شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر
نحو عقليةإسلامية واعية

بقلم:المستشار سالم البهنساوي

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

توجد خيوط خطة لتطويع الإسلام للمجتمع وللغرب أو الشرق ولا يتسنى ذلك إلا بإضعاف القيادات الإسلامية أو احتوائها ويدرك كل ذي حس وبصيرة أن أضعف الإيمان في هذا هو أن يتعاون رجال الدعوة الإسلامية فيما اتفقوا عليه وأن يعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه ولكن واقعنا المعاصر يشهد حرائق يشعلها قادة في السلطة وبعض الدعاة مما يحقق أهداف الغرب والشرق ومن ربط نفسه بأي منهما وإذا كان الغرب قد رفع

شعار فرق تسد ليضمن استمرار هيمنته على الأمة الإسلامية فهذا الشعار قد تجاوز الحد فلم تقتصر الفرقة على الصراع بين الأنظمة الحاكمة ذات الاتجاهات المتناقضة بل امتد شعار فرق تسد إلى قلب الأمة فظهر الصراع بين اليسار واليمين والصراع بين القوميات ثم صراع البقاء بين هؤلاء والحركة الإسلامية .

ثم كانت الفتنة الكبرى بالتأثير على فصائل من الحركة الإسلامية لتتبنى المواجهة بالقوة مع غيرها مما يحقق أهداف المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي معاً حيث تضمن اتفاق قمة نيكسون وبرجنيف قطع الجذور الإسلامية بيد مسلحة وما زال هذا الاتجاه سائداً .

لقد أشعل البعض فتيل المعارك داخل جدار الحركة الإسلامية تحت شعارات مختلفة بدعوى الدفاع عن الإسلام والحفاظ على سلامة عقائده وفي الوقت نفسه فتح الضوء الأخضر لدعاة العلمانية من صبيان الغرب للدفاع عن أنفسهم والفكر العلماني في مواجهة الصحوة الإسلامية فكان لكتاب العلمانية من الحصانة ما يعجز معه كبار المسئولين عن نشر ردهم كاملاً على الحملة المسعورة ضد الإسلام وأحكامه تحت ستار محاربة التطرف والمتطوعين .

ولقد شهدت الساحة العربية اتفاق قيادة روسيا وأمريكا ضد أي هجوم مسلح من العرب أو الفلسطينيين ضد إسرائيل لاسترداد أرض فلسطين المغتصبة .

ولقد شهدت هذه الساحة اتفاق ما يسمى بالعملاقين ضد الجهاد الأفغاني والمجاهدين الأفغان لمنع إقامة حكم إسلامي .

والأدهي من ذلك أن تسارع بعض الأيدي العربية في تنفيذ هذه الخطة سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو القضية الأفغانية أو تصفية الوجود الإسلامي .

وشهدت الساحة الإسلامية إعلان بورقيبة والسادات حرمان الحركة الإسلامية من حقوق المواطن ولم يصدر قرار الحرمان من هذين وحدهما فقد أصبح هذا هو الدستور غير المكتوب لكثير من الأنظمة والتي لا تجهل أن الحركة الإسلامية تتمثل في الأغلبية الساحقة من الشعوب المسلمة والتي يفترض أن وصول الأنظمة إلى الحكم واستمرار حكمها مرتبط برضا هذه الشعوب .

ولا يخفي على أولى الألباب أن خطة الإجهاض على الصحوة الإسلامية قد تضمنت في بعض المجتمعات الأخذ بسياسة وقائية نشمل:

1- تغيير مناهج تدريس التاريخ الإسلامي والدين بالمدارس وذلك بربطها بأوضاع النظام الاجتماعي والاقتصادي للدولة .

2- تشجيع الطعن في الخلافة الإسلامية والحكم الإسلامي وربط ذلك بمظالم الحكومة الدينية في أوروبا .

3- الحيلولة دون تبوء القيادات الإسلامية المناصب ذات التأثير الملموس في المجتمع .

4- العمل على تعميق الخلافات بين أصحاب الميول والنزعات الدينية ومضاعفة الجهود المبذولة للعمل على فقدان الثقة بينهم وتحطيم وحدتهم بشتى الوسائل .

5- عزل هؤلاء عن أي تنظيم حكومي أو شعبي أو إعلامي أو اجتماعي أو طلابي أو عمالي لمنع تأثيرهم على الآخرين .

6- استخدام العناصر الأخرى لضرب التيار الديني والتحذير من محاولة استخدام العناصر الدينية لضرب العلمانيين لتفوق المتدينين في هذا المجال .

7- التشكيك في جهادهم في فلسطين والقنال وغيرها وإشاعة أنهم عملاء للحكام والاستعمار وتكرار نشر ذلك بالتصريح والتلميح .

8- إشعار من يتولون تنفيذ هذه السياسة من العسكريين والسياسيين والإعلاميين وغيرهم أن مصيرهم قد ارتبط بالنظام وبالتالي فهم في حاجة إلى استمراره لحمايتهم من أي انتقام أو محاكمة .

لما كان ذلك كذلك؟

فإن الصدام بين الحركة الإسلامية والحكام من شأنه أن يخدم خطة المعسكرين وأن يحطم قوة الأمة لتظل بحكامها ذنباً لليمين أو اليسار لا تجد القوت إلا من بقايا موائده ولا تفكر إلا بعقله كما أن الصراع بين الإسلاميين بعضهم بعضاً أو بينهم وبين الفئات الأخرى يخدم هدف المعسكرين .

ولما كان سقوط قيادات الأنظمة في هذه الفتنة لا يتم عن جهل بل مع العمد وسبق الإصرار .

فكان لزاماً أن ندق ناقوس الخطر ليدرك الدعاة الإسلاميون ومن اتبعهم خطورة الفتنة التي أسقطوا فيها .

ولما كانت حجة الساقطين أنهم يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم وأنهم ينكرون المنكر ويحملون المنحرف على اتباع الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال .

فقد تناولت الشبهات التي تثار في الأمور التي أسقطوا فيها ليدرك الجميع أنهم كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا وهكذا يصدر كتابي هذا على عجل وذلك على أثر اطلاعي على الأقوال الواردة بالفصل الأول والذي تناول شبهات المواجهة بين الشباب .

كما تناول الفصل الثاني الشرارة الملتهبة باسم عقيدة السلف وتطرق الفصل الثالث لحقوق الأقليات ونماذج من السقوط باسم إنكار المنكر وتعرض الفصل الرابع لقواعد الإنكار .

وتعرضت في الفصلين الخامس والسادس للشبهات المثارة في كتاب واقعنا المعاصر وكتاب مفاهيم ينبغي أن تصحح حيث أنه يدعو الناس من جديد إلى الدخول في الإسلام سواء كانوا شيوخاً مصلين أو أحبارا متسربلين بالسواد والخاتمة براءة سيد قطب .

إن التجارب السابقة للحركة الإسلامية ابتداء من محنة صفين وانتهاء بمحنة الإخوان المسلمين في العالم العربي وما لحق بها من محن تعرضت لها الجماعات الإسلامية في أكثر البلدان توجب الوعي بخطة عمالقة الطاغوت وتوجب وقف المراهقة الفكرية وفطم طفولة الواقع المر ليتعاون الجميع فيما اتفقوا عليه ويعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه .

وبالله تعالى نعتصم ونتأيد .

سالم البهنساوي

الخميس 4 صفر 1409 هـ

15 سبتمبر 1988 م

الفصل الأول

المواجهة المسلحة وضوابطها

  • الغلو في التكفير والاتهام بالخيانة .
  • كشف المغالطات والأخطاء الشرعية .
  • المواجهة والخروج على الحاكم.
  • سلطة جهاد الكفار والعصاه .
  • الصحابة والفقه المعاصر وقتال الحاكم .
  • شبهات حول التحاكم إلى الطاغوت والبرلمان .

لقد شهدت الساحة الإسلامية فئات اتخذت لنفسها أسلوباً ووسائل تؤدى إلى تحقيق أهداف الجاهلية التي أعلنوا الجهاد ضدها ونأمل أن ينالوا أجر المخطئين .

فالجاهلية تهدف إلى تفريق المسلمين والإيقاع بينهم ليضرب بعضهم وجوه بعض وهو ما حذرنا الله تعالى منه بقوله { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ..} (آل عمران )

ولكن هذه الفئات المتفرقة قد غاب عنها ذلك فجعلت هدفها الرئيسي هو تصفية غيرها من الجماعات بدعوى انحرافهم عن الطريق المستقيم.

وعلى الرغم من ظهور صيحات داخل هذه الجماعات تحذر أن الخصوم قد جندوا رجالاً لهم في أوساط هذه الجماعات لتحقيق أهداف معينة منها إشعال هذه الجماعات بالطعن في غيرها وتصفيتها لتكون النتيجة هي توظيف هؤلاء في إجهاض الحركة الإسلامية (1)

إلا أن هؤلاء الاخوة قد زاد غلوها حتى زعموا كفر المسلمين منذ القرن الرابع للهجرة وأنهم الجماعة الوحيدة المسلمة في العالم (2).

يقول الشيخ شكري مصطفي الذي جعل من نفسه أميراً لجماعة المسلمين :

(أحب أن أشير إلى ما بناه المنتسبون لمذهب أهل السنة على القاعدة التي قعدوها : إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص فقالوا إذن فلا قيمة للأعمال مطلقاً في زيادة الإيمان أو نقصه وأن الطاعات لا تزيد الإيمان شيئا وأن المعاصي لا تنقص الإيمان شيئاً ثم قال : نخالف ذلك ونضرب به عرض الحائط وقول الذين قالوا إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص وهو مذهب أهل السنة بزعمهم نقلاً عن فلاسفة اليونان والمتكلمين وقد وصلوا إلى هذه النتيجة بأدلة باطلة خلاصتها هو ما ساقه ابن حزم في كتاب الأحكام وما أشار إليه وذكره النووي وأبو عمروا بن الصلاح في مقدمته على صحيحي مسلم حيث قالوا: (إن الإيمان هو التصديق لغة وصدقت بالشيء يعنى أيقنت فإذا زاد اليقين فلا يزيد عن كونه يقيناً وإذا نقص لصار شكاً) (3) .

كما قال : ( وقد آن الأوان لأن يظهر الله جماعة المسلمين لتعلن أنه لا دين عندنا إلا دين الكتاب والسنة وإن عليها أن تعيد الناس إلى ربهم وأول ذلك هو إعادة الناس إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله ولتحطم الأصنام المعبودة من دون الله وأولها بغير مواربة هو صنم الأئمة المتعين غير سلطان الله )

ويلاحظ على هذا البيان ما يأتي :

1- ليس صحيحا أن أهل السنة يقولون إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص أو أن الطاعات لا تزيد الإيمان وأن المعاصي لا تنقصه شيئاً فهذا قول المرجئة ولم يقل به النووي أو غيره من أهل السنة وهذه المسألة مفصلة في الرد على كتاب واقعنا المعاصر ( انظر الفصل الخامس والسادس ) .

2- أنه ليس صحيحا أن أهل السنة يعدون أقوال الأئمة ديناً لهم عصمة في شئ فالقرآن والسنة هما مصدر الأحكام الشرعية عندهم وأما الإجماع والقياس فهما مصادر فرعية لا حجة لها استقلالا بل بالإحالة إلى القرآن والسنة فالأئمة الأربعة أو غيرهم ليسوا متبعين ولا يطاعون إنما نتبع ما نقلوه إلينا من إجماع الصحابة على فهم دين الله . ...

وفي المقدمة يقول الكاتب : طريقنا الذي نسير عليه هو سبيل النبي الخاتم إمام المرسلين هو ذات الطريق الذي سار عليه أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ... يضيئه لنا علماء أمتنا وأئمتنا أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وابن تيمية وابن القيم .

طبيعة المواجهة

يحدد الكاتب طبيعة هذه المواجهة التي أسندها إلى القرآن والسنة فيقول:

المواجهة كحتمية شرعية يقرها الشرع ويأمر بها ويفرضها من وجوه أربعة:

الأول : خلع الحاكم الكافر المبدل لشرع الله .

الثاني: قتال الطائفة الممتنعة عن شرائع الإسلام .

الثالث: إقامة الخلافة وتنصيب خليفة المسلمين .

الرابع: تحرير البلاد واستنقاذ الأسرى ونشر الدين ويستدل على حتمية المواجهة المسلحة بقول الله تعالى{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله }.

وفي المقدمة يقول الكاتب : طريقنا الذي نسير عليه هو سبيل النبي الخاتم إمام المرسلين هو ذات الطريق الذي سار عليه أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ... يضيئه لنا علماء أمتنا وأئمتنا أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وابن تيمية وابن القيم .

ويقول ابن تيمية : (وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد ومقصوده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين (السياسة الشرعية).

وبقوله : ( كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله ) ( من الكتاب) .

وقوله : (بثت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أنه يقاتل من خرج عن شريعة من شرائع الإسلام وإن تكلم بالشهادتين (السياسة الشرعية ).

كما يستدل بقول الله تعالى { فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ...}النساء

كما يذكر أقوال ابن العربي وابن قدامة والجوينى في وجوب الجهاد عند غلبة العدو على قطر من الأقطار .

الاتهام بالكفر والنفاق

وفي الجانب العملي وزع بعض الشباب أشرطة صوتية كرروا فيها طلب الخروج على الحاكم ثم طعنوا على من لم يخرج عليه من الأفراد والجماعات الإسلامية فمنهم من رموه بالكفر ومنهم من رموه بالنفاق ومنهم من حكموا بأنهم جواسيس داخل الحركة الإسلامية يعملون لصالح الطواغيت بغرض تعطيل الدعوة إلى الحكم بشريعة الله وفيما يلي مقتطفات من شريط بعنوان (لا لمبارك):

أولا: من كلمات الأخ ناجح إبراهيم عبد الله ما يأتي

(الشيخ يوسف البدرى هو زعيم المنافقين بمجلس الشعب حيث بايعحسنى مبارك وزعم بتوفر شروط الإمامة الكبرى فيه وقد نافق ومن معه من نواب الإخوان فقد قال الشيخ الشنقيطى : أن من لم يكفر الذين يحكمون بقوانين وضعية فقد ختم الله على قلبه).

ثانيا: من كلمات الأخ عاصم عبد الملك ما يأتي :

1- أن مرشد الإخوان المسلمين عمر التلمسانى طلب أن يكون عميلاً للطاغوت فقال أعطونا الشرعية نقضي لكم على التطرف أي يقضى على المطالبة بتحكيم شرع الله تعالى فهو يقول بغير استحياء أعطونا الفرصة لنكون الطابور الخامس لكم وبهذا قبل الإخوان أن يلعبوا هذه اللعبة القذرة بأن يكونوا جواسيس داخل الحركة الإسلامية .

2- لقد أصبحت كل أسرة تنادى صباح مساء بتحكم شريعة الله وتردد قول الله : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} وهنا بحث الحاكم الكافر عن طابور خامس يكون أداته ضد الإسلام والمسلمين فوجد الإخوان المسلمين لأن تاريخهم يرشحهم لهذه العمالة والجاسوسية

والعمل باسم الإسلام لهدم الإسلام ودلل على ذلك وعلى أنهم خونة بالآتي:

(أ) وصف مرشدهم الأول حسن البنا للملك الفاسق الفاجر بأنه الملك المسلم أو الصالح .

(ب) قال مرشدهم عمر التلمسانى لأنور السادات كنا ندعو لك بطول العمر .

(ج) وقف أحد قادتهم يخطب ويقول في إسماعيل صدقي رئيس الوزراء (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ) وإسماعيل الذي يلمح به ليس هو إسماعيل الذي ورد في القرآن الكريم بل هو جلاد الشعب .

(د) أرسلت هذه الفئة برقية من داخل السجون إلى جمال عبد الناصر تؤيده .

(ه) قال مرشدهم التلمسانى نقبل التدرج في تطبيق الشرعة الإسلامية .

كشف المغالطات والأخطاء الشرعية

إن الأقوال والأحكام السابقة قد تؤثر في بعض الشباب فتحدث فتنة بينما قد بنى أصحابها حكمهم على الحاكم وعلى من لم يخرج عليه من تصورات خاطئة من حيث الواقع أو الحكم الشرعي ومن مغالطات رددها الخصوم في المعارك الانتخابية محرفين الكلم عن مواضعه ومزورين الحقائق بما لم يعلمه كل من عاصر هذه الأحداث وفيما يلي أمثله على المغالطات:

1- يذكر الشيخ شكري مصطفي أقوالا للمرجئة ثم ينسبها إلى أهل السنة وقد أشرت إلى ذلك من قبل .

2- يذكر المنادون بخلع الحاكم أن الطريق المسلح الذي انتهوا إليه هو سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والأئمة .

3- يرددون مقولة من لم يكفر الكافر فهو كافر وهذه تطبق خطأ لأنها خاصة بمن أنكر كفر من ورد كفره في القرآن والسنة كالشرك واليهود والنصارى أما من اختلف في حكم كفره من المسلمين فلا يكفر من امتنع عن تكفيره .

4- يخلطون بين حق الحاكم في قتال من خرج على الشريعة وبين الأفراد في ذلك كما سنرى .

5- يبنون أحكاماً خاطئة استنادا إلى أقوال نسبها الخصوم للبنا وغيره وهي وهم لا يجهلون أن أجهزة الإعلام اليهودية تصدر أقوالا كاذبة وتنسبها إلى القيادات الإسلامية وآخر ذلك ما نشر يوم 2/5/1988 من أن الشيخ محمد متولي الشعراوى قال في نكسة سنة 1967 أنها نعمة من الله وأنه سجد شكراً لله حتى لا ينتصر السلاح الروسي(1) بينما كلام الشيخ شعراوى يتعلق بمنع نصر الله عن الطغاة والظالمين ولم يذكر السلاح الروسي .

المغالطات واتباع الخصوم

إن وصف الآخرين بالنفاق والجاسوسية والعمل مع الكفار للحيلولة دون تطبيق الشريعة الإسلامية قد بنى على افتراضات لا ترقى إلى درجة الظن بل تندرج تحت مدلول المغالطات والغريب أن هذا الشباب لم يعاصر الفترة التاريخية التي يستشهد بها ولم ينقل هذا عن أي مصدر تاريخي هذا الذي يقول به إنما يردد أقوال الخصوم التي يروجونها خلال الانتخابات أما الفترة التي عاصروها فقد تعمدوا التغيير في الوقائع وإليك الأمثلة:

تهمة صلاح الملك

إن المستند الذي خولهم صلاحية اتهام الإمام حسن البنا وجماعة الإخوان هو نصائحه المنشورة في الصحف والموجهة إلى الملك فاروق فكيف يعترف له بالإسلام أو الصلاح في مطالبته له تطبيق الشريعة الإسلامية .

وقد تجاهلوا أن فسق الملك كان في السنوات الأخيرة أما قبلها يشهد الصلوات في المساجد واتخذ الشيخ المراغى إماما له وكانت له مواقف ضد الإنجليز وفساده كان بعد ذلك وكل صبي من العلماء لا يجهل أن الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية لا تكون بالسب والقذف والاتهام بالكفر أو الفسق فالله تعالى يقول { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} ويأمر موسى وهارون بهذه الحكمة مخاطبة فرعون فيقول تعالى{ اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} (طه 43؛ 44) .

وهذا النفر لا يجهل أنه قد نشر الأستاذ محسن في كتابه من قبل حسن البنا في مارس سنة 1987 قبل أن يردد هؤلاء اتهاماتهم للإمام البنا وهذا الكتاب يحتوى على وثائق تثبت أن الملك وحكومته هي التي دبرت اغتيال الشيخ حسن البنا وأنه بعد ثورة سنة 1952 أعيد التحقيق في القضية واعترف المقدم محمد الجزار أن تدبير الجريمة كان بالاشتراك مع السراي وعبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية الذي أحضر محمود عبد المجيد من جرجا ليقوم بالدور ثم قضت محكمة الجنايات في 2-8- 1954 م بمعاقبة المشتركين في المؤامرة بالأشغال الشاقة المؤبدة وبعضهم بالأشغال الشاقة المؤقتة فأين العمالة للملك والحكام؟ كما نشر أيضاً نقد جريدة الإخوان لخطاب الملك في البرلمان وأنه بعد النقد كان يمزق طلابهم صورته في الجماعة في إضراب يوم 19-1-1948 ويهتفون لا ملك إلا الله ويشترك في ذلك القوى الوطنية الأخرى .

تهمة إسماعيل صدقي

هذه التهمة يرددها العلمانيون في الانتخابات ونشرتها جريدة الوطن كما نشرت يوم 2.-12-1985 رداً للأستاذ أحمد العشماوى وهو ما نقتبس منه في هذه المسألة :

ومع هذا يردد الداعية المسلم أن دليله في عمالة الإخوان أن أحد قادة الإخوان المسلمين شبه إسماعيل صدقي بنبي الله إسماعيل وهذه مغالطة فالذي استشهد بالآية القرآنية هو مصطفي مؤمن وكان طالباً بكلية الهندسة وكان يوجه نداء إلى رئيس الوزارة بالالتزام بعهوده ووعوده في المفاوضات مع بريطانيا حيث كانت بريطانيا ترى أن يتم الجلاء عن مصر بعد خمس سنوات ورأي إسماعيل صدقي أن يكون الجلاء فوراً مع تمسك مصر بالسودان ويرفض التحالف مع بريطانيا والاستشهاد بالآية القرآنية كان بكلمات مضمونها أن يكون اسماً على مسمى أسوة بنى الله إسماعيل الذي قال الله فيه { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد ....}.

وقد نشر الأستاذ محسن محمد أن الجمعية العمومية للإخوان اجتمعت برئاسة حسن البنا في اجتماع حضره خمسة آلاف يمثلون الشعب وأصدروا قرارات يطلبون فيها إعلان فشل المفاوضات وبطلان معاهدة سنة 1936 وسحب القوات البريطانية من أراضى مصر والسودان ورفض أي معاهدة قبل أن يتم الجلاء وأنه لم تتخذ الحكومة هذه الخطوات خلال شهر فإن الأمة ستعتبرها متضامنة مع الغاصبين في الاعتداء على استقلال الوطن فأين العمالة لإسماعيل صدقي؟ .

تهمة التلمسانى

ذكر كتاب حتمية المواجهة والأشرطة سالفة الذكر أن الأستاذ عمر التلمسانى نافق السادات بقوله: كنا ندعو لك بطول العمر وعرض أن يكون والإخوان عملاء للحكومة يقومون بالقضاء على التطرف وهو القضاء على المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية .

والمغالطة هنا تلخص في الآتي:

(أ) تواترت الصحافة وبعض أجهزة الإعلام الأخرى على اتهام الإخوان المسلمين بالمسئولية عن أعمال بعض الشباب والجماعات التي كانت تحاكم في قضية خطف الشيخ الذهبي وقتله وكذا السطو على محل لبيع الذهب يملكه أحد النصارى وبعض التصرفات الأخرى .

وفي مواجهة بين مجموعة من الصحفيين والأستاذ عمر التلمسانى استمرت عشر ساعات ونشرتهامجلة المصور رد على اتهام أن هذه التصرفات تخرج من معطف الإخوان المسلمين قال :

لا توجد شرعية للإخوان حتى يقال أن هذه خرجت من توصياتهم ومثل هذه الإجابة لا تعنى ما زعمه هؤلاء بأي حال من الأحوال ولا يقبلها أي عقل من العقول وقد كرر هذا المرشد الحالي الأستاذ محمد حامد أبو النصر في حوار له مع الأستاذ مكرم محمد رئيس تحرير المصور فقد أخذ على المصور موقفها السيئ من الشريعة الإسلامية وأوضح أن من سلك سبيل العنف لا يعالج بعنف مضاد من السلطة فهذه خسارة للأمة والوطن وهم يثقون فيهم والإخوان يحول بينهم وبين هذا الحوار عدم المنابر المسموح بها للحوار لتعسف الحكومة .

(ب) نشرت مجلة الدعوة تقريراً تضمن أن ميتشل المسئول السابق في المخابرات الأمريكية وضع خطة مع بعض المسئولين المصريين لضرب الحركة الإسلامية وقياداتها فما كان من السادات إلا أن أمر بجمع عدد من الشخصيات الإسلامية على أن يكون من بينهم الأستاذ عمر التلمسانى في اجتماع بالإسماعيلية يذاع على الهواء بواسطة الإذاعة والتليفزيون فأدرك المنوط بهم إحضار الشيخ التلمسانى مؤامرة تعد له وكانت المفاجأة أن وجه السادات الاتهام إلى الشيخ التلمسانى والإخوان أنهم يتهمونا الحكومة بالتآمر مع أمريكا ضد الحركة الإسلامية وقال أن هذا الاتهام كاذب وقد مضى عهد الاحتلال

الذي كان فيه المندوب السامي هو صاحب الأمر في البلاد وأنه أمر بالتحقيق فإذا ثبت أن رئيس الوزارة ممدوح سالم متورط في شئ من هذا سينال أقصى العقوبات وإن ثبت أنه غير مدان يصبح الإخوان والتلمسانى هم المدانون بهذه الاتهامات وسيوقع بهم أشد العقوبات لأنهم يتآمرون ضده فأجاب التلمسانى أنه شخصياً لا يفكر في العمل ضد السادات ويسأل الله أن يظل لأنه أغلق المعتقلات وترك الحريات بصورة لم يسمح بها سلفه .

ثم قال له : اسمع يا محمد يا أنور يا سادات إنك أنت الذي وجهت الاتهام ولو كان غيرك قد ظلمنا بهذا الاتهام لكان النظام يقضى أن أشكو إليك ممن هم تحت رئاستك فإذا وقع الظلم من رئيس الجمهورية ورئيس العائلة فلا يوجد إلا أن أشكوه إلى الله رب العالمين وطلب السادات أن يسحب الأستاذ عمر شكواه فأعلن رفضه لطلب رئيس الجمهورية وكرر ذلك .

هذه العبارات مازال القطاع العريض من الشعب المصري يتذكرها وقد شاهد الحوار بالتليفزيون مازال هؤلاء يثنون على موقف الشيخ التلمسانى ولهذا شيع جنازته جميع فئات الشعب .

ولكن الأخوة الأفاضل يفهمون ما لا يفهمه الناس وحولوا هذا الحوار الى عمالة وطابور خامس لضرب الإسلام و الحركة الإسلامية فهداهم الله إلى الالتزام بحكم الله الذي يحرم هذه الأكاذيب و الظنون .

برقية تأييد عبد الناصر

أما البرقية التى أرسلها بعض الإخوان من أحد السجون فكانت أثناء العدوان الثلاثي على الإسماعيلية و السويس وبور سعيد وتضمنت استعدادهم للدفاع عن الوطن في كتيبة خاصة بهم ، ويعودون إلى السجن بعد طرد المغتصب حتى يحكم الله في الخلاف بينهم وبين هذا الحاكم والمتمثل في نكوثه عن عهده بالحكم بالكتاب و السنة ومن بين هؤلاء قادة الجهاد في فلسطين سنة 1948 و الذي زعم الحكم الناصري أنهم عملاء للإنجليز و اليهود و الكثرة الغالبة لم تشارك في البرقية وظلت عشرين عاماً في السجون لاعتقادهم أن السلطة تسعى للحصول على تأييد للظالمين وتصفية الإسلاميين .

أما الثانية في حوار بالسجن الحربي ومعتقل أبي زعبل حيث أكد أطراف الحوار مع السلطة أنهم لا يمانعون في الدفاع عن البلاد في هزيمة 1967 مع أن نفراً منهم قال أن الحكم المصري كالحكم الإسرائيلي وكلاهما حكم جاهلي وكل ذلك مفصل فى كتاب الحكم وقضية تكفير المسلم.

تهمة التدرج فى تطبيق الشريعة

عند مناقشة اقتراح تعديل القوانين المصرية لتصبح قوانين إسلامية إعمالاً لنص المادة 2 من الدستور التى صرحت أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ، تعلل نواب الحكومة بالصعوبات التى تنجم عن التطبيق الفوري وطلبوا تأجيل البت في الاقتراح فأعلن الشيخ التلمسانى أن ينص على التطبيق خلال مدة زمنية لأن أمنية كل مسلم مخلص لدينه أن تسترد الشريعة الإسلامية مكانتها وتعود لتسود المجتمع كله حكاماً ومحكومين وهذه الأمنية الغالية ليست سهلة المنال بمجرد قلم أو صدور تشريع أو قانون لأن من التصورات الخاطئة عند البعض أن معني تطبيق الشريعة هو إقامة الحدود فحسب وبذلك تكون الشريعة الإسلامية قد طبقت فليست الشريعة مجرد حدود فقط بل نظام شامل يغطى كافة مناحي الحياة .

وحتى يكون تطبيق الشريعة جاداً وليس شعاراً يرفع لابد من اتخاذ عدة خطوات متأنية ومدروسة حتى تتحقق فى النهاية الغاية المنشودة الأمر الذي يتعين أن يكون تطبيق هذا الأمر بالتدريج وعلى مراحل حتى لا تتكرر تجربة السودان الفاشلة في هذا المجال فتطبيق الشريعة يستلزم تحديد أمور ثلاثة :

أولا : ما المقصود بتطبيق الشريعة

إن كلمة الشريعة عبارة متسعة يحسن حنى تنتقل من مجال النظرية إلى مجال التطبيق تحديد مقصودها ومضمونها خاصة وأن هناك اختلافات في أمور فرعية أصبحت محل جدال عنيف وآراء متعددة مثل مسألة النقاب والموسيقى والأغاني وغيرها لذا يجب الاتفاق على تصور محدد للمقصود بالشريعة والانتهاء إلى رأى موحد في هذه الأمور منعاً من إثارة المشاكل مستقبلاً وكل يدعى أنه يطالب بتطبيق الشريعة الصحيحة وإن ماعداه ليس على الحق المبين وفي هذا المجال يحسن تحديد : هل العبرة بالالتزام بمذهب من مذاهب الأئمة الأربعة أ، غيرهم أو الأخذ بأصح الآراء وأسلمها من أي مذهب كان طالما كان له سنده الفقهي الذي يعتد به .

والشريعة يجب أن تتناول تصور نظام الحكم الذي يرضاه الإسلام وأجهزة الحكم ونظام الشورى والنظم المالية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع وذلك حتى يتحقق للتطبيق المنشود الشمول والتوافق ونكون بصدد الإيمان بالكتاب كله لا ببعضه .

ثانيا: مجتمع الشريعة الإسلامية

من المسلم به أن المجتمعات الإسلامية إن لم تكن كلها أو غالبيتها قد ابتعدت عن تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً كاملاً وصحيحاً فبعضها يأخذ منه ما يشاء ويدع الباقي أو يتهرب من تطبيقه كما أن بعض المجتمعات ليست كلها مسلمة ففيها جانب من غير المسلمين فضلاً عن الأجانب وهؤلاء ينظرون إلى الشريعة نظرة مخيفة ويتصورن أنها ستأخذ برقابهم وهذا ما يدفعهم لإثارة الدول الكبرى غير المسلمة واستعدائها على الدول الإسلامية والتي هي بلا شك وبكل أسف في حاجة شديدة إلى تلك الدول الكبرى سواء من ناحية السلاح أو من ناحية الغذاء والمساعدة وهي أمور حساسة يجب أن توضع في الاعتبار لذا يجب تهيئة تلك المجتمعات لتكون

مستعدة لتطبيق الشريعة على الأقل بدون مشاكل كبيرة وذلك بدأ بتقوية هذه المجتمعات وتنمية قدراتها الاقتصادية حتى تكون قادرة على الاعتماد على نفسها في الأمور الرئيسية في حياتها ولا تكون تابعة وخاضعة للدول التي تطعمها وتكسوها مع تعميم وعى إعلامي كبير بمحاسن الإسلام ومزاياه وخاصة بالنسبة لغير المسلمين هذا فضلاً عن تأكيد معنى الحرية والعدل تأكيداً فعلياً لا قولياً وكفالة حقوق الإنسان وحرية الأديان وذلك حتى يأمن كل إنسان على نفسه وماله وعرضه بعيداً عن إرهاب الدولة وإرهاب الأفراد .

والمجتمع المقصود لابد أن تتغير فيه أنماط المعاملات وأساليب الحياة فمثلاً: نظام البنوك الربوية القائمة الآن والتي تعتمد عليها التجارة والصناعة وخطط التنمية وكذلك الشأن بالنسبة لشركات التأمين والشركات التي تنتج الخمور رسمياً ووسائل الإعلام من إذاعة وتليفزيون وصحافة ونظم التعليم وكفالة العلاج والسكن وإتاحة فرص العمل والالتزام بالأجر العادل للعامل بما يكفي حلجته هو ومن يعول والتوسع في مجال الزراعة والصناعة والإنتاج بكافة أنواعه مع اتباع أحدث الأساليب العلمية كل هذه الأمور وغيرها في حاجة إلى هزة عنيفة في المجتمع توقظه من غفلته حتى يسير في الطريق الصحيح كل هذه المتغيرات المطلوبة لا يمكن أن تتم بين يوم وليلة ولا بعصا سحرية فتنصلح ولا بخطط تنموية ورقية لا تتجاوز الأوراق المكتوبة عليها لذا فإن هذه

التهيئة للمجتمع تحتاج لوقت طويل وتحتاج لمراحل وهذا بالطبع لا يمنع من أن يكون من الآن ومستقبلاً أن لا توضع خطة ولا يشرع قانون إلا إذا كان موافقاً للشريعة الإسلامية منعاً من ازدياد تراكمات المجتمع ومضاعفاته ولعل فكرة البنوك الإسلامية وشركات توظيف الأموال الإسلامية وهي في مجال التجربة وبالطبع خاضعة للخطأ والصواب -تكون نواة لتغيير أسس المعاملات في هذا المجتمع وكذلك بعض المصانع فهي خطوات على الطريق تحتاج لدعم ومساعدة حتى تواصل مسيرتها موضحة نموذجاً إسلامياً للتعامل وإذا ما تحققت الصورة المرجوة لهذه المجتمعات على النحو السليم كانت أرضاً صالحة وخصبة لتطبيق الشريعة لأنه من المعروف أن النبتة الصالحة لا تنبت وتؤتى ثمارها في الأرض السبخة وإنما يلزمها أرض خصبة .

ثالثا: أجهزة تنفيذ أحكام الشريعة

إذا ما توافرت عناصر تحديد الشريعة وتهيئة المجتمع يبقى بعد ذلك الأجهزة التي ستتولى تطبيق الشريعة وهذه يجب أن تكون في الأغلب الأعم مسلمة وصالحة لأنه إذا كان في هذه الأجهزة عدم كفاءة أو انحراف فإنها ستسيء إلى تطبيق الشريعة وليست تجربة السودان ببعيدة فقد كانت المحاكم التي عهد إليها بتطبيق قوانين الشريعة ليست على المستوى المطلوب مما أساء إلى الشريعة لذا فيلزم حسن اختيار هذه الأجهزة من العناصر الصالحة ولتكون بمثابة القدوة والشريعة المتحركة والنموذج الصالح الذي يكون حافزاً ودافعاً إلى التمسك بالشريعة واتباعها وللوصول إلى هذه الغاية يلزم تدريب تلك العناصر في جو إسلامي واختيار الصالح منها بدون مجاملة أو هوى .

وإذا ما تحققت هذه العناصر نكون بإذن الله وصلنا إلى مرحلة تطبيق الشريعة فعلاً لا قولاً وهذه المرحلة المبتغاة ليست سهلة وقريبة المنال لذا فلابد من السير فيها على مراحل أخذا بسنة التشريع الإسلامي نفسه في معالجة مثل هذه الأمور وليس في أي محاولة لهدم الإسلام كما ظن عديمو الخبرة من الشباب الذين يظنون أن الأمر سينتهي بمجرد صدور قانون بحلول الشريعة محل القوانين بل إن مثل هذا التسرع يقضى على آمال المسلمين بإعلان فشل التطبيق .

المواجهة والخروج على الحاكم

لقد فهم هذا النفر من الشباب وهم حفنة قليلة لا تعد ذات أثر في الحركة الإسلامية التي ينسبون إليها العمالة والخيانة فهم هؤلاء الجهاد على أنه خروج على الحاكم لأنه قد كفر كفراً بواحاً يوجب ذلك أو للدفاع عن أنفسهم ضد حملات الاعتقال والتعذيب واستدلوا بقول الدكتور محمد نعيم ياسين: (كل قول أو تصرف أو اعتقاد يتضمن استحقاق المخلوق للعبادة أو نفي استحقاق الخالق لأن يعبد بأي نوع من العبادة كل قول أو تصرف يتضمن أحد هذين الأمرين يدخل صاحبه في الكفر والردة ويكفر من يدعى أن له الحق في تشريع ما لم يأذن به الله ) .

واستدلوا بما رواه البخاري عن عبادة بن الصامت قال (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم فيه من الله برهان ) واستدلوا بآيات الجهاد والقتال كما استدلوا بالآيات القرآنية المشار إليها في بداية البحث وقالوا إن منهجهم في حتمية المواجهة المسلحة هو موقف السلف الصالح وحتى تزول الشبهة لدى هؤلاء الإخوة ومن قرأ أقوالهم من الشباب وحتى لا تكون هناك فتنة نعرض لأمور هي :

الأول : الكفر المخرج عن الملة ومن الذي يحدده ويحكم به .

الثاني : شروط الخروج على الحاكم ومن الذي يتولى ذلك .

الثالث: الجهاد ومتى يكون ومن الذي يعلنه .

الرابع: مواقف الرسول والصحابة في هذه المسألة .

الكفر المخرج عن الملة

لقد قال البعض بكفر جميع الحكام في المجتمعات الإسلامية وبكفر من لم يكفرهم وقال آخرون بكفر وعمالة من لم يخرج عليهم بالسلاح حسما نقلت عنهم في هذا الفصل .

ويستدل هؤلاء بقول الله تعالى { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } الأنعام آية 121 .

وبما ورد في الحديث الشريف : ((إلا أن تروا كفراً بواحاً لكم فيه من الله برهان )) إن التفسير الذي يقول به هؤلاء ليس هو منهج الصحابة والأئمة من بعدهم كما يظنون ويقولون .

فلقد شرب قدامة بن عبد الله بن مظعون الخمر وعندما أمر الخليفة عمر بن الخطاب بإقامة الحد عليه زعم أنه لا عقوبة في ذلك طالما اتقى الله وعمل الصالحات واستدل بقول الله تعالى : {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين }.

ولما أوضح له فقهاء الصحابة بحضور الخليفة أن هذه الآية نزلت لتنزيل الحرج في فهم بعضهم لقول الله تعالى :{ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون }.

فقد قال البعض أن الرجس في دمائهم لمداومتهم على الشرب قبل نزول التحريم في الآية 9.

فنزلت الآية 93 لنزيل هذا الحرج بالعمل الصالح وقال ابن عباس هي عذر للماضين وحجة على الباقين وأوضح فقهاء الصحابة أنه إن أصر قدامة على أن الخمر حلال يكفر بذلك ويقتل وإن أقر بالتحريم فإن طاعته غيره في المعصية وهي شرب الخمر لا تكفره ويجلد فقط فأوضح أنه علم بالتحريم وحاول أن يهرب من إقامة الحد عليه .

فمن أطاع كافراً في عمل من الأعمال التي هي من المعاصي وليست من أعمال الكفر كشرب الخمر أو أكل لحم الخنزير يكون عاصياً ولا يقال في حقه { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } .

قال ابن تيمية :( من اتبع في العمل فقط فلم يستحل الحرام كان فاسقا أما من اتبع الاعتقاد باستحلال الحرام وتحريم الحلال كان كافراً وقال ابن العربي : ( إنما يكون المؤمن مشركا بطاعة المشرك إذا أطاعه في الاعتقاد ، فإن أطاعه في الفعل وعقده سليم مستمر على التوحيد والتصديق فهو عاص فافهموه ).

والطاعة الواردة في آية الأنعام شرك لأنها طاعة في الاعتقاد بحل ما ذبح لغير الله حيث كان يزعم أهل فارس أن الميتة حلال وأن الله قد ذبحها من ذهب وكتبوا بذلك إلى العرب فنزلت الآية 121 بسورة الأنعام فالطاعة هنا في الاعتقاد بحل ما حرمه الله .

وفي تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدى بن حاتم عن الأحبار والرهبان : (( كانوا يحلون لكم الحرام فتستحلونه ويحرمون عليكم الخلال فتحرمونه )) قال : بلى يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( فتلك عبادتهم من دون الله )) .

قال ابن تيمية :هم على وجهين :

(أ) أشخاص يعلمون أن الأخبار والرهبان بدلوا دين الله فاتبعوهم على هذا التبديل فاعتقدوا بتحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعا لرؤسائهم مع علمهم بمخالفتهم دين الله .

فهذا كفر وسماه النبي صلى الله عليه وسلم شركاً ولو لم يصلوا لهم ويسجدوا لهم .

(ب) أشخاص يكون اعتقادهم بالتحليل والتحريم ثابتاً ولكن أطاعوهم في المعصية كالمسلم يفعل المعاصي ويعتقد أنها معصية فهؤلاء ليسوا أهل كفر وردة .

فمن قال من الحكام لا سلطان للإسلام على حياة المسلمين فهذا كافر مرتد ويدخل هذا في الكفر البواح ومن ظن أنه لا يستطيع تنفيذ حد من الحدود لظروف المجتمع الاقتصادية أو الاجتماعية فلا يملك أحد أن يحكم بردته وكفره مع إنكارنا الشديد له وعدم تصديقنا لدعواه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( هذه الأقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر وكذلك أفعالهم التي هي جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضا ولكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه.

وقال : (من كان في قلبه الإيمان بالرسول وما جاء به وغلط في بعض ما تأوله من البدع فهذا ليس بكافر أصلاً والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالا للأمة وتكفيراً لها ولم يكن في الصحابة من يكفرهم ) ولقد فطن الإمام حسن البنا لهذا فلم يكفر أشخاصاً بأسمائهم من الحكام أو غيرهم ممن يدخلون المساجد وكان يدعوهم إلى تطبيق شريعة الله ويحذرهم من المخالفة ويذكرهم بقول الله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } .

والكفر البواح الوارد في الحديث النبوي يجيز أن ينازع الحاكم وأن يخرج عليه إذا ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه قد خرج عن ملة الإسلام وهذا لا يختص به كل شاب كما يفعل بعض شباب اليوم فالحكم بالكفر كما يقول ابن تيمية موقوف على ثبوت شروط الكفر وانتفاء موانعه يقول الإمام النووي : معنى الحديث (( لا تتنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وأتوا بالحق حيثما كنتم )) .

والنووي يرى أن المعصية تدخل في الكفر البواح ويؤيد رأيه وجود رواية في الحديث فيها : ((إلا أن يكون معصية لله بواحا)) فهل يختص كل فرد بإعلان كفر الآخرين وقتلهم فهذا ما نتناوله في البند التالي .

سلطة جهاد الكفار والعصاة

ينقل هذا النفر عن ابن تيمية قوله : (يقاتل من خرج على شريعة الإسلام وإن تكلم بالشهادتين) وقوله : (كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله )) ( من الكتاب ) .

ويستشهدون بكلام الدكتور محمد نعيم ياسين بدخول المسلم الكفر ويصبح مرتداً إذا نفي استحقاق الله للعبادة أو قال قولاً أو عمل عملاً من شأنه استحقاق المخلوق للعبادة .

وهذا الكلام لا يتعلق بالموضوع محل الخلاف فلا خلاف بين المسلمين بكفر من اعتقد ذلك ولكن الخلاف في وصف بعض الأعمال هل هي كفر لأن صاحبها ينكر حكم الله فيها أم أنها معصية لعدم صدور ما يكشف عن أن صاحبها يعتقد بحقه في التحليل والتحريم من دون الله .

والدكتور محمد نعيم ياسين تعرض لهذه المسائل ولكن القوم أغفلوا أقواله لأنها تخالف ما يريدون من الخلاف والطعن والتجريح في غيرهم.

ففي بند ( كيف يكون جهاد الكفار ) يقول الدكتور محمد نعيم ياسين :

1- عندما لا يكون للمؤمنين سلطان مادي في الأرض والسلطان المادي بيد أعداء الله والحكام يحكمون بغير منهج الله فيكون جهاد الكفار بدعوتهم إلى دين الله عز وجل وبيان فساد عقيدتهم ومنهاجهم وبيان مخاطر ما هم فيه من البعد عن الله .

2- عندما يكافئ الله الطليعة المؤمنة بالنصر والتمكين فتأخذ السلطة ويمن الله عليها بالمنعة والقوة المادية ويكون لها دولة في الأرض يكون جهاد الكفار بالدعوة المدعومة بالسلاح والقوة .

وقد استشهد بعمل الرسول صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من اله بالكف عن القتال وعن رد العدوان قبل التمكين له في المرحلة المكية ثم كانت مرحلة التمكين في المدينة وأباح الله للمؤمنين استخدام السلاح لهذا :

فقول ابن تيمية : يقاتل من خرج على شريعة الإسلام صحيح ولكن من المخول لهذا القتال هل يتولى كل فرد أو جماعة قتال الآخرين إنه إن حدث ذلك فإنها ستكون فتنة لا يعلم مداها إلا الله .

لقد روى عبد الرحمن بن أبى بكر لبعض الصحابة ومنهم عبيد الله بن عمر أنه كان قد رأي الهرمزان وأبا لؤلؤة المجوسي وجغينة يتناجون بينهم قبل مقتل عمر بن الخطاب ولما دنا منهم قاموا فسقط بينهم خنجر تنطبق أوصافه على الخنجر الذي قتل به عمر .

ولما سمع عبيد الله بن عمر ذلك رفع سيفه وقتل الهرمزان فحبسه صهيب وكان والياً على المدينة عند مقتل عمر (1) ولما بويع عثمان بالخلافة أشار على الصحابة في أمر عبيد الله ابن عمر وقال أنه فتق في الإسلام ما فتق فأشار بعضهم بقتله وقال آخرون يقتل ابن عمر اليوم وأبوه بالأمس وذكر أنه لم يكن الخليفة قد بويع بعد حتى يصبح عبيد الله معتديا على سلطة الدولة قال عثمان : أنا وليهم وجعلها دية شريعة من ماله الخاص .

بل روى الطبري أن عثمان بن عفان مكن ابن الهرمزان من عبيد الله بن عمر ليقتص منه فعفي ابن الهرمزان عن عبيد الله (1) .

وإذا كان ذلك فكيف يبيح هذا النفر لكل من هب ودب أن يفتى بإباحة دماء من خالفهم وبالقصاص منهم وقتلهم ؟ .

إن هذه هي الفتنة بعينها وهي ما يسعى خصوم الإسلام إلى إلصاقه بالحركة الإسلامية ليكون هذا عذر الطاغوت في قتالهم وتصفيتهم .

شبهات حول القتال والمواجهة المسلحة

إنه لا يجادل أحد من صبيان العلماء في أن الجهاد بالسلاح واجب شرعاً إذا احتل الكفار ديار المسلمين أو عند امتناع طائفة من المسلمين عن أداة الزكاة أو لأي سبب مما ذكره ابن تيمية أو الأئمة المجتهدون ولكن لم يذكر هؤلاء من المنوط به إعلان الجهاد وشروط ذلك وهو ما ذكرته في البند السابق .

كما أن الأخوة الذين يرفعون راية الجهاد كما ورد في كتابهم أغفلوا ذكر الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي توجب أن يكون هذا الجهاد والقتال بمعرفة الدولة الإسلامية تحت قيادة أمير المسلمين أو الخليفة .

وأغفلوا ما يدل على أن هذا القتال لا يقوم به الأفراد في مواجهة المجتمع المسلم أو بعض أفراده حتى لو كانوا من العصاه لأن ذلك يؤدى إلى فتنة تؤدى إلى أن يقتل المسلمون بعضهم بعضاً ولهذا أمر الله المؤمنين بالكف عن القتال في مكة حيث لم يكن للمؤمنين دولة وإمام مطاع وكان المجتمع غير مميز .

وقد قال الله تعالى : { هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدى معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منه معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليما } (سورة الفتح 25) وآيات القتال: { فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ..} تنتهي بقول الله تعالى { ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية ..} 74- 77 النساء .

كما توجد شبهات أخرى لدى بعض الشباب وقد أورد بعضها الأخ المهندس عبد السلام فرج في كتابه (الفريضة الغائبة)

أهمها أن حكام هذا العصر هم كالتتار الذين أفتى ابن تيمية بالخروج عليهم فيرى هذا النفر القليل من الشباب ضرورة الثورة على الحكم والحكام مستدلين بالآتي:

1- قول الله تعالى : { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } .

2- والقاعدة الفقهية : ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) .

3- ما ورد في الحديث الشريف : ((وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم )) قلنا يا رسول الله : أفلا ننابذهم عند ذلك ؟ قال :(( لا ما أقاموا فيكم الصلاة)) .

والجدير بالذكر أنه يستدل بهذا الحديث على عدم شريعة الخروج على الحاكم الفاسق طالما يقيم الصلاة في المسلمين بينما يستدل الفريق الآخر بنفس الحديث على شرعية الخروج على هذا الحاكم لأن العبارة لا تعنى مجرد إمامة الناس في المساجد أو أداء الفرائض نفسها بل تشير إلى استكمال أسباب الإيمان الكامل للحديث الآخر عند البخاري وفيه ((وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم من الله فيه برهان )) حيث ورد في رواية أخرى للبخاري بلفظ :((إلا أن تروا معصية بواحاً )) وبلفظ ((إلا أن يأمروا بإثم بواح )) فقالوا : المراد بالكفر في الرواية الأولى المعصية والإثم البواح .

4- كما يستدلون بقول الله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }

ووجه الاستدلال أن الحاكم بغير ما أنزل الله ينطبق عليه وصف الكفر البواح الذي به يخرج المسلمون على هذا الحاكم فهذا ما نبسطه في البند التالي .

5- آية السيف وحديث الذبح وهو ما يستدل به المرحوم المهندس محمد عبد السلام فرج في كتابه (الفريضة الغائبة ) الذي احتسبه لله طلباً لنيل درجة الشهداء .

وقفة مع السيف والذبح ؟

يراد بآية السيف قول الله تعالى { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وقد أجاب الأستاذ سيد قطب على هذا الفهم بأن آيات القرآن المحكمة تفيد عدم قتال غير الأعداء وترك المسالمين وأن هذه الآية خاصة بالمعاهدين من المشركين .

أما الذين لم ينقضوا عهدهم فإن الله أمر نبيه بإتمام العهد بينهم إلى مدته { فأتموا عهدهم إلى مدتهم} كما يقول سيد قطب .

والآية التي تلت آية قتال المشركين تؤكد أنه لا يباح قتل كل مشرك كان له عهد مع النبي أو لم يكن له عهد لقول الله تعالى { فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم } .

وأما حديث الذبح ففيه (( لقد جئتكم بالذبح )) فلا يوجد في كتب السنة التسعة ولا في كنز العمال ولا في صحيح الجامع الصغير وإن صح جدلاً فهو خاص بأهل الجزيرة العربية لحديث ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأنى رسول الله .. )) رواه البخاري ومسلم ) فالحديث عام أريد به الخصوم فالناس هم أهل الجزيرة العربية بدليل أن الله قد قال { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم } ولا خلاف أن القائل هو نعيم بن مسعود أو جماعة من العرب وليس جميع الناس والناس الذين جمعوا الجموع للحرب هم أبو سفيان فالحديث النبوي خاص بمن نزلت فيهم آيات سورة التوبة وهم مشركو العرب خاصة .

قال ابن القيم : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صار الكفار معه ثلاثة أقسام:

(أ) قسم صالحهم ووادعهم على ألا يحاربوه ولا يظاهروا عليه .

(ب) وقسم حاربوه وناصبوه العداوة .

(ج) وقسم لم يصالحوه ولم يحاربوه .

وقال أيضا : فلما نزلت آية الجزية أخذها من المجوس واليهود والنصارى ولم يأخذها من عباد الأصنام وذلك لأن فرض الجزية كان بعد أن أسلمت دارة العرب ولم يبق فيها مشرك ولهذا غزا تبوك بعد الفتح وكانوا نصارى ولو كان بأرض العرب مشركون لكانوا يلونه وكانوا أولى بالغزو إن تطبيق آيات سورة التوبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد ومسلم والترمذى وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لأمراء الجيوش (( وقاتلوا من كفر بالله ... وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (( فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم ... فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وإن هم أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش ((هل لكم في كلمة تدين لكم بها العرب وتؤدى العجم إليكم بها الجزية)) قالوا : ما هي ؟ قال : لا إله إلا الله )) (رواه أحمد والترمذى) .

أما حديث السيف : ((بعثت بالسيف بين يدي الساعة)) فقد روى بطريق ضعيف وآخر موقوف على طاووس وهو تابعي ولو صح لكان خاصاً بالعرب كآيات التوبة وحديث :(( أمرت أن أقاتل الناس)) .

