حسن البنا والأمم المتحدة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حسن البنا والأمم المتحدة


موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين ( إخوان ويكي)


مقدمة

اهتم الإمام البنا بالمنظمات الرسمية، والتي كانت تهدف لإنقاذ الشعوب من ربقة الاستعمار، وتحرير هذه الشعوب اقتصاديا وسياسيا، وقد رأينا كيف اهتم الإمام البنا بجامعة الدول العربية، وكتب يشجع هذا المشروع الذي يجمع بين شعوب العالم العربي والإسلامي.

نشأة الأمم المتحدة

الإمام الشهيد حسن البنا

الأمم المتحدة هي منظمة عالمية تضم في عضويتها جميع دول العالم المستقلة تقريباً. تأسست منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 24 أكتوبر 1945 في مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، تبعاً لمؤتمر دومبارتون أوكس الذي عقد في العاصمة واشنطن.

وقد حلت الأمم المتحدة محل عصبة الأمم والتي كانت قائمة من 1919 إلى 1945م،إلا أنها فشلت في مهامها خصوصاً بعد قيام الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى نشأة الأمم المتحدة بعد انتصار الحلفاء وإلغاء عصبة الأمم، وفي بداية سبتمبر من عام 2003م بلغ عدد أعضائها 191 دولة.(1)

وفى 25 نيسان/ أبريل 1945، اجتمع مندوبو 50 دولة فى سان فرانسيسكو بمناسبة مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بالمنظمة الدولية.

وصاغ المندوبون ميثاقًا من 111 مادة، اعتُمد بالإجماع فى 25 حزيران/ يونيو 1945 فى دار الأوبرا بسان فرانسيسكو.وفى اليوم التالي، وقّعوا عليه فى مسرح هيربست بمبنى النصب التذكاري للمحاربين القدماء(2).

كانت للمآسى الإنسانية التى خلفتها الحرب العالمية الثانية بالغ الأثر فى الربط بين موضوعي السلم العالمى وحقوق الإنسان، وقد جرى تضمين ذلك فى ميثاق الأمم المتحدة فى مؤتمر سان فرانسسكو؛ حيث إن ممارسات قمع السكان المدنيين والتمييز بين البشر على أسس اثنية ودينية وسياسية والإعدام دون محاكم وجرائم الإبادة الجماعية والتعذيب واختفاء البشر فى ظروف غامضة كل هذه الممارسات دفعت واضعي الميثاق على إدراج حقوق الإنسان فى صلب الوثيقة الأممية(3).

حسن البنا والأمم المتحدة

عانت مصر كثير من الاستعمار وويلاته، ولقد كانت الشعوب الضعيفة تتشبث بأية وسيلة، أو وعد في سبيل التحرر والعيش بأمان في وطنهم.

والإخوان المسلمون جماعة من الشعب يعيشون لقضايا هذا الوطن، ولذا اهتموا بكل مؤسسة رسمية تسعى للعمل على تحرر هذه الشعوب.

ولقد كانت المبادئ الأربعة عشر لـ (ولسون) والتي نادي بها أحيت الأمل لدى الشعوب المحتلة في الخلاص من الاستعمار، وتبنت الأمم المتحدة مثل هذه المبادئ التي تسمو بالشعوب، غير أن هذا الحال لم يستمر طويلا، فسرعان ما نكصت على عقبيها وأظهرت تحيزها للدول الكبرى.

لقد كانت مطالب الشعوب واحدة، وهي المطالب التي عاش بها الإخوان وعملوا على تحقيقها، سواء عبر المنابر الشرعية، أو عبر الوسائل المشروعة كالجهاد، ولقد وصف الإمام البنا هذه المطالب بقوله تحت عنوان (بيان من الإخوان المسلمين إلى شعب وادي النيل):

(1) إن الحقوق الطبيعية القومية لشعب وادي النيل محدودة معروفة لا تقبل جدلا ولا مساومة، وهى الاستقلال الكامل لهذا الشعب، ولن تكون لهذا الاستقلال حقيقة إلا بجلاء هذه القوات جميعها عن الوادي فى أقرب وقت، ولن تكون لهذه الوحدة حقيقة حتى تشمل كل مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية فى جميع أنحاء الوادي شماله وجنوبه، وإن قناة السويس جزء من أرضنا يجب أن نقوم نحن بحمايته وحراسته، وإن مرافق بلادنا الاقتصادية من حقنا وحدنا أن ننصرف فى الانتفاع بها كما نشاء، وإن وضعنا الاجتماعى وحياتنا المدنية نحن الذين نرسمها ولا نقبل فيها تدخل أحد فعلى الشعب أن يحفظ هذه الحقوق، ويتفقه فيها ويتحمس لها ولا يغفل عنها طرفة عين.

(2) والمعاهدة المصرية الإنجليزية لم تعد أساسا صالحا بحال للعلاقات بيننا وبين الإنجليز، والمفاوضة وسيلة لا غاية رفضها فريق من المصريين لما لمحوا وتوقعوا، وصدقت الحوادث توقعهم من آثارها ونتائجها، وقبلها الباقون جريا على الأساليب السياسية الدولية وتعللا بالأمل فى الوصول إلى الغاية من أسلم الطرق.

وإذا كان الأمر كذلك، إذا كانت الحقوق الوطنية التى لا تقبل مساومة ولا انتقاصا، هى الجلاء التام، ووحدة وادي النيل، وتسوية المسائل الاقتصادية المعلقة بيننا وبين الإنجليز تسوية تصون حقوق البلاد وتحقق فائدتها.

