رسالة هل نحن قوم عمليون؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
هل نحن قوم عمليون؟

بقلم: الإمام حسن البنا


مقدمة :

قد أجبنا في الرسالة السابقة (إلى أي شئ ندعو الناس)عن سؤال يتردد كثيراً علي أفواه كثير من الناس , فهم كانوا يسألون دائمًا كلما دعاهم داع إلى تشجيع (جماعة الإخوان المسلمون) وإلي أي شيء تدعو جماعة الإخوان المسلمون؟ وأحسبني أوضحت مبادئ هذه الدعوة بما يجعل الجواب علي هذا السؤال واضحاً لا لبس فيه ولا غموض , وأظنني أجملت لهؤلاء السائلين مبادئ هذه الدعوة في الكلمة الأولى ثم فصلتها في الكلمات التي تلتها فلم يبق عذر للذي يريد أن يتعرف حقيقة دعوة الإخوان إجمالا وتفصيلا.

وبقي سؤال آخر يتردد كثيرًا علي أفواه الناس كذلك كلما دعاهم داع إلى تشجيع هذه الجماعة , التي تدأب علي العمل ليل نهار لا تبتغي من أحد جزاء ولا شكورًا , ولا تعمل إلا لله وحده ولا تعتمد في خطواتها إلا علي تأييده ونصره وما النصر إلا من عند الله , وشعار كل عامل من العاملين : إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. هذا السؤال الآخر أن يقول لك ذلك الذي تدعوه في استهانة وإعراض غالبا :

وهل هذه الجماعة جماعة عملية ؟وهل أعضاؤها قوم عمليون ؟

وهذا السائل أحد أصناف من الناس...

إما شخص متهكم مستهتر لا يعنيه إلا أمر نفسه , ولا يقصد من إلقاء هذا السؤال إلا أن يهزأ بالجماعات والدعوات والمبادئ والمصلحين , لأنه لا يدين بغير مصلحته الشخصية , ولا يهمه من أمر الناس إلا الناحية التي يستغلهم منها لفائدتهم فقط..

أو هو شخص غافل عن نفسه وعن الناس جميعا فلا غاية ولا وسيلة ولا فكر ولا عقيدة..

وإما شخص مغرم بتشقيق الكلام وتنميق الجمل والعبارات وإرسال الألفاظ فخمة ضخمة ليقول السامعون إنه عالم , وليظن الناس أنه علي شئ وليس هو علي شئ وليلقي في روعك أنه يود العمل ولا يقعده عن مزاولته إلا أنه لا يجد الطريق العملي إليه , وهو يعلم كذب نفسه في هذه الدعوى وإنما يتخذها ستارا يغطي به قصوره وخوره وأنانيته وأثرته..

وإما شخص يحاول تعجيز من يدعوه ليتخذ من عجزه عن الإجابة عذراً للقعود وتعلَّة للخمول والمكسلة، وسبباً للانصراف عن العمل للمجموع.

وآية ذلك عند هؤلاء جميعاً أنك إذا فاجأتهم بالطريق العمليّ , وأوضحت لهم مناهج العمل المثمر , وأخذت بأبصارهم وأسماعهم وعقولهم وأيديهم إلى الطريق المستقيم لوّوا رؤوسهم وحاروا في أمرهم وأسقط في أيديهم , وظهر الاضطراب والتردد في ألفاظهم وحركاتهم وسكناتهم وأخذوا ينتحلون المعاذير ويرجئونك إلى وقت الفراغ ويتخلصون منك بمختلف الوسائل، ذلك بعد أن يكونوا أمضوك اعتراضاً وأجهدوك نقاشاً ومحاوره، ورأيتهم بعد ذلك يصدون وهم مستكبرون .

وإنما مثلهم في ذلك كالذي حدثوا أن رجلاً أعد سيفا قاطعاً ورمحاً نافذاً وعدةً وسلاحاً، وأخذ كل ليلة ينظر إليها ويتحرق أسفاً لأنه لا يرى خصما أمامه يُظهر في نزاله براعته ويؤيد بحربه شجاعته، فأرادت امرأة أن تختبر صدق قوله، فأيقظته ذات ليلة مع السحر ونادته بلهجة المستغيث : قم أبا فلان فقد طرقتنا الخيل، فاستيقظ فزعًا تعلوه صفرة الجبن وتهز أوصاله رعدة الخوف، وأخذ يردد في ذهول واضطراب : الخيل.. الخيل.. لا يزيد على ذلك ولا يحاول أن يدفع عن نفسه، وأصبح الصبح وقد ذهب عقله خوفاً وإشفاقا، وطار لبه وجلاً ورعبًا، وما نازل خصمًا ولا رأى عدوًا، وذلك كما قال القائل :

وإذا ما خلا الجبان بأرض

طلب الطعن وحده والنزالا

بل كما قال الله تبارك وتعالى  :

(قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلاً, أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (الأحزاب:18-19).

وليس لنا مع هذه الألوان من الناس قول وليس لهم عندنا جواب إلا أن نقول لهم: سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين. وما لهؤلاء كتبنا ولا إياهم خطبنا. فلقد أملنا فيهم الخير طويلا، انخدعنا بمعسول دعاويهم وعذب ألفاظهم حينا.. ثم تكشف أمرهم عن وقت أضيع، ومجهود عقيم، وتعويق عن الطريق , ورأينا منهم ضروبا وألوانًا وأصنافًا وأشكالاً جعلت النفس لا تركن إليهم ولا تعتمد في شأن من الشؤون مهما كان صغيرًا عليهم.

وهناك صنف آخر من الناس قليل بعدده كثير بجهده , نادر ولكنه مبارك ميمون، يسألك هذا السؤال إذا دعوته المشاركة والتشجيع بغيرة وإخلاص، إنه غيور تملأ الغيرة قلبه ، عامل يود لو علم طريق العمل المثمر ليندفع فيها، مجاهدا ولكنه لا يرى الميدان الذي تظهر فيه بطولته، خبر الناس ودرس الهيئات وتقلب في الجماعات فلم يرى ما يملأ نفسه ويشبع نهمته ويسكن فؤاده ويقر ثائر شعوره ويرضي يقظة ضميره، ولو رآه لكان أول الصف ولعد في الميدان بألف، ولكان في حلبة العاملين سابقًا مجليًا سائل الغرة ممسوح الجبين.

هذا الصنف هو الحلقة المفقودة والضالة المنشودة، وأنا على ثقة أنه إن وقع في أذنه هذا النداء وتلقى فؤاده هذا النجاء لن يكون إلا أحد الرجلين : إما عامل مع المجدين، وإما عاطف من المحبين، ولن يكون غير ذلك أبدا. فهو إن لم يكن للفكرة فلن يكون عليها. ولهذا الصنف نكتب.. وإياه نخاطب ومعه نتفاهم..وإن الله وحده هو الذي يختار جنده وينتخب صفوة العاملين له : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:56), ولعلنا نوفق إلى ما قصدنا إليه .. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل .

الغيورين من أبناء الإسلام

لهذا الصنف :الكريم المعادن، النفيس الجواهر،العالي الهمة، النبيل النفس، الذي يود العمل ويتمناه، ويقعد بهم عن تحقيق أمنيته قول القائل :

وزهدي في الناس معرفتي بهم

وطول اختباري صاحبًا بعد صاحب

فلم ترني الأيام خِـلا تسـرني

مبـاديه إلا سـاءنى في العواقـب

نقول: أنت الآن أمام دعوة جديدة وقوم ناشئين يدعونك إلى العمل معهم والانضمام إليهم والسعي بجوارهم إلى الغاية التي هي أمل كل مسلم ورجاء كل مؤمن، ومن حقك أن تسأل عن مدي وسائلهم العملية، ومن واجبك أن تتحرى وتتفقه فيما يدعونك إليه.

ولقد أعجبني من صديق دعوته إلى جماعتنا أنه كان يراجعني في كل كلمة ويقف أمام كل عبارة ويناقش كل وسيله حتى إذا اقتنعت نفسه قال كلمته فما زالت مرعية الجانب محققة المعني واضحة الأثر ، وما زال هو العامل المجدّ إلى الآن وأرجو أن يظل كذلك بحول الله تعالى. ولكنا مع هذا نسوق لمثل هذا الأخ الكريم هذه الملاحظات  : -

ألا يرى الأخ معنا أن الأجدر بنا بدل أن نسأل هذا السؤال أن ندخل ضمن الجماعة ونعمل مع العاملين فيها ونلقى بدلونا بين الدلاء، فان رأينا خيراً فذلك, وإن كانت الأخرى فطريق الانفصال واضحة، ولا سيما إذا كان الباب على مصراعيه لمن يدخل أو يخرج وكانت أعمال الجماعة جلية على المكشوف كما يقولون لا خفاء بها ولا سر فيها ؟ ولقد حدثوا أن النحويين اختلفوا فيما بينهم على عدد أبيات ألفية ابن مالك ، فكان هذا الخلاف مثار جدل عنف لم يوصلهم إلى شيء، حتى تدخل أحد عقلائهم فأحضر نسخة منها وقال : ها هي عدوها واتفقوا...فكان في ذلك حسم الخلاف.