شروط القتال

إن جواز قتال هؤلاء عند تحقق سبب القتال شرعاً يكون من خلال القاعدة الشرعية في تعارض المصالح مع المفاسد فإن كانت مفسدة القتال أكثر من المصلحة فلا يجوز القتال رغم توفر أسبابه ومن يتولاه على نحو ما ذكر الدكتور محمد نعيم ياسين حيث استشهد القوم ببعض أقواله وتركوا ما خالف فهمهم حسبما ذكرت من قبل .

قال الإمام ابن تيمية ( ومن هذا الباب إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبى وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان فإزالة منكر بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمداً يقتل أصحابه ) .

وابن حزم وهو من المتحمسين لرد المفاسد بالقتال بل يعد السكوت عند القدرة ظلماً من الساكت ولكنه يلتزم هذه القاعدة فيقول : إذا كان أهل الحق في عصابة يمكنهم الدفع ولا ييأسون من الظفر ففرض عليهم ذلك وإن كانوا في عدد لا يرجون لقلتهم وضعفهم الظفر كانوا في سعة من ترك التغيير باليد .

طاعة الحكام والتعارض بين النصوص

توجد نصوص شرعية تحث على الصبر وهي التي استمسك بها من قالوا بعدم جواز الخروج على الأئمة مهما فسقوا وظلموا حتى أن المستشرقين الباحثين قرروا أن الحاكم المستبد بين المسلمين لا سبيل إلى عزله مهما طغى وظلم حتى قال مرجليوت : إن المسلمين ليس لهم حق ضد رئيس الدولة وقال ماكدونالد : لا يمكن على الإطلاق أن يكون الإمام حاكما دستوريا بالمعنى الذي نعرفه .

كما توجد نصوص شرعية تحث على دفع الظلم والخروج على الظالم حتى قال ابن جزم بتحريم السكوت على هذا الظالم وهذه نصوص ظاهرها التعارض حتى قال ابن حزم فكان ظاهر هذه الأخبار (أي الأحاديث) معارضاَ للآخر فصرح أن إحدى هاتين الجملتين ناسخ للأخرى ثم يقول : فوجدنا تلك الأحاديث التي فيها النهي عن القتال موافقة لمعهود الأصل ولما كانت عليه الحال في أول الإسلام بلا شك وهذه الأحاديث الأخر واردة بشريعة زائدة وهي القتال وهذا ما لا شك فيه .

فقد صح نسخ معنى تلك الأحاديث ورفع حكمها حين نطق عليه السلام بهذه الأخر (أي أحاديث القتال ) بلا شك فمن المحال المحرم أن يؤخذ بالمنسوخ ويترك الناسخ وأن يؤخذ الشك ويترك اليقين ولكن برد الأمور إلى أصولها يتعين :

1- أن الخلافة والإمامة في الإسلام لها غاية قال عنها الفقهاء (1)

( لابد لكافتهم من إمام ينفذ أحكامهم ويقيم حدودهم .. وينصف المظلوم وينصف من الظالم وينصب القضاء والولاة ...).

فالحاكم مهمته تنفيذ الأحكام الشرعية وتحقيق مقاصد الإسلام قال تعالى { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } .

وفي حدود هذا نفهم النصوص الشرعية وهي القرآن والسنة التي تحث على الطاعة وأنها في المعروف فلا طاعة في معصية وأنها طاعة لله تعالى كما نفهم معنى الصبر على الحاكم إن أقام الصلاة في المسلمين ولكن في حياته الخاصة لا يلتزم بجميع أحكام الإسلام فهذا الحاكم له الطاعة ووسيلة إصلاحه النصح قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من رأي منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )) أخرجه مسلم .

إن الذين شرعوا في الخروج على الحاكم بغير فهم دقيق لهذه الضوابط أراقوا الدماء دون أن يستفيدوا بفشل الذين خرجوا على الأمويين والعباسيين وغيرهم بغير ضوابط .

فإن عمل الحاكم بغير شرع الله فإن إزالة هذا المنكر يكون من خلال قاعدة المصلحة كما سترى .

القتال وقاعدة مالا يتم الواجب إلا به

يظن هذا النفر من الشباب أنه طالما كان عزل الظالم أو الباغي واجب فإنه إن توقف هذا العزل على قتله ومن حوله لكان القتل واجباً لقاعدة (مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب ) .

وهذه القاعدة من وضع البشر (3) وليست نصاً في القرآن والسنة وهم يجعلونها مخصوصة بما يرد في القرآن أو السنة من التزامات لا تؤدى إلا بغيرها من الأمور التي تلزم لأداء العبادات وليس في مجال الحدود والعقوبات فالأمر بالوضوء واجب بالقرآن والسنة ولكن لا يتم إلا بالبحث عن الماء فصار البحث عنه وتوفيره واجبا (1) .

كما أن هذه القاعدة لا تجعل حكم الواجب الأصلي هو ذات حكم الواجب الفرعي فالزنا محرم في القرآن والسنة والنظرة الآثمة تؤدى إلى الزنا وهي لذلك محرمة ولكنها لا تأخذ حكم الزنا من الجلد أو الرجم والعجيب أن هذا النفر وفي كتابهم المواجهة يرون أن من لم يواجه الاعتقال بالقتال فقد أصبحت مناهجه عاجزة عن حمايته وسقطت شرعية وجوده في الحركة الإسلامية لأنه يلزم إشعال البارود في مواجهة الحاكم الظالم المغتصب ويرى جمهور أهل السنة أن من تغلب على الإمام الشرعي وقهره واستولى على الحكم بالقوة يكون مغتصباً ولا شرعية له ومع هذا يحرم الخروج على هذا المغتصب لأن الخروج يؤدى عادة إلى الفتن وسفك الدماء واضطراب البلاد والعباد ولأن من شروط منع المنكر ألا يؤدى ذلك إلى ما هو أنكر منه (2) .

فإذا كانت القاعدة أن للأمة خلع الإمام وعزله بسبب يوجب ذلك كالردة أو الفسق إلا أنهم يرون ألا يعزل إذا أدى العزل إلى الفتنة حيث أن الواجب هنا هو احتمال أدنى الضررين .

فمن شروط الخروج على الحاكم على الحاكم الفاسق توفر المنعة والغلبة والشوكة لدى الخارجين أي توفر الكثرة والقوة لديهم ليستطيعوا عزل الحاكم أو رده إلى العدل والحق ويشترط الشافعية فضلاً عن هذا أن يكون في الخارجين إمام مطاع لأن الشوكة لا تتم إلا بوجود الشخص المطاع بينهم ولو لم يكن إماماً لهم فلا شوكة لمن لا يطاع .

وتطبيق ذلك في عصرنا يجعل عزل الحاكم إما عن طريق الجيش أو عن الطريق الدستوري بمعرفة المجالس النيابية التي تختارها الأمة ذلك أن قيام أفراد من الجماعات الإسلامية بإشعال البارود لمنع حفل غنائي أو للحيلولة دون اعتقال الشرطة لنفر منهم يؤدى إلى ما هو أكثر ضررا بل إن هذا يصبح مبرراً للسلطة الظالمة أن تصادر جميع النشاطات الإسلامية وترهب كل من التزم بالإسلام ولهذا لجأ بعضهم إلى استخدام هذا الأسلوب واستدرجوا بعض الشباب لهذه الوسائل .

الصحابة والفقه المعاصر وقتال الحاكم

لقد طبق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المبادئ فحصل منهم الإنكار باللسان فقط تارة وحصل منهم الإنكار بالقلب فقط تارة أخرى وحصل منهم الإنكار بالسلاح مرة ثالثة وذلك حسب ظروف كل حالة .

(أ) فعندما أشار المغيرة بن شعبة على معاوية بن أبى سفيان بعد أن أصبح خليفة أن يأخذ البيعة لابنه يزيد ليتجنب ما حدث من خلاف وسفك للدماء بعد مقتل عثمان فإذا حدث للخليفة حادث كان ابنه إماما وأميراً بعد أبيه ولا تسفك الدماء ولا تكون هناك فتنة ففعل ذلك معاوية واتصل بالجماهير عن طريق الولاة ولما حصل على الأغلبية طلب من كبار الصحابة فعارضوه بعنف وفي مقدمتهم عبد الله ابن عمر بن الخطاب فعارضوه بعنف وفي مقدمتهم عبد الله ابن الزبير بن العوام وعبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أبى بكر .

(ب) ولما جمع معاوية المعارضين أوصى رئيس الحرس أن يشهر السيف في وجوههم ويخبر الناس أن المعارضين قد بايعوا ومن كذب الخليفة في ذلك فالسيف موجود وتكلم معاوية إلى أهل الشام وقال إن هؤلاء النفر من الصحابة بايعوا يزيداً (فسكت هؤلاء الصحابة ولم يتكلموا شيئا حذر القتل ثم ارتحل معاوية على الفور راجعاً وهكذا تمت البيعة ليزيد بالشدة والغلظة والإكراه .

(ج) ولما مات معاوية وتولى ابنه يزيد الحكم وأراد أن يأخذ البيعة من الناس لم يكتف الصحابة بالإنكار باللسان أو بالامتناع عن البيعة كما حصل في الحالتين السابقتين في زمن معاوية بل وجدوا معهم قوة وشوكة فأعلنوا قتاله واقتتلوا معه فخرج عبد الله بن الزبير من مكة بالجيوش وأعلن الحرب على يزيد وخرج الحسين بن على أهل العراق حيث طلبوه لقيادتهم لحرب الحسين بن على إلى أهل العراق حيث طلبوه لقيادتهم لحرب يزيد وأعلن أهل المدينة خلع يزيد بن معاوية وتجهزوا لقتاله فكانت واقعة الحرة التي قتل فيها ثمانون مجاهداً من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق أحد من أهل بدر وقتل من قريش ومن الأنصار نحو ألف أو ألف وسبعمائة ومن سائر البلدان قتل نحو عشرة آلاف بخلاف النساء والصبيان .

لهذا وللتجارب التاريخية :

وبسبب هذه الفتنة التي أدت إلى إسالة هذه الدماء وقتل هؤلاء الأبرياء يرجع جمهور الفقهاء عدم الخروج على الحاكم ولو كان مغتصباً للسلطة وطاغيا طالما أن الجيش والقوة العسكرية تساند هذا الحاكم وتحميه فعزل مثل هذا الحاكم لا يكون إلا عن طريق الجيش الذي يسانده فلو رأت قيادات الجيوش ذلك لكان هذا هو السبيل الذي يجنب البلاد والعباد فتنة الاقتتال وسفك دماء الشعوب .

ولهذا :

صبر الإخوان المسلمون على اعتداءات السلطة عليهم عدة مرات وظن بعضهم أن هذا الصبر مكن للظالم وهم لا يعلمون أن من مستشاري الحاكم من صرح أنه خلال محنة سنة 1953 سنة 1954 كانت الخطة - إن استخدم الإخوان القوة العسكرية - هي دخول الجيش البريطاني المعسكر في القنال بالتنسيق مع أمريكا التي كانت تنسق في المفاوضات بين الحاكم والإنجليز ثم تلفق تهمة للإخوان باتفاقهم مع الإنجليز وسنة 1966 أعلن شمس بدران في السجن الحربي أنه لو كانت قد أطلقت رصاصة واحدة ولو في الهواء لكن كل من ينتمي للتيار الإسلامي مباح الدم والنساء والمال .

وقد أوضح بعض مستشاري الحاكم آنذاك أنه كان يوجد في السلطة أحد القيادات العسكرية ممن أطلقوا اللحية وكانت النية تتجه إلى أن يقر أنه اتفق مع الإخوان على ترك ثغرة لإسرائيل لتحتل البلاد ولكن تصفية الإخوان واعتقالهم سنة 65 وبقائهم حتى الهزيمة حال دون ذلك وفي عصر السادات اتجه المخططون له إلى أن تترك الأمور لكل متهور وذلك ليمكن وجود جرم مادي من السلاح والخروج ضد الشرعية لمنع النشاط الإسلامي كله وهكذا يحقق المتهور للسلطة ما تسعى إليه (ملحق جريدة الوطن الكويتية في 26/ 5/ 1988 ).

سلطة تنفيذ حكم الشريعة :

قد توصف التشريعات المخالفة للقرآن الكريم بأنها تشريعات جاهلية أو كافرة فمن الذي يحكم بذلك وهل يجوز قتل من اقتنعنا بفسقه أو كفره وأنه لا ينبني على هذا أن يكون الشعب أو الحاكم كافراً فذلك له شروط أخرى يقول ابن تيمية: ( والصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر وكذلك أفعالهم التي هي جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضاً ولكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتقاء موانعه ) .

ولكن كتاب (الدعوة الإسلامية فريضة شرعية لصادق أمين ) وكذا كتاب (جند الله لسعيد حوى) قد غفلا عن هذه القاعدة في بعض الأمور وكتابى ( عقائد الإمامية وتنقيح المقال ) يكفران أهل السنة .

لقد وصف الكتاب الأول الواقع بأنه جاهلي وعمم هذا الحكم بأن جميع المجتمعات القائمة اليوم في الأرض جاهلية فعلاً وأن العالم كله يعيش في جاهلية ورتب على ذلك أن العدو الأول الذي يجب على الدعاة في هذا العصر أن يعرفوه ليوجهوا حربهم إليه إنما هو المجتمع الذي يعيشون فيه (صفحات 64/ 118 ؛ 141 ؛ 144 ).

أما الكتاب الثاني فقد حكم أن العالم الإسلامي في ردة عن الإسلام (لأن كثيراً من ذرارى المسلمين قد أعطوا الطاعة الكاملة في كل شئ لطبقات من الكافرين مستحلين ذلك غير شاعرين بالكفر أو شاعرين به ومنهم من أعطاه لكافر صريح ومنهم من أعطاه لمنافق .

ثم يذكر أن (هناك مسألة ذكرها صاحب الهداية من كبار فقهاء الحنفية هي :

لو قتل مسلم مرتداً دون الرجوع إلى رأي الإمام هل يأثم عند الله ؟ أفتى أنه لا يأثم ) .

وهناك رد على هذا الرأي سيأتي .

شبهات حول التحاكم إلى الطاغوت والبرلمان

لقد تعرض كتاب الحكم لشبهات وصف المجتمع بالجاهلية وانتهي البحث إلى أن هذا الوصف يتعلق بالتشريعات والقوانين ولا يرد على الأفراد لأن القاعدة الشرعية التي نقلناها عن شيخ الإسلام ابن تيمية هي عدم تكفير الشخص المعين من الناطقين بالشهادتين لأن ذلك يتوقف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه وهذا لا يتولاه الأفراد والطاعة للحاكم أو غيره يرتبط حكمها بنوع العمل هل هو اعتقاد باستحلال الحرام أم أنه تقليد في المعصية فقط وهذا ذكرناه من قبل كما أن القطع باستحلال المسلين طاعة الكافرين من دون الله أمر يحتاج إلى الكشف عن نوايا المسلمين وهو ما أرجأ الله الحكم فيه إلى يوم القيامة فقد أمرنا الله تعالى أن نحكم بالظاهر قال تعالى : { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } النساء 94 .

إن فكر التكفير في ماضيه وحاضره يؤمن بكفر من لم ينضم إلى جماعتهم حسبما فصله الفص الثاني وقد كانت حجتهم الأخيرة قولهم ( إن الناس في هذا الزمن لا شك أنهم من نتاج مناخ اكفر الضارب الجذور حول البشرية المعاصرة إن ارتضاء الناس من المحسوبين على الإسلام الولاء للطاغوت البشرى والحكم بغير ما أنزل الله قد قطع الطريق أمام أي دعوى بإسلام أهل هذا العصر ) وقد جنح كتاب (جند الله ) إلى هذا عن غير قصد وأسرف المظفر والمامقانى في تكفير من ليس جعفرياً .

والجواب على ذلك :

1- سبق التدليل على أن المسلم العاصي فقط لا يطلق عليه اسم مرتد وذلك محل إجماع المسلمين ومناقشة عالمي الشيعة مفصلة بالطبعة الثالثة بكتاب ( السنة المفترى عليها ) وبكتاب (الحقائق الغائبة بين الشيعة وأهل السنة) أما ما ورد من طاعة أكثر المسلمين للكافرين فلا يعد هذا ردة إلا إذا كان هذا الاتباع مقترنا بإنكار حكم الله واستحلال مخالفته وقدمت الأدلة على ذلك في الصفحات السابقة .

2- نقل كتاب (جند الله ) عن فقهاء الحنفية أن (الأصل أن كل شخص رأي مسلماً يزني يحل له قتله وعلى هذا المكابر بالظلم وقطاع الطرق وصاحب المكس وجميع الكبائر والأعونة والسعاه يباح قتل الكل ويثاب قاتلهم وأفتى الناصحى بوجوب قتل كل مؤذ) .

ويرد ذلك ويبطله ما رواه مسلم من أن سعد بن عبادة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلاً أأمهله حتى آتى بأربعة شهداء ؟ فقال ((نعم )) كتاب اللعان .

كما روى مالك في الموطأ أن الإمام علياً سئل عن رجل من أهل الشام وجد مع امرأته رجلاً فقتله فقال الإمام على : إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته أي يسلم إلى أولياء المقتول لقتله قصاصاً أو قبول الدية .

وقال الإمام الغزالى في إحياء علوم الدين(ليس إلى آحاد الرعية إلا الدفع وهو إعدام المنكر فما زاد على قدر الإمام فهو إما عقوبة على جريمة سابقة أو زجر عن لاحق وذلك إلى الولاة لا إلى الرعية ) .

فالمتفق عليه أنه إذا كان الجاني متلبساً بالجريمة فيمنعه أي شخص بالقوة وذلك دون أن يتجاوز حدود منع الجريمة وبعد ارتكاب الجريمة فلا يملك العقاب إلا الحاكم (التشريع الجنائي للشهيد عبد القادر عودة والطرق الحكمية لابن القيم وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاسانى ، .

3- ليس من صلاحية كل فرد أن يقيم الحد على أحد من الناس وإلا لقتل الناس بعضهم بعضاً متذرعين فإقامة الحدود فالقاعدة العامة ألا يخول الإنسان استيفاء الحد بنفسه أي حتى لو كان هو ولى المقتول وقد أشرنا إلى قتل الهرمزان وأيضاً لو كان الحق من حقوق الله كقتل المرتد فليس من حق الفرد أن يتولاه من نفسه .

4- إن المرتد لا يقتل إلا يقتل إلا بعد أن يقوم الحاكم (بنفسه أو عن طريق من يخصصهم ذلك) باستتابته (فالجمهور قالوا يستتاب فإن تاب أعفي من القتل وإلا قتل واحتجوا برواية أبى داود لقصة معاذ بما رواه الشافعي أنه قدم على أمير المؤمنين رجل من قبل أبى موسى (من اليمن) فسأله عن الناس فأخبره قال: كفر رجل بعد إسلامه قال : فما فعلتم به ؟ قال : قربناه فضربنا عنقه فقال عمر : هلا حبستموه ثلاثاً وأطعمتموه كل يوم رغيفاً واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله .

اللهم إني أحضر ولم أرض وقد نقل ابن بطال عن أمير المؤمنين على أن المرتد يستتاب شهراً وعن النخعى يستتاب أبداً بينما يقرر الجمهور أن الاستتابة ما بين يوم أو ثلاثة أيام .

على تنوع بينهم .

هذا وقد قال الشوكانى في موضع النزاع من حديث معاذ (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له : ((أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها ) .

قال الحافظ سه حسن فالدعوة هي الاستتابة .

5- أما الخلاف في أمر الزنديق هل يستتاب أم لا ، قد حسمه المحققون من الفقهاء .

والزنديق اسم فارسي يطلق على من يقول بدوام الدهر وتطلقه العامة من العرب على الملحد قال الحافظ والتحقيق ما ذكره من صنف في الملل والنحل أن أصل الزنادقة اتباع ديصان ثم مانى ثم مزدك وكانوا يقولون أن النور والظلمة أصل العالم وقد حدث منهما هذا وقال مزدك بشيوعية المال والجنس حتى ظهر الإسلام فلم تجد هذه الخفافيش ظلما أو ظلاماً تعيش فيه .

ويرى الشافعي أن يستتاب الزنديق كغيره وأما أحمد وأبو حنيفة فعنهما روايتان إحداهما لا يستتاب والأخرى يستتاب إلا إذا تكرر منه ذلك فلا تقبل توبته وحكى في البحر عن العترة وأبى حنيفة والشافعي ومحمد أن تقبل توبة الزنديق لعموم قول الله تعالى ( إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ..}

وقد أورد الشوكانى أن الاستدلال بعدم استتابة المرتد يستند إلى حديث ابن عباس مرفوعاً ((من خاف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه ) وقال بعد ذلك أن بعض طرق الحديث فيها أن أمير المؤمنين علياً استتابهم كما في الفتح وأورد النووي لرأي الأئمة الأربعة والجمهور أن يستتاب

هذا والأصل أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاذ تضمر الاستتابة وبالتالي فعموم الأحاديث الأخرى ومنها حديث ((من بدل دينه فاقتلوه)) رواه مسلم والبخاري هذا العموم يخصصه حديث معاذ .

مدى التحاكم إلى الطاغوت :

في يوليو سنة 1987 يقف نواب التحالف الإسلامي في البرلمان المصري ويعلنون أن الذين يقومون باعتقال شباب الجماعات الإسلامية هم حزب فرعون ثم نجد بعض شباب هذه الجماعات يتهم هؤلاء النواب بالتحاكم إلى الطاغوت ويرون أن اعتزال هذا النظام والمجتمع هو وحده السبيل لإعلاء كلمة الله وهو عندهم المواجهة المسلحة ضد النظام وهم يعلمون أنهم لا يستطيعون مواجهة قرية واحدة فقط من قرى مصر وأن بعض المناوشات التي يقوم بها البعض لإفساد بعض الحفلات ليست في الحقيقة إلا وسيلة لضرب الحركة الإسلامية كلها وهذا التصرف يسئ إلى الإسلام فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر بالكف عن المواجهة والأصنام تعبد في الكعبة ونبي الله يوسف عمل في حكومة فرعون وذلك لمصلحة شرعية للمستضعفين في الأرض .

ولم يأذن الله برد العدوان إلا في السنة الثانية للهجرة بعد إقامة الدولة بعام ولم يحطم أصنام مكة إلا بعد فتحها .

قال ابن تيمية : (إذا كان المتولي للسلطان العام أو بعض فروعه كالإمارة والولاية والقضاء لا يمكنه أداء واجباته وترك محرماته صار هذا من باب ما لا يتم الواجب أو المستحب إلا به فيكون واجباً أو مستحباً إذا كانت مفسدته دون مصلحة ذلك الواجب أو المستحب بل كانت الولاية غير واجبة وهي مشتملة على ظلم ومن تلاها أقام الظلم حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها ودفع أكثره باحتمال أيسره : كان ذلك حسناً مع هذه النية وكان فعله لما يفعله من السيئة دفع ما هو أشد منها جهداً .

وهذا باب يختلف باختلاف النيات والمقاصد فمن طلب منه ظالم قادر وألزمه مالا فتوسط رجل بينهما ليدفع عن المظلوم ودفعه ذلك لو أمكن كان محسناً ولو توسط إعانة للظالم كان مسيئاً .

ثم قال مستدلاً على رأيه (من هذا تولى يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض وكان هو أي الملك وقومه كفاراً كما قال تعالى { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به} الآية وقال تعالى عنه { يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم } (الآية) ومعلوم أنه مع كفرهم لابد أن

يكون لهم عادة وسنة فيقبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد ) ، وقد يقال أن يوسف لم يعمل في حكومة كافرة فقد أسلم فرعون حسبما جاء في بعض الآثار عن مجاهد ولكن الله يقول{ ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك } والثابت في القرآن أنه في بداية تولى الصديق يوسف هذا الحكم كان فرعون كافراً وكان للدولة تشريع آخر على ما أوضحناه فضلاً عن أن القرآن الكريم يؤكد استمرار ذلك ولم تطبق الشريعة آنذاك حيث قال الله { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاء به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا} سورة غافر 34).

ويقول الإمام العز بن عبد السلام رحمة الله ( ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة فيجوز إنفاذ ذلك جلياً للمصلحة العامة ودفعاً للمفسدة الشاملة) فالمعلوم أنه إذا كان تولى القضاء أو غيره من المناصب جاز ذلك إذا كان القاضي لديه استعداداً ألا يخالف نصاً في القرآن أو السنة سواء ذكر ذلك في حكمه أو أغفل الطلبات المخالفة للإسلام فلم يحكم بها ولم يتعرض لها في الأسباب .

شبهات حول الوزارة والبرلمان

1- لقد أورده سيد قطب في المعالم من رفض النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ملكاً كطلب العرب ثم بعد استجماعة السلطة يستخدمها في إقرار عقيدة التوحيد واختار ما وجهه الله إليه أن يصدع بلا إله إلا الله ولكن القياس هنا مع الفرق لأن عرض الملك كان مشروطاً وبترك الإسلام وقبول الرئاسة للجاهلية وفي ظل عقيدتها ولو كان دخول البرلمان أو الاشتراك في الوزارة مقرونا بالتنازل عن عقيدة الإسلام لكان الرضا بذلك من الكفر البواح ومع هذا فإن دخول الوزارة باسم الجماعة الإسلامية دون الاتفاق على منهاج يؤدى إلى أسلمة المجتمع والتشريع فيه نظر ولكن لا نطعن فيمن رأي غير ذلك (2).

2- قبل إن إباحة الوزارة للفرد بصفته الشخصية وتحريمها عليه إن كان يمثل الحركة الإسلامية من شأنه التحليل والتحريم لعمل واحد .

ولكن هذا التصور قد غاب عنه أن الاشتراك في كل الوزارة والبرلمان في ظل حكم لا يطبق شرع الله ليس أصلاً بل هو استثناء مشروط بأن يكون من شأن هذا الاشتراك جلب منفعة أو درء مفسدة ولا سبيل لذلك إلا بهذه الوسيلة وبالتالي فدخول الوزارة باسم الحركة ليس من شأنه جلب منفعة شرعية لعدم الاتفاق على منهاج إصلاحي وبالتالي يجعل الحركة مشجباً لأخطاء لا تقترن باشتراك الفرد الذي لا يمثل جماعة أو حركة .

3- قبل إن هذه الوسيلة تنطوي على الرضا بالكفر وهذا هو الكفر بعينه وهؤلاء قد تناسوا أن القاعدة الشرعية في كل اجتهاد وعمل هي قول النبي صلى الله عليه وسلم ((إنما الأعمال بالنيات )) فكيف علم هؤلاء أن نية غيرهم هي الرضا بالكفر وكيف قطعوا بذلك وإذا كان هذا هو السبيل المستطاع لتغيير الحكم الفاسد فكيف يصبح السعي إليه كفراً يقول الأستاذ المودودى (أما كيف يتأتى التغيير فليس له من سبيل في نظام جمهوري إلا السعي في الانتخابات ثم تسلم مقاليد الحكم والسلطة إلى رجال صالحين يقدرون أن ينهضوا بنظام البلاد على أساس الإسلام الخالص) (واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم ) .

4- وقيل إنه بهذا يساهم في التشريع بغير ما أنزل الله بينما لا يستطيع إقرار التشريعات الإسلامية والجواب على ذلك هو أن الهدف من دخول البرلمان يختلف في كل دولة عن الأخرى طبقا لنظام هذه الدولة والحد الأدنى الذي يقول به الفقهاء هو أنه عند تحقيق المصلحة ودرء المفسدة جازت المشاركة وإن لم تتحقق المصلحة الكبرى وهي أسلمة التشريع والمجتمع .

الحكم بين المصالح والمفاسد

إن هذا الباب يخضع لمدى تحقق المصلحة أو درء المفسدة والأعمال بالنيات فطالما أن النظام والحكم لا يتبنى الكفر والإلحاد وكان الاشتراك في البرلمان يؤدى إلى تحقيق مصالح شرعية جاز ذلك لأنه لا يمكن عضو البرلمان مشاركاً في التشريع الجاهلي إذا اعترض عليه لأن عضو البرلمان ليس جزءاً من السلطة التنفيذية ولا يقوم بعمله نيابة عن رئيس الدولة كالوزارة فهو ينوب عن الشعب ومن حقه بموجب الدستور أن يراقب السلطة التنفيذية ويحاسبها وله حصانة تمكنه من التحرك للدعوة الإسلامية وله استجواب الوزارة وله أن يطلب طرح موضوع عام للمناقشة في المجلس إذا وقع على طلبه خمسة أعضاء فقط ، ومن عجائب الاختلال في الفهم والفكر بعد أن بحثت كبرى الجماعات الإسلامية شرعية دخول البرلمانات كوسيلة للدعوة وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو واجب قد لعن الله من تخلف عنه في قوله تعالى

{ لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون } وبعد قناعة الجماعة الإسلامية في باكستان وإندونيسيا ومصر وسوريا والعراق والكويت والأردن وعلى مر نصف قرن من الزمان حتى أصبح الشيخ مفتى محمود رئيساً للتحالف في الباكستان وتمكن التحالف من إعلان الحكم بالشريعة في باكستان وهو ما يلزم به الحكم حتى اليوم وبعد انسحاب التحالف من الحكومة يخرج على الأمة من يقول إن دخول البرلمان منافي للتوحيد أي أنه كفر وشرك بالله تعالى .

وبهذا يعطى هذا الشخص لنفسه بابوية لا يعرفها الإسلام وقد نهي عنها النبي صلى الله عليه وسلم عندما بعث أميره بريدة ليحكم بين قومه وفي جواب لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا القول وأرشده أن يقول لهم إنه سينزلهم على حكمه وحكم أصحابه وعلل ذلك بأنه (أي بريدة) لا يدرى أصاب حكم الله أم لا وهذا حكم عام لجميع الأمراء .

ولهذا قال النووي : إن العلماء إنما ينكرون ما أجمع على إنكاره أما المختلف فيه فلا إنكار فيه .

ولا يليق بمسلم أن يقتدي بفرعون الذي كان يقول { ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} فيقطع بتحريم هذا الأسلوب في العمل لإنكار المنكر وإعلان كلمة الله وقد مارسته أكثر الجماعات الإسلامية وقد تضمن الفصلان الأخيران من هذا الكتاب بيان التحالفات التي تمت بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار

الفصل الثاني

عقيدة السلف وأدب الخلاف

  • العقيدة وأدب الخلاف .
  • الصحابة يكذبون هواة الخلافات .
  • الحق بين العلم والتشهير .
  • السلفية بين الأصول والفروع .

العقيدة وأدب الخلاف

إن بعض العاملين في حقل الدعوة الإسلامية في عصرنا فقدوا الوعي بسبيل جمع الأنصار ينسب إلى غيره الضلال واضطراب العقيدة وينقد الدعاة ويلمزهم حتى لو ارتكب في حقهم جريمتي الغيبة والنميمة وأولى بهم جميعاً أن يتعاونوا فيما اتفقوا عليه وأن يعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه فقد قال تعالى { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} ولكن هذا يعتبر عند هذا النفر مساومة على العقيدة واتفاق على كتمان الحق .

إنه لمن التنطع في الدين أن يظن فرد أو جماعة أن لأحدهم عصمة تجعل رأيه ومنهجه هو الحق وما عداه هو الباطل فالأمور الخلافية لا إنكار فيها شرعا والتماس العذر فيها ليس كتماناً لحق أو انتقاصاً للعقيدة لكنه تعاون على الأصول وإنه لمن الخطأ أن يدعى فرد أو جماعة أنه يملك الحسم في الأمور الخلافية بحيث يصبح الخروج عن رأيه خروجاً عن الإسلام أو ضعفاً في العقيدة ومن الخطأ أن نلمز المجاهد لأنه لم يتفرغ لعلوم السنة أو نلمز من اهتم بالسنة وعلومها لأنه لم يجاهد السلطان فكل ميسر لما خلق له وهؤلاء يكمل بعضهم بعضا فلا ينبغي أن يعيب بعضه على بعض لهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم للمجتهد المصيب أجرين وللمجتهد المخطئ أجراً ولنعلم جميعاً أن فقهاء الأمة قد اتفقوا على أن الأمور الخلافية لا تكون محل الإنكار فلا يحمل العالم غيره على رأيه (الأحكام السلطانية للمواردى وإحياء علوم الدين للغزالي .

ونذكر هؤلاء الأخوة بموقف الخوارج من المسلمين حيث أباحوا قتل المسلمين بدعوى أنهم ارتدوا حتى أن بعض العلماء كان يدعى أنه يهودي لينجو من سيوفهم حيث يصبح من أهل الكتاب فلا يقتل .

ومن الأمثلة على هذا التنازع في أمر لا يقبل هذا النزاع ما ادعاه صاحب كتاب الجماعات الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة من أنه (ليس لدى الإخوان المسلمين قاعدة عقائدية أجمعوا أمرهم على تبنيها والدعوة إليها فهم لا يركزون على الدعوة إلى التوحيد وتصفية العقيدة ) ويستدل على ذلك أن الأستاذ سيد قطب يرى أن أحاديث الآحاد ليست حجة في العقائد ويرى الأستاذ سعيد حوى أن العقائد تبنى على النصوص المتواترة لفظا أو معنى كما استدل هذا الكتاب ببعض كلام الشيخ حسن البنا في رسالة التعاليم بأن الدعاء إذا قرن بالتوسل بأحد من خلقه خلاف فرعى في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة .

وقد تجاهل الناقد أن ما يزعم أنه من العقيدة كهذا التوسل يراه شيخه الإمام ابن تيمية أنه ليس من أمور العقيدة ويخرجه عن دائرة الكفر فيقول (القائل أسألك بفلان أو بحق فلان لم يقل أحد أنه استغاث بما توسل به بل استغاث بمن دعاه وسأله أي بالله ).

الصحابة يكذبون هواة الخلافات

إن الخلاف في الرأي من طبيعة البشر ولهذا وقع هذا الخلاف بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصره وبعد انتقاله إلى ربه ولم يقل خصوم الإسلام إن هذا يدل على زعزعة العقيدة أو أنهم يركزون على التوحيد أو ليس لديهم قاعدة عقائدية تبنوها .

فقد روى البخاري عن ابن عمر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ((لا يصلين أحد العصر إلا في بنى قريظة)) فقال بعضهم : لا نصلى حتى نأتيها وقال بعضهم : بل نصلى لم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف أحداً منهم قال الإمام ابن حجر : إن بعضهم حمل النهي على حقيقته ولم يبالوا بخروج الوقت والبعض الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة وقالوا إنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة .

وقال السهيلى : في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية ولا على من استنبط من النهي معنى يخصصه وأن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب وقد يقول بعض المتاجرين بالخلافات إن هذه القصة لم يستشهد بها أئمة السلف فنذكرهم باستشهادات الإمام ابن تيمية إذ يقول :

(وقد كان العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إذا تنازعوا في الأمر اتبعوا أمر الله تعالى في قوله { فإن تنازعتم في شئ فرده إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً}.

وكانوا يتناظرون في المسألة مناظرة مشاورة ومناصحة وربما اختلف قولهم في المسألة العلمية والعملية مع بقاء الألفة والعصمة وأخوة الدين .

نعم من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة أو ما أجمع عليه سلف الأمة خلافاً لما يعذر فيه فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع .

فعائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قد خالفت ابن عباس وغيره من الصحابة في أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأي ربه وقالت : (من زعم أن محمداً رأي ربه فقد أعظم على الله الفرية) وجمهور الأمة على قول ابن عباس مع أنهم لا يبدعون المانعين الذين وافقوا أم المؤمنين رضى الله عنها وكذلك أنكرت أن يكون الأموات يسمعون دعاء الحي لما قيل لها إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم )) فقالت : إنما قال إنهم ليعلمون الآن أن ما قلت لهم الحق ومع هذا فلا ريب أن الموتى يسمعون خفق النعال كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((وما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام )) صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من الأحاديث وأم المؤمنين تأولت والله يرضى عنها .

(مسلم 8/ 263 وأحمد 2/ 219 ).

وكذلك معاوية نقل عنه في أمر المعراج أنه قال : إنما كان بروحه والناس على خلاف معاوية رضى الله عنه ومثل هذا كثير .

انتهي استشهاد ابن تيمية وحتى يدرك المتاجرون بالخلافات أن الاختلاف في التوسل وفي المتشابه من آيات الصفات وغير ذلك لا يعد خروجاً على عقيدة أهل السنة والجماعة أو اختلافا في الاعتقاد .

نقل قول شيخ الإسلام ابن تيمية عن الفرقة والاختلاف :

( وهذا الباب قد تنازع الناس فيه ويقول هذا : أنا حنبلي ويقول هذا : أنا أشعري وقد أحضرت كتب الأشعرى وكتب أكابر أصحابه مثل كتب أبى بكر الباقلانى وأحضرت أيضا من نقل مذاهب السلف من المالكية والشافعية والحنبلية وأهل الحديث وشيوخ الصوفية وأنهم كلهم متفقون على اعتقاد واحد ) .

لقد حمل أشخاص لواء الفرقة وحرموا التعاون مع من خالفوهم في وسائل العمل بدعوى أن العقيدة الصحيحة توجب عليهم أن يهجروا غيرهم ولو كان خلافهم أقل من خلاف الأشاعرة والصوفية وتجاهلوا نهي الله عن التنازع حيث يحجب النزاع نصر الله ويؤدى إلى الفشل وحسبنا قول ابن تيمية : ( وأما الاختلاف في الأحكام فأكثر من أن ينضبط ولو كان كلما اختلف مسلمان في شئ تهاجرا لم يبق بين المسلمين عصمة ولا أخوة ).

إنه باسم السلف وعقيدة السلف زعم الناقد أن حسن البنا في كلامه عن الخلاف بين المسلمين يؤدى إلى اختلاف التصورات والمفاهيم وهذا يعد منهاجاً للإخوان المسلمين وبالتالي فدعواهم لنبذ الخلاف والتعصب المذهبي نفخة رماد أو صيحة في واد لأن الإجماع على أمر فرعى يتعذر عندهم للأسباب التالية :

(أ) اختلاف العقول في قوة الاستنباط أو ضعفه أو إدراك الدلائل والجهل بها .

(ب) اختلاف البيئات حتى أن التطبيق يختلف باختلاف كل بيئة .

(ج) اختلاف الاطمئنان القلبي إلى الرواية عند الفقهاء .

وهذه الأسباب نقلت من رسالة (دعوتنا) وهي مسبوقة بقوله : (إن دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة ولا تنحاز إلى رأى عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة وهي تتوجه إلى صميم الدين ولبه ... وهي من الحق أينما كان تحب الإجماع وتكره الشذوذ ونحن مع هذا نعتقد أن الخلاف في فروع الدين أمر لابد منه ضرورة ولا يمكن أن تتحد في الفروع والآراء والمذاهب ) لأسباب ذلك عدة وذكر الأسباب السابقة .

ولكن الناقدين جعلا ذلك ضعفاً في عقيدته وأورداه تحت عنوان التمذهب ونسيا أنهما أنفسهما في صدور كتابهم قالا بوجود اختلاف التنوع وليس اختلاف الفرقة ونقل روايات تفيد أنه قد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور فخطأ بعضهم بعضاً ونظر بعضهم في أقاويل بعض وتجاهلا أقوال الصحابة والسلف الصالح في هذه الخلافات وحتى يبررا مسلكهما انتهيا إلى أن اختلاف الصحابة رضى الله عنهم يقع تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم ((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد ))من كتاب الجماعات الإسلامية لسليم الهلالي ) .

وهؤلاء لا يجهلون أن الاختلاف في الفروع له أسباب عند السلف وقد أجمل ذلك الإمام البنا ولكنهم أحلوا هذا لأنفسهم وحرموه على الشيخ حسن البنا وجماعته بل جعلوه دليلاً على ضعف عقيدته وأتباعه ثم اتهموه بالتعصب المذهبي لأنه التمس العذر للمختلفين في الفروع .

إن الإمام البنا قد حدد موقفه وجماعته من الجماعات الأخرى على أساس أن المسلمين أمة واحدة فهو يسعى إلى توحيد الجماعات حول فهم الإسلام طبقاً لما ورد في الأصول العشرين التي حددها وهو لا يخول لنفسه حقا ليس له كما يفعل آخرون فلم يقل أن جماعته هي جماعة المسلمين وبالتالي لا يعتبر من خرج عليه خارجا على الإسلام ولا مرتداً ولا يملك أن يلزم الأفراد بأكثر مما يلزمهم به الإسلام ولا يمارس سلطان الخليفة عليهم فالواجب إيجاد الخليفة وليس ممارسة حقوقه على المسلمين .

فالخليفة وحده هو الذي يملك إلزام المسلمين برأي واحد في الأمور الخلافية بشرط ألا يعارض نصا أو قاعدة شرعية .

حسن البنا والعقيدة السلفية

نشرت لي مجلة المجتمع مقالين بالعددين 609 و 610 ، بعنوان ( سلفية حسن البنا المفترى عليها ) أوضحت فيها أن منهج حسن البنا هو البعد عن الخلاف وصرف المسلمين إلى العمل لا إلى الاختلاف والتنازع وقد ذكرت قوله ( يجب أن نتعاون فيما اتفقنا عليه وأن يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ) وذكرت أن بعض الدعاة المعاصرين غابت عنهم هذه الغاية فنسبوا إليه ما لا يجل بخاطره .. وهو أنه متهم في عقيدته هو وجماعته ... ولديهم ميوعة عقائدية وتعرضت للأسباب التي استنتج منها ذلك كتاب (الجماعات الإسلامية ) ومنها ما قاله حسن البنا عن مذهب السلف والخلف من آيات الصفات وفي التوسل هذه الأقوال ليست أدلة شرعية للأمر محل الخلاف وليست دعوة للانحياز إلى حزب أو جماعة واعتبارها وحدها الناجية وأن غيرها مبتدع وخارج عن الأمة وعن السلف بل هي دعوة لاتباع منهج الإسلام في الأمور التي اختلف فيها فقهاء هذه الأمة وهو أن نتعاون فيما اتفقنا عليه وأن يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه لأنه لا يوجد في الإسلام بابوية تخول صاحبها سلطة القول الفصل في كل أمور الخلاف حتى يصبح هو وحده المتبع وتصبح مخالفته خروجاً على الحق الذي لا مرية فيه .

ولكن مؤلف كتاب الجماعة الإسلامية أعطى لنفسه صفة لا يملكها فادعى أنه كتب هذا لسبب حدده في قوله (لنعلم أي الفريقين أهدى سبيلاً وأقوم قيلا ).

وفيما يلي بيان موجز للأمور التي خلط فيها الأقوال ليصل إلى النتيجة التي ينادى بها في كتابه وهي:

1- أن حسن البنا وجماعته متهمون في عقيدتهم ولديهم ميوعة عقائدية .

2- قول حسن البنا عن التوسل وهو (أن الدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد خلقه خلاف فرعى) هذا القول (يوقع في الشرك الصريح) من الكتاب .

لما كان ذلك وكان فضيلة الشيخ صالح بن فوزان قد أحسن الظن في كتاب الجماعات الإسلامية ونقل منه مدافعاً عن العقيدة السلفية فقد أرسلت رداً إلى مجلة الدعوة السعودية فنشرته وهذا نصه :

نشرت الدعوة مقالين بالعددين 916، 917 لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان وذلك بعنوان (العقيدة السلفية ودعوة الشيخ حسن البنا ) تناول فيهما التعقيب على مقالين لي نشرا بالمجتمع في العددين 6.9، 61. وكانا بعنوان ( سلفية حسن البنا في ذكرى استشهاده).

ولما كان التعقيب قد تناول دعوة رجل أفضى إلى ربه ونسب إلى (الخلط والغلط في النقول عن بعض الأئمة للدفاع عن حسن البنا ومحاولة إثبات أنه سلفي العقيدة في موضوع صفات الله عز وجل والرد على الذين أدانوه بموجب ما نقلوه من كتابه) .

لما كان ذلك فمن الواجب أن نوضح ما فهم عنى أنه خلط وغلط وما نسب إلى الشيخ البنا في كتاب الجماعات الإسلامية (أنه وجماعته متهم في عقيدته ) ومن أن (الاعتقاد بأن آيات الصفات وأحاديثها من التشابه هو الأصل الذي بنى عليه حسن البنا قوله بالتفويض) .

أولاً : عقيدة البنا في آيات الصفات

إن الشبهة التي ظنها صاحب كتاب الجماعات الإسلامية ليحكم بها أن حسن البنا مزعزع العقيدة هي قول البنا في رسالة العقائد تحت عنوان: ترجيح مذهب السلف (ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تعالى أسلم وأولى بالاتباع حسماً لمادة التأويل والتعطيل) [مجموعة الرسائل] .... فادعى الناقد أن كلمة التفويض في عبارة حسن البنا تجعل (الأصل عنده الاعتقاد بأن آيات الصفات من المتشابه حيث ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أقوال أهل التفويض وهي مقالة الجهمية والمعتزلة وأمثالهم ) .

وهذا التصيد ليس منهجاً علمياً ولا بحثا نزيها ولا أمرا بمعروف ونهيا عن منكر لأسباب أهمها:

1- أن الحكم النزيه على عقيدة حسن البنا أو غيره يكون بالرجوع إلى كل ما قاله في هذا الموضوع ويكون بالأخذ بصريح أقواله فلا تفسر ولا تؤول بما يخرجها عن المعاني التي صرح بها .

2- أن عنوان كلام البنا هو (ترجيح مذهب السلف ووسطه هو قوله :(فإذا كنت ممن أسعده بطمأنينة الإيمان وأثلج صدره ببرد اليقين فلا تعدل به بديلا).

3- أنه في رسالة التعاليم بالبند 10 يقول : وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يلحق بذلك من التشابه نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء ويسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه {و الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا }

4- يتضح من هذا أنه يرى خطأ تأويلات الخلف ولكنه عمىً بمذهب أهل السنة يحذر من الحكم عليهم بالكفر والفسق فيقول : ونحن نعتقد أن تأويلات الخلف لا توجب الحكم عليهم بكفر أو فسوق).

5- معنى التفويض : من هذا يتضح أن كتاب الجماعات الإسلامية إذ حرف كلمة التفويض عند حسن البنا إلى أنه التأويل الموجود عند من رد عليهم ابن تيمية وهم الجهمية والمعتزلة يكون قد تقول على الرجل رحمه الله وخصوصا أنه بين قصده من التفويض بقوله أنه رأي السلف وقوله حسما لمادة التأويل والتعطيل .

6- أن التفويض في اللغة هو جعل التصرف إلى المفوض وهذا أمر قد أجمع عليه أهل السلف بالنسبة إلى كيفية الصفات فيفوضون كيفيتها إلى الله كقول الشيخ صالح ابن فوزان ونقل عن الإمام مالك وغيره من الأئمة القول (أن الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه).

7- أن التفويض في الكيفية هو الذي أشار إليه حسن البنا بقوله : (وما يلحق بذلك من التشابه ) وهذا التشابه قال عنه شيخ الإسلام( ما يجىء في الحديث نعمل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه لأن ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فيه ألفاظ متشابهة يشبه معانيها ما نعلمه في الدنيا كما أخبر أن في الجنة لحماً ولبناً وعسلاً وخمراً ونحو ذلك وهذا يشبه ما في الدنيا لفظاً ومعنى ولكن ليس هو مثله ولا حقيقته فأسماء الله تعالى وصفاته أولى وإن كان بينهما وبين أسماء العباد وصفاتهم تشابه لا يكون لأجلها الخالق مثل المخلوق ولا حقيقته كحقيقته ) مجموع الفتاوى ..

ثانيا : حول تشابه آيات الصفات

يتضح مما نقله عن حسن البنا رحمه الله أنه يصرح باتباع عقيدة السلف ولكنه يدعو إلى عدم الخوض في هذا الخلاف لينصرف المسلمون إلى العمل وليتركوا الجدل ولقد وقفنا عند هذا .

ولكن ذكرت من قال أن آيات الصفات من المتشابه وفيهم من يفسر التشابه على الكيفية ومنهم من يؤول آيات الصفات فاعتبر الشيخ صالح بن فوزان أن هذا خلط وغلط في النقول وإني أحاول أن أبرر ما قاله حسن البنا أن آيات الصفات من المتشابه .

والجواب على ذلك هو :

1- يتضح مما نقلته من أقوال حسن البنا عدم صحة ما نسبه إليه كتاب الجماعات الإسلامية من بناء عقيدته على أساس قول الخلف إن آيات الصفات من المتشابه وبالتالي فينتفي عنى بالتبعية محاولة تبرير موقفه هذا .

2- ما نسب إلى من الغلط في النقول أمر يحتاج إلى وقفة أخوية على النحو المبين في البنود التالية .

3- التوقف في التشبيه : قيل إني أخلط في معنى التفويض حيث أذكر أنه عدم التأويل والتعطيل وترك الأمر إلى الله .

ومعناه الحقيقي هو عدم التعرض لتفسير النصوص وبيان معناها الحقيقي لا إنه ترك التأويل والتعطيل فقط فالسلف ومن سار على نهجهم يفسرون آيات الصفات يبينون معناها ويردون التأويل والتعطيل ولا يكونوا بهذا مفوضين .

وسبق أن ذكرت أن التفويض في اللغة جعل التصرف إلى المفوض ولكن إذا حدد المتكلم المعنى الذي يريده من التفويض بعدم التأويل والتعطيل فلا يلزم بشيء لم يقله ومع هذا فقد نقل عن السلف أنهم لا يبينون معنى الكيف في الصفات ويفرضون ذلك إلى الله .

4- نقل الشهر ستانى في الملل والنحل أن الإمام أحمد وداود الظاهري وجماعة من أئمة السلف ساروا على منهاج السلف من أصحاب الحديث فقالوا نؤمن بما جاء بالكتاب والسنة ولا نتعرض للتأويل وكانوا يتحرزون عن التشبيه وقالوا نتوقف في تفسير الآيات وتأويلها لسببين :

الأول : المنع الوارد في قول الله تعالى : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله }

الثاني: أن التأويل أمر مظنون والقول في صفات الله بالظن غير جائز .

5- قال ابن تيمية : (ما أخبر به الرب عن نفسه مثل استوائه على عرشه وسمعه وبصره وكلامه وغير ذلك فإن كيفيات ذلك لا يعلمها إلا الله كما قال ربيعة ابن أبى عبد الرحمن ومالك بن أنس وسائر أهل العلم وكذلك سائر السلف كابن الماجشون وأحمد بن حنبل وغيرهما يبينون أن العباد لا يعلمون كيفية ما أخبر الله به عن نفسه فالكيف هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله وأما نفس المعنى الذي بينه الله فيعلمه الناس كل على قدر فهمه فإنهم يفهمون معنى السمع ومعنى البصر وأن مفهوم هذا ليس مفهوم هذا ويعرفون الفرق بينهما ويقول وكذلك قوله { ثم استوى على العرش} فإنه قد قال { واستوت على الجودى } { فاستوى على سوقه}

فهذا الاستواء كله يتضمن حاجة المستوى إلى مستوى عليه وأنه لو عدم من تحته لخر والله تعالى غنى عن العرش وعن كل شئ بل هو سبحانه بقدرته يحمل العرش وحملة العرش فصار لفظ الاستواء متشابها يلزمه في حق المخلوقين معاني ينوه الله عنها فنحن نعلم معناه إنه العلو والاعتدال ولكن لا نعلم الكيفية التي اختص بها الرب والتي يكون بها مستوياً من غير افتقار منه إلى العرش بل مع حاجة العرش إليه وكل شئ محتاج إليه من كل وجه ) .

7- قال السيوطى في معترك الأقران في إعجاز القرآن ( ومن المتشابه آيات الصفات نحو { الرحمن على العرش استوى} {يد الله فوق أيديهم } وجمهور أهل السنة منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان بها وتفويض معناها المراد إلى الله تعالى ولا نفسرها مع تنزيهنا له عن حقيقتها )

8- كما جاء في شرح العقيدة الطحاوية للعلامة ابن أبى العز الحنفي عن قول الله تعالى { ألا إنه بكل شئ محيط } ليس المراد من إحاطته بخلقه أنه كالفلك وأن المخلوقات داخل ذاته المقدسة فتعالى الله عن ذلك علوا كبيراً وإنما المراد إحاطة عظمته وسعة علمه وقدرته) وقال الشيخ الألباني في الهامش: (وهو من التأويل الذي ينقمه الشارح مع أنه لابد منه أحيانا) .