فإن الإخوان المسلمين يرون أن تتقدم الحكومة المصرية من الآن بخطاب تبلغ به الحكومة البريطانية أن هيئة المفاوضة ستقوم بمهمتها على هذا الأساس ولتحقيق هذه الغايات، كما أن على المفاوض المصرى أن يقرر ذلك فى أول اجتماع للمفاوضة تقريرا صريحا، وأن يتمسك به إلى النهاية فإن أجيب إليه فقد نجح فى مهمته النجاح الكريم، وإلا فإنه ينسحب انسحابا كريما وهو فى كلتا الحالتين قد أدى واجبه مشكورا أو معذورا.

(3) وقد كان المنتظر أن يتألف وفد المفاوضة ممثلا لكل هيئات الأمة وأحزابها وفى مقدمتها هيئة الإخوان المسلمين التى تمثل ولا شك مجموعة كبرى من الشعب، وتقوم على توجيه الرأى العام فيه، ولكن الوفد أبى الاشتراك فى هيئة المفاوضات للشروط التى أعلنها، وأبت اللجنة الإدارية للحزب الوطنى الاشتراك كذلك للأسباب التى ذكرتها ورأت الحكومة أن تؤلف هذه الهيئة على النحو الذى أعلنته وأمام ذلك يقرر الإخوان أمرين مهمين.

أولهما: أن نتيجة المفاوضة يجب أن تعرض على الأمة فى استفتاء عام؛ لتقول كلمتها فهى صاحبة الحق الأول والأخير فى القبول أو الرفض.

وثانيهما: أن شعب وادي النيل الآبى لن يسمح بعد ذلك بتكرار تجربة المفاوضة بيننا وبين الإنجليز، وأن يدع السياسة الاستعمارية بعد التجارب العديدة الماضية أن تساوم أو توقع بين أشخاص الوطنيين على حساب القضية، فإما أن تنتهى هذه المفاوضات إلى نجاح وإلا فإن الشعب لن يتردد بعد ذلك فى متابعة حركته القومية بعرض قضيته على مجلس الأمن استكمالا للمراحل القانونية الدولية وبالجهاد المستمر حتى يتم تحقيقها.

فليعلم الإنجليز وليعلم الزعماء أن الشعب لن يمنحهم المفاوضة إلا هذه الفرصة فقد سئم المداورات والمحاولات التى لا طائل من ورائها.

(4) وعلى هذا فإن الإخوان المسلمين يهيبون بكل هيئات الأمة ورجالها وبالحكومة نفسها، أن يتكاتف الجميع على تغذية هذا الشعور القومى، وتنظيم الأمة تنظيما دقيقا، وإعدادها إعدادا كاملا لمواجهة نتيجة المفاوضة فإن كانت النجاح وتحقق المطالب والآمال- وهو ما نرجو أن يكون –فلن يضرنا هذا الإعداد شيئا بل هو أول ما يلزمنا فى بناء حياتنا الداخلية، وإن كانت الأخرى لم نؤخذ على غرة، ولم نؤت من غفلة والله غالب على أمره(4).

ولقد أكد الإمام البنا هذا المفهوم بقوله في رسالة (مؤتمر رؤساء الشعب والمناطق ومراكز الجهاد)

1- من حق مصر أن تنال حقوقها الوطنية، ومن واجب بريطانيا والأمم المتحدة أن تعترف لها بذلك، وفى مقدمة هذه الحقوق:

‌1-جلاء القوات الأجنبية جميعًا عن أرض وادي النيل فورًا. 2-حل مسألة السودان حلاًّ سريعًا على أساس أن مصر والسودان وطن واحد، للسوداني ما للمصري من حقوق، وعليه ما عليه من واجبات. 3-قناة السويس أرض مصرية تقوم مصر وحدها بحراستها وحمايتها وتنظيم شئونها. 4-رفع جميع القيود الاقتصادية والتجارية والمالية والنقدية التي قبلتها مصر مساهمة منها فى المجهود الحربي، واستيفاء ديون الأرصدة الإسترلينية والديون الأخرى التي لمصر على إنجلترا.

مطالبة الأمم المتحدة -تطبيقًا للميثاق الأطلنطي الذي أعلنته- أن تعترف بحق الوطن العربي والإسلامي في الحرية والاستقلال، واستنكار كل تصريح أو رأى يرمى إلى انتقاص حقوق هذه الأمم، وتشجيع الاستعمار الظالم على التدخل في شئونها.

نظر حسن البنا إلى الأمم المتحدة على كونها المؤسسة الرسمية، والتي تسعي لتحرير الشعوب، ويجب احترامها، ودعى الشعوب إلى احترامها في بداية نشأتها وإعطاءها الفرصة لكي تثبت شفافيتها ونزاهتها في التعامل مع الشعوب، ولقد طلب من الشعب المصري إعطاء هذه المؤسسة فرصة لتثبت ذلك وقت عرض القضية المصرية عليها، فيقول:

أيها الشعب الأبى الكريم

الآن وقد ظهر شعورك الوطنى قويا فياضا فى هذا اليوم الكريم، نرجو أن يكون قد وصل صداه المدوى إلى آذان الجالسين فوق مقاعد مجلس الأمن، فلا تصمها المطامع الدولية من تقدير الحقوق المقدسة للشعوب العزيزة التى صممت على أن تحيا كريمة، أو تموت كريمة.

ولننتظر الآن- هادئين- ما يكون من نتائج هذا الاحتكام ثم ترسم الأمة بعد ذلك خطواتها فى سبيل استنقاذ حقها والحصول عليه(5).

لم يداهن الإمام حسن البنا الاستعمار ولا أداته سواء كانت مؤسسة رسمية أو غيرها، فقد كانت قضايا الأمة هي الشغل الشاغل للإمام البنا، فحينما عرضت القضية المصرية على الأمم المتحدة جيش نفسه وإخوانه لخدمة هذه القضية فأرسل الرسائل للأمم المتحدة، وخاطب الشعب، وحث الحكومة، ورد على المعترضين على عرض القضية، كل ذلك من أجل حصول هذا الوطن على استقلاله.

