د. حلمي الجزار وحوار قبل ساعات من اعتقاله
اذهب إلى التنقل
اذهب إلى البحث
د. حلمي الجزار وحوار قبل ساعات من اعتقاله
28-05-2005
- الاعتقالات المتتالية للإخوان لن تثنيَهم عن وسائلهم السلمية للمطالبة بالإصلاح
- السطو السياسي على السلطة من النخبة الحاكمة رسَّخ السلبية السياسية في المجتمع
- يجب الاهتمام بالتربية السياسية للشباب في كل الأحزاب
- الأحداث الأخيرة كشفت الحزب الحاكم أمام الجماهير
قُبيل ساعات من اعتقاله لم يَدُر بخلده- ونحن نُجري معه هذا الحوار- أنه سيَلحق بالشرفاء الذين سبقوه إلى سجون الظلم، حملنا له همومَ الأمة، وخاصةً جيل الشباب الذي وُلد وعاش في عصر الطوارئ، لم يرَ غيرها، ولم يسمع سوى أزيزها.
ناقشنا معه البُعد التربوي في الخروج إلى الشارع والاحتكاك بالجماهير، وكيف تتم الاستفادة من المواقف بصورةٍ تربوية؟ وما الأسباب وراء اختفاء ظاهرة الرموز السياسية في المجتمع؟! فإلى نص الحوار:
- في مصر ولفترةٍ طويلةٍ ساد العزوف من الشباب عن المشاركة السياسية حتى أصبحت السلبية السياسية هي الطابع العام.. فما أهم أسباب هذه الحالة؟!
- هناك بالفعل سلبيةٌ كبيرةٌ لدى الشباب خاصةً، تتمثل في العزوف عن المشاركة السياسية، وهذا الأمر يدركه القاصي والداني، وذلك نتيجةً لعدة أسباب أهمها: السطو السياسي- إن صحَّ التعبير- الذي قامت به النخبة الحاكمة في مصر منذ عام 1952 م وحتى اليوم، الذي جعل اليأسَ يتسرب إلى نفوس الناس، والقمع السياسي الشديد يمارَس ضد مَن يعارض هذه النخب، والذي استمر طوال هذه العقود؛ مما جعل الكثير يؤثر السلامة ويبتعد عن ساحة العمل السياسي، وكذلك فيما يتعلق بالشباب تمَّ حرمانهم من المشاركة السياسية، ففي الجامعات يتم تزوير الانتخابات الطلابية، كما يتم محاصرة الطلبة بالامتحانات المتتالية، وفي النقابات المهنية تمَّ وقف الانتخابات بها، وفُرضت الحراسة على الكثير منها، أضف إلى ذلك الضعف الشديد للأحزاب، وتزوير الانتخابات العامة، وجمود الحياة السياسية..!!
- لكن مؤخرًا حدثت يقظةٌ شعبيةٌ سياسيةٌ وضحت في المظاهرات والاعتصامات وعمل الجمعيات العمومية الطارئة والتهديد بالإضرابات وغيرها من الفاعليات رغم الجمود السياسي.. فكيف حدث ذلك؟!
- ضاق الناس ذرعًا بالخناق الذي حدث على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والحضارية، وأصبحت القناعة أنَّ أي مبادرة إصلاح سوف تُجهَض من قوى السطو الموجودة من النخبة الحاكمة، فقد تقدمت قوى وطنيةٌ مختلفةٌ بعدةِ مبادرات للإصلاح في مصر قبل عام، إلا أنَّ كل هذه المبادرات لم يُنظر إليها، كما أنَّ الحياة تسير من سيء إلى أسوأ، هذا الإحساس جعل الناس تنطلق لتعبر عمَّا بداخلها، وكانت القشة التي قسمت ظهر البعير أنَّ التعديل الدستوري الذي جرى مؤخرًا للمادة 76 من الدستور جاء ليقضيَ على كل الآمال التي كانت قد بدأت تبعث من جديد؛ ولذلك لم يُجدِ مع قوى السطو طلبات الإصلاح الحقيقي فانتفض الشعب لينتزع حريتَه بالطرق السلمية عن طريق الوسائل السابقة.