مدى التعارض والخلط في النقول:

هل هذا يتعارض مع قول ابن تيمية في كتاب العقل والنقل (1/2.4) وأما على قول أكابرهم أن معاني هذه النصوص المشكلة المتشابهة لا يعلمها إلا الله أن معناها الذي أراده الله بها هو ما يوجب صرفها عن ظاهرها فعلى قول هؤلاء يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من النصوص ولا الملائكة ولا السابقون الأولون وحينئذ يكون ما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه بل يقولون كلاما لا يعقلون معناه .. ومعلوم أن هذا أقدح في القرآن والأنبياء ).

وكذا قوله في رسالة الإكليل في المتشابه والتأويل (وأما إدخال أسماء الله وصفاته أو بعض ذلك في المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويله فما الدليل على ذلك فإني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية ونفي أن يعلم أحد معناها وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم إنما قالوا كلمات لها معان صحيحة قالوا في أحاديث الصفات تمر كما جاءت ونهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها والتي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه ) .

إن أقوال ابن تيمية هذه لا تتعارض مع ما قاله من أن لفظ الاستواء متشابه في حق المخلوقين .

وما قاله السيوطى: (من أن السلف وأهل الحديث على الإيمان بها وتفويض معناها المراد إلى الله تعالى ولا نفسرها ).

وقول شارح العقيدة الطحاوية (المراد من إحاطته بخلقه إحاطة عظمة وسعة قدر ) فالمنهي عنه كما قال نعيم بن حماد الخزاعى شيخ البخاري هو أن ننكر ما وصف الله به نفسه فهذا كفر أو أن نشبه الله بخلقه فهذا كفر إنما نثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من الصفات ولكن معاني هذه الصفات يفهمها الناس كل على قدر فهمه كما قال ابن تيمية فيفرقون بين السمع والبصر .

أما كيفية هذه الصفات فلا يعلمها إلا الله تعالى .

وأخيراً : فإن الشيخ قد نقل قولي : (إن جمهوراً من الفقهاء قد قالوا أن آيات الصفات من المتشابه ولم يقل أحد من أهل السنة بفساد عقيدتهم ثم قال : هذا قول بعضهم وليس جمهورهم وعبارتي (جمهوراً من الفقهاء ) لا تعنى جمهور الفقهاء .

الدعاء المقترن بالتوسل

إن قول حسن البنا في رسالة التعاليم (والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه خلاف فرعى في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة ) بند 15 جعل صاحب الكتاب يقول :إن هذا يوقع في الشرك الصريح وأيده في ذلك الشيخ صالح بن فوزان في رده .

1- ونجيب بما قاله الشيخ ناصر الدين الألباني في مقدمته لشرح العقيدة الطحاوية عن المسألة السابقة (ذهب شارح العقيدة الطحاوية تبعاً للإمام أبى حنيفة وصاحبيه إلى كراهية التوسل بحق الأنبياء وجاههم ) وقال عن هذه أنها ليست من العقيدة .

2- وبما قاله الإمام ابن تيمية (يقول بعضهم إذا كانت لك حاجة استوص الشيخ فلاناً فإنك تجده أو توجه إلى ضريحه خطوات وناده يقضى حاجتك وهذا غلط لا يحل فعله) مجموع الفتاوى .

فالإمام ابن تيمية يخطئ هذا ولا يحله ولكنه لا يرمى صاحبه بالكفر ولو كان ذلك من الشرك الصريح لصرح بذلك .

ولما كان الهدف من المقال وهذا الإيضاح هو أن يتعاون المسلمون فيما اتفقوا عليه وأن يعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه ولا يقصد من قريب أو بعيد إلى إثبات أن آيات الصفات من المتشابه والتدليل على شرعية التوسل فحسبنا ما سلف ذكره عن التوسل من هاتين المسألتين ونعتذر عن الدخول في جدل أو حوار في أمر ندعو إلى غلق باب الجدل فيه .

الحق بين العلم والتشهير

إن مرض التشهير بالجماعات والأفراد والذي أصاب بعضاً منا قد وجد مرتعاً له في مفاهيم تمسك بها هؤلاء الأخوة فخلطوا بين الأمور التالية :

أولاً : الخلط بين النصح والتشهير

ذكر الكاتب أن المقال نسب إلى الكتاب أن ما جاء به وسائل غير شريفة وارتكاب لجريمتي الغيبة والنميمة ثم ذكر الحديث النبوي في الغيبة ونقل شعراً يحدد القدح المستثنى من الغيبة وانتهي إلى أن ما جاء في كتابه هو وسيلة شرعية حكمها الوجوب لأن ما يتعلق بدين الله لا يجب السكوت عنه .

والخلط الذي وقع فيه هو :

1- أنه يعد المخالف له في الفهم أو الرأي قد ارتكب منكراً واستحق بذلك تجريحه والقدح فيه ولهذا حكم أن حسن البنا وجماعته متهمون في عقيدتهم ويوقعون الناس في الشرك الصريح .

والإمام البنا لم يرتكب منكراً ولم يدافع عن بدعة وكل ما قاله أنه لخص أقوال السلف والخلف في آيات الصفات وقطع أنه يرجح قول السلف والجريمة التي ارتكبها في نظر الكاتب أنه قال (لا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء ويسعنا ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه) ،انه قال ( ونحن نعتقد رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع حسماً لمادة التأويل والتعطيل) والتفويض هو عدم التعرض لتفسير النصوص ونفوض كيفية الصفات إلى الله تعالى .

فأين المنكر في هذا حتى يباح التشهير والاتهام سالف الذكر؟

2-المراد بالمنكرإن المنكر الذي يجب النهي عنه ليس متوفراً في كتب حسن البنا وليرجع من شاء إلى تعريف المنكر عند العلماء .

(أ) قال العلامة ابن حجر الهيثمى :( المراد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأمر بواجبات الشرع والنهي عن محرماته ) كتاب الزواجر عن اقتراف الكبائر .

(ب) قال الملا على القرئ : ( المنكر ما أنكره الشرع وكرهه ولم يرض به ) كتاب المعين لفهم الأربعين .

(ج) قال الإمام ابن تيمية : ( يدخل في المعروف كل واجب وفي المنكر كل قبيح والقبائح هي السيئات وهي المحظورات كالشرك والكذب والظلم والفواحش ) العقيدة الأصفهانية .

- الخلاف في آيات الصفات وعلم الجرح بأن القدح المباح لإزالة المنكر أو لمعرفة راوي الحديث طبقاً لقواعد علم الجرح والتعديل ليس فيها أن يقدم الناقد رأيه للناس موهماً إياهم أن هذه منكرات ومحاذير بينه الناس من شرها فلو كان أمر بمعروف ونهي عن المنكر لنقل أقوال حسن البنا وذكر موطن مخالفتها للإسلام من خلال ذكر النص الشرعي .

(أ) والناقد لم يفعل ذلك بل نقل قول البنا عن السكوت وتفويض على معاني آيات الصفات إلى الله ثم رتب على ذلك حكماً آخر لا يجول بخاطر البنا ولا بخاطر كل منصف من البشر .

فقال الناقد : (والاعتقاد بأن آيات الصفات وأحاديثها من المتشابه هو الأصل الذي بنى عليه حسن البنا قوله بالتفويض وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أقوال أهل التفويض وفند مقالتهم وهي مقالة الجهمية والمعتزلة وأمثالهم ) من الكتاب وحسن البنا لم يقطع إلا بقوله ( ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تعالى أسلم وأولى بالاتباع حسماً لمادة التأويل والتعطيل ) [ من رسالة التعاليم ] ولكن التفويض الذي ذكره هو المفسر والمحدد بقوله (حسماً لمادة التأويل والتعطيل) فهو عدم تفسير النصوص فيما يتعلق بالصفات ونؤمن بها كما جاءت ونفوض كيفيتها إلى الله ولكن الناقد يوهم الناس أنه من أهل التفويض الذين يؤولون وقد ذكرهم شيخ الإسلام ابن تيمية .

(ب) وعلم الجرح والتعديل لا يجوز أن يحتمي به من وجه اتهاماً لغيره بالباطل فهذا العلم يوجب ذكر العلة التي بها يجرح الشخص ليخرج بها من شروط العدالة وليس من ذلك الإيهام أو التكهنات والاستنتاجات التي تخيلها الناقد ووصف بها حسن البنا وجماعته قال الإمام السيوطى في التدريب (فإن كان من جرح مجملا قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائناً من كان إلا مفسراً لأنه قد ثبت له رتبة الثقة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلى)..

قال الشيخ أحمد شاكر (وهو اختيار الراضي أبى بكر ونقله عن الجمهور واختاره إمام الحرمين والغزالي والرازى والخطيب وصححه الحافظ أبو الفضل العراقي والبلقينى في محاسن الإصلاح [ الباعث الحثيث ] .

(ج) أن القدح يقتصر على الغرض منه فليس غاية للتشهير بالمخالفين بهذا قال ابن الصلاح ( وقد فقدت شروط الأهلية في غالب أهل زماننا .. ولم يبق إلا مراعاة اتصال السلسلة في الإسناد ) ...

وقال الشيخ أحمد شاكر (الشروط السابقة في الراوي إنما تراعى بدقة في المتقدمين وأما المتأخرون فيكفي أن يكون الراوي مسلماً بالغاً عاقلاً غير متظاهر بفسق أو بما يخل مروءته لأن الروايات استقرت في الكتب المعروفة ) [الباعث الحثيث] وقال الإمام الغزالي (أن يقتصر التغيير على القدر المحتاج إليه ) [إحياء علوم الدين ] .

شروط الحسبة في النهي عن المنكر

إن الحسبة في هذا الأمر إنما تكون في الأمور التي لا خلاف فيها فمن شروط الحسبة في المنكر (أن يكون منكراً معلوماً بغير اجتهاد فكل ما هو محل اجتهاد فلا حسبة فيه ) ويقول (ليس للحنفي أن ينكر على الشافعي ولا للشافعي أن ينكر على الحنفي ) [المصدر السابق] .

وقال العلامة الماوردى عن المحتسب الذي نصبته الدولة : ( إن فقهاء الشافعية قد ذهبوا إلى كلا المذهبين فيرى فريق منهم أنه له أن يحمل الناس على العمل بما رآه وانتهي إليه اجتهاده ولكن البعض الآخر يقول : إن الاجتهاد في الأمور الخلافية حق مشاع فلا يحمل المحتسب غيره على اجتهاده ) [الأحكام السلطانية ].

وقال الملا على القاري : (لا إنكار في المختلف فيه بناء على أن كل مجتهد مصيب والمصيب واحد إلا أن المخطئ غير متعين لنا مع أن الإثم موضوع عنه وعمن تبعه ) .

ويقول (ليس للمحتسب على الأصح أن يحمل الناس على مذهبه سواء كان مجتهداً أو مقلداً فلم يزل الخلاف بين الصحابة والتابعين ) [ المبين المعين لفهم الأربعين ] .

ثانيا : البحث العلمي النزيه

يقول الكاتب أن ما أوردته عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعد دليلاً فهو نقل لأقوال بعض أهل العلم دون أدلتهم وبالتالي فالبحث قد خلا من أهم شروط البحث العلمي والكاتب يعلم تماما أن المقال محل نقده ليس بحثاً علمياً في التوسل ولا في إثبات آيات الصفات بل هو دفاع عن الإمام الميت الذي يحلو له أن ينبش قبره وينسب إليه المنكر من القول الذي لم يقله ولهذا أورد المقال أقوال الفقهاء الذين قالوا ما نقله حسن البنا رحمه الله وقلت : إن كان هذا فساداً في العقيدة فحسب البنا هؤلاء وكل ذي لب يدرك أن المقصود من هذا أن حسن البنا لم يبتدع هذا الفهم وليس المراد إثبات جواز التوسل أو عدم جواز ذلك فصدر المقال يدعو إلى ترك الخلاف والتوجه إلى العمل وبالتالي فسرد الأدلة لا مجال له هنا .

ولكن الأخ الفاضل نسب إلينا أننا نكتب بحثا نكتفي فيه بأقوال العلماء وهي ليست دليلاً ليصل إلى النتيجة التي سطرها فغفر الله لنا وله وهدانا وإياه سواء الصراط .

وأما النقل عن الإمام مالك عبارات الدعاء بالتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن ذلك على سبيل الدليل الشر بل كان لبيان أن مسألة التوسل للعلماء فيها أقوال كالبنا .

ومن ناحية أخرى فإن ضعف الرواية لم يغير من موضوع الرواية وهو جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ما قال به شيخ الإسلام ابن تيمية [ انظر مجموع الفتاوى مجلد 11 ، التصوف ] .

ثالثا : حول اضطراب عقيدة حسن البنا

كرر الكاتب قوله باضطراب عقيدة حسن البنا رحمه الله وأنه ليس للإخوان قاعدة عقائدية أجمعوا أمرهم على تبنيها ثم عاد وادعى أن عقيدة البنا في آيات الصفات مضطربة ولسنا ندرى ولا المنجم يدرى ماذا يراد من البنا بعد أن قال : (نحن نعتقد أن رأي السلف ... أسلم وأولى بالاتباع ) .

فإذا كانت هذه ميوعة عقائدية كما يقول الكتاب فماذا يقول عن المراجع التي ذكرها المقال والتي يدعى الكاتب أنها ليست في هذه المراجع وهي جرأة عجيبة منه حقاً .

نأمل أن يرجع الكاتب والمسلمون معه إلى الآتي :

1- شرح العقيدة الطحاوية وليقرأ ما كتبه الشيخ الألباني عن آيات الصفات .

2-عقيدة السلف أصحاب الحديث للإمام إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني.

3- منهج ودراسات لآيات الصفات للشيخ محمد الأمين الشنقيطى .

4- الرسالة التدميرية لابن تيميةالمجلد .

5- النقول في أسباب النزول للسيوطى .

6- تفسير ابن كثير وهو يؤكد صحة مختصر تفسير ابن كثير .

7- صفوة التفاسير للصابوني .

8- أحكام القرآن للجصاص .

9- تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا .

10 - تاريخ المذاهب الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة .

11- الملل والنحل للشهر ستانى وقد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل كما نقل أبو زهرة .

12- التفسير الواضح للدكتور حجازي .

13- تلبيس إبليس لابن الجوزى .

14- الاعتصام للشاطبى .

15- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي .

وبعد ذلك :

من كان له عينان فليقرأ ومن كان له أذنان للسمع فليسمع فإن الخلاف في معاني آيات الصفات ينحصر من أن الخلف يؤمنون بها ولكن يؤولون معناها ظناً منهم أن ظاهرها فيه تجسم (كاليد والوجه ) بينما يرى السلف أن تعطيل المعنى يؤدى إلى القول أن ما وصف الله به نفسه في القرآن لم يعلمه الأنبياء فقالوا كلاماً لا يعقلون معناه وهذا لا يليق بالقرآن والرسل ولهذا يؤمنون بها على ظاهرها ويفرضون كيفيتها إلى الله عز وجل .

وكلام حسن البنا رحمه الله لا لا يخرج عن هذا .

رابعاً : الميوعة العقائدية

ينسب إلى الإخوان الميوعة العقائدية لأنه (يوجد بين الإخوان من لا يعتبر خبر الآحاد حجة في العقائد كسيد قطب ((رحمه الله وسعيد حوى )) والكاتب يعلم أن هذه مسألة قد اختلف فيها الفقهاء فمنهم من قال أن أحاديث الآحاد قطعية الثبوت ومنهم من قال أنها ظنية الثبوت وترتب على ذلك خلاف فقهي آخر فمن الفقهاء من قال إن هذه الأحاديث لا يثبت بها العقائد والمعجزات بل نسب إلى الشيخ محمود شلتوت هذا الرأي إلى إجماع العلماء ( كتاب الفتاوى ) .. ومنهج حسن البنا في ذلك هو منهج من يعلم أن

ليس لديه بابوية أو عصمة تحول فرض أحد الرأيين على الناس لأن الذي يملك أن يتبنى رأياً من الأمور الخلافية ويلزم الناس بالعمل به هو إمام المسلمين أي الخليفة الذي بيده سلطة الدولة فقد أجمع الفقهاء أنه لا يجوز للمفتى أو الفقيه أن يخالف حكم الحاكم وقضاء القاضي إلا إذا اصطدم بنص صريح أو قاعدة قطعية (إعلام الموقعين لابن القيم ، والمستصفي للغزالي وتبصرة الحكام لابن فرحون ) وبناء على ذلك قال حسن البنا: (ورأي الإمام ونائبه فيما لا نص فيه وفيما يحتمل وجوهاً عدة وفي المصالح المرسلة معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية ) [ نبذة من رسالة التعاليم ] .

وفيما عدا ذلك فالإمام البنا يذكر بقاعدتين : الأولى (كل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ) [ بند 6].

الثانية : (ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة من غر أن يجر ذلك إلى المراء والجدال المدفوعين بالتعصب ..) [من البند 8] والأخ سليم الهلالي يعلم تماما أنه لا يوجد نص صريح يقضى بحجية أحاديث الآحاد في العقائد ولو وجد لما حدث هذا الخلاف ولأمكن إلزام كل مسلم بذلك كما يعلم أنه توجد نصوص حكمها ظاهر في أمور ومع هذا اختلف في طبيعة هذا الحكم هل هو للوجوب أم للندب والاستحباب ولا يملك أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع هذا الخلاف .

(أ) فقد وردت أحاديث صحيحة في أن صلاة السفر ركعتان منها حديث أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها :

((فرضت الصلاة ركعتان فأقرت في السفر وزيدت في الحضر إلا المغرب فهو وتر النهار ))).

ومع هذا اختلف في هذه المسألة فهل الحكم هنا للوجوب أم للندب والاستحباب ولا يملك أحد من المسلمين القطع في هذا الخلاف فهل يخول الأخ الهلالي حسن البنا أو غيره الصلاحية الشرعة التي بموجبها يتم اتباعه بأحد هذين الرأيين ؟

(ب) ووردت أحاديث صحيحة في غسل الجمعة منها حديث ((غسل الجمعة واجب على كل مسلم )) ومع هذا اختلف في حكم الغسل .. هل هو للوجوب أم للندب والاستحباب ولا يملك أحد أن يلزم المسلمين برأي أحد أو أن ينسب ضعف العقيدة لمن تبنى الرأي الذي يخالف ظاهر النص لأن الذين قالوا بالندب والاستحباب استدلوا بقرائن تصرف الوجوب إلى الندب في نظرهم .

(ج) والمؤلف نفسه في كتابه ينقل عن الإمام المزني قوله (وقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطأ بعضهم بعضاً ونظر بعضهم في أقاويل بض ولو كان قولهم صواباً عندهم لما اختلفوا ..) [ من الكتاب الذي نقل جامع بيان العلم لابن عبد البر ج ] ولئن سموا هذا الخلاف باختلاف التنوع فإن النتيجة واحدة وهي أن الأمور الخلافية لا يملك أحد أن يدعى أن رأيه فيها هو الحق الذي لا يأتيه الباطل .. أو أن يقول ما قاله الهلالي (رأي الفريقين أهدى سبيلاً وأقوم قيلا ).

وأخيراً وليس آخراً ... فيعلم الأخ الهلالي أنني تناولت الرد على الفقه الذي تمسك به من نسب القول بالتكفير إلى الإمامين سيد قطب والمودودى ورد ذلك في كتاب (الحكم وقضية تكفير المسلم ) الذي تضمنت الطبعة الثالثة منه الرد على ما ورد في كتاب الأخ صادق أمين وكتابات الأخ سعيد حوى ولكن ى أملك أن أقول بضعف عقيدة هؤلاء ولو قلت لبؤت أنا بها .

فهل يعدل الأخ الهلالي عن ادعائه أن كلام حسن البنا في التوسل يؤدى إلى الشرك الصريح وأنه وإخوانه لديهم ميوعة في العقيدة أو غير ذلك ... وهل يلتزم هو وغيره بمنهج السلف في الأمور الخلافية ؟

وجه الخلاف في آيات الصفات

لقد وصف الله نفسه بصفات تشبه في ألفاظها صفات المخلوق كالوجه واليد والعين والاستواء وقد وردت هذه الصفات بألفاظ اللغة العربية ولهذا قد تصورها الناس خمسة تصورات بعضها مردود بحكم الظاهر وبقوانين اللغة .

1- ففرقة قالت إن هذه الصفات لا تكون إلا بالجوارح فلا بصر إلا بالعين ولا سمع إلا بالأذن والجوارح لا تليق بحق الله وبالتالي نفي هؤلاء مدلول الصفات وعطلوا معاني الألفاظ ووجه الخطأ عندهم تصورهم أن الله لا يسمع ولا يرى إلا بجارحة كالناس وقد أجاب الإمام البنا أنه قد ثبت الكلام والسمع والبصر لبعض الخلائق بغير جارحة فكيف يتوقف كلام الله تبارك وتعالى على الجوارح .

2- وفرقة قالت إن هذه الصفات تفهم على ظاهرها في اللغة التي يتصورها الناس ومن ثم جعلوا لله يداً كأيدي البشر وضحكاً كالبشر فجعلوا الخالق كالمخلوق وقد أبطل الله ذلك في قوله تعالى { ليس كمثله شئ وهو السميع البصير } الشورى 11 )

فهذان التصوران مرفوضان ورأيان باطلان وتبقى الآراء محل نظر العلماء وهي التالية :

3- أنها حقيقة وفق دلالة لغوية صحيحة تليق بالله عز وجل لا تشبيه فيها ولا تجسيم ولا تأويل فيها ولا تعطيل فالألفاظ في هذه الصفات :

(أ) لها معنى لغوي يليق بجلال الله ولكن لا نعرفه قال الإمام مالك (الاستواء غير مجهول والكيف غير معلوم والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة) .

(ب) ولها معني أدنى يناسب واقع المخلوقات وهو الذي نعرفه فالصفات حقيقة نعلم كيفيتها بالنسبة لصفات الإنسان ولا نعلم كيفيتها بالنسبة لصفات الله تعالى فلها معني يليق به وهذا هو الذي سار عليه ابن تيمية وابن القيم وهو طريقة أهل الحديث وأكثر أهل السنة والجماعة ممن رأوا أنه هو مذهب السلف وهذا عليه اعتراض واحد بأنه لا سند لذلك في اللغة بالنسبة لبعض الألفاظ وأجيب على ذلك بأن اللغة عرفت بالاستعمال وفيها معاني لا يستطيع الناس تصور ماهيتها كإطلاق لفظ الذات ولفظ الوجود والحياة والرحمة والقدرة فهذه يراد بها معنى يناسب الله كما تطلق على المخلوق ويراد بها ما يناسبه من المعاني المعروفة .

- أن هذه الألفاظ ترد علة وجه الحقيقة ولها استعمال شرعي في معان تليق بجل الله بحسب الاصطلاح الشرعي أي أن لله صفات خاصة كاليد مع نفي المعنى المتبادر إلى ذهن الناس فلله يد ولكن ليست كأيدي الناس واستواء ليس كاستواء الناس وهو الجلوس وله عين ولكن ليس كحواس البصر المعروفة .

5- الاحتمال الرابع هو تأويل هذه النصوص إلى المعاني التي تحتملها أوجه المجاز المعروفة في اللغة وبالتالي أولوا اليد في قوله تعالى { يد الله فوق أيديهم } الفتح 1. ) بأنها لقدرة وقد استعمل لفظ اليد مجازا عنها .

وهذا التأويل سار عليه كثير من خلف أهل السنة والجماعة الذين أرادوا تنزيه الله عن مشابهة خلقه بتأويل هذه الألفاظ وفق معاني اللغة إلى المعاني المقبولة في استعمال الناس ومفاهيمهم وتصوراتهم عن صفات الله .

السلفية بين الأصول والفروع

يقول الإمام حسن البنا في رسالة العقائد

(ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تعالى أسلم وأولى بالاتباع حسماً لمادة التأويل والتعطيل فإن كنت ممن أسعده الله بطمأنينة الإيمان وأثلج صدره ببرد اليقين فلا تعدل به بديلاً ونعتقد إلى جانب هذا أن تأويلات الخلف لا توجب الحكم عليهم بكفر ولا فسوق) .

لقد غاب هذا عمن ذكرنا فزعموا أنه (ليس الإخوان المسلمين قاعدة عقائدية أجمعوا أمرهم على تبنيها ) و(عقيدة الإخوان في توحيد الأسماء والصفات مضطربة ).

وللأسف يقول هؤلاء إنهم يتبعون في ذلك مذهب السلف ويرجحونه ويدافعون عنه وهم يعلمون أن السلف قد أنكروا التنازع في المسائل التي لا ينبني عليها عمل ولم يذموا من سعى إلى التأويل تنزيها لله تعالى عن التجسيم والتشبيه .

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في إثبات الصفات :

(قوله تعالى { ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } حيث عبر بها عن ملائكته ورسله أو عبر بها عن نفسه أو عن ملائكته ولكن قرب كل بحسبه فقرب الملائكة منه تلك الساعة وقرب الله تعالى منه مطلق كالوجه لثنى إذ أريد به لله تعالى ى نحن أقرب إليه من حبل الوريد فيرجع هذا إلى القرب الذاتي اللازم وفيه قولان :

أحدهما :إثبات ذلك وهو قول من المتكلمين والصوفية .

والثاني : أن القرب هنا بعلمه لأنه قد قال { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } فذكر لفظ العلم هن دل على القرب بالعلم .

ومثل هذه الآية حديث أبى موسى : ((إنكم لا تدعون أًما ولا غائبا إنما تدعون سميعا قريباً إن الذي تدعونه قرب إلى أحدكم من عنق راحلته )) .

فالآية لا تحتاج إلى تأويل القرب في حق الله تعالى إلا على هذا القول وحينئذ فالسياق دل عليه وما دل عليه السياق هو ظاهر الخطاب فلا يكون من موارد النزاع .

وقد تقدم أنا لا نذم كل ما يسمى تأويلا مما فيه كفاية وإنما نذم تحريف الكلام عن مواضعه ومخالفة الكتاب والسنة والقول في القرآن بالرأي ) ويختم شيخ الإسلام ابن تيمية كلام في هذه المسألة بقوله:

ويجوز باتفاق المسلمين أن تفسر إحدى الآيتين بظاهر الأخرى ويصرف الكلام عن ظاهره إذ لا محذور في ذلك عند أحد من أهل السنة وإن سمى تأويلاً وصرفاً عن الظاهر فذلك لدلالة القرآن عليه ولموافقة السنة والسلف عليه لأنه تفسير للقرآن بالقرآن ليس تفسيراً له بالرأي .

والمحذور إنما هو صرف القرآن عن فحواه بغير دلالة من الله ورسوله والسابقين كما تقدم ) .

الأصول بين الأقوال والأعمال

ولما كان المتاجرون بالخلافات في كل العصور يستخدمون اسم العقيدة أو الأصول لوصف من يخالفهم أو من يريدون هم مخالفته بالانحراف عن العقيدة أو الأصول .

فإن شيخ الإسلام ابن تيمية قد أغلق باب الفتنة في وجه هؤلاء وذلك بقوله رخمه الله :

وأصل هذا ما قد ذكرته في غير هذا الموضع:

أن المسائل الخيرية قد تكون بمنزلة المسائل العلمية وإن سميت تلك (مسائل أصول ) وهذه (مسائل فروع ) فإن هذه تسمية محدثة قسمها طائفة من الفقهاء والمتكلمين وهو على المتكلمين والأصوليين أغلب ولا سيما إذا تكلموا في مسائل التصويب والتخطئة .

وأما جمهور الفقهاء المحققين والصوفية فعندهم أن الأعمال أهم وآكد من مسائل الأقوال المتنازع فيها فإن الفقهاء كلامهم إنما هو فيها وكثيراً ما يكرهون الكلام في كل مسألة ليس فيها عمل كما يقوله مالك وغيره من أهل المدينة بل الحق أن الجليل من كل واحد من الصنفين (مسائل أصول ) والدقيق (مسائل فروع) فالعلم بوجوب الواجبات كمباني الإسلام الخمس وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة كالعلم بأن الله على كل شئ قدير وبكل شئ عليم ونه سميع بصير وأن القرآن كلام الله ونحو ذلك من القضايا الظاهرة المتواترة ولهذا من جحد تلك الأحكام العملية المجمع عليها كفر كما أن من جحد هذه كفر .

وقد يكون الإقرار بالأحكام العملية أوجب من الإقرار بالقضايا القولية بل هذا هو الغالب فإن القضايا القولية يكفي فيه الإقرار بالجمل وهو الإيمان بالقدر خيره وشره وأم الأعمال الواجبة فلابد من معرفتها على التفصيل لأن العمل بها لا يمكن إلا بعد معرفتها مفصلة ولهذا تقر الأمة من بفصلها على الإطلاق وهم الفقهاء وإن كان قد ينكر على من يتكلم في تفصيل الجمل القولية للحاجة الداعية إلى تفصيل الأعمال الوجبة وعدم الحاجة إلى تفصيل الجمل التي وجب الإيمان بها مجملة ) انتهى .

الأصول بين الأقوال والأعمال

ولما كان المتاجرون بالخلافات في كل العصور يستخدمون اسم العقيدة أو الأصول لوصف من يخالفهم أو من يريدون هم مخالفته بالانحراف عن العقيدة أو الأصول .

فإن شيخ الإسلام ابن تيمية قد أغلق باب الفتنة في وجه هؤلاء وذلك بقوله رخمه الله :

وأصل هذا ما قد ذكرته في غير هذا الموضع:

أن المسائل الخيرية قد تكون بمنزلة المسائل العلمية وإن سميت تلك (مسائل أصول ) وهذه (مسائل فروع ) فإن هذه تسمية محدثة قسمها طائفة من الفقهاء والمتكلمين وهو على المتكلمين والأصوليين أغلب ولا سيما إذا تكلموا في مسائل التصويب والتخطئة .

وأما جمهور الفقهاء المحققين والصوفية فعندهم أن الأعمال أهم وآكد من مسائل الأقوال المتنازع فيها فإن الفقهاء كلامهم إنما هو فيها وكثيراً ما يكرهون الكلام في كل مسألة ليس فيها عمل كما يقوله مالك وغيره من أهل المدينة بل الحق أن الجليل من كل واحد من الصنفين (مسائل أصول ) والدقيق (مسائل فروع) فالعلم بوجوب الواجبات كمباني الإسلام الخمس وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة كالعلم بأن الله على كل شئ قدير وبكل شئ عليم ونه سميع بصير وأن القرآن كلام الله ونحو ذلك من القضايا الظاهرة المتواترة ولهذا من جحد تلك الأحكام العملية المجمع عليها كفر كما أن من جحد هذه كفر .

وقد يكون الإقرار بالأحكام العملية أوجب من الإقرار بالقضايا القولية بل هذا هو الغالب فإن القضايا القولية يكفي فيه الإقرار بالجمل وهو الإيمان بالقدر خيره وشره وأم الأعمال الواجبة فلابد من معرفتها على التفصيل لأن العمل بها لا يمكن إلا بعد معرفتها مفصلة ولهذا تقر الأمة من بفصلها على الإطلاق وهم الفقهاء وإن كان قد ينكر على من يتكلم في تفصيل الجمل القولية للحاجة الداعية إلى تفصيل الأعمال الوجبة وعدم الحاجة إلى تفصيل الجمل التي وجب الإيمان بها مجملة ) انتهى .

الفصل الثالث

حقوق الأقليات وقواعد إنكار المنكر

المرأة والحق السياسي

لقد أدرك فقهاء هذه الأمة علة استثناء المرأة من بعض الأحكام فقصروا هذا الاستثناء على ما ورد في النصوص ولم يتوسعوا في القياس عليها بل منهم من اجتهد في فهم هذه العلة واستثنى منها بعض حالات الضرورة فالإمام ابن تيمية ينقل عن الإمام أحمد في المشهور عنه أن تؤم المرأة الرجال في حاجة مثل أن تكون قارئة وهم غير قارئين فتصلى بهم التراويح كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأم ورقة (أن تؤم أهل دارها وجعل لها مؤذنا وتتأخر خلفهم وإن كانوا مأمومين ) هذا مع ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم : ((لا تؤمن امرأة رجلا ))

وفي عصرنا ذهب بعض العلماء إلى منع المرأة من الحق السياسي واحتجوا لذلك بأدلة تنحصر في نوعين :

الأول :عدم مشاركة المرأة في مبايعة الخلفاء في العصور الأولى للإسلام فقد قال الجوينى في (غياث الأمم

(إن النسوة لا مدخل لهن في تخير الإمام وعقد الإمامة فإنهن ما روجن قط ولو استشير في هذا الأمر امرأة لكان أحرى النساء وأجدرهن بهذا الأمر فاطمة رضى الله عنها ثم نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين

الثاني :أنه يلزم الأخذ بقاعدة سد الذرائع وذلك بمنع ما يترتب على ممارستها لحق الانتخاب من مفاسد كالاختلاط بالرجال أو السفر بغير محرم .

وذهب البعض الآخر إلى جواز اشتراك المرأة في الانتخاب والاختيار لمن يمثلون الأمة وينظرون في شؤونها واستدلوا لذلك بما يأتي :

1- انتخاب المرأة لغيرها لا يخرج عن كونه أما توكيلا للغير بالدفاع عن حقوقها والتعبير عن إرادتها وإما شهادة للغير بأنه قادر على القيام بوظيفة النائب والدفاع ن مصالح الأمة .

2- مبايعة المرأة للنبي صلى الله عليه وسلم مبايعة تتصل بالحكم والدولة فقد بايعت المرأة النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة الأولى والثانية واستمرت مبايعة النساء له طيلة حياته وكانت صيغة البيعة في العقبة الثانية واحدة للرجال والنساء فبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لي حرب الأحمر والأسود وأخذ لنفسه واشترط على القوم لربه وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة قال عبادة بن الصامت : ((بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب على السمع والطاعة في سرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم )) (( تهذيب سيرة ابن هشام).

إذا كانت بيعة العقبة الأولى بيعة على الالتزام بالإسلام والابتعاد عن الفواحش فإن البيعة الثانية كانت على الحرب والجهاد في سبيل الله والدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأييده من قبل الرجال والنساء جميعاً وإذا قيل إن آية بيعة النساء لم تتضمن المعنى السياسي قلنا : إن قوله تعالى : { ولا يعصينك في معروف} الممتحنة 12 ) يعنى اتباع أوامر النبي صلى الله عليه وسلم والامتناع عن نواهيه في شئون الدين والدنيا وهذا مبايعة للرسول صلى الله عليه وسلم بالمعنى السياسي .

ذكر ابن الجوزى في زاد المسير 8% 246 في تفسير هذه الآية ثلاثة أقوال :

النوح وخدش الوجوه وجميع ما يأمرهن به رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرائع الإسلام وآدابه .

وقال : وفي هذه الآية دليل على أن طاعة الولاة إنما تلزم في المباح دون المحظور وقال الجصاص في أحكام القرآن 3/441 وقد علم الله أن نبيه لا يأمر إلا بمعروف إلا إنه شرط في النهي عن عصيانه إذا أمرهن بالمعروف بألا يترخص أحد في طاعة السلاطين لأن الله تعالى قد شرط في طاعة النبي فعل المعروف وهو في معنى قوله صلى الله عليه وسلم (( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) فالآية تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من النساء البيعة بالمعنى السياسي وألزمهن بطاعته بالمعروف .

3- الإسلام لم يصادر حق المرأة ولم يمنعها من التعبير عن إرادتها وإبداء رأيها بل أعطاها الحرية الكاملة كالرجل سواء بسواء فأقر اختيارها لزوجها واحترام جوارها فتلك أم هانئ بنت أبى طالب تجير رجلاً أسرا من المشركين لأنه من أحمائها فجير النبي صلى الله عليه وسلم جوارها ويقول : ((أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت يا أم هانئ)) (سنن أبى داود 3/84) قد أجمع العلماء على جواز أمانها في السلم والحرب قال الخطابي في معالم السنن 2/320 : ((أجمع عوام أهل العلم أن أمان المرأة جائز )) فإذا أجاز الإسلام لها الأمان في السلم والحرب فلم تمنع من الانتخاب والاختيار لنواب الأمة .

4- القاعدة الفقهية الأصل في العادات الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم قال ابن تيمية (أن تصرفات العباد والأفعال نوعان عادات يصلح بها دينهم وعادات يحتاجون إليها فيدنياهم فاستقراء أصول الشريعة أن العبادات التي أوجبها الله أو أباحها لا يثبت الأمر بها إلا بالشرع وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والأصل فيه عدم الخطر منه إلا ما حظر الله ورسوله وذلك لأن الأمر والنهي مما شرعه الله تعالى ) .

تحرير النزاع

لا يجادل مسلم في أن التحريم لا يكون بالرأي بل بنص في القرآن أو السنة النبوية فقد قال الله تعالى {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } .

وقال عز وجل { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } .

الذين يحرمون الحق السياسي للمرأة سواء كان حق الانتخاب أو حق الترشيح ليس لديهم نصوص في الموضوع بل يبنون حكمهم على نوعين من الأدلة كما مر بك .

الأول :عدم اشتراك المرأة في تولية الخلفاء وهذا له سبب وعلة وهو أن الذي يملك تولية الحاكم يملك عزله وهذا العزل قد يتطلب الخروج عليه بالسلاح وقتاله وقيادة الجيوش ضده وهذا لا تختص به المرأة في الإسلام كما أن الذين يرشحون الحاكم ويولونه هم أهل الحل والعقد وهؤلاء إن كانوا من الرجال إلا إنهم يمثلون القبائل وأصحاب المهن بما فيهم من الرجال والنساء .

الثاني :هو سد ذريعة احتمال سفرها بغير محرم أو اختلاطها بالرجال وهذا ليس من طبيعة العمل النيابي فهذا العمل لا يختلف عن العمل في الطب أو التدريس أو المحاماة وهذه الأعمال ليست حراماً في ذاتها بل يحرم ما يدخل عليها من اختلاطها أو سفر بغير محرم ولا يجوز أن نجعل للعمل النيابي حكما خاصا وندعى أن من طبيعته السفر أو الاختلاط أو المفاسد وهذا لا يتصل بطبيعة العمل فلا تسافر النائبة إلا باختيارها ولا تدخل اللجان البرلمانية إلا باختيارها بل هي غير مجبرة على حضور جميع جلسات المجلس وبالتالي تستطيع تجنب الحرام كما تفعل في سائر أمور الحياة الاجتماعية ولو رجعنا إلى مدلول الحق السياسي في القوانين لكان الحكم على هذا العمل ناتجا عن التصور الصحيح له فالقاعدة أن الحكم على الشيء فرع من تصوره والعمل السياسي هو مشاركة المواطن في إدارة شئون بلاده بطريقين :

أحدهما : مباشر وله وسيلتان وطريق غير مباشر وتفصيل ذلك

1- طريق مباشر مثل رئاسة الدولة ورئاسة مجلس الوزارة وهذا يدخل ضمن الولاية العامة التي يحرمها الإسلام على المرأة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لم يفلح قوم ولوا أمورهم امرأة )) رواه البخاري .

2- طريق مباشر لا يدخل ضمن الولاية العامة وهو المشاركة في المجالس النيابية وهذا يمكن أن يسمى طريقا غير مباشر .

3- طريق غير مباشر ويتمثل في اشتراك المواطن في إدارة بعض المرافق بانتخابه من يمثله في المجالس المحلية وفي الجامعات والجمعيات التعاونية والتصور السائد لحق الانتخاب سواء في المجالس النيابية أو المحلية أنه توكيل من المرأة إلى من تقبله عضوا في هذه المجالس والمرأة غير ممنوعة شرعاً أن توكل غيرها كما أن التصور السائد عن عضو المجلس أنه وكيل عن الشعب والمرأة غير ممنوعة في الشرعية الإسلامية أن تكون وكيلاً عن غيرها من الرجال أو النساء .

ولكن التصور الدقيق أن المشاركة في اختيار أعضاء المجالس النيابية والمحلية لا تنطبق عليه كل أحكام الوكالة وبالتالي قياس الناقل على الموكل وقياس عضو المجلس على الوكيل قياس مع الفارق لأن الموكل يملك عزل الوكيل كما يشاء وبفوز العضو لا يملك الناخب عزله كما يحلو له كما أن الموكل يملك إجبار الوكيل على تقديم كشف حساب له ويملك الطعن على تصرفات الوكيل أو التنصل منها وإبطاله على أساس أنها خرجت عن حدود التوكيل أو أضرت بالموكل ولا يملك الناخب الطعن على تصرفات عضو المجلس فلو أيد مشروعا أو اختار رئيساً للمجلس أو طلب استجواب وزير أو سحب الثقة منه لا يلزم بالرجوع إلى الناخب في ذلك ولا يملك

الناخب إبطال هذه التصرفات والخلاصة أن عضوية المجالس النيابية والمحلية وما يتصل بها من الانتخاب والأعمال هي وضع قانوني خاص يخول الأغلبية اختيار من يمثلها في هذه المجالس وهذا النائب تحكمه قواعد قانونية ولا تحكمه قواعد الوكالة في الفقه الإسلامي وهذه القواعد تخوله المشاركة في إصدار القوانين ومحاسبة الحكام والوزارة وكل ذلك ليس محرماً على المرأة على النحو المفصل من قبل .

استدراك حول الحق السياسي

نحبب أن يدرك هواة الخلاف أن القول بشرعية ممارسة المرأة للحقوق السياسية لا يعنى أن تترك المرأة أولادها لغيرها وإن كان ممارسة حق الانتخاب لا يتجاوز ساعة كل عدة سنوات وممارسة حق النيابة في المجلس لا تمارسه سوى امرأة أو امرأتان ولا يراد من الاستشهاد بأقوال الإمام أحمد أن تؤم المرأة الرجال كما أن الهدف من الخوض في هذه المسألة هو أن ننزه الإسلام عن الأمور المتصلة بالبيئة والمجتمع حتى لا يصبح الشيء حراماً فيعصر ثم حلالاً في عصر آخر وما زلنا نقول :

إن المناهج البشرية شرقية وغربية تركز عن طريق كتابها ووسائل الإعلام فيها على إخراج المرأة من بيتها للتخلي عن وظيفتها في التربية وتترك ذلك للخادمات أو المربيات على الرغم من أن المؤتمرات العلمية الدولية قد أثبتت فشل هذه السياسة وهذه ه المناهج .

والمؤتمر الدولي السابع للإرشاد النفسي والذي عقد بجامعة (فيرزبورج) بألمانيا الاتحادية في الحادي عشر إلى الخامس عشر من إبريل 1976 م قد كشف عن أضرار تخلى الأمهات عن هذا الواجب وقد ذكر الأستاذ أرنولد رئيس هذه الجماعة أن هناك حالات مأساوية ومرضية في المجتمع الحديث نتيجة تخلف الأمهات عن واجبهن نحو أطفالهن حتى شاع على لسان الأطفال الصغار في جلسات الإرشاد النفسي معهم قولهم : (إن أمي لم تكن ترغب في مجيئي إلى هذا العالم وهي حتى الآن تعبر عن ضيقها بوجودها معي !!) .

ويقول رئيس المؤتمر (إذا كان الأطفال والشباب يعرفون أنهم مرفوضون وغير مرغوب فيهم من أمهاتهم فإنهم يقفون على أرض بوار وفي حالة من القنوط الكامل من أي رجاء ) كما أن الدراسات المحلية تثبت أن الأطفال يشعرون بالانتماء لدور الحضانة وإلى المربيات والخادمات أكثر من انتمائهم لأمهاتهم وأسرهم !!! .

فالدراسات التي قامت بها إدارة الخدمة النفسية بالكويت تثبت أن 79% من الأطفال يشعرون بالانتماء إلى المربيات أكثر من انتمائهم إلى أسرهم وقد أوضحت هذه الدراسة أهمية دور الأم في إشباع الحاجات العاطفية والمادية بما تعجز عنه الشغالة أو المربية كما كشفت هذه الدراسة عن أثر المربيات في التأثير على ثقافة الطفل وقيمته الاجتماعية فالأطفال محل هذه الدراسة هم أطفال المرحلة الابتدائية يقل ارتباطهم بأمهاتهم وهم أكثر تقبلاً لعادات المربية وأخلاقها وقد كشفت (آنافرويد) في كتابها (أطفال بلا أسر) أن تربية الأطفال في الملاجئ والمحاضن يولد الاضطرابات العاطفية والخلل النفسي والانحرافات الشاذة .

إن المرأة في الحضارة المادية شرقاً وغرباً قد فقدت إنسانيتها وأصبحت وسيلة للدعاية والإعلان التجاري وأفلام الجنس .

الجزية والضمان الاجتماعي

يردد بعض المستشرقين أن شريعة الإسلام تستضعف غير المسلمين من أهل البلاد ولا تقر لهم بحقوق المواطن ويستدل هؤلاء بقول الله تعالى { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } التوبة 29 ) وبعض الشباب ممن ظن أنه يصبح مجتهداً إذا حفظ حديثاً نبوياً في هذا الموضوع يجتهد بما يؤيد خصوم الإسلام ويزعم أن هذا هو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال .

ولكن هذه الآية نزلت بعد أن تطهرت جزيرة العرب من الشرك ودخل العرب في دين الله أفواجا فخيرت أهل الكتاب بين الدخول في دين الله أو القتال أو الدخول فيعقد صلح مع المسلمين ودفع الجزية قال الإمام الشافعي في كتابه (الأم ) :

( الصغار هو أن ما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أخذ ديناراً عن كل شخص أو قيمته من الثياب وذلك في كل عام والجزية تعطى عن يد أي عن قدرة فلا يلزم بها غير القادرين كالنساء والأطفال وناقص الأهلية كالمعتوه ومن في حكمه .

قال الإمام الشافعي : من أصاب عته تسقط عنه الجزية طالما كان معتوهاً فإذا زال عنه العته تؤخذ منه الجزية من يوم إقامته لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران ((من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته أو انتقصه أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة )) .

خلاف الخليفة مع أهل الكتاب

قال الشافعي : (إذا اختلف إمام المسلمين مع الكتابي هل هو غنى مشهور الغنى أو فقير أو وسط فالقول قول الكتابي إلى أن يثبت خلافاً ما قاله ببينة تقام عليه من إمام المسلمين ) .

وقال أيضاً ( إذا كان من أهل الكتاب من هو غائب عند التصالح على الجزية فلا يلزمه ما تراضى عليه قومه حتى يقر ذلك وأيضاً لا يلتزم أطفالهم بالجزية حتى يبلغوا السن فإذا بلغوها لا تجب عليهم إلا برضاهم بما أقر به آباؤهم وإذا أرادوا أن يلتزموا بالصدقة التي يلتزم بها المسلمون لأنهم لا يرضون بمعنى الجزية جاز ذلك لأن الجزية ليست عقد بيع فيفسد بما تفسد به البيوع بل هي شرط يتراضى عليه الطرفان ولهذا عندما أنف العرب من غير المسلمين وطلبوا أن يمضوها على معنى الصدقة صالحهم عمر بن الخطاب على ذلك ).

والجدير بالذكر أن الجزية نظام قائم قبل نزول القرآن مؤداه أن تدفع البلاد المغلوبة ضريبة إلى الدول الغالبة ولكن الإسلام أصلح من هذا النظام وجعل الجزية مقتبل إعفاء غير المسلمين من التجنيد في جيش المسلمين وكذا نظير حمايتهم والدفاع عنهم .

ولهذا عند قتال هؤلاء مع المسلمين تسقط عنهم الجزية وهذا ما فعله أبو عبيدة عامر بن الجراح مع أهل فلسطين حيث دفع عنهم الجزية لقتالهم مع المسلمين .

وأيضاً جعل الإسلام لأهل الجزية وذويهم حقاً في الحصول على الإعانة الاجتماعية من بيت مال المسلمين وذلك على الرغم من أن مقدار الجزية ضئيل فهو دينار ويؤخذ من القادر فقط وعلى الرغم من أن الجزية في الإسلام لا يؤخذ من النساء أو الشيوخ أو الأطفال ولكنهم يستفيدون بالضمان الاجتماعي الإسلامي لدخولهم فيعهد الأمان تبعاً لذويهم من أهل الجزيرة .

مدى التزام أهل الكتاب بالشريعة

ويقول الإمام الشافعي رضى الله عنه ( إذا طلبوا أن يكتب إمام المسلمين لهم كتاباً علي الجزية بشرط معنى الصدقة جاز ذلك إذا كان لهم مال يجب فيه الصدقة بحكم الإسلام فإذا كان لهم زرع فلا تجب فيه الصدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ولاحق في أقل من ذلك ).

وقال أيضاً (الصغار هو أن يجزى عليهم حكم الإسلام لأنه لا يجوز أن تكون دار الإسلام موطنا ودار إقامة لمن يمتنع عن حكم الإسلام ولكن إلى أي مدى نلزمهم بحكم الإسلام؟

قال الإمام الشافعي رضى الله عنه :

(لقد أذن الله بأخذ الجزية منهم مع علمه بشركهم به واستحلالهم محارمه فلا تكشف عن شئ مما استحلوه بينهم فإن جاءت امرأة منهم تريد فساد نكاحها لأنها تزوجت بغير شهود مسلمين أو بغير ولي أو بشيء مما يرد به نكاح المسلم فلا يجوز أن يبطل زواجها إذا كان اسمه عندهم نكاحاً لأن النكاح ماض قبل الإسلام فقد انفذ رسول الله صلي الله عليه وسلم نكاحهم وكانت لهم ذمة وأهل هدنة ويعلم أنهم ينكحون نكاحهم ولم يأمرهم أن ينكحوا غيره ولا أفسد لهم نكاحاً ولا منع أحداً منهم امرأته بعد أن أسلم مع أنه قد عقد عليها بالعقد المتقدم في الشرك بل أقرهم علي ذلك النكاح .

أما إذا جاءت نصرانية قد تزوجها مسلم بلا شهود أفسدنا هذا النكاح لأنه ليس للمسلم أن يتزوج أبداً بغير تزويج الإسلام ) .

حقوق المواطن وأهل الكتاب

قال الشافعي (نحمى أهل الذمة بما نحمى به أنفسنا وأموالنا وإن بغى عدو لهم علينا أن نستنقذهم من عدوهم وأن نستنقذ أموالهم حتى ولو لم يكن فيعقد صلحهم أن يمنعهم مما يمنع منه المسلم وذلك لأن منعهم منه لديار الإسلام فإن أخذ منهم الجزية ولم يمنعهم من عدو لهم أو عدو له حتى نالهم العدو رد عليهم الجزية عن هذه الفترة وعليه الإثم إن كان قد تركهم دون أن يغلبه العدو لأن الصغار أن يجرى عليهم حكم الإسلام والحكم هنا أن يمنع من اعتدى عليهم أو أذاهم ).

والإمام الشافعي في تفسيره معنى الصغار الوارد في قول الله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } يأمر المسلمين بمنع أي اعتداء أو إيذاء لأهل الكتاب .

إنه في ذلك يطبق قول النبي صلي الله عليه وسلم (( من آذى ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة )) (الجامع الصغير للسيوطى ).

إن عقد الجزية هو عقد أمان وجوار لله فقد كتب النبي لأهل نجران ((ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله علي أموالهم وملتهم وبيعهم وكل ما تحب أيديهم )) .

الصلح علي الاختلاف في بلاد المسلمين

ولقد رتب العلماء علي هذا أحكاماً منها أنه إذا اختلف أهل الذمة في بلاد المسلمين فأنكرت منهم طائفة أن تكون صالحت على شئ سوى الجزية لا يلزمها للإمام ما أنكرته ويعرض عليها إحدى خصلتين ذكرهما الإمام الشافعي في كتابه (الأم ) : ألا تأتى بلاد الحجاز بحال أو تأتى الحجاز ويؤخذ منها ما صالح عليه عمر بن الخطاب بن الخطاب ولا يجوز للولاة أن يجبروا بلاد الحجاز إلا بهذا الرضا والأفراد .

قال الشافعي : ( ولا يبين لي أن يمنعهم الوالي بلدا غير الحجاز ولا يأخذ منهم أموالهم وإن اتجروا في بلد غير الحجاز شيئاً ولكن لا يحل لهم أن يأذن لهم في مكة بحال ).

كما قال : ( ولا أحسب عمر بن الخطاب ولا عمر بن عبد العزيز أخذ ذلك منهم إلا عن رضا منهم بما أخذ منهم فأخذه منهم كما تؤخذ الجزية فأما أن يكون قد ألزموهم بغير رضا منهم فلا أحسب كذلك ).

وقال الشافعي :( وإذا امتلك أحدهم داراً فله حقوق المسلم في بنائه من الارتفاع وغيره وإن كانوا في بلد يملكونها لا يمنعهم من إحداث الكنائس ولا ترفع البناء ولا نعرض لهم في خنازيرهم وخمرهم وأعيادهم وجماعتهم ).

فالصغار أن يجرى عليهم حكم الإسلام إلا أن ينالهم أي أذى وإن عرض لهم أحد بأذى منعته فإن عاد حبسته أو عاقبته ولهذا قال الإمام علي بن أبى طالب (إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودمائهم كدمائنا) .

