حمل الأمانة والمسئولية تجاه قضايا الإسلام

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حمل الأمانة والمسئولية تجاه قضايا الإسلام

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

مقدمة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه.. وبعد

فإنه من بين مخلوقات الله التي لا تحصى في كونه الفسيح يقف الإنسان- ذلك المخلوق العظيم- متفردًا متميزًا، بكل ما حباه الله تعالى من قدرات وملكات، ليكون مستأهلاً لحمل الأمانة الكبرى التي ارتضى حملها بعدما أشفقت السماوات والأرض من تبعاتها، أمانة المسئولية عن فعله ودوره، والخلافة عن الله تعالى في أرضه (إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) (الأحزاب: 72).

وليس الوصف بالظلم والجهالة مرتبطًا بمجرد الرضا والتكليف، بل بالغفلة عن مقتضاه، والتفريط الغالب عليه في تبعاته، هو تفريط يفضي إلى الإفساد والشر، في ذات الوقت الذي يؤهله نجاحه في حمل الأمانة إلى ترقية الذات وإسعاد العالم، ومن رحمة الله به أنه ما طالبه بتحقيق الخلافة والوصول إلى الغاية إلا وآتاه وسيلة النجاح في ذلك، وأرشده إلى طريقة الفلاح فيه، وهو الاستمساك بمنهج الله وشريعته، والأخذ القوى به (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30)، (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 38-39)، ومن رحمة الله تعالى له أن أرسل إليه رسله تترى، يحملون دين الحق وشرائع الهدى، ليقوِّموا مسيرة الإنسان، ويضعوا أقدامه على الطريق الصحيح.

ثم جاءت رسالة الإسلام الخالدة خاتمة رسالات السماء لتكون جماع الخير كله، وكلمة الله الأخيرة إلى العالم، ليتحاكم الناس إليها في الدنيا، ويحاسبوا بمقتضاها في الآخرة (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) (طـه: 124-126)، (وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا* مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا* خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً) (طـه: 99-101).

ومع أن المسئولية عن إقامة الدين الحق ونصرته وتحقيق مراده وغاياته هي مسئولية جماعية تسأل عنها الأمة كلها (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: من الآية13) (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا) (الجاثـية: من الآية28) إلا أن المسئولية العظمى أمام الله تعالى يوم القيامة تبقى في الأساس مسئولية كل فرد على حدة، وهل المسئولية الجماعية في حقيقتها إلا محصلة تلك المسئوليات الفردية؟ وهل نجاح الجماعة إلا نتيجة نجاحات الأفراد المكونين لها؟ (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا* اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا* مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء: 13-15) (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا* لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا* وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (مريم: 93-95).

وهكذا تتمازج في الإسلام المسئوليتان الجماعية والفردية، ولا تلغي إحداهما الأخرى أو تقلص منها، فدور الجماعة لا يلغي دور الفرد، ولا نجاح للفرد إلا في مناخ جماعي ييسر أداءه، ويبارك جهده، وينمي ثمرته..

مسئولية الأمة وأبنائها

لقد أراد الله تعالى للأمة التي تحمل رسالته العظمى ودينه الخاتم، ونقوم بالدعوة إليه، والحركة من أجله، والجهاد في سبيله، أن تكون أمة شاهدة على العالمين، رائدة للبشرية، تسير في طليعة الدنيا (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة: 143).

وهذا هو الوضع اللائق بأمة نصبت نفسها لتحمل دين الله الحق، وتقوم بتبعاته الثقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:77-78)

ولا ينبغى أن يظن ظان أن في الأمر محاباة لهذه الأمة، أو استعلاء لها بغير الحق، تعالى الله عن ذلك، فليست أمة الإسلام أمة عنصرية تمجد عنصرًا بعينه من عناصر البشر، أو جنسًا خاصًا من أجناسه، بل هي أمة عقيدة تضم كل من أوى إليها، وآمن برسالتها، بغض النظر عن جنسه ولونه، كما أن أفضليتها مرهونة بأدائها لمهمتها (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) (آل عمران: 110).

فإن تقاعست عنها خسرت تلك المكانة العلية، وحوسبت عن تقصيرها أشد حساب، ثم استبدل بها غيرها ممن يستطيعون حمل الرسالة بحق (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38)، (إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة:39) نعوذ بالله من ذلك المصير.

دين الأمة كلها لا دين النخبة وحدها

إن مقتضى ذلك التوازن بين المسئولية الجماعية والفردية، وذلك التفضيل للأمة المرهون بأداء رسالتها، وذلك الاستبدال القائم خطره حين التقاعس والقعود، أن نفهم أن مهمة حمل الرسالة والجهاد في سبيلها هي مهمة الأمة كلها التي ينبغي على مجموعها وأفرادها النهوض بها، وليست مهمة أفراد منها أو نخبة أو صفوة من أبنائها، وليست أيضًا مهمة جماعة من جماعاتها أو حزب أو فريق بعينه دون غيره، ونحن بذلك لا نلغي دور النخبة والصفوة من الأمة، أو نقلل منه، فلابد لكل أمة من جماعة تقود، وترتاد الطريق، وتعطي المثل والقدوة، ومثل ذلك في حال أمتنا أكثر فرضًا وأشد إلزامًا، كما لا نلغي دور بعض الأفراد من الأبطال والزعماء الحقيقيين الذين ينبهون الأمة إلى مواطن الخطر، أو مواضع الإنجاز، هؤلاء الملهمون الذين يصرخون حين تلتبس على الأمة السبل: "ها هنا الطريق"..