بل لم يكتف بذلك فقد شغلته أيضا القضية الفلسطينية وما حدث فيها من جور على حقوق الشعب الفلسطيني، فهاجم الأمم المتحدة لعنصريتها في قراراتها، وحينما ظهرت حقيقتها، وأنها أداة في يد الدول الاستعمارية الكبرى تخدم مصالحهم هاجمها بسبب هذه السياسة المزدوجة.

حسن البنا والقضية المصرية

عاش الإمام حسن البنا منذ طفولته وهو يحلم ويعمل من اجل حصول وطنه على الاستقلال من براثن المحتل الغاشم، وحينما نشأت جماعة الإخوان المسلمين تربى أفرادها على هذا الهدف وهو التحرر والاستقلال، وعمل الإخوان في كل مكان في القطر المصري لنيل استقلالهم، ولذا طالب الإخوان بوقف المفاوضات مع الإنجليز لأنها لم تعد تجدي، وطالبوا خاصة بعد نشأة الأمم المتحدة بعرض القضية عليها لنيل الاستقلال، وذلك بعد قرارها الجرئ باعطاء الحرية لشعب سوريا ولبنان وأندونيسيا من ظلم الفرنسيين والهولنديين.

فيقول الأستاذ البنا

هدف الإخوان المسلمون منذ نشأتهم إلى أن يجددوا لهذه الأمة شبابها، ويبعثوا إليها مجدها، ويخلقوا روحا جديدا فى الجيل الجديد على أسس الإسلام، والإسلام كما عرفوه وآمنوا به نظام شامل لمختلف نواحى المجتمع، وبرنامج كامل يبنى الأمة على أقوم الدعائم.

ويضيف

فلما أن وضعت الحرب أوزارها، هب الإخوان يفقهون الأمة فى حقوقها، وينبهون الشعب إلى مطالبه المشروعة، ويستنهضون العزائم للعمل على نيل هذه الحقوق، فأصدروا البيانات وعقدوا المؤتمرات، وطلعوا على الأمة فى كل مطلب من مطالبها بمختلف الدراسات، ونادوا بإلحاح أن تنسى الأحزاب ما بينها من اختلافات ومهاترات فتتجمع الأمة صفا واحدا، فلا يجد الأجنبى منفذا من بين هذه الخلافات للمماطلة والمراوغة والتسويف، وأهابوا بأولى الأمر أن يعملوا من جانبهم وبحكم أوضاعهم الرسمية على تحقيق أهداف الوطن ونيل حقوقه المغتصبة.

وبعد أن عرض المذكرة المصرية الهزيلة وعرض الرد البريطاني عليها، وجه رسالة لأبناء النيل فقال:

يا أبناء النيل

هذه هى المذكرة المصرية وهذا هو الرد البريطاني عليها، وإن الإخوان المسلمين فى أنحاء الوادي ليعلنون فى قوة ووضوح أنهم لن يرتضوا بعد اليوم ذلا ولا هوانا، ولا يقبلون ترددا فى نيل حقوقهم ومطالبهم ويدعون الشعب كله، أفرادا وجماعات، أحزابا وهيئات أن يقفوا معهم صفا واحدا فى المطالبة بهذه الحقوق والعمل على تحقيقها أو الفناء فى سبيلها.

أيها المواطنون, إن الإخوان المسلمين ليسجلون على الحكومة هذا الموقف الضعيف، ويسجلون على الإنجليز هذا الجحود، ولقد علمتنا التجارب أن الاستقلال والحرية ما كانت يوما من الأيام صكا يكتب أو اتفاقا يعقد، لا يشفى غلة ولا يطفئ أوارا، ويهيبون بالأمة أن تستعد لجهاد متصل عنيف، فليس للهوان بعد اليوم من سبيل.

ولتعلموا أن المفاوضة وسيلة وليست غاية مقصودة لذاتها، ولا يمكن أن تقدم الغاية على الوسيلة إلا إذا اطمأننا على أسس بينة لتحقيق هذه الغاية، فلنتعظ بالماضي، وليحذر الساسة ألاعيب المستعمرين، ولتتوحد الصفوف وتتحد الجهود بتوجيه وطني خالص لوجه الله والوطن(6).

ويؤكد على ذلك بقوله

إن موقف الإخوان المسلمين من هذه الحكومة أو سواها إنما تحدده هذه الخطوط الرئيسية فى سياستها، فهم يقدرون ما تقوم به من أعمال نافعة، ومواقف شريفة كريمة، وينقدونها حينما تزل بها قدم أو تنحرف عن الطريق لا تأخذهم فى ذلك لومة لائم، ولا يقعدهم عنه رغب أو رهب(7).

لقد طالب الإمام البنا بوقف المفاوضات وسرعة عرض القضية حتى لا تفوت الفرصة، ويضيع حق الوطن، فيقول:

ونستطيع أن نرفع قضيتنا إلى هيئة الأمم المتحدة فورا وأقل ما ننتظره فيها من نجاح أن نحصل على الجلاء عن أرض مصر بدون قيد ولا شرط، ولا محالفة عسكرية هى شر من الاحتلال مع الضمانة الدولية العامة التى ستكون فى أيدينا نتيجة لقرار مجلس الأمن، فلا يكون الأمر مجرد وعد أو معاهدة بيننا وبين الإنجليز ونحن قد بلونا المر من هذا الثمر ستين عاما أو تزيد.