قد تضمن عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى نصارى بيت المقدس أنه أعطاهم أمانا لأنفسهم وكنائسهم وصلبانهم فلا يسكن مسلم كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من حيزها ولا من صلبانهم ولا يكرهون علي دينهم ولا يضاد أحد منهم .

وقد أصدر أمراً إلى خازن بيت مال المسلمين هو بمثابة القانون ونصه (أيما شيخ ضعيف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنياً فافتقر طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله) هذا ما كتبه أيضاً خالد بن الوليد إلى أهل الحيرة .

والفقيه ابن حزم الأندلسى يقول (من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالسلاح ونقاتل دون ذلك صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى ورسوله فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة ).

الأراضي المفتوحة

لقد واجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مشكلة من نوع آخر تتعلق بالأراضي في البلاد المفتوحة وهي مساحات شاسعة يتعلق بها حياة الملايين من أهلي هذه البلاد ترتبط بها معايشهم ومعايش من جاء بعدهم وكان الحكم السائد أن يحصل المجاهدون علي حصة كبيرة من غنائم الحرب باعتبار أنهم قد تطوعوا للحرب فقدموا سلاحهم وأنفسهم وأموالهم وباعتبار أن الغنائم عند العرب كانت أدوات القتال من السيف والرمح والخيل والإبل فهل توزع الأراضي علي المحاربين باعتبار أنها غنائم أم تغلب مصلحة أهل هذه البلاد علي الرغم من أنهم لم يؤمنوا بالله ورسوله .

بعد فتح العراق وفارس والسام ومصر في عهد عمر بن الخطاب نشأت المشكلة وهي حق المحاربين في الغنائم وكانت أراضى شاسعة فطلب المحاربون حصتهم وهي أربعة أخماس هذه الغنائم فكتب سعد بن أبى وقاص بعد فتح العراق وأبو عبيدة عامر بن الجراح بعد فتح الشام يسألان أمير المؤمنين عن تقسيم المدن والأراضي كطلب المحاربين فجمع عمر الفقهاء وأهل الرأي وقادة الجيوش للتشاور في هذا الأمر فهل تقسم طبقاً للحكم الوارد في القرآن الكريم في قول الله تعالى :{ واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى و اليتامى والمساكين وابن السبيل } .

أي أن للمحاربين أربعة أخماس الغنائم فقال عمر :( لو فعلنا ذلك فلا يبقى لمن بعدكم شئ حيث لا يجدون أرضاً ولا بيوتاً إذ ستورث إلى الأبناء والأحفاد فلا يجد المسلمون بعد ذلك ما يسدون به الثغور ولا يجد الأرامل والفقراء من أهل الشام والعراق وغيرهم ما ينفقون منه وقد انضم إلى أمير المؤمنين في هذا الرأي كل من علي بن أبى طالب وعثمان ابن عفان وطلحة بن الزبير ومعاذ بن جبل وعبد الله بن عمر وعارض بعضهم واستمسكوا بظاهر الآية القرآنية وانتهي الطرفان إلى تحكيم عشرة من الأنصار منهم خمسة من الأوس وخمسة من الخزرج فوقف أمير المؤمنين أمام هيئة التحكيم وقال ( إني لم أزعجكم إلا لأن تشتركوا في أمانتي فيما حملت من أموركم فإني واحد كأحدكم وأنتم اليوم تقرون بالحق ) وعرض هذه القضية واستدل علي رأيه بما ورد في سورة الحشر بعد آيات تقسيم الغنائم حيث قال الله تعالى { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } .

وقال أمير المؤمنين (هذه الآية عامة لمن جاء بعد هؤلاء المحاربين فإذا وزعت الغنائم بين الحاضرين فكيف ندع من يجئ بعدهم .

وانتهي القرار بالنزول علي رأي أمير المؤمنين رضى الله عنه .

خضوع غير المسلمين للشريعة

إن غير المسلمين لهم دينهم وأحوالهم الشخصية فهي قانونهم وأما غير ذلك فالقانون الواجب التطبيق عند الخلاف والمتنازع هو الشريعة الإسلامية الممثلة في القرآن والسنة النبوية .

وإذا كانت الدول الحديثة قد أخذت بهذه القواعد وأصبحت قانوناً دولياً فإن إثارة البعض من شبهات حول خضوع النصارى لأحكام الشريعة الإسلامية لا أساس له من الصحة فهؤلاء يخضعون في الدول الأوربية إلى قوانين أخرى غير مستمدة من دينهم علي الرغم من أنهم أبناء ديانة واحدة أو هم الأغلبية المطلقة في هذه المجتمعات والشريعة الإسلامية لا تلزمهم بأحكامها فيما يتعلق بالأحوال الشخصية وهو ما أصبح قانوناً دولياً .

بل تنفرد الشريعة الإسلامية عن القوانين البشرية التي يلتزم بها العلمانيون في أبها لا تلزم غير المسلم بالمحرمات في الأمور التي أباحتها ديانتهم حتى لو حرمها الإسلام كشرب الخمر وإنما تأتى العقوبة علي شربها في الأماكن العامة وما يلحق بذلك في آثار علي الغير .

وأما ما يشاع من أنهم يصبحون مواطنين من الدرجة الثانية ويحرمون من حقوق المواطنة فهذا لا صحة له لأن النبي صلي الله عليه وسلم في إعلانه سالف الذكر قد نص علي أن اليهود أمة مع المؤمنين وسبق أن تناولنا مسألة الجزية وحقوقهم .

إن أسوأ شئ مع غير المسلم هو الخيانة وحكم الإسلام في الذمي الخائن هو الحكم نفسه في المسلم الخائن أي القتل قياساً علي سنة النبي صلي الله عليه وسلم إن فعل الخيانة من المسلم يعتبر خروجاً عن الإسلام وفعل الخيانة من غير المسلم يعتبر خروجاً عن عهد الذمة وحق الوطن وفي الحالة الثانية أي التمرد فإن حكم الإسلام فيتمرد غير المسلم هو أن التمرد لا ينهي عقد الذمة بل إنه جريمة بحق الدولة يعاقب عليها بمثل ما يعاقب عليها المسلم أي أن التمرد يعتبر احتجاجاً علي حالة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وليس عدوانا ضد المجموعة الإسلامية .

إن التاريخ الإسلامي حافل بأمثلة القواعد للتعامل بين المسلمين وغير المسلمين العرب ونذكر من هذه الأمثلة والقواعد ما يأتي :

1- عندما فرضت الجزية علي نصارى بنى تعلب في الشام رفض هؤلاء دفع الجزية اعتقاداً منهم أنها تتنافي مع الكرامة فاصطدموا بالسلطة الإسلامية وأدى ذلك الاصطدام إلى التحاقهم بالروم المسيحيين غير العرب الذين كانوا في حالة حرب مع الإسلام هنا اقترح النعمان بن زرعة علي الخليفة عمر ابن الخطاب أن يجبى منهم الجزية باسم الزكاة ووافق عمر ومن بعده أقر الفقهاء قاعدة تقول : إذا كان قوم غير مسلمين وامتنعوا عن أداء الجزية إلا إذا صولحوا علي ما صولح عليه بنو تغلب ورأي الإمام إجابتهم منعاً للضرر جاز ذلك إذا كان المأخوذ منهم بقدر ما يجب عليهم من الجزية وزيادة قياساً علي ما فعله عمر بن الخطاب مع نصارى تغلب .

وفي (منتهى الإرادات لابن النجار) :ونصارى العرب يهودهم ومجوسهم من بنى تغلب وغيرهم لا جزية عليهم ولو بذلوها ويؤخذ عوضها زكاة من أموالهم .

2- عندما أغار البيزنطيون علي الشام اجتاحوا مناطق كانت تسكن فيها قبائل عربية مسيحية وكانت هذه القبائل قد ارتضت بالحكم الإسلامي ودفعت الجزية وأثناء الاجتياح جيشت قوى لمقاتلة البيزنطيين المسيحيين إلى جانب إخوانهم العرب المسلمين من أجل ذلك أعاد أبو عبيدة بن الجراح إليهم الجزية التي سبق لهم ووقعوها ووجه إلى وجهائهم كتاباً قال فيه (إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه قد بلغنا ما جمع لنا من الجموع وإنكم اشترطتم علينا أن نمنعكم ((أي أن نحميكم)) وإنا لا نقدر علي ذلك وقد رددنا عليكم ما أخذنا منكم ).

3- مع أن قبيلة بكر بالكوفة اعتنقت الإسلام في معظمها إلا أن رئيسها وكان يدعى أبجر بن جابر بقى مسيحيا ومع ذلك لم يجد الحكم الإسلامي أي غضاضة في ذلك .

4- عهد خالد بن الوليد مع نصارى الحيرة وقد جاء فيه (وجعلت لهم ـأي شيخ ضعيف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طمرت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام .

5- في العهد العباسى كان يتم تعيين كبير النساطرة ببغداد من قبل الخليفة العباسى وذلك بعد موافقة أهل دينه وفي عهد تعيينه نص يوكل إليه مراعاة شؤون أهل دينه وتدبير وقوفهم والتسوية في عدل الوساطة بين قويهم وضعيفهم وذلك بالإضافة إلى قضايا الأحوال الشخصية المختلفة .

6- عندما تمرد المسيحيون في جبل لبنان علي الوالي العباسى صالحبن علي وقعت سلسة من الاشتباكات المسلحة بين جيش الوالي والمتمردين فأعد الوالي جيشاً كبيراً لاجتياح الجبل معتبراً أن التمرد كأنه نقض للعهد غير أن الإمام الأوزاعى أصدر فتواه الشهيرة التي قال فيها (لقد كان من إجلاء أهل الذمة من جبل لبنان ممن لم يكن ممالئاً لمن خرج علي خروجه فكيف تؤخذ عامة بذنوب خاصة حتى يخرجوا من ديارهم وحكم الله تعالى { ألا تزر وازرة وزر أخرى}فإنهم ليسوا بعبيد ولكنهم أحرار أهل ذمة ).

7- عندما فتح عمر بن الخطاب القدس أبرم عقداً مع وجهاء المدينة أعطاهم فيه (الأمان لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا يسكن ولا تهدم ولا ينقض منها ولا حيوها ولا من شئ من أموالهم ولا يكرهون علي دينهم ولا يضار أحد منهم ).

حول حقوق غير المسلمين

يثير بعض الشباب شبهات حول التحالف مع غير المسلمين وهذه تم الإشارة إليها مفصلاًً في الفصلين الأخيرين ونتناول هنا بإيجاز ما يثار من شبهات حول حقوقهم كمواطنين لهم ما للمسلمين من حقوق المواطنة .

أولاً : حكم القرآن الكريم

لقد وردت آيات كثيرة تتعلق بأهل الكتاب منها ما تعلق بالجزية وهذه قد تناولناها في صدر هذا البحث .

أما ما يتعلق بحقوقهم فقد أجملها قول الله تعالى { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } .

وبالنسبة لحقهم في الاحتكام إلى شريعتهم فقد قال الله تعالى { وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه} .

وإذا لم يرد في الإنجيل حكم ما في المعاملات المالية أو العقوبات فليس لغير المسلم أن يرفض الحكم الوارد في الإسلام في هذه المسألة باعتباره قانوناً بحكم المعاملات الدنيوية والحكم فيها للأغلبية .

ثانيا : ما ورد في السنة النبوية

ولما كانت السنة هي المبينة لأحكام القرآن والمفصلة له فقد ورد بها الكثير وفيما يلي بعض هذه الأحكام :

1- كتاب النبي صلي الله عليه وسلم الذي يعد دستور الدولة الجديدة قد تضمن أن لليهود مواليهم وأنفسهم ما لأهل هذا الكتاب أو هذه الصحفية وأن لهم النصرة والأسوة .

2- وكتاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لأهل نجران حيث قال لهم ((ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي صلي الله عليه وسلم رسول الله علي أموالهم وملتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم )) وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما ولي عبد الله بن أرقم علي جزية أهل الذمة (( ألا من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته أو انتقصه أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة )) .

كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ((من أذى ذمياً فأنا خصيمه ومن كنت خصيمه خصمته يوم القيامة )).

ثالثاً : قرارات الخلفاء

1- ورد في قرار أبى بكر ( وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له )

2- وأيضاً الخليفة عمر بن الخطاب قد ذكر في كتابه إلى سكان بيت المقدس أنه( أعطاهم أماناً لأنفسهم ولكنائسهم وصلبانهم لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منه ولا من خيرها ولا من صليبهم ولا يكرهون علي دينهم ولا يضار أحد منهم ) .

كما ذكر عن عمر أنه وجد شيخاً يهودياً ضريراً يتكفف الناس فأخذه عمر إلى خازن بيت المال فقال :

انظر هذا وأضرباؤه فوالله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم .

وهذا يدل علي أن الإسلام يؤمن الذميين كما يؤمن المسلمين ضد العوز والحاجة .

3- أما الخليفة علي بن أبى طالب كرم الله وجهه ورضى عنه فقد قال :( إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤها كدمائنا ).

كما حدث في عهد بن الخطاب أن يهودياً اشتكى علي ابن أبى طالب ولما مثل كلاهما بين يدي الخليفة عمر وجه الخليفة إلى علي بن أبى طالب كلامه بكنيته وقال له : يا أبا الحسن فغضب علي من ذلك فقال له عمر :

أكرهت أن يكون خصمك يهودياً وأن تمثل معه أمام القضاء وعلى قدم المساواة فقال له علي : لا ولكنى غضبت لأنك لم تسو بيني وبينه بل فضلتني عليه إذ خاطبته باسمه بينما خاطبتني بكنيتي .

4- أما عن أمراء الولايات فحسبنا أن نشير إلى ما جاء في كتاب خالد بن الوليد رضى الله عنه لأهل الحيرة (وجعلت لهم أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنياً فافتقر .. طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ).

رابعاً : أحكام الفقهاء المسلمين

1- يخاطب أبو يوسف أمير المؤمنين هارون الرشيد في كتابه (الخراج) قائلاً :

(وقد ينبغي يا أمير أيدك الله أن تتقدم في الرفق بأهل ذمة نبيك وابن عمك محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم والتقدم لهم حتى لا يظلموا ولا يؤذوا ولا يكلفوا فوق طاقتهم ولا يؤخذ من أموالهم إلا بالحق يجب عليهم .

2- أما الماوردى :

فلقد اعترف لهم بجملة حقوق تصل إلى حد أن يتولوا وزارة التنفيذ .

3- وقد قال الفقيه القرافي عن أهل الذمة:

(فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة في عرض أحدهم أو نوع من أنواع الأذية أو أعان علي ذلك فقد ضيع ذمة الله وذمة رسول الله صلي الله عليه وسلم وذمة دين الإسلام ).

4- وأما ابن حزم فقد قال :

(إن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك صوناً لمن هو في ذمة الله تعالى ورسوله صلي الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة ) .

خامساً : التطبيق العملي في الدولة الإسلامية

تحت ظل الحكم الإسلامي عاش أهل الذمة عيشة طيبة وتمتعوا بالحقوق المدينة وكثير من الحقوق السياسية ومن ذلك:

1- أن الخليفة عمر بن الخطاب:

أقر تعيين الحاخام الأكبر (البستاني) رئيس جالية اليهود بالعراق رئيساً دينياً لهم وجدد منحه اللقب وأقره عليه واعترف البستاني علي بنى جلدته .

2- في الدولة العباسية :

نجد أنه في عهد الخليفة هارون الرشيد وضعت المدارس تحت مراقبة أحد المسيحيين وهو ( حنا - مسنية) لأن أحكامهم كانت مستمدة من الدين .

3- أما في العصر الفاطمي : ومع تحفظنا علي انحرافاته :

فيذكر الدكتور عطية القوصى في كتابه (اليهود في ظل الحضارة الإسلامية ) أن الخليفة المعز لدين الله الفاطمي قد عين أحد اليهود وهو (يعقوب بن كنس) في أعلي مناصب بلاطه والنقل عن القوصى مع ضلال الفاطميين يرجع لاعتبار عصرهم إسلاميا .

كما يذكر الدكتور عطية القوصى أن المسيحيين الذين تولوا منصب الوزير في العهد الفاطمي (أبو البركات يوحنا ابن الليث) .

4- وفي العصر الأيوبي :

يذكر لنا الدكتور عطية القوصى في كتابه سالف الذكر أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب أقر لليهود الحقوق المدنية وكان متسامحاً معهم برغم ما عرف عنه من شدة حماسته وغيرته علي الإسلام في وقت ساد فيه التعصب الديني وتعرض فيه الإسلام للخطر الصليبي .

ويذكر الدكتور القوصى أن صلاح الدين قد سمح لليهود بتولي المناصب الحكومية الهامة حتى أن أحدهم وهو (أبى المعالي عزبل) كان يشغل وظيفة كاتب السر لإحدى زوجات صلاح الدين .

5- وأبان الحكم الإسلامي في الأندلس:

(أ) نجد من الذميين من تولي قيادة الجيش كما أشار إلى ذلك الإمام محمد عبده في كتابه (رسالة التوحيد) في الصفحة 18.

(ب) كما نجد منهم من تولي منصب الوزير أمثال إسماعيل ابن نغرالة الذي اتخذه (ابن باديس) حاكم مدينة غرناطة عام 45. هـ وزيراً وبعد أن توفي اتخذ ابنه يوسف وزيراً له .

هذه هي نظرة الإسلام وروحه وموقفه من أهل الذمة نستخلصها من تتبعنا لسيرة النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه والخلفاء الراشدين والتابعين وتابعي التابعين ... ونأمل أن تكون نبراساً وهادياً لتابعيهم إلى يوم الدين ....

ولقد عنينا بذلك بغية تحديد المركز القانوني لأهل الذمة من خلال نظرة الإسلام وروحه ونستطيع أن نلخص هذا المركز القانوني كما يلي :

أولاً :أن أهل الذمة في دار الإسلام هم من رعايا الدولة الإسلامية علي الرغم من أن المسلم إذا لم يهاجر إلى دار الإسلام ليسكنها ويستوطنها لا يعد من أهل دار الإسلام .

ثانيا: أن النظام الإسلامي بلغ أعلي مستوى في حماية حقوقهم وحرياتهم الشخصية وأن منهم من تولي من مناصب الدولة حتى منصب الوزير .

ثالثاً : وإذا نحن نظرنا إليهم من الناحية الشرعية فسوف نجد أن المبدأ المقرر بالنسبة لهم هو ما جاء بالنسبة المتواترة : ((لهم ما لنا وعليهم ما علينا )) وأن ((من أذى ذمياً فليس منا )) .

هذه هي نظرة الإسلام للذميين وهذه هي شريعته التي عاملهم بها وهذه هي المبادئ التي قررها في شأنهم وهي نظرة سماحة ومبادئ يجب علي النظم السياسية أن تتعلم منها درساً .

ويجب علينا أن نفخر بها حقاً ونعتز بها بين الأمم وفي مختلف الحضارات .

مع ملاحظة أن ما نقلناه من نماذج للتطبيق العملي في العصور الإسلامية لم يذكر كدليل شرعي فالأدلة كما هو معلوم تستند إلى الكتاب والسنة وليس إلى أقوال أو أعمال الخلفاء والأئمة إنما أوردنا هذه التطبيقات لأن صبيان العلمانية العربية يزعمون أن الأحكام الشرعية لم تطبق أي في عصور الخلفاء الأربعة فقط وذلك ليبرروا للحكام وأصحاب الأهواء عدم تطبيق حكم الله علي عباد الله .

وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

لقد جعل الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مهام الرسل والأنبياء ففي وصف لرسوله صلي الله عليه وسلم يقول الله تعالى { النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر } الأعراف 157 .

وقد لعن الله أقواماً من بنى إسرائيل لتخلفهم عن هذه الفريضة فقال الله تعالى { لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل علي لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} المائدة 78، 79 .

لقد حدد النبي صلي الله عليه وسلم وسائل الأمر بالمعروف وبقوله ((من رأي منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )).

ورغم وضوح هذا الحديث وإجماع الأمة علي مفهومه إلا أن فرداً خرج علي المسلمين ببدعة تزعم أن الحديث قد أساء فهمه كثيرون من أصحاب الفكر المتطرف واستخدموا العنف والقوة لإجبار الآخرين علي الانتهاء من المنكر واستشهد بما ورد في كتاب الوهابية حركة الفكر والدولة من وصف لعمل الدولة بقولهم (ننهي عن المنكر ونؤدب الناس عليه ) وقال هذا يصبح دعوة صريحة لإشاعة الفوضى وإثارة الصراعات في الأمة وإسالة دماء المسلمين باسم تغيير المنكر بيده أو بلسانه بأنه أضعف الإيمان فما ذنب المسلم إن كان يواجه قوة عاتية لا يمكن أن يتغلب عليها بيده.

هذه الأقوال غير صحيحة والصغير والكبير يدرك أنه لا وجود لها إلا في خيال أصحابها لأسباب أهمها :

أولاً: أن هؤلاء قد ابتدعوا مفهوماً للحديث النبوي ونسبوه زوراً إلى جماهير المسلمين وزعموا أن الدماء تسال يومياً بسبب هذا المفهوم ولم يذكروا أين كان هذا وممن حدث ومتى حدث وليس عندهم من سند سوى ما نقلوه عن أتباع الإمام محمد عبد الوهاب من قولهم : إننا ننهي عن المنكر ونؤدب الناس عليه .

ولا يخفي على أحد أن الذين قالوا إنهم يؤدبون الناس علي ارتكاب المنكر وإنما قالوا ذلك بوصفهم شرطة مدنية أسندت الدولة إليهم هذا الأمر فهم ليسوا أفراداً يمارسون سلطة علي الناس من عند أنفسهم كما أن تأديبهم السفهاء الذين يرتكبون المنكرات جهاراً في الطرقات لم يكن بالقتل وإسالة الدماء بل بإزالة المنكر باليد أو بإحالة المخالف إلى القضاء حسب ظروف كل مخالفة .

ثانيا : أنه لم يقل أحد في الماضي أو الحاضر أن الحديث النبوي يأمر آحاد الناس بإزالة المنكر بالقوة وبإسالة الدماء .

يقال أنه يجوز للآحاد إزالة المنكر باليد لمن لهم عليه ولاية كالأب مع ولده .

فهذه السلطة لا تكون إلا للدولة وسلطانها وفي هذا قال الله تعالى { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} الحج 41.

لهذا قال الإمام بن تيمية: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن وإقامة الحدود واجبة علي ولاة الأمور وذلك يحصل بالعقوبات).

ثالثا: إن المقدمة الخاطئة التي نسبوها للحديث النبوي وزعموا أنها تخول كل مسلم حق إسالة دم غيره جعلت خيالهم يضع مفهوماً جديداً يرفع به ما ادعوه من تناقضات وإسالة للدماء فقالوا : تغيير المنكر يحدث من الإنسان لنفسه فله يد علي نفسه فيستطيع أن يستخدم يد القدرة التي منحها الله له ليغير ما يراه في نفسه من منكر فإن لم يستطع أن يغير ما بنفسه بالقوة وبإرادته فعليه أن يغيره بالحوار مع نفسه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا دليل علي ضعف إيمانه ووجود المرض في قلبه لأن المنكر قد استقر به وهذا أضعف درجات الإيمان .

ولا يخفي على هؤلاء وغيرهم أن طلاب العلم في المدارس والمعاهد لا يجهلون أن تغيير المنكر باليد من اختصاص الأمراء وباللسان من اختصاص العلماء وبالقلب بالنسبة لغير القادر من عوام الناس .

رابعاً :أجمع العلماء أنه لا يجوز لفرد أن يرفع السلاح لتغيير المنكر إلا أن يحدث منكر أكبر منه مثل أن يقوم رجل علي قتل آخر فيمنع بالقوة إنقاذا للمجني عليه وفي غير ذلك لا يجوز التغيير بالقوة لأن ذلك للحاكم والقيام به من الأفراد يؤدى إلى الفتنة .

خامساً : ابتدع هؤلاء مفهوماًُ للحديث النبوي فقالوا إنه خاص بتغيير الإنسان ما في نفسه بنفسه كتغيير الإنسان ما يصدر منه من جرائم ومنكرات فيمنع نفسه منها بقوة يده أو بالحوار مع نفسه أو بالإنكار علي نفسه بالقلب ثم استدل هؤلاء بقول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } .

ولقد روى الإمام أحمد وغيره عن أبى بكر رضى الله عنه أنه قال في خطبة له :( يا أيها الناس إنكم لتقرءون هذه الآية وتضعونها علي غير ما وصفها الله لقد سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ((إن الناس إذا رأوا المنكر بينهم فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقابه )).

إن هذا البيان النبوي ينبع من قول الله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } .

الفصل الرابع

حقائق حول فقه الإنكار
  • حقائق حول فقه الإنكار .
  • الخلاف حول حديث افتراق الأمة .
  • حول نقصان عقل النساء .
  • الخلاف حول نسخ القرآن بالسنة .
  • مفتريات حول فقه الإنكار وعلم الجرح .

حقائق حول فقه الإنكار

عندما تولت بعض الصحف والإذاعات العربية وكذا دور النشر الطعن علي السنة النبوية لادعاء أحد الناس أنها متعارضة ومتناقضة تحمست لرد هذه المفتريات وللكنى انتظرت رد أهل الاختصاص من علماء الشريعة ورد الجهات الرسمية المتخصصة بالأمور الشرعية .

ولما لم أجد كتاباً واحداً قد صدر للتصدي لهذه الفتنة فقد أعددت كتاب (السنة المفترى عليها) والذي نصحت بعدم نشره حتى لا يصادر ويصفي صاحبه جسدياً ولكنى استخرت الله تعالى في نشره فصدرت الطبعة الأولي سنة 1399 هـ ( 1977 ) ثم الثانية سنة 1401 هـ ( 1981 م) .

وفي خلال عام 1982 بدأ أحد الدعاة الإسلاميين يشن حملة علي الكتاب وصاحبه شملت النشر في الصحف وغيرها وادعى أن به شناعات ومخالفات جسيمة للشريعة الإسلامية ولذا يجب أن يصادر بل ويحجر علي صاحبه فلا يكتب إلا في القانون الذي تخصص فيه .

والمسائل موضع النقد بالرغم من عدم صحتها كما سترى ى تمثل عشر الكتاب الذي كرس الناقد جهده لمحاربته سراً وعلانية فهو يتناول الدفاع عن السنة في عشر فصول تناولت الرد علي الزعماء الذين زعموا عدم ثبوت السنة لعدم تدوينها وأنها متعارضة وصلة الكفار بذلك ويتعرض للسنة والفتنة والحديث النبوي بين الفرق الإسلامية وكيفية التقريب بينها .

وإلى الشبهات المثارة حول أحاديث الآحاد وموقف المذاهب منها ومنكري المعجزات والإسراء والمعراج وشبهة التعرض بين نصوصها ويرد علي العلماء الذين نشروا كتباً تؤد ضلالات اليهود لأنهم في الجنة بزعمهم ومثلهم دعاة التوفيق بين الإسلام والأديان كما يرد علي من ألف كتاباً يثبت عدم صحة البخاري ومن طعنوا في أبى هريرة وبعض الصحابة ومن استخدموا العقل لرد الحديث النبوي ومن استخدموا العلم التجريبي في ذلك ودور المستشرقين في هذه المفتريات .

ولما كان هذا الصنف من الدعاة يتحصن في قواعد النهي عن المنكر وقواعد علم الجرح والتعديل لتحذير الناس من هذه الشناعات كما يقول الناقد فقد رأيت بمناسبة تحليل جوانب من واقعنا المعاصر أن أتناول أمثلة من هذه الشناعات لتصل إلى حقيقة فقه إنكار المنكر فالحق التزام بالشريعة وليس صفة كهنوتية .

وقد تضمنت الطبعة الثالثة من كتاب السنة الإشارة إلى جميع ما أورده الناقد واكتفي هنا بالآتي :

الخلاف حول حديث افتراق الأمة

يوجد في الساحة الإسلامية من يتبنى فهما خاصاً لنص من النصوص الشرعية ويزعم أنه محل إجماع الأمة بينما يختلف الفقهاء في فهم هذا النص ولكن القطع بالإجماع تجعل الفرد مخيراً بين هذا الفهم أو ترك هذه الجماعة وهذا كله يخالف منهج النبي صلي الله عليه وسلم الذي أقر الاختلاف في فهم النصوص كما أن هذه الأساليب ينطبق عليها قول الله تعالى{ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} من ذلك وعلي سبيل المثال لا الحصر نجد من الوسائل التي يدخل بها الشيطان علي أفراد بل جماعات إسلامية تزيينه الفرقة والخلاف لهم وإبهامهم أنهم هم الناجون من عذاب الآخرة وباقي الأفراد والجماعات الإسلامية في النار لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال (( وستفترق أمتي علي ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة )) قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال: ((ما أنا عليه وأصحابي)) رواه أحمد وأبو داود والترمذى والحاكم وقال : علي شرط مسلم ).

وهؤلاء يجعلون تمسكهم بالنسبة العملية كالمحافظة علي الصلاة في الجماعة والمحافظة علي السواك واللحية هو مقومات كونهم الفرقة الناحية فهم علي مثل ما كان عليه النبي وصحابته أما غيرهم فالنار مثواهم .

ولقد تناسى هؤلاء أن ترك هذه السنة لا يترتب عليه دخول النار لنصوص شرعية لا تحصى منها ما رواه البخاري ومسلم أن أعرابياً سأل النبي صلي الله عليه وسلم عن عمل يدخله الجنة فقال : ((تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدى الزكاة المفروضة وتصوم رمضان )) فقال الأعرابي : والذي نفسي بيده لا أزيد علي هذا شيئاً ولا أنقص منه فلما ولي قال النبي: ((من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)).

ولقد نسى هؤلاء أن المقصود بالملل أو الفرق التي تفترق عن الإسلام هي التي تريد إلى الكفر مثل البهائية والقاديانية والنصيرية والإسماعيلية .

أما الفئات التي أخطأت بما لا يخرجها عن الإيمان مثل الخوارج والمعتزلة فلا يقال أنها من أهل النار ومن ادعى كفرها فقد تكلف بغير دليل من الشرع أو العقل .

لقد ورد هذا في كتاب السنة المفترى عليها فجاء أحد الدعاة ونقل ما كتبت في معنى هذا الحديث ثم قال :

نسب الكاتب إلى ابن الجوزى أنه قال في كتابه (تلبيس إبليس): (ومن ادعى ذلك ((أي أن الخوارج والمعتزلة وأمثالهم من أهل النار )) فقد تكلف بغير دليل من الشرع أو العقل) أ . هـ .

وقد وجدت أن جماعة من الجماعات عدت أنها وحدها الفرق الناجية بل بعض العلماء قال :

إن أهل الظاهر من الفرق الضالة ووجدت أن الحديث ذكر كلمة ملة وهذه لا تطلق علي الجماعة من المسلمين فانتهيت أن الافتراق هنا إلى الكفر ولكن الناقد قد قال (قد أخطأ المؤلف فيما سبق خطأين فاحشين) :

الأول :مخالفة إجماع أهل السنة في المراد بالفرق الاثنتين والسبعين الذين هم من أهل النار نص الحديث حين ادعى بصريح العبارة أنهم المرتدون عن الإسلام لا المبتدعون في دين الله ما ليس فيه من العقائد والأحكام كالخوارج والمعتزلة .

والثاني: أنى نسبت إلى ابن الجوزى عبارة لم يقلها وهذه عند الناقد تكفي وحدها لمصادرة الكتاب والحجر علي مؤلفه .

والجدير بالذكر أن حديث افتراق الأمة ليس ضعيفاً كما ظن ابن حزم فقد قال الحاكم أنه صحيح علي شرط الإمام مسلم ورواه أحمد وأبو داود والترمذى .

وقد أورده الألباني في الأحاديث الصحيحة ونصه في صحيح الجامع الصغير هو : افترقت اليهود علي إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة ، وسبعون في النار وافترقت النصارى علي اثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة والذي نفس محمد بيده لتفترق أمتي علي ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار)).

والحديث النبوي يكشف عن أن اليهود في ظل رسالة موسى وقبل بعثة نبي الله عيسى قد افترقوا إلى إحدى وسبعين فرقة واحدة في الجنة وهي التي استمسكت بما في التوراة وآمنت بالله ورسله وسبعين في النار وهم من خرجوا علي رسالة نبيهم موسى .

يشير الحديث إلى افتراق النصارى قبل بعثة محمد صلي الله عليه وسلم إلى اثنين وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة وهي التي استمسكت بما في كتب الله وآمنت برسله جميعاً وقال: وستفترق الأمة الإسلامية إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة وهي التي استمسكت بالكتاب والسنة .

فكل أمة اتبعت رسولها فهي ناجية من الخلود في النار ولا يتعارض هذا مع دخول من ارتكب منهم المعاصي النار جزاءً وفاقاً لما اقترفه ثم يخرج منها بعد قضاء ما عليه من الجزاء .

ولهذا قال البغدادي : (وقد علم كلّ ذي عقل من أصحاب المقالات المنسوبة إلى الإسلام أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يرد بالفرق المذمومة التي هي من أهل النار فرق الفقهاء الذين اختلفوا في فروع الفقه مع اتفاقهم علي أصول الدين ) بند 8 .

وقال: إن المختلفين في العدل والتوحيد والقدر والاستطاعة والرؤية والصفات والتعديل والتجوير في شروط النبوة والإمامة يكفر بعضهم بعضا فصح تأويل الحديث المروى في اختلاف دون الأنواع التي اختلف فيها أئمة الفقه من فروع الأحكام في أبواب الحلال والحرام .

ولقد رجح الكتاب أنه افتراق إلى الكفر واعتراض الأخ هو :

1- مخالفة أهل السنة وإجماعهم في التقديم والحديث لهذا التفسير مفصلاً عما ذكرنا فإنه بالرجوع إلى كتاب الاعتصام للشاطبى الجزء الثاني نجد ما نصه المسألة الثالثة :أن هذه الفرق تحمل من وجهة النظر أن يكونوا خارجين عن الملة بسبب ما أحدثوا منهم قد فارقوا أهل الإسلام بإطلاق وليس ذلك إلا إلى الكفر إذ ليس بين المنزلين منزلة ثالثة تتصور ويدل علي هذا الاحتمال ظواهر من القرآن والسنة كقول الله تعالى { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شئ } والحديث ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )) كما أورد في.

رواية لهذا الحديث عن أبى غالب موقوف عليه أن بنى إسرائيل علي إحدى وسبعين فرقة وأن هذه الأمة تزيد عليهم فرقة كلها في النار إلا السواد الأعظم .

ثم قال في رواية مرفوعاً((ستفترق أمتي علي بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة الذين يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال)) ، ثم قال :الحديث بهذه الرواية الأخيرة المرفوع قدم فيه ابن عبد البر نقلا عن ابن معين ولكن قال بعض المتأخرين : قد رواه جماعة من الثقات ثم تكلم في إسناده بما يقتضي أنه ليس كما قال ابن عبد البر ثم قال : وفي الجملة فإسناده في الظاهر جيد إلا أن يكون يعنى (ابن معين) قد اطلع منه علي علة خفية فهذا علي الأقل لا يجعل المؤلف خارجاً عن إجماع أهل السنة بل يجعل تفسيره للحديث أقرب إلى النصوص الشرعية وأبعد عن الافتراق .

2- المأخذ الثاني :

نقد الكتاب في أنه نسب لابن الجوزى عبارة لم يقلها .

والجواب علي ذلك أن عبارة ابن الجوزى وردت في سياق الكلام للتدليل علي أن الفئات التي أخطأت بما لا يخرجها عن الإيمان لا يقال أنها ضمن أهل النار حسب تفسير الحديث الشريف الذي انتهي في فهمي إلى أن المقصود بأهل النار الخلود لأن الفرق ستفترق إلى الكفر فعبارة (من ادعى فقد تكلف بغير دليل من الشرع أو العقل ) تنصرف حسب سياق الكلمات إلى ادعاء كفر الخوارج والمعتزلة وسائر الفئات التي أخطأت وهي من أهل القبلة وهذا ما يقوله ابن الجوزى وكل مسلم فمن ادعى كفر هؤلاء فقد تكلف من غير دليل من الشرع أو العقل .

ولقد أورد ابن الجوزى انقسام أهل البدع في وذكر الحديث النبوي الذي أشار إليه المؤلف ولم يذكر أنها مخلدة في النار وهذا ما نفاه المؤلف أي نفي الكفر عن الفرق التي لم تخرج عن الملة أما القول إن من ادعى ذلك أي الكفر فقد خالف الدليل الشرعي والعقلي فإنه لا يحتاج إلى الاستشهاد بابن الجوزى أو غيره مع هذا فإن هامش من كتابه فيه (ليس هناك دليل شرعي يفيد ذلك ولا دليل من العقل علي انحصار ما ذكر في العدد).

أي عدد الفرق وأسمائها لأن ابن الجوزى ذكر أننا لا نحيط بأسماء تلك الفرق ومذاهبها .

نقصان عقل المرأة

يقول الناقد: (أخطأ صاحبنا هنا في موضعين :

الأول: قوله : (وهذا النقصان ليس له أثر في الفقه الإسلامي إلا في الشهادة علي الأموال).

وهذا يعنى أن شهادة النساء على غير الأموال تامة والبطلان هنا واضح لما سيأتي

والثاني: قوله: ( وذلك حفظاً للحقوق كما هو الحال في اشتراط أربعة شهود ).

ويعنى :أن اشتراط الشارع شهادة امرأتين زيادة منه في التوثيق وحفظاً للأموال كما اشترط أربعة شهود من الرجال في إثبات جريمة الزنا لخطورتها وعبارته المذكورة واضحة في الدلالة علي أن اشتراط شهادة امرأتين إنما هو في إثبات الحقوق المالية فقط بدليل استشهاده بعبارة القرطبي المبينة أعلاه والتي نص عليها في الهامش وهذا خطأ فاحش في فهم الفقه الإسلامي يؤكد دعواي السابقة في عدم أهليته لتناول أحكام الشريعة التي يدق فهمها علي غير المتخصص .

انتهي .

والجواب علي هذا النقد بإيجاز حتى يعلم الجميع أن حب المخالفة هو الذي حال ون أن يراجع الناقد نفسه لقد قال المؤلف عن نقصان عقل المرأة(وهذا النقصان ليس له أثر في الفقه الإسلامي إلا في الشهادة علي الأموال وذلك حفظاً للحقوق كما هو الحال في اشتراط أربع شهود من الرجال لإقامة حد الزنا وشهادة المرأة وحدها في الولادة).

فجاء الداعية الناقد والعالم الفاضل واتهم المؤلف بالجهل الواضح للآتي:

(أ) نسب إليه أنه يعنى أن شهادة النساء علي غير الأموال تامة ورتب الناقد علي هذا الاستنتاج أن المؤلف اخطأ خطاً فاحشاً في فهم الفقه الإسلامي لعدم أهليته لتناول أحكام الشريعة لأنه ليس من أهل التخصص أي ليس من خريجي الأزهر .

(ب) ثم يجعل من الجهل قول المؤلف(وذلك حفظاً للحقوق كما هو الحال في اشتراط أربعة شهود) والحقائق التي لا ينكرها المخلصون هي :

1- قول المؤلف عن آثار نقصان العقل في الشهادة علي الأموال لا يفهم منه أنه يعنى بقوله (وهذا لا يعنى جواز شهادتين في الحدود) ولكن من أراد نسبة الجهل إلى غيره لا يعوزه أن يتجاهل هذا التصريح .

2- قول المؤلف(نقصان عقل المرأة ليس له أثر إلا في الشهادة علي الأموال ) يفهمه كل من قرأ الموضوع .

لأن من آثار نقصان العقل بطلان تصرفاتها المالية أن تمت بغير إذن من وليها أو زوجها كما هو الحال في القانون الفرنسي القديم ومن هذه الآثار عدم صلاحيتها للتقاضي بغير هذا كما هو الحال في بعض التشريعات الأوربية .

3- أما أن اشتراط العدد هو لحفظ الحقوق فليس في ذلك جهل لأن الله قد ذكر السبب بقوله { أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى } .

وقد قال بذلك أستاذنا الدكتور الشيخ مصطفي السباعي في كتابه (المرأة بين الفقه والقانون) فقال :

( من الواضح أن هذا التفاوت هنا لا علاقة له بالإنسانية ولا بالكرامة ولا بالأهلية ...) ثم ذكر السبب بقوله (أن شهادة المرأة في حق يتعلق بالمعاملات المالية بين الناس لا يقع إلا نادراً .. والحقوق لابد من التثبت فيها) وقال: (فليست المسألة إذا مسألة كرامة أو إهانة أو أهلية وعدمها وإنما هي مسألة تثبت في الأحكام واحتياط في القضاء فيها ).

4- ورد الناقد قولي (ولكن هذا النقص لا يراد به انتقاص مكانة المرأة أو وضعها القانوني والاجتماعي فقد روى الخمسة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال ((إنما النساء شقائق الرجال ))أ هـ ثم قال (الاستشهاد بهذا الحديث علي المساواة ينافي الأمانة العلمية إلا أن يكون عذره جهله بما سبق الحديث من أجله فإن المقصود من الحديث استواء النساء مع الرجال في مظاهر الرغبة الجنسية لأنه جاء جواباً علي سؤال إحدى النساء (أتحتلم المرأة) فقال النبي صلي الله عليه وسلم ((إنما النساء شقائق الرجال ))يعنى :

يحتلمن كما يحتلم الرجال .

والجواب علي هذا البند هو :

1- نسب الناقد الجهل وعدم الأمانة العلمية لأنه استشهد بمكانة المرأة ووضعها في الإسلام يقول النبي صلي الله عليه وسلم ((إنما النساء شقائق الرجال )) وإذا كان هذا جهلاً فإنه بذات الاستشهاد قال الشيخ رشيد رضا في كتابه (حقوق النساء ) والشيخ البهي الخولي في كتابه (الإسلام والمرأة المعاصرة ).

2- أما ادعاء الخيانة العلمية يقول الناقد (إن المؤلف يجهل ما سبق الحديث من أجله وهو استواء النساء مع الرجال في مظاهر الرغبة الجنسية لأنه جواب علي سؤال أتحتلم المرأة ؟ فإن هذا المقصود فيعقل الناقد فقط فالحديث جواب علي سؤال (هل علي المرأة غسل إذا احتلمت؟ ) فالسؤال ليس عن الاحتلام كما زعم الناقد بل عن الغسل فالمساواة في التكاليف الشرعية وهي الاغتسال هنا هو موضع سياق الحديث كما هو ظاهر) (نيل الأوطار للشوكانى).

الخلاف حول النسخ والتخصيص

لقد رد كتاب السنة المفترى عليها مزاعم من أعلن من الزعماء الجدد أن السنة النبوية متعارضة مع بعضها ومع القرآن الكريم فتعرض الكتاب إلى شبهة التعارض بين النصوص الشرعية وشبهة التعارض بين العام والخاص وذلك مع أمور أخرى فصلها الكتاب ولا سيما ما ورد في الفصل السابع من ذلك:

بيان الحكم الخاص بعدة الحامل التي مات زوجها يجد الباحث نفسه أمام نصين ظاهرهم التعارض هما قول الله تعالى : {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بنفسهن أربعة أشهر وعشراً } سورة البقرة 234) والحكم الآخر في قول الله تعالى : { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } الطلاق 4).

فهل تنقضي عدتها بوضع الحمل حتى لو لم تكتمل مدة العدة الوردة في سورة البقرة .

أم تعتد بأبعد الأجلين فإذا وضعت الحمل قبل أربعة اشهر وعشراً انتظرت هذه المدة وإذا انقضت المدة المذكورة قبل وضع الحمل انتظرت حتى تضع الحمل .

عرضت المؤلفة لدليل من قالوا تعتد بأبعد الأجلين وهو العمل بالاثنين معا فآية البقرة نص عام في كل من مت عنها زوجها سواء كانت حاملاً أم غير حامل .

أما آية الطلاق فقد قصروها علي المطلقة المتوفى عنها زوجها ونقل الشوكانى عن القرطبي أن هذا أحسن فالجمع أولي من الترجيح باتفاق أهل الأصول .

ولكن المؤلفة رجحت الرأي وحاصله أن الحامل إذا مات عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل كالمطلقة .

ولم يكن سندها أن هذا هو رأي جمهور أهل العلم من السلف وأئمة الفتوى بل لأن هذا الرأي يستند إلى الأحاديث النبوية التي ثبت صحتها وهي صريحة في إثبات هذا الحكم حسبما هو مفصل بالكتاب .

وبهذا حسمت المؤلفة أن آية سورة الطلاق قد خصصت عموم آية البقرة والقول بالتخصيص هنا لا يصدر إلا من أصحاب الملكية الفقهية لأن القول بالنسخ أي أن آية الطلاق نسخت حكم آية البقرة -لا يصح إلا إذا ثبت بالرواية المرفوعة إلى النبي صلي الله عليه وسلم أن آية سورة الطلاق قد تأخر نزولها عن آية سورة البقرة لأن كلا من النسخ والتخصيص وصفان لأثر النص الذي يرفع الحكم الشرعي فإذا كان رفع الحكم بنص مقارن في الزمان للنص المرفوع حكمه سمى ذلك تخصيصاً كما هو الحال في الحكم الماثل .

وإذا كان الاستثناء بنص متأخر في الزمن سمى ذلك نسخاً ولو جارينا من يقول إن آية سورة الطلاق قد نسخت حكم آية سورة البقرة للزم القول إن الحامل التي طلقت كنت عدتها ثلاثة أقرء أي حوالي ثلاثة أشهر وظل حكمها هذا زمنا طال أو قصر حتى نزل حكمها بسورة الطلاق .

وهذا القول يتنافى مع حكم الله الخالق العليم الذي لا يعزب عنه شئ في الأرض ولا في السماء ولا تأخذه سنة ولا نوم حتى يترك هذه الحامل بغير عدة فيأخذ المسلمون حكمها في العدة من حكم المطلقات إن طلقت وهو ثلاثة قروء أو من حكم المتوفى عنها زوجها وهو أربعة وهو أربعة أشهر وعشراً إن كانت الحامل قد توفي عنها زوجها وهذا الخلط يرجع إلى عدم الفقه بأن النسخ أمر توقيفي فلا يكون إلا بدليل من القرآن أو لسنة النبوية .

ولكن الداعية الناقد يقول بجهل من قال بالتخصيص وحسنا أن نقول بالتخصيص لا النسخ قد قال به فقهاء لا يستطيع الناقد أن .

يرميهم بالجهل ولا بعدم التخصص وإن كانت دعوى التخصص هي سلاح الطغاة من الحكام للحجر علي كل من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وإذا اقترب هذا النهي من الحاكم وبطانته فالكلية التي تخرج منها الناقد وغيره لا تجعله متخصصا في السنة وعلومها فذلك يكون بالبحث العميق ولسنوات طويلة بعد التخرج من الكلية التي كان نصيب علوم السنة في مواردها هو كتيب لا يزيد عن اثنين وثلاثين صفحة بعنوان الطراز الحديث في فن مصطلح الحديث .

الخلاف حول نسخ السنة للقرآن

لقد نقل الناقد ع كتاب السنةلقد قال بعض الفقهاء :إن السنة لا تنسخ القرآن لأن الله تعالى يقول {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } البقرة 1.6)

ثم قال : يتطوع البهنساوى بتفسير الآية تفسيراً جديداً حتى يجرده عن دلالته علي أن القرآن لا ينسخ بالسبة فقال في جرأة عجيبة علي آيات كتاب الله (لخطب يتعلق بالرسالات لسبقة التي نسخها القرآن الكريم والآية التى بعدها تؤكد ذلك في قول الله تعالى { أم تريدون أ تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل } .

فالنسخ للرسالات السابقة كما دل القرآن . أ.هـ .

ثم قال الناقد وأين دلالة القرآن يا أخي علي ما تقول ؟

ومن أين لك أن تجزم بمراد الله من كلامه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير؟

ألا إنها جرأة علي كتاب الله فاتق الله يا عبد الله .

الجواب علي ذلك بإيجاز هو :

1- يقطع النقد علي أن الإجماع علي أن القرآن: لا تنسخه السنة ثم يقطع بأن الآية تدل علي ذلك ولكن قال بخلاف ذلك فقهاء كالهمدانى فقال : (نسخ الكتاب بالسنة قال به أكثر المتأخرين وقالوا : لا استحالة في وقوعه عقلاً ورد عليهم أن السمع يدل علي وقوعه فيجب المصير إليه وذكر من ذلك آية المواريث وآية الوصية للوالدين والأقربين فنسخ الأولي حديث: ((لا يرث المسلم الكافر)) والثانية نسخها حديث: ((لا وصية لوارث)) (يرجع إلى ).

2- قال الإمام الشافعي : دلت سنة رسول الله أن قوله ((خذوا عنى ))أول ما نزل نسخ به الحبس والأذى عن الزانين الوارد في القرآن .

فلما رجم رسول الله صلي الله عليه وسلم (ماعزا ) ولم يجلده وأمر (أنيسا) أن يرجم امرأة الأسلمى إن اعترفت دل علي نسخ الجلد عن الزاني الحر والمحصن (يرجع إلى الإتقان للسيوطى الهمدانى ).

3- من أجل ذلك رجح تاب السنة :المفترى عليها أن آية {ما ننسخ } تدل علي نسخ للرسالات السابقة ولا تدل علي عدم نسخ السنة للقرآن لثبوت هذا النسخ ولم يقل المؤلف أن هذا مراد الله من كلامه كما ينسب إليه الناقد .

4- في هذا قد قال السيوطى في الإتقان:اختلف العلماء فقيل لا ينسخ القرآن إلا بقرآن لقول الله تعالى { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} وقيل بل ينسخ القرآن بالسنة لأنها أيضاً من عند الله وقال السيوطى قول الشافعي : (حيث وقع نسخ القرآن بالنسبة فمعها قرآن عاضد لها وحيث دفع نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة عاضدة له ليتبين توافق القرآن والسنة).

5- ومع هذا كله فإن الكتاب المفترى عليه قد انتهي إلى وجوب الأخذ بالحكم الشرعي الوارد في السنة النبوية وهو أنه لا وصية لوارث دون أن يقال أن السنة نسخت القرآن لأن جميع الفقهاء لا يختلفون في النتيجة العملية سالفة الذكر وخلافهم في وصف هذا بالنسخ أو التخصيص خلاف نظري في وصف الحديث النبوي هل هو مخصص للآية القرآنية أم ناسخ لها ورجع الكتاب القول بالتخصيص (الفصل الثامن) وانظر الإتقان للسيوطى ونيل الأوطار وابن كثير .

6- لا يوجد في الإسلام بابوية تجعل الدفاع عن الدين موقوفا علي خريجي كلية الدراسات فإذا سكتوا حلت اللعنة بالأمة وإذا حرفوا فلا راد لقولهم .

مفتريات علي فقه الإنكار وعلم الجرح

إن الأخ الناقد لكتاب السنة المفترى عليها والأخ الناقد لرسائل الإمام حسن البنا قد كررا أنهما فيما استخدما من عبارات وألفاظ واتهامات وتشكيك إنما يمارسان واجب إنكار المنكر شرعاً ويمارسان حق الجرح الذي استخدمه أئمتنا في علم الجرح والتعديل وقد تجاهل هؤلاء ومن سلك سبيلهم أن خصوم الإسلام قد كرسوا جهد نفر من علمائهم وخبرائهم لنشر الصراع والخلاف القاتل لوحدة الأمة ولا عجب بعد هذا أن تظهر علي الساحة شعارات تعلن أنها تمثل الإسلام الخالص وأن غيرها جاهل أو مزعزع العقيدة ولهذا أباحوا اللعن والسب بل أوجبوا التشهير بمن خالفهم بدعوى التحذير من بدعتهم وضلالهم .

فالمنكر لا يدخل في هذه الأمور الخاصة بالرأي والخلاف قال ابن تيمية : (يدخل في المعروف كل واجب وفي المنكر كل قبيح والقبائح هي السيئات وهي المحظورات كالشرك والكذب والظلم والفواحش).

وعلم الجرح والتعديل لا يجوز أن يحتمي به من استباح التشهير بالمسلمين فهذا العلم يوجب ذكر علة التجريح التي تجرح الشخص من الرجال العدول ولا مجال لذلك في هذه الأمور الخلافية .

وعلم الجرح والتعديل يبين شروط الرواية وصفات الشخص المطعون فيه لينبه الناس من شره ويحذرهم من اتباعه أو من قبول روايته .

