الشهيد عماد عباس من أسرة الشهداء

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشهيد عماد عباس من أسرة الشهداء
ثلاثة عشر عامًا من المقاومة على درب القسام واستشهد برفقة الغول

غزة- عُلا عطا الله

مقدمة

أسرة أنجبت الشهداء والمطاردين ومنهم من ينتظر، دفعت بهم منذ الصغر إلى المساجد لينهلوا من موائدها فكبروا وكبر حب الجهاد معهم، وهاهو التاريخ يقف اليوم ليسجل قصصهم البطولية ويُقدمها لتنعم بها ذاكرة الأجيال القادمة؛ كي يخط بمداد من نور أن وطنًا ينبض بعائلات كعائلة الشهيد عماد عباس حريٌ أن يكون النصر حليفه ولو بعد حين.. دخلنا بيت الشهيد لنصوغ حكايته، وهاهي بين أيديكم في السطور التالية:

وبدأت المطاردة

في البداية كان اللقاء مع شقيقته التي بدأت تروي لنا مسيرة عماد الجهادية؛ حيث قالت: "نشأ أخي في أحضان أسرة متدينة، وتربى على موائد المساجد، ومع بداية الانتفاضة الأولى بدأ في مقاومة الاحتلال، ولما انطلقت حركة المقاومة الإسلامية حماس) انضم إلى صفوفها ليلتحق بجناحها العسكري".

وتواصل سرد صفحات رواية الشهيد: "في عام 1991م بدأت مطاردة أخي، خاصةً بعد تنفيذه لعملية كارني، التي قام فيها بطعن عمال يهود في أحد المصانع وقتل أحدهم، وظل مُطارَدًا لعامين تمكَّن بعدها من الفرار إلى مصر التي أُعتقل فيها لمدة أربعة شهور، ومن مصر سافر إلى السودان، ومن السودان إلى سوريا".

نتسابق إليها

وفي الخارج قام عماد بالتعرف على عدنان الغول، وبدأت رحلة التدريب العسكري، وكيفية تجهيز وتصنيع العبوات، وبعد قدوم السلطة رجع عماد إلى غزة؛ ظنًا منه أن الأمن سيكون في انتظاره، ولكنه وجد العكس؛ حيث بدأت مطاردة جديدة وهذه المرة من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية.

ومع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000م بدأ نجم الشهيد يلمع في تطوير العبوات والصواريخ، يستقي خبراته من معلمه عدنان الغول، فأخذوا يُمطرون المغتصبات بوابل ما صنعته أيديهم، وهو الأمر الذي جعل الكيان الصهيوني يُجيِّش أجهزته للقضاء عليهم.

وتشير أخته إلى أن أفراد عائلتها يتسابقون إلى الشهادة؛ حيث تعترف: "حزننا كان على عماد؛ لأنه سبقنا إلى الجنة ونال الشهادة.. فهذا الأمر جميعنا نتسابق إليه، حتى إن أخي عماد حزن عندما استُشهد أخي حسن (حسن عباس- شهيد آخَر للعائلة؛ حيث قام بعملية استشهادية في القدس)؛ لأنه سبقه ولكنه أخيرًا نال ما تمنى".

تلميذة عماد

وعن الفراغ الذي سيُحدثه غياب الشهيد أجابت: "كان يكبرني بسنوات، وكنت أذهب لأستشيره في أموري الخاصة.. فكان لي نعم الصديق.."، وتسكت لحظات لتمسح الدموع التي انهمرت، ثم تواصل: "سأفتقده حين تواجهني مشكلة، ولا أعرف حلها.. فلقد كان الصدر الحنون لكل ما يضيق به صدري".

وكان الشهيد يعلِّم أخته كيف تمسك السلاح، وما كان منها يوم استشهاده إلا أن خرجت بين جموع الناس ترتدي نقابها وبيدها الرشاش، وأفرغت الرصاصات في الهواء؛ فخرًا بأخيها.. وهو الأمر الذي أثار إعجاب الكثيرين من حولها، حتى إن الرجال حسدوها، وتبتسم لتقول: "أنا تلميذة عماد وهو قائدي، وشعرت وأنا أطلق الرصاصات أنه ينظر إليَّ ويبتسم".