هذه جماعة الإخوان ياعزيزي في كل مكان تنادى الناس وتفتح لهم قلبها وبابها وناديها، فهلم فإن رأيت ما تحب فعلى بركة الله وإن لم تر ذلك فقل كما قال بشار :

إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها

خرجت مع البازي على سواد

أولاً يرى الأخ معنا أن الجماعات هي الأفراد منضمة، فإذا كان كل فرد يسأل هذا السؤال فأين الجماعة إذن ؟ هذه خدعة عقلية يقع فيها كثير من الناس، فأنت إذا شئت أن تعرف الكرسي قلت هو جسم يتركب من مقعد ومسند وأربع أرجل، ولكن ألست ترى أن هذه خديعة وأن ذلك ليس بصحيح، فهل الجسم غير هذه الثلاثة ؟ وإذا جردت الكرسي من أرجله ومقعده ومسنده فهل يبقى هناك جسم أو أثر يصح أن تطلق عليه صفة الوجود فضلاً عن الصفات الأخرى؟

كذلك يخدع الناس أنفسهم في قضية الجماعات والأفراد، فهم يظنون أن الجماعات شيء والأفراد شيء وما الجماعات في الحقيقة إلا أفراد، وما الأفراد إلا حقائق الجماعات ولبنات بنائها، فإذا تنافرت هذه اللبنات وأخذ كل فرد يسأل عن الجماعة... فأين الجماعة إذن؟ ومن السائل ومن المسئول؟ وإنما أوقعنا في هذه الورطة ما عودناه من خلق التواكل الذي جعلنا نترك العبء كله لفرد واحد أو يدفعه كل منا على أخيه فلا يزال مهملاً لا يستقر على حال ولا ينهض به أحد، وها أنا ذا أصارح كل الغيورين من أبناء الإسلام بأن كل جماعة إسلامية في هذا العصر محتاجة أشد الحاجة إلى الفرد العامل المفكر.. إلى العنصر الجريء المنتج. فحرام على كل من آنس من نفسه شيئًا من هذا أن يتأخر عن النفير دقيقة واحدة.

أولا يرى ـ أيده الله وأيد به ـ أن عليه أن يدخل إلى الجماعة التي تدعوه فإن وجدها عملية كما يحب قرت عينه وفرحت نفسه، وإن لم يجدها كذلك حملها بوضوح شخصيته وقوة تأثيره على ما يجب من وسائل العمل، فإن لم تستقم له كان قد أعذر إلى ربه ونفسه ولعلهم يتقون ؟ ولاسيما إذا كان الذين يوجهون إليه هذه الدعوة قوم يعلمون أن فوق كل ذي علم عليم، وأن لكل ذي رأى حقا في إبداء رأيه، وإن المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أصح الناس رأياً وأنضجهم فكراً وأكبرهم عقلاً – أخذ برأي الحبّاب في بدر وبرأي سلمان في الخندق، وهم يفرحون بكل من يأخذ بفكرتهم إلى وسائل العمل الصحيح.

أولا يرى الأخ كذلك أنه إن كان قد جرب مرة أو مرتين أو فوق ذلك فإن ذلك لا ييئسه ومن واجبه أن يعاود الكرة مرات حتى يظفر بأمنيته ويصادف بغيته، فإنه إن قنط فاته بذلك خير كثير ؟ كالذي حدثوا أن صيادا ظفر بسمكه كبيرة ثم رأى في قاع الماء صدفة ظنها لؤلؤه فترك السمكة وأخذ الصدفة، فلما رآها ندم على ما فرط منه ثم وقع له حوت صغير وعرضت لؤلؤة ظنها صدفة فأعرض عنها وقنع بحوته ففاته خير كثير. أو كالذي حدثوا أن بطة في غدير رأت في الماء ظلا ظنته سمكة فأخذت تهوى بمنقارها تلتقطه حتى أتعبها ذلك فتركته غاضبة، ثم عرضت لها سمكة فظنتها ظلاً وتركتها ففاتتها الفرصة السانحة وخسرت الأمنية المطلوبة.

هذه ملاحظات نتقدم بها إلى الذين يريدون أن يعملوا للإسلام من أبنائه الغيورين، وهي جديرة بالنظر فيما نعتقد. وندعوهم بدعوة الإخوان المسلمين، فعليهم أن يجربوا ولا يتواكلوا، ويندمجوا فإن وجدوا صالحا شجعوه, وإن وجدوا معوجًا أقاموه، ولاتكن تجربتهم حائلاً بينهم وبين التقدم، ونأمل أن يروا من الإخوان ما تقر به أعينهم إن شاء الله تعالى، وإنا موجزون بعض ذلك في الكلمات التالية.

مؤسسـات ومشـاريع

يعتقد كثير من إخواننا أن الجماعة العملية هي التي تقوم بعمل المشروعات العامة النافعة وتترك في مقرها أثراً خالداً من المؤسسات المفيدة. وسنجاريهم في هذا المقال، ونزن "جماعة الإخوان المسلمين " بهذا الميزان، ولنا في الكلمات التالية إن شاء الله تعالى ميزان آخر ـ نزن به جماعتنا ونقدر به الجهود العملية ـ قد يكون في باب نهضات الأمم أصح تقديراً وأدق تعبيراً من ميزان اليوم، وكلاً وعد الله الحسنى.

انتشرت فكرة الإخوان المسلمين فيما يزيد علي خمسين بلداً من بلدان القطر المصري وقامت في كل بلد من هذه البلدان تقريباً بمشروع نافع أو مؤسسة مفيدة، فأنت تراها في الإسماعيلية قد أسست مسجد الإخوان المسلمين ونادي الإخوان المسلمين وأنشأت معهد حراء الإسلامي لتعليم البنين ومدرسة أم المؤمنين..

وفي شبراخيت قد أسست كذلك مسجد الإخوان ونادي الإخوان ومعهد حراء، وأقامت بجوار هذه العمارة الفخمة داراً للصناعة يتعلم فيها طلبة المعهد الذين لا يستطيعون إتمام التعليم وتريد الجمعية أن تهيئ لهم سبيل الحياة العملية بتخريجهم صناعاً مثقفين وعمالاً مهذبين..

وفي محمودية البحيرة قامت بمثل ذلك، فأنشأت منسجاً للنسيج والسجاد إلى جوار معهد تحفيظ القرآن بدار نادي الإخوان المسلمين الرحيب.. وفي المنزلة دقهلية معهد لتحفيظ القرآن ظهرت ثمرته رغم قصر المدة، وها هو يقدم لنا حفاظاً متقنين في هذه الفترة الوجيزة التي أنشئ فيها..وقل مثل ذلك أو بعضه ـ ولا لزوم للتكرار ـ في كل شعبة من شعب الإخوان المسلمين المنتشرة في أنحاء القطر المصري من إدفو إلى الإسكندرية..

وفي كثير من جمعيات الإخوان المسلمين تجد لجاناً تطوعت للمصالحات بين الأفراد والأسر المتخاصمة , يجري الله علي يديها خيراً كثيراً ويحل بها من المشاكل ما شغل القضاء مدة طويلة..

وفي كثير منها لجان للصدقات تتفقد البائسين والمعوزين في المواسم والأعياد وغيرها , وتحاول بذلك القيام بواجب رعاية هؤلاء من جهة ورد غائلة ذئاب المبشّرين عنهم من ناحية أخري..

وفي كثير منها لجان للوعظ والتذكير في المجتمعات التي لا يظن أن تكون مجامع وعظ كالمقاهي والأندية العامة وحفلات الأفراح والتعزية ونحوها..

وفي كثير منها ولا سيما في النواحي القروية لجان تطوعت للإشراف علي المرافق العامة في القرية من ترميم المساجد وتنظيف الشوارع وإضاءة الطرقات والسعي في إيجاد المشافي المتنقلة، وما إلى ذلك من كل ما يعود علي القرية بفائدة في دينها ودنياها..

وفي كثير منها لجان لمحاربة العادات الفاسدة والجهالات المنتشرة في البيئات البعيدة عن مناهل العلم كالزار ونحوه، وإلي جانبها لجان لإحياء السنن والفرائض التي نسيها الناس بالعمل لا بالقول : كجمع زكاة الحبوب في مخزن خاص وتوزيعها بمعرفة الجماعة علي المستحقين بدون محاباة ولا تحيز، كما فعلت ذلك دائرة الإخوان ببرمبال القديمة مثلاً..

وفي القاهرة أنشئت "جريدة الإخوان المسلمون " الأسبوعية، ولم تمض فترة وجيزة قليلة حتى وجدت إلى جانبها "مطبعة الإخوان المسلمين " وكل ذلك في وقت لم يتجاوز عاماً..

ولقد كان لجماعة الإخوان المسلمين في حركة التبشير الأخيرة بل في كل وقت عمل جليل في دفع خطر التبشير عن المستضعفين والفقراء وأبناء الأمة، فبيوت الإخوان لإيوائهم، ودور صناعاتهم مستعدة لتعليمهم، ومدارسهم ترحب قبولهم ولجانهم تحذر الناس من شرور هؤلاء المضللين الذين يخادعون الناس عن عقائدهم ويستغلون الفقر والمرض في إضلالهم وإذلالهم.

تلك بعض آثار جماعة الإخوان المسلمين العملية، ولا أذكر لك الدروس والمحاضرات والخطب والمقالات والوفود والرحلات والمجامع والزيارات، فلعل هذه في عرف الناس وسائل قولية، وقد قلنا حتى مللنا القول وتكلمنا حتى سئمنا الكلام ولم يبق إلا أن نعمل.

ولعلك تعجب حين تعلم أن جماعة الإخوان المسلمين التي قامت بهذه الأعمال العظيمة لم تأخذ إعانة حكومية مرة من المرات، ولم تستعن بمال هيئة من الهيئات اللهم إلا خمسمائة جنيه تبرعت بها شركة قناة السويس للجماعة بمناسبة عمارة المسجد والمدرسة بالإسماعيلية.

وإن الناس ليتقولون كثيراً، وليظنون وبعض الظن إثم، ولينطقون بما ليس لهم به علم، وما علينا في ذلك من بأس. وحسبنا أن يعلم الله أن ذلك بتوفيقه وأنها أموال الإخوان الخاصة أنفقت بإخلاص فأثمرت وبوركت وآتت أكلها كل حين بإذن ربها وحسبنا أن نقول لهم في عبارة صريحة واضحة نتحدى بها كل إنسان وكل هيئة وكل شخص كائناً من كان : أن جماعة الإخوان المسلمين لم تستعن في مشروعاتها بغير أعضائها، وهي بذلك جد فخورة تجد لذة التضحية ونشوة الفرح بالإنفاق في سبيل الله.