وعلم الجرح أو التعديل لا يجوز أن يحتمي به من وجه اتهاماً لغيره ومن أصبح طرفاً في خلاف مع الغير فهذا العلم يوجب ذكر العلة التي بها يجرح الشخص ليخرج بها من شروط العدالة كما يشترط في الناقد أن يكون محايداً وليس صاحب نحلة أو مذهب أو رأي خاص إنه إن جاز لكل فرد اختلف مع غيره في أي حكم من الأحكام الشرعية أن يبحث عن عموم بعض آيات من القرآن ليحتج بها علي من خالفهم ممن يتمسكون بالقرآن والسنة معاً .

إن جاز أن يجعل عموم آيات القرآن ناسخاً للسنة لما كان للسنة موضع ولا حكم شرعي ولبطل قول الله تعالى : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} لقد فعل ذلك الخوارج فردوا الأحاديث النبوية التي توجب الرجم وتمسكوا بعموم آيات سورة النور التي توجب الجلد وذلك علي الرغم من ثبوت هذه الأحاديث النبوية ومن تطبيق النبي صلي الله عليه وسلم لها .

وعلي الرغم من أنه لا خلاف علي أن السنة تخصص عموم آيات القرآن كما ردوا الأحاديث النبوية التي تثبت إيمان أصحاب الذنوب من المسلمين وبحثوا عن ظاهر بعض آيات القرآن وظاهر بعض الأحاديث لتأييد بدعتهم هذه .

كما فعل القدرية ذلك فردوا أحاديث القدر .

إن هذه الاجتهادات الخاطئة وما يصحبها من تزيين للخلاف والتشنيع علي من خالف هؤلاء بالرأي واتهامه في عقيدته .

هذه الاجتهادات هي من تلبيس إبليس علي العلماء ليكون جل همهم تحصيل علم الجدل وانتصار بكل الوسائل علي من خالفهم حتى أن أحدهم يتبين له أن الصواب مع خصمه ولكنه يتمادى في الخلاف ويضيق صدره كيف يكون الحق مع غيره ، لذلك قال الإمام الشافي : (ما ناظرت أحداً فأنكر الحجة إلا سقط من عيني وما ناظرت أحداً قبل الحجة إلا احترمته .

ومن تلبيس إبليس علي هؤلاء أن يدعى أحدهم أنه عالم وأن خصمه ليس إلا واعظاً فيزين له الشيطان احتقار الوعظ والوعاظ لهذا نقل الإمام السيوطى عن يحيى ابن كثير :

(من قال أنا عالم فهو جاهل )

ومن تزين الشيطان لبعض الدعاة ترخصهم في الغبية إما بحجة المناظرة أو ادعاء أن هذا من الجرح والتعديل الذي أوجبه الفقهاء للدفاع عن شرع الله .

فنأمل أن ندرك جميعاً أن هذا من عمل الشيطان وأن نفيء إلى قول الله تبارك وتعالى { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم } .

وقد زعم الناقد أن علم الجرح والتعديل يوجب تجريح المخطئ وبذا يجرح هو وغيره فيمن ظنوا أنهم من المخطئين وتجاهلوا أن هذا العلم لا يتعلق بالاجتهاد في الرأي فذلك لا مجال للجرح فيه .

وليس من ذلك الإيهام أو التكهنات والاستنتاجات التي تخيلها الناقد قال الإمام السيوطى في التدريب.

(فإن كان من جرح مجملاً قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائناً من كان إلا مفسراً لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي).

قال الشيخ أحمد شاكر : (وهو اختيار أبى بكر ونقله عن الجمهور واختاره إمام الحرمين والغزالي والرازى والخطيب وصححه الحافظ أبو الفضل العراقي والبلقينى في محاسن الإصلاح ) [الباعث الحثيث] .

(ج) أن القدح يقتصر علي الغرض منه فليس غاية للتشهير بالمخالفين لهذا قال ابن الصلاح : (وقد فقدت شروط الأهلية في غالب أهل زماننا ولم يبق إلا مراعاة اتصال السلسة في الإسناد).

وقال الشيخ أحمد شاكر : (الشروط السابقة في الراوي إنما تراعى بدقة في المتقدمين وأما المتأخرون فيكفي أن يكون الراوي مسلماً بالغاً عاقلا غير متظاهر بفسق أو بما يخل مروءته لأن الروايات استقرت في الكتب المعروفة ) [الباعث الحثيث ] .

وقال الإمام الغزالي : (أن يقتصر التغيير علي القدر المتاح إليه ) [إحياء علوم الدين ]

شروط الحسبة في النهي عن المنكر

4-أن الحسبة في هذا الأمر إنما تكون في الأمور التي لا خلاف فيها فعن شروط الحسبة في المنكر يقول الإمام الغزالي : أن يكون منكراً معلوماً بغير اجتهاد فكل ما هو محل اجتهاد فلا حسسبة فيه ) .

ويقول (ليس للحنفي أن ينكر علي الشافعي ولا للشافي أن ينكر علي الحنفي) [ المصدر السابق] .

وقال العلامة الماوردى عن المحتسب الذي نصبته الدولة (إن فقهاء الشافعية قد ذهبوا إلى كلا المذهبين فيرى فريق منهم أن له أن يحمل الناس لي العمل بما رآه وانتهي إليه اجتهاده ولكن البعض الآخر يقول إن الاجتهاد في الأمور الخلافية حق مشاع فلا يحمل المحتسب غيره علي اجتهاد) [الأحكام السلطانية].

وقال الملا علي القاري : (لا إنكار في المختلف فيه بناء علي أن كل مجتهد نصيب والمصيب واحد إلا أن المخطئ غير متعين لنا مع أن الإثم موضوع عنه وعمن تبعه ).

(وليس علي المحتسب لي الأصح أن يحمل الناس علي مذهبه ) [المبين المعين لفهم الأربعين ].

مع الأمل المتجدد

لقد تبنى الغرب الأخذ بسلاح الفرقة لضمان ضعف الأمة الإسلامية فرقع شعار فرق تسد ولم تقتصر التفرقة علي الإيقاع بين الأنظمة وخلق الصراع بينها حتى جعلها تفانى في بعض البلاد في الحرب الضروس فيما بينها مما يهلك الحرث والنسل لسنوات طويلة .

بل امتدت قاعدة فرق تسد إلى جدار الحركة الوطنية فكان الصراع المصطنع بين ما يسمى باليمين وما يسمى باليسار وكان صراع القوميات ثم الصراع بين هؤلاء جميعاً وبين شباب الحركة الإسلامية مع علم الجميع أنه لا مجال لوجود يمين ويسار أو قوميات وإقليميات في العالم العربي الإسلامي لأن الإسلام يجب ذلك كله ويحتويه دون أي تناقض أو صراع .

ثم كانت الفتنة الكبرى وهي امتداد أثر هذه القاعدة داخل بيوت الحركة الإسلامية فاشتعلت النيران بينها لأسباب تافهة بل تحول الخلاف إلى خلاف في المعتقد وفي الغابات حيث رفع بعضنا سلاح التكفير وسلاح العمالة والجاسوسية ضد الآخرين زاعماً أنه بهذا يدافع عن الإسلام ويكشف أمر من يرتدون ثيابه وهم أشد خطراً عليه .

ولم يقتصر حمل هذا السلاح علي الغربيين وتلاميذهم من العرب والمسلمين بل سارع البلاشفة في حمل هذا السلاح وتدريب صبيانهم عليه .

وفي هذا يقول الدكتور عبد القادر حاتم الذي كان وزيراً للإعلام وللثقافة في العهد الناصري:

(لئن كان الاستعمار الغربي قد رفع شعار فرق تسد فإن اليسار قد رفع شعار الصراع الطبقي أي الصدام الدامي بين أبناء الوطن الواحد وبين شعوب الأمة الواحدة فقد كان دور الطلبة المبتعثين من قبل الأحزاب الاشتراكية الحاكمة في بلادنا هو دراسة العقيدة الماركسية وتعاليم لينين وأسلوب مقاومة ما يسمى بالرجعية ووسائل هذه المقاومة) [ المجتمع 24 رجب 14.7 ه ] وإذا ما نظرنا إلى الواقع العملي لهذه الخطة في بعض مجتمعاتنا وهي التي تتبنى العلمانية .

نجد هناك تنظيماً سرياً يسمى الشبيبة أو الطليعة وقد أسند إليهم أمر رقابة كل من يعرف الالتزام بالإسلام وإبلاغ السلطة عنهم لتتولى تصفيتهم .

وقد وجدنا أنه في بعض السنوات حمل شباب هذه التنظيمات السلاح وبحماية كاملة من النظام الحاكم وذلك لتصفية الآخرين تصفية جسدية .

ولقد وجد العدوان اللدودان وهما سندية النظام الرأسمالي وسندية النظام الشيوعي أن مصلحتهما تكمن في التعاون ضد تيار الصحوة الإسلامية فاتفقا عليها وعلي شعوبها وظهرت آثار هذه الاتفاقية في المؤتمرات الثنائية بين قيادة المعسكرين .

ولهذا أصبح هدف النظامين هو حصار الحركة الإسلامية وضربها أولا من داخلها . ولهذا أقامت المخابرات المركزية الأمريكية مائة وعشرين ندوة عالمية عن الصحوة الإسلامية وكما يقول الأستاذ فهمي هويدى :

(لم نكن بحاجة إلى من يدلنا علي دوافع المخابرات الأمريكية لإقامة تلك الندوات وكونها لا علاقة لها بخدمة الإسلام والمسلمين بأي معيار وإنما هدفها المنطقي لا يتجاوز محاولة سبر أغوار الظاهرة ورسم خطة التعامل معها لحصارها وضربها في نهاية الأمر إذا ما فشلت جهود تفريقها أو تطويعها لصالحهم ) [ الأهرام والوطن في 9/2/ 1988 م] .

وليس غريباً بعد ذلك أن نجد بعض المستشرقين من الروس ومن الأمريكان يجوبون المجتمعات العربية والإسلامية بحثاً عن أهم أسباب الخلاف والفوارق بين الإخوان المسلمين والسلفيين وحزب التحرير وجماعة الجهاد وجماعة الدعوة وبين هؤلاء وبين الحكومات .

وليس غريباً بعد ذلك أن نجد البعض من جماعة الدعوة(التبليغ) قد تركوا أصول دعوتهم وتحولوا إلى دعاة لهدم الآخرين ثم يصبح ذلك هو هدف يشغل أكثر هذه الجماعات .

إنه قد آن الأوان لوقف هذه المراهقة الفكرية وفطم طفولة الواقع المر ليتعاون الجميع فيما اتفقوا عليه ويعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه .

الفصل الخامس

الشباب والفتنة النائمة
  • منهج الله والفتنة النائمة
  • وقفات مع الفكر الخاطئ
  • حول اعتزال المجتمع والحاكمية
  • أضواء حول واقعنا المعاصر
  • الخلاف فيما لا يخضع للخلاف

منهج الله والفتنة النائمة

لقد التقيت بشباب قبل إنهم تربوا على فكر الشهيد سيد قطب وكانوا يرددون أن الشيخ حسن البنا أدخل عليهم الجاهلية بدخول أفراد من الجماعة حرب فلسطين ضد اليهود وكان يجب اعتزال هذه الجاهلية لأن لا يوجد فوارق بين الجاهلية العربية وبين الجاهلية اليهودية فالمجتمع العربي الذي نعيش فيه جاهلي كالمجتمع اليهودي ولا فرق بينهما .

وزعم هؤلاء أن دخول هذه الحرب سببه عدم وضوح المعنى الحقيقي لشهادة لا إله إلا الله عند حسن البنا أو جماعته حيث أنها في عهد النبي صلي الله عليه وسلم تعنى :

(أ) - أن تكون الحاكمية لله وبالتالي يقاطع المجتمع بجميع مؤسساته وهذه المقاطعة لا وجود لها كما سترى .

(ب) وتعنى الانضمام إلى الجماعة المسلمة فهذا من شروط النطق بالشهادتين مع أن الله قد حكم بالإيمان لمن تخلف عن جماعة المسلمين { والذين آمنوا ولم يهاجروا } ...

وقال هؤلاء إذا أوضحنا هذه العقيدة لمجتمعنا سيخير بين الإسلام بهذا المعنى أو الكفر ولا شك أنهم سيختارون الإسلام ويفاصلون الحكومات الجاهلية فلا تجد لها شعباً ولكن الاعتراف للمسلمين في عصرنا أن هذا الذي يدينون به من الإسلام وأنهم لم يرتدوا عن الدين جعل هؤلاء يقبلون التعاون مع هذه الحكومات الجاهلية ويسكتون عند ضربها للجماعة الإسلامية .

ولقد أثبتت المحنة والابتلاء عدم صحة هذه الافتراضات فكثير من حملة هذا الفكر ودعاته قد نوقشوا وقرأوا بحثاً في ذلك طبع بعد ذلك وهو كتاب (دعاة لا قضاة) للإمام حسن الهضيبى فأعلنوا براءتهم من هذا الفكر وأعلن ذلك أميرهم علي عبده إسماعيل .

كما أن أفراداً من حملة هذا الفكر ودعاته قد أعلنوا الولاء للحكم الذي يعنون أنه هو الطاغوت ولم يقتصر هذا الولاء علي كلمة اللسان حالة من حالات الإكراه بل عملوا معه بصور متباينة قد يقبل بعضها من كان يعتقد أنه مكره ولكن دعاة هذا الفكر يرون أن الإكراه ليس عذراً يجيز الولاء للطاغوت ولو بكلمة اللسان .

ولقد ترتب علي تكفيرهم للمسلمين أن عارضهم الإخوان المسلمون ولهذا تراجع نفر من قادتهم عن تكفير المسلمين وقالوا بالتوقف في أمرهم ولقد عورض هؤلاء بقول الله تعالى { هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن ..} التغابن : 2) أي لا يوجد في الإسلام صنف ثالث لا هو مؤمن ولا هو كافر فالتوقف في إعطاء صفة الإسلام للمسلمين هو حكم عليهم بالكفر أو علي الأقل يسلب صفة الإسلام منهم .

لذلك أعلن شكري مصطفي (والذي بايعه اثنان ليكون أميرا لجماعة المسلمين) أن أصحاب هذا الفكر منافقون حيث يؤمنون بكفر المسلمين بما فيهم الإخوان المسلمين ثم يتظاهرون بعدم تكفير الإخوان كما يتظاهرون بالتوقف في باقي المسلمين .

والغريب أنه بعد أن ذابت هذه الرواسب جاء الأستاذ محمد قطب في كتابه (واقعنا المعاصر) و(مفاهيم ينبغي أن تصحح) وحاول أن يعيد الحياة لهذه الأموات فقال : إن المسلم هو الذي ينطق بالشهادتين ويعمل بمقتضاها أي يتحاكم إلى شريعة الله ووصف الساكتين عن المطالبة بتحكيم الشرع بالكتلة المتميعة وقال بعدم الانشغال بالحكم علي الناس وطالب بدعوتهم إلى الإسلام .

والمعلوم في دين الله أن الصامتين (أي الكتلة المتميعة ) لا يعدون من المرتدين بل إن المعاصي ليست من نواقض الإيمان لقول الله تعالى: { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} .

مع فكر محمد قطب

إنه علي الرغم من أن الأستاذ محمد قطب قد نفي هذا الفكر عندما ناقشه علماء الإخوان في حقيقة هذه الأفكار ومدى تبنيه لها حين زعم هؤلاء الشباب أنهم تلقوا ذلك من أخيه رحمة الله وعلى الرغم من أنه أوضح للأستاذ حسن الهضيبى المرشد العام أنه لا يؤمن بهذه الأفكار إلا أنه في كتابه (واقعنا المعاصر) قد جنح إلى هذه الأفكار حيث يرى أن الإخوان بقيادة حسن البنا ما كان لهم أن يقوموا بمظاهرات ومسيرات في القضايا الوطنية والسياسية أو أن ينشغلوا بمحاربة الشيوعية أو دخول حرب فلسطين .

وهذا الرأي يستفاد من استفهامه الإنكاري (هل كانت هذه القضايا مما يجوز للجماعة المسلمة أن تخوض فيها أم أن واجبها كان المناداة بتصحيح منهج الحياة الأساسي الذي تنجم عنه تلك القضايا من فساد وعدم اتباع منهج الله بشأنه .. فقد كان ذلك تعجلاً بالحركة قبل الأوان ) -كما قال : قام الإمام الشهيد بتصحيح جانب من العطب الذي أصاب (لا إله إلا الله) في قلوب المسلمين ذلك الجانب الذي كانت قد أفسدته الصوفية والفكر الإرجائى ودعا إلى تحكيم شريعة الله وإلى وجوب إقامة الدولة المسلمة التي تحكم بشريعة الله فوجد استجابة الجماهير من حوله فاطمأن إلى هذا الظاهر ولم يول الأمر في مبدأ الأمر من العناية ما أثبتت التجربة فيما بعد أن الأمر كان في حاجة شديدة إليه

لقد قتل حسن البنا .. ثم جاء (البطل) السفاح فأقام للمسلمين مذبحة من أبشع مذابح التاريخ ومر الحادث بكثير من القلوب كأن لم يمسه علي الإطلاق .. لو كان الناس يعلمون حقيقة (لا إله إلا لله) وارتباطها الوثيق بتحكم شريعة الله أكانوا يقفون هذا الموقف المنكر الغريب ؟ لا يمكن ذلك بحال) .

وقفات مع الفكر الخاطئ

لست أدرى من أين استقصى الأستاذ محمد قطب معلوماته أن حسن البنا شغل نفسه وجماعته بمحاربة الشيوعية والثابت في مذكراته وكتاب الأستاذ محمود عبد الحليم أن الإخوان لم يتعرضوا للشيوعية مباشرة وقد ذكر أن خطة البنا إغفال الأفكار الهدامة مع توضيح الفكر الإسلامي

إن هذه المقدمات الخاطئة قد أدت به إلى نتائج خاطئة قد تناولها كتاب ( الحكم وقضية تكفير المسلم) وكتاب( أضواء على معالم في الطريق) وأكتفي هنا بالملاحظات التالية:

أولاً : أن الأستاذ سيد قطب كان مسئولاً عن فكر الدعوة خلال فترة قيادة الأستاذ حسن الهضيبى للإخوان المسلمين وتولي الشهيد تعميق معنى (لا إله إلا الله) في محاضراته ونشراته إلى الإخوان وفي مقالات بصحيفة الإخوان وفي كتبه ومنها الظلال والمعالم وظلت هذه الكتب متداولة للجميع حتى أحداث المذبحة التي ظن أخوه أنها اقترنت بصمت بسبب عدم معرفة حقيقة العقيدة فلم يكن الشهيد مشغولاً بأمور أخرى غير العقيدة كما يقال عن الإمام البنا وكانت فترة مسئولية سيد قطب عن الدعوة كافية لتعميق العقيدة أو علي الأقل توازى الفترة التي انشغل فيها الإمام البنا عن العقيدة بقضايا الساعة كما يظن محمد قطب .

ثانياً : أنه ليس صحيحاً أن الصمت من الجماهير في مذبحة سيد قطب وإخوانه أو غيرها كانت بسبب عدم وضوح العقيدة بل كانت بسبب الإرهاب الحكومي والإبادة الجماعية مما يعد إكراها قال الله تعالى:{ من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } . النحل 106

فإن قيل لا يعد السجن والتعذيب إكراها لهذه الجماهير فنقول إنها ليست أقوى إيماناً ولا أصح عقيدة من الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود حيث قال بالإكراه وكذا إبراهيم النخعى الذي قال : القيد إكراه والسجن إكراه .

ثالثاً : أن السكوت في هذه المذابح أو غيرها لا يعد رضا بها أو قبولاً بالحكم بغير ما أنزل الله لأن فقهاء المسلمين قد أجمعوا أنه لا ينسب لساكت قول أو حكم إلا في حالة البنت البكر عند خطبتها .

ولا يستطيع أحد أن ينسب إلى الصحابة حكماً بصمتهم عند مقتل الخليفة عثمان رضى الله نه ولا عند مقتل الإمام على أو الإمام الحسين وباقي آل البيت رضى الله تعالى عنهم .

رابعاً: ليس صحيحاً أن هذا الفكر قد لقنه الأستاذ سيد قطب إلى بعض الشباب قبل استشهاد فالثابت من كتبه وأقواله في التحقيقات غير ذلك فعلى سبيل لمثال :

1- إن الدخول في قطاعات الشعب والتأثير فيها بالوسائل المختلفة كما فعل حسن البنا هو ما أكد سيد قطب في التحقيقات قبل استشهاده أنه المنهج السليم قل :( المطالبة بإقامة النظام الإسلامي وتحكيم شريعة الله ليست هي نقطة البدء فنقطة البدء هي نقل المجتمعات ذاتها إلى المفهومات الإسلامية الصحيحة وتكوين قاعدة إن لم تشمل المجتمع كله فعلى الأقل تشمل عناصر وقطاعات تملك التوجيه والتأثير في اتجاه المجتمع كله إلى الرغبة والعمل في إقامة النظام الإسلامي ).

2- إن النقل الشفهي عن سيد قطب كان مبتوراً وغير صحيح حيث قال (هؤلاء .. سمعوا منى ما ينبغي أن يكون عليه منهج الحركة الإسلامية والمفهومات العقيدية الصحيحة .. ليسوا كلهم من سن واحدة ولا من ثقافة واحدة فعدد منهم عمال وعدد طلاب .. بعضهم لقيني ساعة أو ساعتين في المجموع لذلك اختلفت الصور التي نقلوه وبعض هذه الصور كانت مشوهة أو مبتورة).

3- قابل هؤلاء الأستاذ محمد قطب وبهذا التشويه اقتنع أنه فكر أخيه فظن أن البنا تعجل في السير بحركة الجماعة بدخوله في القضايا المثارة على الساحة كمحاربة الشيوعية وقضية مصر مع بريطانيا ودخوله حرب فلسطين بفدائيين من الجماعة وفي المظاهرات والمسيرات .

ويرى أن الواجب القيام ببناء العقيدة أولاً وذلك بالمناداة بتصحيح منهج الحياة الأساسي التي تنجم عنه تلك القضايا من فساد ومن عدم اتباع منهج الله بشأنه فقد كان ذلك تعجلا بالحركة قبل الأوان (واقعنا المعاصر ).

ولكن الشهيد سيد قطب يرى غير ذلك حسبما ورد في كتبه وهي المصدر الذي لا يعارض بأقوال أخيه أو غيره من الأقوال المتداولة والمنسوبة للشهيد وحسبنا أن شريعة الله في القرآن والسنة لا تجعل لبناء العقيدة فترة زمنية لا يمارس خلالها المؤمنون شيئاً مما يعترض عليه الكاتب ولهذا فالشهيد يرى الجمع بين بناء العقيدة والأمور الحركية والتربوية والمنهجية فيقول إن الله سبحانه (كان يريد بناء الجماعة وبناء الحركة وبناء العقيدة وأن يبنى العقيدة بالجماعة والحركة !... وكل نمو نظري يسبق النمو الحركي الواقعي ولا يتمثل من خلاله هو خطأ وخطر كذلك بالقياس إلى طبيعة هذا الدين وغايته وطريقة تركيبه الذاتي ) ولذلك يعلن هذه الحقيقة بعبارات واضحة محددة (يجب أن يعرف أصحاب هذا الدين جيداً أنه كما أن هذا الدين دين رباني فإن منهجه في العمل منهج رباني كذلك متوافٍ مع طبيعته وأنه لا يمكن فصل حقيقة هذا الدين عن منهجه في العمل )

والشهيد سيد قطب يستدل على ذلك بأمور اهتم بها القرآن الكريم في الفترة المكية قبل الهجرة فيرى أن تركيز القرآن المكي على العقيدة بحيث تكون هي وحقائقها موضوعه الأساسي فإنه كان أحياناً يلتف إلى موضوعات اجتماعية موجودة في المجمع المكي مثال ذلك قوله تعالى :{ ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } فما هو السر في ذلك ؟

(التصدي لشأن المطففين بهذا الأسلوب في سورة مكية أمر يلفت النظر .... وذلك لأن مسألة التطفيف في الكيل والميزان والمعاملات بصفة عامة مسألة جماعية أخلاقية ... ومن ثم فإن التصدي لهذا الأمر في هذه السورة المكية أمر يستحق الانتباه وهو يشي بعدة دلالات متنوعة تكمن وراء هذه الآيات القصار ) ... [ الظلال :6].

ويرى الدكتور عبد الفتاح الخالدى أن أهم الدلالات التي تحدث عنها سيد قطب هي :

(أ) إن حالة التطفيف كانت حالة صارخة تمثل ظلماً اجتماعياً خطيراً يزاوله الكبراء في مكة ولذلك لابد أن يعرج الإسلام عليها ويعالجها - وهو يركز على العقيدة .

(ب) إن التفات القرآن المكي إلى هذه الجزئية الأخلاقية الاجتماعية في أيامه الأولى في مكة (تشي بطبيعة هذا الدين وشمول منهجه للحياة الواقعية وشئونها العملية ...).

هذا عن موضوع القرآن المكي أما القرآن المدني الذي تنزل على مجتمع إسلامي قائم بالفعل على أساس التصور الاعتقادي فإنه يعنى بالتشريعات والمناهج والنظم والأحكام ولكنه لا يعرضها هكذا مجردة مجزأة منفصلة عن الأصل ولكنه يعرضها مع عرض جوانب من أسس التصور الاعتقادى أيضاً ويربطها به ويتناولها من خلالها .

فسورة المائدة كمثال للقرآن المدني تصلح مثالاً لطبيعة القرآن المدني وموضوعه فقد (تضمن سياق السورة أحكاماً شرعية متنوعة منها ما يتعلق بالحلال والحرام من الذبائح ومن الصيد ومنها ما يتعلق بالحلال والحرام في قترة الإحرام وفي المسجد الحرام ومنها ما يتعلق بالحلال والحرام من النكاح ومنها ما يتعلق بالطهارة والصلاة ومنها ما يتعلق بالقضاء وإقامة العدل فيه ومنها ما يتعلق بالحدود في السرقة وفي الخروج على الجماعة المسلمة ومنها ما يتعلق بالخمر والميسر والأنصاب والأزلام ومنها ما يتعلق بالوصية عند الموت ومنها ما يتعلق بشريعة القصاص في التوراة مما جعله الله كذلك شريعة للمسلمين ... وهكذا تلتقي الشرائع بالشعائر في سياق السورة بلا حاجز ولا فاصل ...

وإلى جوار هذه الأحكام الشرعية المنوعة يجئ الأمر بالطاعة والتقيد بشرع الله وما أمر به والنهي عن التحليل والتحريم إلا بإذنه ويجئ النص على أن هذا هو الدين الذي ارتضاه الله للأمة المؤمنة .

وهذا الأمر ربط الأحكام والتشريعات بالعقيدة وانطلاقها منها نجده في القرآن المدني على اختلاف سوره ونظرة واحدة لطريقة القرآن المدني فيعرض التشريعات تدل على هذه الحقيقة وكذلك نجد القرآن المدني يتحدث عن مسائل وقضايا في التصور الاعتقادى كان قد تحدث عنها في مكة كصفات الله سبحانه وتعالى التي قررت بعضها آية الكرسي المدنية : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض} .

حول اعتزال المجتمع والحاكمية

إن حاكمية الله لا تعنى اعتزال المجتمع وأن يقف المسلمون سلبيين من مشكلات المجتمع بينما يحارب اليهود لنصرة ما يسمى زورا بالحضارة اليهودية وبأرض التوراة في فلسطين بينما يهرب المسلمون من الميدان بأعذار خاطئة تجعلهم في صفوف العملاء للصهيونية ومن وراءها .

كما يحارب الإنجليز لاستمرار احتلال مصر ولكن المسلمين يقال لهم ليست هذه قضية الجماعات المسلمة فيجب أن تصحح العقيدة أولاً والرد على ذلك هو :

1- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعزل من تأخر إسلامهم عن المجتمع حي يعرفوا العقيدة ولم يؤخرهم عن الجهاد في سبيل الله .

كما جعل من أسباب الشهادة الدفاع عن الوطن والنفس والمال فقال فيما رواه أحمد والرمزي ((من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد )).

2- أن الإسلام لا يحجب المسلم عن قضايا المجتمع كما قال هؤلاء الشباب ومن كانوا لهم شيوخاً فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ((لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم ولو دعي به في الإسلام لأجبت)) .

كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم المعاهدات مع قبائل مشركة فدخلت خزاعة في عهد معه ولهذا لما اعتدت عليها قريش حارب قريشاً وهذا هو فتح مكة كما وضع وثيقة بينه وبين اليهود في المدينة كانت هي بمثابة الدستور .

3- يقول سيد قطب :( وهكذا نجد هذا الكتاب لا يعلم المسلمين العبادات والشعائر فحسب ولا يعلمهم الآداب والأخلاق فحسب كما يتصور الناس الدين ذلك التصور المسكين إنما هو يأخذ حياتهم كلها جملة ويعرض لكل ما تتعرض له حياة الناس من ملابسات واقعية ...

وها هو يرسم للمسلمين جانباً من الخطة التنفيذية للمعركة المناسبة لموقفهم حينذاك ولو جودهم بين العداوات الكثيرة ويقول ونظراً لمهمة القرآن الحركية فإن قادر على أدائها في هذا الزمان كما أداها مع الجماعة المسلمة الأولى بشرط أن توفر عليه الأمة أن الجماعة المسلمة وأن تتحرك به وأن تجعل لنصوصه (بعداً واقعياً) في واقعنا وحياتها وحركتها ولهذا يقول سيد :( والذين يحملون دعوة الإسلام اليوم وغداً خليقون أن يتلقوا هذه التقريرات وتلك الإشارات كأنهم يخاطبون بها اللحظة ليقرروا على ضوئها مواقفهم من شتى طوائف الناس ومن شتى المذاهب والمعتقدات والآراء ومن شتى الأوضاع والأنظمة وشى القيم والموازين ).

كما يقول : فإذا فعل ذلك فستتعرف على أعدائها وتنتصر عليهم (ومن علامات الإعجاز في هذا القرآن أن هذه النصوص التي نزلت لتواجه معركة معينة ما تزال هي بذاتها تصور طبيعة المعركة الدائمة المتجددة بين الجماعة المسلمة في كل مكان وعلى توالى الأجيال وبين أعدائها التقليديين الذين ما يزالون هم وما تزال حوافزهم هي هي في أصلها وإن اختلفت أشكالها وظواهرها وأسبابها القريبة وما تزال أهدافهم هي هي في طبيعتها وإن اختلفت أدواتها ووسائلها ).

ويقول :( إن هذا الدين ليس نظرية ليتعلمها الناس في كتاب للترف الذهني والتكاثر بالعلم والمعرفة ! وليس كذلك عقيدة سلبية يعيش بها الناس بينهم وبين ربهم وكفى! ، كما أنه ليس مجرد شعائر تعبدية يؤديها الناس لربهم فيما بينهم وبينه .. إن هذا الدين إعلان عام لتحرير الإنسان .. وهو منهج حركي واقعي ... يواجه واقع الناس بوسائل متكافئة والحركة في هذا الدين حركة في واقع بشرى والصراع بينه وبين الجاهلية ليس مجرد صراع نظري يقابل بنظرية .... هذا هو المنهج الواقعي الحركي الإيجابي لهذا الدين

4- الخطأ البين لي العلماء أن يفهم العقيدة والمفاصلة الشعورية عند الشهيد على أنها اعتزال كلى لهذه المجتمعات كما نعتزل مجتمعات الكفر بل أن يتميز المسلم بسلوكه الإسلامي في طعامه وشرابه ولباسه وأخذه وعطائه وقوله وعمله وأن يعلن وجدانه المفاصلة مع ما يميله المجتمع من عادات جاهلية وما يفرض على بيئته من تقاليد ومظاهر تستمد وجودها من الحياة المادية المنحرفة والوجود السلوكي الهابط .

إن المعاملات على اختلافها من بيع وشراء ورهن وإجارة وحوالة ووكالة وغير ذلك وإن آداب السلوك على تنوعها من تحية وتزاور وتهنئة ومواساة وبشاشة ورفق ولين ومجاملة كل ذلك لا يدخل في باب العزلة الشعورية ولا المفاصلة الوجدانية اللين تنحصران في رفض المؤمن لسلوك هابط أو حياة جاهلية أو مجتمع مريض .

وكانت دعوة الشهيد عليه الرحمة واضحة حيث دعا إلى العزلة الشعورية المتعلقة بإحساس المسلم ومشاعره لا العزلة المتعلقة بالأعضاء والجوارح في حدود ما أحل الله من حلال وما حرم من حرام .

وإلا كيف أفسر هذه الدعوة الرائعة الرائدة التي سجلها الشهيد بعنوان (أفراح الروح) وقد وجهها لشقيقته الأديبة المؤمنة السيدة أمينة قطب وهو وراء القضبان يحث فيها الدعاة إلى الله أن يعيشوا مع الناس وأن يهتموا بشئونهم وأن يختلطوا بوجودهم فيما لا يغض وجه الله ولو كان الآخرون على غير بر ولا تقوى حيث يقول في المرجع السابق:

( عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس نجد أ، هناك خيراً كثيراً قد لا تراه العيون أول وهلة .. لقد جربت ذلك .

جربته م الكثيرين .. حتى الذين يبدو في أول الأمر أنهم شريرون أو فقراء الشعور ... شئ من العطف على أخطائهم وحماقاتهم شئ من الود الحقيقي لهم شئ من العناية غير المتصنعة باهتماماتهم وهمومهم .. ثم ينكشف لك النبع الخير في نفوسهم حين يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك ؟ متى أعطيتهم إياه في صدق وصفاء وإخلاص إن الشر ليس عميقاً في النفس الإنسانية إلى الحد الذي نتصوره أحياناً إنه في تلك القشرة الصلبة التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء ... فإذا آمنوا تكشفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة حلوة شهية هذه الثمرة الحلوة إنما تنكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالأمن في جانبه وبالثقة في مودته بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلمهم وعلى أخطائهم وعلى حماقاتهم كذلك ... وشئ من سعة الصدر في أول الأمر كفيل بتحقيق ذلك كله وأقرب مما يتوقع الكثيرون .. لقد جربت ذلك جربته بنفسي .. فلست أطلقها مجرد كلمات مجنحة وليدة أحلام وأوهام .

وحين نعتزل الناس لأننا نحس أننا أطهر منهم روحاً أو أطيب منهم قلباً أو أرحب منهم نفساً أو أزكى منهم عقلاً لا نكون قد صنعنا شيئاً كبيراً .. لقد اخترنا لأنفسنا أيسر السبل وأقلها مؤونة إن العظمة الحقيقة :أن نخالط هؤلاء الناس مشبعين بروح السماحة والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم وروح الرغبة الحقيقة في تطهيرهم وتثقيفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطيع .

إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ومثلنا السامية أو أن نتملق هؤلاء ونثني على رذائلهم أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقاً إن التوفيق من جهد :

هو العظمة الحقيقة .

أليس هذا هو الفهم الإيماني والواعي الحركي الهادف لحديث سيد الخلق صلى الله عليه وسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم )).

أضواء حول واقعنا المعاصر

بعد استشهاد الأستاذ سيد قطب ظن بعض الشباب أن سكوت المجتمع على اضطهاد الإخوان المسلمين وقتل قادتهم مع علم الساكت أن خلافهم مع الحاكم يتعلق بتحكيم شيعة الله وما هذا السكوت يدل على أن المجتمع ليس مسلماً لقول الله تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } .

ورأى هذا الشباب أن الحكم بإسلام هذا المجتمع هو الذي جعل أفراده لا يتحرجون لتحكيم شرع الله ولو قيل لهم إن النطق بالشهادتين يتضمن الالتزام بتحكيم شريعة الله ذلك لتبنوا الموقف الواجب وهو الغضب لانتهاك حرمات الله وقتل الدعاة إلى الله .

ولقد نسب بعض هؤلاء الشباب هذه الأفكار إلى الشهيد سيد قطب وتوسعوا في ذلك حتى تقولوا عليه فزعموا أنه يكفر من لم يكن عضواً في جماعة الإخوان المسلمين بدعوى أن من أركان الإيمان العمل في الجماعة لأن لا إله إلا الله تتضمن مفاصلة المجتمع الجاهلي والانضمام إلى جماعة النبي صلى الله عليه وسلم .

ولقد تبنى الأستاذ محمد قطب أكثر هذا الفكر ولكن بعد حواره مع علماء الإخوان ومرشدهم أعلن براءته من هذا الفكر ولكن بعد خمسة عشرة عاماً نشر كتابه (واقعنا المعاصر) أورد فيه أموراً هامة وجيدة عن التربية ووسائل المواجهة وفي الوقت ذاته تبنى فيه أكثر هذه الأفكار وردد نفس الأسباب إلى كان يرددها الشباب قبل معرفته لهم وقبل اختلاطهم به وهو لم ينسب ذلك إلى أخيه مثلهم ولكنهم يؤكدون ذلك ويشيعون أنهما كانا يتدارسان الإسلام معا وأن الأخ هو الأعلم بأفكار أخيه ، ونظراً لأن هذه الأفكار تنطوي على أحكام شرعية وهذه لا تؤخذ من المقدمات العقلية كما أن نسبتها إلى الشهيد تسئ إلى علمه إلى علماء المسلمين .

كما أنها تلبس على الشباب دينهم وتوقعهم في إشكالات مع ذويهم ومجتمعهم فقد تعرضت لهذه الأمور بالأدلة بعيدا عن العاطفة وهذا لا ينال من جهاد الأستاذ محمد ومكانته .

الشهيد وتصحيح العقيدة

لقد أعلن هذا النفر من الشباب أن الشهيد حسن البنا لم يكن مدركاً لحقيقة القضية التي يجب دعوة الناس إليها وهي قضية الألوهية ولهذا كان يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر في المجتمع المصري وهذا لا مجال له إلا إذا كان المجتمع مسلماً وهذا هو لب الخطأ الذي وقع فيه الشهيد حسن البنا والذي جعله يحارب بقوات من الإخوان في فلسطين ولم يدرك أن الجاهلية العربية والمصرية لا تختلف عن الجاهلية اليهودية فالكفر ملة واحدة .

وادعى هذا الشباب أن الأستاذ سيد قطب يرى أن القاعدة التي رباها حسن البنا لم تصمد لأنها انشغلت عن العقيدة بمعارك لم تكن لها الأولوية كحرب فلسطين والإصلاح الاقتصادي بينما يجب هدم المجتمع الجاهلي وبناء مجتمع إسلامي جديد .

والغريب أنه بعد أن انفض أكثر الأتباع عن هذا الفكر بعد الحوار العلمي والتجارب العلمية عاد الأستاذ محمد قطب لإحياء ذلك فقال : (وكما حدث التعجل في دعوة الجماهير للتجمع وفي التحرك بهذه الجماهير قبل الأوان المناسب حدث ذلك في عملية البناء ذاتها فلم تبدأ من نقطة البدء اللازمة .. لقد اعتبرت قضية العقيدة بديهية ومنتهية وكل ما ينبغي علينا بشأنها هو إيقاظ الوجدان الديني من غفوته وتحويله بالعمل إلى حركة واقعة فيستقيم الأمر ويتحقق الأهداف ...

أثبتت الأيام فيما بعد أنه في حاجة إلى مراجعة شديدة وأن نقطة البدء كان ينبغي أن تكون هي تصحيح العقيدة ذاتها وجلاء مفهومها الحقيقي الذي غاب عن الجماهير بل غاب عن كثير من الدعاة أنفسهم .. ثم يقول أن هذا اتضح في حس حسن البنا في أيامه الأخيرة على ضوء الخبرة الواقعية كما يبدو من مقاله المنشور في جريدة الإخوان بتاريخ 7 رجب 1367 هـ -16 مايو1949 م بعنوان (معركة المصحف أين حكم الله ) ونقل وهو يوضح أن الإسلام دين ودولة وأنه إذا قصر الحاكم في حماية أحكام الإسلام لم يعد حاكماً إسلامياً وإذا أهملت شرائع الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية وإذا رضيت الجماعة أو الأمة الإسلامية بهذا الإهمال ووافقت عليه لم تعد هي الأخرى إسلامية .

ويختم الأستاذ محمد قطب نقده بقوله : لقد اتضح الأمر في حس الإمام الشهيد في أيامه الأخيرة ولكنه لم يرسخ هذا المعنى في قلوب أتباعه فظل هذا المعنى غير واضح في نفوسهم ولا تبدو آثاره في تخطيطهم وتحركهم وأفكارهم . .

ثم يبين رأيه في العقيدة فيقول :(إن الذي يعتبر مسلماً في الدنيا ولا يجوز تكفيره ولو كان منافقا في الحقيقة وحسابه على الله في الآخرة هو الذي ينطق بالشهادتين ويعمل بمقتضاهما أي يتحاكم إلى شريعة الله كما قال الإمام الشهيد في رسالة التعاليم وكما ينبغي أن نبين للناس في مقام التعليم ) .

ثم يقول :( إن إقامة الحد على المرتد بسبب إعراضه عن تحكيم شريعة الله أو إنكاره شيئا منها بينما هو مازال ينطق بالشهادتين يؤكد قطعاً أنه لم يحصل على صفة الإسلام بمجرد النطق بالشهادتين إنما بالنطق بالشهادتين من جهة والإقرار المتضمن في نطقهما بالالتزام بشريعة الله من جهة أخرى ) .

المقدمات الخاطئة وتكفير المسلمين

لقد انتهي الأستاذ محمد قطب إلى نتائج وأحكام خاطئة لأنها قد بنيت على مقدمات خاطئة وهو تصوره للواقع ولبعض الأحكام لهذا نبين الخطأ في هذه المقدمات والأحكام ونشير إلى براءة الشهيد سيد منها وذلك بإيجاز :

1- سبق أن فصلت الحكم الشرعي في الجماعة الإسلامية وأن حكمها الوجوب فقط ولكنه ليست من أركان الإيمان فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بردة من تخلف عنها .

2- إن الذين تخلفوا عن تطبيق شرع الله في أمره وجوب الهجرة لم يحكم الله بكفرهم فقال : { الذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا } الأنفال 72.

3- وسيد قطب لم يقل بكفرهم بل فرق بين عضويتهم في المجتمع المسلم وهذه لم يشرفوا بها لعدم هجرتهم إليه وبين كفرهم وهذا ما نفاه الشهيد حيث قال : (لا يكون بينهم وبين المجتمع المسلم ولاية ولكن هناك رابطة العقيدة ).

[ظلال القرآن الجزء العاشر مجلد 4 ] .

4- يرى محمد قطب أن المسلم لا يحصل على الإسلام بالنطق بالشهادتين وأن المسلمين المعاصرين ثلاثة طوائف :

(أ) شباب انحل وإلى الكفر يتجه .

(ب) كتلة كبيرة غير متميزة الصفات وهم الذين يختلف الرأي فيهم .

(ج) شباب التزم بالإسلام بوضوح .

والغريب أن هذه الأغلبية المسلمة الصامتة يصنفها هنا إلى مؤمنين وكافرين ومجهولين أي يتوقف في أمرهم ولكن سيد قطب يدرك الحكم الشرعي وبالتالي لم يؤثر عنه هذا الخطأ فهو يقول :

(أ) إن النطق بالشهادتين يوجب الانخلاع من الولاء للأسرة والقبيلة والعشيرة وقيادة الجاهلية ويوجب الولاء لله ورسوله .

[ الظلال جزء 10 ] ولكنه لا يرتب على عدم الولاء الكفر بل يقول (هؤلاء أوجب الله على المسلمين نصرهم والسبب هناك رابطة العقيدة ) .

(ب) ويقول إن المسلم غير العامل له درجة أقل من المسلم المجاهد فالمسلم المنتمى للإخوان يقدم على المسلم الذي ليس له برنامج محدد ويقول : وهذا ليس تمييز شخص على شخص .

5 - يخلط محمد قطب بين دخول الإسلام بالنطق بالشهادتين وبين الارتداد عن الإسلام لارتكاب عمل يعد كفراً في الشريعة فيجعل حكم الارتداد دليلاً على أن الشخص لم يحصل على صفة الإسلام بالنطق بالشهادتين مع أن القرآن والسنة يصرحان بدخول الإسلام بكلمة اللسان وقد يظل الناطق بالشهادتين أعواماً لا يأتي عملاً يعد من أسباب الردة شرعاً فكيف يقال أنه لم يحصل على صفة الإسلام ونتوقف في أمره والله يقول :{ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً}

وفي صحيح البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان :((شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ))ولهذا يقول سيد قطب : يكتفي الإسلام بالنطق بكلمة اللسان فلا دليل يناقضها .

[ انظر :القاعدة الأولى ص 18- 23 من هذا المؤلف ].

إن أعمال الإسلام من احتكام لشرع الله وصوم وصلاة لا تقبل من المرء إلا بعد أن يدخل في الإسلام فكيف يقال إن الشهادتين لا تعطيان صفة الإسلام للمرء وكيف يقال إن عدم العمل ببعض الأركان كفر بالله والإجماع أن ترك الركن لا يعد كفرا إلا أنكر المرء فرضية هذا الركن .

الخلط بين أهل السنة والمرجئة

ويخلط محمد قطب بين مذهب أهل السنة وبين المرجئة فيقول : (حين تقول جماعة من الجماعات إن فكرها قائم على أنه من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن ولو لم يعمل عملاً واحداً من أعمال الإسلام وهو قول غلاة المرجئة الذي يحمل مخالفة صريحة للكتاب والسنة ثم تلزم أعضاءها بالسمع والطاعة لهذا القول أو تهددهم بالفصل إن عارضوا فينبغي أن نراجع مبدأ السمع والطاعة من ناحيته الشرعية والتربوية ... وينبغي أن يفقه الأعضاء في دين لله ليعلموا متى يطيعون ؟ ومتى يتوقفون عن الطاعة ؟ .. ولا يعذرهم أمام الله أن يقولوا :

{ إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا } الأحزاب 67) .

ومحمد قطب لا يحكم بالإيمان للناطق بالشهادتين حتى يعمل على تحكيم الشريعة ويقول إن هذا مذهب أهل السنة وإن المرجئة هم الذين يقولون بما تقول به الجماعة الإسلامية التي لم يذكر اسمها والراجع والمصادر

الإسلامية تثبت أن هذا خلط بين أمور لا يجب الخلط بينها :

(أ) فأهل السنة يرون أن الإيمان قول وعمل وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ولكنهم لا يجعلون العمل من شروط الإيمان فلا يكفرون بالمعاصي ولو كانت من الكبائر ولا يتوقفون عن الحكم بالإيمان للناطق بالشهادتين ما يرى محمد قطب كما لا يقولون إن الأعمال شرط للإيمان .

يقول ابن تيمية (أصول أهل السنة أن الدين والإيمان قول وعمل وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ومع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعل الخوارج ).

ويقول الإمام أبو جعفر الطحاوى مترجما عقيدة أهل السنة (لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله ) ( ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله ) .

(ب) إن المرجئة يقولون : لا يضر مع الإيمان ذنب أي أن أي معصية مهما كانت لا تدخل صاحبها النار فيكفي النطق بالشهادتين حتى يغفر الله للإنسان وهذا من شأنه تكذيب آيات الوعيد الواردة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الواردة في حق العصاة من المسلمين فهؤلاء تضرهم الذنوب فيدخلون النار ثم يخرجون منها .

كما أن غلاة المرجئة يقولون إذا آمن المرء بقلبه فقط وأعلن الكفر بلسانه في دار الإسلام فهو كامل ومن أهل الجنة وكل ذلك لا تقول به الجماعة الإسلامية التي اختلف معها محمد قطب .

(ج) إن مذهب أهل السنة ألا يخرج العبد من الإيمان بالمعاصي بل بإنكار وجحود ما أدخله في الإيمان كما أثبت صاحب العقيدة الطحاوية قال الألباني : (يشير الشيخ إلى الرد على الخوارج والمعتزلة في قولهم يخرجه من الإيمان بارتكاب الكبيرة ) بند 61 و 62 .

(د) ويدل على الخلط قول الأستاذ محمد قطب (إن الذي يعتبر مسلماً في الدنيا ولو كان منافقاً في الحقيقة هو الذي ينطق بالشهادتين ويعمل بمقتضاهما أي يتحاكم إلى شريعة الله كما قال الإمام حسن البنا في رسالة التعاليم ...) .

والخلط هنا هو بين اشتراط العمل بمقتضى الشهادة حتى يمكن الحكم بإسلام المرء وبين عدم تكفير الذي يعمل بمقتضى الشهادة فالتوقف في الحكم بإسلام المرء شئ وعدم تكفير من يعمل بمقتضى الشهادة شئ أخر فالذي يخرج من الملة ليس مطلق المعصية بل المعصية التي تضاد الإيمان وتنافي مقتضى الشهادة وهو ما يسميه الشيخ ابن باز بنواقض الإيمان وأهمها القول بعدم صلاحية تشريع الله أو أن قوانين البر أفضل أو أن تشريع الإسلام يؤدى إلى تخلف المسلمين أو حصر الإسلام في الشعائر دون غيرها من الأحكام الشرعية أو استحلال المعصية أو استحلال الحكم بغير ما أنزل الله أو الاستهزاء بشيء في الكتاب أو السنة .

ولهذا أوضح الإمام البنا المقصود من قوله (وعمل . بمقتضاها) بقوله : إلا إن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة أو كذب صريح القرآن أو فسره على نحو لا تحتمله أساليب اللغة أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر فالذي يعمل شيئا من ذلك لا يعمل بمقتضى الشهادة .

(هـ) أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد توقف عن الحكم بإسلام الناطق بالشهادتين حتى يعمل أعمال الإسلام وهذا حكم لا يختلف عليه أحد من أهل السنة ولا ينبغي أن نخلط بين الحكم بالإسلام وبين الحكم بردة الناطق بالشهادتين أي خروجه من الإسلام بصدر قول أو عمل منه يناقض التوحيد ويدخله في الشرك أي إذا لم يعمل بمقتضى الشهادتين ولقد أمر نبي الله وفد عبد قيس أن يؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ثم سألهم هل تدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ؟ قال : ((شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ))رواه البخاري .

المرجئة والجماعة الغائبة

يرى الأستاذ محمد قطب أن المرء يعتبر مسلماً إذا نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وفسر العمل بقوله أي يتحاكم إلى شريعة الله .

ويرى أن (حقيقة التوحيد التي هي الإسلام لا تتحقق بمجرد النطق بالشهادتين باللسان إنما بالنطق بالشهادتين والعمل بمقتضاهما وتأدية الفرائض كما أمر الله ورسوله ...

ثم يبنى على ذلك أنه إذا قام فكر جماعة على أن من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مؤمن ولو لم يعمل عملاً واحداً من أعمال الإسلام ... فهذا مخالفة صريحة للكتاب والسنة ... وينبغي أن يراجع مبدأ السمع والطاعة ولذلك .. وتهديد أعضائها بالفصل إن عارضوا هذا الفكر .

لذلك وأداءاً للأمانة أوضح أنه خلال عام 1969 م وبمعتقل طره السياسي شاع هذا الفكر بين الشباب حتى قالوا بكفر آبائهم وأمهاتهم وزوجاتهم لأن فسخ زواج المشركات كان في العهد المدني وهو عهد الحكم بالإسلام وهم مازالوا في العهد المكي وهو عهد الاستضعاف لهذا تولى الأستاذ حسن الهضيبى المرشد العام للإخوان المسلمين مناقشة بعض الأشخاص ممن نسب إليهم هذا الفكر ومنهم الأستاذ محمد قطب وأوضح لكل نفر من هؤلاء أن ما يحملونه هو فكر الخوارج وأنه بايع الإمام حسن البنا سنة 194.

على الالتزام بمذهب أهل السنة والجماعة الذي هو منهج الإخوان المسلمين ولذلك فمن رأى أن عقيدته توجب عليه نشر الفكر المخالف لفكر الإخوان وهو فكر أهل السنة فعلية أن يختار اسما آخر لجماعة أخرى غير الإخوان وينسب ليها هذا الفكر وليس هذا طعناً في دين هؤلاء وقد يكونون عند الله أقرب منه ولكنه شرعاً لا يسمح بنسبة هذا الفكر إلى الإخوان أو أهل السنة وقد أجاب أحدهم وهو الذي روى لي هذا الحوار أن هذه ليست شركة حتى يقال ذلك بل هي عقيدة فأجاب المرشد أن هذا منهج أهل السنة الذي أجمعت الأمة عليه بعد فتنة الخوارج وأنه جدلاً إن اقتنع بهذا الفكر فليس له شرعا أن يدعو إليه باسم

الإخوان ولا باسم أهل السنة فهذا يحتاج إلى إجماع علماء الأمة ولا يختص بذلك الإخوان وحدهم فقال هذا الأخ نظل في هذه الجماعة ونحن نحمل هذا الفكر فأجاب المرشد لو سئلت عن المسلمين الآخرين الذين لا يجاهدون لتحكيم شريعة الله ومنهم الآباء والأمهات والزوجات فإما أن نقول هم مسلمون لتوافق فكر الجماعة وعندئذ تكون منافقاً حيث تظهر بخلاف ما تعتقد وإما أن تقول ليسوا مسلمين فتكون قد أعلنت عن فكر يخالف فكر الإخوان وفكر أهل السنة وأنت تنسبه إليهم فسأل هذا الأخ عن الموقف من الحاكم فأجاب المرشد : إن منهج الإمام حسن البنا هو إعلان حكم الله الوارد في القرآن بترديد قول الله { ومن لم يحكم بما أنزل الله

فأولئك هم الكافرون } دون أن نسمى أشخاصاً بذواتهم لنقول إنهم قد ارتدوا فليست مهمتنا إعداد أثواب من الكفر والإيمان وتوزيعها على هؤلاء أو غيرهم فالحكم على شخص بعينه يحتاج لبينة يتولاها الحاكم عن طريق القضاء وأما موقف الأستاذ محمد قطب في هذا الحوار الذي تم بينه وبين الأستاذ حسن الهضيبى فمن حقه أن يكتبه أن لا يكتبه ولكن ليس له أن يقول إن الطاعة هنا كطاعة كبراء المشركين فالنبي يقول : ((السمع على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية ...)) البخاري :93 .