ونستطيع أن نحول دون كل تدخل يريد القوم أن ينالوا به من حريتنا واستقلالنا وشئوننا الداخلية أو الخارجية، ونستعدى عليهم هيئة الأمم المتحدة والرأي العام العالمي كلما امتدت أصابعهم بهذا العدوان المستحقة عليهم(8).

وحينما عرضت القضية على الأمم المتحدة آزر الإمام البنا والإخوان حكومة النقراشي في عرضها القضية، فحركت المظاهرات التي تدعم موقف الوفد المصري، بل وأرسلت أحد رجال الإخوان لنشر القضية والتعريف بها أمام الأمم المتحدة، ووسط الشعب الأمريكي، وتحدث الإمام البنا في الإذاعة، وكتب المقالات، فكان مما قال تحت عنوان (برقية الإخوان المسلمين إلى مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة..شعب الوادي لا يسمح لأية دولة أجنبية أو هيئة دولية أن تتدخل فى شئونه الداخلية:

يستنكر شعب وادي النيل البرقية التى بعث بها إلى المجلس وإلى هيئة الأمم المتحدة رئيس حزب الوفد المصري ويراها مناورة حزبية لا أثر للحرص على الاعتبارات القومية فيها.

وسواء أكانت حكومة مصر ديمقراطية، أو ديكتاتورية، فإن الشعب المصري يعلن على الملأ أمام هيئة الأمم المتحدة أن ذلك أمر يعنيه وحدة ولن يسمح لأية دولة أجنبية أو هيئة دولية أن تتدخل فى أخص شئونه الداخلية فله وحده الحق فى أن يختار نوع الحكم الذي يريده طبقا لميثاق الأطلنطي، ومبادئ هيئة الأمم، وله وحده الحق فى أن يفرض على حكومته ما يريد وأن يؤاخذها على كل تقصير بما يراه.

كما يعلن كذلك أن حقوقه الثابتة فى الجلاء التام عن مصره وسودانه والحرص الكامل على استقلاله أمر لا يقبل جدالاً ولا مساومة(9).

ومع ذلك كتب الإمام حسن البنا يحذر من الحيدة عن إنصاف الشعوب بإقرار استقلالها، فكتب تحت عنوان (برقية فضيلة المرشد العام إلى رئيس مجلس الأمن) يقول:

حضرة رئيس مجلس الأمن، القاهرة الدامية، والشعب المصري الثائر يستنكر كل قرار ينتقص من حقه، ويرفض العودة إلى المفاوضات الثنائية، ويعلن سقوط معاهدة 1936م، ويهيب بمجلس الأمن أن يحافظ على صيانة الأمن المهدد في الشرق(10).

ويؤكد على هذا المعنى في رسالة لسفير بريطانيا فيقول: إن شعب وادي النيل يقدس السلام، ويحرص عليه، والإسلام الذي يظلل هذا الشعب شعاره السلام وتحية السلام، وقد نزل قرآنه في موكب من السلام.

ولكن تقديسه لحريته، ووحدته، وحرصه عليهما أقوى وأشد، وهو غير مستعد بحال للتضحية بهما على مذبح المطامع والشهوات الاستعمارية التي لا يكن أن يستقر معهما سلام على الأرض.

ولهذا نرجو أن ترفعوا إلى دولتكم حقيقة هذا الشعور الذي تعلمونه بحكم وجودكم بين ظهراني هذا الشعب(11).

وحينما أصدرت الأمم المتحدة قرارها المتخاذل بعودة القضية إلى طاولة المفاوضات، وعدم إعطاء الشعب حريته واستقلاله، كتب الإمام البنا تحت عنوان (بعد الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن .. إفلاس وغباوة سياسية) يقول:

أما الإفلاس فهو هذا .. هذا الموقف العجيب الذي وقفه مجلس الأمن من قضيتنا، ولقد كان أشد الناس تشاؤما ينتظر من المجلس أن يقرر الجلاء بغير قيد ولا شرط، وأن يفر من قضية السودان ويدع حلها للطرفين المتخاصمين تحت نظره، ولم يكن أحد يشك أبدا فى أن المجلس سيقطع برأي فى الأمر الأول وبخاصة وقد أصدرت هيئة الأمم المتحدة قرارها المعروف بأنه لا يجوز لأمة من الأمم المشتركة فى الميثاق أن تحتل قواتها أرض أمة أخرى.

ذلك إلى أن السياسي اللبق المحنك فارس بك الخوري مندوب سوريا لفت نظر المجلس بلطف إلى هذا الأمر وفصله بين يديه تفصيلا، ولكن الأعضاء المؤمنين بعدالة القضية، الواثقين من حق مصر فيها، العاطفين بكل قلوبهم ومشاعرهم عليها، الذين بدا هذا الشعور رائقا سائلا على عذبات ألسنتهم، لم يستطيعوا مع هذا كله أن يقولوا كلمة الحق، ومنعتهم المصالح الاستعمارية من أن يقفوا إلى جانب العدالة والإنصاف، وهان عليهم أن يواجهوا هذا الموقف المزرى من العجز والإفلاس.

وأما الغباوة فهى التى تجلت فى موقف بريطانيا من القضية منذ بدئها إلى الآن، وبخاصة فى الجلسة الأخيرة، إذ وضعت بين يدى السير ألكسندر كادوجان فرصة ذهبية بهذه الإشارة اللطيفة التى تقدم بها أيضا فارس بك الخورى أن تعلن بريطانيا من تلقاء نفسها الجلاء فأضاعها وتلكأ فى الاستجابة لها بقوة ووضوح(12).

