الليل زائل والإصباح قادم

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الليل زائل والإصباح قادم
د. الواعى.jpg

بقلم: أ. د. توفيق الواعي

هل وقع عليك ظلم؟ هل ذقت طعم الطغيان؟ هل تعرَّضت للطيش والفجور والإجرام، هل تعاملت مع الجهل والعنف والوحشية، هل عشت زمن الأباطرة والسلاطين والبغاة، هل رأيت الليل في رائعة النهار، هل رأيت الإنسان الذئب الذي يلغ في الدماء إذا لم تكن ترى ذلك فاحمد الله واشكره على نعمة الأمن والاستقرار فأنت في نعمةٍ تستحق الحمد وفي هناءٍ يستأهل الشكر.

وإن كنت قد بُليت بهذا الطغيان ووقع هذا عليك المصاب، فصبرًا فأنت في جهادٍ من أجل بلدك ومبدئك وطهرك، فأنت تزيح الظلام عن أمتك وتطلع الفجر لبلدك وترسم الطريق لجيلك، أنت أنت فلا تهن ولا تحزن والله معك والحق في ركابك، والأمة تحيطك بالحب وتدعو لك بالفلاح، وعلى الظالم بالوبال.

ألا أيـهـا الـظَّـالـمُ المستبـدُ حَبيـبُ الظَّـلامِ، عَـدوُّ الحياهْ

سَخَرْتَ بأنّاتِ شَعْـبٍ ضَعيـفٍ وَكَفُّـكَ مخضـوبَةٌ مـن دمـاهْ

وَسِرْتَ تُشَوِّه سِحْـرَ الـوجـودِ وتبـذُرُ شـوكَ الأسى في رُباهْ

رُوِيْدَك! لا يخدعنْـك الـرَّبيـعُ وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ

ففي الأُفُق الرَّحْب هـولُ الظَّلام وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ

حَذارِ! فَتَحْـتَ الرمَـادِ اللـهيبُ ومَـن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ

وها هي الأمة العربية اليوم تعيش في ذلها إلا من رحم ربك وترزح في ظلام الطواغيت الذين ا يرحمون الشعوب ولا يرجون فيهم إلاَّ ولا ذمة، وكأننا رجعنا في عهدنا الحاضر إلى الزمن الغابر أو إلى العصور الجاهلية والفظائع الوحشية من التعذيب وهتك الحرمات وسفح الأموال وضياع المقدرات، زمن ما قبل العدالة والقانون واكتشاف حقوق الإنسان، زمن ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الضياع، زمن سيادة المنحرفين وضياع جهد العاملين ومطاردة الأحرار النابهين، زمن يعيش العالَم غير المسلم في أمنٍ وسلامٍ وعدالةٍ ووئامٍ ونعيش نحن في هول وشقاق وانحدار في زمان ولَّى فيه الظلم وشعر الناس فيه بالأمان والطمأنينة والوئام وذهب فيه الطغاة إلى غير رجعةٍ إلا بقية عندنا تفعل ما تشاء، وتنهش في اللحوم وتمتص الدماء، ولا رأي سديد، ولا عمل مجيد،

ذهبت طغاة الناس غير بقيـة في كل فـج ما تـزال ذئابا

ملأى بطونهم دمًا مـن بعد ما أكلوا ثمار الأرض والأعشابا

فتخوفوا آراءهم مـن قبـل أن تتخوفوا الأظفـار والأنيابـا

أولى بعمران الممالك إن خلت منها العواطف أن تبيت خرابا

هؤلاء النيرونيون لن يفلتوا, فلئن كان نيرون قد أحرق روما فهؤلاء يحرقون الأمة بالجهل وسوء الحكم وضياع المقدرات وتولية الفاسدين.