النزاع بين الإيمان والكفر

ليس صحيحاً أن الحكم على الناس بالكفر والإيمان كلام نظري أكثر مما هو عملي كما يقول محمد قطب ذلك أن الخلاف بين عقيدة أهل السنة وعقيدة الخوارج له أثر في الحياة العملية وفي صحة بعض الأعمال .

فالخوارج يعتقدون أن المرء لا يعتبر مسلماً إلا إذا نطق بالشهادتين وعمل بمقتضاها من أداء الفرائض والتحكم لشريعة الله والأثر المرتب على ذلك كما ظهر من تصرفات الشباب الذين تبنوا ذلك في السجون والمعتقلات وخارجها منها عدم الصلاة خلف من خالفهم ولو كان يؤدى الفرائض لأنه لا يكفر الكافر ويحكم بالإيمان للكافرين وعقيدة أهل السنة أن الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان فالمؤمن والمسلم هو من قال :

لا إله إلا الله محمد رسول الله وأقام الصلاة وأدى الزكاة وصام رمضان حج البيت إن استطاع .

لكن الفرق واضح بين الاعتقاد بعدم دخل المرء الإسلام إلا إذا أدى هذه كلها بين الاعتقاد أنه يدخل الإسلام بالنطق بالشهادتين يصبح مكلفاً بهذه الأركان الفرائض فإن أداها كانت له نوراً برهاناً كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة من لم يؤدها غير جاحد أ مستخف لأي منها لم يكن له عند الله عهد فإن شاء عذبه إن شاء غفر له كما رد في حديث النبي صلى الله عليه سلم لا خلاف على صحته .

حتى يتضح أثر الخلاف في مسألة واحدة هي التعامل مع الزوجات حارت كبيراً لهم وسألته إن كان المجتمع كافراً زوجاتكم قد كفرن فما سبب الإمساك عليهن والله يقول :{ ولا تمسكوا بعصم الكوافر ْ} .

قال : إننا في عهد الاستضعاف أي العهد المكي حيث يباح زواج المشركات .

قلت : فما دليلك الشرعي في هذا الحكم ؟

قال: هذا ما فهمناه من سيد قطب .

ولكن الشهيد له كتاب مسطر وليس به هذا المفهوم كما أننا نبرئه من الجهل بحكم قطعي ومعلوم كهذا لأن سورة الممتحنة نزلت بعد صلح الحديبية ومازال بعض المسلمين بمكة مستضعفين وهذه السورة حرمت الإمساك بالكوافر وقد طبقها المسلمون بمكة والمسلمون بالمدينة وكان بمكة السيدة زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وكانت زوجة العص بن الربيع وكان آنذاك على الشرك ففارقته وهاجرت إلى المدينة.

قال : تظل عقود الزواج مع زوجاتنا ممتدة على أساس أنهن من أهل الكتاب وهؤلاء يباح الزواج منهن .

قلت : هل قال لكم الأستاذ سيد هذا الحكم ؟

قال : لا .. إنه يقول أن هذه مسألة تحتاج إلى مجتهدين يبينون الحكم فيها ونسى أن الحكم فيها واضح كما في تفسير الممتحنة .

قلت : كيف تنسب إلى سيد قطب فكرأً ثم تطلب منى أن أوضح الحلال والحرام لهذا الفكر والله يقول { وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون } فلم لم يبين لكم من تدعون أنه مؤسس هذا الفكر وجه الحرام والحلال في هذه المسائل وفي نتائج هذا الفهم ؟

قال : هذه مسألة جزئية ونحن إنما نهتم بالكليات .

قلت : العقيدة الإسلامية تجعل للمرتد حكماً مميزاً عن أهل الكتاب وعن المشرك وحكمه القتل بردته ولا يوجد في الإسلام أن يكفر المشرك ثم يقال أنه يعامل كأهل الكتاب .

هذا والجدير بالذكر أن الشهيد سيد قطب لم يذكر شيئاً في ظلال القرآن عن أحكام سورة الممتحنة بخلاف ما أوردته كتب التفسير وظاهر الآيات القرآنية ولكن هؤلاء نسبوا إليه هذا الفكر وهو برئ منه .

العقيدة بين سيد قطب وحسن البنا

ظن محمد قطب أن حسن البنا لم يدرك أن نقطة البدء هي العقيدة والحكم بشرع الله إلا قبل وفاته بأشهر .

وهذه الأقوال كان يرددها بعض غلاة الشباب ويزعمون أن هذا فكر سيد قطب والذي يكذبهم مقالاته وكتبه ومنها قوله : (إن المستقبل لهذه العقيدة التي يقوم عليها بناء الإخوان ؟ وللنظام الاجتماعي الذي ينبت من هذه العقيدة ) وقوله : (حينما سلط الطغاة الأقزام الحديد والنار على الإخوان كان الوقت قد فات وكن لبناء الذي أسسه حسن البنا قد استطال عن الهدم ).

[ من كتاب دراسات إسلامية لسيد قطب ] .

وإذا كان المقال الذي استشهد به محمد قطب قد نشر في منتصف عام سنة 1948 فإن ذلك لا يعنى في مقام البحث العلمي والإنصاف أنه قبل ذلك لم يتكلم عن أمور العقيدة بهذا الوضوح ولو رجع محمد قطب إلى خطب الإمام البنا ورسائله ومنها رسالة (المؤتمر الخامس) المنعقد سنة 1357 ه- 1938 م أي قبل عشر سنوات من المقال الذي اختاره محمد قطب ليكون دليلاً على خطأ حسن البنا لو فعل ذلك لأراح فقد قال يعقوب عند الموت { قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ...} ولا يقال إنه لم يهتم بالتوحيد إلا في آخر حياته .

ولو رجع إلى كتاب الأستاذ محمود عبد العليم واسترض الأحداث لانتهي إلى واقع آخر غير التصورات التي كتبها بعد ترديد غيره لها وظن أنها الواقع المعاصر ورتب عليها أحكاماً خاطئة .

إن الطلبة بالجامعة والذين انضموا إلى الإخوان كانوا يناقشون سنة 1937 م كبار المستشرقين في الإسلام ويوضحون فكرهم من أمور الحكم والتشريع والدولة .

كما أنه ليس صحيحا ما يزعمه بعضهم أن الاشتراك في حرب فلسطين كان تورطاً مع الجاهلية العربية ذلك أن هذه أرض فتحها المسلمون وأصبحت أرضاً إسلامية وحكامها ليسوا هم المالكين لها وكذا حكام البلاد الإسلامية الأخرى ليسوا مالكين للأرض والشعب فالأرض لله يورثها من يشاء ولهذا فمن الخطأ الفاحش أن نسلك هذا المسلك الذي يكرس ملكية الحاكم لها مع أنهم ليسوا جميعاً كاليهود كما يظن الذين يقولون إن حرب فلسطين جاهلية

وفقهاء المسلمين لا يختلفون على وجوب الجهاد كفرض عين إذا غزا الكفار أرض المسلمين ولن تصبح ملكاً للكفار إذا لم يطبق الحاكم شرع الله .

فلماذا استثنى هؤلاء إسرائيل وأرض فلسطين ولماذا تجاهلوا قول الله تعالى { وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان ..} النساء 75) أما أن الجهاد لا يكون إلا في سبيل الله فلم تكن كتائب الإخوان تعمل في سبيل الطاغوت ولم يكن أهل فلسطين يقاتلون في سبيل الطاغوت ولا يجهل مسلم أن العبرة هنا بالنية لقوله صلى الله عليه وسلم ((إنما الأعمال بالنيات ..)) .

براءة سيد قطب

إن هذه الأفكار تنبع من اعتقاد خاطئ بأن المجتمع المسلم في عصرنا لم يدخل في الإسلام بعد وبالتالي فقد أخطأ البنا وغيره لعدم تكفير المجتمع ولكن الشهيد سيد قطب يرى غير ذلك تماماً وذلك خلافا لما يشيعه هؤلاء حيث قال : (وقد استطاع حسن البنا أن يفكر في هذا كله ... أو أن يلهم هذا كله فيجعل نشاط الأخ المسلم يمتد وهو يعمل في نطاق الجماعة إلى هذه المجالات كلها بحكم نظام الجماعة ذاته وأن يستنفذ الفطرية كلها في أثناء العمل للجماعة وفي بناء الجماعة استطاع ذلك في نظام الكتائب ونظام المعسكرات ونظام الشركات الإخوانية ونظام الدعاة ونظام الفدائيين الذين شهدت لهم معارك فلسطين ومعارك القنال نماذج من آثاره تشهد بالعبقرية لذلك النظام .

وعبقرية البناء في مجتمع الأنماط من النفوس ومن العقليات ومن الأعمار ومن البيئات .. تجميعها كلها في بناء واحد كما تتجمع النغمات المختلفة في اللحن العبقري .. وطبعها كلها بطابع واحد يعرفون به جميعا ودفعها كلها في اتجاه واحد .. على تباين المشاعر والإدراكات والأعمار والأوساط في ربع قرن من الزمان .

ترى أكانت مصادفة عابرة أن يكون هذا لقبه ؟ أم أنها الإرادة العليا التي تنسق في كتابها المسطور بين أصغر المصادفات وأكبر المقدورات في توافق واتساق؟

ويمضى حسن البنا إلى جوار ربه يمضى وقد استكمل البناء أسسه يمضى فيكون استشهاده على النحو الذي أريد له : عملية جديدة من عمليات البناء عملية تعميق للأساس وتقوية للجدران .. وما كانت ألف خطبة وخطبة .. ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لتلهب الدعوة في نفوس الإخوان كما ألهبتها قطرات الدم الزكى المهراق .

إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة .

وحينما سلط الطغاة الأقزام الحديد والنار على الإخوان كان الوقت قد فات كان البناء الذي أسسه حسن البنا قد استطال على الهدم وتعمق على الاجتثاث .. كان قد استحال فكرة لا يهدمها الحديد والنار فالحديد والنار لم يهدما فكرة في يوم من الأيام .. واستعلت عبقرية البناء على الطغاة الأقزام فذهب الطغاة وبقى الإخوان .. وفي كل مرة سقط أصحاب هذه النزوات كما تسقط الورقة الجافة من الشجرة الضخمة وقد انزوت تلك ولم تستطع أن تحدث حدثا في الصفوف .

ومرة بعد مرة استمسك أعداء الإخوان بفرع من تلك الشجرة يحسونه عميقا في كيانها فإذا جذبوه إليهم جذبوا الشجرة أو اقتلعوا الشجرة حتى إذا آن أوان الشد خرج ذلك الفرع في أيديهم جافا يابسا كالحطبة الناشفة لا ماء فيه ولا ورق ولا ثمار !!

إنها عبقرية البناء تمتد بعد ذهاب البناء ...

واليوم يواجه بناء الإخوان خليطا مما واجهه في الماضى .. ولكنه اليوم أعمق أساسا وأكثر استطاله وأشد قواما .... اليوم هو عقيدة في النفس وماض في التاريخ وأمل في المستقبل ومذهب في الحياة .. ووراء ذلك كله إرادة الله التي لا تغلب ودم الشهيد الذي لا ينسى .

فمن كان يريد بهذا البناء سوءاً فليذكر أن طغيان فاروق ومن خلفه إنجلترا وأمريكا لم يهدم منه حجرا ولم يترك فيه ثغرة إن المستقبل لهذه العقيدة التي يقوم عليها بناء الإخوان وللنظام الاجتماعي الذي ينبثق من هذه العقيدة وفي كل أرض إسلامية اليوم نداء بالعودة إلى الراية الواحدة التي مزقها الاستعمار ذات يوم ليسهل عليه ازدراء الوطن الإسلامي قطعة قطعة وقد آن أن تتضام هذه المزق وتنتفض جسما حيا كاملا يمزق الاستعمار .

إن طبائع الأشياء تقتضي انتصار هذه الفكرة فلقد انتهت موجة التفكك والتمزق .. ولم تمت للفكرة الإسلامية في تلك الفترة المظلمة فهيهات إذن أن تموت اليوم في موجة اليقظة والانتفاض والإحياء (دعوة الإخوان المسلمين لسيد قطب ).

انتهي كلام سيد قطب عن الواقع الذي عاصره وعن العقيدة التي تولاها حسن البنا وعن ثمار ذلك في فلسطين وفي القنال وهو ما ينكره أخوه محمد قطب حسبما فصله في كتابه الأخير ويبقى أن نذكره كما نذكر هؤلاء الذين قالوا إن اليهود وحكام العرب ملة واحدة في الكفر ولهذا لا ينبغي أن تتورط الجماعة المسلمة في الحرب فلسطين أو القنال .

نذكر هؤلاء أن هذه القاعدة تنطبق على أفغانستان فالملك ظاهر شاه كان يضطهد الحركة الإسلامية ويتبنى العلمانية وعندما قام الشيوعيون بانقلاب عسكري ضده قاتلهم رجال الحركة الإسلامية وما زالت الحرب مستمرة وهذا يعد انعطافاً بالحركة الإسلامية عن دورها الرئيسي في تربية العقيدة كما يقول فلماذا لا يسحبون هذا الحكم على القتال في أفغانستان ؟

هل كفر اليهود أكثر وضوحاً من كفر الشيوعيين ؟

أم أن الشعب الأفغاني الذي دخل المعركة ولم يكن منضماً إلى الحركة الإسلامية كان من جيل الصحابة فلا تسرى عليه القاعدة ويستثنى من هذا الحكم وهو جاهلية هذه الحروب ثم لماذا يصبح المقاتلون من الأفغان أكثر عمقاً في فهم العقيدة عن الإمام حسن البنا ومن تولى تربيتهم؟

إن كتائب الإخوان في فلسطين لم تكن تحت قيادة جاهلية ولا تعمل من أجل رفع راية الجاهلية بل كانت تعمل تحت قيادة خاصة بهم ولغاية إسلامية واضحة .

فلماذا التفرقة بين الجهاد في فلسطين والجهاد في أفغانستان ؟

الخلاف فيما لا يخضع للخلاف

لقد تبنى الأستاذ محمد قطب أفكاراً وظن أنها حكم الله الذي لا يأتيه الباطل ولا يعتريه الخطأ ولهذا فمن أخذ بخلافه يكون مخالفاً لعقيدة الإسلام مخالفة صريحة ويجب أن ينهاه عن هذا المنكر بل يذهب البعض إلى وجوب تنحية من خالفهم عن قيادة العمل لأنه بهذه المخالفة يمزق العمل الإسلامي وهذا ما يتبناه بعض شباب الجهاد .

ويلاحظ أن هذه الأحكام اجتهادات لا تتعلق بأمور مجمع على تحريمها ولا تصل إلى درجة الخلاف في العقيدة بل أكثرها قد بني على تصور غير صحيح أو هو محل خلاف باعتباره من الوسائل التي تخضع لأمور الاجتهاد وتحكمها قاعدة المصلحة أو الضرر في الشريعة الإسلامية .

فالأستاذ محمد قطب نراه يجيز للمهندس والطبيب والمدرس أن يعمل في الوظائف الحكومية في مجتمع تظله مظلة الجاهلية وهي الحكم بغير ما أنزل الله بل يرى أن هذا العمل قد يكون واجباً إذا كان بعيداً عن تدخل الجاهلية المباشر .

فهذا الحكم ينبع من هذا التصور وهو أن هذا العمل يمكن أن يكون بعيداً عن تدخل الجاهلية المباشر .

وهذا التصور يخضع لقاعدة المصلحة والضرر فأي عمل يمكن أن يجلب مصلحة أو يدراً مفسدة فهو جائز ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء [ مجموع الفتاوى لابن تيمية :والجامع لأحكام القرآن للقرطبي :وقواعد الأحكام للعز بن عبد السلام] .

ولكن الأستاذ محمد يتصور أعمالاً أخرى على غير حقيقتها وبذلك يصل إلى حكم خاطئ نتيجة التصور الخاطئ .

فقد تصور أن الدخول في المجالس النيابية هو مشاركة في التشريع بغير ما أنزل الله لأن العضو يقسم اليمين بالمحافظة على الدستور الذي ينبعث عنه هذا التشريع الجاهلي بينما المسلم مأمور بمغادرة هذه الأماكن لقول الله تعالى { وقد نزَّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم } النساء 14. ). والخطأ في هذا التصور أن عضو مجلس الشعب ليس جزءاً من السلطة التنفيذية كالوزير ولا يقوم بعمله هذا بوصفه ينوب عن رئيس الدولة بل هو يمثل الشعب وينوب عنه وبالتالي ليس مسئولاً أمام مجلس الوزارة ولا أمام رئيس الدولة بل من اختصاصه محاسبة هؤلاء واستجوابهم وهو لا يعد مشاركاً في إصدار أي تشريع إذا أعلن معارضته له وهو في هذا أكثر قدرة على الرفض من المدرس الملتزم بمنهج لا يملك أن يغيره وهو أبعد عن تدخل الجاهلية المباشر وغير المباشر .

كما توجد مصلحة لحصول الدعاة على المزايا والحقوق التي يكفلها الدستور لأعضاء البرلمان ومنها على سبيل المثال :

1- التمتع بالحصانة البرلمانية باعتباره يمثل الأمة فلا سلطان للأجهزة الحكومية عليه وبالتالي يستطيع العضو التنقل في الأحياء والمجتمعات لإعلان كلمة الله دون أن تلحقه الإجراءات البوليسية والإرهاب الحكومي الذي يعرض له غيره في كثير من الدول إلى تحكم أغلبية مسلمة .

2- أعضاء البرلمان لا يجوز محاسبتهم على الآراء والمطالب التي يتقدمون بها للمجلس أو لجانه وبالتالي يمكنهم كشف المؤامرات والوقوف ضد الإجراءات التي يتعرض لها الإسلاميون ونشر ذلك على الناس وفي الصحافة المحلية والعالمية .

3- يكفل الدستور لأعضاء المجلس استجواب الوزارة بل يجيز لهم طلب سحب الثقة منهم لأن الوزير مسئول أمام مجلس الشعب عن أعمال وزارته وبالتالي يمكن للدعاة التمتع بهذا الحق فإذا لم تؤيدهم الأغلبية فقد أعذروا إلى الله .

4- يجيز الدستور بناء على طلب خمسة من أعضاء المجلس أن يطرحوا موضوعاً عاماً على مجلس الشعب للمناقشة وطلب بيان من الحكومة في هذا الشأن وكف أجهزتها عن الظلم .

فهذه الأمور وغيرها تجعل عضوية مجلس الشعب من الأمور الهامة التي يجب على دعاة الإسلام الحصول عليها وخصوصاً أنه لا يوجد ما يمنعهم من أن يحلفوا اليمين بالصيغة التي يريدونها وأن يضيفوا إلى اليمين أن الطاعة في حدود القرآن والسنة .

وهذا كله في الدول التي يرجح من يعملون في هذا المجال أنه يمكن تحقيق مصلحة للمسلمين أو دفع بعض الأضرار عنهم وهذه مسألة اجتهادية لا يجوز لأحد أن يفرض فيها رأياً وهو خارج دائرة هذا العمل لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره فعلى سبيل المثال فإن الحكم في تركيا منذ الانقلاب العسكري الذي قام به كمال أتاتورك يتبنى اللادينية ولا يسمح بالمساس بها ومع هذا استطاع بعض الغيورين على الإسلام أن يكونوا حزباً باسم (حزب الإنقاذ الوطني) أو (حزب السلامة) وأن يتحالفوا مع بعض الأحزاب الأخرى وبهذا استطاعوا تحقيق مصالح إسلامية ظهر أثرها في الحياة التركية مما جعل الطغاة يحركون الجيش لوأد هذه الحركة .

فما بالنا إذا كانت هذه المشاركة في دولة ينص دستورها على أن الإسلام مصدر رئيسي للتشريع كما هو الحال في أكثر الدول العربية أو ينص دستورها على أن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع كم هو الحال في الدستور المصري وبالتالي لا مجال للظن بأن المجلس يستهزئ بتشريع الله فإن هذا إن صدر من أحد يمكن لكل فرد اتهامه وتحكم المحاكم ضده .

والشهيد سيد قطب قد أكد على هذا بقوله (لقد اتفقنا على مبدأ عدم استخدام القوة لقلب نظام الحكم وفرض النظام الإسلامي من أعلى لأن المطالبة بإقامة النظام الإسلامي وتحكيم شريعة الإسلام ليست هي نقطة البدء فنقطة البدء هي نقل المجتمعات ذاتها إلى المفهومات الإسلامية الصحيحة وتكوين قاعدة إن لم تشمل المجتمع كله فعلى الأقل تشمل عناصر وقطاعات تملك التوجيه والتأثير في اتجاه المجتمع كله إلى الرغبة والعمل في إقامة النظام الإسلامي ).

إن القطاعات التي تملك التوجيه والتأثير في اتجاه المجتمع كله والتي يطلب الشهيد تكوين قاعدة فيها يدخل ضمنها مجلس الشعب والجامعات والجمعيات والنقابات وباقي القطاعات ولكن أخاه قد غاب عنه هذا كله فأوجب على المسلم العمل في الوظائف كما ذكرنا وحرم عليه الجهاد البرلماني .

والغريب حقاً أن الأستاذ محمد قطب يقول إنه ( إذا سمح للشخص بالدخول إلى مجلس الشعب لإلقاء كلمة فقط دون أن يكون عضواً بالمجلس كان ذلك واجباً عليه إبلاغ كلمة الله لأنه جاء يلقى كلمة ويمضى فلا الندوة الجاهلية المعاصرة تعتبره عضواً فيها ولا هو يعتبر نفسه من الندوة إنما هو مبلغ أما المشاركة في عضوية الندوة بحجة إتاحة الفرصة لتبليغها كلمة الحق فمر ليس له سند في دين الله ) .

فالخلاف هنا في طريقة إبلاغ كلمة الحق فإن كانت من شخص خارج المجلس وسمح له بذلك وليس له أي حصانة أو حق في الدخول ومتابعة الحق الذي يطالب به ولا يتمتع بالمزايا والحقوق التي ذكرناها كان ذلك جائزاً بل واجباً في رأى محمد قطب وإن حصل الشخص على هذه الحصانة والضمانات كعقود الجوار التي تمتع بها النبي صلى الله عليه وسلم لإبلاغ كلمة الله كان ذلك حراماً في رأى محمد قطب ! ونراه يحدد سبباً آخر للتحريم بقوله :

(إننا نقول للجماهير في كل مناسبة إن الحكم بغير ما أنزل الله باطل وإنه لا شرعية إلا للحكم الذي يحكم بشريعة الله ثم تنظر الجماهير فترانا قد شاركنا فيما ندعوها هي لعدم المشاركة فيه ... ) .

وهذا ينطبق على المشاركة في الوزارة ولا ينطبق من أي وجه على عضوية مجلس الشعب حسبما رأته الجماعات الإسلامية في أكثر الدول الإسلامية .

ولو كانت هذه العلة تتعلق بالمشاركة في الوزارة بعدد قليل يجعل الأغلبية في يد الآخرين بحيث لا يملك الاتجاه الإسلامي أن يصدر من خلال المجلس أي قرار إلا ما تراه الأغلبية اللادينية .

لكانت المشاركة في الوزارة نوعاً من تحسين الوجه القبيح لها وكانت التنظيمات الإسلامية هي الخاسرة في لعبة الدبلوماسية كما يقول محمد قطب .

ولكن المشاركة التي ساق لها هذه الأدلة هي في مجلس الشعب حيث يقول بعد ذلك مباشرة : (إننا نحسب أننا بدخولنا البرلمانات نقول بعمل ييسر قيام القاعدة الإسلامية لأنه يدعو إليها من فوق المنبر الرسمي الذي له عند الناس رنين مسموع ولكننا في الحقيقة نعوق قيام هذه القاعدة بهذا التمييع الذي نصنعه في قضية الحكم بما أنزل الله ) .

إن تبنى محمد قطب لهذا الحكم إما أن يكون لعدم معرفته باختصاصات وحقوق أعضاء مجلس الشعب وهي التي أشرنا إليها من قبل بإيجاز أو لأنه يتبنى فكر الشباب الذي يرى كفر المجتمع وبالتالي لا تصلح معهم هذه الوسائل بل لابد من دعوتهم إلى الإسلام من جديد ولكنه لم يقطع بشيء في هذا الاتجاه إلا ما نقلته في أول هذا الفصل ويؤكدها قوله هنا : ( إننا إن قلنا للناس من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن ولو لم يعمل عملاً واحداً من أعمال الإسلام وهي قولة غلاة المرجئة فقد خدعناهم عن حقيقة الإسلام وزدناهم تميعاً إلى تميعهم وأخرنا نضجهم وتميزهم وأخرنا بالتالي قيام القاعدة الإسلامية التي لا يقوم بغيرها الحكم الإسلامي ولا يمكن له في الأرض ونكون إلى جانب ذلك بوعي أو بغير وعى قد أعنا الطاغية على دعاة الإسلام بقتلهم بذبحهم وهو آمن من غضبة الجماهير متلفع بالجهالة التي يسدر فيها الناس ... ) .

إن هذا التصور يرجع إلى اعتزال الأستاذ محمد قطب للعمل الجماعي بين الجماهير في مصر واقتصاره على المحاضرات في السعودية حيث يعمل بها ولو كان قد حاضر في الجماهير التي احتشدت في سرادقات مرشحي التحالف الإسلامي أثناء الانتخابات أو حاضر في التجمعات التي يدعو إليها أعضاء البرلمان الممثلين للتحالف في المناسبات المختلفة لأيقن أن القاعدة التي لا يقوم بغيرها الحكم الإسلامي لن يتنزل عليها الوحي من الله فيجمعها جبريل ويعلمها أصول الإسلام ويدعوها لمناصرة الدعاة والعيش معهم في كنف الله فهذه القاعدة لا تنشأ من المقالات والكتب والمحاضرات التي تنظمها الجامعات بل تتكون من العمل داخل هذه الجماهير أفراداً وتجمعات بما في ذلك العمل البرلماني والنقابي والفردي والجماعي .

وبقى أن أشير أيضاً أن الحكم على أعمال الجماعات الإسلامية في الجامعات أو غيرها لا يكون من خلال ما تنسبه بعض الصحف إليهم .

فقد ضرب مثلاً بما نسبه إلى الجماعات الدينية بجامعة الإسكندرية من التصدي للحكومة والحيلولة بالقوة دون إقامة حفل راقص رتبته إدارة الجامعة ، وأكد أن اللعبة التي أبرزت الجماعات الدينية إلى الوجود أن الحاكم يومئذ كان يواجه ضغطاً شديداً من التيار الشيوعي والتيار الناصري المتحالف معه وكان منطقياً بالنسبة إليه أن يستند مؤقتاً إلى التيار الإسلامي فيفسح له المجال للعمل والحركة ليصد عنه هو شخصياً الضغوط التي يواجهها لا لينظف الجامعة من الفساد والإلحاد والكفر والتحلل الخلقي ولا لينشئ في البلد حركة إسلامية تطهرها من تلك الأدران وليتعرف في نفس الوقت عن طريق أجهزته البوليسية على القوى الكامنة في الشباب ليضربها في الوقت المناسب بعد أن تنتهي اللعبة ضربة تشلها عن الحركة أو تقضى عليها ) .

فهذه المقدمات التي أخذ المؤلف منها أحكاماً تحتاج إلى تصحيح لأنها قد تسربت إليه مما في الصحافة وما نقل إليه من أخبار وهذه هي الأخرى ليست مصدراً صحيحاً للمعلومات فآفة الأخبار رواتها ودليل ذلك بإنجاز هو :

1- إنه لئن لجأ بعض الأفراد إلى التعرض لحفلات الرقص بالجامعة فليس ذلك أسلوب الجماعات الدينية ولا يجوز أن نردد ما تنسبه إليهم السلطات الأمنية أو خصومهم من الشيوعيين .

2- أن ظهور الجماعات الإسلامية في الجامعة لم يكن لعبة من أنور السادات ليواجه الشيوعيين والناصرين كما قيل فهذه افتراءات يرددها خصوم الإسلام الذين ينكرون وجود أغلبية إسلامية لأن العلمانية التي يستظلون بها تجعل الحكم والتشريع وقف رأى الأغلبية وبالتالي حتى تظل الأقلية العلمانية صاحبه الرأي والسيادة فهي تنكر ودود أغلبية إسلامية وتزعم أن هذه لعبة صنعها السادات للأسباب التي رددها محمد قطب نقلاً عن صحافتهم وأخبارهم ورجالهم .

وهذه الجماعات لم يستند إليها السادات في أي عمل من أعماله أو للدفاع عنه أو للتصدي لخصومه فالتصدي للعلمانية بفصائلها قائم منذ انتزاع هؤلاء السلطة والتشريع وهذه الصدامات كانت بين الإخوان المسلمين والبعثيين في سوريا والعراق وكانت بين الإخوان والأحزاب في مصر منذ أمد بعيد فلم يستند السادات إلى الجماعات الإسلامية للتصدي أشد .

وقد ظهرت في قرارات سبتمبر 1981 ، وقد أشار إليها محمد حسين هيكل في كتابه (خريف الغضب ) وأكد أن هذه الخصومة ترجع إلى أن الأصولية الإسلامية التي هي المصدر الفكري للجماعات الإسلامية نرجع إلى عصر السلف الصالح .

3- إن الواقع الذي تخفيه السلطة ومعها العلمانيون أن ظهور الاتجاه الإسلامي بين الشباب في شكل جماعي قائم منذ قيام الإمام حسن البنا بنقل دعوته إلى الشباب وإلى الجامعات ولقد توارى هذا الظاهر حيناً فترة للتصفية الجسدية التي مارسها الحكم الناصري للتيار الإسلامي ولكن في أعقاب هزيمة يوليو 1967 م مباشرة ظهر هذا التيار وتمثل في الإضرابات التي خرجت من الجامعات وتهتف : (لا صدقي ولا الغول أين المجرم المسئول ) .

وهذا التصدي من الشباب كان السادات عندما كان رئيساً لمجلس الأمة في حكم جمال عبد الناصر حتى قيل إن أعضاء مجلس الأمة لهم قسم آخر غير المحافظة على الدستور والقانون وفيه (أقسم بالله العظيم أن أحافظ على السبعين ((أي الراتب)) وأن يكون لي أذن من طين وأذن من عجين ...) أي لا يسمع ولا يرى وينافق الحاكم وأعوانه .

ولقد قامت الأجهزة الأمنية بالقبض على مجموعات مختارة من هؤلاء الطلبة وأودعتهم معتقل القلعة وأجرت عليهم تحريات واستجوبتهم عن أقاربهم من الإخوان المسلمين وعن المدرسين الذين تأثروا بهم خلال الدراسة بالمدارس والجامعة كما هو ثابت بالتحقيقات وكل ذلك كان خلال الحكم الناصري فليس صحيحاً أن السادات أظهر هذه الجماعات أو شكلها أو سمح بها فاتحادات الطلبة بالجامعات قائمة منذ العهد الملكي وهي جزء من أنشطة الجامعة فإن ابتعد عن قيادتها الشباب المسلم فترة التصفية الجسدية فإن عودتهم إلى الظهور لا تفسر بالتفسير العلماني والذي يرددهمحمد قطب وتكوين الجماعات الإسلامية لا يكون عملاً من الحاكم إلا إن كان ذلك للسير في كنفه ومخططه وتبنى اتجاهاته .

4- إن الأستاذ محمد قطب يقول في هامش صفحة 475 أنه يوجد مخطط لضرب التيار الإسلامي وجدت المبررات أم لم توجد .

ويقول تعليقاً على ما ظنه أسلوباً للجامعات الإسلامية للتصدي بالقوة لإدارة الجامعة :( وحقيقة أن الضربة كانت آتية لا ريب فيها .. ولكن يختلف الأمر حين يكون العمل التي تقوم به الجامعات هو التربية لشباب نظيف الأخلاق متطهر من الدنس يعرف ربه ولا يعرف رجس الشيطان فإن الحاكم يتردد لتعذيبها لأنه يومئذ لا يستطيع أن يبرر عمله الوحشي أمام الجماهير ) .

إنه رغم سلامة الرأي الذي ينادى به محمد قطب وهو أن أسلوب العمل الإسلامي يجب أن يكون بعيداً عن العنف واستعراض القوة وأن الاصطدام مع السلطة .. عملية انتحارية لا طائل وراءها إلا إعطاء الطغاة حجة لتقتيل المسلمين وذبحهم إلا أنه قد غفل عن بعض الأمور منها :

(أ) أن العنف ليس أسلوب الجماعات الإسلامية وهذا ما أكده حسن أبو باشا وكذا النبوي إسماعيل وزيرا الداخلية السابقين وذلك بعد الاعتداء عليهما حسبما نشر في الصحف عنهما وهو ما قال به فكرى مكرم عبيد .

والحادث الفردي في أي مجتمع لا تسأل عنه الأغلبية ولا يعد من أسلوبها .

(ب) أنه لو كان التخطيط كما يقول هو تصفية التيار الإسلامي كلما اشتد عوده فإن اقتصار عمل الجماعات الإسلامية على غرس الأخلاق والطهر في الشباب والتزامهم بعدم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى بالقول الحسن لن يؤدى إلى تردد الحاكم في تنفيذ المخطط الذي يشير إليه محمد قطب ولقد كان الشباب بجماعة الدعوة (التبليغ ) رهباناً لا يتعرضون لفرد أو جماعة بأمر أو نهي حتى قال عنهم شباب الطاقة الذرية الذين تتلمذوا على فكر الشهيد سيد قطب إنهم يدعون إلى الإسلام بطريقة غاندي ومع هذا قامت بتصفيتهم وحذرت الصحافة منهم بقولها : احذروا على أولادكم من المساجد .

(ج)يدعو إلى عدم الصدام مع السلطة ثم يعيب على الشيوخ لجعلهم البرلمان وسيلة للدعوة السلمية .

ولو كان صحيحا أن المشوار أجهدهم لقعدوا في بيوتهم أو هاجروا ولكنهم واصلوا الجهاد بالكلمة وتعرضوا للاعتقال والمطاردات ولم يكتفوا بوسيلة واحدة كالبرلمان بل عملوا على تكوين الفرد والبيت والمجتمع .

حول التحالفات السياسية :

يرى محمد قطب أن (الجماعات الإسلامية الداخلة في التنظيمات السياسية لأعداء الإسلام هي الخاسرة في اللعبة الدبلوماسية والأعداء هم الكاسبون سواء بتنظيف سمعتهم أمام الجماهير بتعاون الجماعات الإسلامية معهم أو تحالفها معهم أو اشتراكهم معهم في أي أمر من الأمور أو بتمييع قضية الإسلاميين في نظر الجماهير وزوال تميزهم وتفردهم الذي كان لهم يوم أن كانوا يقضون متميزين في الساحة لا يشاركون في جاهلية السياسة من حولهم ويعرف الناس عنهم أنهم أصحاب قضية أعلى واشرف وأعظم من كل التشكيلات السياسية الأخرى التي تريد الحياة الدنيا وحدها وتتكالب على متاع الأرض ...)

. ولكن ليس صحيحاً أن التحالفات من جانب هذه الجماعات تنطوي على ذلك أو على التنازل عن منهج الله سواء في مصر أو السودان أو باكستان أوتركيا .

سنناقش هذه التصورات في نهاية الفصل وقبل ذلك نسأل القارئ : هل نحالف النبي صلى الله عليه وسلم مع فئات تريد الحياة الدنيا وحدها وتتكالب على متاع الأرض أم حرم ذلك ؟ وإذا كان قد تحالف فما هي المصلحة المشتركة بين الطرفين ؟ وما هي مصلحة المسلمين ؟

والجواب على ذلك وعلى كل عمل من الأعمال التي هي محل خلاف بين الجماعات الإسلامية أن (المجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر وغير ذلك إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع كان هذا الذي كلفه الله إياه وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع ولا يعاقبه الله وهو مصيب بمعنى أنه مطيع لله ... ) .

وأما تحالفات النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل الدنيا من الكفار فإنها كثيرة نذكر منها الآتي :

1- قال النبي : (( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به قبل الإسلام لأجبت ))ورواه أحمد رقم 1655 ، 1676 ) .

وهذا عن حلف الفضول وسببه أن رجلاً قدم مكة ببضاعة وباعها على العاص بن وائل وكان من الأشراف الأقوياء فحبس عنه حقه فطلب النصرة فاجتمعت زهرة وهاشم وتيم بن مرة في دار ابن جدعان وتعاهدوا أن يكونوا يداً واحدة مع المظلوم على الظالم وسمى بحلف الفضول حيث قالت قريش : لقد دخلوا في فضل من الأمر وفعلا انتزعوا الحق من العاص وكان في الجاهلية والنبي صلى الله عليه وسلم صرح بأنه لو دعي إليه في الإسلام لأجاب أي يقبل التحالف والتعاهد مع غير المسلمين لنصرة المظلوم .

2- كان مفتاح الكعبة في الجاهلية بين عثمان بن طلحة حيث انتهت إليه سدانة الكعبة فلما جاء فتح مكة أخذ النبي صلى الله عليه وسلم المفتاح منه ودخل الكعبة وصلى فيها ثمان ركعات فطلب على بن أبى طالب أن تكون الحجابة معهم حيث أن الرفادة معهم وهذا يعنى نقض الاتفاق القائم في الجاهلية قبل الإسلام لهذا رفض النبي صلى الله عليه وسلم وقال :(( اليوم يوم بر ووفاء )) وأعاد المفتاح لعثمان بن طلحة ولم يكن قد دخل الإسلام .

3- عندما نزل قول الله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين } دعا النبي صلى الله عليه وسلم بنى هاشم وحضر منهم نفر من بنى عبد المطلب فدعاهم إلى الإسلام فقال أبو طالب : امض لما أمرت به وسنمنعك ونحوطك ولكن نفسي لا تطاوعني لفراق دين عبد المطلب وظل الحال على ذلك في هذه المرحلة .

4- أعلنت قريش منابذة أبى طالب إذا استمر في حمايته لابن أخيه وطلب من النبي أن يبقى على نفسه وعلى عمه فلا يحمله ما لا يطبق فقال له صلى الله عليه وسلم :((والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته )) فقال أبو طالب : والله لا أسلمك لشيء أبداً .

5- اجتمعت قريش لقتل النبي صلى الله عليه وسلم فجمع أبو طالب بنى هاشم وبنى عبد المطلب فادخلوا النبي شعبهم ومنعوه من مؤامرة القتال [ السيرة النبوية لمحمد بن عبد الوهاب ] أمام تحالف بنى هاشم وبنى عبد المطلب مسلمهم ومشركهم لحماية النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعت قريش وكتبوا وثيقة علقت بالكعبة وبمقاطعة بنى هاشم وبنى عبد المطلب فلا يبيعون منهم ولا يبتاعون منهم ولا ينكحوا إليهم أو ينكحوهم أو يقبلوا منهم صلحاً ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا النبي إلى قريش فلم يقبل هؤلاء أن ينقضوا ما كانوا عليه من الأحلاف والأعراف وقبلوا هذا الحصار الذي ظل أكثر من عامين .. [ نفس المرجع ] .

6- بعد وفاة أبى طالب قال العباس لأبى لهب أن تظل حماية النبي صلى الله عليه وسلم كما كانت فلما علمت قريش سألت أبا لهب أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن مصير عبد المطلب هل هو في الجنة أم في النار قال لعمه أبى لهب : هو في النار فانضم أبو لهب إلى قريش وانتهي هذا الحلف فلجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ليجد نصرة في ثقيف وظل عشرة أيام يقابل أشرافهم فغدروا به ،أغروا به سفهاءهم وعبيدهم لسبه وإيذائه فعاد إلى مكة وقبل أن يدخلها مكث بحراء وأرسل رجلاً من خزاعة إلى الأخنس بن شريق ليجيره

فقال: أنا حليف والحليف لا يجير فبعث إلى سهيل ابن عمرو فقال إن بنى عامر لا تجير على بنى كعب فبعث إلى المطعم بن عدى فقبل أ، يدخل النبي في جواره وتسلح ودعا أولاده وقومه فلبسوا السلاح وانتشروا عند الكعبة وأعلن لهم ذلك فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل الكعبة في جوارهم فدخل الكعبة وعندما أعلن مطعم لقريش أن محمد اً في جواره فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين وعاد إلى بيته في حراسة مطعم وأولاده .

والجدير بالذكر أن الأخنس حليف لبنى هاشم وعرف مكة أنه لا يجير إلا من كان أصلاً لا تابعاً وكذلك سهيل بن عامر وهي أدنى نسب من بنى كعب فلا تجير عليها .

ولهذا عند تصرف النبي صلى الله عليه وسلم في أسرى بدر قال : ((لو كان المطعم بن عدى حياً ثم كلمني فيهم لتركتهم له )) .

7- أن الاتفاق الذي تم بين المطعم بن عدى كان خاصاً بحماية النبي صلى الله عليه وسلم في شخصه ولم يتضمن حرية الدعوة في مكة ولهذا وقف النبي صلى الله عليه وسلم في أيام الموسم وعرض على القبائل أن تسلم أو تحميه ليبلغ الرسالة فكان يقول صلى الله عليه وسلم : ((هل من رجل يحملني إلى قومه فيمنعني حتى أبلغ رسالة ربى فإن قريشاً قد منعوني )) .

لقد رفض النبي صلى الله عليه وسلم قبول عرض من بنى عامر على لسان أحدهم هو بحيرة بن فراس أن يبايعوه فإذا نصره الله يكون لهم الأمر من بعده حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الأمر لله يضعه حيث يشاء )) فقالوا له : أنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا .

8- الوثيقة أو دستور المدينة :

وضع النبي صلى الله عليه سلم ميثاقاً بينه ( عن المسلمين ) وبين أهل المدينة يمكن تسيمه إلى :

(أ) تنظيم العلاقة بين المسلمين .

(ب) تنظيم العلاقة بين المسلمين وبين أتباعهم من غيرهم (اليهود ) .

(ج) تنظيم التحالف والعلاقة بين المسلمين وغيرهم لمحاربة من يحارب أهل الصحيفة .

(د) لا تحالف مع قريش أو من ينصرها .

(هـ) محاربة من يداهم المدينة .

(و) لا ينصرون ظالماً .

ترشيد الواقع الغافل :

إن نفراً من العاملين في الحقل الإسلامي قد غفل عن منهج الله تعالى في لأمور الخلافية فراح يبطل عمل غيره ويضعه في صفوف خصوم الإسلام ويرفض كل تعاون معه حتى يعلن توبته عما يراه الآخر مخالفة شرعية .

والعجب العجاب أن الذين يتبنون هذا الاتجاه يزعمون أنهم بهذا التصرف يكفرون بالطاغوت ولا يتحاكمون اليه وهم يحققون أهدافه في الواقع العملي ببذر بذور الخلاف والفرقة ورحم الله حسن البنا الذي نبه إلى خطورة هذا الأسلوب فأمر أن (نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ) ولقد كان سلفنا الصالح شديد الحرص على عدم تجريح من خالفهم حتى لو كان الخلاف في أمور التعبد الله وليس في المصالح الدنيوية وفيما يلي بعض الأمثلة التي ذكرها الدهلوى في كتابه (حجة الله البالغة ).

1- يرى أحمد بن حنبل وجوب الوضوء من الرعاف الحجامة لنزول الدم ولما كان في المدينة سئل عن إمام خرج منه دم ولم يتوضأ هل نصلى خلفه ؟

قال : كيف لا أصلى خلف الإمام مالك وسعيد بن المسيب (حيث يريان بخلافه ) .

2- وقد صلى الإمام الشافعي قريباً من قبر أبى حنيفة فلم يقنت فسئل : كيف أخالفه وأنا في حضرته

3- وضع الإمام مالك كتابه ( الموطأ ) ووافقه فيه سبعون عالماً من معاصريه ولكنه رفض طلب الخليفة المنصور ثم طلب الخليفة الرشيد من بعده أن يكون الموطأ هو المرجع للمسلمين لأنه قد توجد آراء لفقهاء آخرين يخالفون مالكاً في بعض الأمور .

4- صلى الرشيد إماماً وقد احتجم ولم يتوضأ ، فلم يمتنع أبو يوسف من الصلاة خلفه ، كما لم يعد صلاته وهو يرى أن الحجامة تنقض الوضوء .

5- من المتفق عليه بين الفقهاء أن إنكار المنكر لا يكون إلا في الأمور المجمع على أنها من المنكرات ، فلا إنكار في الأمور الخلافية .

قال الإمام الغزالي : ( ليس للحنفي أن ينكر على الشافعي ولا للشافعي أن ينكر على الحنفي ) .

وقال الملا على القاري :( لا اجتهاد في الأمور الخلافية )

ويقول الإمام ابن تيمية :( يدخل في المعروف كل واجب وفي المنكر كل قبيح ، و القبائح هي السيئات وهي المحظورات كالشرك و الكذب والظلم و الفواحش ) ،

6- بل إن المحتسب المكلف من الحاكم المسلم بإنكار المنكر وبالأمر بالمعروف ليس له أن يمارس سلطته في الأمور الخلافية .

قال الماوردى :( إن الاجتهاد في الأمور الخلافية حق مشاع فلا يحمل المحتسب غيره على اجتهاده ) .

7- ومن ضوابط الإنكار عند السلف ، الإسرار بالنصيحة فتوجه إلى المنوط بها دون سواه ، قال الماوردى :( وليخرج تعليمه مخرج المذاكرة و المحاضرة ، لا مخرج التعليم والإفادة ) .

لما كان ذلك :

فإن التحالفات الإسلامية التي تمت في الباكستان وتركيا و السودان ومصر هي من الأمور الاجتهادية و الهدف منها تحقيق مصلحة شرعية ، تحكمها هذه القواعد فلا إنكار في ذلك و الوحي لا يتنزل على أحد حتى يحكم فيها بحكم يجعل من خالفه فاسقاً أو مخالفاً للقرآن و السنة ولا ندرى لماذا تغيب هذه القواعد عن أفراد وقيادات حتى أصبح الخلاف عملهم و الطعن في الآخرين هدفاً عندهم ويظنون أنهم يجاهدون بهذا فإن التزموا بهذه القواعد ظنوا أن هذا كتمان للحق وذلك كله من تلبيس إبليس كما هو مفصل بالفصل الرابع .

حقيقة تصورات محمد قطب

لقد قطع الأستاذ محمد أن دخول الإسلاميين البرلمان وتحالفهم السياسي يجعلهم الخاسرين والأعداء هم الكاسبون وسنده في ذلك ما يأتي :

أن هذا ينظف سمعة الأعداء أمام الجماهير لتعاون الجماعة معهم أو تحالفها معهم .

وقد نسى أن التحالف و التعاون ليس مع الحاكم بل مع أحزاب معارضة تكشف الأخطاء في الندوات الانتخابية وتخطئ الحاكم ، بل ما زالت صحفها تفعل ذلك بل توجد كلمات قوية للأستاذ محمد عبد القدوس تحت عنوان ( حزب فرعون ) ويصرح أنه حزب الحكومة ، مع هذا لو أن هذا الحزب قد طالب بتطبيق الشريعة أو توفير الغذاء للجائعين و السكن للمشردين والأمن للشرفاء هل يعارض الإسلاميون ذلك أو يلوذون بالصمت .

2- يظن أن العمل البرلماني يؤدى إلى تمييع قضية الإسلاميين وإلى زوال تميزهم في الساحة بحيث لا يشاركون الجاهلية .

وهذا التصور بنى على أساس وجود تحالف وتعاون مع الظالمين وهذا غير قائم كما أشرت وكما هو معلوم للكافة ، أما تمييع قضية الإسلام فيتم بالانسحاب من المعركة وهذا ما يسعى إليه الأعداء ، الذين يدركون أن دخول الإسلاميين البرلمان يرهب الأنظمة الباغية ويكشف نفاقها ويبرز جاهليتها .

3- أما شرعية التحالفات التي ينكرها الأستاذ محمد ويعتبرها من الجاهلية فقد ذكرت من قبل أنواعاً من التحالفات التي تمت في عهد النبوة وكانت مع المشركين ، وأحيله إلى ما سبق لمناقشة شبهة التحاكم إلى الطاغوت بالعمل البرلماني .

4- يبقى أن يصر المخالف على رأيه فهل له عصمة تجعله لا ينطق إلا بكلمة الله ، أم يلتزم بأدب الخلاف المشار إليه سابقاً و المبين في الفصل الرابع ؟ .

الفصل السادس

مع تصحيح المفاهيم
  • بداية التكفير وأثره
  • أدلة فكر التكفير
  • الفكر الغائب بين المرجئة وأهل السنة .
  • الافتراضات و الواقع المغلوط .
  • الخوارج و المرجئة وفكرهما .
  • مذهب أهل السنة وجنابة التكفير .
  • ظنون وشبهات الشباب الحائر .


بداية التكفير وأثره

لقد اقترنت محنة الإخوان المسلمين الثالثة ( 1965-1975 ) باستمرار عمليات التعذيب حتى بعد توقيع المعتقلين على الإقرارات المطلوبة وبعد صدور الأحكام بالسجن ، ذلك أن عمليات التعذيب كانت ضمن خطة لغسيل المخ من الفكر الإسلامي الإخوانى ولمنع عدوى انتقال هذا الفكر للغير ، ولقد كانت لهذه الأعمال الإجرامية - التي نفذت بحق كل من اعتقل بتهمة الانتماء الإسلامي - رد فعل واضح تمثل في ظهور تيار يقطع بكفر المجتمع المصري ولا يقتصر هذا التكفير على الحاكم بل يشمل الشعب المصري كله بما فيهم المصلون والصائمون إلا من بايع جماعة المسلمين التي تدعو إلى تحكيم شريعة الله .

ولقد تصدى علماء الإخوان المسلمين لهذه الفتنة وأعلنوا أن هذا هو فكر الخوارج ولا ينبغي أن يسود بين المعتقلين مهما كان إجرام بعض الحكام وأذنابهم .

هنا برر دعاة فكر التكفير موقفهم بأن سكوت الشعب على الجرائم التي ارتكبت في حق الإخوان المسلمين يرجع إلى أن الإخوان يحكمن بإسلام هذا الشعب بدعوى استمرار نطقهم بالشهادتين أو صلاتهم أو صيامهم لو واجهنا الناس بقول الله تعالى { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } وأعلنا لهم أن الكفر محيط بهم لم يعملوا على تحكيم شرع الله ويكون ذلك بمبايعة جماعة المسلمين وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم :(( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية )) .

قالوا لو أعلنا ذلك لتميز الناس إلى مؤمن معنا وكافر مع الحاكم ولا شك ستكون الغالبية العظمى معنا وبالتالي لا مكان للحاكم بغير ما أنزل الله في السلطة .

ولقد كان هذا الحوار مكتوماً بين الشباب في السجون والمعتقلات ولم يظهر كمشكلة عامة إلا عندما شرعت أجهزة الأمن السياسي في التحرك في السجون والمعتقلات للدعوة لتأييد جمال عبد الناصر في معركته المرتقبة مع إسرائيل عندئذ واجه بعض الشباب هذه الحملة الحكومية بأن الكفر ملة واحدة ويستوي أن يكون الطاغوت يهودياً أو عربياً فإذا اقتتلت الجاهلية العربية مع الجاهلية اليهودية فلا شأن للمسلم من ذلك ولقد قامت أجهزة الأمن في معتقل أبى زعبل السياسي بعزل من عارضوا طلب تأييد الحكومة في الحرب المرتقبة سواء كان المعارض من دعاة الكفر أو لم يكن منهم ووضع هؤلاء في زنازين شمال بالمعتقل وكان من بينهم الأستاذ محمد قطب والأستاذ مأمون الهضيبى وبعد هزيمة1967 م وعلى ضوء الدراسة التي قام بها بعض من يعملون مع أجهزة الأمن السياسي من المفكرين تبنت السلطة المختصة آنذاك فكرة رفع العزل عن هؤلاء وترك الحرية لهم في التحرك بفكرهم بين صفوف الإخوان المسلمين .