لسنا نقلل من هذا الدور ولا ذاك، بل إن جماعتنا (الإخوان المسلمون) في القلب من هذه الجماعات الرائدة، ورجالنا الكبار كالشهيد حسن البنا والشهيد أحمد ياسين في مقدمة هؤلاء الرجال.. إنما ننبه إلى أن نجاح ذلك الدور مرهون بتفهم الأمة له، ومؤازرتها ونصرتها ودعمها لمن يقومون به، وفهمها أن دور أولئك الرواد ليس بديلاً لدورها، وليس مبررًا؛ لأن تنفض يدها من المسئولية الملقاة على عاتقها، والمحاسبة أمام ربها عنها، ظنًا أن فصيلاً من أبنائها كفوها مؤنة ذلك العبء الثقيل.

إن بعض الناس يسيئون فهم قضية فروض الكفاية وفروض العين، ويضعون أمر نصرة الإسلام والدفاع عنه والجهاد في سبيله في خانة فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين، ويحسبون أن قيام البعض بذلك الفرض يعني الانصراف عنه أو خذلانه، وربما تعويقه والعمل على نقيضه، وذلك خطر ذميم، (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف:4)، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:71).

(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) (النحل: 92)، كما أن الفهم الصحيح لفرض الكفاية يقضي بأنه "إذا قامت به جماعة سقط عن الباقين"، والله يعلم- والناس أجمعون يعلمون- أنه لم "يقم" بناء الإسلام الكامل بعد ما انتقصه منه أعداؤه.. وأن المتصدرين لنصرة الإسلام والعمل له غير قادرين وحدهم على القيام الحق بذلك الفرض في تلك الظروف العالمية المعادية للإسلام، والمتربصة بأهله.. وكيف يُظن بهم القدرة على ذلك وكثير من المسلمين يرتضي لنفسه مقام الغفلة من دينه، والجهل به، أو العداء له ممن ينتسبون إليه؟؟

المسلمون جميعًا مسئولون عما يحدث في فلسطين

وحين نفقه هذه القضية حق الفقه سوف ندرك قدر تقصير الأمة في حق قضية أهلنا في فلسطين، الذين بذل أبطالهم وجماعاتهم المجاهدة ما يملكون من أجل نصرة قضية المسلمين الأولى، وسط تآمر دولي، وعداء صهيوني أمريكي، وتخاذل عربي إسلامي مرير.. وكأن تلك قضيتهم وحدهم، وكأن تحرير المسجد الأقصى الأسير وكل ذرة تراب في أرض الإسراء ليس فرضًا لازمًا على كل مسلم، وكأن الخطر الصهيوني لا يتهدد صراحةً جيران فلسطين؛ القريبين والبعيدين على السواء؛ وكأن الترسانة النووية الصهيونية وأقمار التجسس الصهيونية إنما نُصبت لأجل حماية أمن الصهاينة المزعوم من الداخل الفلسطيني المقاوم!!

وكيف يسع المسلمين في دينهم الاكتفاء بمواقع المتفرجين وهم يشاهدون جنازات الشهداء اليومية في فلسطين، وأقصى ما يحرك كثيرًا منهم هو مشاعر الألم والحسرة والعجز؟؟

لا ريب أن مقاومة المشروع الصهيوني ودعم الجهاد في فلسطين فرض عين على كل مسلم أيًا كان موقعه وقدرته.. حكامًا ومحكومين على السواء، سواء كان ذلك الدعم ماديًا أو معنويًا، بإمداد المجاهدين ونصرتهم، أو بحمايتهم من خطر الاختلاف الداخلي الذي يهدد مكتسبات جهادهم وثمرة نضالهم..

وفي العراق أيضًا

وما يصدق على فلسطين يصدق على العراق الذي يتعرض في هذه الآونة لمحاولات حثيثة لتشويه جهاد أهله ومقاومة أبنائه.. إن ذلك الوطن الحبيب الذي دمرت أمريكا وحلفاؤها معالم الدولة وعلائم الحضارة فيه- في جريمةٍ لن ينساها التاريخ- يُعاني من اختراق أجهزة المخابرات المعادية للإسلام لبعض جماعاته، وإن عمليات الاختطاف والقتل المريع الذي يتعرض له بعض هؤلاء المختطفين على نحو يهيج الرأي العام، ويثير العداء للإسلام، ويعطي أعداءه الفرصة لتشويه مبادئه وأخلاقه، إن تلك العمليات أصبحت الآن وسيلة للضغط على بعض الحكومات العربية للتدخل في العراق بإرسال قواتها إلى هناك، مما يشكل إخراجًا لأمريكا من مأزقها، وقد بدأ أنصارها وحلفاؤها في ترك العراق، والنجاة من مستنقع احتلاله، وما حدث لأحد الدبلوماسيين المصريين الذي اختطف أخيرًا هناك يسير في تلك الطريق، ونحن نهيب بالحكومات العربية والإسلامية أن تنتبه إلى أبعاد هذه المؤامرة، وتسعى في إحباطها.