ولم يقف الشعب المصري مكتوف اليدين على هذا القرار الظالم، فتحركت المظاهرات وطالبت بالجلاء والاستقلال، وصور الإمام البنا هذا الشعور فقال:

إن الشعب المصري فى غاية الاستياء لما حدث أمس فى مجلس الأمن، وقد أردنا أن نظهر مشاعرنا فتجمعنا فى هيئة مظاهرة قاصدين قصر عابدين لنظهر هذا الشعور.. والشعب المصرى يدرك أن مهمته شاقة(13).

البنا وفلسطين والأمم المتحدة

لم تكن القضية المصرية فحسب هي الشغل الشاغل للإمام البنا والإخوان داخل أروقة الأمم المتحدة، بل شغله قضية فلسطين وما يجري فيها من تهويد، وطرد لسكانها الأصليين، كما اهتم بقضايا العالم الإسلامي وظل مثابرا حتى يأس من هذه المنظمة.

فقد أرسل الأستاذ حسن البنا إلى كل من سكرتير هيئة الأمم المتحدة وجنرال مارشال وزير خارجية أمريكا برقية يؤكد فيها أن فلسطين جزء من العالم الإسلامي لا يتجزأ، وان ما يحدث ضدها من مؤامرة أمر مرفوض، ولقد جاء في هذه البرقية تحت عنوان (من المرشد إلى هيئة الأمم):

المركز العام للإخوان المسلميني يعتبر قضية عرب فلسطين قضية جميع مسلمي العالم.

وإن الاستجابة لمطامع الصهيونيين وإقامة دولة يهودية فى أى جزء من فلسطين سيحول الشرق جميعه إلى ميدان لمجازر بشرية لا يتحمل مسئوليتها إلا الذين ناصروا باطل الصهيونيين ضد حق العرب الصريح، وإن ديننا ليأمرنا بمقاومة هذا العدوان الاستعماري بكل ما لدينا من قوة.

لقد تمتع اليهود طوال الحكم العربي بالأمان الذي حرموه فى المدنية الحاضرة، وإن السبيل الوحيد إلى إقرار السلام فى الشرق، إعلان استقلال فلسطين وانسحاب الجيوش البريطانية منها وإقامة حكومة عربية ديمقراطية(14).

كما أرسل بكتاب إلى سعادة الأمين العام للجامعة العربية جاء فيه:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.وبعد:

الآن وقد جد الجد، وبدأت حكومات العرب وشعوبهم تتأهب لأقدس خطوة عرفها تاريخ الجامعة العربية فى إنقاذ فلسطين الشقيقة، قرر مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين فى جلسة مساء الأحد 27 من ذى القعدة 1366 الموافق 12 من أكتوبر 1947 أن يطالب الجامعة العربية الموقرة ودولها الكريمة باتخاذ الخطوات التالية:

أولا- وجوب انسحاب الحكومات العربية من هيئة الأمم المتحدة بعد أن ثبت أنها لا تعدو أن تكون ستارا قانونيا لتنظيم المطامع الاستعمارية بين الدول الكبرى.

ثانيا- مناشدة جميع الحكومات ذات الضمير الحى والمثل الكريمة فى كافة أنحاء العالم -ولاسيما الدول الشرقية والإسلامية- أن تنسحب من هذه الهيئة الخانعة وقاية لشرف هذه الدول وكرامتها من أن تكون مطية لتقنين الظلم وتنظيم الاستعمار.

ثالثا- مبادرة الحكومات العربية بسحب الجنسية الوطنية من أبناء الجالية اليهودية فى كل هذه البلاد إذا تخلفوا عن مسابقة أبناء البلاد مسلمين ومسيحيين فى حمل نصيبهم الوطنى العربى من العمل لإنقاذ فلسطين وعروبتها بالأنفس والأموال.

هذا يا صاحب السعادة أفضل ما تتخذه الجامعة والحكومات العربية ليستقيم به قرارها الحاسم فى إنقاذ فلسطين الشقيقة.

وتفضلوا يا صاحب السعادة بقبول عظيم الاحترام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(15).

لقد كان فكر حسن البنا في التعامل مع المنظمات الدولية قائم على إعطاء الفرصة أولا ليثبتوا حسن نواياهم، وفي نفس الوقت يركن إلى الشعوب لتكون عامل ضغط على هذه المنظمات لكي ينال كل شعب حريته، ولقد كانت قضية فلسطين أخذت بعدا كبيرا في التمكين للصهاينة، وانشغل عنها معظم الشعوب، فخطابهم بقوله:

إلى العرب والمسلمين عامة وإلى شعب وادي النيل والإخوان خاصة

أيتها الأمة المجيدة، أمة العروبة والإسلام

لقد برح الخفاء، ووضح الصبح لذي عينين، وتمت المؤامرة الظالمة التي مثلتها الصهيونية على مسرح هيئة الأمم المتحدة، متقمصة أشخاص مندوبي دول المطامع والأهواء صغيرها وكبيرها، ومأجورى السياسة، وتجار الأصوات، ورعاديد الضمائر والقلوب.

ولم يبق إلا أن تعتمدوا بعد الله على أنفسكم، وتعملوا لأوطانكم، وتجاهدوا بكل وسيلة فى استخلاص حقكم، وإجلاء الدخيل البغيض عن أرضكم(16).

وحينما أرسلت الأمم المتحدة لجنة للتحقيق فيما يحدث في فلسطين، رفض الإخوان قرارات هذه اللجنة، لظلمها لأصحاب الأرض الأصلين، مما دفع الأستاذ البنا بإرسال برقية إلى سكرتير هيئة الأمم المتحدة يستنكر فيها ما جاء في التقرير خاص بفلسطين.

الإخوان المسلمون بمصر والعالم العربي والإسلامي يرفضون بشدة تقرير لجنة التحقيق الباطل ويستنكرون ما جاء فيه، ويعلنون أن فلسطين عربية وستبقى كذلك، وأنهم سيناهضون أى اعتداء على عروبتها بكل قوة(17).