ولعلك تعجب كذلك إذا علمت أن الاشتراك المالي في جماعة الإخوان المسلمين اختياري لا إجباري، وأن العضو الذي يتخلف عن دفع الاشتراك لا ينقض ذلك من حقوق أخوّته شيئاً، ومع أن هذا نص صريح في القانون الأساسي للجماعة فإن الإخوان ـ جزاهم الله خيرًا ـ يبادرون إلى التضحية في سبيل الله إذا دعاهم إليها داعي الواجب ويأتون في ذلك بالعجب العاجب، وأسمع أحدثك.

في بناء مسجد الإسماعيلية، دعاهم رئيسهم إلى التبرع فقام أحد الأعضاء الصناع وتبرع بجنيه ونصف بعد ثلاثة أيام، هو صانع فقير أنى له بهذا المبلغ؟ أراد أن يقترض فأبت نفسه وخشي الممالطة.. حاول الحصول على هذا المبلغ من غير هذا الباب فلم يجد السبيل ميسرة..لم يبق أمامه إذًا إلا أن يبيع دراجته التي يركبها من منزله إلى محل عمله ومن محل عمله إلى منزله وبينهما ستة كيلو مترات ! وفعلاً أنفذ الفكرة وأحضر المبلغ في نهاية الموعد تماماً فجمع بين الوفاء بموعده والقيام بتبرعه..

ولاحظ رئيس الإخوان أنه صار يتأخر عن درس العشاء ولا يدركه إلا بشق النفس، وسأله عن ذلك فلم يجب، فأجاب عنه صديق عرف سره وأخبر الرئيس أنه باع عجلته ليفي بتبرعه وأصبح يعود علي رجليه فيتأخر عن الدرس، وأكبر الرئيس والإخوان هذه الهمّة وحيوا فيه هذه الأريحية وأقروا تبرعه كما هو واكتتبوا له في دراجة جديدة خير من دراجته لتكون عنده ذكرى الإعجاب بهذا الوفاء.

بمثل هذه النفوس التي تمتُّ بصلة إلى نفوس السابقين الأولين من رجال الإسلام الغرّ الميامين نهضت فكرةالإخوان المسلمين، ونجحت مؤسساتهم وتمت مشروعاتهم.

إنهم فقراء ولكنهم كرماء، إنهم قليلو المال ولكنهم أسخياء النفوس، فهم يجودون بالكثير من هذا القليل فيكون كثيراً وتباركه نعمة الله فيأتي بالخير العميم.ولعلي بهذه الناحية قد كشفت ناحية غمضت علي بعض الذين رأوا جهود الإخوان فلم يجدوا لنجاحهم سراً إلا أن يتهموهم باستجداء الهيئات وخدمة المصالح والأغراض، وهم والحمد لله من ذلك براء.

وأما بعد، فهي صفحة من صفحات جهاد الإخوان المسلمين العملي نتقدم بها إلى الذين يريدون أن يزِنوا الجماعة بميزان المؤسسات والمشروعات. والإخوان دائبون في أن تصبح هذه الصفحة صفحات يتألف منها إن شاء الله تبارك وتعالى كتاب من أعمال الخير البريئة النزيهة الخالصة لوجه الله تبارك وتعالى.

ولعلهم بذلك يفكرون في تشجيع هذه الجماعة الماضية قدمًا إلى غايتها تعتمد على ربها وتثق بصدق وعده وهناك صفحه أخرى سنتحدث عنها إن شاء الله.

إعــداد الرجـال

رأيت في المقال السابق أن "جماعة الإخوان المسلمين" كانت في طليعة الجمعيات المنتجة من حيث المشروعات العامة والمؤسسات النافعة..من مساجد ومدارس، ولجان خير وبر، ودروس ومحاضرات وخطب وعظات، وأندية يتناوبها القول والفعل.

ولكن الأمم المجاهدة التي تواجه نهضة جديدة وتجتاز دور انتقال خطير، وتريد أن تبني حياتها المستقبلة على أساس متين يضمن للجيل الناشئ الرفاهة والهناءة، وتطالب بحق مسلوب وعز مغصوب، في حاجة إلى بناء آخر غير هذه الأبنية...

إنها في مسيس الحاجة إلى بناء النفوس وتشييد الأخلاق وطبع أبنائها على خلق الرجولة الصحيحة، حتى يصمدوا لما يقف في طريقهم من عقبات ويتغلبوا علي ما يعترضهم من مصاعب.

إن الرجل سر حياة الأمم ومصدر نهضاتها وإن تاريخ الأمم جميعاً إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات.

وإن قوة الأمم أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة.

وإني أعتقد ـ والتاريخ يؤيدني ـ أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمة إن صحت رجولته، وفي وسعه أن يهدمها كذلك إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم لا ناحية البناء..

وإن الأمم تجتاز أدوارا من الحياة كتلك الأدوار التي يجتازها الأفراد علي السواء: فقد ينشأ هذا الفرد بين أبوين مترفين آمنين ناعمين فلا يجد من مشاغل الحياة ما يشغل باله ويؤلم نفسه ولا يطالب بما يرهقه أو يضنيه، وقد ينشأ الفرد الآخر في ظروف عصبية وبين أبوين فقيرين ضعيفين فلا يطلع عليه فجر الحياة حتى تتكدس علي رأسه المطالب وتتقاضاه الواجبات من كل جانب وسبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامسة.

وقد شاءت لنا الظروف أن ننشأ في هذا الجيل الذي تتزاحم الأمم فيه بالمناكب وتتنازع البقاء أشد التنازع وتكون الغلبة دائماً للقوي السابق..

وشاءت لنا الظروف كذلك أن نواجه نتائج أغاليط الماضي ونتجرع مرارتها، وأن يكون رأب الصدع وجبر الكسر، وإنقاذ أنفسنا وأبنائنا، واسترداد عزتنا ومجدنا، وإحياء حضارتنا وتعاليم ديننا..

وشاءت لنا الظروف كذلك أن نخوض لجة عهد الانتقال الأهوج، حيث تلعب العواصف الفكرية والتيارات النفسية والأهواء الشخصية بالأفراد وبالأمم وبالحكومات وبالهيئات وبالعالم كله، وحيث يتبلل الفكر وتضطرب النفس ويقف الربان في وسط اللجة يتلمس الطريق ويتحسس السبيل وقد اشتبهت عليه الأعلام وانطمست أمامه الصور ووقف على رأس كل طريق داع يدعوا إليه في ليل دامس معتكر وظلمات بعضها فوق بعض، حتى لا تجد كلمة تعبر بها عن نفسية الأمم في مثل هذا العهد أفضل من "الفوضى"..

كذلك شاءت لنا ظروفنا أن نواجه كل ذلك وأن نعمل على إنقاذ الأمة من الخطر المحدق بها من كل ناحية.

وإن الأمة التي تحيط بها ظروف كظروفنا، وتنهض لمهمة كمهمتنا، وتواجه واجبات كتلك التي نواجهها، لا ينفعها أن تتسلى بالمسكنات أو تتعلل بالآمال والأماني.

وإنما عليها أن تعد نفسها لكفاح طويل عنيف وصراع قوي شديد : بين الحق والباطل وبين النافع والضار وبين صاحب الحق وغاصبه وسالك الطريق وناكبه وبين المخلصين الغيورين والأدعياء المزيفين. وأن عليها أن تعلم أن الجهاد من الجهد، والجهد هو التعب والعناء، وليس مع الجهاد راحة حتى يضع النضال أوزاره وعند الصباح يحمد القوم السرى.

وليس للأمة عدة في هذه السبيل الموحشة إلا النفس المؤمنة والعزيمة القوية الصادقة والسخاء بالتضحيات والإقدام عند الملمّات وبغير ذلك تغلب علي أمرها ويكون الفشل حليف أبنائها.

ومع أن ظروفنا هي ما علمت.. فإن نفوسنا لا تزال تلك النفوس الرخوة اللينة المترفة الناعمة التي تجرح خديها خطرات النسيم ويُدمى بنانها لمس الحرير.

وفتياتنا وفتياننا هم عدة المستقبل ومعقد الأمل لا يزال حظ أحدهم أو إحداهن مظهرًا فاخراً أو أكلة طيبة أو حلة أنيقة أو مركباً فارهاً أو وظيفة وجيهة أو لقباً أجوف، وإن اشترى ذلك بحريته وإن أنفق عليه من كرامته وإن أضاع في سبيله حق أمته.

وهل رأيت أولئك الشبان الذين تنطق وجوههم بسمات الفتوة وتلوح على محياهم مخايل النشاط ويجرى في قسماتهم ماء الشباب المشرق الرقراق وهم يتألمون على أبواب رؤساء المصالح والدواوين بأيديهم طلبات الوظائف ؟

وهل رأيتهم يتوسلون بالصغير والكبير ويرجون الحقير والأمير ويوسطون حتى سعاة المكاتب وحجاب الوزارات في قضايا المأرب وقبول الطلبات ؟

هل تظن ـ يا عزيزي القارئ ـ أن هذا الشباب إذا أسعفه الحظ وتحقق له الأمل التحق بوظيفة من هذه الوظائف الرسمية يفكر يوماً من الأيام في تركها أو التخلي عنها في سبيل عزة أو كرامة وإن سيم الخسف وسوء العذاب ؟

نفوسنا الحالية في حاجة إلى علاج كبير وتقويم شامل وإصلاح يتناول الشعور الخامد والخلق الفاسد والشح المقيم.

