بين المنحة والمحنة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بين المنحة والمحنة
بِسْــــمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ

وهل تتضح الموهبة ويصفو الجوهر إلا بين المنحة والمحنة؟ ، وتلك سنة الله تبارك وتعالى في تنشئة الأفراد وتربية الأمم، وسبك أصحاب الدعوات ممن اصطنع لنفسه من عباده وصنع على عينه من خلقه ليكونوا أئمة يهدون بأمره .. (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الانبياء:35).

والأمة الإسلامية اليوم بين منحة ومحنة إن فهمت عن الله فيهما، وأدت ما وجب عليها من حقهما، وشكرت النعمة، وثبتت وصبرت على الشدة وواصلت السير في قوة إلى الغاية وهى واصلة بإذن الله تبارك وتعالى إلى ما تريد، مهما اعترضها من صعاب وواجهها من عقبات، ونصر الله قريب ، وصدق الرسول القائل: (عجبت لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير, إن أصابته النعماء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته الضراء صبر فكان خيرا له).

والإخوان المسلمون اليوم وهم الأمة الجديدة القائمة على الحق ، المهتدية بنور الله الداعية إلى صراطه المستقيم ، بين منحة ومحنة ، عليهم أن يشكروا الله أجزل الشكر على ما أولاهم من نعمته وأغدق عليهم من فضله ومنته وأن يصبروا أكمل الصبر على المحنة مهما علا ضجيجها ، وأرعد برقها وعظم هولها وأجلبت بخيلها ورجلها، وليثقوا بموعود الله تبارك وتعالى لسلفه الصالحين من قبل: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (آل عمران:120).

يا أيها الإخوان المسلمون ، في الحرم المكي وأمام الكعبة المشرفة تجلس بعثتكم المتواضعة خاشعة لله ، مخبتة تذوب حياء من رب البيت وتنطوي على نفسها خشية لجلاله وعظمته ، والأبصار ترنو إليها من كل مكان ، والأيدي تدل عليها بكل بنان ووفود الحجيج من كل قطر وبلد ومصر ، تقبل عليها بقلوب متوادة متحابة تسأل في لهفة وشوق:

أنتم الإخوان المسلمون؟ مرحبا بكم وما أشوقنا إلى لقائكم ونحن إخوانكم في أندونسيا ، أو في جاوه وسيلان ، أو الهند وباكستان ، أو في جنوب أفريقيا أو في مدغشقر وبورنيون ، أو في نيجيريا والكمرون أو في إيران والأفغانستان ، أو في غير ذلك من أراضي الله الواسعة التي امتدت إليها أضواء الإسلام الحنيف وانبسط فيها هدي كتابه الشريف المنيف ، وتكون تحية وسلام وتفاهم وكلام ، وتدارس لحال أبناء الإسلام .

وإعجابا بجهودكم المتواضعة ، وأعمالكم النافعة لا نرى أنفسنا له أهلا ولا نعتبرها إلا منة من الله وفضلا و (ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الحديد:21) ، ويعود إخوانكم من البعثات العلمية أو الرحلات التجارية في إنجلترا أو أمريكا أو فرنسا أو غيرها من بلاد الغرب المتهالكة على المادة ، المتهافتة على الطغيان ، فإذا بهم قد أنشأتهم الرحلة نشأة أخرى وسمعوا ورأوا من حديث الناس عنكم ، واهتمامهم بشأنكم ، والتعليق على جهادكم وجهودكم بما يجعلهم يستشعرون التقصير في حق الدعوة ، ويعتزمون بذل الجهد وفوق الجهد في العمل لها و الجهاد في سبيلها ، ولقد سمعت أحدهم بالأمس القريب يخاطبني في حماسة ويحادثني في قوة وحزم ، فيقول: يا أخي والله إننا لسنا مجهولون إلا في وطننا ، ولا مغموطين إلا في أرضنا ، فإذا أراد الناس أن يعرفونا بل إذا أردنا نحن أن نعرف أنفسنا ومدى تأثير دعوتنا ، فعلينا أن نرحل خلال هذه الأقطار ، ونجوس تلك الأمصار ونستمع إلى أهل تلك الديار ، في مجالسهم الخاصة ومجامعهم العامة وسنرى من ذلك العجب العجاب والقول اللازب فأقول له : لا بأس عليك، فقديما قيل: (وزامر الحي لا يحظى بإطراب) وليس نبي بدون كرامة إلا في وطنه وبين عشيرته ، وسيدرك قومنا بعد قليل من نحن وماذا سنصنع والعاقبة للمتقين: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:40).

وفى هذه الغمرة من نعم الله عليكم بحسن الأحدوثة وجميل الذكر وجليل التقدير تواجهكم محنة القول الزائف فتبلغ قلوب المؤمنين الحناجر ، ويظن الكثير من المتربصين بالله الظنون ، وتقول طائفة كما قال أسلافها من قبل: (يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) (الأحزاب:13) ، وتقول طائفة أخرى: (مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُوراً) (الأحزاب:12).

وأنتم خلال ذلك تسيرون في ركاب نبيكم والمؤمنين معه ، وتهتفون بدعائهم : (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب:22).

يا أيها الإخوان المسلمون ..

ستنكشف الغمة ..

وتزول المحنة إن شاء الله ...

وتخرجون من البلاء خروج السبق من الجلاء أنقياء أتقياء ...

والله تبارك وتعالى يربيكم بالمنحة والمحنة ...

والله اكبر ولله الحمد

حسن البنا