ثم أكد على هذا المعنى بقوله

وكان موقف هيئة الأمم المتحدة فى دورتها الاستثنائية بخصوص قضية فلسطين موقفا عجيبا لم يقم فيه للحق ولا للعدالة أو المنطق وزن، وتغلبت سياسة المراوغة والمداورة واللف والتسويف على سياسة الحزم والبت والإنصاف(18).

في عام 1939م أعلن محمد محمود باشا رئيس الوزراء المصري أنه رئيس وزراء مصر وليس رئيس وزراء فلسطين، حينما سأل عن موقفه تجاه قضية فلسطين، مما أثار استياء الكثيرين وعلى رأسهم الإخوان المسلمين، وحينما استشعر الإمام البنا أن هذا الفكر يتكرر ذلك 1948م كتب تحت عنوان (بيان للشعوب العربية) يقول:

وإذا كانت هيئة الأمم المتحدة أو بعض الحكومات تريد أن تتخذ من الموقف الحاضر ومن ظروف الدول العربية سببا للضغط عليها ولقبول هدنة عسكرية، أو وصاية دولية، أو مشروع آخر غير الاعتراف باستقلال فلسطينٍٍٍٍ العربية الموحدة وسيادتها، وإذا كانت بعض الحكومات تميل إلى أن تنتصر لهذا الرأي لتلقى عن أكتافها عبء الكفاح والجهاد وتدع مصير فلسطيني للأقدار، فإننا نعلن أن معنى ذلك تسليم فلسطين والقضاء على العروبة فيها وتمزيق شمل أهلها، وتمكين الصهيونيين من إعلان دولتهم واستكمال عدتهم وزيادة عددهم.

وإن قبول مثل هذه الحلول أو الموافقة عليها خيانة عظمى لأمانة فلسطين أولا، ولأمانة الشعوب العربية والإسلامية بعد ذلك، وإنه لا سبيل إلا الكفاح المرير والجهاد الدائب حتى يفتح الله بيننا وبين الناس بالحق وهو خير الفاتحين(19).

ولم يقتصر اهتمام الإخوان على قضية فلسطين فحسب، بل اهتموا بقضايا الوطن العربي والإسلامي، فيقول:

وهذه البلاد العربية المسلمة لا تريد علوا فى الأرض ولا فسادا، ولا تبغى استطالة على أحد أو عدوانا، ولا تطالب بغير الحقوق الطبيعية التى يعترف بها الجميع ولا يعترض عليها أحد، والتى ملأ زعماء الأمم المتحدة الدنيا صراخا ونداء من أجل إحقاقها وإيصال البشرية إليها.

تريد هذه البلاد حرية كاملة فى أرضها، واستقلالا يحرم على غيرها أن يتدخل فى صميم شئونها، ولا يمكن أن يكون هذا الاستقلال حقيقة وتلك الحرية صحيحة إلا إذا جلت الجنود الأجنبية جلاء تاما عن أرض هذه الأوطان، وسلمت مرافقها لأهلها تسليما كاملا، وانكفت يد التدخل فلم تمتد إلى شأن من الشئون كائنا ما كان(20).

ثم يؤكد على هذا المعنى الشمولي، فنراه يستنكر ما قامت به حكومة هولندا تجاه شعب أندونيسيا الأعزل، فيخاطب رئيس هيئة الأمم المتحدة منددا بما قامت به هذه الحكومة فيقول:

الإخوان المسلمون بوادي النيل يحتجون على اعتداء هولندا الوحشي على الشعب الأندونيسى الآمن فى وطنه المستقل، ويتقدمون إلى هيئة الأمم المتحدة -باسم العالم العربي والإسلامي- للتدخل فى الأمر لوقف هذا العدوان وإقرار الحق(21).

زيف المنظمة وخداعها

لقد اهتم الإمام حسن البنا بنشأة منظمة الأمم المتحدة ودعى لطرح قضايا الوطن عليها لما رآه منها في بداية نشأتها تجاه قضية سوريا، لكن سرعان ما تبدل الحال وأصبحت منظمة تعبر عن الدول المستعمرة فقط، وأصبحت تعمل من اجل مصلحة هذه البلاد التي سيطرت على هذه المنظمة، وجعلت نفسها فوق قرارات هذه المنظمة كلها وامتلكت حق الفيتو، ولذا ظهر زيفها تجاه القضية المصرية، والقضية الفلسطينية وقضايا العالم العربي والإسلامي.

فيقول مثلا في رسالة مشكلاتنا في ضوء إسلامي

وتستر هذا التنافس بينها بتكوين هيئة الأمم المتحدة لتوهم الناس أنها تزكى العالمية وتعمل لخير بنى الإنسان، كما رأينا هذه الدول نفسها تتجمع ضد حقوقنا الوطنية، وتخذلنا فى كل قضية من قضايانا الجوهرية، سواء أعرضت على مجلس الأمن أم فى هيئة الأمم المتحدة، كما حدث فى قضية مصر وفى قضية فلسطين وفى قضية إندونيسيا(22).

ويدلل على هذا الزيف ببعض المواقف والقضايا التي حدثت فيقول

ومن أراد صدق هذا القول فليقرأ ما دار في جلسات مجلس الأمن، وما يتردد في أرجاء هيئة الأمم المتحدة في جمعيتها العمومية الآن، وليرجع قليلا إلى الوراء ليتذكر ميثاق الأطلنطي بحرياته الأربع، وليتذكر قبل ذلك مبادئ ولسن الأربعة عشر؛ ليعلم تمام العلم أن العالم كله لا يزال يدور في فلك من الخديعة والمطامع والنفاق والأهواء(23).