وإن الآمال الكبيرة التي تطوف برؤوس المصلحين من رجالات هذه الأمة، والظروف العصيبة التي نجتازها تطالبنا بإلحاح بتجديد نفوسنا وبناء أرواحنا بناءً غير هذا الذي أبلته السنون وأخلقته الحوادث وذهبت الأيام بما كان فيه من مناعة وقوة، وبغير هذه التقوية الروحية والتجديد النفسي لا يمكن أن نخطو إلى الأمام خطوة.

إذا علمت هذا وكنت معي أن هذا المقياس أصح وأدق في نهضات الأمم والشعوب فاعلم أن الغرض الأول الذي ترمى إليه جمعيات الإخوان المسلمين (التربية الصحيحة ) : تربية الأمة على النفس الفاضلة والخلق النبيل السامي، وإيقاظ ذلك الشعور الحي الذي يسوق الأمم إلى الذود على كرامتها والجد في استرداد مجدها وتحمل كل عنت ومشقة في سبيل الوصول إلى الغاية..

ولعلك تسأل بعد هذا : وما الوسائل التي اتخذها الإخوان المسلمين لتجديد نفوسهم وتقويم أخلاقهم ؟ وهل جرب الإخوان هذه الوسائل ؟ وإلى أي مدى نجحت تجربتهم ؟

وموعدنا الكلمات التالية ان شاء الله.

تحديد الوسيلة واعتماد المبدأ

قد علمت أيها القارئ الكريم أن الإخوان المسلمين يقصدون أول ما يقصدون إلى تربية النفوس وتجديد الأرواح وتقوية الأخلاق وتنمية الرجولة الصحيحة في نفوس الأمة، وقد يعتقدون أن ذلك هو الأساس الأول الذي تبنى عليه نهضات الأمم والشعوب.

وقد استعرضوا وسائل ذلك وطرائق الوصول إليه فلم يجدوا فيها أقرب ولا أجدى من الفكرة الدينية والاستمساك بالأهداب (الدين).

الدين الذي يحيي الضمير ويوقظ الشعور وينبه القلوب، ويترك مع كل نفس رقيباً لا يغفل وحارساً لا يسهو وشاهداً لا يجامل ولا يحابى ولا يضل ولا ينسى، يصاحبها في الغدوة والروحة والمجتمع والخلوة، ويراقبها في كل زمان ويلاحظها في كل مكان، ويدفعها إلى الخيرات دفاعاً ويدعها عن المآثم دعاً، ويجنبها طريق الذلل ويبصرها سبيل الخير والشر : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف:80).

الدين : الذي يجمع أشتات الفضائل ويلم أطراف المكارم ويجعل لكل فضلة جزاء ولكل مكرمة كفاءً ويدعو إلى تزكية النفوس والسمو بها وتطهير الأرواح وتصفيتها (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا , وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس:9-10).

الدين : الذي يدعو إلى التضحية في سبيل الحق، والفناء في إرشاد الخلق، ويضمن لمن فعل ذلك أجزل المثوبة، ويعد لمن سلك هذا النهج أحسن الجزاء, ويقدر الحسنة وإن صغرت ويزن السيئة وإن حقرت، ويبدل الفناء في الحق خلوداً والموت في الجهاد وجوداً.

(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران:169)

(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء:47).

الدين: الذي يشتري من المرء هذه الأغراض الدنيوية وتلك المظاهر المادية بسعادة تمتلئ بها نفسه ويهنأ بها قلبه من فضل الله ورحمته ورضوانه ومحبته. (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ) (النحل:96)

الدين : الذي يجمع كل ذلك، ثم هو بعد يصافح الفطرة ويمازج القلوب ويخالط النفوس فيتحد بها وتتحد به، ويتخلل ذرات الأرواح ويساير العقول فلا يشذ عنها ولا تنبو عنه.. يهش له الفلاح في حقله، ويفرح به الصانع في معمله، ويفهمه الصبي في مكتبه، ويجد لذته وحلاوته العالم في بحوثه، ويسمو بفكرته الفيلسوف في تأملاته. وهل رأيت على نفوس البشر سلطاناً من الدين ؟ وهل رأيت في تاريخ البشرية أعظم تأثيراً في حياة الأمم والشعوب منه وهل رأيت للفلاسفة والعلماء ما كان من التأثير البليغ للمرسلين والأنبياء ؟

لاوأبيك فإنما الدين قبس من روح الله السارية في ذرات هذه النفوس وفطرها يضئ ظلامها وتشرق بنوره ويأوي إليها فتهش له.فإذا تمكن منها كان كل شئ له فداء :

(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:24).

الدين : الذي يسمو بقدسيته وجلاله فوق كل نفس، ويعلو علي كل رأس، ويجل عن الاختلاق، ويتنزه عن التقليد والمحاكاة، فيوحد بذلك بين القلوب ويؤلف بين النفوس، ويقطع مادة النزاع، ويحسم أصول الخلاف، ويزيد ذلك ثباتاً وقوة بتوجيه القلوب إلى الله وحده، وصرف النفوس عن الأغراض والمطامع والشهوات واللذائذ، والسمو بالمقاصد والأعمال إلى مراتب المخلصين الصادقين الذين يبتغون بعملهم وجه الله لا يرجون من ورائه جزاءً ولا شكوراً , (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى:13)

الدين : الذي يسمو بالوفاء إلى درجة الشهادة، ويعده فريضة يسأل بين يدي الله عنها، وفضيلة يتقرب بها إلى الله بها، ودليلاً علي الرجولة الكاملة والعزيمة الصادقة , (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً , لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) (الأحزاب:23-24).

الدين : مجتمع الفكر الصائبة ومعقد الآمال المتشعبة ورمز الأماني الفردية والاجتماعية والقومية والعالمية وذلك تعبير له تعبير , (وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (المنافقون:8).

رأى قوم أن يصلحوا من أخلاق الأمة عن طريق العلم والثقافة، ورأى آخرون أن يصلحوه عن طريق الأدب والفن، ورأى غيرهم أن يكون هذا الإصلاح عن طريق أساليب السياسة، وسلك غير هؤلاء طريق الرياضة.

وكل أولئك أصابوا في تحديد معاني هذه الألفاظ أو أخطأوا، وسددوا أو تباعدوا، وليس هذا مجال النقد والتحديد ولكن أريد أن أقول إن الإخوان المسلمين رأوا أن أفعل الوسائل في إصلاح نفوس الأمم : (الدين).

ورأوا إلى جانب هذا أن الدين الإسلامي جمع محاسن كل هذه الوسائل وبعد عن مساوئها فاطمأنت إليه نفوسهم وانشرحت به صدورهم وكان أول وسائلهم العملية في تطهير النفوس وتجديد الأرواح : (تحديد الوسيلة واختيار المبدأ) وعلي هذا الأساس وضعت (عقيدة الإخوان المسلمين) مستخلصة من كتاب الله وسنة رسوله لا تخرج عنهما قيد شعرة. وفرض الإخوان علي أنفسهم حفاظها والتزام حدودها وتنفيذ نصوصها والقيام بتعهداتها. وأعتقد أنها وسيلة عملية في تربية النفوس وتقويم الأخلاق، وبهذه المناسبة أذكر كل أخ مسلم بأن من واجبه أن يحفظ عقيدته ويعمل علي إنفاذ ما تستلزمه من تعهدات , (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة:119).

منزلة الصــلاة

قد علمت ـ أعزك الله ـ أن الإخوان المسلمين رأوا في الإسلام أفضل الوسائل لتهذيب نفوسهم وتجديد أرواحهم وتزكية أخلاقهم، فاقتبسوا من نوره عقيدتهم واغترفوا من فيضه مشربهم.

وأنت جد عليهم بأن منزلة الصلاة من الإسلام منزلة الرأس من الجسد , فهي عماده ودعامته وركنه وشعيرته ومظهره الخالد وآيته الباقية , وهى مع ذلك قرة العين وراحة الضمير وأنس النفس وبهجة القلب والصلة بين العبد والرب , والمرفأة تصعد برقيها أرواح المحبين إلى أعلى عليين فتنعم بالأنس وترتع في رياض القدس وتجتمع لها أسباب السعادة من عالمي الغيب والشهادة.

وتلك بارقة تسطع في نفس من قدح زنادها، وحلاوة يستشعرها من تذوق شهدها، وهل رأيت بربك أعزب وأحلى وأروع وأجلى من مظهر ذلك الخاشع العابد الراكع الساجد القانت آناء الليل يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه وقد نامت العيون وهدأت الجفون واطمأنت الجنوب في المضاجع وخلا كل حبيب بحبيبه ونادى منادي العارفين من المحبين :

سهر العيون لغير وجهك ضائع

وبكاؤهن لغير فقدك باطل

آه يا أخي، إن موقفاً واحداً من هذه المواقف أنفع للقلب وأفعل في النفس وأذكى للروح من ألف عظة قولية وألف رواية تمثيلية وألف محاضرة كلامية، وجرب تر، ولأمر ما كان ذلك في لسان القرآن آية الإحسان , (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ , كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (الذريات:16-18)..

ولأمر ما كان أجر هؤلاء سنياً خفياً , (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (السجدة:17)، ألم يكن عملهم خفياً كذلك، وهل تصلح الخلوات في حضرة الرقباء؟

وهل يلذ لمحب في غير خلوة نجاء ؟ وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ ولقد حدثوا أن أبا القاسم الجنيد رؤي بعد وفاته فقيل له : ما فعل الله بك ؟ فقال : طاحت الإشارات وفنيت العبارات وغابت العلوم وضاعت الرسوم وما نفعنا إلا ركيعات كنا نركعها في جوف الليل.

