خسائر مسلسلات رمضان.. إهدار المال والفن
28-07-2012
تحقيق: رسمية صلاح ومروة سامي
مقدمة
- - د. علي منصور: ضعف التسويق ينذر بخسائر مادية فادحة
- - محسن راضي: فقر فني كبير لا يتناسب مع ضخامة الإنتاج
- - جمال يونس: مقاطعتها واجبة للاستفادة من كنوز رمضان
- - د. ليلى رجب: تأثيرات سلبية كبيرة في سلوكيات الأسرة
1500 مليون جنيه.. رقم قياسي جديد سجلته شركات الإنتاج الفنية في مصر على مستوى الوطن العربي والإسلامي، حين أنفقت مليارًا ونصف المليار جنيه على إنتاج نحو 55 مسلسلاً تلفزيونيًّا؛ لتعرضها الشاشات الصغيرة في شهر رمضان!.
وذكر تقرير لشبكة "سي إن إن" الأمريكية أن تكلفة أحد المسلسلات تخطَّى الـ70 مليون جنيه، وحصل الممثل الذي يؤدي الدور الرئيسي فيه "عادل إمام" على أجر 12 مليون جنيه، وأتت بعده عدة مسلسلات بتكاليف ما بين الـ50 والـ40 مليون جنيه، وتراوحت أجور الممثلين فيها ما بين 12 مليونًا إلى 7 ملايين جنيه للمثل الواحد، بالتزامن مع أزمة اقتصادية كبيرة يعاني منها غالبية المصريين!.
والأكثر استفزازًا أن الشعب وهو يشاهد ويراقب الملايين التي يتم إنفاقها على أجور أبطال المسلسلات يقاطعه كل نحو 15 ساعة إعلان أو نداء استغاثة للتبرع إلى أحد المستشفيات أو الجهات الخيرية التي تحاول كفالة قوت يوم وعلاج ملايين المواطنين!.
وتبلغ ميزانية اتحاد الإذاعة والتليفزيون للعام الحالي 4.5 مليارات جنيه مصري والدخل المتوقع هو 1.7 مليار جنيه، وهو ما يعني أن خسائر ماسبيرو في السنة الحالية ستكون أكتر من 2.7 مليار جنيه مصري.
اللافت أيضًا هو إطلاق موقع "يوتيوب" قناة متخصصة لعرض مسلسلات رمضان, وللمرة الأولى على الإطلاق؛ بحيث يستطيع الملايين من مشاهدي التليفزيون حول العالم مشاهدة ما يزيد عن 50 مسلسلاً خلال شهر رمضان في نفس اليوم ووقت إذاعته على شاشة التليفزيون!.
اخطف واجري
بدايةً.. يوضح الدكتور علي حافظ منصور أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة أن الإنفاق الخيالي على مسلسلات رمضان هذا العام إسراف لا معنى له، في ظل ما تعانيه مصر من فقر واقتصاد منهار، مشيرًا إلى أنه كان من الأولى توجيه هذه المبالغ الطائلة في مشروعات صغيرة، استثمارات تساعد على دفع عجلة الإنتاج.
ويعتبر منصور أن ذلك يعد تبذيرًا وإهمالاً من الدولة وانعدام للرقابة, خاصةً أن البلد على وشك الإفلاس وتعاني من الفقر الاقتصادي, مشيرًا إلى أن وسائل الإعلام والفضائيات تتبع مبدأ "اخطف واجرى" للحصول على المكسب بأي طريقة، مستغلةً الظروف المضطربة التي تعاني منها البلاد.
ويوضح أنه من الممكن تطوير إنتاجية ونوعية تلك المسلسلات لمنافسة تركيا ولبنان وغيرها، ولكن ذلك لن يتم إلا من خلال تسويق جيد لتلك المسلسلات، لمحاولة تقليل الخسائر المتوقعة من جراء هذه التكاليف الضخمة لهذا الكم من الأعمال.
وشدد على ضرورة مراعاة روحانيات الشهر الكريم في إنتاج المسلسلات الدينية والتاريخية التي تتناسب مع شهر رمضان، وتعمق الإحساس بالهوية، بدلاً من غيرها التي تهدم القيم والأخلاق.