ولم تكن العلة من هذه الحرية معروفة حتى قام اللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة بزيارة معتقل (طره) السياسي في أكتوبر سنة 1968 م بعد ترحيل نزلاء أبى زعبل إلى هذا السجن العتيق .

لقد حشدت السلطة المعتقلين في الساحة المواجهة للمعزل الذي يسجن فيه الأستاذ حسن الهضيبى المرشد العام للإخوان المسلمين ونادى حسن طلعت أن من يزعم أنه معتقل ظلماً فليجلس تحت هذه الشجرة ومن حكم عليه سنة 1954 م يجلس تحت الشجرة الثانية ، ثم رفع بالمسبحة وبدأ حديثه بأنهم لم يظلموا أحداً فمن كان محبوساً بغير سبب فليعلن ذلك فوقف الحاج عبد العزيز زعير وقال إنه معتقل

بدون سبب فقال اللواء هل أنت خواجة غير مسلم أم إنك من الإخوان المسلمين فقال : أنا من الإخوان لكن لم يصدر منى أي عمل حتى تصادر أملاكي أحبس منذ سنة 1965 فقال اللواء : يكفي أنك من الإخوان فوقف اثنان من الطلبة هما طه السماوي (وكان بالثانوية العامة ) وشكري مصطفي (وكان بكلية الزراعة ومن رواد فكر التكفير ) وقالا له : لسنا من الإخوان المسلمين ومع هذا فما زلنا في المعتقل لأن الحاكم طاغوت وكافر وأنت كذلك من جند الطاغوت الكفرة ولو تمكنا منكم لنقطعنكم إرباً إرباً فاعترضهما اثنان من رجال الشرطة واثنان من المعتقلين العاملين تحت إمرة الشرطة السرية (المباحث العامة ) فمنعهم حسن طلعت وقال : اتركوا لهم الحرية فنحن نريد أن تقرع الحجة بالحجة ثم انسحب بعد أن قال لهما أن الإمام علىّ قال للخوارج عند طلبهم تحكيم شرع الله قولاً أقوله لكم وهو أن

طلبكم هو قولة حق أريد بها باطل فقال له السماوي : بل أنتم أهل الباطل ونحن أهل الحق ويجب أن نمزقكم إرباً إرباً وانسحب اللواء من هذه المسرحية وعقد اجتماعاً مصغراً بمكتب عبد العال سلومة قائد المعتقل ضم الضابط المنوط بهم وضع التقارير السرية عن المعتقلين وضم عدة أفراد من المعتقلين الذين أظهروا ولاءهم للحكومة كثمن للإفراج عنهم وقال لهم حسن طلعت

نحن لا نريد التضييق على أمثال هؤلاء الطلبة فلا خطر علينا من فكرهم لأنهم سيضربون بالنعال من آبائهم وإخوانهم دفعأً لاتهامهم إياهم بالكفر إنما يكمن الخطر في فكر الإخوان المسلمين حيث يطالبون بحكم الإسلام ولا يكفرون المجتمع فلا توجد لنا حجة في الرد عليهم أو اضطهادهم ولهذا نترك الحرية للمنشقين عليهم ليضعفوا صفهم فينقسمون إلى عدة جماعات صغيرة يلعن بعضها بعضاً إن لم يقتل بعضها بعضاً ولهذا يجب عليكم تشجيع انقسام هؤلاء إلى هضيبيين وبنائيين وقطبيين وتكفيريين .

ولهذا وضعت العقبات أمام من يدعو إلى جمع هؤلاء على فكر أهل السنة والجماعة وقد تلقى كاتب هذه السطور تحذيراً من م . ع . م .

أن حواري مع دعاة التكفير يجعلني من المسجونين طوال العمر ولما نوقش عن السبب وهؤلاء يكفرون الحكومة قال لأن رجوعهم عن هذا الفكر لا يكون إلا بعودتهم إلى صفوف الإخوان المسلمين .

وكرر هذا الإنذار سعد .

م وكذا الضابط أحمد سالم ومدير المعتقل عبد العال سلومة وظهرت هذه الخطة بعد الإفراج عن المعتقلين حيث كان يمنع الشيخ عمر التلمسانى وغيره من المحاضرة في الجماعات بينما كان يتحرك دعاة التكفير في الجماعات بل عندما طعنوا حسن الهلاوى عشرين طعنة بالسكاكين حفظت جهات الأمن السياسي هذه القضية كما حفظت جناية سعيد محمد عبد الرحمن عبد الجواد سعيد بقرية دفنو بمركز إطسا بالفيوم عندما خطف إخوته القصر مع والدتهم ونقلهم إلى الصحراء حيث يعيشون وزوَّجها بأحد أصدقائه من الجماعة دون أن تطلق من والده وظلت القضية في الحفظ حتى ضمت إلى قضية خطف الشيخ الذهبى في يوليو 1977 م وقد سجل عبد الرحمن أبو الخير في كتابه (ذكريات مع جماعة المسلمين ) أن المباحث خدعتهم وشجعت فكرهم بدعوى أنه لا يشكل خطراً على الحكومة كما يشكل فكر الإخوان .

ولقد كان لهذا الفكر أثر سيئ بين المعتقلين حيث صلى أصحابه وحدهم بإمامة الشيخ على عبده إسماعيل وكفروا من لم يؤمن بفكرهم وفي الوقت نفسه لا يعملون بما يقولون فيأكلون من ذبائح من يعتقدون كفرهم ويتزوجون منهم ويرثونهم وأمسكوا بعصم زوجاتهم مع تكفرهن وفاصلوا المجتمع على النحو المبين بالفصل الثالث من كتابي (الحكم ) .

وبعد حوار علمي هادئ بين المرشد العام وقادة هذا الفكر عدلوا عنه إلا قليلاً منهم وخصوصاً بعد قراءتهم للبحوث الفقهية التي تداولها الإخوان في السجون وراجعها وصححها المرشد العام وهي التي نشرت بعد ذلك في كتاب (دعاه لا قضاة) .

وكانوا نحو سبع فرق كل فرقة تكفر غيرها .

ثم انقسم من بقى على هذا الفكر إلى طائفتين :

(أ) طائفة المفاصلة الصريحة للإخوان والمجتمع وهؤلاء يطلق عليهم اسم جماعة التكفير والهجرة وقد سموا أنفسهم جماعة المسلمين وكان إمامهم الشيخ على عبده إسماعيل ثم أعلن براءته من هذا الفكر فأعلن شكري مصطفي (وكان طالباً بكلية الزراعة ) كفر الشيخ على إسماعيل ومن تبعه ولكن لم يظل مع الشيخ شكري سوى طالب بالثانوية اسمه الخضيرى .

(ب) طائفة المفاصلة الشعورية وهؤلاء لهم جذور وصلات بالإخوان المسلمين وقد اتخذوا من الأستاذ محمد قطب واجهة لهم ولكنه أوضح للمرشد العام عدم ارتباطه بأصحاب هذا الفكر الذي تسميه المباحث بالفكر القطبي أو القطبيين .

وهؤلاء يفرقون بين المفهوم وهو الفكر وبين الحركة بالمفهوم أي وسائل الدعوة لهذا الفكر .

فلا يختلفون مع الجماعة الأولى في تكفير الناس ولا في أن النطق بالشهادتين لا يكسب قائله صفة المسلم إنما يختلفون معهم في مفاصلة الإخوان المسلمين والزوجات ولرفضهم إعلان الفكر للكافة لأنه لؤلؤة وهم يقولون :( لا تضع اللؤلؤة في عنق الخنزير ) .

أدلة فكر التكفير

لقد ظهر هذا الفكر كرد فعل للتعذيب الذي أفضى إلى موت عدة أشخاص وإحداث عاهات لدى آخرين لا لشيء سوى أنهم يطالبون بتحكم شريعة الله بينما يحصل اليهود وغيرهم من المعتقلين غير الإسلاميين على حقوقهم .

وعندما عورضوا من الإخوان المسلمين بمخالفة هذا الفكر لمنهج أهل السنة قالوا :

1- أن لا إله إلا الله كان لها مقتضى وهو إعلان مفاصلة المجتمع الجاهلي والانضمام إلى جماعة المسلمين بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم فيستحيل وجود مسلم لا يحقق هذا المقتضى ولا ينضم إلى جماعة المسلمين فالجماعة شرط في صحة الإسلام وقد حسم المرشد العام للإخوان المسلمين هذه الشبهة بقول الله تعالى { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا } الأنفال 72 .

2- أن علبة الملح لو كتب عليها (سكر ) لا تصبح سكراً بل تظل على حقيقتها وهي الملح وبالتالي فمن نطق بالشهادتين لا يصبح مسلماً إلا بعد التحقيق من التزامه بمقتضى الإيمان ويقولون أن هذه الأعمال هي الحد الأدنى للإيمان لأنه قول وعمل فمن زاد عليها ازداد إيمانه ومن انتقص منها لا يحكم له بالإيمان .

ولقد حسم هذا بأدلة منها ما ورد في البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه مسلم طلب من عمه أبى طالب وهو على فراش الموت أن ينطق بالشهادتين ليشفع له بها عند الله تعالى فلو كانت بذاتها لا تدخل الكافر في الإسلام ما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من عمه ا[ى طالب أن ينطق بها عند موته ومعلوم أنه لا عمل بعد الموت فالشخص يعتبر مسلماً في ذات اللحظة التي ينطق فيها بالشهادتين ويلزم أن تعتبره مسلماً وأن نعصم دمه وماله وعرضه ثم تأتى بعد ذلك التكاليف الشرعية أما المنطق الذي يكفر به المسلم وهو أن علبة الملح لا تصبح سكراً بظاهر ما يكتب عليها فهذا قد يكون عند أرسطو (جدلاً وإن كان المناطقة لا يقولون ذلك )

وقد يصح من المحسوسات التي يمكن الإطلاع عليها أما عند الله ورسوله فالأصل أن يحكم بهذا الظاهر حتى يثبت عكسه فالكافر الذي كان يقاتل الصحابة ونطق بالشهادتين عندما تمكن منه أسامة ابن زيد قد حكم له النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام وأنكر على أسامة أن قتله وتعلله بأنه إنما قالها خوفاً من السلاح إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم :(( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا )) رواه البخاري ومسلم ) .

كما روى عنه قوله : (( إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم )) كذلك فإن مكنونات القلوب مما لا يعلمه إلا الله .

ويقولون أن الشهادة تتضمن أعمال الإسلام الواردة في قول الله تعالى { ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة .. } البقرة 177 .

والأدلة السابقة تثبت عدم صحة هذا المعتقد لأنه يخلط بين دخول الفرد في الإسلام وهذا يكون بإعلان الشهادتين وبين أركان الإسلام وفرائضه وهذه ليست شرطاً في الإيمان بل حكم له فهي من فرائضه وواجباته والأدلة على ذلك كثيرة ومنها ما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (( ثم يخرج من النار من قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة .

قال أبو ذر : وإن زنا وإن سرق ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : وإن زنا وإن سرق )) ثم قال : وإن زنا وإن سرق وكررها والنبي صلى الله عليه وسلم يجيب بقوله : (( وإن زنا وإن سرق رغم أنفك يا أبا ذر )) . وسنفصل ذلك في بيان منهج أهل السنة .

الفكر الغائب بين المرجئة وأهل السنة

إنه بعد مضى عشرين عاماً على مأساة هذا الفكر وبعد انصراف الغالبية عنه جاء الأستاذ محمد قطب ليضع لهذا الفكر فلسفة شرعية وينتقى له الأدلة التي ظن أنها مطابقة للقرآن والسنة وتعبير عن رأى أهل السنة وتجعل المخالفين لهذا الفكر من غلاة المرجئة كما يقول .

لقد تبنى على بعض نسخه الطبعة الأولى وعلى أخرى الطبعة الثانية بينما يقول مؤلفه : ( قد كان الأصل أن يصدر كتاب المفاهيم قبل كتاب واقعنا المعاصر الصادر سنة 1986 م لأنه مكتوب قبلة بعدة سنوات ولكن شاء الله أن يتأخر كتاب المفاهيم كل هذه السنوات وتصدر قبله كتب أخرى كتبت بعده بسنوات وكل شئ عنده بمقدار ) .

ونظراً لأن هذا الفكر كان ينسب إلى الأستاذ سيد قطب مما جعل أخاه محمداً يسارع بنشر بيان سنة 1975 يقول فيه : ( ما دار من لغط في محيط الإخوان حول كتابات الشهيد سيد وما قيل من كونها مخالفة لفكر الإخوان أو جديدة عليه .. إنه ليس في هذه الكتابات ما يخالف الكتاب والسنة اللذين تقوم عليهما دعوة الإخوان المسلمين مع تأكيدي الكامل من أنه ليس من هذه الكتابات ما يخالف أفكار الإمام الشهيد حسن البنا .

لهذا ودفاعاً عن فكر أهل السنة والجماعة المفترى عليه أتناول الأسس التي قام عليها كتاب المفاهيم لأبين مدى مخالفتها لفكر أهل السنة ولإجماع الأمة وقد سبق أن تناولت أهم التجاوزات الواردة في كتابه (واقعنا المعاصر ) وذلك في الفصل السابق .

ويلاحظ أن كتاب المفاهيم وكتاب واقعنا المعاصر قد أغفلا ذكر الأسماء أو المصادر التي ينسب إليها الاتهامات الواردة في الكتابين والمشار إليها في الصفحة التالية فالمؤلف يكتفي بقوله : (يقولون .. يحتجون ، تجاوزوا يطلبون ) كما يكتفي بقوله عنهم : (المرجئة المحدثون ) .

فهذا التعميم في النقد أو التجريح يمس كافة العاملين للإسلام في العالم الإسلامي من علماء الأزهر إلى علماء الجامعات الإسلامية في لسعودية وباكستان وغيرها من الأقطار كما يشمل أهل السلف الذين يتقيدون بفكر الإمام محمد بن عبد الوهاب ويشمل الإخوان المسلمين الذين يتبعون منهج الإمام [حسن البنا] بينما ذكر الأستاذ محمد قطب في رسالته المشار إليها آنفاً أنه لا يخرج عن فكر البنا رحمه الله .

أمام هذا سأشير إلى موقف أهل السنة وكذا الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام حسن البنا وذلك ليتضح مدى ميل الأستاذ محمد في فهمه عن فقه أهل السنة والجمعة ومدى التزامه بهذا الفكر .

كما سأشير بإيجاز إلى أدلة أهل السنة من القرآن والسنة النبوية دون الدخول في تفصيل الموضوعات لأن هذا قد ورد في كتاب (دعاة لا قضاة ) وكتاب (الحكم وقضية تكفير المسلم ) وفي المراجع الواردة بهما والأستاذ محمد قطب لم يناقش هذه الأدلة ولم يشر إلى هذه المراجع حتى يناقش فيها .

حقيقة فكر محمد قطب وأهل السنة

إن الفكر الذي يصفه محمد قطب بالفكر الإرجائى ويفكر المرجئة المحدثين هو في الواقع فكر أهل السنة والتزام قادة الحركة الإسلامية المعاصرة به ابتداء من الإمام محمد بن عبد الوهاب ومروراً بحسن البنا فحسن الهضيبى إنما هو التزام بمنهج أهل السنة وبإجماع الأمة .

والفكر الجانح إلى التفكير والذي يتبناه محمد قطب يطابق فكر الخوارج الذي يخالف منهج أهل السنة وهذا الأمر يعلمه جميع العلماء .

وفيما يلي بيان موجز بالاتهامات التي ينسبها إلى الآخرين قال في كتابه المفاهيم :

1- (احتجوا بأنه لم يكن يطلب من الناس للدخول في [الإسلام] إلا النطق بالشهادتين فمن نطق بالشهادتين اعتبرتموه مسلماً وأجريت عليه الأحكام الظاهرة في الحياة الدنيا وحسابه على الله في الآخرة وتلك من أكبر مزالق الفهم في شأن مقتضيات لا إله إلا الله ) .

2- إنهم لا يطلبون من المجتمعات المعاصرة سوى التصديق والإقرار بـ (لا إله إلا الله ) فهذا هو كل المطلوب .

3- إنهم تجاوزوا الجناية التي ارتكبها المرجئة القدامى الذين لم يفرطوا في الصلاة أو الاحتكام إلى الشريعة فوصفوا أي المحدثين المجتمعات التي لا تحكم بما أنزل الله بأنها مجتمعات إسلامية ووصفوا الناس بأنهم مسلمون طالما كانوا يقولون بأفواههم لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

4- يتهم الدعاة بأنهم يعطون الناس شهادات مزورة بالإسلام وبأنهم يدلونهم فقط على كيفية المحافظة على مظهرية الإسلام في الحياة الدنيا ولو كانوا مرفوضين عند ربهم .

5- يتهم العلماء كل العلماء أنهم يقولون للناس أن الواجب يسقط بالأداء أيا كانت صورة الأداء وإن لم يكن له ثواب .

6- إنهم يفرغون (لا إله إلا الله ) من توحيد الاعتقاد وتوحيد العبادة وتوحيد الحاكمية كما يفرغونها من التخلق بأخلاق ( لا إله إلا الله ) .

7- انحرفوا بمفهوم العبادة فحصروها في الشعائر التعبدية فأخرجوا منها العمل بجميع أنواعه بدءاً بالعمل السياسي المتمثل في رقابة الأمة على الحاكم وتقديم النصح له وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر .

8- أخرجوا العمل من مسمى الإيمان وتولوا بناء الجيل على مفهوم قاصر للعبادة بإخراج العمل من دائرة العبادة وكذا الأخلاق والتصور الخاطئ للقضاء والقدر والفصل بين الدنيا والآخرة .

الافتراضات والواقع المغلوط

لقد بنى الأستاذ محمد قطب فكره سالف الذكر على افتراض ذكره ولم يسنده لأي مصدر وهو :

( أن من سماهم بالمرجئة المحدثين لا يطلبون من المجتمعات المعاصرة سوى الإقرار بالشهادتين فهذا هو كل المطلوب من المسلم ( من كتابه ) وأنهم فرطوا في الصلاة والاحتكام إلى الشريعة فتجاوزوا جناية المرجئة القدامى ) .

فهذا كله وغيره ليس له أساس من الواقع وطالما أنه لم يذكر مصدراً واحداً يسند إليه أقواله فنكتفي بالإحالة إلى رسائل الإمام محمد بن عبد الوهاب ورسائل الإمام البنا فقد فصلت ما يجب على المسلم ولم يقل أحد منهما أو ممن جاء بعدهما أن كل المطلوب هو الإقرار بالشهادتين بل إن مناهج التربية الإسلامية في المدارس بجميع مراحلهما وفي جميع المجتمعات التي يعدها بعض الشباب كافرة تتطلب فرائض وواجبات لا يكتمل إيمان المسلم إلا بها ولا تكتفي بالإقرار بالتوحيد .

والواقع المر الذي يعيش في فكر الأستاذ محمد قطب وعبرت عنه كتبه وعلى الأخص المفاهيم وواقعنا المعاصر هو أن جعل فكر المرجئة هو فكر المسلمين المعاصرين وجعل فكر الخوارج الذي تبناه هو فكر أهل السنة وبالتالي فما يقول به من عدم كفاية النطق بالشهادتين للدخول في الإسلام هو قول الخوارج وإن قال هو فكر أهل السنة والغريب أنه في كتابه (واقعنا المعاصر ) ينادى بصرف جهود الدعاة إلى تعليم الناس حقيقة الإسلام وأنه تحكيم شريعة الله ودون أن يدخل في قضية الحكم على الناس وهنا يقطع مراراً بعكس ذلك تماماً .

ولهذا وقبل بيان هذه الحقائق من مصادرها نشير إلى حقيقة فكر الخوارج والمرجئة وأهل السنة وهو أمر لا يحتاج إلى هذا التدليل ولكن هذا الإصرار منه وهذه الاتهامات لأهل السنة المعاصرين اضطرتني إلى ذلك فضلاً عن أن هؤلاء الأخوة ومن ظاهرهم حصروا عملهم في الطعن على منهج أهل السنة بين شباب الدعوة ولم ينشغلوا بإصلاح الفساد أو هداية الناس بدعوى أنه ليس بعد الكفر ذنب وبالتالي فلا هم عملوا على تغيير الواقع الذي زعموا أنه هو الكفر ولا تركوا غيرهم يقوم بهذا الإصلاح وهذا جعل بعض الشباب يشيع أن هؤلاء يعملون لحساب العدو وهم بريئون من ذلك .

الخوارج والمرجئة وفكرهما

الخوارج وفكرهم

هؤلاء كانوا ضمن جيش أمير المؤمنين على بن أبى طالب وحملوه على أن يقبل التحكيم مع معاوية وقبل ذلك واختار الحكمان عزل على ومعاوية لتختار الأمة من جديد من تشاء وأعلنا ذلك الحكم فقبله على ولم ينفذه معاوية وبالتالي كانت النتيجة هي عزل الخليفة الشرعي فأصبح منصب الخلافة شاغراً أمام معاوية الذي لم يكن ينازع الإمام عليتً في شرعية خلافته بل في عدم قتله لقتلة عثمان فاعتبر الخوارج أن التحكيم كان خدعة كبرى أدى إلى كفرهم لتحكيمهم البشر وأعلنوا توبتهم عن هذا الكفر وطالبوا الإمام علياً بهذه التوبة فرفض فأعلنوا كفره ومن معه وحاربوهم لأنهم حكموا الرجال في الخلافة وهذا كفر فلا حكم إلا لله وأعلنوا كفر مرتكب الكبيرة وأدخلوا فيها الخطأ في الرأي ومنهم من يقول بكفر أصحاب الذنوب ولو كانت من الصغائر .

المرجئة وفكرهم

المرجئة جماعة كانوا يرون أن مرتكب الكبيرة ليس مؤمناً ولا كافراً ويرجئون الحكم عليه إلى الله وهذا عندما شاع الكلام عن مرتكب الكبيرة حيث قال الخوارج بكفره والمعتزلة قالوا إنه غير مؤمن ويسمى مسلما ولهذا قالوا إنه في منزلة بين المنزلتين .

الحسن البصري قال إنه منافق بينما رأى جمهور المسلمين أنه مؤمن عاص وحسابه على الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .

والسبب في ظهور هذا المذهب أن بعض الصحابة في آخر خلافة عثمان كانوا يرون اعتزال الفتن وإرجاء الحكم فيها إلى يوم القيامة .

ولكن خلف بعد هؤلاء تجاوزوا ذلك وقالوا إن الإيمان إقرار وتصديق واعتقاد ومعرفة وهذه الحقائق لا يضر معها ارتكاب المعصية فالإيمان منفصل عن العمل فلا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة في زعمهم ومنهم من تجاوز ذلك فزعم أن الإيمان اعتقاد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه وعبد الأوثان في دار الإسلام فإن مات على ذلك فهو كامل الإيمان عند الله تعالى ومن أهل الجنة في زعمهم .

مذهب أهل السنة

لقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال : ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن بالبعث )) ولقد كان السائل هو جبريل أمين الوحي كما ورد في صحيح مسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم :

((هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم )) .

ولهذا فإن أهل السنة قد اتفقوا على دخول الفرد الإسلام والحكم له بالإيمان عند النطق بالشهادتين كما يخرج من الإيمان ويحكم بردته إن أنكر مقتضى هذا الإيمان كأن أشرك مع الله غيره من الأوثان أو الأشخاص أو فضل حكم الناس على حكم الله أو أحل ما حرم الله أو حرم ما أحل الله أو اعتقد عدم صلاحية تشريع الإسلام أو استهزأ بشيء من تشريع الإسلام أو أنكر أحكام المعاملات أو الحدود أو زعم أن الإسلام هو الشعائر التعبدية فقط فأهل السنة يفرقون بين دخول المرء الإسلام وهذا يكون بالنطق بالشهادتين وبين مقتضيات هذه الشهادة وهو أركان الإسلام وفرائضه وجميع الواجبات وهذه يلتزم بها الناطق بالشهادتين فإن أنكر أيا منها فقد ارتد عن الإسلام وإن لم ينكر ذلك ولكنه تراخى في تنفيذها مع إقراره بوجوبها فهو مؤمن عاص ولا يعد كافراً ويدخل النار بهذه الذنوب ثم يدخله الله الجنة بعفوه لقول الله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .

جناية التكفير

يردد دعاة التكفير أن النطق بالشهادتين لا يكفي لدخول المرء الإسلام ثم جاء محمد قطب ووضع لذلك أدلة معكوسة في كتابه محل حوارنا ولهذا أيضاً شاهد في كتابه (واقعنا المعاصر ) وإن كرر فيه أنه لا يجوز الانشغال بالحكم على الناس ولكن الجناية التي ترتكب ضد أهل السنة هو وصف فكرهم بالمرجئة ثم وصف فكر الخوارج بأنه الإسلام الصحيح كما يكرر روادهم وهذا ما نرده بالآتي :

1- أن مضمون فكر التكفير فكر التكفير يؤدى إلى عدم إسلام مرتكب الكبيرة وقد جاء في العقيدة الطحاوية :

( والجواب : إن أهل السنة متفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر كفراً ينقل عن الملة بالكلية كما قالت الخوارج إذ لو كفر كفراً ينقل عن الملة لكان مرتداً يقتل على كل حال ولا يقبل عفو ولى القصاص ولا تجرى الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر ! وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام .

ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام ولا يدخل في الكفر ولا يستحق الخلود مع الكافرين كما قالت المعتزلة فإن قولهم باطل أيضاً إذ قد جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى } البقرة 178 إلى أن قال { فمن عفي له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف } البقرة 178 ) .

فلم يخرج القاتل من الذين آمنوا وجعله أخاً لولى القصاص والمراد أخوة الدين لا ريب ) .

وعن الفرق بين الإسلام والإيمان قال صاحب الطحاوية :

( وقد صار الناس في مسمى الإسلام على ثلاثة أقوال : فطائفة جعلت الإسلام هو الكلمة وطائفة أجابوا بما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الإسلام والإيمان حيث فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة جعلوا الإسلام مرادفاً للإيمان وجعلوا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة )) حديث متفق عليه من حديث ابن عباس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم من العقيدة الطحاوية ) .

2- وفي حاشية البنانى وجمع الجوامع أن الإيمان تصديق القلب ولا يعتبر إلا بالتلفظ وهل التلفظ شرط للإيمان أو شرط فيه قال جمهور المحقين على الأول وعليه فالمراد أنه (شرط لإجراء أحكام المؤمنين في الدنيا على القادر على التلفظ بالشهادتين من توارث ومناكحة وغيرهما وألزم القائلون بهذا القائلين بالثاني بأن من صدق بقلبه فمات قبل اتساع وقت التلفظ بالشهادتين يكون كافراً وهو خلاف الإجماع على ما نقله الإمام الرازى وغيره ويجاب بأن هذا الإلزام إنما يتم على من أطلق الشرطية دون من قيدها بالقادر وتظهر ثمرة الخلاف فيمن صدق بقلبه ولم يتلفظ بالشهادتين مع تمكنه من التلفظ بهما ومع عدم مطالبته به فإنه مؤمن عند الله على الأول دون الثاني وإن كان كافراً عندنا عليهما قاله شيخ الإسلام التفتازانى (قوله كالتلفظ بالشهادتين ) فيه إشارة إلى أن المراد بالجوارح ما يعم آلة القول ) .

ويقول ابن حجر في فتح الباري : وأما العمل في الإيمان فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح ليدخل الاعتقاد والعبادات ومراد من أدخل ذلك من تعريف الإيمان ومن نفاه إنما هو النظر إلى ما عند الله تعالى .

فالسلف قالوا : اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله ومن هنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقص .

والمرجئة قالوا : هو اعتقاد ونطق فقط (أي لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ) .

والكرامية قالوا : هو نطق فقط .

والمعتزلة قالوا : هو العمل والنطق والاعتقاد .

والفرق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته والسلف جعلوها شرطاً في كماله .

وهذا كله كما قلنا بالنظر إلى ما عند الله تعالى .

أما بالنظر إلى ما عندنا فالإيمان هو الإقرار فقط فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر إلا أن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم فإن كان العمل لا يدل على الكفر كالفسق فمن أطلق عليه الإيمان فبالنظر إلى لإقراره ومن نفي عنه الإيمان فالنظر إلى كماله ومن أطلق عليه الكفر فالنظر إلى أنه فعل الكافر ومن نفاه عنه فالنظر إلى حقيقته ) .

(انتهي ابن حجر ) .

إن مرتكب الكبيرة لا يعد كافراً كما نقلت من قبل وبالتالي فقوله إنه فعل فعل الكافر لا يعنى ردته أو خروجه عن ملة الإسلام وقد جاء في العقيدة الطحاوية : ( وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون فيها إذا ماتوا وهم موحدون وإن لم يكونوا تائبين ... وهم في مشيئة الله إن شاء غفر لهم بفضله ... ) .

ولكن إذا اقترن الذنب بتحليل ما حرم الله كمن يدعى أن لحم الخنزير ليس حراماً ومن ادعى أن الزي الإسلامي سبة للمرأة وتخلف فهذا قد قال الله عنه { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } التوبة 31 ).

وفي هذا قال سيد قطب : ( وهناك الشرك الواضح الظاهر وهو الدينونة لغير الله في شأن من شئون الحياة الدنيوية في شرع يتحاكم إليه .. والأمر في مثل هذه الشئون يتجاوز منطقة الإثم والذنب بالمخالفة حين يكون طاعة وخضوعا ودينونة لعرف اجتماعي سائد من صنع العبيد ) .

وقد حسم ذلك الحوار بين أمير المؤمنين عمر وابن مظعون وهو اقتران المعصية باستحلالها هو الكفر قال ابن تيمية : ( من اتبع في الاعتقاد باستحلال الحرام وتحريم الحلال كان كافراً ) [ الفتاوى ] .

4- يقول الإمام أحمد بن حنبل : ( الإيمان قول وعمل يزيد وينقص زيادته إذا أحسنت ونقصانه إذا أسأت ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام فإن تاب رجع إلى الإيمان ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله العظيم أو يرد فريضة من الفرائض جاحداً لها فإن تركها تهاوناً بها وكسلاً كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه ) .

5- ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( لا نكفر بمجرد الذنب فإنه ثبت بالكتاب والسنة وإجماع السلف أن الزاني غير المحصن يجلد ولا يقتل والشاب يجلد والقاذف يجلد والسارق يقطع ولو كانوا كفاراً لكانوا مرتدين ووجب قتلهم وهذا خلاف الكتاب والسنة وإجماع السلف ) .

ويقول : ( يقول علماء السلف في المقدمات الاعتقادية لا نكفر أحداً من أهل السنة بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل ) واستشهد بحديث أبى ذر المشهور وفيه قال له النبي صلى الله عليه وسلم ((أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أن من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة .

قلت : وإن زنا وإن سرق ؟ قال : وإن زنا وإن سرق )) .

ظنون وشبهات الشباب الحائر

إن ثبوت الإيمان للمرء بالنطق بالشهادتين لا يعنى عند أهل السنة قديماً أو حديثاً أن هذا هو كل المطلوب ولكن كتاب المفاهيم يقول :

(إن المرجئة المحدثين يؤكدون أن كل المطلوب في الحياة الدنيا هو النطق بالشهادتين ) هكذا يقول الأستاذ محمد قطب وهو على عادته لم يفصح عن هؤلاء الذين ينسب إليهم هذه المعتقدات والمناهج ولا يعقل أن ننقل عن جميع الكتاب ما يثبت براءتهم من هذا الاتهام ونكتفي بما ورد في بعض رسائل الإمام حسن البنا حيث ادعى الأستاذ محمد قطب في كتابه (واقعنا المعاصر) أنه لم يتضح له معنى (لا إله إلا الله ) إلا في أواخر حياته وهو ما تناولته في الفصل السابق .

يقول الإمام البنا في رسالته إلى الشباب :

1- نريد الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته وفي خلقه وعاطفته .

2- والبيت المسلم

3- والشعب المسلم

4- والحكومة المسلمة

ونحن لا نعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه .

ونعلن في وضوح وصراحة أن كل مسلم لا يؤمن بهذا المناهج ولا يعمل لتحقيقه لا حظ له في الإسلام (مجموعة الرسائل ).

والغريب أن المؤلف استشهد بهذه الرسالة في موضع ثم اتهم الجميع بالتفريط حتى يعتقد القارئ أن واقع الجماعات الإسلامية المعاصرة وفكرها هو فكر المرجئة فالنطق بالشهادتين هو كل المطلوب عندهم .

وفيما يلي الأدلة التي يستند إليها الأستاذ محمد قطب :

أولاً : دليل الإيمان عند أهل السنة

يقول : (يحتجون بحادثة الجارية التي سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لسيدها : اعتقها فإنها مؤمنة .

ويقولون لو كان المطلوب شيئاً آخر وراء النطق بالشهادتين ما أعطى رسول الله صفة الإيمان بمجرد النطق أو ما يدل عليه .

وتلك من أكبر القضايا التي أثارها المرجئة قدماؤهم ومحدثوهم ليثبتوا أن كل المطلوب في الحياة الدنيا هو النطق بالشهادتين وكل المطلوب للآخرة هو التصديق والإقرار .

ومن قديم رد العلماء عليهم استدلالهم ورفضوه وسواء أخذنا بقول الإمام الشاطبى أن قضايا الإيمان لا تنقض بالنص لأن النص أقوى دلالة منها وأوثق .. أو أخذنا بقول الإمام ابن تيمية : ( إن نطق الشهادتين كاف لإجراء الأحكام في الحياة الدنيا - والعتق من بينها - ولكنه ليس دليلاً على الإيمان ) [ الفتاوى : ج 7 . كتاب الإيمان : - 215 ]

سواء أخذنا بهذا القول أو ذاك فالقضية الأصلية ما تزال واحدة فالذي ينطق ب ( لا إله إلا الله ) يفترض فيه أنه ملتزم بمقتضيات لا إله إلا الله ... وبهذا الإيمان المفترض يأخذ صفة الإسلام .

رد هذه الشبهات :

لا يختلف أحد من أهل السنة على أن النطق بالشهادتين يدخل الشخص في الإسلام ؟؟ وهذا ليس هو كل المطلوب بل هو الحد الأدنى بلا خلاف من الماضي والحاضر .

ولكن محمد قطب ينسب لأقوام لم يحددهم وقد اندثروا أن كل المطلوب في الدنيا هو النطق بالشهادتين وفي الآخرة التصديق يقول إن العلماء قديماً ردوا عليهم استدلالهم ولم يذكر مصدراً وذكر حادث الجارية :

والجواب على هذه الشبهات هو :

1- أن أهل السنة قديماً وحديثاً لا يستدلون بحادثة الجارية فقط وسبق أن نقلت عن ابن تيمية استدلاله بحديث أبى ذر وغيره من الأحاديث .

2- أن الاستدلال بكلام الشاطبى في غير موضعه لأن حادثة الجارية لا يستدل بها على نقض نص في القرآن أو السنة بل هي تأكيد عملي لنصوص كثيرة يعلمها الناقد ونقلنا بعضها في بيان مذهب أهل السنة فلا تناقض بين النص وقضايا الأعيان .

3- أنه نسب إلى ابن تيمية أن النطق بالشهادتين ليس دليلاً على الإيمان ، وكتب في الهامش المصدر الذي استقى منه ذلك وهو مجموع الفتاوى [ كتاب الإيمان] .

وكلام ابن تيمية لا يدل على القاعدة التي أراد محمد قطب أن يقول بها وهي أن الشهادة ليست دليلاً على الإيمان فابن تيمية يقول : الإيمان الظاهر الذي تجرى به الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة وهذه قاعدة لا يختلف عليها مسلم وتشمل جميع الأعمال .

أما قول محمد قطب عن ابن تيمية بلفظ (الشهادة ليست دليلاً على الإيمان ) فهذا كلام ناقص وتكملته أن الشهادة دليل على الإيمان في الدنيا وليست دليلاً على الإيمان في الآخرة فهذا هو كلام ابن تيمية وهو يختلف عن كلام محمد قطب .

ثانيا : الصلاة والإيمان

يقول : (لقد كان المرجئة القدامى على كل ما حرفوا من مفهوم لا إله إلا الله قد وقفوا عند نقطتين اثنتين لا يتجاوزونهما في كل ما يخرجونه من العمل من مقتضى الإيمان الصلاة والتحاكم إلى شريعة الله أما المرجئة المحدثون فلم يقفوا عند حد لقد ولدوا في مجتمع لا يحكم بشريعة الله وفي مجتمع لا تؤدى فيه الصلاة ولا غيرها من العبادات ثن تناولوا الجرعة المسمومة من الفكر الإرجائى فقالوا من قال لا إله إلا الله فهو مؤمن ولو لم يعمل عملاً واحداً من أعمال الإسلام .

فتجاوزوا الحاجزين الأخيرين اللذين كان المرجئة القدامى قد وقفوا عندهما : حاجز الصلاة وحاجز الشريعة فوصفوا المجتمعات التي لا تحكم بما أنزل الله بأنها مجتمعات إسلامية ووصفوا الناس كل الناس بأنهم مسلمون ما داموا يقولون بأفواههم (لا إله إلا الله محمد رسول الله )

ثم يقول : لإنما قال الفقهاء في قوله تعالى : { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون } إنه لا يكفر إلا إذا كان مستحلاً وإن لم يكن مستحلاً فهو كفر دون كفر كفر لا يخرج عن الملة .

نعم ولكن ذلك كله لا ينصرف إلى التشريع بغير ما أنزل الله ) .

والجواب على هذه الشبهات هو بإيجاز شديد :

1- ليس صحيحاً أن من يقول بدخول المرء الإسلام بالنطق بالشهادتين يقول إن هذا هو كل المطلوب وبالتالي الفصل إسلاماً بلا تكاليف وليس أدل على أن هذا وهم في فكر شباب التكفير أن أحد منهم لم يذكر مصدراً واحداً ينسب إليه هذه الأحكام والأقوال .

كما أن فضل الله بإدخال الناطق بالشهادتين الجنة لا يعنى أنه كافر وفضل الله أدخله الجنة فالله يقول :

{ إن الله لا يغفر أن يشرك به } .

2- ليس صحيحاً أن أهل السنة لا يحكمون للشخص بالإيمان إلا إذا عمل أعمالاً تؤكد صدق إيمانه وأدنى ذلك الصلاة والتحاكم إلى الشريعة الله .

فقد نقلت مذهب أهل السنة في هذه المسألة من المصادر الخاصة بأهل السنة وليست للمرجئة .

وليس صحيحاً أن المرجئة يقولون أن الصلاة والتحاكم شرع الله من مقتضى الإيمان وبالتالي لا يحكمون للشخص بالإيمان إلا بعد ثبوت تحاكمه إلى شرع الله وثبوت إقامته للصلوات المفروضة وقد نقلت فكرهم وهو على عكس ذلك تماماً .

3- إن حكم النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج من قال لا إله إلا الله من النار لا يقصد به عدم اليأس من رحمة الله فقط بل إنه دليل على أن الأعمال ليست شرطاً في صحة الإيمان بمعنى أن المسلم لا يخرج من الإيمان لعدم عمله بل بإنكاره وجحوده وهذا ما أكده ابن تيمية حسما نقلت عنه ببند مذهب أهل السنة .

4- إنه ليس صحيحاً أنه قيل إن التشريع بغير ما أنزل الله ليس كفراً أو كفر دون كفر لأن التشريع هو بذاته استحلال ما لم يثبت الخطأ أو التأويل أو الإكراه يقول الإمام الهضيبى : ( وقد أسلفنا البيان أن التشريعات والقوانين والأنظمة تدخل في مدلول لفظ (القول ) فإذا احتوى التشريع أيا كانت صورته قانوناً أو قراراً أو لائحة على تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله أو النهي عما فرضه الله أو الأمر بما نهي الله عنه باطل لا يجوز العمل به أو اتباعه وواضعه مستحلاً مخالفاً الله ورسوله متى كان قد بلغه الحق وقامت عليه الحجة كافر مشرك بلا خلاف ) [ دعاة لا قضاة ] .

ويقول ابن تيمية : ( والصحيح أن هذه الأقوال التي يقول بها والتي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر .. لكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه ) [ مجموع الفتاوى 3/ 23. ، 7/ 619 ) .

5- أن الأستاذ سيد قطب ليس من المرجئة المحدثين ولكنه يقول : ( يكتفي هنا بالنطق بكلمة اللسان فلا دليل يناقضها فقد ذكر ذلك عن الآية 94 من السورة النساء : ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً } وفي جوابه على أسئلة صلاح نصار رئيس النيابة يقول : (الذي يميز الإخوان المسلمين أن لهم برنامجاً محدداً في تحقيق الإسلام فيكونون مقدمين في نظري على من ليس له برنامج محدد) (والتمييز من رأيي ليس تمييز شخص على شخص ولكن فقط باعتبار أن الجماعة ذات برنامج وان كل شخص فيها مرتبط بهذا البرنامج لتحقيق الإسلام وهذا وجه التمييز ) .

6- والمجتمع إذا سمع فيه آذان الصلاة أو إلقاء السلام يكون مؤمناً ولا نتوقف في الحكم عليه بالإيمان حتى يثبت ما يشترطه محمد قطب فالقرآن قد أبطل جميع الشروط وحكم في الأمر وهو ما التزم به سيد قطب رحمه الله وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يرفض حكم الوليد بن عقبة على بنى المصطلق بالكفر والردة لظنه أنهم خرجوا لقتاله وهو مبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوفد خالد بن الوليد وأمره أن يتثبت ولا يتعجل في تكفير الناس فبعث خالد إليهم رجالاً فسمعوا الآذان والصلاة وأخبروه أنهم مسلمون فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فنزل القرآن الكريم فيمن تعجل في التكفير : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } الحجرات 6 ) .

7- وأهل السنة لا يخرجون تارك الصلاة كسلاً من ملة الإسلام قال ابن قدامة : ( لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ولا منع ورثته ميراثه ولا منع هو ميراث مورثه ولا فرق بين زوجين لترك الصلاة مع أحدهما لكثرة تاركي الصلاة ولو كان كافراً لثتبت هذه الأحكام كلها ) .

8- إن الأستاذ سيد قطب لم يقطع بكفر تارك الصلاة ولم يجنح إلى تبنى أحكام شريعة لأنه يقتصر على تكريس الولاء للإسلام ونبذ الكفر وهذا ما أدركه من قرأ كتبه بعيداً عن ادعاءات من ظنوا أنهم الأمناء على فكره وتحبطوا في النقل عنه حتى قال عنهم : (ليسوا كلهم من سن واحدة ولا من ثقافة واحدة فعدد منهم عمال وعدد طلاب متفاوتو المستوى والاستعداد كما أن بعضهم أقام أياماً لقيني ساعة أو ساعتين في المجموع لذلك كله اختلفت الصور التي نقلوها لإخوانهم في سجن القناطر وبعض هذه الصور كانت مشوهة أو مبثورة وبعضها كان كلاماً كاملاً وصحيحاً ) .

ويقول الدكتور صلاح الخالدى عن منهج سيد قطب :

(أما إذا كان في الآية دلالات على أحكام فقهية أو قضايا تاريخية أو أمور تشريعية أو مسائل لغوية فإنه يشير إلى أن الخوض فيها والتعمق والتوسع في بحثها ليس من طبيعة الظلال .

ولا من أهدافه ويتجاوز هذه المباحث التي احتلت حيزاً ضخماً في بعض التفاسير السابقة إلى التركيز على ما يريده .

فعندما فسر الآيات التي فيها صلاة الخوف من سورة النساء لم يتوسع في كيفيات الصلاة التي اختلف فيها الفقهاء وإنما أشار إليها سريعة ثم وقف يبين الحكم من تشريعها وما فيها من إيحاءات في التربية والتوحيد والتعليم والإعداد للمسلمين .

وعندما تعرض لقضاء الصلاة الفائتة أشار إلى رأى الجمهور الذي يوجب القضاء وإلى رأى الظاهرية الذين لا يجيزونه ولم يدخل في تفصيلات الفروع فسيد قطب لا يخرج عن رأى أهل السنة في أن الأعمال ومنها الصلاة لا يكفر من تركها كسلا .

ثالثا : صفة الإسلام والحكم على الناس

تقوم نظرية الأستاذ محمد قطب في كتابه (واقعنا المعاصر ) على أساس عدم الحكم على الناس بالكفر فيقول :( قد كان لي موقف قديم من هذه القضية [ يرجع إلى 1965 م ] اقتنعت به بعد سنوات من التفكير الدائب فيها وما زلت مقتنعاً به إلى هذه اللحظة هو أن قضيتنا الأولى والكبرى ليست هي قضية الحكم على الناس إنما هي تعليمهم حقيقة إسلام .. أن نتصرف إلى تعليم الناس ما جهلوه من حقيقة الإسلام ) .

ويضع ضمن عدم قناعته بفكر من يقولون أن الأصل في الناس أي الذين يقولون ( لا إله إلا الله حمد رسول الله ) هو الكفر حتى يتبين غير ذلك يضع أسباباً منها أن الكتلة الكبيرة غير متميزة الصفات والتي جعلت الدعاة يختلفون بسببها قد ظهر فيها بوادر التمييز فهناك شباب انحل واتجه إلى الكفر بغير رجعة وشباب التزم الإسلام في وضوح متميز لا خفاء فيه .. وظاهرة لها دلالتها الضخمة ظاهرة الفتيات المحجبات يملأن الجامعات والمدارس ثم إن هذه الكتلة المتميعة من الجماهير لن تعارض الحكم الإسلامي حين يقوم سواء بالسلبية المستولية عليها أو بدافع العواطف الدينية التي تستولي عليها حين يذكر الإسلام ولكن في كتابه مفاهيم ينبغي أن تصحح تقوم نظريته على حكم مخالف على الرغم من أنه ذكر في مقدمته أنه كتب قبل واقعنا المعاصر بعدة سنوات .

يقول عن صفة الإسلام وهل تثبت للشخص بالنطق بالشهادتين أم لا تثبت إلا بالأعمال التي يتميز بها حتى لا يظل ضمن الكتلة المتميعة يقول:

( يحتجون كذلك بحادثة أسامة ابن زيد حين قتل رجلاً قال لا إله إلا الله بعد أن أعلاه أسامة بالسيف وأن النبي صلى الله عليه وسلم ظل يكرر عليه .. قتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ولم يقبل منه اعتذاره أن الرجل كان متعوذاً (أي من السيف / يعنى لم يكن مؤمناً ) والحجة في هذه الحادثة لا توصل إلى ما يستدلون به أن لا إله إلا الله ترفع السيف قطعاً أي تمنع قتل من نطق بها ولكن هل تعطيه صفة الإسلام ؟ هنا موضع اللبس في الاستدلال بحادثة أسامة هنا يكمن اللبس في الفهم عند المؤلف واللبس في الاستدلال فلا يفرق بين ثبوت حقيقة الإسلام وبين صفات الكمال للمؤمنين والتي فصلتها آيات كثيرة كقول الله تعالى { الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون } المؤمنون : 2 ) .

إن ثبوت صفة الإسلام تثبت وتبدأ بالنطق بالشهادتين حسبما دللت عليه سابقاً بنصوص كقول الله تعالى { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً } النساء 94 ) .

فالشخص يحكم له بالإسلام والإيمان بالنطق بالشهادتين حتى يقوم دليل على أنه ليس مسلماً بعمل أو قول يصدر عنه يخرجه عن الملة أو يكشف أنه كان منافقاً في إعلانه الإسلام وهذا ما قال به سيد قطب في حكم هذه الآية .

الخلط بين صفة الإسلام وأعمال الإسلام

يخلط أيضاً في كتاب المفاهيم بين ثبوت صفة الإسلام للمرء وبين الأعمال المفروضة عليه يقول : (احتجوا بأنه لم يكن يطلب من الناس للدخول في الإسلام إلا النطق بالشهادتين فمن نطق بالشهادتين اعتبر لتوه مسلماً وأجريت عليه الأحكام الظاهرة في الحياة الدنيا وحسابه على الله في الآخرة وتلك من أكبر مزالق الفهم في شأن مقتضيات لا إله إلا الله لأنها في ذاتها حقيقة ولكن دلالتها ليست على النحو الذي يذهبون إليه

والذي يحسم في هذا الأمر هو الردة فالمرتد ما يزال ينطق بلسانه لا إله إلا الله محمد رسول الله ولكنه أنكر شيئاً من مقتضيات لا إله إلا الله فأنكر الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الحج أو تحاكم مريداً راضياً إلى غير شريعة الله عقوبته في الحياة الدنيا هي القتل وعقوبته في الآخرة الخلود في النار ما لم يثب فهل يتصور من عدل الله سبحانه أن يأمر بقتل إنسان في الحياة الدنيا وأن يدخله النار خالداً فيها في الآخرة على أمر لم يطلبه منه ولم يلزمه به ولم يعلم به ؟ إذا أخذ بظاهر الحال الذي يستدل به المرجئة ومن لف لفهم فإنه لم يطلب من ذلك الإنسان إلا أن يقول بلسانه لا إله إلا الله محمد رسول الله لكن لا تستقيم عقوبة المرتد في الدنيا والآخرة وهو مازال ينطق بلسانه لا إله إلا الله محمد رسول الله ...

هكذا يخلط المؤلف بين دخول الإسلام وبين الارتداد عنه فمن اعتبر مرتدا لا يسلب منه صفة الإسلام إلا بعد الحكم بردته ولا تجد بين علماء المسلمين في أي عصر من قال بهذا الخلط لوضوح المسألة .

مزالق الفهم ومن هم الذين احتجوا بهذه الخرافات ؟

يكرر المؤلف في أكثر من موضع في هذا الكتاب أن من أكبر مزالق الفهم في حقيقة لا إله إلا الله ومقتضياتها أنهم يستدلون بها على أنه لم يطلب من الناطق بها إلا أن يقولها بلسانه وهذا لا يستقيم مع عقوبة المرتد فكيف يدخله الله النار خالداً فيها على أمر لم يطلبه منه ولم يلزمه به ولم يعلمه به .

هكذا يقول محمد قطب ولا ندرى ولا يعلم غيرنا ما هو المصدر الذي ينسب إليه هذه الأقوال والاستدلالات فلم يقل أحد أن الله تعالى لم يفرض الصلاة والصيام والزكاة والحج أو أن من أنكر أيا منها يظل مسلماً ويضمن له الجنة طالما ردد بلسانه لا إله إلا الله محمد رسول الله لقد نسب ذلك للمرجئة المحدثين ولم يقل من هم هؤلاء وما هو مصدر نقله عنهم لذلك نشير إلى مناهج كبرى الجماعات الإسلامية :

1- لقد نقل عن الإمام حسن البناالبنا من رسالته (إلى الشباب ) أن منهاج الإخوان المسلمين محدد المراحل واضح الخطوات .. نريد الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته وفي خلقه وعاطفته وفي عمله وتصرفه .. ونقل عنه (شروطاً ) أخرى عن البيت المسلم والشعب المسلم والحكومة المسلمة ..

ولكنه في موضع آخر يقول : إنه لم يتضح له الأمر إلا في الأيام الأخيرة من حياته (ص 430 ) وبالغ في إحسان الظن بالناس واعتبر قضية العقيدة منتهية والواجب هو إيقاظ الوجدان الديني وتحويله بالعمل إلى الحركة واقعة ( واقعنا ) .

وفي الوقت نفسه قال في صفحات أخرى عن البنا بخلاف ذلك فوصف جماعته صوفية إنما كانت حركة جهادية وأنه كان يقول لهم في وضوح لا لبس فيه رسالته بين ( الأمس واليوم ) إنهم جماعة جهادية ولا بد سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم ( من واقعنا المعاصر )

وكما أنه قال في المفاهيم : ( إن صفة الإسلام لا تثبت بالنطق بالشهادتين فقد قال عكس ذلك في واقعنا المعاصر كما نقلت عنه من قبل ).

وبهذا المنطق وضده يقول أنه لم يطلب من الناطق بالشهادتين سوى ترديدها بلسانه وهذا لا يستقيم مع عقوبة المرتد بأن أنكر الصلاة أو الصيام أو الزكاة .

وهو كما قلت لا ينسب ذلك الاتهام لأي إنسان أو جماعة أو مصدر فهل يبحث المسلم عن أقوال جميع العلماء المعاصرين وغيرهم ليعلم من هو المتهم ؟ ومن الذي يحرف دين الله ؟

2- يقول الإمام محمد بن الوهاب : العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد ويقول : الإعراض عما جاء عن الله كفر وردة فقد أورد عشر أمور هي نواقض الإسلام أو لها الشرك في عبادة الله ومنها من يفضل حكم الطواغيت على حكم الله ورسوله ومن يظاهر المشركين على المسلمين .

