جنود الإحتلال غرقوا في وحل المغراقة
كعادتها، تستدعي الذاكرة، وتداعب خيوط الزمن المقاوم. إنها بلدة المغراقة جنوب مدينة غزة، عادت لتغرق من جديد في بحر عزّها مع رحيل الاحتلال، حيث كانت تظن ذلك الغازي مجرد محتل فإذا به جحر أفاع يبث القتل في كل مكان في حرب لا تبقي ولا تذر.
على مدى أكثر من 22 يوماً من الحرب؛ لفّت "المغراقة" نفسها بصمتها وهي ترقب آليات الاحتلال من الجهة الجنوبية لمحررة "نتساريم"، تحمّلت بطشهم بمرارة، وابتلعت مئات القذائف والصواريخ وهي التي تعودت لفظهم من شوارعها.
سرت قشعريرة في أجساد المقاومين، لقد راقبوا بنصف اهتمام تحركات الآليات الإسرائيلية ظهيرة الجمعة (16/1) بعد استهداف قناصة المقاومة لأحد الجنود قرب "تلة الريّس" شرق غزة، مزيج من الترقب والقلق دفعهم لتوقع الأخطر في الليل، ولم تكمل الليلة هدوءها حتى اندفعت الآليات، في ساعة الفجر الأولى، لبدء العدوان الموسع على "المغراقة".
وعلى طريقتها الخاصة؛ بدأت المغراقة باستقبالهم 22 يوماً على مناوبة المقاوم "أبو حسن" في نقطة ما شمال منطقة "تل العجول" التي تقع إلى الجنوب من المغراقة، حيث قال أبو حسن لـ "قدس برس": "رأيناهم يتسللوا للمغراقة، كان دخول صامت، كان بيني وبين الدبابات 30 متراً، نزلت الوحدات الخاصة، عندها فجّرت بشكل خاطف منزل المواطن أبو سليم أبو كميل، حيث كانوا 17 جندياً مدججين بالسلاح".
أما "أبو أحمد"، وهو أحد المقاومين الذي شاركوا في التصدي؛ فقال: "توقعنا دخولهم وبالفعل قطعوا مئات الأمتار حتى وصلوا الدفاع المدني غرب البلدة وهم يطلقون النار".
وأكد المقاومون أن الاحتلال الإسرائيلي دفع بأكثر من 20 دبابة وجرافة إضافة لعشرات الجنود من الوحدات الخاصة.
راقب "أبو أحمد" الآليات من موقعه وعلى بعد 5 أمتار منه قامت جرافة بتجريف الأرض فأتلفت تمديدات عبوته الناسفة، مضيفاً "شعرنا بالثبات - يلوّح بيديه - لم يكن هناك رعب نهائياً، حاولنا تفجير الجرافة فكانت التمديدات مقطّعة وبعد خمس دقائق انفجرت عبوته ثانية فاشتعلت النيران في الآلية".
انطلقت الإشارات اللاسلكية الخاصة بالمقاومة تفصح عن موقف الاحتلال، الذي صبّ قذائفه ونيرانه الثقيلة على البلدة وشمال مخيم النصيرات، أطلقوا قذائف الفسفور والمدفعية في كل مكان.
في نقاط رباط أخرى؛ توزع مقاومون قلائل في الشوارع، كانوا في أماكنهم من اليوم الأول للحرب، توغّلت الآليات أكثر في منطقة تل العجول. أيقظ أحد المقاومين زميله "أبو أيمن" .. يقول المقاوم أبو أيمن "قلت لزميلي ابدأ بالدعاء، كنا جنوب تل العجول حيث جاءني اتصال أن آلية فوق عبوتي الناسفة، كنت قلقاً من التفجير فلا مكان للانسحاب، حينها رددنا الثبات حتى الممات - يبستم - أمسكت بالأسلاك ثم تركتها وأمسكت بأسلاك عبوتين أخريين وفجّرت العبوتين، فنظرت من باب الحجرة فرأيت وهجاً أحمر ثم بدأ العدو يطلق النار والقذائف بكثافة".
انتظر هو ورفيقه قصف المنزل الذي تحصنوا فيه، فتابع "انتظرنا قصفنا ثم نستشهد وننال الجنة"، إنك الآن مع كلمات مقاوم نصف راحل! فبالنسبة للمقاوم "أبو أيمن" كانت هذه تجربته الأولى مع عدوان بهذا الحجم، لقد حاول هو ورفاقه الحفاظ على شحنة أجهزتهم اللاسلكية خشية أن يطول أمد المعركة.
ازداد صوت طائرات الاستطلاع عنفاً، حلقت عدة طائرات فوق المغراقة ثم برز الطيران الحربي، ردد المقاومون في أماكنهم "لا إله إلا الله" بعضهم بعث برسائل على الهواتف الخلوية لآخرين في نقاط أخرى فلعله مودعاً! حاولوا كتابة كلمات تبقى بعد رحيلهم ويتناقلها الأصحاب مترحمين عليهم.