وكان الزواج

إنعام فتحي فرحات- زوجة الشهيد عماد- وهي ابنة خنساء فلسطين أم نضال فرحات، وشقيقة الشهيدين محمد ونضال فرحات، تحدثنا عن زوجها قائلةً: "تزوجت من الشهيد عماد عام 1995م، وأنجبنا ثلاثة أبناء وبنتًا، وهم أحمد (7 سنوات) ومعتصم (5 سنوات) وجنان (3 سنوات) وأخيرًا نضال فرحات وعمره عام واسم الطفل الأخير أطلقه عماد على ابننا تيمنًا بأخي وصديقه الشهيد نضال فرحات".

وتعود بذاكرتها إلى الوراء لتحدثنا: "تمت خطبتي عن طريق الشهيد عوض سلمي، الذي كان صديقًا لعماد وهو من عرَّفه على أسرتي، و"عوض" كان بمثابة التوأم لأخي نضال، ففرحت عائلتي بهذا النسب وكان الزواج"، ومنذ أول لحظة عاشت الزوجة مع زوجها حياةَ الكفاح والجهاد، تقول: "تعرض زوجي للملاحقة من قِبَل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية لثُنيه عن المقاومة ولكنه لم يهدأ، بل ظل يقاتل، وكان همه الدفاع عن هذا الوطن، ولما بدأت انتفاضة الأقصى كان هو وأخي نضال يبتكران العبوات والمتفجرات ويقومان بتصنيعها فزادت مسئوليته".

صديق الغول

وبالرغم من كونه مطلوبًا لقوات الاحتلال، إلا أن الشهيد كان دائم الوجود في البيت، وتعترف الزوجة: "كان لا يبيت في الخارج إلا ما ندر، ولكن عندما يأتي للمنزل لا يمكث كثيرًا ولا يتكلم، فكل همه كان إنجاز عمله، وكان يطلب مني أن أسامحه في تقصيره لي وكنت أجيبه: ما دام الأمر في سبيل الله فتوكَّل على الله وأنا معك".. وتشير الزوجة إلى أنه كان يأتي مختفيًا عن العيون؛ حتى لا يتم كشفه، وكان يقول لها: أخشى ما أخشاه أن ينكشف أمري ويتم قصف المنزل علينا، فتأتيه الإجابة على لسان الزوجة: اللهم اكتب لنا الشهادة معًا.

وعن علاقة الشهيد بأبي بلال (عدنان الغول) تقول الزوجة: "كان عماد تلميذًا ومرافقًا له وصديقه وحبيبه.. كان كلَّ شيء بالنسبة له، ومرة حدثني أن الشهيد عدنان قال له: لو استُشهدت قبلي يا عماد فسأنهار.. فلا أطيق العيش أو العمل دونك، فأجابه زوجي: إن شاء الله نعيش معًا وسنستشهد معًا، والحمد لله صدقا الله فصدقهما".

صليت لله

وعن شعور الزوجة بقرب رحيل زوجها تقول: "في اجتياح جباليا كنت أتوقع خبر استشهاده في أية لحظة؛ حيث كان دائم الحركة والعمل بقوة هناك، ولما انتهى الاجتياح كنت في حالة عدم تصديق لنفسي، وفي يوم استشهاده كان يتحدث إلينا بفرحة غريبة، وقبلها بأيام كان شاردَ الذهن كثيرًا، حتى إنني تذكرت قول أمي عندما تحدثت عن آخر أيام حياة أخي نضال؛ حيث كانت تقول رغم أنه بيننا إلا أنك تشعر بأنه في عالم آخر، وهو ما انطبق على زوجي".

ولما جاء خبر استشهاد الزوج ما كان من الزوجة- التي تربت على موائد الجهاد في أسرتها- إلا أن عملت بوصية أمها فلم تصرخ أو تبكِ، بل قامت بالصلاة والسجود؛ حمدًا لله عز وجل.