قضية السودان ودارفور

إن إثارة قضية دارفور وتفجر الحروب الأهلية فيها في هذه الآونة بالذات أمر يدعو إلى التأمل والحذر، فمشكلات السودان والتباين بين أجناسه وطموحات بعض جماعاته وقواه السياسية والاجتماعية أمر قديم، وله نظائر وأشباه في عديد من الدول.. وقد تباطأ العرب والمسلمون كثيرًا في مدِّ يد العون إلى ذلك القطر الشقيق، وتركوه يعاني الاضطرابات والفتن وحده، رغم ما يمثله السودان من قدرات اقتصادية وسياسية واسعة، وبرغم ما يمثله من عمق إفريقي إسلامي ينبغى الإفادة منه.

إن أعداء الإسلام يبحثون عن مواطن الضعف والاختلال في بلدانه لتفجيرها، وشغل الأمة بها، وتفتيت قدرتها على المواجهة والاحتشاد من أجل قضاياها الرئيسة، وكأنَّ الأمة لم تكفها جراحها الدامية في فلسطين والعراق وأفغانستان وفي كشمير والشيشان، وفي غيرها، حتى يُنكأ جرح جديد في دارفور بالسودان.

وقد استطاعت الضغوط الأمريكية والأوروبية على حكومة السودان- في غياب أو ضعف الدور العربي والإسلامي- أن تفرض على الحكومة هناك توقيع اتفاق سلام مع الانفصاليين في جنوب السودان، يضمن لهم حق تقرير المصير، الذي قد يؤدي- لا قدر الله- إلى انفصال الجنوب عن الشمال.. ثم استدارت هذه الضغوط إلى غرب السودان في دارفور لاستغلال الاحتراب الداخلي بين أبنائه، وتدويل الصراع الدائر هناك، حتى بات عرض قضية دارفور على مجلس الأمن الدولى لاستصدار قرار بشأنها مسألة وشيكة الحدوث.. ومجلس الأمن مطواع للإدارة الأمريكية، والشرعية الدولية غدت أداة لتحقيق الإرادة الأمريكية حين تشاء، وقد تهجرها أمريكا حين تشاء، فلا تبكي عليها عين، كما حدث حين غزت العراق، وحين تجاهلت قرار محكمة العدل الدولية بشأن جدار الفصل العنصري الصهيوني في فلسطين، وحين وقف الفيتو الأمريكي في كل مرة مدافعًا عن الكيان الصهيوني المتغوِّل على حقوق العرب والمسلمين!!

ونحن الذين أعطينا الفرصة لأعدائنا لتشديد الحصار علينا، وطرح قضايانا الداخلية على المجالس الدولية التي تحقق مخططات هؤلاء الأعداء، وتعطيها الشرعية الدولية المزعومة.. نحن بتقاعسنا وتخلينا عن دورنا في كل مرة من نعطيهم الفرصة تلو الأخرى.

ولنا أن نتساءل لماذا لم تنعقد جامعة الدول العربية لبحث هذه القضية؟ ولماذا لم يتحرك حاكم عربي واحد لزيارة السودان وبحث مشكلاته وتقديم العون لأهله؟ وأين دور منظمات الإغاثة وصناديق التنمية العربية.. إلخ؟؟

إننا مع تحقيق حل عادل لمشكلات دارفور وأهله.. وتوفير الحياة الكريمة اللائقة بساكنيه، وكلهم من المسلمين سواء كانوا عربًا أم أفارقة، ونحن نجرم الاقتتال الداخلي بين أهله، فلكل دم مسلم حرمته، كما قال رسولنا- صلى الله عليه وسلم- "كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه"، ونحن مع نزع السلاح المتزامن والمتكافئ بين الفريقين المتقاتلين فيه، نزعًا يستهدف أمن الفريقين، وليس تقوية أحدهما على حساب الآخر، فيحدث ما لا يُحمد عقباه.

وإننا نهيب بكل القوى الإسلامية والعربية- الرسمية والشعبية- للتحرك السريع لإنهاء محنة المسلمين في دارفور، في إطار البيت العربي والإسلامي، وعلى نحوٍ يحقق للسودان وأهله النجاة من شراك التآمر الأمريكي الذي لا يريد خيرًا لأحد من أبناء السودان أو الإسلام.

(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) (غافر:44)

القاهرة

في: 12 من جمادى الآخرة 1425هـ

29 من يوليو 2004م.