لا تستغرب ـ أيها القارئ الكريم ـ فما نفع القلب خير من خلوة يدخل بها ميدان فكره، وما تزكت النفس بأفضل من ركعات خاشعات تجلو القلوب وتقشع صدأ الذنوب وتغسل درن العيوب وتقذف في القلب نور الإيمان وتثلج الصدر ببرد اليقين.

والمسلمون في هذا العصر أمام الصلاة طرائق قدد وطوائف بدد: فمنهم قوم أضاعوها وأهملوها وتركوها وجهلوها، وإذا ذكرتهم بأمرها أو خضت معهم في شأنها لوّوا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون ويحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم.

ولا أحب أن أقول أن منهم من ينهي عنها ويحقر من أدّاها ويصفه بالرجعية والتأخر والجمود والتقهقر، وإنك لتسمع من هؤلاء وأشباههم أذى كثيراً ومزاعم غريبة وكلامًا تعجب منه وتندهش له وكأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ , الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون:4-5).

وإنه ليزداد عجبك ويتضاعف اندهاشك حين تعلم أن من الذين يعملون لدعوة الإسلام، ويتصدرون كراسي الدفاع في القضية الإسلامية، من يهمل أمر الصلاة ويصغر من شأنها كأن النبي لم يصرح بأنها عماد الدين وفريضة المؤمنين، وكأنهم لم يسمعوا قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة فإذا تركها فقد أشرك).

ولسنا نحاول أن نقنع هؤلاء بما هو أوضح من الصبح وأجلى من الضوء وأظهر من الشمس، ولكنا نسأل الله لنا ولهم كمال الهداية وتمام التوفيق.

ونحن بعد هؤلاء أمام صنفين من المسلمين :

الغالبية العظمي والكثرة الساحقة، وهؤلاء يؤدون صلاة آلية ميكانيكية ورثوها عن آبائهم واعتادوها بمرور الأيام وكر الأعوام لا يتعرفون أسرارها ولا يستشعرون آثارها، وحسب أحدهم أن يلفظ الكلمات ويأتي بالحركات ويسرد الهيئات ثم ينصرف معتقداً أنه أدى الفريضة وأقام الصلاة وخلص من العقوبة ونال الثواب..

هذا وهم لا حقيقة له. وليست هذه الأقوال والأفعال من الصلاة إلا جسمًا روحه الفهم وقوامه الخشوع وعماده التأثر، وقد ورد في الحديث (إنما الصلاة تمسكن وتواضع وتضرع وتأوه..الخ ) (ورد من رواية الترمذى والنسائي).

ولهذا رأيت أكثر الناس لا ينتفعون بصلاتهم ولا ينتهون بها عن الفحشاء والمنكر، مع أنها لو كملت لأثمرت تزكية النفس وتطهير القلب ولمنعت صاحبها اقتراف الآثام وغشيان المحارم.

وصنف ثان من الناس ـ وهو قليل نادر ـ فهم هذه المعاني من أسرار الصلاة فهو جاد في تحقيقها عامل على استكمالها، يصلي بخشوع وتدبر واطمئنان وتفكر، ويخرج من صلاته وقد تذوق حلاوة العبادة وتأثر بمشاعر الطاعة واستنار بنور الله الذي يتجلى به علي من وصلوا نفوسهم بجلال معرفته.

وفي الحديث : (من صلى صلاة لوقتها وأسبغ وضوءها وأتم ركوعها وسجودها وخشوعها عرجت وهي بيضاء مصفرة تقول حفظك الله كما حفظتني ومن صلاها لغير وقتها ولم يسبغ وضوءها ولم يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها عرجت وهي سوداء مظلمة تقول ضيعك الله كما ضيعتني، حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه).

ولهذا تفاوتت درجات الناس واختلفت ثوابهم وإن اتحدت الصلاة شكلا ومظهراً وقولا وفعلاً.

ولهذا كانت عناية السلف الصالحين رضوان الله عليهم عظيمة بإحضار قلوبهم في صلواتهم وتمام خشوعهم في عباداتهم. ولهذا كان أول وصف وصف به المؤمنون : (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) (المؤمنون:2).

علم الإخوان المسلمون هذا فأخذوا أنفسهم به وحاولوا أن يدرجوا عليه وكان أهم مظهر من مظاهرهم العملية : أن يحسنوا الصلاة، وهم يعتقدون أنهم بهذا يسلكون أقرب السبل إلى تجديد النفوس وتطهير الأرواح , (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153).

فيا أيها الأخ المسلم : تفهم ذلك جيداً، وكن مثال الإحسان في صلاتك، واعتقد أن أول الخطوات العملية فيها بيننا أن نحسن الصلاة.

والــزكاة

هما فريضتان، جعلهما الله سياج الملة ومظهر الشريعة , وقرن بينهما في كثير من آيات كتابه الكريم تنبيهًا على عظيم فضلهما وإظهاراً لجلالة قدرهما:هما الصلاة والزكاة..فبالأولى صلاح ما بينك وبين الله، وبالثانية صلاح مابينك وبين الخلق. وهل في الوجود إلا خالق ومخلوق ؟ فإذا صلح شأنه معهما فقد بلغت غاية الصلاح ووصلت إلى ذروة السعادة.

ولئن كانت الصلاة مطهرة النفس وتصفية الروح، فإن الزكاة مطهرة المال وتصفية الكسب : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (التوبة:103)

ولقد جعل الله تبارك وتعالى الصلاة والزكاة مظهر الإيمان ودليل صحة العقيدة، وأشار القرآن في الآية الكريمة : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة:11) , وهو بمفهومه يدل علي أن من قصر في أداء الصلاة والزكاة فليس من الإخوان في الدين.

وكان هذا المعنى هو الذي فهمه أبو بكر رضي الله عنه حين قاتل مانعي الزكاة وأقره عليه صحابة رسول الله وأطلق علي كثير ممن منعوا الزكاة (المرتدون): روى الستة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (لما توفي النبي، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر رضي الله عنهما : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله : (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه علي الله تعالى)؟ فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال.

والله لو منعوني عناقاًً كانوا يؤدونها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقاتلتهم علي منعها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق).

وفي رواية عقالاً (والعناق الأنثي من ولد المعز، والعقال الحبل الذي تقيد به الدابة).

فانظر يارعاك الله كيف عبّر أبو هريرة رضي الله عنه عن مانعي الزكاة بقوله: (كفر من كفر)، وكيف رأى أبو بكر أن منع الزكاة هدم للدين يستوجب قتال مانعها وأن شهد أن لا إله إلا الله، وكيف أقر عمر رأي أبي بكر وعرف أنه الحق.

ولقد توعد الله ورسوله مانعي الزكاة أشد الوعيد، فقال تبارك وتعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ , يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:34-35)، وفي الحديث أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يقول أنا كنزك ) , والشجاع الأقرع هو الثعبان الخطر واللهزمتان هما الشدقان.

وفي الحديث كذلك :(ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة، يقولون : ربنا ظلمونا حقوقنا التي جعلت لنا فيقول الله تبارك وتعالى وعزتي وجلالي لأدنينّكم ولأبعدنهم).

وإنما كان ذلك كذلك لأن الزكاة نظام المشروعات وقوام الأعمال النافعة وتقويم الفطرة الشحيحة.. تعود السخاء وتدرب على القصد وتطبع القلوب علي الحب وتدعو النفوس إلى الألفة وتنزع الأغلال والأحقاد، وتدعو إلى التعاون والتساند في الخيرات وتجنب أصول الشرور والمفاسد، وتخمد نار الثورات والفتن..وكل امرئ يولي الجميل محبب، ومن وجد الإحسان قيدًا تقيّدا.

والزكاة مهمة من مهمات الحاكم : عليه القيام بجمعها، وتنظيم تحصيلها والإشراف علي إنفاقها في مصارفها التي جعل الله لها. ولو أن الحكومات الإسلامية عنيت بشأن الزكاة لكانت لها مورداً حلالاً طيباً يغنيها عن الضرائب الجائرة والمكوس الظالمة ولأحيت بذلك فريضة ضائعة وركناً مهملا من أركان الإسلام.

فأما إذا نسيت الحكومات الإسلامية واجبها حيال الزكاة جمعاً وإعطاءً، فإن على الأفراد أن يقوموا بإحياء هذه الشعيرة وإعادة هذه الفريضة وإخراج حق الله لعيال الله، فمن قصر في ذلك فإثمه على نفسه وجريرته على عنقه وجزاؤه أليم عند ربه.

وها أنت ترى أن أفراد المسلمين تغافلوا عن حق الله في أموالهم ولم يخروا نصيب الفقراء من إيرادهم، مما قطع العلائق وأكثر الجرائم ولوث النفوس وزاد أحقادها وأضغانها.

رأى الإخوان المسلمون ذلك فأرادوا أن يكونوا الرعيل الأول يضربون للناس المثل عملياً في إحياء هذا الركن، ويبدءون بأنفسهم فيخرجون زكاة أموالهم طيبة بها نفوسهم، فإذا نجحوا في ذلك كانوا حجة على المقصرين ودليلاً للراغبين ودعاة للقاعدين.

وقد سبقت إلى الخير في هذا الشأن برمبال القديمة من أعمال مديرية الدقهلية بالقطر المصري، فجمعت الزكاة وصرفتها في مصارفها التي جاءت بها الآية الكريمة :

(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:60).