ثم يوضح في بيان له بمناسبة مرور عشرين عاما على نشأة أول شعبة للإخوان وأمام عدد غفير من الإخوان عام 1948م زيف منظمة المم المتحدة وخداعها، فيقول:

أما هيئة الأمم المتحدة ومعها مجلس الأمن فقد أثبتت الحوادث فشلهما الذريع، وتحيزهما الواضح، ووقوعهما الكامل تحت تأثير المصالح الدولية الاستعمارية، وأنهما ليستا أكثر من أداة لتنفيذ مآرب الدول الطامعة، وسترها بستار من الجدل والنقاش تخديرًا للشعور، وكسبًا للوقت، وأنهما ليستا أحسن حالاً من عصبة الأمم البائدة، ولهذا فقد فقدتا تمام الفقدان ثقة الأمم والشعوب، وانصرفت عنهما النفوس والآمال(24).

ثم يكشف هذا الزيف للمنظمة نفسها ويجاهرها بهذا الكلام حينما أرسل ببرقية إلى سكرتير الأمم المتحدة، يندد بانحياز هذه المنظمة إلى الصهيونية العالمية على حساب شعب اعزل فيقول:

إصراركم على المجاهرة بالتحيز للصهيونية والعمل بكل وسيلة على إنفاذ مشروع التقسيم الظالم تجاوز لاختصاصكم، واستفزاز للعالم العربى والإسلامي، وإشعال لنار العداوة والبغضاء، وتعريض لسمعة العاملين بهيئة الأمم المتحدة لاتهام جارح، وقرار هيئة الأمم غير ملزم، ومن واجبكم السكوت والتزام الحياد التام(25).

وأمام غطرسة هذه المنظمة والدول المسيطرة عليها يعلن أن الحل هو الجهاد والتصدي لهذه الدول الاستعمارية، ويدعو الجميع للتوحد في وجه هذه الغطرسة الاستعمارية، فيقول في ذلك:

إن العرب والمسلمين فى بقاع الأرض سيقاومون بكل ما فيهم من شدة هذا العدوان الصارخ ولن يستسلموا أبدا لمشيئة الأمم المتحدة المزيفة ولا لإرهاب الصهيونية الذليلة وقوتها المصطنعة، وسيرى الذين يشكون -أو يشككون- فى مقدرة العرب وقوتهم واستعدادهم للدفاع أنهم واهمون.

ولئن كنا قد تراخينا فى الماضى عن حقنا ولم نستعد له الاستعداد المسلح -كما فعلت الجماعات الصهيونية- فذلك لأنه كان عندنا بقية من إيمان وأمل فى الضمير العالمى ومبادئ الحق والخير التى هتف بها هؤلاء الساسة فى ساعة العسرة، وكنا نريد أن نسد الذريعة ونقطع مادة الاتهام وسوء الظن ونقف عزلا أمام العالم لنبرهن على رغبتنا الأكيدة فى أن يسود السلام(26).

كما تحدث معها بلغة القوة حول ما اتخذته من قرارات ضد مصالح الشعوب المستضعفة، ففي برقية إرسالها إلى رئيس هيئة الأمم المتحدة، يقول:

أرجو أن تبلغوا حضرات أعضاء الهيئة المحترمين الذين يمثلون دول العالم المتحضر أن المؤامرة التى تدبر فى الظلام بين اليهودية العالمية والحكومات الاستعمارية لن تثنى الشعوب العربية والإسلامية قيد شعرة عن مواصلة جهادها المرير بكل الوسائل للقضاء على عصابات الصهيونية وإجلائها عن الأرض المباركة والمحافظة على عروبة فلسطين.

وأن ما يوجه إلى الحكومات العربية من ضغط أو تهديد لن يؤثر فى عزيمة الشعوب وتصميمها على الكفاح. وأن ما تسمعه الهيئة من المندوبين العرب من العبارات اللينة والكلمات المعسولة الطيبة لا تمثل الثورة المضطربة فى صدور الشعوب العربية والأمم الإسلامية، تلك الشعوب التى لن تهدأ حتى تنال هذه الشعوب حقها أو تفنى دونه.

ويضيف

وعلى هيئة الأمم المتحدة أن تنصرف إلى مهمتها الحقيقية، وهى العمل على إقرار السلام فى الأرض، وأن تتدارك ما لحقها فى هذا الميدان من فشل تام، وأن تدع للفلاسفة والمربين من علماء الاجتماع مثل هذه البحوث ﴿وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾[الحج: 41](27).

زاد سخط الإمام البنا على هذه المنظمة التي لم تنصف شعب من الشعوب، كما أنها أصبحت أداة في يد الدول الكبرى وسلاح تلوح به أمام الشعوب الضعيفة، مما وجد فيها نقمة على الشعوب المحتلة وليست نعمة، ومن ثم طالب حكومة بلده من الانسحاب من هذه المنظمة لعدم جدواها، والوحدة مع بقية الدول العربية والإسلامية في وجه الدول الاستعمارية، فكتب إلى رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي برقية طلب فيها إلغاء معاهدة 1936م والانسحاب من الأمم المتحدة، وفتح باب الجهاد لطرد المحتل، فيقول:

إلى رئيس الوزراء

حضرة صاحب الدولة محمود فهمي النقراشي باشا رئيس وفد مصر فندق. بلازا نيويورك:

طالبتم بحق الوادي فى الجلاء التام الناجز والوحدة بوضوح وبيان، وكشفتم عن مساوئ الاستعمار ومخازيه بقوة وبرهان، وصاحب الحق الواضح لا ينتظر اعتراف الناس أو إقرار الآخرين له ما دام هو به مؤمنا وصحبته وصدقه موقنًا.

