حول ميلاد لمسيح عليه السلام وزلزال إيران

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حول ميلاد لمسيح عليه السلام وزلزال إيران

رسالة من المستشار محمد المأمون الهضيبي

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه...

وبعد،

تمر في هذه الأيام ذكرى ميلاد المسيح عليه السلام، وهو واحد من أولى العزم من الرسل، الذين جعل الله سيرتهم قدوة للعالمين ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ (الأنعام: من الآية90) وجعل سبحانه من صميم عقيدة المسلمين الإيمان برسل الله جميعًا، وأنهم في الذروة من خلقه، نبلاً وعلمًا، وجهادًا وطهرًا، وعطاءً وصبرًا، فقال تعالى:

﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (البقرة:136)، وقد ذكر الله تعالى قصةَ ميلاد عيسى عليه السلام وبعثته، فأحاطها بالإجلال والتكرمة، في إطارٍ من التوحيد المطلق لله عز وجل، فقال سبحانه:

﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ، قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ، وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ﴾ (آل عمران:45-49) واحتفى القرآن الكريم بالسيدة مريم العذراء فقال الله- سبحانه-:

﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾(آل عمران:42،43)، وردّ افتراءات اليهود على طهرها، وكرامتها، بل إن إحدى سور القرآن التي يتعبد المسلمون بتلاوتها أبد الدهر تسمى سورة مريم.

ونجد في سيرة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أن اتباع المسيح حقًا كانوا أقرب الناس مودة للذين آمنوا ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ (المائدة:82) وقد امتدح النبى عليه الصلاة والسلام أحدهم وهو النجاشى ملك الحبشة، وأمر بعض أصحابه بالهجرة إليه، ناعتًا إياه بأنه "لا يظلم عنده أحد"..

وعلى ذلك فنحن نهنئ كلَّ أتباع المسيح من المؤمنين به في كافة أرجاء الأرض؛ بذكرى ميلاده، ونهنئ بخاصة جيراننا في الدار وشركاءنا في الوطن الإسلامي بتلك المناسبة، ونجدها فرصة سانحة للتأمل في التعاليم الصادقة التي أمر بها المسيح عليه السلام، من الرحمة والسلام والحب الذي يفتقده عالمنا اليوم في كثيرٍ من أنحائه، وقد كانت تلك الرحمة علامة المؤمنين حقًا بالمسيح عليه السلام، كما أخبرنا الله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً ﴾ (الحديد: من الآية27).

وفي هذه المناسبة الكريمة نخاطب ضمائر المؤمنين بالمسيح حقًا، والغيورين على دينه، والقائمين على دعوته إلى السلام والمحبة- ونحن شركاؤهم في الإيمان بالمسيح والغيرة على ميراثه- نخاطبهم أن نقف صفًا واحدًا للحفاظ على ذلك الميراث العظيم، وألا يشغلنا صخب الاحتفال بالميلاد عن تأمل نصيب البشرية في واقعها وممارستها من دعوة الحق التى جاء بها المسيح عليه السلام..، وأن نرد عنها عادية المعتدين وتزييفهم.

لقد جاء المسيح يدعو إلى الإيمان المطلق بالله تعالى وقدرته.. فأين تلك الدعوة الآن من سيل الهجوم على الإيمان، وتحقير أهله، وكيْل الاتهامات لهم، وتزيين الإلحاد والدفاع عنه؟! ذلك السيل القادم من الغرب الذي يعلن إيمانه بالمسيح ودينه؟

وجاء المسيح يدعو إلى الأخلاق الكريمة، من العفة والحياء، والشرف والفضيلة، والبر والمرحمة، والصفح والغفران، وهو نفس ما دعا إليه إخوانه من الأنبياء والمرسلين على مدار تاريخ الرسالات، فأين ذلك كله بما تعانيه البشرية اليوم من ويلات وحروب، وأحقاد وضغائن، وتدابر وتآمر؟ ومن عجب أن يتسبب في جل هذه المعاناة جماعات ممن يزعمون الانتساب إلى المسيح ودينه، في أوربا وأمريكا الذين شادوا حضارة العنف والعنصرية والانحلال الأخلاقي، إن أمتنا الإسلامية هي أكثر من تعرض لهذه الضروب من المعاناة والقهر، وقد فرق الضمير الإسلامي دائمًا بين حقيقة الإيمان بالمسيح عليه السلام وأفعال من ينتسبون زورًا إليه، ويسعون في الأرض فسادًا، فالمسيح عليه السلام بريء ممن استعمر بلادنا، وأذلَّ أهلنا، ونهب ثرواتنا، وأشاع في أمتنا الفاحشة والخنا عبر وسائل إعلامه، وأبواق دعايته، ورسل ثقافته، وإن تستر وراء الدين، ورفع رايات الصليب.

والمسيح عليه السلام بريء ممن غرس في بلادنا المشروع الصهيوني، ووقف وراءه داعمًا بالمال والسلاح والرأي والكيد، وسكت عن جرائمه التي تترى كل يوم في أرض فلسطين، بل تواطأ مع عصابات الصهاينة ليظل شعبنا في أرض الرسالات هو الوحيد دون شعوب الأرض كافة الذي يئن تحت الاستعمار العسكري بمفهومه القديم.

والمسيح عليه السلام بريء ممن أسال شلالات الدم في أفغانستان ثم العراق بزعم الحرب على الإرهاب!، دون أن يقدم على دعواه دليلاً، فانتهك الحرمات، وروَّع الآمنين، واستعبد الشعوب، وقتل الشيوخ والأطفال والنساء، ودنَّس المقدسات وسرق الثروات، وترك في كل بيت حزنًا ومرارة، ليجرب في بلادنا جديد سلاحه، ويتباهى بغرور قوته، وموفور دهائه وحنكته، وليترك بين شعوب الأرض مزيدًا من مشاعر الكراهية والعداء، ناقضين شعار المسيح عليه السلام الذي جاء ليؤكد أن المجد لله في الأعالى، وعلى الأرض السلام، وللناس المسرّة.