ولقد كنت عظيم الإشفاق شديد الخوف من انقسام الوحدة وانصداع الكلمة، لأن في المسلمين الآن خصال تحول دون اجتماعهم على مثل هذا الخير، ولا سيما إذا اتصل بالمادة والمال فما بالك إذا كان المشروع من أساسه مالياً ؟ كنت أخشى على إخوان برمبال شح الأغنياء وغلهم أيديهم عن الإعطاء..وتهم الظنيين الذين يخلقون لكل شيء عيباً ولو كان هو الكمال مجسماً، فيلمزون المطوعين بالرياء ويلمزون الجامعين بالمحاباة.. وجشع الآخذين الذين يود أحدهم أن لو كان ما جمع له كله ليس من غيره من منصب.. والعادات المتوارثة التي درجنا عليها والتي تجعل كل بيت ممن بقيت فيهم بقية من المحافظة على إخراج الزكاة يفضل أن يشرف بنفسه على صرف زكاة ماله ولا يؤثر بذلك غيرة مهما كان في هذا الإيثار من فائدة.

كنت أخشى على إخوان برمبال هذه المعوقات الأربعة وهي واضحة ملموسة في مجتمعاتنا مما يبكي ويؤسف ولكن إخوان برمبال وأهل برمبال كانوا أرفع من ذلك وأسمى فقرت بهم العين وسعدت بهم النفس واطمأن بعملهم القلب وأثبتوا للناس أن الطهارة ـ إن خالطت نفوسهم ـ والثقة ـ إن تبودلت بينهم ـ كفيلتان بتذليل كل عقبة.

لقد كان أغنياء برمبال أرفع من أن يمتنعوا عن أداء حق الله إذ داعي الزكاة بهم أهابا..ولقد كان فقراء برمبال أرفع من أن تمتد أعينهم إلى حقوق إخوانهم فما هو إلا أن وصل إلى كل منهم ما قسم له من الزكوات المجموعة حتى سرت نفسه ولهج لسانه بالدعاء للمزكين وللمنظمين.. ولقد كان إخوان برمبال أحكم وأحزم بتوفيق الله تعالى من أن يدعو للتهم مجالاً وللظنة شبهة.

فتكونت منهم لجنة أولي لعمل الكشوف بالمستحقين أخذ عليها العهد والميثاق ألا تحابي ولا تجامل ولا تفشي سرًا ولا تظهر عورة ثم تلتها لجنه أخرى للفحص عن هذه الكشوف ومراجعتها والتثبت من صحتها ثم لجنة ثالثة لتقدير الأنصبة المستحقة لكل من تثبت حاجته واستحقاقه ثم لجنة رابعة لمراجعة هذا التقدير وإقراره ثم لجنة خامسة للقيام بالتوزيع عمليًا.

وكان هذا النظام الدقيق الموفق مدعاة إلى الإعجاب والفرح من كل من شاهدوه أو علموا به أو رأوا آثاره الرضية في نفوس برمبال وجيران برمبال..وكان أهل برمبال بعد ذلك أكبر من العادات وأسمى من القيود فاتبعوا الرشد وأثاروا التعاون وضربوا في ذلك أروع المثل في تحقيق أمنية كنا نحلم بها من زمن بعيد.

أفلست ترى أيها القارئ بعد هذا البيان أن الإخوان المسلمين قوم عمليون... وأفلا يرى الإخوان المسلمون في ذلك تحقيقاً لآمالهم فيعملوا علي أن نسمع في القريب عن هذه الخطوات الموفقة في بقية الشعب النشيطة (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (الحج:78).

الجهـاد عزّنــا

مر الأسبوع الفائت ولم أناج القراء الكرام فيه بهذه الخطرات التي تمليها العاطفة ويفيض بها القلب عن جهود الإخوان المسلمين.

ولا أكتم القراء الكرام إني وجدت لذلك ألم الحرمان ووخز الضمير لا لأننا نحب أن نرائي الناس بعملنا أو نظهرهم علي جهودنا , فقد يعلم الله أن الإخوان المسلمين يعملون وهم يبتغون وجه الله ويريدون بذلك رضوانه ولا ينتظرون من أحد جزاء ولا شكورًا , ويعتقدون أنهم إنما يقومون ببعض ما يوجبه الإسلام علي أبنائه ولا يزالون بعد مقصرين.

وإنما نحب أن نبلغ الناس دعوتنا ونحدد لهم وجهتنا ونكشف عن حقيقتنا، لعلنا نجد منهم أعوانًا على الخير وهداة إلى البر فيتضاعف النفع ويقرب المدى وتدنو الغاية ويتحقق ما نرجو من إصلاح شامل وإنقاذ عاجل.

وإن كل يوم يمضي لا تعمل فيه الأمة عملاً للنهوض من كبوتها يؤخرها أمداً طويلاً.

وإن في دعوة الإخوان لو فقهها الناس لمنقذاً، وإن في منهاجهم لو اتبعته الأمة لنجاحاً , وإن في جهودهم لو أعينوا عليها لأملاً، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.

وبعد فقد ورد في الصحيح ما معناه أن معاذاً ـ رضي الله عنه ـ كان يسير مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له : (إن شئت يا معاذ حدثتك برأس هذا الأمر وذروة السنام منه.

إن رأس هذا الأمر لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وإن قوام هذا الأمر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإن ذروة السنام منه الجهاد في سبيل الله. إنما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويشهدوا أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم علي الله عز وجل , والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه ولا أغبرت قدم في عمل تبتغي به درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله، ولا أثقل ميزان عبد كدابّه تَنْفَقُ (أي تموت) في سبيل الله أو يحمل عليها في سبيل الله).

ذلك تعريف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للإسلام وهو أعرف الناس بالإسلام وإن الإخوان المسلمين لا يحملون الناس علي غير الإسلام ومبادئ الإسلام، ولا ينهجون إلا مناهج الإسلام وشعاب الإسلام.

وقد حدثتك عنهم في الصلاة والزكاة وما يريدون من أنفسهم ومن الناس حيالها، وهي قوام الأمر ودعامته.

فلأتحدث إليك الآن عن الإخوان المسلمين المجاهدين، وماذا يريدون من أنفسهم ومن الناس حيال الجهاد في سبيل الله وهو من الإسلام ذروة السنام.

من الجهاد في الإسلام أيها الحبيب : عاطفة حية قوية تفيض حناناً إلى عز الإسلام ومجده، وتهفو شوقاً إلى سلطانه وقوته، وتبكي حزناً علي ما وصل إليه المسلمون من ضعف وما وقعوا فيه من مهانة، وتشتعل ألماً علي هذا الحال الذي لا يرضي الله ولا يرضي محمداً عليه الصلاة والسلام ولا يرضي نفساً مسلمة وقلباً مؤمناً. و(من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) كما ورد في الحديث الصحيح.

لمثل هذا يذوب القلب من كمد

إن كان في القلب إسلام وإيمان

ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب : أن يحملك هذا الهم الدائم والجوى اللاحق علي التفكير الجدي في طريق النجاح وتلمس سبيل الخلاص وقضاء وقت طويل في فكرة عميقة تمحص بها سبل العمل وتتلمس فيها أوجه الحيل لعلك تجد لأمتك منفذًا أو تصادف منقذاً، ونية المرء خير من عمله والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب : أن تنزل عن بعض وقتك وبعض مالك وبعض مطالب نفسك لخير الإسلام وبني المسلمين..فإن كنت قائداً ففي مطالب القيادة تنفق، وإن كنت تابعاً ففي مساعدة الداعين تفعل، وفي كل خير , وكلا وعد الله الحسنى , والله تبارك وتعالى يقول (مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ , وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (التوبة:120-121).

ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب : أن تأمر بالمعروف وأن تنهي عن المنكر، وأن تنصح لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، وأن تدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وما ترك قوم التناصح إلا ذلوا وما أهملوا التآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر إلا خذلوا , (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ, كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:78-79).

ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب :أن تتنكر لمن تنكر لدينه وأن تقاطع من عادى الله ورسوله فلا يكون بينك وبينه صلة ولا معاملة ولا مؤاكلة ولا مشاربة وفي الحديث : (إن أول ما دخل النقص علي بني اسرائيل أنة كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو علي حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلو ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض).

ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب : أن تكون جندياً لله تقف له نفسك ومالك لا تبقي علي ذلك من شئ. فإذا هدد مجد الإسلام وديست كرامة الإسلام ودوي نفير النهضة لاستعادة مجد الإسلام كنت أول مجيب للنداء وأول متقدم للجهاد , (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (التوبة:111) , وفي الحديث : (من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات علي شعبة من النفاق) رواه مسلم وأبو داود والنسائي. وبذلك يتحقق ما يريد الله من نشر الإسلام حتى يعم الأرض جميعاً .

ومن الجهاد في سبيل الله أيها الحبيب: أن تعمل علي إقامة ميزان العدل وإصلاح شئون الخلق وإنصاف المظلوم والضرب علي يد الظالم مهما كان مركزه وسلطانه.

وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان أو أمير جائر) رواه أبو داود والبخاري بمعناه، وعن جابر رضي الله عنه : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) رواه ابن ماجه باسناد صحيح.

ومن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى إن لم توفق إلى شئ من ذلك كله : أن تحب المجاهدين من كل قلبك وتنصح لهم بمحض رأيك وقد كتب الله لك بذلك الأجر وأخلاك من التبعة.

ولا تكن غير ذلك فيطبع علي قلبك ويؤاخذك أشد المؤاخذة : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ , وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ , إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (التوبة:91-93).

وبعد فهذه بعض مراتب الجهاد في الإسلام ودرجاته فأين الإخوان المسلمون من هذه الدرجات؟

فأما أنهم محزونون لما وصل إليه المسلمون آلمون لذلك أشد الألم، فعلم الله أن أحدهم يجد من ذلك ما يذيب لفائف قلبه وينال من أعماق نفسه ويحز في قرارة فؤاده ويمنعه في كثير من الأحايين الأنس بأهله وإخوانه والمتعة بكل ما في الوجود من لذة وجمال.

