د. أحمد القاضي في رحاب الله

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
د. أحمد القاضي في رحاب الله

بقلم: د. عصام العريان

قمة التواضع ونبل العطاء والصبر على البلاء

انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الأحد 12/4/2009م الأستاذ الدكتور أحمد القاضي بالولايات المتحدة الأمريكية في ميامي بولاية فلوريدا، الولاية التي عاش بها، وخدم فيها عشرات الآلاف من المرضى كأستاذ في أمراض القلب، قبل أن ينتقل إلى الإمارات العربية المتحدة، ثم يعود أخيرًا للحياة في أمريكا.. مرض عضال أفضى به بعد سنوات صبر واحتساب إلى أن قضى الأجل المحتوم!.

قصة كفاح وجهاد الدكتور أحمد القاضي تستحق التأمُّل والتوقف عندها؛ لأن ذلك الرجل جمع بين الكفاءة في التخصص الطبي الدقيق وبين العمل الدعوي الإسلامي، والدعوة إلى الله في أمريكا وبين البحث العلمي وتطوير أساليب حديثة للعلاج.

كانت البداية في رحلة الخارج للدكتور أحمد القاضي التي استمرَّت منذ مولده عام 1940م من زيارة له وهو شابٌّ إلى أبيه المعتقل في حملة عام 1954 التي شنَّتها الثورة على الإخوان؛

وكما قصَّ عليَّ أخي د. إمام العدس، الذي سافر إلى أمريكا وعاش مع د. القاضي في بيته أو بجواره، وتتلمذ عليه وحاوره طويلاً لشهور عديدة، فقد شجَّعه الوالد رحمه الله على السفر للخارج للدراسة والدعوة، بعد أن وجد بجواره في المعتقل زميلاً لابنه، فكان قراره بالسفر إلى النمسا ليحصل هناك على بكالوريوس الطب والجراحة، ثم ينتقل إلى أمريكا ليحصل على المعادلة الأمريكية والبورد الأمريكي، ويبدأ رحلة التخصص في جراحة الصدر والقلب.

عندما نجح د. أحمد القاضي في التميز في تخصصه؛ لم يكتفِ بعيادة صغيرة، بل أسَّس "أكبر كلينك" كمستشفى خاص، ثم مؤسسة أكبر للعلوم والتكنولوجيا للبحوث والتطوير، والتي بدأ فيها برنامجه لاستضافة دراسية من العالم الإسلامي للتدريب.

د. [[أحمد القاضي] كان رمزًا إسلاميًّا معروفًا، يرأس منذ بداية الثمانينيات الجمعية الإسلامية لمسلمي أمريكا الشمالية "إسنا"، وهي ناطقة بالإنجليزية، ووضعت المسلمين المهاجرين والزائرين للدراسة في أمريكا على خريطة العمل العام؛ مما كان يبشِّر بإقامة لوبي إسلامي بأمريكا، خاصةً مع استضافة "إسنا" لدعاة ومحاضرين ودبلوماسيين، مسلمين وعربًا.

التقيت لأول مرة بالمرحوم بإذن الله د. أحمد القاضي في أحد هذه الملتقيات، عندما صاحبت المغفور له بإذن الله المرشد العام الأستاذ عمر التلمساني عام 1983/1984 في المؤتمر السنوي للجمعيتين "إسنا" والأخرى "مايا" التي كانت ناطقةً بالعربية كرابطة للشباب المسلم العربي في أمريكا، وكان كل أعضائها تقريبًا من الطلبة العرب الدارسين بأمريكا.

لا تملك للوهلة الأولى إلا أن تحب الدكتور القاضي، فوجهه هادئ منير مبتسم، وهو قليل الكلام، جمُّ الأدب، عظيم التواضع.شغف الدكتور بالطب البديل، والعلاج بالأعشاب الطبيعية، وتقوية المناعة، والانصراف عن الطب التقليدي، وتجربة أنواع جديدة من العلاج كانت سببًا في انتقاله إلى الإمارات العربية المتحدة.