- البعض يشير إلى أنَّ الشعب المصري غيرُ مؤهَّل لحدوث ديمقراطية كاملة، فهل هذه الديمقراطية تحتاج إلى تربية سياسية معينة ما زالت غير موجودة لدى المجتمع؟!
- هذا الكلام مغلوط ويهدف إلى تعمية الحقائق وتنويم المجتمع، والدليل على ذلك ما يقوم به المجتمع الآن بالمطالبة بحقوقه الدستورية والتشريعية، والتربية السياسية عملية شاملة تبدأ مع الإنسان منذ بداية نشأته، وإن كنا في مصر قد حُرمنا التربية السياسية الصحيحة عبر عقود متتالية إلا أنَّ بعض التيارات الوطنية- وعلى رأسها التيار الإسلامي بأكبر فصيل وهو الإخوان المسلمون- قد بذلت جهدًا مضنيًّا لتربية المجتمع تربيةً سياسيةً فعالةً، والتربية السياسية هذه تعني أن يتعرَّف الشاب على أنماط العمل العام، وأن يحض على المشاركة مستهدفًا بذلك المصلحة العامة، ومن ثمَّ فيجب الانفتاح على الأحزاب السياسية لمعرفة مبادئها وخططها ومساهماتها في إحداث الإصلاح الذي يطلبه الجميع، وبعد أن يتعرَّف الإنسان على الحياة السياسية يجب على الإنسان اختيار أحد المسارات السياسية للمشاركة السياسية حتى لا تكون التربية السياسية مجرد ترفٍ فكري.
- وبالرغم من المعوِّقات التي وضعتها الحكومة منذ عقودٍ أمام المشاركة السياسية لمختلف الطوائف والاتجاهات إلا أنَّ الشعب لديه الحد الأدنى في التربية السياسية، ومن ثمَّ تجده وقت الأزمة ينتفض للدفاع عن نفسه مهما كانت التضحيات، ونرى ذلك مع جماعة الإخوان المسلمين؛ فمع ارتفاع التصعيد الأمني معها بالاعتقالات والضرب والقتل ومع ذلك لم يثنِهم ذلك عن المطالبة بحقوق المواطنين.
من مظاهرات الإخوان المطالبة بالإصلاح
- لكن ما زال الإخوان المسلمون هم الفئة الأكثر تحركًا في المجتمع، فلماذا يحجم البعض عن المشاركات السياسية المختلفة؟
- ذكرنا بعض العوامل التي أدَّت بالمواطنين للوصول لهذه الحالة، وهناك عامل مهم يجب أن يُؤخذ في الحسبان وهو العنصر المادي؛ حيث إنَّ معظمَ الشباب ينشغل بالعمل والوظيفة حتى يستطيع توفير الحد المناسب لمعيشته؛ ولذلك يجب أولاً أن يطمئن الشاب لحاضره ومستقبله عن طريق ضمان وظيفة يشعر معها بحياة كريمة؛ لأنَّ فاقد الشيء لا يعطيه، ولا يستطيع أن يصنع الحياة مَن لا يملك مقومات الحياة، والسياسة جزء من الحياة، وتسعى الحكومة لأن تفقد الشباب الحصول على وظيفة حتى يظل في الدوَّامة المعتادة، وهنا على المعارضة أن تعمل بدأب شديد للنزول للشباب والتعرف على احتياجاتهم واستيعابهم من أجل نهضة البلد الذي لن ينهض إلا بالاهتمام بالشباب- وهذا الأمر ربما غير موجود إلا لدى التيار الإسلامي- ثم يجب الاستمرار في النضال السياسي لكسر القيود السياسية، التي تتمثل في الممارسات التزويرية والكبتية لكل رأي حر في المجتمع.
