حين خرجت مصر ولم تعد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بقلم / الأستاذ فهمي هويدي

خريطة السودان.jpg

أبرزت الصحف المصرية يوم الاثنين الماضي 21/6 خبر استياء مصر ودهشتها إزاء التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية السوداني عن ضعف دور مصر في السودان وتواضع معلوماتها عن تعقيدات الحياة السياسية هناك.

وذكرت الصحف أن وزير الخارجية السيد أحمد أبوالغيط طلب من سفير مصر لدى الخرطوم أن يستفسر من الخارجية السودانية عن حقيقة تلك التصريحات، التي أدلى بها السيد على كرتي فى إحدى الندوات هناك.

وفي الرد على كلام الوزير السوداني قام المتحدث باسم الخارجية المصرية، السفير حسام زكي بواجبه إزاء الحكومتين المصرية والسودانية معا، فقال إن مصر تقف إلى جانب السودان في كل قضاياه. (وليست غائبة كما قيل) ــ وإن المسئولين السودانيين يقدرون أهمية الدور المصري، في إيحاء بأن السيد كرتي الذي تولي منصبه حديثا ليس على إحاطة كافية بملف العلاقات بين البلدين.

من جانبي اعتبرت أن الخبر ليس كلام الوزير السوداني عن ضعف دور مصر في السودان، ولكن الخبر الحقيقي أن الوزير المصري ليس مدركا لهذه الحقيقة.

ذلك أن ما قاله السيد كرتي ليس اكتشافا ولا هو رأي شخصي. ولكنه تعبير صادق عما يتردد في كل المنتديات التي يصادفها المرء في الخرطوم. بل هو رأي أي مهتم بالشأن السوداني في مصر. وكنت واحدا من الذين سجلوا هذه الملاحظة، حتى تساءلت عما إذا كان وضع مصر في السودان نموذجا للغيبة أم الغيبوبة، واعتبرته من تجليات الإخفاق في السياسة الخارجية المصرية (الشروق١-٦).

في هذا الصدد أزعم أنه إذا كان هناك من تحفظ على ما قاله السيد علي كرتي، فهو أنه لأسباب دبلوماسية في الأغلب، قصر الحديث عن ضعف مصر الخارجي فيما خص السودان وحدها ولم يعممه، لأن الشهادة الأصوب والأدق تقرر أن ذلك الضعف والتراجع أصبح سمة لازمة للسياسة الخارجية المصرية كلها.

وهذا أيضا ليس خبرا جديدا ولا اكتشافا أيضا، ولكنه رأى كل الغيورين على مصر في داخل البلد وخارجه. إذ فضلا عن أنه محل إجماع في أوساط الجماعة الوطنية المصرية، فإنه رأي يتردد في مشرق العالم العربي ومغربه. والذين يقدر لهم أن يطوفوا أو يلتقوا مثقفي تلك البلدان وسياسييها سوف يسمعون ملاحظة محل إجماع خلاصتها أن المصريين حاضرون لكن مصر خرجت ولم تعد

في الرباط شهدت مناقشة، بدت وكأنها حفل تأبين، تحدث المشاركون فيها عن محنتين تواجهها الأمة العربية الآن،

الأولى أن مصر غابت عن ساحة الفعل وموقع القيادة منذ وقعت معاهدة كامب ديفيد في عام 79، والثانية أن فراغها لم تملأْه دولة أخرى حتى الآن.

شاهدت السيد أحمد أبوالغيط على شاشة التليفزيون المصري ذات مرة وهو يتحدث عن حجم مصر ودورها الكبير. وقد نفخ في ذلك الدور بالقدر الذى أسعفته به إمكانياته اللغوية.

وعلى الرغم من أن ذلك صحيح من الناحية التاريخية، كما أنه ما نتمناه حقا وصدقا. فإنه لا بد يعلم أنه ليست هناك علاقة حتمية بين الحجم والدور، وإلا كانت بنجلاديش الأكثر سكانا أهم من مصر، كما أنه لا بد يعلم حقيقة الدور الذي تقوم به إسرائيل في العالم العربي والولايات المتحدة.فى حين أن عدد سكانها يعادل سكان اثنين من أحياء القاهرة هما شبرا والسيدة زينب.

وإذا لم يكن يعلم أنه منذ وقعت مصر معاهدة الصلح مع إسرائيل، فإن ذلك كان إيذانا بخروج مصر من المشهد العربي، وارتباطها بتحالف لا يضع المصالح العربية العليا في المقام الأول.

وموقف مصر من الملف الفلسطيني ومن حصار غزة يجسد ثمار ذلك التحالف، علما بأن ذلك الملف هو الورقة الوحيدة التي تمسك بها مصر، لأسباب متعلقة بالجوار المفروض، الذى أرغم الفلسطينيين على ذلك، ووصفه بعضهم بأنه من تجليات «قهر الجغرافيا».

إن الدور ليس قضية لغوية، تفرضها العبارات الرنانة وتروج لها الطنطنة الإعلامية، كما أنه ليس وقفا على أحد بذاته مكتوب باسمه على مر الأزمنة، ولكنه موقف ومسئولية لها استحقاقات، من قام بالوفاء بها استحق مكانته، ومن تخلى عنها خسر تلك المكانة.

لذلك فإن تصريحات السيد أبوالغيط والمتحدث باسم وزارته تظل دخانا في الهواء وقعقعات إعلامية فارغة، إذا لم تترجم إلى واقع ملموس على الأرض، يراه الناس ويحترمونه.


المصدر: مدونة فهمي هويدي