فاتصلوا بالحكومة المصرية وانتهزوا فرصة اليوم الأغر يوم توقيع المعاهدة المزرية وأعلنوا بطلانها رسميا وإذا لم يجدوا من مجلس الأمن العدل والنصفة فقرروا الانسحاب فى إباء وعزة، ولا عليكم أن تعودوا إلى صفوف المجاهدين، فلن تصل أمة إلى تحقيق الآمال بغير الجهاد والكفاح، وهما ثمن الحرية والاستقلال.

ثم يضيف

ولهذا أرجو باسم الإخوان المسلمين خاصة، واسم شعب وادي النيل عامة أن تنتهز الحكومة المصرية فرصة يوم 26 أغسطس الحالى، وهو يوم ذكرى توقيع هذه المعاهدة المزرية المشئومة، فتعلن بطلانها رسميا، وأنها غير مقيدة بها فى قليل ولا كثير وتخطر بهذا القرار مجلس الأمن وحكومات الدول المختلفة، وتتبع هذا القرار فورا بمستلزماته العملية والقانونية.

والحكومة المصرية حين تفعل هذا لا تزيد أنها صاغت تصريحاتها المتكررة صياغة قانونية، وقدمتها إلى العالم بصورة رسمية، وهى بهذه الخطوة المباركة تصحح خطأ وطنيا وسياسيا دفعت البلاد عنه غاليا فى أدق الساعات وأحوج الظروف دون تقدير أو اعتراف بالجميل.

وإن شعب الوادي بأسره ليترقب هذا القرار بفارغ الصبر حتى يتبدل حزنه فرحا وسرورا، وظلام حياته السياسية ضياء ونورا، ويسلك إلى حريته واستقلاله ووحدته الطريق الطبيعية، طريق الكفاح والجهاد غير مقيد بسلاسل المعاهدات الوهمية أو مخدوع بمناورات السياسة الاستعمارية، وصدق الله العظيم أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾ ﴿[البقرة: 214](28).

المصادر

  1. موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة
  2. موقع الأمم المتحدة.
  3. موقع جريدة المدى
  4. جريدة الإخوان المسلمين، العدد (93)، السنة الرابعة، 8 ربيع ثان 1365/ 12 مارس 1946، ص(3- 4).
  5. جريدة الإخوان المسلمين اليومية ، العدد (394)، السنة الثانية، 26 رمضان 1366/ 13أغسطس1947، ص(1).
  6. جريدة الإخوان المسلمين، 12 مارس 1946م، مرجع سابق.
  7. جريدة الإخوان المسلمين، العدد (89)، السنة الرابعة، 7 ربيع أول 1365/ 9 فبراير 1946، ص(3- 5).
  8. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (184)، السنة الأولى، 16 محرم1366/ 10ديسمبر1946، ص(1).
  9. المصدر السابق: العدد (375)، السنة الثانية، 4 رمضان 1366 ه/22 يوليو 1947م، ص(1).
  10. المصدر السابق: العدد (401)، السنة الثانية، 7شوال 1366/ 23أغسطس1947، ص(1).
  11. المصدر السابق: العدد (402)، السنة الأولى، 8 شوال سنة1366 /24 أغسطس1947، ص(2).
  12. المصدر السابق: العدد (418)، السنة الثانية، 27شوال 1366/12 سبتمبر1947، ص(2).
  13. المقطم، العدد (18164) السنة التاسعة والخمسون، 7 شوال 1366، 23/ 8/ 1947، ص(2).
  14. جريدة الإخوان المسلمين اليومية ، العدد (435)، السنة الثانية، 17 ذو القعدة 1366ه- 2 أكتوبر 1947م، ص(1).
  15. المصدر السابق: العدد (445)، السنة الثانية، 29 ذو القعدة 1366ه- 14 أكتوبر 1947م، ص(1).
  16. مصدر السابق: العدد (485)، السنة الثانية، 18 محرم 1367ه- 1 ديسمبر 1947م، ص(1).
  17. المصدر السابق: العدد (410)، السنة الثانية، 18 شوال 1366ه- 3 سبتمبر 1947م، ص(1).
  18. المصدر السابق: العدد (319)، السنة الأولى، 27جمادى الآخرة1366/ 18 مايو 1947، ص(1).
  19. المصدر السابق: العدد (621)، السنة الثالثة، 30 جمادى الثانية 1367ه- 9 مايو 1948م، ص(1، 5).
  20. مجلة الإخوان المسلمين، العدد (67)، السنة الثالثة، 15 رمضان 1364ه- 23 أغسطس 1945م، ص(3-4، 20).
  21. جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (380)، السنة الثانية، 10 رمضان 1366ه- 28 يوليو 1947م، ص(2).
  22. رسالة مشكلاتنا في ضوء إسلامي: مجموعة رسائل الإمام البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
  23. جريدة الإخوان المسلمين اليومية : السنة الثانية، العدد 424 ، صـ1 ، 4ذو القعدة 1366هـ / 19سبتمبر 1947م.
  24. المصدر السابق: العدد (719)، السنة الثالثة، 2 ذو القعدة 1367ه-5سبتمبر 1948م، ص(1، 4).
  25. المصدر السابق: العدد (551)، السنة الثانية، 6 ربيع الثاني 1367ه- 16 فبراير 1948م، ص(2).
  26. المصدر السابق: العدد (490)، السنة الثانية، 24 محرم 1366ه- 7ديسمبر 1947م، ص(3، 5)
  27. المصدر السابق: العدد (737)، السنة الثالثة، 23 ذو القعدة 1367- 26 سبتمبر 1948، ص(2).
  28. المصدر السابق: العدد (403)، السنة الأولى، 10 شوال 1366 ه/ 26 أغسطس 1947م، ص(1).