وأين دين المسيح عليه السلام ممن يزعمون النسبة إليه ويشيعون الفاحشة في الأرض، ويلهبون البشرية التائهة بسعار الجنس ونيران الشهوات، ويهدمون بنيان الأسرة، ويرفعون رايات الحرية الجنسية بغير ضابط، ويدافعون عن الشذوذ من العرى والزنا؟

بل إن بعضهم يعلنون الحرب على حجاب الفتيات المسلمات، أو لم تكن مريم العذراء محجبة؟ أليست صورها في الكنائس والأديرة- كما يعتقد النصارى- مغطاة الرأس بادية الاحتشام، ألم يقل بولس في رسالة كورنثوس الأولى:

أحكموا في أنفسكم:

هل يليق بالمرأة أن تصلي إلى الله وهى غير مغطاة؟ ألم يقل في رسالة تيموثاوس الأولى: "النساء يزينَّ ذواتهن بلباس الحشمة، لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن"؟

فإذا كانوا يقرون أن المرأة في دين المسيح مطلوب منها غطاء الرأى وثياب الحشمة، وإذا كانت الراهبات في الكنائس والأديرة يلتزمون بذلك فلمَ يحارب حجاب المسلمات؟ على حين يشجع العرى وتمتدح الفاحشة حتى تشيع في الشوارع والمنتديات ودور العلم، وتؤسس للترويج لها الهيئات والمنظمات، والصحف والإذاعات.

أيها الأخوة الأحباب

تلك وقفة أردنا الوقوف عندها بين يدى ميلاد المسيح عليه السلام، وتهنئة نزجيها لكل المؤمنين به، آملين ألا يشغلنا صخب الاحتفال به عن حقيقة دعوته ورسالته، وسيكون المسيح عليه السلام أسعد حالاً وأقر عينا، لو تكاتف أتباعه ليجعلوا عالمنا الذى يموج بالشقاء والألم أفضل مما هو فيه.

أيها الأخوة الأحباب:

وقبل أن ينصرم عامنا هذا هزَّت قلوبنا ومشاعرنا أخبار كارثة الزلزال المروع الذي ضرب إحدى مدننا في إيران فأتى عليها دورًا وأهلين، وخلَّف وراءه قرابة سبعين ألفًا من الضحايا والمصابين أو يزيدون.. ونحن إذا نتقدم بوافر العزاء لأهلنا في إيران، ولحكومة الجمهورية الإيرانية وأسر الضحايا والمصابين لنناشد عالمنا الإسلامي أن يكون على مستوى هذه الكارثة تضامنًا وإخاء وعونًا "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر".

ونرجو أن تنشط هيئات الإغاثة الإنسانية والإسلامية لمواجهة كارثةً بهذا الحجم المروع، وأن تتكاتف جهودنا العلمية حكومات ومؤسسات للتخفيف من آثار تلك الكوارث في المستقبل؛ بمراعاة الأسس السليمة في البناء والتشييد والرصد المبكر للزلازل وغيرها.

وإذا كان بعض الغافلين لا يمتد بصره في مثل تلك الأحوال إلى أبعد من الزعم بأن تلك الزلازل ظواهر طبيعية لا حكمة من ورائها، ولا عبرة من جرائها، فإن المؤمنين بالله تعالى يرون الأمر على خلاف ذلك؛ فالكون كله في قبضة الخالق سبحانه يصرفه كيف يشاء ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ (الأنعام:18)، ويأخذ عباده بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون، فمنهم من يرقّ قلبه، ويجيد الفهم عن ربه، ومنهم من يقسو فؤاده وتنغلق بصيرته ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام:43)، ولأن الأمر يختص بطلاقة قدرة الله تعالى ومشيئته فإن أهل الإيمان على حذرٍ دائمٍ لا يطمئن من مكر الله عز وجل ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ (لأعراف:97-99).

وإن زلزلة في الدنيا لجديرة أن تهزّ مشاعرنا تخوفًا من زلزلة الآخرة ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ (الحج:1-2) وها نحن نرى أن الموت يأتى بغتة.

على أن نظرةً أخرى تلحّ على خواطرنا في حنايا تلك الكارثة، إن عدد ضحايانا الذين يذهبون في مثل تلك الحالات يُقدر بعشرات الألوف، وكأنها رسالة من الله تعالى إلى جميع المجاهدين من أجل الإسلام وعزته في أرجاء الأرض أن لا تستكثروا تضحياتكم في جنب الله تعالى، فإن مثيلها وأضعافها قد يذهب في غير قضية، وفي لمح البصر أو هو أقرب، وإن الله تعالى الذى شرفكم بهذا الجهاد في سبيله جديرٌ أن يهوّن علينا حبّ الدنيا، ويدخر لنا كريم الشهادة في سبيله، خير ميتةٍ يموتها كلّ حر نبيل.. وكأنها رسالة أخرى لهؤلاء المشفقين من القاعدين عن الجهاد، أو التقاعس عنه رغبة في البقاء، أن لا تركنوا إلى ما أنتم فيه من دعة، ولا تقبلوا الضيم والذلة من أجل مزيدٍ من الحياة، فهى ليست ملكًا لكم، وسوف تنتزعون منها حين يشاء الله تعالى، وكيف يشاء، ثم تحاسبون على ما فرطتم في جنب الله ﴿ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (آل عمران: من الآية154).. نسأل الله لنا ولكم المعافاة..

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية21).

المستشار محمد المأمون الهضيبي