حقوقنا نحن المصريون والعرب والمسلمون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حقوقنا نحن المصريون والعرب والمسلمون

بقلم / الإمام حسن البنا

نحن المصريون والعرب والمسلمون لنا حقوق ثابتة لا جدال فيها ولا مراء، وهذا أوان معرفتها والمطالبة بها والحصول عليها.

نحن لا نريد صدقة من أحد، ولا نستجدى الناس شيئا، ولا نريد أن نتعدى على فرد أو شعب صغير أو كبير، فليس العدوان من شيمتنا، ولكنا نريد حقوقنا الطبيعية المشروعة التى ملأت الدول الثلاث الكبرى بريطانيا وأمريكا وروسيا أقطار الدنيا إعلانا لها ونداء بها، وقالت ألف مرة فى صراحة ووضوح: إنها تفنى رجالها وتنفق أموالها وتحارب فى سبيلها.

من حقنا "الحرية"، الحرية الكاملة فى ديارنا وأقطارنا، فنحن بحمد الله شعوب كاملة ناضجة، ليست فى حاجة إلى حماية، أو وصاية، أو انتداب، أو توجيه، أو إرشاد من غيرنا، وإن كنا نؤمن بحاجة العالم كله إلى التعاون والتساند والتكاتف لتصل الإنسانية إلى ما تريد من طمأنينة ورقى وسلام، ولتعوض ما فقدته من أخلاقها ومواريثها ومدنيتها فى هذه الحرب الضروس.

إن بلادنا وأوطاننا مهد الحريات، ومشرق النبوات ومنبع الفلسفات، وباعثة النهضات والحضارات، وأستاذ الدنيا كلها يوم كان أهل الأرض من غيرنا لا زالوا همجا رعاعا يعيشون عيشتهم البدائية فى الأدغال والغابات، ولسنا فى حاجة إلى أن نقيم الدليل على ذلك، فإن التاريخ كله يشهد لنا بعراقة الأصول، وطهارة النفوس، وزكاء الفروع، ويسجل ما أسدينا للدنيا من خدمات، ولا ينكر علينا ذلك إلا جاحد أو مكابر. ونحن فى حاضرنا نتوثب لاستعادة ماضينا، ونتطلع إلى أفضل منه فى مستقبلنا، ونريد أن نساهم فى بناء الحضارة الإنسانية مع الأحرار العاملين.

لهذا كان من حقنا أن نعيش أحرارا فى ديارنا، نتصرف فى شئوننا كما نشاء وكما يتفق مع مصلحتنا ومصلحة الإنسانية التى نؤمن بحقها علينا وعلى كل إنسان. ومظاهر حريتنا معروفة: أن يرحل عن أرضنا كل جندى أجنبى، وأن تمتنع الدول كائنة ما كانت عن التدخل فى شئوننا، فنحن نعرف ما يجب أن نأخذ وما يجب أن ندع، وبقاء الجنود الأجانب فى أرضنا وتدخل الدول بأى شكل فى شئوننا يقضى على حريتنا، ويجعل استقلالنا استقلالا نظريا لا يعدو أن يكون حبرا على ورق علينا تبعاته ومغارمه ولغيرنا ثمراته ومغانمه، ولا يرضى هذا لنفسه شعب كريم. وماذا تجنى الدول الكبرى من احتلال الأمم والشعوب ببضعة آلاف من الجنود؟

إن أريد بذلك الدفاع عن المصالح كما يقولون، فقد أصبحنا فى عصر لا تقوم الحرب فيه على الآلاف ولا المئات، ولكنها حين تقوم سينفر لها كل من فى الأرض جميعا، وتقوم معها قيامة الناس من هذه المدمرات المهلكات. وإن أريد المعنى الرمزى إلى الاحتلال والاستذلال، فقد أصبح هذا المعنى باليا عتيقا رجعيا، لا يساير تطور الزمن، ولا منطق الحوادث، ولا ما تصبو إليه الإنسانية من تعاون صحيح بدافع الشعور والإيمان بالحاجة إلى هذا التعاون. وإذا أريد التخويف، فالشعب الناهض حين ينهض يعتقد أن أقل ما ينتظره الموت فى سبيل غايته، فهو لا يخاف ولا يخشى، وقد نهضنا والحمد لله فلم نعد نخاف.

ثم ما قيمة هذا التدخل السافر أو المقنع فى شئون الدول؟ أليس خيرا منه فى عرف الناس الآن لمصلحتهم تبادل المنافع والمصالح فى صدق وإخلاص ووضوح؟ هذا حقنا الأول لا نعدل به شيئا وسوف نعمل له حتى نصل إليه. وما ضاع حق وراءه مطالب.

حقنا الثانى: "الوحدة". فنحن فى عرف التاريخ، وفى تقسيم الكرة الأرضية، وفى جغرافيا الزمن، وفى منطق الحوادث الاجتماعية والمظاهر الحيوية أمة واحدة، وحدتها الأوضاع والحوادث واللغة والعقائد والدين والمصالح والآلام والآمال، فلن يفصلها شىء، من الذى يستطيع أن يفصل السودان عن مصر وهما قطر واحد؟ ومن الذى يستطيع أن يفرق بين مصر وسوريا (بأقسامها الأربع) والعراق شرقا وبين مصر وليبيا وتونس والجزائر ومراكش غربا؟ بل من الذى يستطيع أن يفصلها عن إيران وأفغانستان وتركيا؟ أو عن القلوب المسلمة المؤمنة فى جميع أنحاء الأرض، وقد وحد بيننا وبينها الإسلام، وسجل ذلك فى الأرض وفى السماء ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[الحجرات: 10]. ومحاولة هذا الفصل محاولة فاشلة، ولئن تأخرت الوحدة المنشودة اليوم فستحقق غدا ولا شك؛ لأن الدنيا تصير إلى هذا، ولا قيام للباطل إلا فى غفلة الحق، وقد صحا الحق وأهله، فليزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.