وأخيرًا تقول الزوجة بصوتٍ يحترف الصبر: "نال ما يتمنى، وكنت أخشى أن يموت بسبب مرض يصيبه؛ نتيجة استنشاقه للمواد الكيماوية الخطرة التي يستخدمها بالتصنيع؛ حيث إن المرض أصاب أنحاء جسمه، ولكن الحمد لله أن منحه الشهادة، وأدعو الله أن يُعينني على تربية أولادي، وأن أجعلهم يسيرون على نفس درب أبيهم".

أبي ذهب لأخوالي

أحمد عماد عباس (سبع سنوات)- الابن البكر للشهيد- طلبتُ من أمه أن تناديَه لنحاوره عن أبيه، فذهبت وبعد لحظات جاءت دونه، ولكنها تحمل عبارة تقول إن أحمد خجول لا يتحدث إلى البنات والنساء، فتبسمتُ وزاد إصراري على التعرف عليه، فذهبتُ إلى جدته أم نضال التي أقنعته، وجاء إلى الغرفة والخجَل يكسو وجهه، وما إن سألتُه عن والده حتى بدأ في الحديث، ناسيًا أجواء الغرفة المملوءة بالنساء: "أبي ذهب إلى الجنة؛ حيث خالي نضال، وعمي حسن، والشيخ أحمد ياسين، وعندما أكبر سأستشهد وأذهب عندهم.. كنت أحب والدي.. كان يعلمني كيف أمسك السلاح، وجعلني أطلق الرصاصات منه ونجحت في ذلك".

سأحرقهم

وأحمد- الخبير الصغير في نوعية القنابل والصواريخ- لم يُعجبه السؤال الذي وجَّهه له معلمه في أول يوم من أيام الدراسة؛ حيث قال له: "أريد منك يا أحمد أن تعد من الواحد إلى العشرة"، فنظر إليه أحمد ولم يعجبه السؤال، وردَّ عليه قائلاً: "اسألني يا أستاذ عن نوعية القنابل والمتفجرات، وسأجيبك.. فما كان من الأستاذ إلا أن ابتسم".

وهنا يضحك أحمد ليقول: "ظن الأستاذ أني أمازحه، غدًا عندما يسمع اسمي كخبير للمتفجرات سيصدق كلامي"، وأخيرًا قال الصغير: "سأفجِّر اليهود ولن أكتفيَ بإطلاق الرصاص عليهم.. سأحرقهم كما حرقوا والدي".

خنساء فلسطين تبكي

أما أم نضال فرحات- حماة الشهيد- فقالت: "نعم الابن، ونعم الزوج لابنتي، ونعم القائد عماد..!!"، وربما لن تصدقوا أن دموع هذه الخنساء بدأت في ذرف العبرات، وعندما تبكي أم نضال فبالتأكيد لن تكون الشخصية التي تبكي عليها بالعادية.

تقول أم نضال: "كان عماد مميزًا قائدًا فذًّا، ولما استُشهد شعرت بشيء انتُزع من ضلوعي، كان يخبرني بأعماله ويحدثني عن انتصاراته.. عائلتي وعائلته لم تتشارك بالنسب فحسب، بل شاركنا بعضنا بالجهاد والمقاومة، عماد كان خجولاً متواضعًا، طيبًا وحنونًا.. رحمه الله.. وعزاؤنا في التلاميذ والأجيال التي تركها".

مستقبلنا قادم

استطعنا بصعوبة أن نسرق لحظات من وقت والد الشهيد، الذي كان بين جموع المعزين؛ ليحدثنا عن هذه الأسرة، فقال لنا: "ابني حسن شهيد، وعماد شهيد، ورفعت (أبو حمزة) الآن مطارَد، وبكل صدق أقول ليسيروا جميعهم على نفس الدرب.. فهل هناك أعظم من هذا الشرف"؟!

وعزا الوالد حب أولاده للجهاد قائلاً: "تربَّوا على موائد الرحمن في المساجد، وعلى كتاب الله وسنة رسوله"، وبصوتٍ يحتسب أمره عند الله قال الوالد: "كان ابني حنونًا، ولم يكن يخرج من البيت لعمله قبل أن يأتي عندي ويقبِّل يدي ويطلب مني أن أدعو له، والحمد لله نال ما تمنى، والمستقبل لنا بهؤلاء الشهداء، ولا مستقبل لليهود".

المصدر