3- ويقول الإمام حسن الهضيبى : أن مقتضى الإيمان بالله تعالى ومقتضى شهادة لا إله إلا الله الاعتقاد الجازم أنه تعالى دون غيره صاحب الأمر المطلق ... وأنه المعبود بحق دون سواه أي المستحق الاتباع والانقياد المطلقين وإذ لو وجب بعض الانقياد والاتباع لغيره ولكان ذلك العير شريكا لله ... تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ومن مقتضاها تنفيذ أمر الله والعمل فعلاً بما أمر والانتهاء فعلاً عما نهي عنه وهذا داخل في مضمون العبادة ولازم من الاعتقاد بأن الله تعالى هو المعبود بحق وقال : إن من المعلوم من الدين بالضرورة :

(أ) شهادة ألا إله إلا الله ومحمدً رسول الله فلابد أن يعلمها الناطق بها حتى تلحقه صفة الإسلام .

(ب) الأحكام والشرائع التي وردت في القرآن والسنة ونقلت واستفاض العلم بها من المسلمين وقال : الإيمان مصطلح شرعي معناه التصديق بالقلب ولقول باللسان والعمل بالجوارح أي الامتثال للأوامر النواهي والتصديق وقد أحال على الكتاب الإيمان لابن تيمية .

تحديد المفاهيم والمواقف :

إن الإمام محمد بن عبد الوهاب يقرن العبادة بالتوحيد ويؤكد أن من فضل حكم الطواغيت على حكم الله فقد ارتد عن الإسلام .

والإمام البنا يقول ذلك والإمام الهضيبى قد فصل في المسألة باعتبار أنها كانت موضع حوار داخل السجون والمعتقلات سنة 66 وما بعدها وأكد في البحث الذي قرأه الأستاذ محمد قطب سنة 68 قبل أن يطبع في كتاب ( دعاة لا قضاة ) ( اتضح كما مر بك أن تنفيذ أوامر الله ونواهيه داخل في مضمون العبادة ومن مقتضى لا إله إلا الله محمد رسول الله ).

وقد كتب هذا قبل أن يوجد كتاب واقعنا المعاصر وكتاب المفاهيم ولكن مؤلفهما يتم جماعات وأشخاصاً لم يذكروهم أنهم فرطوا في الصلاة ولشريعة ويعطون شهادات مزورة بالإسلام ويفرغون الشهادة من توحيد الاعتقاد وتوحيد العبادة والحاكمية ومن الخلاق ومن مقتضياتها الشرعية وانحرفوا بمفهوم العبادة فأحرجوا منها العمل فإذا كان دعاة الحركة الإسلامية المعاصرة لم يرتكبوا هذه الجنايات التي وردت في الكتابين وأنه

لا خلاف على وجوب تصحيح مفاهيم الناس عن الإسلام ولزوم عودتهم إلى حقيقة الإسلام ومقتضيات الأيمان فهل ارتكب فقهاء أهل السنة هذه الجنايات ؟ وهل أصبح مذهب أهل السنة والجماعة هو المذهب الإرجائي الذي صرح المؤلف بتوجيه الاتهام إليه ؟! لأن هذا المذهب الإرجائى الذي صرح المؤلف بتوجيه الاتهام إليه ؟! لأن هذا المذهب يكسب المرء صفه الإسلام .

بالنطق بالشهادتين أم أن مذهباً جديداً قد أصبح إسلامياً أخرج الفرائض الأركان من التكاليف الشرعية .

إن كان ذلك فأين هو هذا المذهب لماذا يلبس علينا المؤلف لا يفصح عن الذين وجه إليهم هذه الاتهامات .

بل إن المدارس غير الدينية لا تجرؤ على ذلك فعلى سبيل المثال أنقل عن كتاب التربية الإسلامية بالكويت للصف الثاني المتوسط ما يأتي :

( أن الإنسان لا يدخل الجنة إلا بعد الاختبار الابتلاء في الدنيا وأن الاختبار يكون في الإيمان بالله وطاعته وتطبيق نظامه .

وخير الناس من آمن بالله سبحانه وقدم المال لأقربائه وأعطى السائل ورحم اليتيم وأقام الصلاة وآتى الزكاة ووفي بعهده وصبر على البأساء والضراء وعدل في الشهادة ووصل الرحم وأصلح بين المتخاصمين وحرم ما حرم الله وأحل ما أحل الله .. ) كما ورد في هذا الكتاب الذي يربى عليه الطلاب ( الجهاد في سبيل الله بالنفس المال واجب لإعلاء كلمة الله نشر دينه وحماية المسلمين رد الاعتداء عنهم ) .

إذا كان ذلك كذلك فأين هو هذا الواقع وهذا الفكر والمفاهيم !؟

رابعاً : الجاهلية ودار الكفر

يخلط بعض الكتاب بين الجاهلية والكفر فليست أوصاف الجاهلية كلها هي الكفر والأفراد مستثنون كما ذكر محمد قطب .

1- فتوجد جاهلية التقليد والتبرج وقد يقع فيها المسلم ولا يخرجه هذا عن الإيمان قال الله تعالى مخاطباً نساء النبي صلى الله عليه وسلم { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } . الأحزاب 33 ) .

2- ويوجد ظن الجاهلية كما يقول الله تعالى { يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية } آل عمران 154 ) .

وهذا الظن إن صدر من المنافق فهو كفر وإن كان من المسلم في فترة الضعف فلا يخرجه عن الإيمان وفي هذا قال سيد قطب هذا حال الرماة في أحد انتهي الأمر منهم إلى العصيان لضعف فريق منهم أمام إغراء الغنيمة .

3- وتوجد جاهلية الاستعلاء كقول الصحابي أبى ذر لأخيه في الإسلام : يا ابن السوداء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنك امرؤ فيك جاهلية )) .

4- وتجد جاهلية الحكم والتشريع كقول الله تعالى : { أفحكم الجاهلية يبغون } المائدة 15. ) .

وهذه الأعمال فيما عدا جاهلية التشريع ليست كلها كفر لذلك ضوابط وقواعد .

قال ابن حزم : الحكم عمل من الأعمال فإن كان الحاكم يجحد حكم الله فقد كفر حتى لو لم ينفذ الحكم بغير ما أنزل الله وإن كان منفذاً فقط للأمر المخالف أو أمر بتنفيذ الحكم على خلاف حكم الله ولكنه لم يجحد حكم الله فهو من العصاة ولا يعد مرتداً عن الإسلام .

ولهذا فالإمام ابن تيمية يحذر من الحكم بالكفر حتى تقوم الحجة الشرعية فلا نشهد على الشخص المعين بالكفر بدون هذه الحجة لفوات شرط أو ثبت مانع أ تكون عرضت له شبهة يعذره الله بها .. [ الرسائل المردانية] انظر : (الحكم وقضية تكفير المسلم ) لكن الأستاذ محمد قطب يرى أن هذه المجتمعات التي نعيش فيه جاهلية مع أنه يقول إن ذلك لا يلحق الأفراد إلا أنه ينقض ذلك في نفس السياق إذ لا تنتفي هذه الجاهلية عن الفرد حتى يحدد موقفه منها يقول : ( إننا نصف المجتمعات التي نعيش فيها اليوم بأنها مجتمعات جاهلية لأنها لا تحكم بشريعة الله .. ولكن هذا الوصف لا يلحق الأفراد الذين يعيشون في تلك المجتمعات بل كل فرد له حكمه الخاص حسب موقفه من المظلة الجاهلية التي تظلله فمن رضى بها فهو منها ومن كرهها أو أنكرها فحكمه غير حكمها ..) [ واقعنا المعاصر ] وهو يقول إن المعصية بإجماع العلماء لا تخرج الإنسان من الإسلام ويقول إنه لم يشذ عن هذا الحكم إلا الخوارج وهم فرقة خارجة عن الإسلام ) .

ولكنه يعود فيقول ما حدود المعصية في المجتمع المسلم ؟

هل يمكن أن تمتد فتشمل كل المجتمع ؟ ثم تمتد فتشمل كل عمل من أعمال الإسلام ؟ ويبقى مجتمعاً مسلماً بعد ذلك بمجرد التصديق والإقرار ) .

ثم يقول : المرجئة المحدثون ولدوا في مجتمع لا يحكم بشريعة الله وفي مجتمع لا تؤدى فيه الصلاة ولا غيرها من العبادات ثم تناولوا الجرعة المسمومة من الفكر الإرجائى .. فوصفوا المجتمعات التي لا تحكم بما أنزل الله بأنها مجتمعات إسلامية ووصفوا الناس كل الناس بأنهم مسلمون ما داموا يقولون بأفواههم لا إله إلا الله محمد رسول الله ، 1.8 ) والغريب أن مصر التي ينتسب إليها الكاتب لا ينك مجتمعها الصلاة ولا غيرها من العبادات ويحافظ عليها بل ويقاتل إذا مس أحد هذه العبادات وكذلك الحال في باقي بلاد المسلمين فمن أين أتى لكاتب بهذا الحكم ؟

إن لشعوب لا تقبل بغير ما أنزل الله وتطالب في كل منسبة بتطبيق شريعة الله وحينما يستفتى أي شعب استفتاء حرا يختار شريعة الله نظاما للحكم وهذا ما حدث في مصر في بداية حكم السدات ولهذا عدل المادة لثانية من الدستور فأصبحت (الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ) .

والأستاذ محمد قطب يؤكد أن الكتلة الثالثة المتميعة والتي لم يحكم لها بالإسلام أو الكفر لن تعارض الحكم الإسلامي حين يقوم ولن تقف عقبة في سبيله وموطن الخلاف هنا أنه يسلب صفة الإسلام عن هؤلاء حتى يعلنوا عن موقف محدد من الجاهلية بالرضا بها أو إنكارها وهذا يخالف منهج القرآن الكريم الذي نهي عن التوقف في إسلام الناطق بالشهادتين { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } .

الفصل السابع

سيد قطب بين الأصحاب والخصوم
  • تحرير النزاع والمجتمع الجاهلي .
  • براءة سيد قطب من القول بانقطاع الأمة المسلمة .
  • شعب الإيمان والافتراض الخاطئ .
  • حقائق ينبغي أن تعرف
  • طبيعة الصراع بين السلطان الجائر والشباب .

سيد قطب بين الأصحاب والخصوم

إنه قد يوصف بأنه جاهلي إذا شاعت فيه أخلاق الجاهلية وإن كان الحكم الصحيح أن يقال أنه مجتمع فيه جاهلية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبى ذر أو أن يقال أنه مجتمع كثرت فيه الجاهلية إذ يستحيل أن يحصى أحد كل أفراد المجتمع ليحكم بامتداد هذا الحكم لكل فرد منهم .

ولكن الكاتب قد جنح إلى ذلك فحكم بأن كل فرد له حكمه الخاص حسب موقعه من الجاهلية التي تظلله فمن رضى فهو منها ومن كرهها أو أنكرها فحكمه غير حكمها ولم يحدد ما مظاهر الرضا وكيف نحكم على إنسان أنه رضى بالجاهلية أم كرهها والقاعدة الأصولية أنه لا ينسب إلى ساكت قول إن المسلمين الذين لم يهاجروا إلى المجتمع الإسلامي مع قدرتهم على الهجرة التي فرضها الله تعالى عليهم لم يحكم لهم الله تعالى بهذا الحكم بل حكم لهم بالإيمان وأمر بنصرتهم في قول الله تعالى { والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق .. } الأنفال 72 ) .

ومع أنه يقول إن الخوارج فرقة خارجة عن الإسلام فقد أخذ بفكرهم على نحو ما ذكرته من قبل وهو هنا في شأن المعصية يحكم أن التصديق والإقرار بالتوحيد لا يكفي ليكون المجتمع مسلماً إذا شملت المعصية كل المجتمع

هذا حكم افتراضي ليس واقعيا فلا سبيل لمعرفة ارتكاب جميع أفراد المجتمع للمعصية إلا إذا افترض أن جميع أفراد المجتمع عصاة لأن لحكم لا يطبق شرع الله وهذا خلط من وجهين :

لأول : أن حكم الله ألا تزر وازرة وزر أخرى فالأفراد لا يؤخذون بذنب الحاكم .

الثاني : أنه بافتراض اعتبارهم عصاه فالمعصية لا تنفي صفة الإسلام عن المسلم ولا يوجد من يقول بعدم إسلام العصاة إلا الخوارج وأرض المسلمين لا يجوز أن يحكم بأنها غير إسلامية أو أن أهلها غير مسلمين لأن الحاكم يحكم بغير ما أنزل الله فهذا الحاكم لا يملك الأرض ولا يملك الناس وإن تملكهم فما تملك عقيدتهم ولا سلطان له على قلوبهم .

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم والذي ينزل عليه الوحي من الله يقول : ((إني لم أومر أن أنقب في قلوب الناس ولا أشق بطونهم )) .

قال ذلك كما روى الشيخان لخالد بن الوليد عندما أراد أن يحكم بردة من اعترض على حكم النبي صلى الله عليه وسلم في توزيع الغنائم وطلب قتله فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((لعله يكون يصلى )) فقال خالد : كم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم : ((إني لم أمر أن أنقب في قلوب الناس)).

لقد اختلف العلماء المعاصرون في المفاهيم التي وردت في الظلال والمعالم عن المجتمعات فقال الأستاذ يوسف العظم وهو ممن عايش سيد قطب وناقشه وأحبه حباً جماً قال :

(إن بلادنا التي نعيش فيها نحن المسلمين أرض إسلامية وأهلها مسلمون وهاتان حقيقتان لا سبيل إلى إنكارهما ولكن أنظمة الكفر وشرائع الطاغوت غلبت على جوانب كثير من حياتها ومناهج عدة من تربية أبنائها وسلوك الأسرة فيها ولذا لا يجوز بحال أن نعتبر بلاد المسلمين التي تسكنها الأغلبية المسلمة ويحكمها حكام لم يعلنوا كفرهم البواح أو يجاهروا به أو لم يعرف عنهم ذلك صراحة لا يجوز أن تعد مثل تلك البلاد ولو حكمت فيها بعض أنظمة الطواغيت ديار حرب أو ديار كفر بل ديار إسلام لابد من إعادتها إليه أو إعادته إليها ليعود الناس والحكام والأنظمة والعلاقات والعادات جميعاً في إطار الإسلام دون سواه .

ومن هنا يتضح لنا أن ديار الإسلام التي كانت تحكم بشريعة الله ثم وقعت في أيدي (كافرين ) أو (ظالمين ) لا يحكمون بالإسلام تبقى (ديار إسلام ) ولا يبدل تسميتها ولا صفتها ما جد عليها من تسلط وما وقعت فيه من ضلال .

ولذا أراني وفق ما سلف لست مع أستاذنا الشهيد في كتابه (المعالم ) حين عرف ديار الحرب ودار الإسلام بقوله :

( إن هناك داراً واحدة هي دار الإسلام تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة فتهين عليها شريعة الله وتقام فيها حدوده ويتولى المسلمون فيها بعضهم بعضاً وما عداها فهو دار حرب علاقة المسلم بها إما القتال وإما المهادنة على عهد وأمان ولكنها ليست دار إسلام ولا ولاء بين أهلها وبين المسلمين ) .

فاعتبر عبد الله أبو عزة : ( إن سيد قطب يقرر أن الناس في الأقطار الإسلامية جاهليون خارجون عن الإسلام وإن صلوا وصاموا حجا البيت الحرام باستثناء أعضاء التنظيم ) .

إن نفس الظن قال به باحث غير مسلم وهو المستشرق الفرنسي جيل كيبل فقال :

(إن هناك خلافاً بين الأستاذ الهضيبى وبين كل من المودودى وسيد قطب في أن الهضيبى يكتفي بالشهادتين لدخول الإسلام بينما يرى الكاتبان أن الشهادتين لا تكفيان لدخول الإسلام ) .

ولكن الباحث المدقق لا يجد خلافاً بين الثلاثة فما ورد في المعالم وفي المصطلحات الأربعة عن جاهلية الكفر لا يتعلق بدخول الإسلام بل يتعلق بارتداد المسلم وهذا سبق إيضاحه .

يرى الأستاذ الدكتور محمد عمارة في بحثه عن الصحوة أنه :( قد تجاوز سيد قطب موقع المودودى على درب تجهيل المجتمع وتكفيره ثم استمر به السير حتى صرح بما لم يصرح به المودودى فحكم بكفر الأمة لا المجتمع والدولة فقط .. وقطع في هذا الحكم قطع الواثق المستيقن بل لقد حكم بكفر هذه الأمة من قرون ) .

وسنده في ذلك أنه حكم على المجتمعات بالارتداد عن الشريعة إذ ليس على وجه الأرض مجتمع قد قرر فعلاً تحكيم شريعة الله وحدها ورفض كل شريعة سواها (المعالم) : ( فوجود الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعاً ) [المعالم ]

وينقل عنه أن الإسلام : ( يرفض الاعتراف بإسلامية هذه المجتمعات كلها وشرعيتها في اعتباره ) .

وينقل عنه ( أن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة جاهلية ليس هذا إسلامياً وليس هؤلاء مسلمين والدعوة اليوم إنما تقوم لترد هؤلاء الجاهلين إلى الإسلام ولتجعل منهم مسلمين من جديد ..) [ المعالم ] .

ويستخلص الدكتور محمد عمارة أن الناس أفراداً وجماعات غير مسلمين في مفهوم سيد قطب .

تحرير النزاع والمجتمع الجاهلي

إن الأستاذ سيد قطب كان من رأيه أن حكم العسكر في مصر يمكن أن يقوم بدور الدكتاتور العادل ولهذا لم تتضمن الطبعات الأولى للظلال هذه المفاهيم التي أثارت هذه الخلافات وبعد أن تبنى هذا الحكم نظام العلمانية وسخر أجهزة الدولة بل والقطاعات كلها لهذه الجاهلية تولى الأستاذ سيد قطب توجيه الأنظار في كتبه إلى هذا الخطر وانصب ذلك على الفكر الجديد وأجهزته ولم ينصب على الشعب المستضعف وهذا ما أدركه المستشرق كيبل بقوله : (الدولة الاستبدادية هي التي تعطى نموذجاً للجاهلية فالجاهلية في نظر سيد قطب عبارة عن مجتمع يحكمه أمير فاسق يريد أن يعبده الناس من دون الله يحكم وفقاً لأهوائه وشهواته بدلاً من أن يعمل بمبادئ الكتاب والسنة ( وعندما ازدانت الدولة بالاشتراكية العربية اقتضت أن تسكت كل الأصوات بالبغي والسجن والإعلام ) .

وفي هذا يقول سيد قطب عن المجتمعات : (بعضها يعلن صراحة علمانية ((أي اللادينية )) وعدم علاقته بالدين أصلاً وبعضها يعلن أنه يحترم الدين ولكنه يخرج الدين من نظامه الاجتماعي أصلاً ويقول أنه ينكر الغيب ويقيم نظامه على العلمية وبعضها يجعل الحاكمية الفعلية لغير الله ويشرع ما يشاء ثم يقول عما يشرعه من عند نفسه : هذه شريعة الله ) [ الظلال : ج 7 آية { وعنده مفاتح الغيب } .. كما يقول :

( لقد حاول اليهود بمساعدة الحمير الذين يستخدمونهم من الصليبيين أن ينشروا موجة من الإلحاد في نفوس الأمم التي تعلن الإسلام عقيدة لها وديناً ومع أن الإسلام كان قد بهت وذبل في هذه النفوس فإن الموجة التي أطلقوها عن طريق (البطل )) أتاتورك في تركيا ..

انحسرت على الرغم من كل ما بذلوه لها وللبطل من التمجيد والمساعدة وعلى كل ما ألفوه من الكتب عن البطل والتجربة الرائدة التي قام بها .. ومن ثم استداروا في التجارب الجديدة يستفيدون من تجربة أتاتورك ألا يرفعوا على التجارب الرائدة راية الإلحاد إنما يرفعون عليها راية الإسلام كي لا تصطدم بالفطرة كما صدمتها تجربة أتاتورك ثم يجعلون تحت هذه الراية ما يريدون من المستنقعات والقاذورات والانحلال الخلقي ومن أجهزة التدمير للخامة البشرية بحملتها في الرقعة الإسلامية ) .

فالأستاذ سيد قطب لا يتعرض للأفراد المسلمين في توجيهاته وإيحاءاته ولا يعنى بجاهلية المجتمع أراده بل نظمه وتشريعاته وقيمه ومصادر المعرفة والقيم في الدولة فليس صحيحا أنه يحكم بأن الناس أفرادا وجماعات ليسوا مسلمين ، فهو يطلق كلمة المجتمع ويعنى بها نظام الحكم فجاهلية المجتمع عنده هي جاهلية النظام في مناهجه وتشريعاته وقيمه العلمانية ولكن المصطلحات الحديثة تعنى بالمجتمع الأفراد والعائلات ومن هنا كانت الشبهات في فهم أقوال سيد قطب وهو برئ من تكفير الأفراد والأمة كما سترى .

براءة سيد قطب

إن سيد قطب وهو يواجه هذا الواقع وقوله عن انقطاع الأمة المسلمة سبقه تعليل هو قوله : (الأمة المسلمة جماعة من البشر تنبث حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعاً ) [ مقدمة المعالم ] .

ويؤكد أن هذا الحكم خاص بالأنظمة ولا يلحق الشعوب فيقول : (الأمة المسلمة هي التي تحكم في كل جانب من جوانب حياتها الفردية والعامة والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بشريعة الله ومنهجه وهي بهذا الوصف غير قائمة وإن كان هذا لا يمنع من وجود الأفراد المسلمين لأنه فيما يختص بالفرد يكون الاحتكام إلى عقيدته وخلقه وفيما يختص بالأمة الاحتكام إلى نظام حياتها كلها ).

لقد فهم المستشرق الفرنسي جيل كيبل المقصود بالمجتمع الجاهلي عند سيد قطب وفهم الهدف من كتابه معالم في الطريق فنقل في كتابه النبي وفرعون قول سيد قطب (المجتمع الجاهلي هو المجتمع الذي لا يطبق فيه الإسلام ولا تحكمه عقيدته وتصوراته وقيمه وموازينه ونظامه وشرائعه وخلقه وسلوكه ) (على رأس القائمة المجتمعات الشيوعية والمجتمعات الوثنية ومن بعدها المجتمعات اليهودية والمسيحية وأخيراً المجتمع الذي لا ينكر وجود الله تعالى ولكنه يجعل له ملكوت السموات ويعزله عن ملكوت الأرض يبيح للناس أن يعبدوا الله في المساجد والبيوت ولكنه يحرم عليهم أن يطالبوا بتحكيم شريعة الله في حياتهم وهو بذلك ينكر أو يعطل ألوهية الله في الأرض ) .

ثم قال المستشرق : ( إن إعدام سيد قطب المبكر وضع مفاهيمه وأفكاره في متناول الشعب بكل ما احتملته من مضامين غير واضحة أيضاً وأدى ذلك إلى وقوع سلاح التكفير بين أتباع مذاهب لا يمكن السيطرة عليها ).

ويتضح من ذلك أن الأستاذ سيد قطب إنما يصف بالحصر تلك المجتمعات التي يتبنى نظام الحكم فيها المناهج اللادينية المناهضة للإسلام .

ويحمل الشعب على هذه العقيدة الفاسدة ولهذا فالحكم على المجتمع إنما يراد به الحكم على هذه المناهج وعلى الأنظمة التي تفرضها وليس حكماً على الشعب ..

أما قضية دار الكفر ودار الإسلام فإن الوصف يلحق نظام الحكم ولا يلحق الشعب ويختلف الوصف بالكفر أو الإسلام باختلاف العلة التي استند إليها الفقيه في هذه التسمية فعلى سبيل المثال :

1- قد تكون علة التسمية هي نوع الحكم والتشريع وبهذا قال محمد بن الحسن وأبو يوسف صاحبا أبى حنيفة حيث يريا أن تفقد الدولة صفتها الإسلامية بظهور أحكام الكفر فيها وهذا ما أفتت به لجنة الأزهر الشريف جواباً على سؤال عن الحكم الذي خلف الخلافة الإسلامية التركية فقالت الفتوى : ( دار الإسلام هي التي تجرى فيها أحكام الشريعة وتعتبر بالنسبة لسائر المسلمين بلداً واحداً ويرى أبو حنيفة أن دار الإسلام لا تصبح دار كفر إلا إذا سادت فيها ولا ذمي آمن على نفسه فيها .

2- ويرى ابن تيمية أن الأرض التي سكنها المسلمون هي دار إسلام أما الأرض التي زال عنها الحكم الإسلامي وأهلها مسلمون فهي قسم ثالث ليست بمنزلة دار الإسلام ولا بمنزلة دار الكفر فيعامل المسلم فيها بما يستحثه ويقاتل الخرج على شريعة الإسلام بما يستحقه .

شعب الإيمان والافتراض الخاطئ

إن كل عالم من علماء المسلين بل والباحثين غير المسلمين يعلم أن النطق بالشهادتين أي الإقرار والتصديق بالإيمان هو الحد الأدنى للإيمان وأن من مقتضى الإيمان العمل بالفرائض والأركان والجهاد في سبيل الله ولكن الأستاذ محمد قطب يفترض شيئاً لا وجود له ثم يبنى على ذلك أحكاماً فيقول : ( يتوهم كثير من الناس أن لا إله إلا الله كانت مطلوبة بكل مقتضياتها ومؤثرة في ذلك الجيل الفريد بكل آثارها لأنهم كانوا قبل ذلك مشركين ! وأنهم لو كانوا غير هذا الوضع لكان كل المطلوب منهم هو التصديق والإقرار ! وتلك هي الجناية الكبرى التي جناها الفكر الإرجائى على الأمة الإسلامية والتي ظلت مع عوامل أخرى تفرغ لا إله إلا الله من محتواها الحقيقي تدريجياً حتى أحالتها في النهاية كلمة خاوية الروح .

ثم يؤكد فكره بأن المؤمنين في المدينة قد تناولت سورة البقرة موضوعات متعددة بدأ بها تنظيم حياتهم في المجتمع الجديد بعد قيام الدولة فبدأت السورة بوصفهم في قول الله : { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون } البقرة : 1- 5 ) .

ثم يتساءل ماذا يقال لأولئك المؤمنين المتقين المفلحين الذين لم يستوفوا شرط التصديق والإقرار فقط .. هل يقال لهم يكفيكم ! أحرزتم المطلوب كله وضمنتم الجنة .. أم يقال لهم إن الله فرض عليكم وفرض عليكم .

على سبيل الوجوب لا على سبيل التخيير ! .

( ويقال لهم لكي يعلموا يقيناً أن حقيقة الإيمان لا تحقق بالتصديق والإقرار وحده ولكن بأعمال معينة دالة على الإيمان في قول الله :{ ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون } البقرة : 177 ) .

ونجد نفس هذه الافتراضات أيضا في كتابه واقعنا المعاصر فيقول : ( نحيت الشريعة عن الحكم أولاً وقيل للناس لا بأس عليكم ما دمتم تصلون وتصومون فأنتم مسلمون ثم نحيت الصلاة والعبادات عامة وقيل للناس لا بأس عليكم ما دمتم تقولون لا إله إلا الله فأنتم مسلمون .

ونزعت لا إله إلا الله من محتواها ... وجاءت حركة الإمام الشهيد ((حسن البنا )) والأمة على هذا النحو إلا من رحم ربك وقام بتصحيح جانب من العطب الذي أصاب لا إله إلا الله الذي كانت قد أفسدته االصوفية والفكر الإرجائى ودعا إلى تحكيم شرع الله ... فوجد استجابة الجماهير من حوله فاطمأن إلى هذا الظاهر ولم يول الأمر في مبدأ الأمر من العناية ما أثبتت التجربة فيما بعد أن الأمر كان في حاجة شديدة إليه .. لقد قتل حسن البنا .. ثم جاء البطل السفاح فأقام للمسلمين مذبحة من أبشع مذابح التاريخ ... ومر الحادث بكثير من القلوب كأن لم يمسها على الإطلاق بل صفقت كثير من الأيدي للسفاح ولو كان الناس يعلمون حقيقة لا إله إلا الله وارتباطها الوثيق بتحكيم شرع الله .. أكانوا يقفون هذا الموقف المنكر الغريب ؟ لا يمكن ذلك بحال ) .

إن هذا الافتراض غير صحيح لأن سكوت الشعب لا يرجع إلى عدم الاهتمام بتحكيم شرع الله فإن الشعب كله كان يسمع باستمرار نداء الإخوان :

الله غايتنا والقرآن دستورنا ولكن الخوف والإرهاب هو الذي أسكت الكثيرين منهم .

حقائق ينبغي أن تعرف

إنه ليحزنني أن أكرر أن هذه الوقائع وكذا النتائج المترتبة عليها قد بنيت على تصورات غير صحيحة كان يرددها أفراد من المعتقلين بتهمة التشيع للإسلام الحركي .

1- كانوا يرددون الآية 177 من سورة البقرة والتي استشهد بها المؤلف مع غيرها للتدليل على كفر المسلمين المعاصرين حيث أن هذه الصفات غير متوفرة فيهم وقد تناسوا أن كمال الإيمان وشعب الإيمان شئ وأسباب الارتداد عن الإسلام شئ آخر فإذا لم يلتزم المسلم بكثير من أعمال الإسلام يعد فاسقا ويقام عليه الحد فيما ارتكبه ولكن لا يخرج عن ملة الإسلام بهذا بل باستحلال الحرام .

2- لا يوجد أي دليل أو شبة دليل على تنحية الحاكم في مصر أو الشعب للعبادات قبل حركة البنا وبعدها وإذا توهم أحد أن أترك بعض المسلمين للصلاة يعد تنحية لها من الأمة كلها قلا يقال أنه قد قيل لهؤلاء العصاة لا بأس عليكم فالتصديق والإقرار يكفي فلو حديث هذه التنحية لما سكت العلماء إلا في بعض الأنظمة التي تمارس التصفية الجسدية .

3- والخطأ الأكبر والذي كان يرده رواد التكفير في السجون والمعتقلات قولهم إنه لو قبل للمسلمين إن إسلامكم لا يصح ولا يقبل حتى تنضموا إلى حركة الإسلامية ليتضح أنكم تطالبون بتحكيم شريعة الله لو قيل ذلك لما سكتوا عن قتل حسن البنا وسيد قطب وغيرهما ولتحركت الجماهير وأبطلت هذه المؤامرات .

لقد قالوا ذلك وبشروا به سراً وعلانية منذ سنة 1965م واستمر ذلك حتى اليوم أي اكثر من الفتوة التي عاشها حسن البنا ولم يتحقق الذي بشرونا به بل منهم من انضم إلى الطاغوت دون عذر لآن ذلك كان في فترات الرخاء وليس تحت سياط التعذيب وحجتهم أن ذلك لصالح جماعتهم.

4- كيف يتحقق جدلاً ما بشروا به وهو أن يتحرك الناس معهم وهم لا يتوجهون إليهم بكلمة معروف أو نهي عن المنكر وعلتهم في ذلك أن هؤلاء كفار وليس بعد الكفر ذنب وقد رأينا الواحد من شباب هذا الكفر تزوره أخت له متبرجة ولا يحدثها في شئ إلا أمورهم العائلية ولما سئل رد بهذه الإجابة فهم بهذا عطلوا أحكام الإسلام ثم يصفون من لم يكفر المسلمين بالضلال والمرجئة المحدثين يصفونه بالوصاف الواردة في الكتابين ولا يسلمون بصحة الجهاد في فلسطين وفي القنال وهم يشيدون بالجهاد الأفغاني وحجتهم أن الأخير تحت راية الإسلامية والأول والثاني كان تحت راية جاهلية وذلك على الرغم من أنه كان للإخوان كتائب مستقلة لا تخضع لقيادة الحكومات وتقيم الشعائر التعبدية بل حدود والتعازير .

ولقد كانوا يواجهون هذه الاتهامات بل ألعن منها إلى إخوانهم الذين يشاركون المحنة لا لشيء إلا أنهم امتنعوا عن تكفير الأهل والأقارب .

5- ليس صحيحاً أن الإمام البنا لم يهتم بأمر العقيدة إلا في آخر حياته وأن التجربة أثبتت أنه لو فعل ذلك ما حدث هذا الموقف السلبي من الجماهير ما لم يكن المطلوب منه تكفير المسلم لذلك لم يكن من منهجه ، وسكوت الناس ليس دليلاً على كرههم أو عدم وضوح العقيدة معهم فالحكم له أساليبه وسلطانه وجبروته التي تؤثر على الشعب بالتضليل أو التهديد أو الإكراه وفي العصر الأموي القريب جداً من عصر النبوة كان شعار الكثيرين أحب الحسين ولكن لساني عليه وقلبي معه .

6- إذا كان حال المسلمين والعلماء قبل حركة البنا وكذا خلال حركته هو ما ذكرت من قبل فهل أصبح حالهم بعد ذلك هو الرضا بحكم الطاغوت ؟

يقول الإمام الهضيبى : (الطاغوت قد يكون الوثن أو الصنم أو الشخص وقد يكون ذات الشريعة الزائدة عن حد الله تعالى والنصوص صريحة في أمرها أن نكفر بالطاغوت وأن نتجنبه ) .

( إن الله أمرنا بعدم اتباع الطاغوت سواء أكان الاتباع بالمعنى الشرعي أي الانقياد المطلق أم بالمعنى اللغوي أي مجرد العمل بالأمر ولو مع اعتقاد بطلانه ذلك أن الله تعالى لم يأمرنا قط بمعصية أما القول أن من اتبع الطاغوت فقد كفر فتلك جملة تحتاج إلى تفسير وإيضاح سبق ذكرهما وقلنا إنه كان الاتباع بمعنى الانقياد المطلق ووجوب الطاعة من دون الله إن المتبع بهذا المعنى يكون كاراً بلا جدال وأما إذا كان الاتباع بالعمل دون الاعتقاد بضرورة الانقياد المطلق أي مع إقرار بأن العمل معصية وعصيان لأمر الله فإن الأمر على خلاف ذلك لا بغيره فإن المتبع أو المطيع بهذا المعنى عاص وليس بكافر إلا ما ورد فيه النص بأن عاملة (فاعله ) ينتفي عنه اسم الإيمان بمجرد العمل ) .

والخلاصة : إنه يتضح من كل ما ذكر في الفصلين السابقين أن المسلمين في عصرنا أو على الأخص العلماء ورجال الحركة الإسلامية يدعون إلى توحيد الله تعالى بمقتضياته من توحيد الاعتقاد وتوحيد العبادة وتوحيد الحاكمية والتخلق بأخلاق الإسلام وقيمه وليس صحيحاً أن الفكر المعاصر يجردها من شئ من ذلك ما لم يكن فكر الملاحدة الذين يلبسون مسوح الرهبان أمثال الدكتور محمد خلف الله وهؤلاء لا يحسبون على المسلمين وهذا ما أعلنه شيخ الأزهر في صحيفة الأهرام حيث ذكر أن ما كتبوه باسم القرآن لا يقول به مسلم وأخيراً هل تعد هذه الاجتهادات التي كان بعضها سنه 1948 ،كالدفاع عن شعب فلسطين هي الخطر على الإسلام حتى يحتاج إلى إشغال الأمة بهذه الخلافات.

إن هناك أسباباً داخلية في قلب الحركة الإسلامية ولدى بعض الأفراد تجعلهم ينابزون بعضهم بعضاً في أمور يظن بعضهم أنها من أصول العقيدة ولذلك لا وجه للتعاون أو التفاهم مع من خالف رأيهم في هذه الأمور .

ولقد أدرك حسن البنا حقيقة هذا المرض فطلب من الجميع أن يتعاونوا فيما اتفقوا عليه وأن يعذر بعضهم بعضاً فيما اختلفوا فيه وحتى يقطع دابر الشيطان فيما يزينه للناس في هذا الشأن حدد أصولاً تنظم هذه الأمور وهي المسماة بالأصول العشرين وقد أورد في الأصل الثامن أن الخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سبباً في التفرقة في الدين ولا يؤدى إلى الخصومة والبغضاء ولكل مجتهد أجره ولا مانع من التحقيق العلمي النزيه في مسائل الخلاف في ظل الحب في الله والتعاون على الوصول إلى الحقيقة بغير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم

أو التعصب ولكن هذه الأصول قد غفل عنها بعض الكتب فظن نفر منهم أن رأيه هو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال فذهب يجرح في أعمال غيره وهو يعلم أن أعداء الإسلام والجاهلية المعاصرة والتي يعلن أنه ينابزها العداء هؤلاء يمهدون الطريق بالوسائل المختلفة لتزيين الفرقة والخلاف بين المسلمين فالمنابزون لغيرهم يحققون أهداف الجاهلية وما أسعد أعداء الله حينما يرون المسلمين يلعن بعضهم بعضاً وينشغلون بذلك عنهم .

ولقد نشرت الصحف البريطانية أن السلطات في بعض الأنظمة العربية متلهفة لاستغلال الانقسام بين الجماعات الإسلامية وبين جماعة أقدم هي جماعة الإخوان المسلمين .

إن المعسكر الشيوعي لا يخفي عداوته للإسلام والمسلمين وما يفعلونه في أفغانستان لا يجهله أو ينكره إلا من تجرد من الإنسانية ففضلا عن إبادة المدن والقرى فإن الروس لم يكتفوا بغلق المدارس الألمانية والفرنسية في كابول لعدم التزامها بتدريس الماركسية بل نقلوا الطلاب إلى الاتحاد السوفيتي لتلقى المبادئ الشيوعية لفترة لا تقل عن عشر سنوات لضمان تغير عقيدتهم ليصبحوا الرواد للماركسية في بلادهم عملا بنظرية لينين : ( من يملك الشباب يملك المستقبل ) .

أما المعسكر الغربي فقد هيمنت عليه أمريكا التي تحركها الصهيونية العالمية واتفق المعسكران على تقسيم تركة الأموات وهم المسلمون وباقي ما يسمى بالعالم الثالث .

والتخطيط الأمريكي ضد الإسلام والمسلمين يظهره ما نشر تحت العنوان التالي :

المخابرات الأمريكية تراقب الإسلام والمسلمين

تحت هذا العنوان نشرت جريدة الوطن ما نصه :

العلاقة بين أمريكا ودول ما تسميها منطقة الشرق الأوسط وخصوصا دول العالم الإسلامي علاقة طبيعتها معروفة منذ ورثت الولايات المتحدة الأمريكية السياسية الاستعمارية عن حليفاتها الأوروبيات عبر أجهزتها الأمريكية مع الأجهزة الأوروبية التقليدية ودولة الكيان الصهيوني المهام الاستعمارية .

وهذا الكتاب الذي نعرضه (أمريكا والعالم الإسلامي ) لمؤلفه فيكتور مايلز والصادر عن مطبوعا أوروبا والعرب حديثا يلقى أضواء قوية على الممارسات المشبوهة للأجهزة الأمريكية الصهيونية الأوروبية في عالمنا الإسلامي .

في فصله الأول يتحدث الكتاب عن أهم مظاهر عداء الولايات المتحدة الأمريكية للإسلام والتي تتبلور ب :

- رؤية البيت الأبيض الأمريكي للدين الإسلامي والحضارة الإسلامية على أنهما يشكلان عقبة كأداء في وجه التطلعات الأمريكية للسيطرة على العالم .

- المراقبة الدائمة والدقيقة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للتفاعلات الإسلامية ولمختلف الاتجاهات الدينية والسياسية في العالم الإسلامي وفي هذا الصدد أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية مركزا خاصا لدراسة وتقييم المسائل المتعلقة بالبحث الإسلامي تحت رئاسة بريجنسكى مهمته وضع التقارير عن التحركات الإسلامية في العالم .

-تعاقدت المخابرات المركزية الأمريكية مع عدد من كبار الأساتذة في جامعة هارفارد للقيام بدراسات تتعلق بالمسائل الداخلية للدول الإسلامية في ما تسميه الشرق الأوسط .

- إصدار الأوامر إلى عملاء المخابرات الأمريكية في الخارج للقيام بأعمال ضد المنظمات الإسلامية والزعماء المسلمين غير المرغوب فيهم مثلما حدث في عام 81 عندما خططت وكالة المخابرات الأمريكية لانقلاب في اليمن الشمالي للتخلص من الرئيس على عبد صالح لرفضه الموافقة على طلب أمريكي بإقامة قواعد عسكرية أمريكية في اليمن الشمالي أو كما تزكى أمريكيا نار الحروب الإقليمية بإثارة مجموعة من الدول الإسلامية ضد أخرى بحيث يموت المسلمون بأيدي المسلمين وتتصاعد العدوات وتتصارع المفاهيم .

- تتعاون (السى . اى . ايه )) وكالة المخابرات الأمريكية مع الموساد طبقا لمذكرة التفاهم على التعاون الإستراتيجي الموقعة عام 81 وتزود ((السى . اى . ايه )) الموساد بمعلومات عن كل دول الشرق الأوسط ومختل الأحزاب والمنظمات الإسلامية في المنطقة .

- تعمل ( السي . آى . إيه ) والموساد على منع إيجاد حل للقضية اللبنانية والسعي إلى تقسيم لبنان إلى كانتونات عبر تصعيد العداء بين الطوائف الإسلامية والمسيحية ومختلف الأحزاب السياسية .

- تحت ستار محاربة الإرهاب شكلت المخابرات الأمريكية والموساد غير المرغوب فيهم وقتل الكتاب والأدباء الذين تشكل كتاباتهم ومواقفهم تهديدا للخطط المشبوهة .

- تعمد المستشرقون الأمريكيون المتخصصون في أمور الإسلام وسياسة الدول الإسلامية إلى تقسيم الإسلام إلى طوائف تحت عناوين ((الإسلام المعارضة )) .

((الإسلام الحديث )) ((المسلمون الشيعة )) ((المسلمون الأصوليون )) .. الخ .. ويذم هؤلاء أي مسلم يطالب بالعدالة ولإنهاء الاستعمار التقليدي أو الجديد .

الأجهزة السرية :

أما الفصل الثاني من الكتاب فيتناول بالتحليل والتاريخ شبكة التجسس الضخمة الموجهة ضد الإسلام والعالم الإسلامي فيقول الكتاب ((فيكتور مايلز )) :

أنه في عام 47 أسس هارى ترومان ( السي . آى . إيه ) التي استخدمت وسائل القتل والانقلابات وكان من أشهرها الإطاحة بنظام محمد مصدق في إيران لأنه أمم شركة النفط البريطانية وتعامل مع الحزب الشيوعي الإيراني .

ويقول الكاتب أنه إذا كانت الإدارة الأمريكية في الماضي قد عمدت إلى تشكيل سلسلة من الأحلاف العسكرية المعروفة مثل حلف بغداد والحلف المركزي فإن ريجان قد عمد إلى تكثيف التواجد الأمريكي في المنطقة بإقامة الكثير من القواعد العسكرية وممارسة كافة أنواع الضغوط العسكرية والاقتصادية ضد القوى التي ترفض الاستسلام لسياسة أمريكا .

وعلى التوازي يسير الكاتب في الدول الأوروبية ليؤرخ لإنشاء أجهزة المخابرات الأوروبية مثل ((السفارة )) وكالة المخابرات الإيطالية التي عملت ( السي . آى . إيه ) على إنشائها والتنسيق معها والـ (( بي . إن . دي )) وكالة المخابرات الألمانية و ((الديسك )) وكالة المخابرات الفرنسية وكان لكل من هذه الأجهزة طابعها الأطلسي الذي ربطه بالولايات المتحدة الأمريكية ومنعه من أن يكون وطنياً أو قومياً

وتطرق الكاتب لذكر أمثله من تعاون المخابرات الأمريكية والموساد وأجهزة الاستخبارات الغربية مثل : - التنسيق بين المخابرات الأمريكية والموساد لدعم حركة الملا مصطفي البارزانى في شمال العراق إبان ثورة 14 يوليو 1958 .

- مساعدة عناصر من ((الديسك )) الاستخبارات الفرنسية للموساد في عملية سرقة الزوارق الحربية من ميناء شربورج عام 1969 وكذلك التعاون بينهما لضرب المفاعل النووي العراقي .

-اغتيال ممثلي المنظمة في باريس لم يكن ممكنا بدون تواطؤ المخابرات الفرنسية مع الموساد .

- تعاون ( السي . آى . إيه ) والموساد في أفريقيا .

-التعاون بين المخابرات الألمانية الغربية والموساد الفلسطينيين وخصوصا بعد عملية ميونيخ الشهيرة في عام 69 وأضح الكاتب أسباب ضعف ( السي . آى . إيه ) بعد فضيحة ووترجيت وانكشاف الكثير من فضائحها وجرائمها وفشلها في التنبؤ بالثورة الإيرانية أو حرب أكتوبر مما أدى إلى تقليص دورها ولكن إدارة ريجان جددت دماء ( السي . آى . إيه ) أو بمعنى أصح وسعت من نطاق صلاحياتها والقيام بأعمالها بدون الحاجة إلى موافقة الكونجرس وزاد ريجان من موازنة ( السي . آى . إيه ) كثيرة لها موارد خارجية .

طبيعة الصراع بين السلطان الجائر والشباب

إن الصدام المتكرر بين السلطة في كثير من المجتمعات الإسلامية وبين شباب الحركة الإسلامية له أسباب لدى الفريقين .

فأصحاب السلطة يظنون أن من يطالب بتطبيق شريعة الله إنما يريد أن يسلب الحكم من الحكام ليحل محلهم متجاهلين أنه لا يوجد في الإسلام ما يسمى بالحكومة الدينية والتي تجعل الحكم بيد طبقة تسمى رجال الدين وإنما يوجد في الإسلام تشريع إسلامي يحكم به من تختاره الأمة ليكون أميرا عليها .

ويعتقد الشباب أن أصحاب السلطان إنما يرفضون شريعة الله إما كفرا بها وبالتالي فقدوا أهم شرط لتوليهم السلطة على المسلمين وإما لفسقهم وبالتالي يصرون على إباحة الفواحش وأكل أموال الناس بالباطل وشريعة الله إن طبقت سيكونون أول من يضار منها .

ولهذا يلجأ أصحاب السلطان الباطل إلى تزييف المبدأ الكنسي ( دع ما لقيصر وما لله لله ) فيطبقون نظرية فصل الدين عن الدولة تطبيقا خاطئا فهم ينكرون على الدين أن يصلح أنظمتهم أو أن يصلح المجتمعات بتشريعاته مع أنهم يعلنون اختيارهم الديمقراطية نظاما للحكم وهي تجعل الغلبة والحكم لرأى أغلبية الشعب .

كما ينكرون على المسلم أن يمارس حقوق المواطن السياسية على أساس من عقيد ته بدعوى فصل الدين عن الدولة وهذه هي الأخرى لا تتفق مع كون الشعب هو صاحب السلطة في النظام الديمقراطي والذي يقولون إنه منهاجهم في الحكم .

يقول المفكر القومي الدكتور عصمت سيق الدولة :

( لما كان مصدر مشروعية أي نظام هو القبول العام وكان أغلب الشعب العربي مسلمين فإن قبولهم نظام العلمانية لا يتحقق بدون إكراه إلا بالإبقاء على الإسلام دينا لله واستعباده نظاما للحياة في الوطن الذي هو للجميع لتخلو الحياة العربية لنظام لا يتفق في أكثر من وجه مع الإسلام نظاما وهذا هو النفاق طبقا لمعايير الصدق والكذب في مخاطبة شعب عربي مسلم ) .

ويقول في موضع آخر : ( وإن من المنافقين من أبناء أمتنا العربية من يناهضون الإسلام بالعروبة ..

وإنهم لمنافقون لأنهم إذ يصدقون في الإخبار عن غيرهم حينما يشهدون جهارا أن الشعب العربي شعب مسلم يبغون مرضاته ربما يخفون مواقفهم من الإسلام تحت ستار من الشعارات والآراء والأفكار التي تنتهي جميعا إلى استبعاد الإسلام من حياة الشعب العربي حتى لو بقى مناسك وعبادات )

ويحلل المحامى الكبير الأستاذ الدكتور محمد عصفور حقيقة الصراع بين السلطة والجماعات الإسلامية فيقول في جريدة الوفد يوم 2./ 1/ 14.9 ( 1/ 9/ 1988 ) :

(إن دعاة التفرقة وتمزيق الوحدة الوطنية يركزون على بعض الحماقات التي يرتكبها أفراد ينتمون إلى بعض الجماعات الدينية المتطرفة لكي يسقطوا هذه التصرفات المنكرة على الدين نفسه وعلى الحركات السياسية التي تدعو إلى الإسلام السياسي .. والخطيئة الكبرى التي يرتكبها النظام هي هذا العنف في مقاومة التطرف .. وفي الجانب الآخر يتخذ النظام موقفا معاديا من الجماعات الإسلامية التي لا تدعو إلى العنف وإنما تطلب المشاركة الديمقراطية في الحياة العامة .. إن نظم الحكم الدكتاتورية ((علمانية وعسكرية )) تنكر أن يكون للدين استقلاله فهي لا تسمح بالوجود الديني إلا حيث يكون الدين مجرد أداة من أدوات الحكم وهي تحرص على استغلال الدين وتوظيفه وتسخيره لحماية نفسها وتبرير سياستها ) . أما الأستاذ مصطفي شردي رئيس تحرير جريدة الوفد وعضو مجلس الشعب بمصر فيقول في ذات العدد من الجريدة :

نطالب بتقوية الاعتدال داخل الجماعات الإسلامية من خلال التوقف عن تعذيب شباب تلك الجماعات في السجون وأيضا عدم المبادرة بالاستفزاز والعدوان حتى لا تتراكم مشاعر العداء بين أجهزة الأمن والجماعات الإسلامية

ولكن الذي حدث كان غير ذلك تماما فقد تطرفت أجهزة الأمن في التعامل العنيف والوحشي أحيانا مع الجماعات الإسلامية وكانت النتيجة الطبيعية لذلك هي دفع المزيد من أعضاء تلك الجماعات إلى خندق التطرف .. حتى وصلنا إلى واقعة عين شمس وما جرى حول مسجد آدم فإن الجماهير العريضة وليس أفراد الجماعات الإسلامية فقط اشتبكت مع قوات الأمن بعنف أشد من عنف تلك القوات .

أما الدكتور الأستاذ محمد البهي فيذكر في كتابه (الإسلام ومشكلات الحكم ) أن المحتلين لبلاد المسلمين لم يرحلوا عنها إلا بعد أن وجد جيل من أبناء المسلمين قد تربى على العلمانية ثم سلم المختلون مرافق الدولة إلى العلمانيين ليكونوا هم أهل السياسة والاقتصاد والاجتماع وليسيروا دفة الحكم على هذا الأساس العلماني المناهض للإسلام .

وإذا كان ذلك كذلك فهل يدرك أصحاب السلطان أنهم لا يستطيعون أن يخدعوا الناس كل الوقت وأنه إذا ردت الأمور إلى أصولها فإنهم ما تولوا السلطة إلا خلفا للفاتحين من جيل الصحابة رضى الله عنهم فما كان لهم أن يبدلوا أو يغيروا في الأمانة التي بين أيديهم .

وإذا اكتفينا بالواقع المر فهم ما تولوا السلطة إلا بتخدير الشعب حتى رضى بهم كمسلمين وولاة الأمر .

ولقد آن الأوان أن يخضعوا لحكم الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .

فإن لم يفعلوا ذلك لأي سبب فلا أقل من أن يكفوا أيديهم عن الشباب الذي يطالب بتحكيم شريعة الله وأن يرفعوا وصايتهم عن الشعب الذي لا يقبل بغير الإسلام بديلا .

وبالله وحده نعتصم ونتأيد .

أهم مراجع التحقيق

القرآن الكريم

صحيح الإمام البخاري : الإمام محمد بن إسماعيل البخاري .

صحيح الإمام مسلم : الإمام مسلم بن الحجاج القشيرى .

سنن الترمذى : الإمام أبو عيسى الترمذى .

سنن أبى ماجه : الإمام ابن ماجه .

سنن الدارمى : الإمام الدارمى .

مسند الإمام أحمد : الإمام أحمد بن حنبل

مسند الحميدى : الإمام ابن الزبير .

مسند أبى داود الطيالسى : أبو دواد الطيالسى .

المعجم المفهرس لألفاظ الحديث : لجنة من المستشرقين .

مفتاح كنوز السنة : العلامة : فنسنك .

لسان العرب : ابن منظور .

مفردات القرآن : الإمام الراغب الأصفهانى .

تاريخ علوم البلاغة :مصطفي المراغى .

شخصيات كتاب الأغاني : المجمع العلمي العراقي .

الترغيب والترهيب : الإمام المنذرى .

الكنز الثمين : عبد الله الصديق .

الجامع الصغير : الإمام السيوطى .

االتفاسير القرآنية : لجنة من العلماء .