- الحركة السياسية الأخيرة داخل المجتمع كيف يراها الإخوان المسلمون كتيارٍ داخل المجتمع؟
- لا شكَّ أنَّ الشهور القليلة الماضية أحدثت في المجتمع حراكًا لم تحدثه سنوات عديدة سابقة، ولعل من هذه المظاهر أنَّ الأطياف السياسية المتعددة- سواء اليمين أو اليسار أو التيار الإسلامي- قد أدركت أنها يجب أن تتعاون من أجل فرصة الإصلاح الحقيقي، وفي هذا الأمر بالذات اكتشفت أحزاب الوفد والتجمع والناصري أنَّ الحزب الحاكم يقوم بعملية خداع؛ حيث كانوا قد ذهبوا من قبل إلى ما يُسمَّى بمؤتمر الحوار الوطني طمعًا في أي مكاسب، فلا مكاسبَ أخذوا ولا إصلاحًا تحقق، وكانت هذه رؤية التيار الإسلامي من قبل؛ حيث توقعوا فشل هذا الحوار القائم من أجل تحسين صورة الحزب الوطني، ومن أهم ثمار الأحداث الأخيرة أن انكشف الحزب الوطني أمام الجماهير؛ حيث إنَّه يرفع شعاراتٍ ويأتي بعكسها تمامًا، وينادي بدعاوى الإصلاح ولم يخطُ خطوةً واحدةً نحوها.
- تعاملت الدولة مع مظاهرات الإخوان الأخيرة من أجل الإصلاح والحرية بقمعٍ أمني شديد..!! فكيف يتم التعامل مع هذا الأمر؟ وما مدى الاستفادة سياسيًّا منه؟
- أعلن الإخوان أنهم لم يتحركوا إلا لمصلحة الوطن، وليس هذا استعراضًا للقوة أو لمكاسب شخصية، وأنهم لم يتراجعوا عن تحقيق هذه المطالب مهما كلَّفهم من تضحيات، ملتزمين في ذلك بالنهج السلمي في المطالبة بحقوق الشعب المسلوبة، فالإصلاح والحرية لا توهب من أحد، ولكنها تُنتزع انتزاعًا عن طريق الوسائل السلمية المختلفة، عن طريق الانتخابات والمظاهرات والاعتصامات وكافة أشكال الاحتجاج السلمي، أما بالرغم من التعسف الأمني في مواجهة فاعليات الإخوان المختلفة في مطالبتهم للحرية فإنَّ هذا الجو زادَ من رُوح النشاط والتضحية لدى جموع الإخوان، كما أنه يكسر حاجز الخوف لدى مختلف المواطنين؛ مما يجعلهم قادرين على المطالبة بحقوقهم المختلفة.
- ظاهرةٌ أصبحت واضحةً داخل المجتمع، وهي تضاؤل الرموز الوطنية في الأجيال الجديدة، وقد سرى هذا الأمر للإخوان.. فما أسباب ذلك؟ وكيف يمكن التصدي لهذا الخطر؟!
- ظهور الرموز الوطنية مرتبط أساسًا بمدى الحرية المتاحة في الحياة العامة، فكلما كانت مساحة الحرية أكبر أفرزت كفاءاتٍ وقياداتٍ مختلفةً، ولعلَّ ما يوضح ذلك أنه خلال فترة السبعينيات ونتيجةً لإتاحة هامش معقول من الحرية لطلاب الجامعات أفرز ذلك غالب الرموز الموجودة حاليًا في المجتمع، وذلك في مختلف الاتجاهات وليس في التيار الإسلامي وحده، وفي فترات الديكتاتورية والكبت طبيعيٌ أن تُقتل فيها الكفاءات المختلفة، فيقل وجود الرموز الوطنية، وإن كان التيار الإسلامي- وعلى رأسه الإخوان المسلمون- يركِّز على الاهتمام بالشباب حتى يخرج من هذا المنعطف الخطير للمجتمع.
المصدر
- مقال:د. حلمي الجزار وحوار قبل ساعات من اعتقالهإخوان أون لاين