وحقنا الثالث: "الإسلام". فنحن أمة مسلمة ورثت هذا الدين منذ أربعة عشر قرنا من الزمان فألفته وألفها، وآمنت به ورفعها، وارتضته لدنياها وآخرتها، وجاهدت فى سبيله بدمها وأرواحها وأبنائها وأموالها، واستنقذته مرات من يد الصليبيين تارة، ومن يد التتار البرابرة تارة أخرى، ومن يد الدسائس والمكايد مرات، وقامت فيها معاقله عالية البنيان شامخة الذرى.

ثم هو بعد ذلك كله أرقى نظام اجتماعى عرفته الدنيا، فقد أخذ خير ما فى الديمقراطية من حرية وشورى واعتداد بالفرد وإعلاء لقيمته، كما أخذ خير ما فى الاشتراكية من تقريب بين الطبقات ومساواة بين الناس وتقرير لسلطة الدولة على المصالح العامة، وصاغ ذلك كله صياغة حكيمة، ووصل به إلى أعماق القلوب فقرره فى النفوس شعورا ووجدانا وعقيدة وإيمانا، كما وصل به إلى حياة الناس العملية، فجعله عبادة لله ومحبة للخلق، ومظاهر للحياة اليومية تثبت هذه المعانى العالية فى النفوس، وتقضى على كل ما يخالفها من الشبهات والأوهام والشكوك،وليس وراء ذلك مطمح للمصلحين، ومن هنا بنى الإسلام الأمة النموذجية التى استحقت أن توصف بأنها خير أمة أخرجت للناس!

ذلك هو ديننا الذى آمنا به نظاما اجتماعيا لحياتنا، وصلة بيننا وبين الله تارة وبيننا وبين الدنيا تارة أخرى، ولهذا الدين شعائره العملية ورأيه الواضح فى كل الشئون الحيوية فى الحكم، وفى القضاء، وفى التعليم، وفى البيوت، وفى الشوارع، وفى الفنون، وفى الحياة كلها، ونحن نريد أن نعيش كما يأمر هذا الدين.

هذا الدين لا يفرق وحدتنا، ولا يفصم عروتنا، ولا يشق جماعتنا، فهو بغير المؤمنين به أبر وأعدل وأرحم من أن يظلمهم مثقال ذرة، وهو الذى يعلن مساواتهم التامة بأبنائه متى جمعتهم ذمة التعاون على خير الأمة فيقول "لهم مالنا وعليهم ما علينا". هذا حقنا الثالث سنجاهد حتى نصل إليه وعلى الأمم غير المسلمة ألا تتوجس خيفة من هذه الدعوة إليه فنحن يوم نكون مسلمين حقا شعوبا ودولا سنكون أقوى لبنة فى بناء الإنسانية الجديدة. وسيعلمون.

لقد أعلنت الدول الكبرى بريطانيا وروسيا وأمريكا أنها تحارب فى سبيل حرية الشعوب فى دينها وحكمها ومظاهر حياتها، ولقد وقف المصريون والعرب والمسلمون مع دول الحلفاء فى هذه الحرب وقفة عجيبة وساعدوها فى كل شىء، وساهموا فى المجهود الحربى ماديا وأدبيا وعمليا وروحيا وماليا، وكان لهذا الموقف أثره فى النصر. والروح العالمية الجديدة لا تقبل بعد اليوم المناورات والمساومات ولا تنتظر اللف والدوران، ولكنها تريد العمل السريع الواضح الحاسم، ومن خير الدول الكبرى أن تنصف غيرها لتكسب قلوبها وجهودها.

فإذا أدركت الدول الكبرى هذه الحقائق وآمنت بها وساعدتنا على أن ننال حقوقنا الثلاثة "الحرية" "والوحدة" "والإسلام" فشكرا لها وسنظل ليدها هذه أوفياء.

وإن أبت علينا ذلك فسنعرف كيف ننصف أنفسنا إن لم ينصفنا الناس، وسنعرف كيف نصل إلى حقنا وسنصل بإذن الله.

لسنا مغرورين ولا مخدوعين، ونحن نعرف أننا عزل من السلاح ومن مظاهر القوة المادية، ونحن نشعر أقوى الشعور بما فى أيدينا وأعناقنا وأرجلنا من السلاسل والأغلال، ولكنا مع ذلك سننتصر لأننا مؤمنون، ولأننا اعتزمنا العمل والجهاد بصدق وإخلاص وإرادة لا خيلاء معها ولا رياء، ولأن إرادة الله أن يمن على المستضعفين فى الأرض ويجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين.

سننتصر بأهون الوسائل، وستعرف الدول الكبرى منا ما لم تكن تعرف، ستبعث فضائلنا العليا من جديد، وستظهر روحنا العاصفة الجارفة الجبارة التى سترها حسن الظن وفسحة الأمل حينا من الدهر، وسيردد الهاتف فى الدنيا من جديد:

  • ﴿وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرونَ﴾[القصص: 6].
  • ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾[ص: 88].
  • ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ﴾[غافر: 55].

المصدر: مجلة الإخوان المسلمين، العدد (69)، السنة الثالثة، 29 رمضان 1364ه- 6 سبتمبر 1945م