إن الديكتاتوريات عندنا تشبه بالتمام والكمال ديكتاتوريات نيرون الذي حرق روما وظلَّ ينظر إليها مبتهجًا معجبًا بمنظر الحريق الذي أتى عليها والناس بين قتيلٍ وجريحٍ وفارٍّ، وكذلك الأمة اليوم في حريق للطاقات وضياع للقيم والمقدرات، والغريب أنهم معجبون بما يفعلون مثل إعجاب نيرون؛ حيث كان يجلس في شرفة قصره وهو في قمة استمتاعه بهذا الحريق الهائل قائلاً:

أنا نيرون الجبار، أقتل مَن أشاء وأملك ما أريد، وأقطع الأعناق وأسفك الدماء، ولا يجرؤ أحدٌ على إشهار سيفه في وجهي، فالأرض التي أحكمها لا تغيب عنها الشمس، والناس جميعًا يخضعون لمشيئتي؛ لأنني سيف حاد يقصم ظهورهم قصمًا، ونار هائلة تحرق أجسادهم حرقًا، أنا نيرون الجبار أنا نيرون الجبار!!.

ويذكر أن الحريق قد استمرَّ ستة أيام أتى فيها على روما؛ حيث امتدت النيران إلى الحوانيت والمحلات والمناطق التجارية وأحدث هلعًا ورعبًا بين الأطفال والنساء فأخذوا يحاولون الهرب من ألسنة اللهب التي حاصرتهم من كل جانب.. ولما كانت نتائج هذا الحريق مدمرة، فقد بحث نيرون عن من يلصق التهمة فيه.. فلم يجد سوى المسيحيين الذي ادَّعى أنهم كانوا يكرهون روما، فأنزل بهم عقوبات بربرية، وكانت هذه بداية اضطهاد الرومان للمسيحيين الأوائل!!

تمامًا كما هو عندنا اليوم عندما يُلصق بالمعارضين والمصلحين كل مصيبة.

ظلَّ نيرون على هذا الحال من الظلم فقد قتل حتى أقرب الناس إليه، وجميع مَن يشك أنه قد يهدد سلطته!!!

وفي فترة انشغال نيرون بالألعاب الأولمبية في اليونان بدأت الثورة تقوم في روما، والتف الناس حول "فيندكس" وهو أحد زعماء فرنسا، واستجاب له الجيش الروماني وأبدى استعداده للإطاحةِ بنيرون وقام بجمع القوات المسلحة وتقدم إلى روما باتجاه قصر نيرون.

وعلم أن الثورة قد قامت في روما، وأن عليه الرجوع فرجع واجتمع بكبار وزرائه، لكن الوقت كان قد فات، فقد جاءه رسول في اليوم التالي يخبره أن فيندكس أعلن نفسه سيدًا على بلاد الغال "فرنسا" وخضعت له الكثير من المقاطعات الرومانية فشردت حواس نيرون، وأصابه غضبٌ شديدٌ، وأدرك أن هلاكه آتٍ لا محالة وأخذ يردد: "لقد حلَّ بي الهلاك!!!".

ولم يجد مَن ينفذ أوامره حتى خدمه تخلوا عنه وهربوا، وكذلك بقية الجنود فقد ذهبوا لينضموا إلى فيندكس.. هكذا بقي وحده ونُهبت قصوره ولم يبق له مكانًا آمنًا يذهب إليه.. فاختبأ في بيت أحد خدمه وكان يهذي طوال الوقت فنصحوه خدمه بأن يموت موت الشجعان ويقتل نفسه لكنه لم يستطع، وبعدها سمع أصوات حوافر خيول بندكس فأخذ يتوسل إلى أحد خدمه لقتله فأمسك الخادم الخنجر وطعنه طعنةَ الموت القاضية، وبمجرد سماع خبر موت نيرون ساد السرور والابتهاج من قِبل عامة الناس وهللوا لمجيء الإمبراطور الجديد.. هكذا انتهت حياة الطاغية نيرون الذي لم تسلم حتى الجمادات من شره وفجوره، وذهب إلى الجحيم كما ذهب الطغاة.

أين الأسرة والتيجـان أسألهـا عن الملوك الطغاة المستبدينا

الرافعين على الأشلاء دورهـم المالئيـن دمـًا تلك الميادينا

جنت على ملكهم أسلاب غيرهم فهـل تذكَّر هـذا المستغلونا

وتنفَّس الناس الصعداء وقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، إن ربنا لغفور شكور.

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى