هذا الخطر بكلّ السبل المتاحة.

لقد كانت الجماعة الإسلامية على الدوام جزءاً أساسياً من مكوّنات المقاومة الإسلامية والوطنية، تلك المقاومة التي لاقت الاحتضان والدعم من مختلف شـرائح المجتمع اللبناني والعربي، فضلاً عن الاحتضان الرسـمي، ممّـا أسـهم بتحريـر القسـم الأكبر من الأرض اللبنانية المحتلّة، والصمـود التاريخي إبـان عدوان تموز 2006م

إلاّ أنّ هذا الاحتضان تعثّر فيما بعد، وخاصّة بعد أن أُقحمت المقاومة في المعادلة اللبنانية الداخلية، وتحديداً في أحداث 7 أيّار من العام 2008م، وكدنا ننزلق إلى أتون فتنة مذهبية تذهب بكلّ المنجزات التي تحقّقت، وتهدي للعدوّ بالمجّان ما عجز عن أخذه بكلّ آلته الحربية.

لذلك نرى أنّ من الضروري تأكيد دور المقاومة في المعادلة اللبنانية، والنأي بها عن النزاعات والصراعات الداخلية، والوصول إلى صيغة نهائية للاستراتيجية الدفاعية، تؤكّد دور الجيش والشعب والمقاومة في الدفاع عن الوطن، بما يتيح لكلّ القوى في المجتمع إمكانية المشاركة في الدفاع عن الوطن وحماية أرضه وشعبه.

سادساالواقع الفلسطيني في لبنان:شكّل الوجود الفلسطيني في لبنان عنصراً أساسياً من العناصر المؤثرة في الوضع السياسي العام، وذلك نتيجة حجم هذا الوجود من جهة، والسعي الدائم من قبل الأطراف اللبنانية والإقليمية لتوظيفه بطريقة أو بأخرى في المعادلة السياسية الداخلية، أو في معادلة الصراع العربي الإسرائيلي بشكل عام.

ونحن بغضّ النظر عن الممارسات التي جرت خلال الحقبة الماضية، وتحديداً إبان الحرب الأهلية اللبنانية، نجد أنّ ملفّ الوجود الفلسطيني في لبنان وانعكاسه على السياسة الداخلية ينحصر في قضيّتين:

أ – قضيّة السلاح

إنّ السلاح الفلسطيني في لبنان هو إحدى نتائج الاغتصاب الصهيوني لفلسطين وتشريده لقسم كبير من شعبها، منهم أربعمائة ألف يقيمون في لبنان، وهم على تماس دائم مع الكيان الصهيوني، ممّا يفرض عليهم أن يكونوا دائماً مستعدّين للدفاع عن أنفسهم من أيّ اعتداء محتمل.

انطلاقا من هذا التحديد لمبرّرات السلاح الفلسطيني نعتقد أنّه ليست هناك حاجة لهذا السلاح خارج المخيّمات.

كما نعتقد أنّ السلاح داخل المخيّمات يجب أن يضبط وفق صيغة واضحة من التنسيق تحفظ سيادة لبنان على أرضه، وتضمن للشعب الفلسطيني حقّ الدفاع عن النفس، وتحول دون استخدام هذا السلاح للانقلاب على الواقع الداخلي الفلسطيني واللبناني كما حصل في مخيّم نهر البارد.

ب- قضيّة الحقوق المدنيّة

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ بعض القوانين اللبنانية عاملت الشعب الفلسطيني بعنصرية بغيضة، تحت حجّة واهية قوامها رفض التوطين.

وهو مبدأ انعقد عليه الإجماع الفلسطيني واللبناني، ولسنا بحاجة من أجل تأكيده إلى استحداث قوانين ظالمة لا تنسجم مع حقوق الأخوّة والضيافة، وتتعارض مع حقوق الإنسان التي أقرّتها المواثيق الدولية.

من هنا نجد ضرورة لتبنّي قضايا الفلسطينيين المحقّة في لبنان، وعلى رأسها تعديل القوانين التي حرمت الفلسطينيين من الحقوق المدنية والإنسانية، والإسراع في إعادة إعمار مخيّم نهر البارد.

سابعاالعلاقات العربية والدولية:لبنان جزء من العالم العربي والإسلامي، يتكامل معه ويتفاعل طيلة القرون الماضية.

وإذا كانت اتفاقية سايكس بيكو قد جزّأت مشرقنا العربي، فقد كان ذلك استجابة لمقتضيات مصالح الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وقد حصدنا جرّاء هذا التقسيم ضياع فلسطين واستفراد الدول المستعمرة بأقطارنا واغتصاب ثرواتنا، ولا نزال حتى هذا اليوم نعاني من الاضطراب في العلاقات بين الأنظمة العربية، ممّا ينعكس غالباً على الساحة اللبنانية، فيزيد من تصدّعاتها تارة، ويسهم في تبريدها تارة أخرى.

وفي هذا الإطار نرى أنّ الواجب والمصلحة في آن، يفرضان علينا أن نسعى إلى العمل على بناء علاقات متوازنة مع كلّ الدول العربية، والسعي إلى زيادة اللحمة فيما بينها كأنظمة من جهة، وبين الأنظمة وشعوبها من جهة أخرى، بدل الانخراط في سياسة المحاور التي تزيد في شرخ الأمّة، وتنعكس سلباً على واقعنا اللبناني الهشّ.

كما نرى أنّ من واجبنا الدفع باتجاه تأمين التكامل بين الدول العربية اقتصادياً وسياسياً وأمنياً كبديل عن اعتماد بعض الدول العربية على قوى غربية تسعى إلى تمزيق الأمّة ودعم عدوّها الأوّل إسرائيل.

ونرى أن يكون هدفنا البعيد هو الوصول إلى وحدة حقيقية تعيد للأمّة اعتبارها بين الأمم، ولنا خير مثال في الوحدة الأوروبية التي لم يجمع بينها عرق أو دين أو لغة، وإنّما هي المصالح المشتركة في مواجهة القوى والأزمات العالمية الكبرى.

هذا وينبغي أن نقرأ بكلّ تمعّن المتغيّرات الإقليمية، ولا سيما دخول تركيا، حكومة وشعباً كلاعب إقليمي أساسي، مستفيدة من عدة عوامل محلية ودولية .

هذا الدور التركي ينتظر منه أثر كبير في المنطقة على المدى القريب، وأن يكون مكمّلاً لدور القوى الداعمة للمقاومة وليس بديلاً عنه، كما يحاول البعض أن يشيع.

كذلك بالنسبة إلى العلاقات الدولية التي ينبغي أن لا نغفلها، وخاصة مع الدول التي لم تتورّط في دعم الكيان الصهيوني، علّنا نستطيع استمالتها وكسب دعمها لنصرة القضايا المحقّة لشعوب المنطقة، خاصّة أنّ شرائح واسعة من الرأي العام في كثير من الدول الأوروبية وغيرها بدأت تتململ من سياسات حكوماتها الممالئة للكيان الصهيوني، والتظاهرات الواسعة ضدّ الحروب في منطقة الشرق الأوسط، والمشاركات المتتالية في قوافل كسر الحصار عن غزّة، سواء في البرّ أو البحر، خير دليل على هذا التحوّل في مزاج الرأي العام الأوروبي والعالمي.