فقر فني!
ويشدد النائب محسن راضي وكيل لجنة الثقافة والسياحة والإعلام بمجلس الشعب ورئيس شركة "الرحاب" للإنتاج الفني على أن هذه التكاليف الضخمة لهذا الكم الكبير من المسلسلات يعد إهدارًا للمال وإنفاقًا في غير موضعه.
ويضيف أنه من الضروري ترشيد الإنفاق، خاصةً خلال الفترة الحالية التي تمر بها مصر اقتصاديًّا، مؤكدًا أهمية إعادة التعامل مع هذا الشهر الكريم بطريقة أخرى أكثر مثالية.
ومن الناحية الفنية يقول راضي إن أغلب هذه الأعمال الفنية المعروضة في شهر رمضان فقيرة فنيًّا، ولا تحتك مباشرةً بوجدان المشاهد أو تتلاقى مع احتياجاته، مشددًا على ضرورة أن تكون هناك رؤية فنية جديدة تتناسب مع طبيعة المرحلة وتتسق مع قيم وأخلاقيات المجتمع المصري الأصيلة.
تأثير سلبي
وتقول الدكتوره ليلى رجب مستشار نفسي وتربوي ومدير مركز "أوراك للتدريب والاستشارة" أن للمسلسلات تأثير سلبي في القيم والأخلاق، وذلك وفقًا للعديد من الأبحاث التي تفيد بأن أخلاقيات المشاهد تتأثر بها وهناك بعض الأشخاص الذين تتغير معتقداتهم وأفكارهم وتجعلهم مسلوبي الإرادة، مشددةً على ضرورة أن تقيّم الأسرة ما تشاهده ويعرض على أطفالها.
وتضيف أن استثمار الوقت في هذا الشهر العظيم من خلال المشروعات الخيرية والأنشطة المجتمعية أفضل من تضييعها على مشاهدة هذا الكم من المسلسلات الذي له تأثير سلبي في حياة الإنسان، فضلاً عن أنها تهدم منظومة القيم والأخلاق.
وتدعو الشباب إلى المشاركة بحماس وفعالية مع الحملات المعلنة، مثل حملة مشروع د. عمرو خالد لمحو الأمية، أو حملات تنظيم المرور والنظافة في ملف الـ100 يوم الأولى للرئيس وغيرها.
ومن جانب آخر تؤكد أهمية ترشيد استهلاك الكهرباء، منتقدةً إهدار الكهرباء على مشاهدة التلفاز لساعات طويلة قائلةً: "نحن نهدر الوقت والمال والجهد، في حين أن مشروع النهضة يحتاج إلى المحافظة على الطاقات والإيجابية والعمل".
تضييع الكنز
وينتقد الشيخ جمال يونس عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الإعلانات والدعاية الضخمة لهذا الكمِّ من المسلسلات في رمضان والتي سبقته بمدة طويلة, والتنافس في العروض، وكأن رمضان أصبح ساحةً للرقص والغناء وليس ساحةً للصوم والعبادة وتزكية الأنفس والتقرب إلى الله.
ويضيف أن شهر رمضان هو أحد كنوز الأمة التي جعلها الله لعبادة مصداقًا لقول النبي: "إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها"، ومن أعظم هذه النفحات هو شهر رمضان، مشددًا على ضرورة الإعداد له جيدًا بما يتناسب مع روحانياته وعظمته.
ويستطرد: فإن كان لا بد أن يكون هناك إنتاجٌ درامي أو استعداد لهذا الشهر فلا بد أن تكون المادة المعروضة متناسبةً مع إجلال هذا الشهر الكريم، وتحقق أهدافه.
ويدعو إلى مقاطعة هذه المسلسلات، مؤيدًا الفتوى التي أصدرها بعض العلماء حول التحريم الكامل لمسلسلات رمضان، قائلاً: أوافق تمامًا على هذه الفتوى؛ لأن ذلك استخفاف بالشهر وتضييع لنفحاته وبركاته.