رسالة النظام لأمريكا عبر الإخوان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
رسالة النظام لأمريكا عبر الإخوان
د. رفيق حبيب

تلقت جماعة الإخوان المسلمين ضربة أمنية جديدة، هي في الواقع جزء من سلسلة ضربات متتالية، وسياسة الضربات الأمنية لجماعة الإخوان المسلمين، تسير على خط زمني وعلى فترات زمنية متلاحقة، وتتنوع من حيث الشدة والدرجة، وهي عملية إجهاض مستمرة لنشاط الجماعة، تهدف- في الغالب- إلى تقليص نشاط الجماعة، وإهدار جزء من طاقتها، وعرقلة عمل القيادات بتغييبهم رهن الاعتقال. وتلك الرسالة لها العديد من الدلالات المهمة، والتي تحتاج إلى التوقف عندها، لأنها تكشف ضمنًا عن مسار مهم من مسارات العلاقة بين النظام المصري والإدارة الأمريكية في عهد باراك أوباما، نقصد بذلك مسار العلاقة مع الحركات الإسلامية، خاصة الحركات الإصلاحية الوسطية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وإذا كان هذا الأمر يرتبط بالنسبة للنظام المصري بموقفه من جماعة الإخوان المسلمين، بوصفها القوة الاجتماعية والسياسية الأكبر في مصر، إلا أن موقف النظام المصري من جماعة الإخوان المسلمين، يرتبط أيضًا بموقفه من حركة حماس وكذلك موقفه من بقية حركات المقاومة الإسلامية، مثل حركة الجهاد وحزب الله، وبالمثل فإن موضوع العلاقة مع الحركات الإسلامية بالنسبة للإدارة الأمريكية، لا يتوقف فقط على الموقف من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بل يمتد إلى الموقف من الحركات الإسلامية الإصلاحية، وحركات المقاومة الإسلامية.

وقضية الدكتور أسامة نصر وإخوانه، تشتمل في الواقع على جزء تقليدي، يتمثل في الاتهامات المكررة والتي تضمنتها مذكرة تحريات أمن الدولة، يضاف لها توجيه المذكرة لاتهامات لعدد من نواب الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين في مجلس الشعب، وعلى رأسهم رئيس الكتلة الدكتور محمد سعد الكتاتني، وتوجيه اتهام إلى الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب الإرشاد والقيادي البارز بالجماعة، وهذا الجزء من القضية، هو الذي يشمل عددًا من الرسائل الموجهة من نظام الحكم في مصر إلى الإدارة الأمريكية.

فالرسالة الأولى تركز على أن نواب البرلمان، والذين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، ليس لهم صفة قانونية تبيح الحوار معهم، فعلى الرغم من أنهم قانونًا من نواب الشعب، إلا أن لهم أنشطة أخرى، تجعل وضعهم غير قانوني، فإذا كانت الإدارة الأمريكية قد سايرت النظام المصري في اعتبار أن جماعة الإخوان ليس لها وضع قانوني، واعتبرت أن هذا كافٍ لعدم التعامل معها، فعليها أن تعمم هذا الموقف على النواب المنتمين للجماعة، على أساس أن لهم نشاطًا غير قانوني أيضًا.

والرسالة الثانية خاصة بالدكتور عبد المنعم أبو الفتوح نفسه، وهي تركز على توصيل رسالة إلى الطرف الأمريكي مفادها أن كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، له نشاط غير قانوني، حتى وإن كان رمزًا من رموز ما يسميه الإعلام بتيار الإصلاح، وهذه الرسالة ذات أهمية خاصة، لأنها تقول للطرف الأمريكي لا تراهن على رموز بعينها وتعتقد أنها تمثل تيار الإصلاح داخل الجماعة، لأن كل المنتمين للجماعة سواء، أي أنهم كلهم يمارسون نشاطًا غير قانوني في مصر، وبالتالي لا يوجد اتجاه إصلاحي وآخر محافظ، والمقصود من ذلك، الرد على موقف الإعلام الغربي وبعض الجهات الغربية، في أمريكا وأوروبا، والتي تراهن على حدوث تحولات ما داخل جماعة الإخوان المسلمين، تؤدي إلى تسهيل الحوار معهم، وربما الوصول إلى أي تفاهمات معهم.

وهنا تبرز قضية البحث عن المعتدلين داخل أي حركة إسلامية، وهو موقف أمريكي يقوم على تصنيف الحركات الإسلامية إلى حركات متطرفة وأخرى معتدلة، ثم يتم البحث عن الرموز الأكثر اعتدالاً داخل الحركات المعتدلة للحوار معها.