انشغل رجال المقاومة برصد "تل العجول"، مسرح العملية بعد أن بدأت الإشارات اللاسلكية تؤكد تكبد الاحتلال لخسائر فادحة وسماع صراخ الجنود وهم يحاولون الهروب من فخ المقاومة الصاعق.
إلى الشرق قليلاً تنبه المقاوم "أبو محمد" ورفاقه إلى طلقات من كاتم الصوت تسقط قربهم، حاولوا استكشاف الموضوع فألقوا بقنبلة يدوية في أحد البساتين، مضيفاً "اكتشفنا أن القوات الخاصة جاءت من الشرق قرب منزل الشهيد عدنان الغول، بعد إلقاء القنبلة سمعنا حركة للآليات كان بيننا وبينها 40 متراً، وكانت إحدى الآليات قرب عبوتنا الناسفة وحولها جنود من القوات الخاصة، فجرنا العبوة فأصبنا الآلية والجنود من حولها وسمعنا صراخهم بالعبرية "إيما إيما ..- يعني يا أمي - ثم شاهدناهم وهم يسحبون الآلية المستهدفة".
وبعد أكثر من 12 ساعة من التصدي؛ انسحب الجيش الإسرائيلي وقد اعترف بإصابة اثنين من الضباط و4 جنود، إصابة بعضهم خطرة. وأكد شهود عيان في أكثر من مكان أنهم شاهدوا عدة آليات مدمرة يقوم الجيش بسحبها، فيما قامت إحدى الجرافات بدفن آلية مدمرة بالكامل في محررة "نتساريم".
وأعلنت "كتائب القسام" في تصريحات رسمية أنها استهدفت أكثر من 5 آليات وأطلقت عدة قذائف مضادة للدروع تجاه الوحدات الخاصة في عدة منازل، بينما خاض مقاوموها عدة اشتباكات مع الوحدات الخاصة في أكثر من مكان.
وتحدث كثير من مقاومي القسام عن "كرامات" وقعت معهم خلال الاشتباكات أولاها تلك العبوة التي انفجرت في إحدى الآليات وقد عثر عليها عقب الانسحاب كما هي، وتلك السحابة البيضاء التي ظللت المقاومين قبيل الاشتباك مع القوات الخاصة ونجاتهم من الموت المحقق.
القسام" تعرض قلائد جنود إسرائيليين تقول إنها قتلتهم خلال الحرب
عرضت "كتائب عز الدين القسام"، الذراع العسكري لحركة "حماس"، قلائد عسكرية لأربعة جنود إسرائيليين، يُعتقد إنهم قُتلوا خلال الحرب الأخيرة على غزة.
ويُذكر أنّ كل جندي إسرائيلي يعمل في جيش الاحتلال، يعلِّق في رقبته قلادة تحمل اسمه ورقمه العسكري، مكتوبة بخط بارز باللغة العبرية.
ونشرت الكتائب على موقعها الكتروني فيلماً قصيراً، يحمل اسم "إلى الجحيم مآلكم"، يعرض صوراً لقلائد تابعة لجنود الاحتلال، تمكّن مقاتلوها من الاستيلاء عليها أثناء الحرب على غزة.
وتظهر القلائد التي عرضت "كتائب القسام" صورها، أسماء عدد من الجنود باللغة العبرية، وهم: كوهين أفيخار، وعوفر عران، وماتيوس أندري، وكلاينر سورون، في حين أكدت "كتائب القسام" أنّ هذه هي مجرد بعض القلائد التي حصلت عليها أثناء الحرب.
ووفق محللين عسكريين؛ فإنّ حصول الكتائب على القلائد تحمل تفسيرين لا ثالث لهما، الأول هو تمكنهم من الإجهاز على الجندي ومن ثم نزعها من رقبته، والثاني هو وقوع أولئك الجنود في كمين أدى إلى تقطيعهم لأشلاء.
وكانت "كتائب القسام" قد أعلنت في بيان لها بعد نهاية الحرب، أنّ مقاتليها أكدوا خلال المعارك التي خاضوها قتل عدد كبير من جنود الاحتلال، ورصدت بشكل بدا دقيقاً، عمليات قتل 49 جندياً إسرائيليا بشكل مباشر وجرح المئات، فضلاً عن العمليات التي لم تتم فيها مشاهدة القتلى بشكل مباشر، مثل قصف تجمعات الجنود واستهدافهم بالقذائف، واستهداف الدبابات، وقنص الجنود، وغير ذلك.
وقدّرت "كتائب القسام" أنّ عدد قتلى جيش الاحتلال خلال الحرب الأخيرة على غزة، لا يقل عن 80 جندياً، سقطوا خلال المعارك التي تكتم الجانب الإسرائيلي على مجرياتها.