وأما أنهم يفكرون في سبيل الخلاص، فعلم الله أنه ما من فكرة تحتل أفكارهم وما من خطة تستهوى عواطفهم وما من شأن يشغل عقولهم كهذا الشأن الذي ملك عليهم رؤوسهم وقلوبهم واستبد منهم بشعورهم وتفكيرهم.

وأما أنهم يبذلون في هذا السبيل وقتًا ومالاً، فحسبك أن تزور ناديًا من أنديتهم لترى عيونًا أذبلها السهر ووجوهًا أشحبها الجلد وجسومًا أضناها النصب وأخذ منها الإعياء على أنها فتيّة بإيمانها قوية بعقيدتها، وشبابًا يقضون ليلهم إلى ما بعد انتصافه مكبين على المكتب أو عاكفين على المناضد وأترابهم في لهوهم وأنسهم ومتعتهم وسمرهم.

ورب عين ساهرة لعين نائمة وإنما نحتسب ذلك عند الله ولا نمتن به , (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17).

فإذا سألت عن المال الذي ينفق علي دعوتهم فما هو إلا مالهم القليل يبذلونه في سخاء ورضاء وراحة وطمأنينة. وإنهم ليحمدون الله إذ ترقت تضحيتهم بالمال من درجة السخاء بكماليات العيش إلى درجة الاقتصاد من ضرورياته وإنفاق ما يقتصد في سبيل الدعوة , (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9) , ما أسعدنا أن يقبل الله منا ذلك وهو منه وإليه.

وأما أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر : فقد بدأوا في ذلك بأنفسهم ثم بأسرهم وبيوتهم ثم بإخوانهم وأصدقائهم وهم يتذرعون في ذلك بالصبر والأناه والحكمة والموعظة وهل ترى جريدتهم هذه إلا مظهراً من مظاهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ وهل ترى عظاتهم وأقوالهم إلا سبيلاً في هذه السبيل ؟

وأما ما بقي من درجات الجهاد فواجب الجماعة فعلى الجماعة أن تجيب , وإن الإخوان المسلمين في ذلك الرعيل الأول لا يدخرون وسعاً ولا يحتجزون جهداً، وهم يعلمون منزلة ذلك من الإسلام ويعلمون أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (من لقي الله بغير أثر من جهاد لقي الله وفيه ثلمة) رواه الترمذي وابن ماجه.

وهم يسألون الله أن يوفقهم إلى لقائه وليس بهم ثلمات. وقد قال الله تعالى لنبيه : (لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) (النساء:84)، وإنا لنرجو أن نكون بذلك قد أبلغنا الجماعة، وأن يكون هذا الصوت قد وصل إلى نفوسهم فوجد منها خصوبة يزداد بها عدد العاملين وتنتظم معها صفوف المجاهدين (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69).

حــق القرآن

ما رأيت ضائعاً أشبه بمحتفَظ به ولا مهملاً أشبه بمعني بشأنه من القرآن الكريم في أمتنا هذه: أنزل الله القرآن الكريم كتاباً محكماً ونظاماً شاملاً وقواماً لأمر الدين والدنيا , (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت:42).

وأعتقد أن أهم الأغراض التي تجب علي الأمة الإسلامية حيال القرآن الكريم ثلاثة مقاصد :

أولها: الإكثار من تلاوته، والتعبد بقراءته، والتقرب إلى الله تبارك وتعالى به..

وثانيها : جعله مصدراً لأحكام الدين وشرائعه، منه تؤخذ وتستنبط وتستقي وتتعلم..

وثالثها: جعله أساساً لأحكام الدنيا منه تستمد وعلي مواده الحكيمة تطبق.

تلك أهم المقاصد والأغراض التي أنزل الله لها كتابه وأرسل به نبيه وتركه فينا من بعده واعظاً مذكراً وحكماً عدلاً وقسطاساً مستقيماً.

ولقد فهم السلف رضوان الله عليهم هذه المقاصد فقاموا بتحقيقها خير قيام , فكان منهم من يقرأ القرآن في ثلاث ومنهم من يقرأه في سبع ومنهم من يقرأه في أقل من ذلك أو أكثر.

ولقد كان بعضهم إذا شغل عن ورده من القرآن نظر في المصحف وقرأ بعض الآيات الكريمة وقال : حتى لا أكون ممن اتخذوا هذا القرآن مهجوراً. فكان القرآن ربيع قلوبهم وورد عباداتهم يتلونه آناء الليل وأطراف النهار.

ورضي الله عن الخليفة الثالث الذي لم يسل المصحف والحصار علي بابه والسيف علي عنقه.

تمني كتاب الله أول ليلة

وآخره لا في حمام المقادر

ويرحم الله ذلك الذي لم يجد في رثائه أفضل من أن يقول :

ضحوا بأشمط عنوان السجود به

يقطع الليل تسبيحًا وقرآنًا

وأنت إذا رجعت إلى سِيَرِهِمْ لم تجد واحدًا منهم هجر كتاب الله أو ترك تلاوته أسبوعاً واحدًا فضلاً عن السنين والأعوام. ولا أحب أن أطيل عليك بما أشرقت به كتب السير واستنارت بضوء سناه صحائف كتب التاريخ.

وهم حينما أرادوا أن يستنبطوا أحكام دين الله كان القرآن أول المصادر، وما الأول إذن إن لم يكن كتاب الله ؟ وها أنت ترى أن المصطفي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أقر معاذًا حين سأله بم يحكم، فقال بكتاب الله وبدأ به ثم ثنا بالسنة المطهرة.

وقد علمت أن عمر رضي الله عنه حظر علي كثير من الصحابة الكرام أن يحدثوا الناس ـ وهم حديثوا عهد بالإسلام ـ بالأحاديث والوقائع حتى يفقهوهم في كتاب الله أولا ويقفوهم علي حلاله وحرامه.

وقد علمت كذلك أن الأئمة من صدور التابعين وتابعيهم بإحسان أمثال سعيد بن المسيب ما كانوا يسمحون للناس بتدوين فتاويهم حذر الانصراف بأقوالهم عن كتاب الله. ولقد مزق سعيد الصحيفة من يد من دوّن إفتاءه وقال : تأخذ كلامي وتدع كتاب الله ثم تذهب تقول قال سعيد! عليك بكتاب الله وسنة رسوله.

أفلست ترى من هذا وغيره أن السلف الصالحين رضوان الله عليهم قد جعلوا كتاب الله تعالى أصل الأصول التي يستنبطون منها دين الله وأحكامه.

وما كانت أحكام الدنيا عندهم إلا وفق ما يأمر به ونزولاً علي حكمه.. حقوق تؤدى وحدود تقام وأحكام تنفذ وأوامر تسري لا إلغاء ولاتعطيل ولا تعليل ولا تأويل.

كذلك كان، يوم كان الإسلام غضاً طرياً، وثمر الدين بالغاً جنياً، ويوم فهم المسلمون حكمة وجود القرآن بينهم كما علمهم رب القرآن ونبي القرآن , (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) (صّ:29).

ثم دالت تلك الدولة، وذهب ما كان للقرآن علي عقول الناس وألبابهم من صولة، وسرت في ألسنتهم وعقولهم لوثة العجمة، فإذا هم في ناحية والقرأن في ناحية أخرى وبين الناحيتين بعد المشرقين :

سارت مشرقة وسرت مغرباً

شتان بين مشرق ومغرب

فأما التعبد بتلاوة القرآن وقرائته آناء الليل وأطراف النهار فالنذر اليسير منا من عني بذلك وعمل عليه.. وأما بقية المتعبدين فلهم فيما وضعوا لأنفسهم ووضع لهم شيوخهم من أوراد وأحزاب ووظائف وصلوات ما تركوا به كتاب الله وأحلوه محله حفظاً واهتماماً وتعبداً وتلاوةً وترديداً وتكراراً.

وما نحرم تلاوة الأوراد الصحيحة، ولا نحول بين الناس والأدعية والأحزاب التي لا تخالف ظاهر الشريعة. ولكن نقول لهم : كتاب الله أولى أولاً، رتبوا على أنفسكم منه أحزاباً تصل قلوبكم به وتربط أرواحكم بفيضه وإشراقه، ثم اذكروا الله بعد ذلك بما شئتم من الصيغ التي تنطبق علي أحكام الدين.

أما أن تهملوا القرآن جملة وتجعلوا عبادتكم كلها مما وضعتم لأنفسكم أو وضع غيركم لكم فترك لكتاب الله، وإهمال لحقوقه.

وأما استنباط الأحكام منه فقد وقع الناس في جهالة بكتاب الله تجعل بينهم وبين ذلك حجاباً كثيفاً وسداًُ منيعاً، مما اضطرهم إلى القناعة بالملخصات والرضا بالتعليقات وقصر هممهم عن السمو إلى ما هو أرقى من ذلك من الغايات.

وأما تطبيق أحكامه الدنيوية فقد استبدلها القوم بغيرها وأحلوا سواها محلها، وجعلوا تشريع الأجانب وما وضع الفرنسيون والرومان أساساً لتشريعهم ومصدراً لأحكامهم.

وبذلك تعطلت أحكام كتاب الله وأصبحت بين المسلمين نسياً منسياً وفيها ـ علم الله ـ لهم كل خير لو كانوا يسمعون.. واكتفى المسلمون بعد هذا كله من القرآن الكريم بأن جعلوه تمائم لأمراضهم وزينة لمجتمعاتهم وسلوة في حفلهم وأفراحهم وأحزانهم.

وليتهم إذ جعلوه كذلك أعطوه حقه بل تراهم في محله لاهين غافلين لاعبين منصرفين إلى اللغو والحديث واللهو العبث، والله تبارك وتعالى يقول : (وَإِذَا قُرِئَ القرآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (لأعراف:204).