لم تكن لأمريكا ضوابط صارمة في تسجيل الأدوية والأغذية أو الاعتراف بطرق وأساليب العلاج الحديثة؛ لتسمح له بهذا اللون من العلاج أو التجارب والبحوث، توجَّه الدكتور أحمد إلى الإمارات، وأسَّس مركزًا للطب البديل يتبع كلية طب "دبي"، يعتمد على إزالة السموم من الجسم؛ نتيجة الاعتماد على الأدوية الكيميائية التي جعلها الدكتور العدو الأول للإنسان، والتغذية الخاطئة التي تتسبَّب في إضرار بالغ بالجسم وجهاز المناعة.

لذلك كان د. أحمد القاضي ينصح مرضاه بالتوقف عن تناول الأدوية المعتادة، واتباع نظام غذائي خاص؛ بهدف إزالة السموم، وإعادة التوازن الطبيعي لجهاز المناعة، وتقويته بكل العوالم الطبيعية.

لم يستمر المركز طويلاً؛ لأنه كان يعتمد على الأبحاث والدراسات والمتطوعين، ويحتاج إلى دعم طويل، وحاربته شركات الأدوية العالمية وخذله الأطباء التقليديون ورجال الأعمال الذين شجَّعوه للحضور إلى دبي.

عاد د. أحمد إلى ميامي بفلوريدا مثقلاً بالمرض، وأعباء نفسية؛ نتيجة إغلاق المركز، ونقص الدعم المادي والمعنوي، يعاني من مرض عضال، ونفس مثقلة، طالت به رحلة المرض سنوات، وسط صمت مطبق، حتى انتقل إلى رحمة الله تعالى أرحم الراحمين، تاركًا أرملةً وفية..

هي الأخت إيمان محمود أبو السعود، كريمة العالم الاقتصادي البارز وأحد السابقين من الإخوان المسلمين، الذين ربَّاهم [الإمام الشهيد]] حسن البنا، والذي استقرَّ بأمريكا منذ الخمسينيات في القرن العشرين، وأربعًا من البنات اللاتي تزوجن جميعًا، وعاش ثلاث منهن بجوار أمهن الفاضلة: "سلمى، ومنى، وماجدة، وأميرة"، أسأل الله أن يجعلهن سترًا له من النار؛ حيث أدبهنَّ ورباهنَّ في مجتمع لا يرحم الإسلام، فكنَّ مثالاً للأخوات المسلمات.

رحم الله أخانا الحبيب د. أحمد القاضي، ونفعنا بسيرته، وعلَّمنا من دروسها؛ حيث يستغرب الناس لماذا نتذكر إخواننا الراحلين ونسوْا أن الله تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(10)﴾ (الحشر)؟!

وعلى كل من عاصر أحد الرجال الذين يُقتدى بهم أو يُنتفع بسيرتهم أن يسطِّر للقرَّاء ما يعرفه عنهم؛ حتى تزدادَ الفائدة وتعمَّ المنفعة.

لقد شغفت بالقراءة في صغري، وأحببت كتب التراجم وتاريخ الرجال قبل أن ألتحق بدراسة التاريخ في كلية آداب القاهرة؛ لأعلم أن التاريخ هو المدرسة التي يتعلم فيها كل لبيب، وأن ذاكرة التاريخ هي ذاكرة الأمم، وأن تاريخ الأمم الناجحة القوية هو تاريخ من نبغ فيها من الأفراد الأفذاذ.

في سيرة الدكتور أحمد القاضي رحمه الله تعالى وغفر له دروس وعبر، علينا أن نتوقف عندها لمن أراد المزيد:

  1. قصة التعلم والتعليم في الغرب.
  2. قصة العمل الإسلامي في أمريكا.
  3. الطب البديل ومشاكله أو الطب التكميلي، كما نسميه في نقابة الأطباء.
  4. قصة التطوير والبحوث والدراسات.
  5. مافيا الأدوية ووقفتها ضد العلاج بالأعشاب.
  6. البيت المسلم في الغرب، وخاصةً أمريكا، وكيف يمكن الحفاظ عليه من التأثيرات الاجتماعية والاحتفاظ بالهوية الإسلامية؟!
  7. الحوار مع الغرب والصراع مع اللوبيات في أمريكا.

مرةً أخرى نترحَّم على د. أحمد القاضي والإخوة الذين سبقونا بالإيمان، ونسأل الله أن يثبتنا على الحق ودعوة الحق؛ حتى نلقاه غير مبدِّلين ولا مغيِّرين ولا فاتنين ولا مفتونين.

المصدر