أما الرسالة الثالثة، فهي تظهر في توصيف لائحة الاتهام بصورة تركز على قضية التنظيم الدولي، وإنشاء ما سمي ببؤر لجماعة الإخوان في العديد من دول العالم، وهذه الرسالة تحاول أن تصور أن جماعة الإخوان المسلمين تمثل خطرًا دوليًّا، وهي بهذا تصبح خطرًا على الإدارة الأمريكية بوصفها تمثل القوة العظمى في العالم، والنظام المصري يهدف من ذلك إلى تحويل المواجهة بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين، إلى مواجهة دولية، مثل مسألة الحرب على الإرهاب، حتى يتم تعميم موقف دولي معادٍ للحركات الإسلامية عمومًا، ومنها جماعة الإخوان المسلمين، مثلما حدث في فترة حكم الرئيس جورج بوش الابن.

وهنا علينا تأكيد بعض الأمور، منها أن جماعة الإخوان المسلمين تمارس نشاطًا يقع في دائرة الحقوق المدنية والسياسية لأي مواطن، فكل ما تمارسه من نشاط يحق لأي مواطن ممارسته، والذي يميزها أنها تمارس تلك الأنشطة بصورة جماعية، تبعًا لمبدأ الحق في التنظيم، وهو مبدأ قانوني مستقر دوليًّا، كما أن انتشار الجماعات المنتمية لمدرسة الإخوان المسلمين في العالم، ليس أمرًا جديدًا، فقد بدأ منذ أيام المؤسس والمرشد الأول حسن البنا، كما يضاف لذلك، أن البعض يرى أن مسمى التنظيم الدولي ليس دقيقًا؛ لأن الموجود في الواقع هو نوع من التنسيق والتواصل، يركز أساسًا على عملية تأصيل وتوحيد الإطار الفكري العام، والطريف أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح من أكثر المتحفظين على التنظيم الدولي، لأنه يوحي بوجود إدارة مركزية، وهي لا توجد واقعيًّا وليست عملية أو ممكنة أساسًا.

يبقى أن نبحث في دلالة موقف النظام الحاكم، فقد أدرك النظام الحاكم وجود تغير ما في موقف الدول الغربية ومنها أمريكا، من الحركات الإسلامية، خاصة بعد قدوم باراك أوباما للبيت الأبيض، وبعد حرب إسرائيل على قطاع غزة، فقد رأت العديد من المصادر الغربية أن المواجهة المستمرة مع الحركات الإسلامية ليست في صالح الغرب، وأن تلك الحركات لها وجود حقيقي على الأرض ومرشح للاستمرار، لهذا بدأت مرحلة لفتح نوافذ للحوار، والأمر لم يصل إلى أي نوع من التفاهم أو التحالف، وغالبًا لن يصل، ولكن التوجهات الجديدة تشير إلى أهمية وقف حالة المواجهة مع الحركات الإسلامية؛ مما يعني أيضًا وقف التعامل الأمني معها، وتحويلها إلى ملف سياسي، ولكن النظام المصري، والذي أدرك هذه التحولات في الغالب، أراد أن يسد الطريق على مثل هذه التحولات، ويدفع الإدارة الأمريكية والدول الغربية إلى موقف متشدد ضد الحركات الإسلامية، وهو نفس ما يفعله النظام في مسألة العلاقة مع إيران، حيث وجد قدرًا من التحول نحو الحوار بين الغرب وأمريكا وإيران؛ مما دفعه إلى مزيد من التصعيد تجاه إيران، وما تمثله من خطر في تصوره، حتى يدفع الدول الغربية إلى التشدد مع إيران.

ويبقى السؤال المحوري :هل تؤثر مواقف النظام المصري على الإدارة الأمريكية وتشجعها على سياسة المواجهة والتشدد، أم تفرض الإدارة الأمريكية أسلوبها القائم على الحوار والدبلوماسية على النظام المصري؟

وهناك ضربات ترتبط بحدث معين، مثل تلك الضربات التي تصاحب نشاط عام للجماعة مثل المظاهرات، وهناك ضربات أخرى لا ترتبط بحدث، وتتم كل فترة زمنية، بهدف عدم السماح بوجود فترة استرخاء في العلاقة بين النظام والجماعة، وفي نفس الوقت عدم حدوث فترة استرخاء تساعد الجماعة على تنمية نشاطها ودورها في الشارع المصري، ولكن الضربة الأمنية التي شملت اعتقال الدكتور أسامة نصر عضو مكتب الإرشاد والمهندس علي عبد الفتاح القيادي البارز، مع بقية المجموعة والتي ضمت 14 من كوادر الجماعة، كانت في الواقع عملية مزدوجة، فهي جزء من عملية الاعتقال المستمر لكوادر الجماعة، وهي في نفس الوقت رسالة من النظام الحاكم موجهة إلى الإدارة الأمريكية الجديدة، عبر الإخوان.


المصدر : نافذة مصر