كان القرآن فيما مضى زينة الصلوات فأصبح اليوم زينة الحفلات، وكان قسطاس العدالة في المحاكم فصار سلوة العابثين في المواسم، وكان واسطة العقد في الخطب والعظات فصار بواسطة العقد في الحلى والتميمات , أفلست محقاً حين قلت : ما رأيت ضائعاً أشبه لمحتفظٍ به من كتاب الله ! تناقض عجيب في هذا الموقف منا أمام القرآن :

أننا نعظمه، ما في ذلك شك.. ونذوذ عنه، ما في ذلك شك.. ونقترب إلى الله به ما في ذلك شك، ولكن ياقوم : أخطأتم طريق التعظيم وتنكبتم سبيل الذود عنه وضللتم عن جادة التقرب إلى الله به.

أليس من الإضاعة لكتاب الله أن ترى المراكز التي كان القرآن يعفي منها عدداً عظيماً من القرعة العسكرية صارت اليوم خلواً ممن يحفظه ويتقدم للمعافاه به؟

أوليس من الإضاعة لكتاب الله أن ترى الطالب يدخل الأزهر الشريف وهو يحفظه لأن ذلك شرط دخوله، ثم يخرج منه وقد نسيه لأن القرآن لم يشترط في إجازته بنهاية مدة تعليمه. فتراه إن خرج ليكون إماماً يصلى بالناس قصر بهم، وإن كان واعظاً استند إلى فقهاء الريف الحافظين في عظاته ودروسه، وإن كان محامياً أو قاضياً لجأ إلى المصحف في تصحيح الآيات التي يستشهد بها من كتاب الله ! إننا حقيقةً أضعنا كتاب الله وكأنه بيننا كتاب أثري لا يسري مفعوله ولا ينفذ حكمه، وهذا في الحقيقه أصل ما أصابنا من بلاء وشر.

وإذا علمت هذا أيها القارىء الكريم.. فاعلم أن الإخوان المسلمين يحاولون في جد أن يعودوا هم أولاً إلى كتاب الله، يتعبدون بتلاوته ويستنيرون في تفهم أقوال الأئمة الأعلام بأياته ويطالبون الناس بإنفاذ أحكامه ويدعون الناس معهم إلى تحقيق هذا الغاية التي هى أنبل غايات المسلم في الحياة , ولله الأمر من قبل ومن بعد.

منهج الإخوان وميزانهم

أنت إذا رجعت تاريخ النهضات في الأمم المختلفة شرقية وغربية قديمًا وحديثًا, رأيت أن القائمين بكل نهضة موفقة نجحت وأثمرت كان لهم منهاج محدود عليه يعملون وهدف محدود إليه يقصدون.. وضعه الداعون إلى النهوض وعملوا على تحقيقه ما امتد بهم الأجل وأمكنهم العمل , حتى إذا حيل بينهم وبينه وانتهت بهم تلك الفترة القصيرة فتره الحياة في هذه الدنيا , خلفهم من قومهم غيرهم يعملون على منهاجهم، ويبدءون من حيث انتهى أولئك، لا يقطعون ما وصل، ولا يهدمون ما بنو، ولا ينقضون ما أسسوا وشادوا، ولا يخربون ما عمروا.

فإما زادوا عمل أسلافهم تحسينا، أو مكنوا نتائجه تمكيناً، وإما تبعوهم على آثارهم فزادوا البناء طبقة وساروا بالأمة شوطاً إلى الغاية حيث يصلون بها إلى ما تبتغي، أو ينصرفون راشدين ويخلفهم غيرهم.

وهكذا دواليك حتى تحقق الآمال وتصدق الأحلام ويتم النهوض ويثمر الجهاد وتصل الأمة إلى ما إليه قصدت وله عملت (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (الزلزلة:7).

راجع تاريخ الهيئات والشعوب تر هذا القول واضحًا بينًا، وأن أساس النجاح في كل نهضاتها منهج محدود وقوم يعملون في حدود هذا المنهج، لا يملون ولا يفترون ولايسأمون ولا يمتنون، ذلك واضح جلي في الخطوات التي سلكتها دعوة الإسلام الأولى، فقد وضع الله لها منهاجاً محدوداً يسير بالمسلمين الأولين رضوان الله عليهم إليه..دعوة في السر.. ثم إعلان بهذه الدعوة ونضال في سبيلها لا يمل.. ثم هجرة إلى حيث القلوب الخصبة والنفوس المستعدة.. فإخاء بين هذه النفوس وتمكين عرى الإيمان في قلوبها..ثم نضال جدي وانتصاف من الباطل للحق.

وهذا أبو بكر يريد أن يخرج من مكة إلى المدينة فيأمره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ينتظر حتى يأتيه هو إذن الله بذلك. حتى إذا تمت الخطوات في القسم الأول من منهاج الدعوة، وهى التي أنيطت بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تشريعاً وتطبيقاً، أنزل الله قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) (المائدة:3).

ثم جاء بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الصحابة والتابعين من نقلوا هذا النموذج الكامل من جزيرة العرب إلى غيرها من بلدان العالم لتكون كلمة الله هي العليا , وحتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله.

وأنت إذا رجعت بذاكرتك إلى تاريخ الفرق الإسلامية، وإلي الأدوار التي سبقت، وقارنت قيام الدولة العباسية في الشرق، ثم إلى نهضة الدول الحديثة الأوربية من فرنسا وايطاليا وروسيا وتركيا ـ سواء في الدور الأول وهو دور تكوين الوحدات وتأسيس الحكومات أو في هذا الدور وهو دور تكوين المبادىء ومناصرة النظريات ـ لرأيت ذلك يخضع إلى مناهج معروفة الخطوات تؤدى إلى النتيجة الحتمية التي تعمل لها الأمة.

أعتقد ياعزيزي أن كل انقلاب تاريخى وكل نهضة في أمة تسير طبق هذا القانون.. حتى النهضات الدينية التي يرأسها الأنبياء والمرسلون صلوات الله عليهم، إلا أن هذه النهضات يرسم منهاجها الحق تبارك وتعالى ويهدى الرسول ومن ورائه قومه ويرشدهم إلى خطوات المنهج خطوة خطوة، كل خطوة في وقتها المناسب، ويؤيدهم في كل ذلك بنصره.. فتكون النهضة موفقه لا محالة , (كَتَبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:21) , ومن أين يأتي الخطأ إذا كان واضع المنهج العليم الخبير ومنفذه معصوم من الزلل محفوظ من الخطأ مؤيد بالتوفيق والنصرـ ومن هنا كانت النبوات رحمةً للعالمين ـ ؟

هذا كلام أعتقد أن القراء فيه قسمان : قسم درس تاريخ الأمم وأطوار نهوضها فهو مؤمن به معتقد له، وقسم لم تتح له هذه الفرصة فإن شاء ليعلم أني لم أقل إلا الحق وإن شاء وثق فما أريد إلا الإصلاح ما استطعت.

كان ذلك في النهضات الموفقة، فهل سارت نهضتنا وفق هذا القانون الكوني والسنة الاجتماعية..؟

ذلك ما أشك فيه كثيراً، فإني ألاحظ أن خلق التسرع المركوز في طباعنا، وسرعة التأثر وهياج العواطف الذي يبدو فينا واضحاً، وغيرهما من أسباب اجتماعية وغير اجتماعيه.. جعلت نهضتنا فورات عاطفية تشتد وتقوى بقوة المؤثر الوقتي وشدته ثم تخمد وتزول كأن لم يكن شىء. ولئن كانت الغاية التي نعمل لها جميعاً واضحة معروفة للكثيرين فأنا واثق من أمرين يلازمان هذه المعرفة :

الأمر الأول : أن الوسائل غير معروفة ولا محدودة، وقد تكون متعاكسة يخبط بعضها بعضاً ونحن لا نشعر.

والأمر الثاني : أن الصلة منقطعة تماماً بين السابق اللاحق.. يصل السابق إلى نصف الطريق فإذا جاء اللاحق لم يتبعه لإنقطاع الصلة بينهم، فيبدأ طريقاً جديداً قد يصل فيه إلى مقدار ما وصل سابقه وقد يقصر عنه وقد يسبق قليلاً، ولكنه على كل حال لا يصل بالأمانة إلى النهاية لأن أعمار الأفراد قصيرة بالنسبة لأعمار النهضات والشعوب.

ونحن نتصور أن الواحد يستطيع أن يحقق للأمة كل ما تبتغي، وهى فكرة خيالية وخدعة نفسية عاطفية يجب أن تزول من نفس كل عامل حتى ينتفع بها عمل سلفه.

هذا استطراد لابد منه وبعده أقول لك إن للإخوان المسلمين منهاجاً محدوداً يتابعون السير عليه ويزنون أنفسهم بميزانه ويعرفون بين الفينة والفينة أين هم منه.

فإذا سألتهم عن أصول هذا المنهاج النظرية ما هي؟.. فإني أجيبك في صراحة تامة : هو الأصول والقواعد التي جاء بها القرآن.

فإذا قلت وما وسائلهم وخطواتهم العملية أقول لك في صراحة كذلك : هي الوسائل والخطوات التي أثرت عن الرسول العظيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

وأما بعد، فبهذه الكلمة تنتهي تلك السلسلة المجملة من الحديث عن الإخوان المسلمين العمليين.

وأرجو أن يكون لها أثرها المنشود في نفس قرائنا الكرام، فيؤازروا أولئك القوم الذين وقفوا كل شيء في سبيل الله والدعوة، وينضموا إليهم ليساهموا معهم في هذه النهضة الموفقة، التي يكسب العامل فيها كل يوم نصراً جديداً، إن لم يؤده إلى الفتح فسيؤدي إليه من بعده بفضل مجهوده إن شاء الله :

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105).

حسن البنا