شهر القرآن .. الأستاذ صالح عشماوى

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
شهر القرآن


بقلم / الأستاذ صالح عشماوي

الأستاذ صالح عشماوي

القرآن الكريم هو معجزة الرسول الكبرى، ودستور المسلمين الخالد إلى يوم الدين. وحسبنا ما وصفه به الحق تبارك وتعالى في قوله (الله نزل أحسن الحديث كتابًا متشابهًا مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله). وقال تعالى (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد)، (آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)، (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام).

نزل هذا الكتاب الكريم ليهدي الناس إلى العقائد الصحيحة (وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا، لا إله إلا هو، سبحانه عما يشركون)، ودعا إلى مكارم الأخلاق وفضائل العادات، (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) ووضع قواعد السياسة العادلة ونظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا)، (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً) ورسم هذا الدستور الخالد للمسلمين منها جهة في الحياة في كل ناحية من نواحيها (وما فرطنا في الكتاب من شيء) (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون).

أما فضل قراءة القرآن وتدارسه فحسبنا أن نذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده" وقوله عليه الصلاة والسلام من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها. لا أقول آلم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف، وميم حرف" وعن عبدالله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل أتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".

هذا هو كتاب الله العزيز الحكيم، وهذه منزلته عند الله وذلك فضله وقدره عند المسلمين بل عند الناس أجمعين. ولسنا نعلم في الحاضر والماضي، على تعاقب الأجيال وتواني الدهور، كتابا مقدسا أو غير مقدس، قد لقي من عناية الناس بعض ما لقي القرآن الكريم من المسلمين فقد تحرى المسلمون في كتابته ورسمه منتهى الدقة حتى توحد بذلك المصحف في آياته وفي كتابته وفي نطقه في مشارق الأرض ومغاربها.

فلو أنك أحضرت مصحفًا من أقصى الشرق في الهند أو الصين وقارنته بمصحف آخر في منتهى الغرب في الجزائر أو مراكش لما وجدت فرقا في كلمة واحدة فضلاً عن آية أو سورة ولما وجدت اختلافا في رسم حرف واحد فضلاً عن كلمة أو آية.

ولقد تحدى الإسلام العرب بهذا القرآن الذي نزل بلسان عربي مبين .. تحداهم في بلاغته وبيانه فعجزوا عن أن يأتوا بسورة من مثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا.. وما زال وسيظل إلى الأبد هذا القرآن الكريم معجز الدهر في بلاغته وسحر بيانه. وسيظل المعين الذي ينضب لكل أديب وبليغ ينطق بالعربية، سواء أكان من المسلمين أو غير المسلمين..

وجمد كتاب الله العزيز أمام كل ما وجه إليه من سهام، ورد كيد أعدائه في نحورهم وأحبط مكرهم، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال! أجل فقد ضعف المسلمون وضاعت دولتهم، وتقاسمت بلادهم دول الاستعمار، وأصبح المسلمون مستعبدين ولا حول لهم ولا قوة، ومع ذلك ظل القرآن الكريم كما هو لم تقو يد الزمان ولا حيل الاستعمار على محوه أو تحريفه أو تشويهه. وحاول أعداء الإسلام أن يحاربوا هذا الكتاب الخالد بمحاربة اللغة العربية تارة بحرب سافرة كما تعمل فرنسا في الجزائر وتونس ومراكش، وتارة بحرب خفية تحت ستار التجديد كالدعوة إلى اللغة العامية أو كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية أو ترجمة القرآن وتتعدد صوره ولهجاته وألفاظه، كما تعددت الأناجيل، ولكن الله سبحانه وتعالى أحبط كل هذه المؤامرات، وظل القرآن الكريم بلفظه ورسمه ولسانه العربي المبين!!

شهر القران.jpg

بل أعجب من ذلك وأغرب لقد سخر الله أعداء القرآن الألداء للدعاية والإعلان والنشر عن القرآن .. ففي الحرب العالمية الأخيرة وإلى الآن ما من محطة من محطات الإذاعة اللاسلكية في مشارق الأرض ومغاربها، عند الدول المسيحية والوثنية وحتى في إسرائيل إلا وتذيع القرآن الكريم في مستهل برامجها!

ولكن لا عجب ولا غرابة ألم يتكفل القوي العزيز بحفظ هذا الكتاب العظيم فقال جل من قائل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)!

هذا القرآن الخالد الكريم وهذا الكتاب المنزل من لدنه حكيم عليم، قد أنزل في شهر رمضان المبارك (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان).

فأي فضل وأي فخر وشرف بعد هذا لشهر رمضان الكريم! بل إن الليلة التي أنزل فيها القرآن من هذا الشهر كانت ليلة رفيعة المنزلة، عالية القدر، كانت "ليلة القدر" التي وصفها الحق تبارك وتعالى: (خير من ألف شهر).

فمرحبا برمضان العظيم وحسبه أن يكون شهر القرآن الكريم، وعلينا نحن معشر المسلمين أن نستقبل هذا الموسم الرباني مستبشرين فيه على طاعة الله واكتساب رضوانه، فنصوم نهاره، ونقوم ليله، ونكثر فيه من تلاوة الذكر الحكيم وتدبر آياته، ومدارسة أحكامه حتى يكون كل منا صورة حية من هذا القرآن الكريم وتعافى رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الطيبة والأسوة الحسنة فقد سئلت عائشة رضي الله عنه، عن خلق رسول الله فقالت: "كان خلقه القرآن"

وفقنا الله سبحانه وتعالى ورزقنا محبته وجنته وهدانا سواء السبيل إنه أفضل مسئول وأكرم مأمول.


المصدر : مجلة الدعوة – العدد (258) – 9رمضان 1376هـ / 19أبريل 1957م.